تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل

أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م)

_________________________________

سورة الحشر

سورة الحشر مدينة وهي اربع وعشرون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{سبح للّه ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم} روى أن هذه السورة نزلت بأسرها في بني النضير وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم حين قدم المدينة صالح بنو النضير رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على أن لا يكونوا عليه ولا له فلما ظهر يوم بدر قالوا هو النبي الذي نعته في التوراة فلما هزم المسلمون يوم أحد ارتابوا ونكثوا فخرج كعب بن الأشرف في أربعين راكبا إلى مكة فحالف أبا سفيان عند الكعبة فأمر صلى اللّه عليه وسلم محمد بن مسلمة الأنصاري فقتل كعبا غيله ثم خرج صلى اللّه عليه وسلم مع الجيش اليهم فحاصرهم احدى وعشرين ليلة وأمر بقطع نخيلهم فلما قذف اللّه الرعب في قلوبهم طلبوا الصلح فأبى عليهم الا الجلاء على أن يحمل كل ثلاثة أبيات على بعير ما شاءوا من متاعهم فجلوا إلى الشام إلى اريحاء واذرعات

٢

{هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب} يعني يهود بني النضير

{من ديارهم} بالمدينمة واللام في

{لأول الحشر} تتعلق باخرج وهي اللام في قوله تعالى يا ليتني قدمت لحياتي وقوله جئته لوقت كذا أي أخرج الذين كفروا عند أول الحشر ومعنى أول الحشر أن هذا أول حشرهم إلى الشام وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء قط وهم أول من أخرج من أهل الكتاب من جزيرة العرب إلى الشام أو هذا أول حشرهم وآخر حشرهم اجلاء عمر اياهم من خيبر إلى الشام وآخر حشرهم حشر يوم القيامة

قال ابن عباس رضي اللّه عنهما من شك أن المحشر بالشام فليقرأ هذه الآية فهم الحشر الأول وسائر الناس الحشر الثاني وقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما خرجوا امضوا فانكم أول الحشر ونحن على الأثر

قتادة إذا كان آخر الزمان جاءتنار من قبل المشرق فحشرت الناس إلى أرض الشام وبها تقوم عليهم القيامة وقيل معناه أخرجهم من ديارهم لاول ما حشر لقتالهم لان أول قتال قاتلهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

{ما ظننتم أن يخرجوا} لشدة بأسهم ومنعتهم ووثاقة حصونهم وكثرة عددهم وعدتهم

{وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من اللّه} أي ظنوا أن حصونهم تمنعهم من بأس اللّه والفرق بين هذا التركيب وبين النظم الذي جاء عليه أن في تقديم الخبر على المبتدأ دليلا على فرط وثوقهم بحصانتها ومنعها إياهم وفي تصيير ضميرهم اسما لأن واسناد الجملة إليه دليل على اعتقادهم في أنفسهم أنهم في عزة ومنعة لا يبالي معها بأحد يتعرض لهم أو يطمع في مغازلتهم وليس ذلك في قولك وظنوا أن حصونهم تمنعهم

{فآتاهم اللّه} أي أمر اللّه وعقابه وفي الشواذ فآتاهم اللّه أي فآتاهم الهلاك

{من حيث لم يحتسبوا} من حيث لم يظنوا ولم يخطر ببالهم وهو قتل رئيسهم كعب بن الأشرف غرة على بد أخيه رضاعا

{وقذف في قلوبهم الرعب} الخوف

{يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين} يخربون أبو عمرو والتخريب والاخراب الافساد بالنقض والهدم والخربة الفساد وكانوا يخربون بواطنها والمسلمون ظواهرها لما أراد اللّه من استئصال شأنهم وأن لا نبقي لهم بالمدينة دار ولا منهم ديار والذي دعاهم إلى التخريب حاجتهم إلى الخشب والحجارة ليسدوا بها أفواه الازقة وأن لا يتحسروا بعد جلائهم على بقائها مساكن للمسلمين وأن ينقلوا معهم ما كان في أبنيتهم من جيد الخشب والساج وأما المؤمنون فداعيهم إلى التخريب

إزالة متحصنهم وأن يتسع لهم مجال الحرب ومعنى تخريبهم لها بأيدي المؤمنين أنهم لما عرضوهم بنكث العهد لذلك وكانوا السبب فيه فكانهم أمروهم به وكلفوهم إياه

{فاعتبروا يا أولي الأبصار} أي فتأملوا فيما نزل بهؤلاء والسبب الذي استحقوا به ذلك فاحذروا أن تفعلوا مثل فعلهم فتعاقبوا بمثل عقوبتهم وهذا دليل على جواز القياس

٣

{ولولا أن كتب اللّه عليهم الجلاء} الخروج من الوطن مع الاهل والولد

{لعذبهم في الدنيا} بالقتل والسبي كما فعل ببني قريظة

{ولهم} سواء أجلوا أو قتلوا

{في الآخرة عذاب النار} الذي لا أشد منه

٤

{ذلك بأنهم} أي إنما أصابهم ذلك بسبب أنهم

{شاقوا اللّه} خالفوه

{ورسوله ومن يشاق اللّه} ورسوله

{فإن اللّه شديد العقاب

٥

ما قطعتم من لينة} هو بيان لما قطعتم ومحل ما نصب بقطعتم كانه قيل أي شيء قطعتم وأنث الضمير الراجع إلى ما في قوله

