تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م) _________________________________سورة الواقعة سورة الواقعة سبع وتسعو آية مدنية بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ {إذا وقعت الواقعة} قامت القيامة وقيل وصفت بالوقوع لانها تقع لام محالة فكانه قيل اذا وقعت الواقعة التى لا بد من وقوعها ووقع الامر نزوله يقال وقع ما كنت اتوقعه اى نزل ما كنت اترقب نزوله وانتصاب اذا باضمار اذكر ٢{ليس لوقعتها كاذبة} نفس كاذبة اى لا تكون حين تقع نفس تكذيب على اللّه وتكذب في تكذيب الغيب لان كل نفس حينئذ مؤمنة صادقة مصدقة واكثر النفوس اليوم كراذب مكذبات واللام مثلها في قوله تعالى يا ليتنى قدمت لحياتى ٣{خافضة رافعة} اى هى خافضة رافعة ترفع اقوامها وتضع آخرين ٤{إذا رجت الأرض رجا} حركت تحريكا شديدا حتى ينهدم كل شىء فوقها من جبل وبناء وهو بدل من اذا وقعت ويجوز ان ينتصب بخافضة رافعة اى تخفض وترفع وقت رج الارض وبس الجبال ٥{وبست الجبال بسا} وفتلت حتى تعود كالسويق أو سيقت من بس الغنم اذا ساقها كقوله وسيرت الجبال ٦{فكانت هباء} غبارا {منبثا} متفرقا ٧{وكنتم أزواجا} اصنافا يقال للاصناف التى بعضها من بعض أو يذكر بعضها مع بعض ازواج {ثلاثة} صنفان في الجنة وصيف في النار ثم فسر الازواج فقال ٨{فأصحاب الميمنة} مبتدأ وهم الذين يؤتون صحائفهم بايمانهم {ما أصحاب الميمنة} مبتدأ وخبر وهما خبر المتبأ الاول وهو تعجب من حالهم في السعادة وتعظيم لشأنهم كانه قال ماهم واى شىء هم ٩{وأصحاب المشأمة} اى الذين يؤتون صحائفهم بشمائلهم أو اصحاب المنزلة السقيه واصحاب المنزلة الدنية الخسيسة من قولك فلان منى باليمين وفلان منى بالشمال اذا وصفتهما بالرفعة عندك والضعة وذلك ليمنهم بالميامن وتشاؤمهم بالشمائل وقيل يؤخذ باهل الجنة ذات اليمين وباهل النار ذات الشمال {ما أصحاب المشأمة} اى اى شىء هم وهو تعجيب من حالهم بالشقاء ١٠{والسابقون} الى الجنات وقيل الثانى تأكيد للاول ١١{أولئك المقربون} والاول اوجه ١٢{في جنات النعيم} اى هم في جنات النعيم ١٣{ثلة من الأولين ١٤وقليل من الآخرين} اى هم ثلة والثلة الامة من الناس الكثيرة والمعنى ان السابقين كثير من الاولين وهم الامم من لدن آدم الى نبينا محمد عليهما السلام وقليل من الاخرين هم امة محمد صلى اللّه عليه وسلم قيل من الاولين من متقدمى هذه الامة من الاخرين من متاخريها وعن النبى صلى اللّه عليه وسلم: الثلتان جميعا من امتى ١٥{على سرر} جمع سرير ككثيب وكثب {موضونة} مومولة ونسوجة بالذهب مشبكة بالدر والياقوت ١٦{متكئين} حال من الضمير في على وهو العامل فيها اى استقروا عليها متكئين {عليها متقابلين} ينظر بعضهم في وجوه بعض ولا ينظر بعضهم في اقفاء بعض وصفوا بحسن العشرة وتهذيب الاغلاق وصفاء المودة ومتقابلين حال ايضا ١٧{يطوف عليهم} يخدمهم {ولدان} غلمان جمع وليد {مخلدون} مبقون ابدا على شكل الولدان لا يتحولون عنه وقيل مقرطون والخلدة القرط قيل هم اولاد اهل الدنيا لم تكن