تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل

أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م)

_________________________________

سورة ا الأحقاف

سورة الأحقاف مكية وهي خمس وثلاثون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{حم}

٢

تنزيل الكتاب من اللّه العزيز الحكيم

٣

ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق} ملتبسا بالحق

{وأجل مسمى} وبتقدير أجل مسمى ينتهى إليه وهو يوم القيامة

{والذين كفروا عما أنذروا} عما أنذوره من هول ذلك اليوم الذي لا بد لكل مخلوق من انتهائه إليه

{معرضون} لا يؤمنون به ولا يهتمون بالإستعداد له ويجوز أن تكون ما مصدرية أي عن إذنذارهم ذلك اليوم

٤

{قل أرأيتم} أخبروني

{ما تدعون من دون اللّه} تعبدونه من الأصنام

{أروني ماذا خلقوا من الأرض} أي شيء خلقوا مما في الأرض إن كانوا آلهة

{أم لهم شرك في السماوات} شركة مع اللّه في خلق السموات والأرض

{ائتوني بكتاب من قبل هذا} أي من قبل هذا الكتاب وهو القرآن يعنى أن هذا الكتاب ناطق بالتوحيد وأبطال الشرك وما من كتاب أنزل من قبله من كتب اللّه إلا وهو ناطق بمثل ذلك فائتوا بكتاب واحد منزل من قبله شاهد بصحة ما أنتم عليه من عبادة غير اللّه

{أو أثارة من علم} أو بقية عليكم علم بقيت عليكم من علوم الأولين

{إن كنتم صادقين} أن اللّه أمركم بعبادة الأوثان

٥

{ومن أضل ممن يدعو من دون اللّه من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون}

أي أبدا

٦

{وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء} أي الأصنام لعبدتها

{وكانوا} أي الأصنام

{بعبادتهم} بعبادة عبدتهم

{كافرين} يقولون ما دعوناهم إلى عبادتنا ومعنى الاستفهام في من أضل إنكار أن يكون في الضلال كلهم أبلغ ضلالة من عبدة لأوثان حيث يتركون دعاء السميع المجيب القادر على كل شيء ويدعون من دونه جماد إلا يستجيب لهم ولا قدرة له على استجابة احد منهم ما دامت الدنيا وإلى ان تقوم القيامة واذا قامت القيامة وحشر الناس كانوا لهم اعداء وكانوا عليهم ضدا فليسوا في الدارين الا على نكد ومضرة لا تتولاهم في الدنيا بالاستجابة وفى الآخرة تعاديهم وتجحد عبادتهم ولما أسند اليهم ما يسند الى اولى العلم من الاستجابة والغفلة قيل من وهم ووصفهم بترك الاستجابة والغفلة طريقة طريق التهكم بها وبعبدتها أو نحوه قوله تعالى ان تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم

٧

{وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات} جمع بينة وهى الحجة والشاهد أو واضحات مبينتات

{قال الذين كفروا للحق} المراد بالحق الآيات وبالذين كفروا المتلو عليهم فوضع الظاهر ان موضع الضميرين للتسجيل عليهم بالكفر وللمتلو بالحق

{لما جاءهم} اى بادءوه بالجحود ساعة اتاهم واول ما سمعوه من غير اجالة فكر ولا اعادة نظر

{هذا سحر مبين} ظاهر امره في البطلان لا شبهة فيه

٨

{أم يقولون افتراه} اضراب عن ذكر تسميتهم الآيات سحرا الى ذكر قولهم ان محمد عليه السلام افتراه اى اختلقه واضافه الى اللّه كذبا والضمير للحق والمراد به الآيات

{قل إن افتريته فلا تملكون لي من اللّه شيئا} اى ان افتريته على سبيل الفرض عاجلني اللّه بعقوبة الافتراء عليه فلا تقدرون على كفه عن معالجتى ولا تطيقون دفع شىء من عقابه فكيف افتريه واتعرض لعقابه

