تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م) _________________________________سورة المجادلة سورة المجادلة مدنية وهي اثنتان وعشرون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ {قد سمع اللّه قول التي تجادلك} تحاورك وقرئ بها وهي خولة بنت ثعلبة امرأة أوس ابن الصامت اخي عبادة رآها وهي تصلي وكانت حسنة الجسم فلما سلمت رأودها فأبت فغضب فظاهر منها فأتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالت ان اوساً تزوجني وأنا شابة مرغوب في فلما خلاسني ونثرت بطني أي كثر ولدى جعلني عليه كامه وروى أنها قالت ان لي صبية صغارا إن ضممتهم اليه ضاعوا وان ضممتهم إلى جاءوا فقال صلى اللّه عليه وسلم: ما عندي في أمرك شيء وروى انه قال لها: حرمت عليه فقالت يا رسول اللّه ما ذكر طلاقا وانما هو ابو ولدي وأحب الناس الى فقال: حرمت عليه فقالت اشكوا إلى اللّه فاتقى ووجدي كلما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: حرمت عليه هتفت وشكت فنزلت {في زوجها} في شأنه ومعناه {وتشتكي إلى اللّه} تظهر ما بها من الكروه {واللّه يسمع تحاوركما} مراجعتكما الكلام من حار اذا رجع {إن اللّه سميع} يسمع شكوى المضطر {بصير} بحاله ٢{الذين يظاهرون} عاصم يظهرون حجازي وبصرى غيرهم يظاهرون وفي {منكم} توبيخ للعرب لأنه كان من أيمان أهل جاهليتهم خصة دون سائر الأمم {من نسائهم} زوجاتهم {ما هن أمهاتهم} أمهاتهم الفضل الأول حجازي والثاني تميمي {إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم} يريدان الامهات على الخفيفة الوالدات والمرضعات ملحقات بالوالدات بواسطة الرضاع وكذا ازواج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لزيادة حرمتهن وأما الزوجات فأبعد شيء من الأمومة فلذا قال {وإنهم ليقولون منكرا من القول} تنكره الحقيقة والاحكام الشرعية {وزورا} وكذبا باطلا منحرفا عن الحق {وإن اللّه لعفو غفور} لما سلف منهم ٣{والذين يظاهرون من نسائهم} بين في الآية الأولى أن ذلك من قائله منكر وزور بين في الثانية حكم الظهار {ثم يعودون لما قالوا} العود الصيرورة ابتداء أو بناء فمن الأول قوله تعالى حتى عاد كالعرجون القديم ومن الثاني وان عدتم عدنا ويعدى بنفسه كقولك عدته اذا اتيته وصرت اليه وبحرف الجر بالي وعلى وفي واللام كقوله ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ومنه ثم يعودون لما قالوا أي يعودون لنقض ما قالوا أو تداركه على حذف المضاف وعن ثعلبة يعودون لتحليل ما حرموا علىحذف المضاف أيضا غير أنه اراد بما قالوا ما حرموه على أنفسهم بلفظ الظهار تنزيلا للقول منزلة المقول فيه كقوله ونرثه ما يقول أراد المقول فيه وهو المال والولد ثم اختلفوا ان النقض بماذا يحصل فعندنا بالعزم على الوطء وهو قول ابن عباس والحسن وقتادة وعند الشافعي بمجرد الامساك وهو ان لا يطلقها عقيب الظهار {فتحرير رقبة} فعليه اعتاق رقبة مؤمنة أو كافرة ولم يجز المدبر وأم الولد المكاتب الذي أدى شيئا {من قبل أن يتماسا} لضمير يرجع الى ما دل عليه الكلام من المظاهر والمظاهر منها والمماسة الاستمتاع بها من جماع أو لمس بشهوة أو نظر إلى فرجها بشهوة {ذلكم} لحكم {توعظون به} لأن الحكم بالكفارة دليل على ارتكاب