لهم حسنات فيثابوا عليا ولا سيات فيعاقبوا عليها وفى الحديث: اولاد الكفار خدام اهل الجنة ١٨{بأكواب} جمع كوب وهى آنية لا عروة لها ولا خرطوم {وأباريق} جمع ابريق وهو ماله خرطوم وعرون {وكأس} وقدح فيه شراب وان لم يكن فيه شراب فليس بكأس {من معين} من خمر تجرى من العيون ١٩{لا يصدعون عنها} اى بسببها وحقيقته لا يصدصداعهم عنها اوىلا يفرقون عنها {ولا ينزفون} ولا يسكرون نزف لارجل ذهب عقله بالسكر ولا ينزفون بكسر الزاى كوفى لاينفد شرابهم يقا انزف القوماذا في شرابه ٢٠{وفاكهة مما يتخيرون} يأخذون خيره وافضله ٢١{ولحم طير مما يشتهون} يتمنون ٢٢{وحور} جمع حوراء {عين} جمع عيناء اى وفيها عين اوولهم حور عيويجوزان يكون عطفا على ولدان وحور يزيد وحمزة وعل عطا على جنات النعيم كانه قال هم في جنات النعيم وفاكهة ولحم وحور ٢٣{كأمثال اللؤلؤ} في الصفاء والنقاء {المكنون} المصون قال الزجاج كامثال الدرحين يخرج من صدفه لم يغيره الزمان واختلاف احوال الاستعمال ٢٤{جزاء بما كانوا يعملون} جزاء مفعول له اى يفعل بهم ذلك كله لجزاء اعمالهم أو مصدر اى يجزون جزاء ٢٥{لا يسمعون فيها} في الجنة {لغوا} باطلا {ولا تأثيما} هذيانا ٢٦{إلا قيلا سلاما سلاما} الا قولا ذا سلامة والاستثناء منقطع وسلاما بدل من قيلا أو مفعول به لقيلا اى لا يسمعون فيها الا ان يقولوا سلاما سلاما والمعنى انه يفشون السلام بينهم فيسلمون سلاما بعد سلام ٢٧{وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين ٢٨في سدر مخضود} السدر شجر النبق والمخضود الذ لا شوك له كانما خذ شوكه ٢٩{وطلح منضود} الطلبح شجر الموز والمنضود الذى نضد بالحمل من اسفله الى اغلاه فليست له ساق بارزة ٣٠{وظل ممدود} ممتد منبسط كظل ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس ٣١{وماء مسكوب} جار بلا حد ولا خد اى تجرى على الارض فى غير اخدود ٣٢{وفاكهة كثيرة} اى كثيرة الاجناس ٣٣{لا مقطوعة} لا تنقطع في بعض الاوقات كفواكه الدنيا بل هى دائمة {ولا ممنوعة} لا تمنع عن متناولها بوجه وقيل لا مقطوعة بالأزمان ولا ممنوعة بالانمان ٣٤{وفرش مرفوعة} رفيعة القدر أو نضدت حتى ارتفعت أو مرفوعة على الاسرة وقيل هى النسا لان المراة يكنى عنها بالفراش مرفوعة على الارائك قال اللّه تعالى هم وازواجهم في ظلال على الارائك متكئون ويدل عليه قوله ٣٥{إنا أنشأناهن إنشاء} ابتدأنا خلقهن ابتداء من غير ولادة فأما ولادة أن يراد اللاتي ابتداىء نشاؤهن أو اللاتى اعيد انشاؤهن وعل غير هذا التأويل اضمر لهن لان ذكر الفرش وهى المضاجع دل عليهن ٣٦{فجعلناهن أبكارا} عذارى كلما اتاهن ازواجهن وجدوهن ابكارا ٣٧{عربا} عربا حمة وخلف ويحى وحماد جمع عروب وهى المتحبية الى زوجها الحسنة التبعل {أترابا} مستويات في السن بنات ثلاث وثلاثين وازواجهن كذلك واللام في ٣٨{لأصحاب اليمين} من صلة انشأنا ٣٩{ثلة} اى اصحاب اليمين ثلة {من الأولين ٤٠وثلة من الآخرين} فان قلت كيف قال قبل هذا وقليل من الآخرين ثم قال هنا وثلة من