تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م) _________________________________سورة الحديد سورة الحديد مكية وهي تسع وعشرون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ {سبح للّه} جاء في بعض الفواتح سبح بلفظ الماضي وفي بعضها بلفظ المضارع وفي بني اسرائيل بلفظ المصدر وفي الأعلى بلفظ الأمر استيعابا لهذه الكلمة من جميع جهاتها هي أربع المصدر والماضي والمضارع والأمر وهذا الفعل قد عدى باللام تارة وبنفسه أخرى في قوله وتسبحوه وأصله التعدي بنفسه لأن معنى سبحته بعدته من السوء منقول من سبح إذ ذهب وبعد فاللام إما أن تكون مثل اللام في نصحته ونصحت له واما ان يراد بسبح اللّه اكتسب التسبيح لأجل اللّه ولوجهه خالصا {ما في السماوات والأرض} ما يتأتى منه التسبيح ويصح {وهو العزيز} المنتقم من مكلف لم يسبح له عنادا {الحكيم} في مجازاة من سبح له انقيادا ٢{له ملك السماوات والأرض} لا لغيره وموضع {يحيي} رافع أي هو يحي الموتى {ويميت} الأحياء أو نصب أي له ملك السموات والأرض محييا ومميتا {وهو على كل شيء قدير ٣هو الأول} هو القديم الذي كان قبل كل شيء {والآخر} الذي يبقى بعد هلاك كل شيء {والظاهر} بالادلة الدالة عليه {والباطن} لكونه غير مدرك بالحواس وان كان مرئيا والواو الاولى معناها الدلالة على انه الجامع بين الصفتين الأولية والآخرية والثالثة على أنه الجامع بين الظهور والخفاء وأما الوسطى فعلى أنه الجامع بين مجموع الصفتين الاوليين ومجموع الصفتين الأخريين فه مستمر الوجود في جميع الأوقات الماضية والآتية وهو في جميعها ظاهر وباطن وقيل الظاهر العالي على كل شيء الغالب له من ظهر عليه اذا علاه وغلبه والباطن الذي بطن كل شيء أي علم باطنه {وهو بكل شيء عليم} ٤{هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام} عن الحسن من ايام الدنيا ولو اراد ان يجعلها في طرفة عين لفعل ولكن جعل الستة اصلا ليكون عليها المدار {ثم استوى} استولى {على العرش يعلم ما يلج في الأرض} ما يدخل في الأرض من البذر والقطر والكنوز والموتى {وما يخرج منها} من النبات وغيره {وما ينزل من السماء} من الملائكة والامطار {وما يعرج فيها} من الاعمال والدعوات {وهو معكم أين ما كنتم} بالعلم والقدرة عموما وبالفضل والرحمة خصوصا {واللّه بما تعملون بصير} فيجازيكم على حسب اعمالكم ٥{له ملك السماوات والأرض وإلى اللّه ترجع الأمور} ٦{يولج الليل في النهار} يدخل الليل في النهار بان ينقص من الليل ويزيد من النهار {ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور} ٧{آمنوا باللّه ورسوله وأنفقوا} يحتمل الزكاة الانفاق في سبيل اللّه {مما جعلكم مستخلفين فيه} يعني ان الاموال التي في ايديكم انما هي اموال اللّه بخلقه وانشائه لها وانما مولكم اياها للاستمتاع بها وجعلكم خلفاء في التصرف فيا فليست هي بأموالكم في الحقيقة وما أنتم فيها إلا بمنزلة الوكلاء والنواب فانفقوا منها في حقوق اللّه تعالى وليهن عليكم الانفاق منها كما تهون على الرجل الانفاق من مال غيره اذا أذن له فيه أو جعلكم مستخلفين ممن كان قبلكم فيما في أيديكم بتوريئه اياكم وسينقل منكم الى من بعدكم فاعتبرا بحالهم ولا تبخلوا به {فالذين آمنوا} باللّه ورسوله {منكم