الجناية فيجب أن تتعظوا بهذا الحكم حتى لا تعودوا إلى الظهار وتخافوا عقاب اللّه عليه {واللّه بما تعملون خبير} والظهار أن يقول الرجل لامراته انت على كظهر امي وإا وضع موضع أنت عضوا منها يعبر به عن الجملة أو مكان الظهر عضوا آخر يحرم النظر اليه من الام كالبطن والفخذ أو مكان الأم ذات رحم محرم منه بنسب أو رضاع أو صهر أو جماع نحو أن يقول أنت علي كظهر أختي من الرضاع أو عمتي من النسب أو أمرأة ابني أو أم امرأتي أو ابنتها فهو ظاهر واذا امتنع المظاهر من الكفارة للمرأة ان ترافعه وعلى القاضي ان يجبره على أن يكفر وان يحبسه ولا شيء من الكفارات يجبر عليه ويحبس الا كفارة الظهار لأنه يضربها في ترك التكفير والامتناع من الاستمتاع فان مس قبل ان يكفر استغفر اللّه ولا يعود حتى يكفر وان اعتق بعض الرقبة ثم مس عليه ان يستأنف عند أبي حنيفة رضي اللّه عنه ٤{فمن لم يجد} القربة {فصيام شهرين} فعليه صيام شهرين {متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع} الصيام {فإطعام} فعليه اطعام {ستين مسكينا} لكل مسكين نصف صاع من برا وصاع من غيره ويجب أو يقدمه على المسيس ولكن لا يستأنف ان جامع في خلال الاطعام {ذلك} البيان والتعليم للاحكام {لتؤمنوا} لتصدقوا {باللّه ورسوله} في العمل بشرائعه التي شرعها من الظهار وغيره ورفض ما كنتم عليه في جاهليتكم {وتلك} أي الاحكام التي وصفنا في الظهار والكفارة {حدود اللّه} التي لا يجوز تعديها {وللكافرين} الذين لايتبعونها {عذاب أليم} مؤلم ٥{إن الذين يحادون اللّه ورسوله} يعادون ويشاقون {كبتوا} أخزوا وأهلكوا {كما كبت الذين من قبلهم} من اعداء الرسل {وقد أنزلنا آيات بينات} تدل على صدق الرسول وصحة ما جاء به {وللكافرين} بهذه الآيات {عذاب مهين} يذهب بعزهم وكبرهم ٦{يوم يبعثهم} منصوب بمهين أو باضمارا ذكر تعظيما لليوم {اللّه جميعا} كلهم لا يترك منهم احد غير مبعوث أو مجتمعين في حال واحدة {فينبئهم بما عملوا} تخجيلا لهم وتوبيخا وتشهيرا بحالهم يتمنون عنده المسارعة بهم الى النار لما يلحقهم من الخزي على رؤس الاشهاد {أحصاه اللّه} احاط به عددا لم يفته منه شيء {ونسوه} لانهم تهاونوا ونوابه حين ارتكبوه وانما تحفظ معظمات الامور {واللّه على كل شيء شهيد} لا يغيب عن شيء ٧{ألم تر أن اللّه يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون} من كان التامة أي ما يقع {من نجوى ثلاثة} النجوى التناجي وقد أضيفت إلى ثلاثة أي من نجوى ثلاثة نفر {إلا هو} أي اللّه {رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى} ولا أقل {من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم} يعلم ما يتناجون به ولا يخفى عليه ما هم فيه وقد تعالى عن المكان علوا كبيرا وتخصيص الثلاثة والخمسة لانها نزلت في المنافقين وكانوا يتحلقون للتناجي مغايظة للمؤمنين على هذين العددين وقيل ما يتناجى منهم ثلاثة ولا خمسة ولا ادنى من عدديهم ولا أكثر الا واللّه معهم يسمع ما يقولون ولأن اهل التناجي في العادة طائفة من اهل الرأي والتجارب وأول عددهم الاثنان فصاعدا الى خمسة إلى ستة الى ما اقتضته الحال فذكر عز وعلا الثلاثة والخمسة وقال لا أدنى من ذلك فدل على الاثنين والأربعة وقال ولا أكثر فدل على ما