تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل

أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م)

_________________________________

سورة الفتح

سورة الفتح مدنية وهى تسع وعشرون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{إنا فتحنا لك فتحا مبينا} الفتح الظفر بالبلدة عنوة أو صلحا بحرب أو بغير حرب لانه مغلق مالم يظفر به فاذا ظفر به فقد فتح ثم قيل هو فتح مكة وقد نزلت مرجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن مكة عام الحديبية عدة له بالفتح وجىء به لفظ على الماضى لانها فى تحققها بمنزلة الكائنة وفي ذلك من الفخامة والدلالة على علو شان المخبر عنه وهو الفتح مالا يخفى وقيل هو فتح الحديبية ولم يكن فيه قتال شديد ولكن ترام بين القوم بسهام وحجارة فرمى المسلمون المشركين حتى ادخلوهم ديارهم وسألوا الصلح فكان فتحا مبينا وقال الزجاج كان في فتح الحديبية آية للمسلمين عظيمة وذلك انه نزح ماؤها ولم يبق فيها قطرة فتمضمض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم مجه في البئر فدرت بالماء حتى شرب جميع الناس وقيل هو فتح خيبر وقيل معناه قضينا لك قضاء بينا علىاهل مكة ان يدخلها انت واصحابك من قابلى لتطوفوا بالبيت من الفتاحة وهى الحكومة

٢

{ليغفر لك اللّه} قيل الفتح ليس بسبب المغفرة والتقدير انا فتحنا لك فتحا مبينا فاستغفر لك اللّه ومثله اذا جاء نصر اللّه والفتح الى قوله فسبح بحمد ربك واستغفره ويجوز ان يكون فتح مكة من حيث انه جهاد للعدو سببا للغفران وقيل الفتح لم يكن ليغفر له بل لاتمام النعمة وهداية الصراط المستقيم والنصر العزيز ولكنه لما عدد عليه هذه النعم وصلها بما هو اعظم النعم كأنه قيل يسرنا لك فتح مكة أو كذا لنجمع لك بين عز الدارين واغراض العاجل والآجل

{ما تقدم من ذنبك وما تأخر} يريد جميع ما فرط منك أو ما تقدم من حديث مارية وما تأخر من امرأة زيد

{ويتم نعمته عليك} باعلاء دينك وفتح البلاد على يدك

{ويهديك صراطا مستقيما} يثبتك على الدين المرضى

٣

{وينصرك اللّه نصرا عزيزا} قويا لاذل بعده ابدا

٤

{هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} السكينة للسكون كالبهيتة للبهتان اى انزل اللّه في قلوبهم السكون والطمأنينة بسبب الصلح ليزدادوا يقينا الى يقينهم وقيل السكنية الصبر على ما أمر اللّه والثقة بوعد اللّه والتعظيم لامر اللّه

{وللّه جنود السماوات والأرض وكان اللّه عليما حكيما}

٥

{ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند اللّه فوزا عظيما}

٦

ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات} اى وللّه جنود السموات والارض يسلط بعضها على بعض كما يقتضيه علمه وحكمته ومن قضيته ان سكن قلوب المؤمنين بصلح الحديبية ووعدهم ان يفتح لهم وانما قضى ذلك ليعرف المؤمنون نعمة اللّه فيه ويشكروها فيثيبهم ويعذب الكافرين والمنافقين لما غاظهم من ذلك وكرهوه

{الظانين باللّه ظن السوء} وقع السوء عبارة عن رداءة الشىء وفسادة يقال فعل سوء اى مسخوط فاسدوا المراد ظنهم ان اللّه تعالى لا ينصر الرسول والمؤمنين ولا يرجعهم الى مكة ظافرين فاتحيها عنوة وقهرا

{عليهم دائرة السوء} مكى وأبو عمرو اى ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين فهو حائق بهم ودائر عليهم والسوء الهلاك والدمار وغيرهما دائرة السوء بالفتح أي الدائرة التي يذمونها ويسخطونها السوء والسوء كالكره والكره والضعف والضعف الا ان المفتوح غلب في ان يضاف اليه ما يراد ذمه من كل شىء واما السوء فجاز مجرى الشر الذى هو نقيض الخير