{هو أعلم بما تفيضون فيه} اى تندفعون فيه من القدح فى وحى اللّه والطعن في آياته وتسميته سحرا تارة وفرية اخرى

{كفى به شهيدا بيني وبينكم} يشهد لى بالصدق ولابلاغ ويشهد عليم بالجحود والانكار ومعنى ذكر العلم والشهادة وعيد بجزاء افاضتهم

{وهو الغفور الرحيم} موعدة بالغفران والرحمة ان تابوا عن الكفر وآمنوا

٩

{قل ما كنت بدعا من الرسل} اى بديعا كالخف بمعنى الخفيف والمعنى انى لست بأول مرسل فتنكروا نبوتى

{وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} اى ما يفعل اللّه بى وبكم فبما يستقبل من الزمان وعن الكلبى قال له اصحابه وقد ضجروا من اذى المشركين حتى متى نكون على هذا فقال ما أدرى ما يفعل بى ولا بكم أأترك بمكة أم اومر بالخروج الى ارض قد رفعت لى

{إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين} ورأيتها يعنى في منامه ذات نخيل وشجر وما في يفعل يجوز ان تكون موصولة منصوبة وان تكون استفهامية مرفوعة وانما دخل لا في قوله ولا بكم مع ان يفعل مثبت غيره منفى لتناول النفى فيما أدرى ما وما في حيزه

{إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين}

١٠

{ل أرأيتم إن كان} القرآن

{من عند اللّه وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل} هو عبداللّه بن سلام عند الجمهور ولهذا قيل اإن هذه الآية مدنية لان اسلام ابن سلام بالمدينة روى انه لما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة نظر الى وجهه فعلم انه ليس بوجه كذاب وقال له انى ساتلك عن ثلاث لا يعلمهن الا نبى ما اول اشراط الساعة وما اول طعام يأكله اهل الجنة وما بال الولد ينزع الى ابيه أو الى امه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أما أول اشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق الى المغرب واما اول طعام ياكله اهل الجنة فزيادة كبد حوت واما الولد فاذا سبق ماء الرجل نزعه وان سبق ماء المرأة نزعته فقال اشهد انك رسول اللّه حقا

{على مثله} الضمير للقرآن اى مثله في المعنى وهو ما في التوراة من المعانى المطابقة لمعانى القرآن من التوحيد والوعد والوعيد وغير ذلك ويجوز ان يكون المعنى ان كان من عند اللّه وكفرتم به وشهد شاهد على نحو ذلك يعنى كونه من عند اللّه

{فآمن} الشاهد

{و} قد

{استكبرتم} عن الايمان به وجواب الشرط محذوف تقديره ان كان القرآن من عند اللّه وكفرتم به الستم ظالمين ويدل على هذا المحذوف

{إن اللّه لا يهدي القوم الظالمين} والواو الاولى عاطفة لكفرتم على فعل الشرط وكذلك الواو الاخيرة عاطفة لاستكبرتم ٢على شهد شاهد واما الواو في وشهد فقد عطفت جملة قولها شهد شاهد من بنى اسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم على جملة قوله كان من عند اللّه وكفرتم به والمعنى قل اخبرونى ان اجتمع كون القرآن عن عند اللّه مع كفركم به واجتمع شهادة أعلم بنى اسرائيل على نزول مثله فإيمانه به مع استكباركم عنه وعن الايمان به الستم اضل الناس واظلمهم

١١

{وقال الذين كفروا للذين آمنوا} اى لأجلهم وهو كلام كفار مكة قالوا ان عامة من يتبع محمدا السقاط يعنون الفقراء مثل عمار وصهيب وابن مسعود

{لو كان خيرا ما سبقونا إليه} لو كان ما جاء به محمد خيرا اما سبقنا اليه هؤلاء

{وإذ لم يهتدوا به} العامل في اذ محذوف لدلالة الكلام عليه تقديره واذ لم يهتدوا به ظهر عنادهم وقوله