الآخرين قلت ذاك في السابقين وهذا فى اصحاب اليمين وانهم يتكاثرون من الاولين والاخرين جميعا وعن الحسن سابقوا الامم اكثر من سابقى امتنا وتابعو الامم مثل تابعى هذه الامة ٤١{وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال} الشمال والمشأمه واحدة ٤٢{في سموم} في حر نار ينفذ في المسام {وحميم} وماء حار متناهي الحرارة ٤٣{وظل من يحموم} من دخان اسود ٤٤{لا بارد ولا كريم} نفي لصفتي الظل عنه يريدانه ظل ولكن لا كسائر الظلال سماه ظل ثم نفى برد الظل وروحه ونفعه من يأوى اليه من اذى الحر وذلك كرمه ليمحق ما في مدلول الظل من الاسترواح اليه والمعنى انه ظل حار ضار ٤٥{إنهم كانوا قبل ذلك مُتْرَفِينَ } يداومون ٤٦{وَكَانُوا يُصِرُّونَ على الحنث العظيم} أي على الذنب العظيم أو على الشرك لأنه نقض عهد الميثاق والحنيث نض العهد المؤكد باليمين أوالكفر بالبعث بدليل قوله واقسموا باللّه جهد ايمانهم لا يبعث اللّه من يموت ٤٧{وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون} تقديره انبعث اذا متنا وهو العامل في الظرف وجاز حذفه اذ مبعوثون يدل عليه ولا يعمل فيه مبعوثون لان اذا متنا وهو العامل في الظرف وجاز حذفه اذ مبعوثون يدل عليه ولايعمل فيه مبعوثون لأن اذ والاستفهام يمنعان ان يعمل ما بعدهما فيما قبلهما ٤٨{أو آباؤنا الأولون} دخلت همزة الاستفهام على حرف العطف وحسن العطف علىالمضمر في لمبعوثون من غير توكيد بنحن الفاصل الذي هو الهمزة كما حسن في قوله ما اشركنا ولا آباؤنا لفصل لا المؤكدة للنفي أو آباؤنا مدني وشامي ٤٩{قل إن الأولين والآخرين} ٥٠{لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم} إلى ما وقتت بهالدنيا من يوم معلوم والاضافة بمعنى من كخاتم فضة والميقات ما وقت به الشيء أي حد ومنه مواقيت الاحرام وهي الحدد التي لا يجاوزها من يريد دخول مكة الا محرما ٥١{ثم إنكم أيها الضالون} عن الهدى {المكذبون} بالبعث وهم أهل كة ومن في مثل حالهم ٥٢{لآكلون من شجر} من لابتداء الغاية {من زقوم} من لبيان الشجر ٥٣{فمالئون منها البطون} ٥٤{فشاربون عليه من الحميم} أنت ضمير الشجر على المعنى وذكره على اللفظ في منها وعليه ٥٥{فشاربون شرب} بضم الشين مدني وعاصم وحمزة وسهل وبفتح الشين غيرهم وهما مصدارن {الهيم} هي ابل عطاش لاتروى جمع اهيم وهيماء والمعنى انه يسلط عليهم من الجوع مايضطرهم إلى اكل الزقو الذي هو كالمهل فاذا ملؤا منه البطون سلط عليهم من العطش ما يضطرهم الى شرب الحميم الذي يقطع امعاءهم فيشربونه شرب الهيم وانما صح عطف الشاربين على الشاربين وهما الذوات متفقة وصفتان متفقتان لان كونهم شاربين للحميم على ما هو عليه من تناهي الحرارة وقطع الامعاء امر عجيب وشربهم له على ذلك كما يشرب الهيم الماء أمر عجيب ايضا وكانتا صفتين مختلفتين ٥٦{هذا نزلهم} هو الرزق الذي يعد للنازل تكرمة له {يوم الدين} يوم الجزاء ٥٧{نحن خلقناكم فلولا} فهلا {تصدقون} تخصيص على التصديق اما بالخلق لأنهم وان كانوا مصدقين به إلا