{وغضب اللّه عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا} جهنم

٧

{وللّه جنود السماوات والأرض} فيدفع كيد من عادى نبيه عليه السلام والمؤمنين بما شاء منها

{وكان اللّه عزيزا} غالبا فلا يرد بأسه

{حكيما} فيما دبر

٨

{إنا أرسلناك شاهدا} تشهد على امتك يوم القيامة وهذه حال مقدرة

{ومبشرا} للمؤمنين بالجنة

{ونذيرا} للكافرين من النار

٩

{لتؤمنوا باللّه ورسوله} والخطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولامته

{وتعزروه} وتقووه بالنصر

{وتوقروه} وتعظموه

{وتسبحوه} من التسبيح أو من السبحة والضمائر للّه عز وجل والمراد بتعزيز اللّه تعزيز دينه ورسوله ومن فرق الضمائر فجعل الاولين للنبى صلى اللّه عليه وسلم فقد ابعد ليؤمنوا مكى وأبو عمرو والضمير للناس وكذا الثلاثة الاخيرة بالياء عندهما

{بكرة} صلاة الفجر

{وأصيلا} الصلوات الأربع

١٠

{إن الذين يبايعونك} اى بيعة الرضوان ولما قال

{إنما يبايعون اللّه} اكده تأكيدا على طريقة التخييل فقال

{يد اللّه فوق أيديهم} يريد ان

{فمن نكث فإنما ينكث على نفسه} يد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم التى تعلو ايدى المبايعين هى يد اللّه واللّه منزه عن الجوارح وعن صفات الاجسام وانما المعنى تقرير ان عقد الميثاق مع الرسول كعقده مع اللّه من غير تفاوت بينهما كقوله من يطع الرسول فقد اطاع اللّه وانما يبايعون اللّه خبران

{فمن نكث} نقض العهد ولم يف بالبيعة

{فإنما ينكث على نفسه} فلا يعود ضرر نكثه الا عليه قال جابر بن عبداللّه بايعنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تحت الشجرة على الموت وعلى ان لا نفر فما نكث احد منا البيعة الا جدبن قيس وكان منافقا اختبأ تحت بطن بعيره ولم يسر مع القوم

{ومن أوفى بما عاهد} يقال وفيت بالعهد وأوفيت به ومنه قوله اوفوا بالعقود * والموفون بعدهم

{عليه اللّه} حفص

{فسيؤتيه} وبالنون حجازى وشامى

{أجرا عظيما} الجنة

١١

{سيقول لك} اذا رجعت من الحديبية

{المخلفون من الأعراب} هم الذين خلفوا عن الحديبية وهم اعراب غفار ومزينة وجهينة واسلم واشجع والديل وذلك انه عليه السلام حين اراد السير إلى مكة عام الحديبية معتمرا استنفر من حول المدينة من الاعراب واهل البوادى ليخرجوا معه حذرا من قريش ان يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت واحرم هو صلى اللّه عليه وسلم وساق معه الهدى ليعلم انه لا يريد حربا فتثاقل كثير من الاعراب وقالوا يذهب الى قوم غزوه في عقر داره بالمدينة وقتلوا اصحابه فقاتلهم وظنوا انه يهلك فلا ينقلب الى المدينة

{شغلتنا أموالنا وأهلونا} هى جمع اهل اعتلوا بالشغل باهاليهم واموالهم وانه ليس لهم من يقوم باشغالهم

{فاستغفر لنا} ليغفر لنا اللّه تخلقنا عنك

{يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم} تكذيب لهم في اعتذارهم وان الذى خلفهم ليس ما يقولون وانما هو الشك في اللّه والنفاق فطلبهم الاستغفار ايضا ليس بصادر عن حقيقة