{فسيقولون هذا إفك قديم} مسبب عنه وقولهم افك قديم اى كذب متقدم كقولهم أساطير الاولين

١٢

{ومن قبله} اى القرآن

{كتاب موسى} اى التوراة وهو مبتدأ ومن قبله ظرف واقع خبر مقدما عليه وهو ناصب

{إماما} على الحال نحو في الدار زيد قائما ومعنى إماما قدوة

{ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين} يؤتم به في دين اللّه وشرائعه كما يؤتم بالامام

{ورحمة} لمن آمن به وعمل بما فيه

{وهذا} القرآن

{كتاب مصدق} لكتاب موسى أو لما بين يديه وتقدمه من جميع الكتب

{لسانا عربيا} حال من ضمير الكتاب في مصدق والعامل فيه مصدق أو من كتاب لتخصصه بالصفة ويعمل فيه معنى الاشارة وجواز ان يكون مفعولا لمصدق اى يصدق ذا لسان عربي وهو الرسول

{لينذر} اى الكتاب لتنذر حجازى وشامى

{الذين ظلموا} كفروا

{وبشرى} في محل النصب معطوف على محل لينذر لانه مفعول له

{للمحسنين} للمؤمنين المطيعين

١٣

{إن الذين قالوا ربنا اللّه ثم استقاموا} على توحيد اللّه وشريعة نبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم

{فلا خوف عليهم} في القيامة

{ولا هم يحزنون} عند الموت

١٤

{أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها} حال من اصحاب الجنة والعامل فيه معنى الاشارة الذى دل عليه أولئك

{جزاء بما كانوا يعملون} جزاء مصدر لفعل دل عليه الكلام اى جوزوا جزاء

١٥

{ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا} كوفى اى وصيناه بأن يحسن بوالديه احسانا حسنا غيرهم اى وصيناه بوالديه امرا ذا حسن أو بأمر ذى حسن فهو في موضع البدل من قوله بوالديه وهو من بدل الاشتمال

{حملته أمه كرها ووضعته كرها} وبفتح الكافين حجازى وأبو عمرو وهما لغتان في معنى المشقة وانتصابه على الحال اى ذات كره أو على انه صفة للمصدر اىحملا ذاكره

{وحمله وفصاله} ومدة حمله و فطامه

{ثلاثون شهرا} وفيه دليل على ان اقل مدة الحمل ستة اشهر لان مدة الرضاع ا ذا كانت حولين لقوله تعالى حولين كاملين بقيت للحمل ستة أشهر وبه قال ابو يوسف ومحمد رحمهما اللّه وقال أبو حنيفة رضى اللّه عنه المراد به الحمل بالأكف وفصله يعقوب والفصل والفصال كالعظم والعظام بناء ومعنى

{حتى إذا بلغ أشده} هو جمع لا واحد له من لفظه وكان سيبويه يقول واحدة شدة وبلوغ الاشد ان يكتهل ويستوفى السن التى فيها قوته وعقله وذلك اذا أناف على الثلاثين وناطح الاربعين وعن قتادة ثلاث وثلاثون سنة ووجهه ان يكون ذلك اول الأشد وغايته الأربعون

{وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني} الهمنى

{أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي} المراد به نعمة التوحيد والاسلام وجمع بين شكرى النعمة عليه وعلى والديه لان النعمة عليهما نعمة عليه

{وأن أعمل صالحا ترضاه}

{وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين} قيل هى الصلوات الخمس

{وأصلح لي في ذريتي} اى اجعل ذريتى موقعا للصلاح ومظنة له

{إني تبت إليك} من كل ذنب

{وإني من المسلمين} من المخلصين

١٦

{أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم} حمزة وعلى وحفص يتقبل ويتجاوز أحسن غيرهم

