تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م) _________________________________سورة الحجرات سورة الحجرات بسم اللّه الرحمن الرحيم {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا} {السجود} اى من التأثير الذى يؤثره السجود وعن عطاء استنارت وجوههم من طول ما وصلوا بالليل لقوله عليه السلام: من كثر صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار {ذلك} اى المذكور {مثلهم} صفتهم {في التوراة} وعليه وقف {ومثلهم في الإنجيل} مبتدأ خبره {كزرع أخرج شطأه} فراخه يقال اشطأ الزرع اذا فرخ {فآزره} قواه فآزره شامى {فاستغلظ} فصار من الرقة إلى الغلظ {فاستوى على سوقه} فاستقام على قصبة جمع ساق {يعجب الزراع} يتعجبون من قوته وقيل مكتوب في الانجيل سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وعن عكرمة اخرج شطأه بأبى بكر فآزره بعمر فاستغلظ بعثمان فاستوى على سوقه بعلى رضوان اللّه عليهم وهذا مثل ضربه اللّه تعالى لبدء الاسلام وترقيه في الزيادة الى ان قوى واستحكم لان النبى صلى اللّه عليه وسلم قام وحده ثم قواه اللّه تعالى بمن آمن معه كما يقوى الطاقة الاولى من الزرع ما يحتف بها مما يتولد منها حتى يعجب الزراع {ليغيظ بهم الكفار} تعليل لما دل عليه تشبيههم بالزرع من نمائهم وترقيهم في الزيادة والقوة ويجوز ان يعلل به {وعد اللّه الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما} لان الكفار اذا سمعوا بما اعد لهم في الآخرة مع ما يعزهم به في الدنيا غاظهم ذلك ومن في منهم للبيان كما في قوله فاجتنبوا الرجس من الاوثان يعنى فاجتنبوا الرجس الذى هو الاوثان وقولك انفق من الدراهم اى اجعل نفقتك هذا الجنس وهذه الآية ترد قول الروافض انهم كفروا بعد وفاة النبى صلى اللّه عليه وسلم اذ الوعد لهم بالمغفرة والاجر العظيم انما يكون ان لو ثبتوا على ما كانوا عليه في حياته سورة الحجرات مدنية وهى ثمان عشر آية بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا} قدمه واقدمه منقولان بتثقيل الحشو والهمزة من قدمه اذا تقدمه في قوله تعالى يقدم قومه وحذف المفعول ليتناول كل ما وقع في النفس مما يقدم من القول أو الفعل وجاز ان لا يقصد مفعول والنهى متوجه الى نفس التقدمة كقوله هو الذى يحيى ويميت أو هو من قدم بمعنى تقدم كوجه بمعنى توجه ومنه مقدمة الجيش وهى الجماعة المتقدمة منه ويؤيده قراءة {بين يدي اللّه ورسوله واتقوا اللّه إن اللّه سميع عليم} يعقوب لا تقدموا بحذف احدى تاءى تتقدموا {بين يدي اللّه ورسوله} حقيقة قولهم جلست بين يدى فلان ان تجلس بين الجهتين المسامنتين ليمينه وشماله قريبا منه فسميت الجهتان يدين لكونهما على سمت اليدين مع القرب منهما توسعا كما يسمى الشىء باسم غيره اذا جاوره في هذه العبارة ضرب من المجاز الذى يسمى تمثيلا وفيه فائدة جليلة وهى تصوير الهجنة والشناعة فيما نهوا عنه من الاقدام على امر من الامور دون الاحتذاء على امثلة الكتاب والسنة ويجوز ان يجرى مجرى قولك سرني زيد وحسن حاله اى سرنى حسن حال زيد فكذلك هنا المعنى بين يدى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وفائدة هذا الاسلوب الدلالة على قوة الاختصاص ولما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من اللّه بالمكان الذى لا يخفى سلك به هذا المسلك وفى هذا تمهيد لما نقم منهم من رفع أصواتهم فوق صوته عليه السلام لان من فضله اللّه بهذه الاثرة واختصه هذا الاختصاص كان ادنى ما يجب له من التهيب والاجلال ان يخفض بين يديه الصوت وعن الحسن ان اناسا ذبحوا يم الاضحى قبل الصلاة فنزلت وامرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ان يعيدوا ذبحا اخر وعن عائشة رضى عنها انها نزلت في النهى عن صوم يوم الشك {واتقوا اللّه} فانكم ان اتقيتموه عافتكم التقوى عن التقدمة المنهى عنها {إن اللّه سميع} لما تقولون {عليم} بما تعملون وحق مثله ان يتقى |
﴿ ١ ﴾