وأنفقوا لهم أجر كبير} ٨{وما لكم لا تؤمنون باللّه} هو حال من معنى الفعل في مالكم كما تقول مالك قائما بمعنى ما تصنع قائما أي ومالكم كافرين باللّه والواو في {والرسول يدعوكم} واو الحال فهما حالان متداخلتان والمعنى وأي عذر لكم في ترك الايمان والرسول يدعوكم {لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم} وقبل ذلك قد أخذ اللّه ميثاقكم بقوله ألست بربكم أو بما ركب فيكم من العقول ومكنكم من النظر في الادلة فاذا لم تبق لكم علة بعد ادلة العقول وتنبيه الرسول فما لكم لا تؤمنون {إن كنتم مؤمنين} لموجب ما فان هذا الموجب لا مزيد عليه أخذ ميثاقكم أبو عمرو ٩{هو الذي ينزل على عبده} محمد صلى اللّه عليه وسلم {آيات بينات} يعني القرآن {ليخرجكم} اللّه تعالى أو محمد بدعوته {من الظلمات إلى النور} من ظلمات الكفر إلى نور الايمان {وإن اللّه بكم لرؤوف} بالمد والهمزة حجازي وشامي وحفص {رحيم} الرأفة أشد الرحمة ١٠{وما لكم ألا تنفقوا} في أن لا تنفقوا {في سبيل اللّه وللّه ميراث السماوات والأرض} يرث كل شيء فيهما لا يبقى منه باق لاحد من مال وغيره يعني وأي غرض لكم في ترك الانفاق في سبيل اللّه والجهاد مع رسوله واللّه مهلككم فوارث أموالكم وهو من أبلغ البعث على الانفاق في سبيل اللّه ثم بين التفاوت بين المنفقين منهم فقال {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} أي فتح مكة قبل عز الاسلام وقوة اهله ودخول الناس في دين اللّه أفواجا ومن أنفق من بعد الفتح فحذف لأن قوله من الذين انفقوا من بعد يدل عليه {أولئك} الذين انفقوا قبل الفتح وهم السابقون الأولون من المهاجرين والانصار الذين قال فيهم النبي صلى اللّه عليه وسلم: لو أنفق احدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد احدم ولا نصيفه {أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا} أي كل واحد من الفريقين {وعد اللّه الحسنى} أي المثوبة الحسنى وهي الجنة مع تفاوت الدرجات وكلا مفعول أول لوعد الحسنى مفعول ثان وكل شامي أي وكل وعده اللّه الحسنى نزلت في أبي بكر رضي لأنه أول من أسلم وأول من انفق في سبيل اللّه وفيه دليل على فضله وتقدمه {واللّه بما تعملون خبير} فيجازيكم على قدر أعمالكم ١١{من ذا الذي يقرض اللّه قرضا حسنا} بطيب نفسه والمراد الانفاق اضعافا مضاعفة من فضله {وله أجر كريم} أي وذلك الاجر المضموم اليه الاضعاف كريم في نفسه فيضعفه مكي فيضعفه شامي فيضعفه عاصم وسهل فيضاعفه غيرهم فالنصب على جواب الاستفهام والرفع على فهو يضاعفه أو عطف على يقرض ١٢{يوم ترى المؤمنين والمؤمنات} ظرف لقوله وله أجر كريم أو منصوب باضمار اذكر تعظما لذلك اليوم {يسعى} يمضي {نورهم} نور التوحيد والطاعات وانما قال {بين أيديهم وبأيمانهم} لأن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين كما ان الاشقياء يؤتونها من شمائلهم ووراء ظهورهم فيجعل النور في الجهتين شعارا لهم وآية لأنهم هم الذين بحسناتهم سعدوا أو بصحائفهم البيض أفلحوا فاذا ذهب بهم إلى الجنة وسروا على الصراط يسعون سعى بسعيهم ذلك النور وتقول لهم الملائكة {بشراكم اليوم جنات} أي دخول جنات لأن البشارة تقع بالاحداث دون الجثث {تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم ١٣يوم يقول} هو بدل من يوم ترى {المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا} أي انتظرونا لأنه يسرع بهم الى الجنة كالبروق الخاطفة انظر ونا حمزة من النظرة وهي الامهال جعل انثادهم في المضي الى ان يحلقو بهم انظارا لهم {نقتبس من نوركم} نصب منه وذلك أن يلحقوا بهم فيتسنيروا به {قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا} طرد لهم وتهكم بهم أي تقول لهم الملائكة اوالمؤمنون ارجعوا الى الموقت حيث اعطينا هذا النور فالتمسوه هنالك فمن ثم يقتبس أو ارجعوا الى الدنيا فالتمسوا بتحصيل سببه وهو الايمان {فضرب بينهم} بين المؤمنين والمنافقين {بسور} بحائط حائل بين شق الجنة وشق النار قيل هو الاعراف {له} لذلك السور {باب} لأهل الجنة يدخلون منه {باطنه} باطن السور أو الباب وهو الشق الذي يلي الجنة أي النور أو الجنة {وظاهره} ما ظهر لأهل النار {من قبله} من عنده ومن جهته {العذاب} أي الظلمة والنار ١٤{ينادونهم} أي ينادي المنافقون المؤمنين {ألم نكن معكم} يريدون مرافقتهم في الظاهر {قالوا} أي المؤمنون {بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم} محنتموها بالنفاق واهلكتموها {وتربصتم} بالمؤمنين الدوائر {وارتبتم} وشككتم في التوحيد {وغرتكم الأماني} طول الآمال والطمع في امتداد الاعمار {حتى جاء أمر اللّه} أي الموت {وغركم باللّه الغرور} وغركم الشيطان بأن اللّه عفو كريم لا يعذبكم أو بأنه لا بعث ولا حساب ١٥{فاليوم لا يؤخذ} وبالتاء شامي {منكم} أيها المنافقون {فدية} ما يفتدى به {ولا من الذين كفروا مأواكم النار} مرجعكم {هي مولاكم} هي أولى بكم والحقيقة مولاكم محراكم أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم كما يقال هو مثن للكرم أي مكان لقول القائل انه لكريم {وبئس المصير} النار ١٦{ألم يأن} من أني الامر يأنى اذا جاءه انها أي وقته قيل كانوا مجدبين بمكة فلما هاجروا اصابوا الرزق والنعمة ففتروا عما كانوا عليه فنزلت وعن مسعود رضي اللّه عنه ما كان بين اسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية الا اربع سنين وعن ابي بكر رضي اللّه عنه ان هذه الآية قرئت بين يديه وعنده قوم من اهل اليمامية فبكوا بكاء شديدا فنظر اليهم فقال هكذا كنا حتى قست القلوب {للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر اللّه وما نزل من الحق} القرآن لأنه جامع للامرين للذكر والموعظة وانه حق نازل من السماء {ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل} القراءة بالياء عطف على تخشع وبالتاء ورش على الالتفات ويجوز ان يكون نهيا لهم عن مماثلة اهل الكتاب في قسوة القلوب بعد ان وبخوا ذلك بنى اسرائيل كان الحق يحول بينهم وبين شهواتهم واذا سمعوا التوراة والإنجيل خشعوا للّه ورقت قلوبهم فلما طال عليهم الزمان غلبهم الجفاء والقسوة واختلفوا احدثوا ما احدثوا من التحريف وغيره {فطال عليهم الأمد} الأجل والزمان {فقست قلوبهم} {وكثير منهم فاسقون ١٧اعلموا أن اللّه يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات} باتباع الشهوات وكثير منهم {فاسقون} خارجون عن دينهم رافضون لما في الكتابين أي وقليل منهم مؤمنون {اعلموا أن اللّه يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون} قيل هذا تمثيل لأثر الذكر في القلوب وأنه يحييها كما يحيي الغيث الأرض ١٨{ان المصدقين والمصدقات} بتشديد الدال وحده مكى وأبو بكر وهواسم قاعل من صدق وهم الذين صدقوا اللّه ورسوله يعني المؤمنين الباقون بتشديد الصاد والدال وهو اسم فاعل من تصدق فأدغمت التاء في الصادر وقرىء على الأصل {وأقرضوا اللّه قرضا حسنا} هو عطف على معنى الفعل في المصدقين لأن اللام بمعنى اللذين واسم الفاعل بمعنى الفعل وهو اصدقوا كانه قيل ان الذين اصدقوا وأقرضوا القرض الحسن أن يتصدق من الطيب عن طيبة النفس وصحة النية على المستحق للصدق {يضاعف لهم} يضعف مكى وشامى ولهم أجر كريم أي الجنة ١٩{والذين آمنوا باللّه ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم} يريد أن المؤمنين باللّه ورسله هم عند اللّه بمنزلة الصديقين والشهداء وهم الذين سبقوا إلى التصديق واستشهدوا في سبيل اللّه {لهم أجرهم ونورهم} أي مثل أجر الصديقين والشهداء ومثل نورهم ويجوز أن يكون والشهداء مبتدأ ولهم أجرهم خبره {والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم ٢٠اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب} كلعب الصبيان {ولهو} كلهو الفتيان {وزينة} كزينة النسوان {وتفاخر بينكم} كتفاخر الأفران {وتكاثر} كنكاثر الدهقان {في الأموال والأولاد} أي مباهاة بهما والتكاثر ادعاء الاستكثار {كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا} بعد خضرته {ثم يكون حطاما} متفتتا شبه حال الدنيا وسرعة تقضيها مع قدلة جدواها بنبات أنبته الغيث فاستوى وقوى وأعجب به الكفار الجاحدون لنعمة اللّه فيما رزقهم من الغيث والنبات فبعث عليه العاهة فهاج واصفر وصار حطاما عقوبة لهم على جحودهم كما فعل بأصحاب الجنة وصاحب الجنتين وقيل الكفار الزراع {وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من اللّه ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع} {وفي الآخرة عذاب شديد} الكفار {ومغفرة من اللّه ورضوان} للمؤمنين يعني أن الدنيا وما فيها ليست إلا من محقرات الأمور وهي اللعب واللّهو والزينة والتفاحر والتكاثر وأما الآخرة فما هي إلا أمور عظام وهي العذاب الشديد والمغفرة والرضوان من اللّه الحميد والكاف في كمثل غيث في محل رفع على أنه خبر بعد خبر أي الحياة الدنيا مثل غيث {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور} ان ركن اليها واعتمد عليها قال ذو النون يا معشر المريدين لا تطلبوا الدنيا وإن طلبتموها فلا تحبوها فان الزاد منها والمقيل في غيرها ولما حقر الدنيا وصغر أمرها وعظم أمر الآخرة بعث عباده عى الممارعة إلى نيل ما وعد ذلك وهي المغفرة المنجية من العذاب الشديد والفوز بدخول الجنة بقوله ٢١{سابقوا} أي بالأعمال الصالحة {إلى مغفرة من ربكم} وقيل سارعوا مسارعة السابقين لأقرانهم في المضمار {وجنة عرضها كعرض السماء والأرض} قال السدي كعرض سبع السموات وسبع الأرضين وذكر العرض دون الطول لأن كل ما له عرض وطول فإن عرضه أقل من طوله فإذا وصف عرضه بالبسطة عرف أن طوله أبسط أو أريد بالعرض البسطة وهذا ينفي قول من يقول إن الجنة في السماء الرابعة لأن التي في