انه لما كان مذهبهم خلاف ما يقتضيه التصديق فكاتهم مكذبون به واما البعث لأن من خلق اولا لم يمتنع عليه ان يخلق ثانيا ٥٨{أفرأيتم ما تمنون} ما تمنونه أي تقذفونه في الارحام من النطف ٥٩{أأنتم تخلقونه} تقدرونه وتصورونه وتجعلونه بشرا سويا {الخالقون ٦٠نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن} تقدير اقسمناه عليكم قسمة الارزاق على اختلاف وتفاوت كما تقتضيه مشيئتنا فاختلفت اعماركم من قصير وطويل ومتوسط قدرنا بالخفيف مكي سبقته بالشيء اذا اعجزته عنه وغلبته فمعنى قوله {وما نحن بمسبوقين ٦١على أن نبدل أمثالكم} انا قادرون على ذلك لا تغلبونا عليه وامثالكم جمع مثل أي على أن نبدل منكم ومكانكم أشباهكم من الخلق {وننشئكم في ما لا تعلمون} وعلى أن ننشئكم في خلق لا تعلمونها وما عهدتم بمثلها يعني انا نقدر على الأمرين جميعا على خلق ما يماثلكم ومالا يماثلكم ومالا يماثلكم فكيف نعجز عن اعادتكم ويجوز ان يكون امثالكم جمع مثل أي على ان نبدل ونغير صفاتكم التي أنتم عليها في خلقكم وأخلاقكم وننشئكم في صفات لا تعلمونها ٦٢{ولقد علمتم النشأة الأولى} النشأ مكي وأبو عمرو {فلولا تذكرون} ان من قدر على شيء مرة لم يمتنع عليه ثانيا وفيه دليل صحة القياس حيث جهلهم في ترك قياس النشأة الاخرى على الأولى ٦٣{أفرأيتم ما تحرثون} ما تحرثونه من الطعام أي تثيرون الأرض وتلقون فيها البذر ٦٤{أأنتم تزرعونه} تنبتونه وتردونه نباتا {أم نحن الزارعون} المنبتون وفي الحديث: لا يقولون أحدكم زرعت وليقل حرثت ٦٥{لو نشاء لجعلناه حطاما} هشيما متكسرا قبل إدراكه {فظلتم تفكهون} تعجبون أو تندمون على تعبكم فيه وانفاقكم عليه أو على ما اقترفتم من المعاصي التي أصبتم بذلك من أجلها ٦٦{إنا} أي تقولون انا أئتنا أبو بكر {لمغرمون} لملزمون غرامة ما انفقنا أو مهلكون لهلاك رزقنا من الغرام وهو الهلاك ٦٧{بل نحن} قوم {محرومون} محارفون لا مجدودون لا حظ لنا ولا بخت لنا ولو كنا مجدودين لما جرى علينا هذا ٦٨{أفرأيتم الماء الذي تشربون} أي الماء العذب الصالح للشرب ٦٩{أأنتم أنزلتموه من المزن} السحاب الابيض وهو اعذب ماء {أم نحن المنزلون} بقدرتنا ٧٠{لو نشاء جعلناه أجاجا} ملحا أو مرا لا يقدر على شربه {فلولا تشكرون} فهلا تشكرون ودخلت اللام على جواب لو في قوله لجلعناه حطاما ونزعت منه هنا لأن لو ما كانت داخلة علىجملتين معلقة ثانيهما بالأولى تعلق الجزاء بالشرط ولم تكن مخلصة للشرط كان ولا عاملة مثلها وانما سرى فيه معنى الشرط اتفاقا من حيث إفادتها في مضمر في جملتيها ان الثاني امتنع لامتناع الاولافتقرت في جوابها إلى ما ينصب علما على هذا التعلق فزيدت هذه اللام لتكون علما على ذلك ولما شهر موقعه لم يبال باسقاطه عن اللفظ لعلم على هذا التعلق فزيدت هذه اللام لتكون علما على ذلك ولما شهر موقعه لم يبال باسقاطه عن اللفظ لعلم كل احد به وتساوى حالي حذفه واثباته على أن تقدم ذكرها والمسافة قصيرة مغن عن ذكرها ثانية ولأن هذه اللام تفيدمعنى التأكيد لا