تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م) _________________________________سورة الطور مكية وهى تسع وأربعون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم ١{والطور} هو الجبل الذى كلم اللّه عليه موسى وهو بمدي ٢{وكتاب مسطور} هو القرآن ونكر لانه كتاب مخصوص من بين سائر الكتب أو اللوح المحفوظ أو التوراة ٣{في رق} هو الصحيفة أو الجلد الذى يكتب فيه {منشور} مفتوح لاختم عليه أو لائح ٤{والبيت المعمور} اى الضراح وهو بيت في السماء حيال الكعبة وعمرانه بكثرة زواره من الملائكة روى انه يدخله كل يوم سبعون الف ملك ويخرجون ثم لا يعودون اليه ابدا وقيل الكعبة لكونها معمورة بالحجاج والعمار ٥{والسقف المرفوع} اى السماء أو العرش ٦{والبحر المسجور} المملوء أو الموقد والواو الاولى للقسم والبواقى للعطف وجواب القسم ٧{إن عذاب ربك} اى الذى اوعد الكفار به {لواقع} لنازل قال جبير بن معطم اتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اكلمه في الاسارى فلقيته في صلاة الفجر يقرأ سورة الطور فلما بلغ ان عذا ربك لواقع اسلمت خوفا من ان ينزل العذاب ٨{ما له من دافع} لا يمنعه مانع والجملة صفة لواقع اي واقع غير مدفوع والعامل في يوم لواقع اى يقع في ذلك اليوم أو اذكر ٩{يوم تمور} تدور كالرحى مضطربة {السماء مورا} ١٠{وتسير الجبال سيرا} في الهواء كالسحاب لانها تصير هباء منثورا ١١{فويل يومئذ للمكذبين} ١٢{الذين هم في خوض يلعبون} غلب الخوض في الاندفاع في الباطل والكذب ومنه قوله وكنا نخوض مع الخائضين ويبدل ١٣{يوم يدعون إلى نار جهنم دعا} من يوم تمور والدع الدفع العنيف وذلك ان خزنة النار يغلون ايديهم الى اعناقهم ويجمعون نواصيهم الى اقدامهم ويدفعونهم الى النار دفعا على وجوههم وزخافى اقفيتهم فيقال لهم ١٤{هذه النار التي كنتم بها تكذبون} في الدنيا ١٥{أفسحر هذا} هذا مبتدأ وسحرخبره يعنى كنتم تقولون للوحى هذا سحر أفسحر هذا يريد ان هذا المصداق ايضا سحر ودخلت الفاء لهذا المعنى {أم أنتم لا تبصرون} كما كنت لا تبصرون في الدنيا يعنى ام انتم عمى عن المخبر عنه كما كنتم عميا عن الخبر وهذا تقربع وتهكم ١٦{اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم} خبر سواء محذوف اى سواء عليكم الامر ان الصبر وعدمه وقيل على العكس وعلل استواء الصبر وعدمه بقوله {إنما تجزون ما كنتم تعملون} لان الصبر انما يكون له مزبة على الجزع لنفعه في العاقبة بان يجازى عليه الصابر جزءا الخير فاما الصبر على العذاب الذى هو الجزاء ولا عاقبة له ولا منعفة فلا مزبة له على الجزع ١٧{إن المتقين في جنات} في اية جنات {ونعيم} اى واى نعيم بمعنى الكمال في صفة أو في جنات ونعيم مخصوصة بالمتقين خلقت لهم خاصة ١٨{فاكهين} حال من الضمير في الظرف والظرف خبر اى متلذذين {بما آتاهم ربهم} وعطف قوله {ووقاهم ربهم} على في جنات اى ان المتقين استقروا في جنات ووقاهم ربهم أو على اتاهم ربهم على ان تجعل ما مصدرية والمعنى فاكهين بايتائهم ربهم ووقايتهم {عذاب الجحيم} أو ا لواو للحال وقد بعدها مضمرة يقال لهم ١٩{كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون} اكلا وشربا هنيأ أو طعاما وشرابا هنيأ وهو الذى لا تنغيص فيه ٢٠{متكئين} حال من الضمير في كلوا واشربوا {على سرر} جمع سرير {مصفوفة} موصول بعضها ببعض {وزوجناهم} وقرناهم {بحور} جمع حوراء {عين} عظام