{قل فمن يملك لكم من اللّه شيئا} فمن يمنعكم من مشيئة اللّه وقضائه

{إن أراد بكم ضرا} ما يضركم من قتل أو هزيمة ضرا حمزة وعلى

{أو أراد بكم نفعا} من غنيمة وظهر

{بل كان اللّه بما تعملون خبيرا

١٢

بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم} زينه الشيطان

{وظننتم ظن السوء} من علو الكفر وظهور الفساد

{وكنتم قوما بورا} جمع بائر كعائذ وعوذ من بار الشىء هلك وفسد اى وكنتم قوما فاسدين في انفسكم وقلوبكم ونياتكم لا خير فيكم أو

١٣

{ومن لم يؤمن باللّه ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا} هالكين عند اللّه مستحقين لسخطه وعقابه

{ومن لم يؤمن باللّه ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين} اى لهم فاقيم الظاهر مقام الضمير للايذان بان من لم يجمع بين الايمانين باللّه والايمان برسوله فهو كافر ونكر

{سعيرا} لانها نار مخصوصة كما نكر نارا تلظى

١٤

{وللّه ملك السماوات والأرض} يدبره تدبير قادر حكيم

{يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} يغفر ويعذب بمشيئته وحكمته وحكمته المغفرة للمؤمنين والتعذيب للكافرين

{وكان اللّه غفورا رحيما} سبقت رحمته غضبه

١٥

{سيقول المخلفون} الذين تخلفوا عن الحديبية

{إذا انطلقتم إلى مغانم} اى غنائم خيبر

{لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام اللّه} كلم اللّه حمزة وعلى اى يريدون ان يغيروا موعد اللّه لاهل الحديبية وذلك انه وعدهم ان يعوضهم من مغانم خيبر اذا قفلوا موادعين لا يصيبون منهم شيئا

{قل لن تتبعونا} الى خيبر وهو اخبار من اللّه بعد اتباعهم ولا يبدل القول لديه

{كذلكم قال اللّه من قبل} من قبل انصرافهم الىالمدينة ان غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية دون غيرهم

{فسيقولون بل تحسدوننا} اى لم يامركم اللّه به بل تحسدوننا ان نشارككم في الغنيمة

{بل كانوا لا يفقهون} من كلام اللّه

{إلا قليلا} الا شيئا قليلا يعنى مجرد القول والفرق بين الاضرابين ان الاول ان يكون حكم اللّه ان لا يتبعوهم واثبات الحسد والثاني اضراب عن وصفهم باضافة الحسد الى المؤمنين الى وصفهم بما هو أطم منه وهو الجهل وقلة الفقه

١٦

{قل للمخلفين من الأعراب} هم الذين تخلفوا عن الحديبية

{ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد} يعنى بنى حنيفة قوم مسيلمة واهل الردة الذين حاربهم ابو بكر رضى اللّه عنه لان مشركى العرب والمرتدين هم الذين لا يقبل منهم الا الاسلام أو السيف وقيل هم فارس وقد دعاهم عمر رضى اللّه عنه

{تقاتلونهم أو يسلمون} اى يكون احد الامرين اما المقاتلة أو الاسلام ومعنى يسلمون على هذا التاويل ينقادون لان فارس مجوس تقبل منهم الجزية وفي الآية دلالة صحة خلاف الشيخين حيث وعدهم الثواب على طاعة الداعى عند عوته بقوله

{فإن تطيعوا} من دعاكم الى قتاله

{يؤتكم اللّه أجرا حسنا} فوجب ان يكون الداعى مفترض الطاعة

{وإن تتولوا كما توليتم من قبل} اى عن الحديبية

{يعذبكم عذابا أليما} في

١٧

{ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج} الآخرة

{ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج} نفى الحرج عن ذوى العاهات في التخلف عن الغزو

{ومن يطع اللّه ورسوله} في الجهاد وغير ذلك

{يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول} يعرض عن الطاعة

{يعذبه عذابا أليما} ندخله ونعذبه مدنى وشامى

١٨

{لقد رضي اللّه عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} هى بيعة الرضوان سميت بهذه الآية وقصتها ان النبى صلى اللّه عليه وسلم حين نزل بالحديبية بعث خراش بن امية الخزاعى رسولا الى مكة فهموا به فمنعه الأحابيش فلما رجع دعا بعمر ليبعثه فقال انى اخافهم على نفسى لما عرف من عداوتي اياهم فبعث عثمان بن عفان فخبرهم انه لم يات الحرب وانما جاء زائرا للبيت فوقروه واحتبس عندهم فارجف بانهم قتلوه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لانبرح حتى نناجز القوم ودعا الناس الى البيعة فبايعوه على ان يناجزوها قريشا ولا يفروا تحت الشجرة وكانت سمرة وكان عدد المبايعين الفا واربعمائة