يقارب هذا العدد {ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة} فيجازيهم عليه {إن اللّه بكل شيء عليم ٨ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول} كانت اليهود والمنافقون يتناجون فيما بينهم ويتغامرون فيما بينهم ويتغامرون بأعينهم إذا رؤوا المؤمنين ويريدون ان يغيظوهم ويؤهموهم في نجواهم وتغامزهم غلبوا وان اقاربهم قتلوا فنهاهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فعادوا لمثل فعلهم وكان تناجيهم بما هو اثم وعدوان للمؤمنين وتواص بمعصية الرسول ومخالفته وينجون حمزة وهو بمعنى الأول {وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به اللّه} يعني أنهم يقولون في تحيتك السام عليك والسام الموت واللّه تعالى يقول وسلام على عباده الذين اصطفى * يا أيها الرسول * ويا أيها النبي {ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا اللّه بما نقول} أي يقولون فيما بينهم لو كان نبينا لعاقبنا اللّه بما نقوله فقال اللّه تعالى {حسبهم جهنم} عذابا {يصلونها} حال أي يدخلونها {فبئس المصير} المرجع جهلم ٩{يا أيها الذين آمنوا} بألسنتهم وهو خطاب للمنافقين والظاهر أنه خطاب للمؤمنين {إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول} أي إذا تناجيتم فلا تشبهوا باليهود والمنافقين في تناجيهم بالشر {وتناجوا بالبر} بأداء الفرائض والطاعات {والتقوى} وترك المعاصي {واتقوا اللّه الذي إليه تحشرون} للحساب فيجازيكم بما تتناجون به من خير أو شر ١٠{إنما النجوى} بالاثم والعدوان {من الشيطان} من تزينه {ليحزن} أي الشيطان وبضم الياء نافع {الذين آمنوا وليس} الشيطان أو الحزن {بضارهم شيئا إلا بإذن اللّه} بعلمه وقضائه وقدره {وعلى اللّه فليتوكل المؤمنون} أي يوكلون أمرهم إلى اله ويستعيذون به من الشيطان ١١{يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس} توسعوا فيه في المجالس عاصم ونافع والمراد مجلس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وكانوا يتضامنون فيه تنافسا على القرب منه وحرصا على استماع كلامه وقيل هو المجلس من مجالس القتال وهي مراكز الغزاة كقوله مقاعد للقتال مقاتل في صلاة الجمعة {فافسحوا} فوسعوا {يفسح اللّه لكم} مطلق في كل ما ينبغي الناس الفسحة فيه من المكان والرزق {فافسحوا} فوسعوا {يفسح اللّه لكم} مطلق في كل ما ينبغي الناس الفسحة فيها من المكان والرزق والصدر والقبر وغير ذلك {وإذا قيل انشزوا} انهضوا للتوسع على المقبلين أو انهضوا عن مجلس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أمرتم بالنهوض عنه أو انهضوا إلى الصلاة والجهاد وأعمال الخير {فانشزوا} بالضم فيهما مدني وشامي وعاصم غير حماد {يرفع اللّه الذين آمنوا منكم} بامتثال أوامره وأوامر رسوله {والذين أوتوا العلم} والعالمين منهم خاصة {درجات واللّه بما تعملون خبير} وفي الدرجات قولان أحدهما في الدنيا في المرتبة والشرف والآخر في الآخرة وعن ابن مسعود رضي اللّه تعالى عنه أنه كان إذا قرأها يا أيها الناس اقهموا هذه الآية ولترغبكم في العلم وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم: فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وعنه صلى اللّه عليه