محالة فأدخلت في آية المطعوم دون أية المشروب للدلالة على ان امرالمعلوم مقدم على امرالمشروب وان الوعيد بفقده اشدوا صعب من قبل ان المشروب انما يحتاج اليه تبعا للمطعوم ولهذا قدمت آية المطعوم على آية المشروب ٧١{أفرأيتم النار التي تورون} تقدحونها وتستخرجونها من الزناد والعرب تقدح بعودين تحك احداهما على الآخر ويسمون الأعلى الزند والاسفل الزندة شبهوهما بالفحل والطروقة ٧٢{أأنتم أنشأتم شجرتها} التي منها الزناد {أم نحن المنشئون} الخالقون لها ابتداء ٧٣{نحن جعلناها} أي النار {تذكرة} تذكير النار جهنم حيث علقنا بها أسباب المعاش عممنا بالحاجة اليها البلوى لتكون حاضرة للناس ينظرون اليها ويذكرون ما اوعدوه به {ومتاعا} ومنفعة {للمقوين} للمسافرين النازلين في القواء وهي القفر أو الذين خلت بطونهم أو مزاودهم من الطعام من قولهم أقوت الدار اذا خلت من ساكنيها بدأ بذكر خلق الانسان فقال أفرأيتم ما تمنون لأن النعمة فيه سابقة على جميع النعم ثم بما به قوامه وهو الحب فقال أفرأيتم ما تحرثون ثم بما يعجن به ويشرب عليه وهو الماء ثم بما يخبز به وهو النار فحصول الطعام بمجموع الثلاثة ولا يستغن عنه الجسد ما دام حيا ٧٤{فسبح باسم ربك} فنزه ربكعما لا يليق به أيها المستمع المستدل أو أراد بالاسم الذكر أي سبح بذكر ربك {العظيم} صفة للمضاف أو للمضافاليه وقيل قل سبحان ربي العظيم وجاء مرفوعا أنه لما نزلت هذه الآية قال أجعلوها في ركوعكم ٧٥{فلا أقسم} أي فاقسم ولا مزيدة مؤكدة مثلها في قوله لئلا يعلم اهل الكتاب وقرئ فلأقسم ومعناه فلأنا أقسم اللام لام الابتداء دخلت على جملة من مبتدأ وخبره هي أنا أقسم ثم حذف المبتدأ ولا يصح أن نكون اللام لام القسم لأن حقها أن تقرن بها النون المؤكدة {بمواقع النجوم} بمساقطها ومغاربها بموقع حمزة وعلى ولعل اللّه تعالى في آخرالليل اذاانحطت النجوم إلى المغرب أفعالا مخصوصة عظيمة أو للملائكة عبادات موصوفة أو لأنه قيام المتهجدين ونزول الرحمة والرضوان عليهم فلذلك أقسم بمواقعها واستعظم ذلك بقوله ٧٦{وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} وهو اعتراض في اعتراض لأنه اعترض به بين القسمالمقسم عليه وهو قوله ٧٧{إنه لقرآن كريم} حسن مرضى أو نفاع جم المنافع أوكريم على اللّه واعترض بلو تعلمون بين الموصوف وصفته ٧٨{في كتاب} أي اللوح المحفوظ {مكنون} مصون عن أن يأتيه الباطل أو من غير المقربين من الملائكة لا يطلع عليه من سواهم ٧٩{لا يمسه إلا المطهرون} من جميع الادناس ادناس الذنوب وغيرها ان جعلت الجملة صفة لكتاب مكنون وهو اللوح وان جعلها صفة للقرآن فالمعنى لا ينبغي أن يمسه الا من هو على الطهارة من الناس والمراد مس المكتوب منه ٨٠{تنزيل} صفة رابعة للقرآن أي منزل {من رب العالمين} أو وصف بالمصدر لأنه نزل نجوما من بين سائر كتب اللّه فكانه في نفسه تنزيل ولذلك جرى مجرى بعض اسمائه فقيل جاء في التنزيل كذا ونطق به لتنزيل أو هو تنزيل على حذف المبتدأ ٨١{أفبهذا الحديث} أي القرآن {أنتم