{فعلم ما في قلوبهم} من الاخلاص وصدق الضمائر فيما بايعوا عليه

{فأنزل السكينة عليهم} اى الطمأنينة والامن بسبب الصلح على قلوبهم

{وأثابهم} وجازاهم

{فتحا قريبا} هو فتح خيبر غب انصرافهم من مكة

١٩

{ومغانم كثيرة يأخذونها} هى مغانم خيبر وكانت ارضا ذات عقار واموال فقسمها عليهم

{وكان اللّه عزيزا} منيعا فلا يغالب

{حكيما} فيما يحكم فلا يعارض

٢٠

{وعدكم اللّه مغانم كثيرة تأخذونها} هى ما اصابوه مع النبى صلى اللّه عليه وسلم وبعده الى يوم القيامة

{فعجل لكم هذه} المغانم يعنى مغانم خيبر

{وكف أيدي الناس عنكم} يعنى ايدى اهل خيبر وحلفائهم من اسد وغطفان حين جاءوا لنصرتهم فقذف اللّه في قلوبهم الرعب فانصرفوا وقيل ايدى اهل مكة بالصلح

{ولتكون} هذه الكفة

{آية للمؤمنين} وعبرة يعرفون بها انهم من اللّه عز وجل بمكان وانه ضامن نصرتهم والفتح عليهم فعل ذلك

{ويهديكم صراطا مستقيما} ويزيدكم بصيرة ويقينا وثقة بفضل اللّه

٢١

{وأخرى} معطوفة على هذه اى فجعل لكم هذه المغانم ومغانم اخرى هى مغانم هوازن في غزوة حنين

{لم تقدروا عليها} لما كان فيها من الجولة

{قد أحاط اللّه بها} اى قدر عليها واستولى واظهركم عليها ويجوز في اخرى النصب بفعل مضمر يفسره قد احاط اللّه بها

{وكان اللّه على كل شيء قديرا} تقديره وقضى اللّه اخرى قد احاط بها واما لم تقدروا عليها فصفة لاخرى والرفع على الابتداء لكونها موصوفة بلم تقدروا وقد احاط اللّه بها خبر المبتدأ

{وكان اللّه على كل شيء قديرا} قادرا

٢٢

{ولو قاتلكم الذين كفروا} من اهل مكة ولم يصالحوا أو من حلفاء اهل خيبر

{لولوا الأدبار} لغلبوا وانهزموا

{ثم لا يجدون وليا} يلى امرهم

{ولا نصيرا} ينصرهم

٢٣

{سنة اللّه} في موضع المصدر المؤكد اى سن اللّه غلبة انبيائه سنة وهو قوله لاغلبن انا ورسلى

{التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة اللّه تبديلا} تغييرا

٢٤

{وهو الذي كف أيديهم عنكم} اى ايدى اهل مكة

{وأيديكم عنهم} عن اهل مكة يعنى قضى بينهم وبينكم المكافة والمحاجزة بدما خولكم الظفر عليهم والغلبة وذلك يوم الفتح وبه استشهد أبو حنيفة رضى اللّه عنه على ان مكة فتحت عنوة لا صلحا وقيل كان في غزوة الحديبية لما روى ان عكرمة بن أبي جهل خرج في خمسمائة فبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من هزمه وادخله حيطان مكة وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما اظهر المسلمين عليهم بالحجارة حتى ادخلوهم البيوت

{ببطن مكة} اى بمكة أو بالحديبية لان بعضها منسوب الى الحرم

{من بعد أن أظفركم عليهم} اى اقدركم وسلطكم

{وكان اللّه بما تعملون بصيرا} وبالياء أبو عمرو

٢٥

{هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي} هو ما يهدى الى الكعبة ونصبه عطفا على كم في صدوكم اى وصدوا الهدى