وسلم: عبادة العالم يوما واحدا تعدل عابدة العابد أربعين سنة وعنه صلى اللّه عليه وسلم: يشفع يوم القيامة ثلاثة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء فأعظم بمرتبة هي واسطة بين النبوة والشهادة بشهادة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما خير سليمان عليه السلام بين العلم والمال والملك فاختار العلم فأعطي المال والملك معه وقال صلى اللّه عليه وسلم: أوحى اللّه إلى إبراهيم عليه السلام يا إبراهيم إني عليم أحب كل عليم وعن بعض الحكماء ليت شعري أي شيء أدرك من فاته العلم وأي شيء فات من أدرك العلم وعن الزبيري العلم ذكر فلا يحب إلا ذكورة الرجال والعلوم أنواع فاشرفها أشرفها معلوما ١٢{يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول} إذا أردتم مناجاته {فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} أي قبل نجواكم هي استعارة ممن له يدان كقول عمر رضي اللّه عنه من أفضل ما أوتيت العرب الشعر يقدمه الرجل أمام حاجته فيستمطر به الكريم ويستنزل به اللئيم يريد قبل حاجته {ذلك} التقديم {خير لكم} في دينكم {وأطهر} لأن الصدقة طهرة {فإن لم تجدوا} ما تتصدقون به {فإن اللّه غفور رحيم} في ترخيص المناجاة من غير صدقة قيل كان لك عشر ليال ثم نسخ وقيل ما كان إلا ساعة من نهار ثن نسخ وقال علي رضي اللّه عنه هذه آية من كتاب اللّه ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي كان لي دينار فصرفته فكنت إذا ناجيته تصدقت بدرهم وسألت رسول اله صلى اللّه عليه وسلم عشر مسائل فأجابني عنها قلت يا رسول اللّه ما الوفاء قال: التوحيد وشهادة أن لا إله إلا اللّه قلت وما الفساد قال الكفر والشرك باللّه قلت وما الحق قال الإسلام والقرآن والولاية إذا انتهت إليك قلت وما الحيلة قال ترك الحيلة قلت وما علي قال طاعة اللّه وطاعة رسوله قلت وكيف أدعو اللّه تعالى قال بالصدق واليقين قلت وماذا اسأل اللّه قال العافية قلت وما أصنع لنجاة نفسي قال كل حلالا وقل صدقا قلت وما السرور قال الجنة قلت وما الراحة قال لقاء اللّه لما فيه من الإنفاق الذي تكرهونه ١٣أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا {فإذ لم تفعلوا} ما أمرتم به وشق عليكم {وتاب اللّه عليكم} أي خفف عنكم وأزال عنكم المؤاخذة بترك تقديم الصدقة على المناجاة كما أزال المؤاخذة بالذنب عن التائب عنه {فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا اللّه ورسوله} أي فلا تفرطوا في الصلاة والزكاة وسائر الطاعات {واللّه خبير بما تعملون} وهذا وعد ووعيد ١٤{ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب اللّه عليهم} كان المنافقين يتولون اليهود وهم الذين غضب اللّه عليهم في قوله لعنه اللّه وغضب عليه وينقلون إليهم أسرار المؤمنين {ما هم منكم} يا مسلمون {ولا منهم} ولا من اليهود كقوله مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء {ويحلفون على الكذب} أي يقولون واللّه انا لمسلمون لا منافقون {وهم يعلمون} أنهم كاذبون منافقون ١٥{أعد اللّه لهم عذابا شديدا} نوعا من العذاب متفاقما {إنهم ساء ما كانوا يعملون} أي انهم في الزمان الماضي مصرين على سوء العمل أو هي حكاية ما يقال لهم في الآخرة ١٦{اتخذوا