الاعين حسانها ٢١{والذين آمنوا} مبتدأ والحقنا بهم خبره {واتبعتهم} واتبعناهم أبو عمرو {ذريتهم} اولادهم {بإيمان} حال من الفاعل {ألحقنا بهم ذريتهم} اى نلحق الاولاد بايمانهم واعمالهم درجات الاباء وان قصرت اعمال الذرية عن اعمال الاباء وقيل ان الذرية وان لم يبلغوا مبلغا يكون منهم الايمان استدلالا وانما تلقنوا منهم تقليدا فهم يلحقون بالاباء ذريتهم ذرياتهم مدنى ذريتهم ذرياتهم ابو عمر وذرياتهم ذرياتهم شامى {وما ألتناهم من عملهم من شيء} وما نقصناهم من ثواب عملهم من شىء التناهم مكى الت يألت وألت يألت لغتان من الاولى متعلقة بالتناهم والثانية {كل امرئ بما كسب رهين} اى مرهون فنفس المؤمن مرهونة بعمله وتجازى به ٢٢{وأمددناهم} وزدناهم في وقت بعد وقت {بفاكهة ولحم مما يشتهون} وان لم يقترحوا ٢٣{يتنازعون فيها كأسا} خمرا أى يتعاطون ويتعاودون هم وجلساؤهم من اقربائهم يتناول هذا الكاس من يد هذا وهذا من يدا هذا {لا لغو فيها} في شربها {ولا تأثيم} اى لا يجرى بينهم ما يلغى يعنى لا يجرى بينهم باطل ولا مافيه اثم لو فعله فاعل في دار التكليف من التكذيب والشتم ونحوهما كشاربى خمر الدنيا لان عقولهم ثابتة فيتكلمون بالحكم والكلام الحسن لا لغو فيها ولا تأثيم مكى وبصرى ٢٤{ويطوف عليهم غلمان لهم} مملو كون لهم مخصوصون بهم {كأنهم} من بياضهم وصافئهم {لؤلؤ مكنون} في الصدف لانه رطبا احسن واصفى أو مخزون لانه لا يخزن الا الثمين الغالى القيمة في الحديث: ان ادنى اهل الجنة منزلة من ينادى الخادم من خدامه فيجيبه الف ببابه لبيك لبيك ٢٥{وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} يسأل بعضهم بعضا عن احواله واعماله وما استحق به نيل ما عند اللّه ٢٦{قالوا إنا كنا قبل} اى في الدنيا {في أهلنا مشفقين} ارقاء القلوب من خشية اللّه اوخائفين من نزع الايمان وفوت الامان أو من ر الحسنات والاخذ بالسيآت ٢٧{فمن اللّه علينا} بالمغفرة والرحمة {ووقانا عذاب السموم} هى الربح الحارة التى تدخل المسام فسميت بها نار جهنم لانها بهذه الصفة ٢٨{إنا كنا من قبل} من قبل لقاء اللّه تعالى والمصير اليه يعنون في الدنيا {ندعوه} نعبده ولا نعبد غيره ونسالة الوقاية {إنه هو البر} المحسن {الرحيم} العظيم الرحمة الذى اذا عبد اثاب واذا سئل اجاب انه بالفتح مدنى وعلى اى بانه أو لانه ٢٩{فذكر} فاثبت على تذكر الناس وموعظتهم {فما أنت بنعمة ربك} برحمة ربك وانعامه عليك بالنبوة ورجاحة العقل {بكاهن ولا مجنون} كما زعموا وهو في موضع الحال والتقدير لست كاهنا ولا مجنونا متلبسا بنعمة ربك ٣٠{أم يقولون} هو {شاعر نتربص به ريب المنون} حوادث الدهر اى ننتظر نوائب الزمان فيهلك كما هلك من قبله من الشعراء زهير والنابغة وام في اوائل هذه الآى منقطعة بمعنى بل والهمزة ٣١{قل تربصوا فإني معكم من المتربصين} اتربص هلاككم كما تتربصون هلاكى ٣٢{أم تأمرهم أحلامهم} عقولهم {بهذا} التناقض في القول وهو قولهم كاهن وشاعر مع قولهم مجنون وكانت قريش يدعون اهل الاحلام والنهى {أم هم قوم طاغون} مجاوزون الحد في العناد مع ظهور رالحق لهم واسناد الامر الى الاحلام مجاز ٣٣{أم يقولون تقوله} اختلقه محمد من تلقاء نفسه {بل} رد عليهم اى ليس الامر كما زعموا {لا يؤمنون} فلكفرهم وعنادهم يرمون بهذه المطاعن مع علمهم ببطلان قولهم وانه ليس بمتقول لعجز العرب عنه وما محمدا لا واحدمن العرب ٣٤{فليأتوا