{في أصحاب الجنة} هو كقولك أكرمنى الامير في ناس من اصحابه تريد أكرمنى في جملة من أكرم منهم ونظمنى في عدادهم ومحله النصب على الحال على معنى كائنين في اصحاب الجنة ومعدودين فيهم

{وعد الصدق} مصدر مؤكد لأن قوله يتقبل ويتجاوز وعد من اللّه لهم بالتقبل والتجاوز قيل نزلت في ابى بكر الصديق رضى اللّه عنه وفى أبيه ابى قحافة وأمه أم الخير وفي أولاده واستجابة دعائه فيهم فانه آمن بالنبى صلى اللّه عليه وسلم وهو ابن ثمان وثلاثين سنة ودعا لهما وهو ابن أربعين سنة ولم يكن أحد من الصحابة من المهاجرين منهم والانصار أسلم هو ووالداه وبنوه وبناته غير أبى بكر رضي اللّه عنه

{الذي كانوا يوعدون} في الدنيا

١٧

{والذي قال لوالديه} مبتدأ خبره اولئك الذين حق عليهم القول والمراد بالذى قال الجنس القائل ذلك القول ولذلك وقع الخبر مجموعا وعن الحسن هو في الكافر العاق لوالديه المكذب بالبعث وقيل نزلت في عبدالرحمن بن ابى بكر رضى اللّه عنه قبل اسلامه ويشهد لبطلانه كتاب معاويه الى مروان ليأمر الناس بالبيعة ليزيد فقال عبد الرحمن بن أبى بكر لقد جئتم بها هرقلية أنبايعون لأبنائكم فقال مروان يا ايها الناس هذا الذى قال اللّه تعالى فيه والذى قال لوالديه أف لكما فسمعت عائشة رضى اللّه عنها فغضبت وقالت واللّه ما هو به ولو شئت ان اسميه لسميته ولكن اللّه تعالى لعن اباك وأنت في صلبه فأنت فضض من لعنة اللّه أى قطعة

{أف لكما} مدنى وحفص أف مكى و شامى أف غيرهم وهو صوت إذا صوت به الانسان علم انه متضجر كما اذا قال حس علم انه متوجع واللام للبيان اى هذا التأفيف لكما خاصة ولأجلكما دون غيركما

{أتعدانني أن أخرج} ان ابعث واخرج من الارض

{وقد خلت القرون من قبلي} ولم يبعث منهم احد

{وهما} ابواه

{يستغيثان اللّه} يقولان الغياث باللّه منك ومن قولك وهو استعظام لقوله ويقولان له

{ويلك} دعاء عليه بالثبور والمراد به الحث والتحريض على الايمان لا حقيقة الهلاك

{آمن} باللّه وبالبعث

{إن وعد اللّه} بالبعث

{حق} صدق

{فيقول} لهما

{ما هذا} القول

{إلا أساطير الأولين

١٨

أولئك الذين حق عليهم القول}

{في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين} اى لأملان جهنم

{في أمم قد خلت} قد مضت

{من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين}

١٩

ولكل من الجنسين المذكورين الابرار والفجار

{درجات مما عملوا} أي منازل ومراتب من جزاء ما عملوا من الخير والشر أو من اجل ما عملوا منها وانما قال درجات وقد جاء الجنة درجات والنار دركات على وجه التغليب

{وليوفيهم أعمالهم} بالياء مكى وبصري وعاصم

{وهم لا يظلمون} اى وليوفيهم أعمالهم ولا يظلمهم حقوقهم قدر جزاءهم على مقادير اعمالهم فجعل الثواب درجات والعقاب دركات واللام متعلقة بمحذوف

٢٠

{ويوم يعرض الذين كفروا على النار} عرضهم على النار تعذيبهم بها من قولهم عرض بنو فلان على السيف اذا قتلوا به وقيل المراد عرض النار عليهم من قولهم عرضت الناقة على الحوض يريدون عرض الحوض عليها فغلبوا