أيمانهم} الكاذبة {جنة} وقاية دون أموالهم ودمائهم {فصدوا} الناس في خلال أمنهم وسلاستهم {عن سبيل اللّه} عن طاعته والإيمان به {فلهم عذاب مهين} وعدهم العذاب المخزي لكفرهم وصدهم كقوله الذين كفروا واوصدوا عن سبيل اللّه زدناهم عذابا فوق العذاب ١٧{لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من اللّه} من عذاب اللّه {شيئا} قليلا من الأغنياء {أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ١٨يوم يبعثهم اللّه جميعا فيحلفون له} أي للّه في الآخرة انهم كانوا مخلصين في الدنيا غير منافقين {كما يحلفون لكم} في الدنيا على ذلك {ويحسبون أنهم} في الدنيا {على شيء} من النفع أو يحسبون انهم على شئ من النفع بإيمانهم الكاذبة كما انتفعوا ههنا {إنهم هم الكاذبون} حيث اسوت حالهم فيه في الدنيا والآخرة ١٩{استحوذ عليهم الشيطان} استولى عليهم {فأنساهم ذكر اللّه} قال شاه الكرماني علامة استحواذ الشيطان على العبد أن يشغله بعمارة ظاهرة من المأكل والمشارب والملابس ويشغل قلبه عن التفكر في آلاء اللّه ونعمائه والقيام بشكرها ويشغل لسانه عن ذكر ربه بالكذب والغيبة والبهتان ويشغل لبه عن التفكر والمراقبة بتدبير الدنيا وجمعها {أولئك حزب الشيطان} جنده {ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ٢٠إن الذين يحادون اللّه ورسوله أولئك في الأذلين} في جمله من هو أذل خلق اللّه تعالى لا ترى أحدا أذل منهم ٢١{كتب اللّه} في اللوح {لأغلبن أنا ورسلي} بالحجة والسيف أو باحدهما {إن اللّه قوي} لا يمتنع عليه ما يريد {عزيز} غالب غير مغلوب ٢٢{لا تجد قوما يؤمنون باللّه واليوم الآخر يوادون} هو مفعول ثان لتجد أو حال أو صفة لقوما نجد بمعنى تصادف على هذا {من حاد اللّه} خالفه وعاداه {ورسوله} أي من الممتع أن نجد قوما مؤمنين يوالون المشركون والمراد أنه لا ينبغي أن يكون ذلك وحقه أن يمتنع ولا يوجد بحال مبالغة في الزجر عن مجانبة اعداء اللّه ومباعدتهم والاحتراز عن مخالطتهم ومعاشرتهم وزاد ذلك تأكيد وتشديد بقوله {ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم} وبقوله {أولئك كتب في قلوبهم الإيمان} أي وأثبته فيها وبمقابلة قوله أولئك حزب الشيطان بقوله أولئك حزب اللّه {وأيدهم بروح منه} أي بكتاب أنزله فيه حياة لهم ويجوز أن يكون الضمير للايمان أي بروح من الايمان على أنه في نفسه روح لحياة القلوب به وعن الثوري انه قال كانوا يرون أنها نزلت فيمن يصحب السلطان وعن عبدالعزيز بن أبي رواد انه لقيه المنصور فلا عرفه هرب منه وتلاها وقال سهل من صحح ايمانه وأخاص توحيده فانه لا يأنس بمبتدع ولا يجالسه ويظهر له من نفسه العداوة ومن داهن مبتدعا سلبه اللّه حلاوة السنن ومن أجاب مبتدعا لطلب عز الدنيا أو غناها أذله اللّه بذلك العزو أفقر بذلك الغنى ومن ضحك إلى مبتدع نزع اللّه نور الايمان من قلبه ومن لم يصدق فليجرب {ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي اللّه عنهم} بتوحيدهم الخالص وطاعتهم {ورضوا عنه} بثوابه الجسيم في الآخرة أو بما قضى عليهم في الدنيا {أولئك حزب اللّه} أنصار حقه ودعاة خلقه {ألا إن حزب اللّه هم المفلحون} الباقون في النعيم المقيم الفائزون بكل محبوب الآمنون من كل مرهوب |
﴿ ٠ ﴾