إحدى السموات لا تكون في عرض السموات والأرض {أعدت للذين آمنوا باللّه ورسله} وهذا دليل على أنها مخلوقة {ذلك} الموعود من المغفرة والجنة {فضل اللّه يؤتيه من يشاء} وهم المؤمنون وفيه دليل على أنه لا يدخل أحد الجنة إلا بفضل اللّه {واللّه ذو الفضل العظيم} ثم بين أن كل كائن بقضاء اللّه وقدره ٢٢{ما أصاب من مصيبة في الأرض} من الجدب وآفات الزروع والثمار وقوله في الأرض في موضع الجراى ما أصاب من مصيبة ثابتة في الأرض {ولا في أنفسكم} من الأمراض والأوصاب وموت الأولاد {إلا في كتاب} في اللوح وهو موضع الحال أي إلا مكتوبا في اللوح {من قبل أن نبرأها} من قبل أن نخلق الأنفس {إن ذلك} أن تقدير ذلك واثباته في كتاب {على اللّه يسير} وإن كان عسيرا على العباد ثم علل ذلك وبين الحكمة فيه بقوله ٢٣{لكي لا تأسوا} تحزنوا حزنا يطغيكم {على ما فاتكم} من الدنيا وسعتها أو من العافية وصحتها {ولا تفرحوا} فرح المختال الفخور {بما آتاكم} أعطاكم من الإيتاء أبو عمرو أتاكم أي جاءكم من الاتيان يعني أتاكم إذا علمتم أن كل شيء مقدر مكتوب عند اللّه قل أساكم على الفائت وفرحكم على الآتي لأن من علم أن ما {واللّه لا يحب كل مختال فخور ٢٤الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن} عنده مفقود لا مجالة لم يتفاقم جزعه عند فقده لأنه وظن نفسه على ذلك وكذلك من علم أن بعض الخير واصل إليه وأن وصوله لا يفوته بحال لم يعظم فرحه عند نيله وليس أحد إلا وهو يفرح عند منفعة تصيبه ويحزن عند مضرة تنزل به ولكن ينبغي أن يكون الفرج شكرا و الحزن صبرا وانما يذم من الحزن والجزع المنافي للصبر ومن الفرح الأشر المطعي الملهي عن الشكر {واللّه لا يحب كل مختال فخور} لأن من فرح بحظ من الدنيا وعظم في نفسه اختال وافتخر وتكبر على الناس {الذين يبخلون} خبر مبتدأ محذوف أو بدل من كل مختال فخور كان قال لا يحب الذين يبخلون يريد الذين يفرحون الفرح المطغي إذا رزقوا مالا وحظا من الدنيا فلحبهم له وعزته عندهم يزوونه عن حقوق اللّه ويبخلون به {ويأمرون الناس بالبخل} ويحضون غيرهم على البخل ويرغبونهم في الامساك {ومن يتول} يعرض عن الانفاق أو عن أوامر اللّه ونواهيه ولم ينته عما نهى عنه من الأسى على الفائت والفرح بالآتي {فإن اللّه هو الغني} عن جميع المخلوقات فكيف عنه {الحميد} في أفعاله فإن اللّه الغني يترك هو مدني وشامي ٢٥{لقد أرسلنا رسلنا} يعني أرسلنا الملائكة إلى الانبياء {بالبينات} بالحجج والمعجزات {وأنزلنا معهم الكتاب} أي الوحي وقيل الرسل الأنبياء والأول أولى لقوله معهم لأن الأنبياء ينزل عليهم الكتاب {والميزان} روى أن جبريل نزل بالميزان فدفعه إلى نوح وقال مرقومك يزنوا به {ليقوم الناس} ليتعاملوا بينهم ايفاء واستيفاء {بالقسط} بالعدل ولا يظلم أحدا أحدا {وأنزلنا الحديد} قيل نزل آدم من الجنة ومعه خمسة أشياء من حديد السندان والكلبتان والميقعة والطرقة والابرة وروي ومعه المرو والمسحاق وعن الحسن وأنزلنا الحديد خلقناه {فيه بأس شديد} وهو القتال به {ومنافع للناس} في مصالحهم ومعايشهم وصنائعهم فما من صناعة إلا والحديد آلة فيها أو ما يعمل بالحديد {وليعلم اللّه من ينصره ورسله} باتسعمال لاسيوف والرماح وسائر السلاح في مجاهدة أعداء الدين