{أذهبتم} اى يقال لهم اذهبتم وهو ناصب الظرف

{طيباتكم في حياتكم الدنيا} أي ما كتب لكم حظمن الطيبات الا ما قد اصبتموه في دنياكم وقد دهبتم به واخذتموه فلم يبق لكم بعد استيفاء حظكم شىء منها وعن عمر رضى اللّه عنه لو شئت لكنت اطيبكم طعاما واحسنكم لباسا ولكى استبقى طيباتى

{واستمتعتم بها} بالطيبات

{فاليوم تجزون عذاب الهون} اى الهوان وقرىء به

{بما كنتم تستكبرون} تتكبرون

{في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون} اى باستكباركم وفسقكم

٢١

{واذكر أخا عاد} اى هودا

{إذ أنذر قومه بالأحقاف} جمع حقف وهو رمل مستطيل مرتفع فيه انحناء من احقوقف الشىء اذا عوج عن ابن عباس رضىاللّه عنهما هو واد بين عمان ومهرة

{وقد خلت النذر} جمع نذير بمعنى المنذر أو الانذار

{من بين يديه ومن خلفه} من قبل هود ومن خلف هود وقوله وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلف وقع اعتراضا بين انذر قومه وبين

{ألا تعبدوا إلا اللّه إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} والمعنى واذكر انذار هود قومه عاقبة الشرك والعذاب العظيم وقد أنذر من تقدمه من الرسل ومن تأخر عنه مثل ذلك

٢٢

{قالوا} أى قوم هود أجئتنا

{لتأفكنا} لتصرفنا فالأفك الصرف يقال افكه عن رأيه

{عن آلهتنا} عن عبادتها

{فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين} {فأتنا بما تعدنا} من معالجة العذاب على الشرك

{إن كنت من الصادقين} في وعيدك

٢٣

{قال إنما العلم} بوقت مجىء العذاب

{عند اللّه} ولا علم لى بالوقت الذى يكون فيه تعذيبكم

{وأبلغكم ما أرسلت به} اليكم وبالتخفيف أبو عمر وأي الذى هو شأنى ان أبلغكم ما ارسلت به الانذار والتخويف

{ولكني أراكم قوما تجهلون} اى ولكنكم جاهلون لا تعلمون ان الرسل بعثوا منذرين لا مقترحين ولا سائلين غير ما اذن لهم فيه

٢٤

{فلما رأوه} الضمير يرجع الى ما تعدنا أو هو مبهم وضح أمره بقوله

{عارضا} أما تمييزا أو حالا والعارض السحاب الذى يعرض في افق السماء

{مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا} روى ان المطر قد احتبس عنه فرأوا سحابة استقبلت أوديتهم فقالوا هذا سحاب يأتينا بالمطر واظهروا من ذلك فرحا وإضافة مستقبل وممطر مجازية غير معرفة بدليل وقوعهما وهما مضافان الى معرفتين وصفا للنكرة

{بل هو} اى قال هو دبل هو ويدل عليه قراءة من قرأ قال هو دبل هو

{ما استعجلتم به} من العذاب ثم فسره فقال

{ريح فيها عذاب أليم}

٢٥

{دمر كل شيء} تهلك من نفوس عاد واموالهم الجم الكثير فعبر عن الكثرة بالكلية

{بأمر ربها} رب الريح

{فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم} عاصم وحمزة وخلف أى لا يرى شىء إلا مساكنهم غيرهم لا ترى الا مساكنهم والخطاب للرائى من كان

{كذلك نجزي القوم المجرمين} اى مثل ذلك نجزى من أجرم مثل جرمهم وهو تحذير لمشركى العرب عن ابن عباس رضى اللّه عنهما اعتزل هود عليه السلام ومن معه في حظيرة ما يصيبهم من الريح الا ما تلذه الانفس وانها لمر من عاد بالظعن بين السماء والارض وتدمغهم بالحجارة