{معكوفا أن يبلغ} محبوسا ان يبلغ ومعكوفا حال وكان عليه السلام ساق سبعين بدنة

{محله} مكانه الذى يحل فيه نحره اى يجب وهذا دليل على ان المحصر محل هديه الحرم والمراد المحل المعهود وهو منى

{ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات} بمكة

{لم تعلموهم} صفة للرجال والنساء جميعا

{أن تطؤوهم} بدل اشتمال منهم أو من الضميرالمنصوب في تعلموهم

{فتصيبكم منهم معرة} إثم وشدة وهى مفعلة من عره بمعنى عراه اذا دهاه ما يكرهه ويشق عليه وهو الكفارة اذا قتله خطأ وسوء قالة المشركين انهم فعلوا باهل دينهم مثل ما فعلوا بنا من غير تمييز والاثم اذا قصر

{بغير علم} متعلق بأن تطؤهم يعنى أن تطؤهم غير عالمين بهم والوطء عبارة عن الايقاع والابادة والمعنى انه كان بمكة قوم من المسلمين مختلطون بالمشركين غير متميزين منهم فقيل

{ليدخل اللّه في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا} ولولا كراهة ان تهلكوا ناسا مؤمنين بين ظهرانى المشركين وأنتم غير عارفين بهم فيصبكم باهلاكهم مكروه ومشقة لما كف ايديكم عنهم وقوله

{ليدخل اللّه في رحمته من يشاء} تعليل لما دلت عليه الآية وسيقت له من كف الايدى عن اهل مكة والمنع عن قتلهم صونا لما بين أظهرهم من المؤمنين كانه قال كان الكف ومنع التعذيب ليدخل اللّه في رحمته أي في توفيقه لزيادة الخير والطاعة مؤمنيهم أو ليدخل في الاسلام من رغب فيه من مشركيهم

{لو تزيلوا} لو تفرقوا وتميز المسلمون من الكافرين وجواب لولا محذوف اغنى عنا جواب لو ويجوز ان يكون لو تزيلوا كالتكرير اولا رجال مؤمنون لمرجعهما الى معنى واحد ويكون

{لعذبنا الذين كفروا} هو الجواب تقديره ولولا ان تطؤا رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات ولو كانوا متميزين لعذبناهم بالسيف

{منهم} من اهل مكة

{عذابا أليما} والعامل في

٢٦

{إذ جعل الذين كفروا} اى قريش لعذبنا اى لعذبناهم في ذلك الوقت أو اذكر

{في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل اللّه سكينته على رسوله وعلى المؤمنين} المراد بحمية الذين كفروا هى الانفة وسكينة المؤمنين وهى الوقار ما يروى ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما نزل بالحديبية بعث قريش سهيل بن عمرو وحويطب بن عبدالعزى ومكر زبن حفص على ان يعرضوا على النبى صلى اللّه عليه وسلم ان يرجع من عامه ذلك على ان تخلى له قريش مكة من العام القابل ثلاثة ايام ففعل ذلك وكتبوا بينهم كتابا فقال عليه السلام لعلى رضى اللّه عنه اكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم فقال سهيل واصحابه ما نعرف هذا ولكن اكتب باسمك اللّهم ثم قال اكتب هذا ما صالح عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اهل مكة فقالوا لو نعلم انك رسول اللّه ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبداللّه اهل مكة فقال عليه السلام اكتب ما يريدون فأنا اشهد انى رسول اللّه وانا محمد بن عبداللّه فهم المسلمون ان يابوا ذلك ويشمئزوا منه فانزل اللّه على رسوله السكينة فتوقروا وحلموا

{وألزمهم كلمة التقوى} الجمهور على انها كلمة الشهادة وقيل بسم اللّه الرحمن الرحيم والاضافة الى التقوى باعتبار انها سبب التقوى واساسها وقيل كلمة اهل التقوى