وقال الزجاج ليعلم اللّه من يقاتل مع رسوله في سبيله بالغيب غائبا عنهم {إن اللّه قوي} يدفع بقوته بأس من يعرض عن ملته {عزيز} يربط بعزته جأش من يتعرض لتصرفه والمناسبة بين هذه الأشياء الثلاثة الأحكام والحدود ويأمر بالعدل والاحسان وينهى عن البغي والطغيان واستعمال العدل والاجتناب عن الظلم إنما يقع بآلة يقع بها التعامل ويحصل بها التساوي والتعادل وهي الميزان ومن المعلوم أن الكتاب الجامع للأوامر الإلهية والآلهة الموضوعة للتعامل بالتسوية إن تحص العامة على اتباعهما بالسيف الذي هو حجة اللّه على من جحد وعند ونزع عن صفقة الجماعة اليد وهو الحديد الذي وصف بالبأس الشديد ٢٦{ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم} خصا بالذكر لأنهما أبوان للأنبياء عليهم السلام {وجعلنا في ذريتهما} أولادهما {النبوة والكتاب} الوحي وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما الخط بالقلم يقال كتب كتابا وكتابة فمنهم فمن الذرية أو من المرسل إليهم قد دل عليهم ذكر الارسال والمرسلين {مهتد وكثير منهم فاسقون} هذا تفصيل لحالهم أي فمنهم من اهتدى باتباع الرسل ومنهم من فسق أي خرج عن الطاعة والغلبة للفساق ٢٧{ثم قفينا على آثارهم} أي نوح وإبراهيم ومن مضى من الأنبياء {برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة} مودة ولينا {ورحمة} تعطفا على إخوانهم كما قال في صفة أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم رحماء بينهم ورهبانية هي ترهبهم في الجبال فارين من الفتنة في الدين مخلصين أنفسهم العبادة وهي الفعلة المنسوبة إلى الرهبان وهو الخائف فعلان من رهب كخشيان من خشى وانتصابها بفعل من مضمر يفسره الظاهر تقديره وابتدعوا رهبانية {ابتدعوها} أي أخرجوها من عند أنفسهم ونذروها {ما كتبناها عليهم} لم نقرضها نحن عليهم {إلا ابتغاء رضوان اللّه} استثناء منقطع أي ولكنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان اللّه {فما رعوها حق رعايتها} كما يجب على الناذر رعاية نذره لأنه عهد مع اللّه لا يحل نكثة {فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم} أي أهل الرأفة والرحمة الذين اتبعوا عيسى عليه السلام أو الذين آمنوا بمحمد صلى اللّه عليه وسلم {وكثير منهم فاسقون} الكافرون ٢٨{يا أيها الذين آمنوا} الخطاب لأهل الكتاب {اتقوا اللّه وآمنوا برسوله} محمد صلى اللّه عليه وسلم {يؤتكم} اللّه {كفلين} نصيبين {من رحمته} لإيمانكم بمحمد صلى اللّه عليه وسلم وإيمانكم بمن قبله {ويجعل لكم} يوم القيامة {نورا تمشون به} وهو النور المذكور في قوله يسعى نورهم الآية {ويغفر لكم} ذنوبكم {واللّه غفور رحيم ٢٩لئلا يعلم} ليعلم {أهل الكتاب} الذين لم يسلموا ولا مزيدة {ألا يقدرون} أن مخففة من الثقيلة اصله انه لا يقدرون يعني أن الشأن لا يقدرون {على شيء من فضل اللّه} أي لا ينالون شيئا مما ذكر من فضل اللّه من الكفلين والنور والمغفرة لأنهم لم يؤمنوا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلم ينفعهم بايمانهم بمن قلهم ولم يكسبهم فضلا قط {وأن الفضل} عطف على أن لا يقدرون {بيد اللّه} أي في ملكه وتصرفه {يؤتيه من يشاء} من عباده {واللّه ذو الفضل العظيم} واللّه اعلم |
﴿ ٠ ﴾