٢٦

{ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه} ان نافية اى فيما ما مكناكم فيه الا ان احسن في اللفظ لما في مجامعة ما مثلها من التكرير المستبشع الا ترى ان الاصل في مهما ماما فلبشاعة التكرير قبلوا الألف هاء وقد جعلت أن صلة وتؤول بامكناهم في مثل ما إِنَّ مكناكم فيه والوجه هوالأول فقوله تعالى هم احسن اثاثا ورئيا * كانوا اكثر منهم واشد قوة وآثارا وما بمعنى الذى أو نكرة موصوفة

{وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة} اى الات الدرك والفهم

{فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء} اى من شىء من الاغناء وهو القليل منه

{إذ كانوا يجحدون}

{بآيات اللّه وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون} {بآيات اللّه} اذ نصب بقوله فما اغنى وجرى مجرى التعليل لاستواء مؤدى التعليل والظرف في قولك ضربته لاساءته وضربته اذ أساء لانك اذا ضربته في وقت اساءته فانما ضربته فيه لوجود اساءته فيه الا ان اذا وحيث غلبتا دون سائر الظروف في ذلك

{وحاق بهم} ونزل بهم

{ما كانوا به يستهزؤون} جزاء استهزائهم وهذا تهديد لكفار مكة ثم زادهم تهديد بقوله

٢٧

{ولقد أهلكنا ما حولكم} يا اهل مكة

{من القرى} نحو حجر ثمود وقرى قوم لوط والمراد اهل القرى ولذلك قال

{وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون} اى كررنا عليهم الحجج وانواع العبر لعلهم يرجعون عن الطغيان الى الايمان فلم يرجعوا

٢٨

{فلولا} فهلا

{نصرهم الذين اتخذوا من دون اللّه قربانا آلهة} القربان ما تقرب به الى اللّه تعالى اى اتخذوهم شفعا ومتقاربا بهم الى اللّه تعالى حيث قالوا هؤلا شفعاؤنا عند اللّه واحد مفعولى اتخذ الراجع الى الذين محذوف اى اتخذوهم والثانى الهة وقربانا حال

{بل ضلوا عنهم} غابوا عن نصرتهم

{وذلك إفكهم وما كانوا يفترون} وذلك اشارة الى امتناع نصرة آلهتهم وضلالهم عنهم اى وذلك اثر افكهم الذى هو اتخاذهم اياها آلهة وثمرة شركهم وافترائهم على اللّه الكذب

٢٩

{وإذ صرفنا إليك نفرا} أملنا هم اليك واقبلنا بهم نحوك والنفر دونالعشرة

{من الجن} جن نصيبين

{يستمعون القرآن} منه عليه الصلاة والسلام

{فلما حضروه} اى الرسول صلى اللّه عليه وسلم أو القرآن اى كانوا منه بحيث يسمعون

{قالوا} اى قال بعضهم لبعض

{أنصتوا} اسكتوا مستمعين روى ان الجن كانت تسترق السمع فلما حرست السماء ورجموا بالشهب قالوا ما هذا الا لنبأ حدث فنهض سبعة نفر أو تسعة من اشراف جن نصيبين أو نينوى منهم زويعة فضربوا حتى بلغوا تهامة ثم اندفعوا الى وادى نخلة فوافوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو قائم في جوف الليل يصلى أو في صلاة الفجر فاستمعوا لقراءته وعن سعيد بن جبير ما قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على الجن ولا رآهم وانما كان يتلو في صلاته فمروا به فوقفوا مستمعين وهو لا يشعر فأنبأه اللّه باستماعهم وقيل بل اللّه امر رسوله أن ينذر الجن ويقرأ عليهم فصرف إليه نفرا منهم فقال إني أمرت أن أقرأ على الجن الليلة فمن يتبعنى قالها ثلاثا فاطرقوا الا عبداللّه بن مسعود رضى اللّه عنه قال لم يحضره ليلة الجن احد غيرى فانطلقنا حتى اذا كنا باعلى مكة في شعب الحجون فخط لى خطا وقال لا تخرج منه حتى اعود اليك ثم افتتح القرآن وسمعت لعطا شديدا فقال لى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هل رأيت شيئا قلت نعم رجالا سودا فقال اولئك جن نصيبين وكانوا اثنى عشر الفا والسورة التى قرأها عليهم اقرأ باسم ربك

{فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين} {فلما قضى} اى فرغ النبى صلى اللّه عليه وسلم من القراءة

{ولوا إلى قومهم منذرين} اياهم

٣٠

{قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى} وانما قالوا من بعد موسى لانهم كانوا علىاليهودية وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان الجن لم تكن سمعت بأمر عيسى عليه السلام

{مصدقا لما بين يديه} من الكتب

{يهدي إلى الحق} الى اللّه تعالى

{وإلى طريق مستقيم}

٣١

{ا قومنا أجيبوا داعي اللّه} اي محمد صلى اللّه عليه وسلم

{وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم} قال أبو حنيفة رضى اللّه عنه لا تواب لهم الا النجاة من النار لهذه الآية وقال مالك وابن ابى ليلى وابو يوسف ومحمد رحمهم اللّه لهم الثواب والعقاب وعن الضحاك انهم يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون لقوله تعالى لم يطمثهن إِنْسٌ قبلهم ولا جان

٣٢

{ومن لا يجب داعي اللّه فليس بمعجز في الأرض} اى لا ينجى منه مهرب

{وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين}

٣٣

أو لم يروا أن اللّه الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن} هو كقوله ومامسنا من لغوب ويقال عييت بالامر اذا لم تعرف وجهه

{بقادر} محله الرفع لانه خبر ان يدل عليه قراءة عبداللّه قادر وانما دخلت الباء لا شتمال النفى في اول الآية على ان وما في حيزها وقال الزجاج لو قلت ما ظننت ان زيدا بقائم جاز كانه قيل اليس اللّه بقادر الا ترى الى وقو بلى مقررة للقدرة علىكل شىء من البعث وغير لالرؤيتهم

{على أن يحيي الموتى بلى} هو جواب النفى

{إنه على كل شيء قدير}

٣٤

{ويوم يعرض الذين كفروا على النار} يقال لهم

{أليس هذا بالحق} وناصب الظرف القول المضمر وهذا اشارةالىالعذاب

{قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} بكفركم في الدنيا

٣٥

{فاصبر كما صبر أولوا العزم} اولوا الجد والثبات والصبر

{من الرسل} من التبعيض والمراد باولى العزم ما ذكر في الاحزاب واذ اخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن

{ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون} نوح وابراهيم وموسى وعيسى بن مريم ويونس ليس منهم لقوله ولا تكن كصاحب الحوت وكذا آدم لقوله ولم نجد له عزما أو لبيان فيكون اولوا العزم صفة الرسل كلهم

{ولا تستعجل لهم} لكفار قريش بالعذاب اى لا تدع لهم بتعجيله فانه نال بهم لا محالة وان تأخر

{كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار} ى انهم يستقصرون حينئذ مدة لبثهم في الدنيا حتى يحسبوها ساعة من نهار

{بلاغ} هذا بلاغ اى هذا الذي وعظتم به كفايه في الموعظة أو هذا تبليغ من الرسول

{فهل يهلك} هلاك عذاب والمعنى فلن يهلك بعذاب اللّه

{إلا القوم الفاسقون} اى المشركون الخارجون عن الإتعاظ به والعمل بموجبة قال عليه السلام من قرأ سورة الأحقاف كتب اللّه له عشر حسنات بعدد كل رملة في الدنيا

﴿ ٠