بحديث} مختلق {مثله} مثل القرآن {إن كانوا صادقين} في ان محمدا تقوله من تلفاء نفسه لانه بلسانهم وهم فصحاء ٣٥{أم خلقوا} أم احدثوا وقدروا التقدير الذى عليه فطرتهم {من غير شيء} من غير مقدر {أم هم الخالقون} ام هم الذين خلقوا انفسهم حيث لا يعبدون الخالق وقيل اخلقوا من اجل لا شىء من جزاء ولا حساب ام هم الخالقون فلا ياتمرون ٣٦{أم خلقوا السماوات والأرض} فلا يعبدون خالقهما {بل لا يوقنون} اى لا يتدبرون في الآيات فيعلموا خالقهم وخالق السموات والارض ٣٧{أم عندهم خزائن ربك} من النبوة الرزق وغيرهما فيخصوا من شاءوا بما شاءوا {أم هم المصيطرون} الا رباب الغالبون حتى يدبروا امر الربوبية وبينوا الامور على مشيئتم وبالسين مكى وشامى ٣٨{أم لهم سلم} منصوب يرتقون به الى السماء {يستمعون فيه} كلام الملائكة وما يوحى اليهم من علم الغيب حتى يعلموا ما هو كائن من تقدم هلاكه على هلاكهم وظفرهم في العاقبة دونه كما يزعمون قال الزجاج يستمعون فيه اى عليه {فليأت مستمعهم بسلطان مبين} بحجة واضحة تصدق استماع مستمعهم ٣٩{أم له البنات ولكم البنون} ثم سفه احلامهم حيث اختاروا للّه ما يكرهون وهم حكماء عند أنفسهم ٤٠{أم تسألهم أجرا} على التبليغ ولانذار {فهم من مغرم مثقلون} المغرم ان يلتزم الانسان ما ليس عليه اى لزمهم مغرم ثقيل فدحهم فزهدهم ذلك في اتباعك ٤١{أم عندهم الغيب} اى اللوح النمحفوظ {فهم يكتبون} ما فيه حتى يقولوا لا نبعث وان بعثنا لم نعذب ٤٢{أم يريدون كيدا} وهو كيهم في دار الندورة برسول اللّه وبالمؤمنين {فالذين كفروا} اشارة اليهم أو اريد بهم كل من كفر باللّه تعالى {هم المكيدون} هم الذين يعومد عليهم وبال كيدهم وحيق بهم مكرهم وذلك انهم قتلا يوم بدر اوهم المغلوبون في الكيد من كايدته فكدته ٤٣{أم لهم إله غير اللّه} يمنعهم من عذاب اللّه {سبحان اللّه عما يشركون} ٤٤{وان يرا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب} الكسف القطعة وهو جواب قولهم أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفار يريد انهم لشدة طغيانهم وعنادهم لو اسقطناه عليهم لقالوا هذا سحاب {مركوم} قدركم أي جمع بعضه على بعض يمطرنا ولم يصدقوا أنه كسف ساقط للعذاب. ٤٥{فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون} بضم الياء عاصم وشامى الباقون بفتح الياء يقال صقعة فصعق وذلك عند النفخة الاولى نفخة الصعق ٤٦{يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون} وان لؤلاء الظلمة ٤٧{ وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك} دون يوم القيامة وهو القتل ببدر والقحط سبع سنين وعذاب القبر {ولكن أكثرهم لا يعلمون} & ذلك ثم امره بالصبر الى ان يقع بهم العذاب فقال ٣٨{واصبر لحكم ربك} بامهالهم وبما يلحق فيه من المشقة فانك بأعيننا اى بحيث نراك ونكاؤك وجمع العين لان الضمير بلفظ الجماعة الا ترى الى قوله ولتصنع على عينى {وسبح بحمد ربك حين تقوم} للصلاة وهو ما يقال بعد التكبير سبحانك اللّهم وبحمدك أو من اى مكان قمت أو من منامك ٣٩{ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم} واذا ادبرت النجوم من اخر الليل وادبار زيد اى في اعقاب النجوم وآثارها اذا غربت والمراد الامر بقول سبحان اللّه وبحمده في هذه الأوقات وقيل التسبيح الصلاة اذا قام من نومه ومن الليل صلاة العشاء بن وإدبار النجوم صلاة الفجر وباللّه التوفيق |
﴿ ٠ ﴾