مدهنون} متهاونون به كمن يدهن في بعض الامراى يلين جانبه ولا يتصلب فيه تهاونا به ٨٢{وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون} أي تجعلون شكررزقكم التكذيب أي وضعتم التكذيب موضع الشكر وفي قراءة علي رضي وهي قراءة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وتجعلون شكركم انكم تكذبون أي تجعلون شكركم لنعمة القرآن انكم تكذبن به وقيل نزلت في الانواء ونسبتم السقيا اليها والرزق المطر أي وتجعلون شكر ما يرزقكم اللّه من الغيث انكم تكذبون بكونه من اللّه حيث تلسبونه إلى النجوم ٨٣{فلولا إذا بلغت} النفس أي الروح عند الموت {الحلقوم} ممر الطعام والشراب ٨٤{وأنتم حينئذ تنظرون} ٨٥{ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون} لاتعقلون ولا تعلمون ٨٦{فلولا إن كنتم غير مدينين} مربوبين من دان السلطان الرعية اذاساسهم ٨٧{ترجعونها} تردون النفس وهي الروح الى الجسد بعد بلوغ الحلقوم {إن كنتم صادقين} انكم غير مربوبين مقهورين فلولا في الآيتين للتحضيض يستدعى فعلا وذا قوله ترجعونها واكتفى بذكره مرة وترتيب الآية فلولا في ترجعونها اذا بلغت الحلقوم ان كنتم غير مدينين وفلولا الثانية مكررة للتأكيد ونحن أقرب اليه منكم يا أهل الميت بقدرتنا وعلمنا أو بملائكة المت والمعنى انكم في جحودكم آيات اللّه في كل شيء أن نزل عليكم كتابا معجزا قلتم سحر وافتراء ون ارسل اليكم رسولا صادقا قلتم ساحر كذاب وان رزقكم مطرا عليكم به قلتم نوء كذا على مذهب يؤدي إلى الاهمال والتعطيل فما لكم لا ترجعون الروح الى البدن بعد بلوغه الحلقوم إن لم يكن ثمة قابض وكنتم صادقين في تعطيلكم وكفركم بالمى المميت المبدئ المعيد ٨٨{فأما إن كان} المتوفى {من المقربين} من السابقين من الازواج الثلاثة المذكورة في أول السورة ٨٩{فروح} فله استراحة {وريحان} ورزق {وجنة نعيم ٩٠وأما إن كان من أصحاب اليمين ٩١{فسلام لك من أصحاب اليمين} أي فسلام لك يا صاحب اليمين من اخوانك اصحاب اليمين أي يسلمون عليك كقوله إلا قيلا سلاما سلاما ٩٢{وأما إن كان من المكذبين الضالين} هم الصنف الثالث من الازواج الثلاثة هم الذين قيل لهم في هذه السورة ثم أنكم ايها الضالون المكذبون ٩٣{فنزل من حميم} ٩٤{وتصلية جحيم} أي ادخال فيه وفي هذه الآيات اشارة إلى ان الكفر كله ملة واحدة وان أصحاب الكبائر من اصحاب اليمين لأنهم غير مكذبين ٩٥{إن هذا} الذي أنزل في هذه السورة {لهو حق اليقين} أي الحق الثابت من اليقين ٩٦{فسبح باسم ربك العظيم} روى أن عثمان بن عفان رضي اللّه عنه دخل على بن مسعود رضي اللّه عنه في مرض موته فقال له ما تشتكي فقال ذنوبي فقال ما تشتهي قال رحمة ربي قال أفلا ندعو الطبيب قال الطبيب مرضني فقال ألا تأمر بعطائك قال لا حاجة لي فيه قال ندفعه إلى بناتك قال لا حاجة لهن فيه قد أمرتهن أن يقرأن سورة الواقعة فإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا وليس في هذه السورة الثلاث ذكر اللّه اقتربت الرحمن الواقعة واللّه اعلم |
﴿ ٠ ﴾