{وكانوا} اى المؤمنون

{أحق بها} من غيرهم

{وأهلها} بتأهيل اللّه اياهم

{وكان اللّه بكل شيء عليما} ٦ فيجرى الامور على مصالحها

٢٧

{لقد صدق اللّه رسوله الرؤيا} اى صدقه في رؤياه ولم يكذبه تعالى اللّه عن الكذب فحذف الجار واوصل الفعل كقوله صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه روى ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رأى قبل خروجه إلى الحديبية كأنه واصحابه قد دخلوا مكة آمنين وقد حلقوا وقصرا فقص الرؤيا على اصحابه ففرحوا وحسبوا

{بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء اللّه آمنين محلقين} انهم داخلوها في عامهم وقالوا ان رؤيا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حق فلما تأخر ذلك قال عبداللّه بن أبى وغيره واللّه ما حلقنا ولا قصرنا ولا راينا المسجد الحرام فنزلت

{بالحق} متعلق بصدق اى صدقه فيما راى وفى كونه وحصوله صدقا ملتبسا بالحق اى بالحكمة البالغة وذلك ما فيه من الابتلاء والتمييز بين المؤمن الخالص وبين من في قلبه مرض ويجوز ان يكون بالحق قسما اما بالحق الذى هو نقيض الباطل أو بالحق الذى هو من اسمائه وجوابه

{لتدخلن المسجد الحرام} وعلى الاول هو جواب قسم محذوف

{إن شاء اللّه} حكاية من اللّه تعالى ما قاله رسوله لاصحابه وقص عليهم أو تعليم لعباده ان يقولوا في عداتهم مثل ذلك متادبين بأدب اللّه ومقتدين بسنته

{آمنين} حال والشرط معترض

{محلقين} حال من الضمير في آمنين

{رؤوسكم} اى جميع شعورها

{ومقصرين} بعض شعورها

{لا تخافون} حال مؤكدة

{فعلم ما لم تعلموا} من الحكمة في تأخير فتح مكة الى العام القابل

{فجعل من دون ذلك} اى من دون فتح مكة

{فتحا قريبا} وهو فتح خيبر ليستروح اليه قلوب المؤمنين الى ان يتيسر الفتح الموعود

٢٨

{هو الذي أرسل رسوله بالهدى} بالتوحيد

{ودين الحق} اى الاسلام

{ليظهره} ليعليه

{على الدين كله} على جنس الدين يريد الاديان المختلفة من اديات المشركين واهل الكتاب ولقد حقق ذلك سبحانه فانك لا ترى دينا قط الا وللاسلام دونه العزة والغلبة وقيل هو عند نزول عيسى عليه السلام حين لا يبقى على وجه الارض كافر وقيل هو اظهار بالحجج والايات

{وكفى باللّه شهيدا} على ان ما وعده كائن وعن الحسن شهد على نفسه انه سيظهر دينه والتقدير وكفاه اللّه شهيدا وشهيد تمميز أو حال

٢٩

{محمد} خبر مبتدأ اى هو محمد لتقدم قوله هو الذى ارسل رسوله ام مبتدأ خبر

{رسول اللّه} وقف عليه نصير

{والذين معه} اى اصحابه مبتدا والخبر

{أشداء على الكفار} أو محمد مبتدا ورسول اللّه عطف بيان والذين معه عطف على المبتدا واشداء خبر عن الجميع ومعناه غلاظ

{رحماء بينهم} متعاطفون وهو خبر ثان وهما جمعا شديد ورحيم ونحوه اذلة على المؤمنين اعزة على الكافرين وبلغ من تشددهم على الكفار انهم كانوا يتحرزون من ثيابهم ان تلزق بثيابهم ومن ابدانهم ان تمس ابدانهم وبلغ من ترحمهم فيما بينهم انه كان لا يرى مؤمنا الا صافحه وعانقه

{تراهم ركعا} راكعين

{سجدا} ساجدين

{يبتغون} حال كما ان ركعا وسجدا كذلك

{فضلا من اللّه ورضوانا سيماهم} علامتهم

{في وجوههم من أثر}

{السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل}

﴿ ٠