{أو تركتموها} لانه في معنى اللينة واللينة من الألوان وياؤها عن واو قلبت لكسر ما قبلها وقيل اللينة النخلة الكريمة كانهم اشتقوها من اللين

{قائمة على أصولها فبإذن اللّه} فقطعها وتركها باذن اللّه

{وليخزي الفاسقين} وليذل اليهود ويغيظهم اذن في قطعها

٦

{وما أفاء اللّه على رسوله} جعله فيأ له خاصة

{منهم} من بني النضير

{فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب} فلم يكن ذلك بايجاف خيل أو ركاب منكم على ذلك والركاب الابل والمعنى فما أوجفتم على تحصيله وتغنيمه خيلا ولا ركابا ولا تعبتم في القتال عليه وانما مشيتم إليه على أرجالكم لأنه على ميلين من المدينة وكان صلى اللّه عليه وسلم على حمار فحسب

{ولكن اللّه يسلط رسله على من يشاء} يعني أن ما خول اللّه رسوله من أموال بني النضير شيء لم تحصلوه بالقتال والغلبة ولكن سلطة اللّه عليهم وعلى ما في أيديهم كما كان يسلط رسله على أعدائهم فالأمر فيه مفوض إليه يضعه حيث يشاء ولا يقسمه قسمة الغنائم التي قوتل عليها واخذت عنة وقهرا فقسمها بين المهاجرين ولم يعط الانصار الا ثلاثة منهم لفقرهم

{واللّه على كل شيء قدير

٧

ما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى فللّه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} وانما لم يدخل العاطف على هذه الجملة لانها بيان للأولى فهي منها غير أجنبية عنها بين لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما يصنع بما أفاء اللّه وأمره ان يضعه حيث يضع الخمس من الغنائم مقسومة

على الاقسام الخمسة وزيف هذا القول بعض المفسرين وقال الآية الاولى نزلت في أموال بني النضير وقد جعلها اللّه لرسوله خاصة وهذه الآية في غنائم كل قرية تؤخذ بقوة الغزاة وفي الآية بيان مصرف خمسها فهي مبتدأة

{كي لا يكون دولة} تكون الدولة يزيد على كون التامة والدولة والدولة ما يدول للانسان أي يدور من الجد ومعنى قوله كيلا يكون دولة

{بين الأغنياء منكم} كيلا يكون الفيء الذي حقه أن يعطى الفقراء ليكون لهم بلغة يعيشون بها جدا بين الأغنياء يتكاثرون به

{وما آتاكم الرسول} أي ما أعطاكم من قسمة غنيمة أو فيء

{فخذوه} فاقبلوه

{وما نهاكم عنه} عن أخذه منها

{فانتهوا} عنه ولا تطلبوه

{واتقوا اللّه} أن تخالفوه وتتهاونوا بأوامره ونواهيه

{أن اللّه شديد العقاب} لم خالف رسوله صلى اللّه عليه وسلم والاجود أنه يكون عاما في كل ما أتى رسوله صلى اللّه عليه وسلم ونهى عنه وأمر الفئ داخل في عمومه

٨

{للفقراء} بدل من قوله ولذي القربا والمعطوف عليه والذي منع الا بدال من اللّه وللرسول وان كان المعنى لرسول اللّه ان اللّه عز وجل أخرج رسوله من الفقراء في قوله وينصرون اللّه ورسوله وانه يترفع برسول اللّه عن التسمية بالفقير وان الابدال على ظاهر اللفظ من خلاف الواجب في تعظيم اللّه عز وجل

{المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم} بمكة وفيه دليل على أن الكفار يملكون بالاستيلاء أموال المسلمين لأن اللّه تعالى سمى المهاجرين فقراء مع انه كانت لهم ديار وأموال

{يبتغون} حال

{فضلا من اللّه ورضوانا} أي يطلبون الجنة ورضوان اللّه

{وينصرون اللّه ورسوله} أي ينصرون دين اللّه ويعينون رسوله

{أولئك هم الصادقون} في إيمانهم وجهادهم

٩

{والذين} معطوف على المهاجرين وهم الانصار

{تبوؤوا الدار} توطنوا المدينة

{والإيمان} وأخلصوا الايمان كقوله علفتها تبنا وماء باردا

أو وجعلوا الايمان مستقرا ومتوطنا لهم لتمكنهم واستقامتهم عليه كما جعلوا المدينة كذلك أو أراد دار الهجرة فاقام لام التعريف في الدار مقام المضاف اليه وحذف تبوئ دار الهجرة والايمان وقيل من قبل المهاجرين هجرتهم

{يحبون من هاجر إليهم} حتى شاطروهم أموالهم وأنزلوهم منازلهم ونزل من كانت له امرأتان عن احداهما حتى تزوج بها رجل من المهاجرين

{ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا} ولا يعلمون في انفسهم طلب محتاج اليه مما أوتي المهاجرون من الفيء وغيره والمحتاج اليه ويسمى حاجة يعني ان نفوسهم لم تتبع ما أعطوا ولم تطمح إلى شيء منه تحتاج اليه وقيل حاجة

حسدا مما أعطي المهاجرون من الفيء حيث خصهم النبي صلى اللّه عليه وسلم به وقيل لا يجدون في صدورهم من حاجة من فقد ما أوتوا فحذف المضافان

{ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} فقر وأصلها خصاص البيت وهى فروجه والجملة في موضع الحال أي مفروضة خصاصتهم روى أنه نزل برجل منهم ضيف فنوم الصبية وقرب الطعام وأطفأ المصباح ليشبع ضيفه ولا يأكل هو وعن أنس أهدى لبعضهم رأس مشوي وهو مجهود فوجهه إلى جاره فتداولته تسعة أنفس حق عاد إلى الأول أبو زيد قال لي شاب من أهل بلخ با الزهد عندكم قلت إذا وجدنا أكلنا وإذا فقدنا صبرنا فقال هكذا عندنا كلاب بلخ بل إذا فقدنا صبرنا وإذا وجدنا أثارنا

{ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} الظافرون بما أرادوا والشح أكل اللؤم وأن تكون نفس الرجل كزة حريصه على المنع وأما البخل فهو المنع نفسه وقيل الشح أكل مال أخيك ظلما والبخل منع مالك وعن كسرى الشح أضر من الفقر لآن الفقير يتسع إذا وجد بخلاف الشحيح

١٠

{والذين جاؤوا من بعدهم} عطف أيضا على المهاجرين وهم الذين هاجروا من بعد وقيل التابعون باحسان وقيل من بعدهم إلى يوم القيامة قال عمر رضى اللّه عنه دخل في هذا الفيء كل من هو مولود إلى يوم القيامة في الإسلام فجعل الواو للعطف فيهما وقرئ للذين فيهما

{يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} قيل هم المهاجرين والأنصار عائشة رضى اللّه عنها أمروا بأن يستغفروا لهم فسبوهم

{ولا تجعل في قلوبنا غلا} حقدا

{للذين آمنوا} يعنى الصحابة

{ربنا إنك رؤوف رحيم} وقيل لسعيد بن أبى المسيب ما تقول في عثمان وطلحة والزبير قال أقول ما قولنيه اللّه وتلى هذه الآية ثم عجب نبيه بقوله

١١

{ألم تر إلى الذين نافقوا} أي ألم تر يا محمد إلى عبد اللّه بن أبي واشياعه

{يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب} يعنى بنى النضير والمراد اخوة الكفر

{لئن أخرجتم} من دياركم

{لنخرجن معكم} روى ابن أبي وأصحابه دسوا إلى بنى النضير حين حاصرهم النبي صلى اللّه عليه وسلم لا تخرجوا من الحصن فان قاتلوكم فنحن معكم لا نخذلكم ولئن أخرجتم لنخرجن معكم

{ولا نطيع فيكم} في قتالكم

{أحدا أبدا} من رسول اللّه والمسلمين إن حملنا عليه أو في خذلانكم واخلاف ما وعدناكم من النصرة

{وإن قوتلتم لننصرنكم واللّه يشهد إنهم لكاذبون} في مواعيدهم لليهود وفيه دليل على صحة النبوة لأنه أخبار بالغيب

١٢

{لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون}

وأنما قال ولئن نصروهم بعد الأحبار بأنهم لا ينصرونهم على الفرض والتقدير كقوله لئن أشركت ليحبطن عملك وكما يعلم ما يكون فهو يعلم ما لا يكون لو كان كيف يكون والمعنى ولئن نصر المنافقون اليهود ليهزمن المنافقون ثم لا ينصرون بعد ذلك أي يهلكهم اللّه ولا ينفعهم نفاقهم لظهور كفرهم أو ليهزمن اليهود ثم لا ينفعهم نصرة المنافقين

١٣

{لأنتم أشد رهبة} أي أشد مرهوبية مصدر رهب المبنى للمفعول وقوله

{في صدورهم} دلاله على نفاقهم يعن أنهم يظهرون لكم في العلانية خوف اللّه وأنتم أهيب في صدورهم

{من اللّه ذلك بأنهم قوم لا يفقهون} لا يعلمون اللّه وعظمته حتى يخشوه حق خشيه

١٤

{لا يقاتلونكم} لا يقدرون على مقاتلتكم

{جميعا} مجتمعين يعنى اليهود والمنافقين

{إلا} كائنين

{في قرى محصنة} بالخنادق والدروب

{أو من وراء جدر} جدار مكي وأبو عمرو

{بأسهم بينهم شديد} يعنى أن البأس الشديد الذي يوصوفون به إنما هو بينهم إذا اقتتلوا ولو قاتلوكم لم يبق لهم ذلك البأس والشدة لآن الشجاع يجبن عند محاربة اللّه ورسوله

{يحسبهم} أي اليهود والمنافقين

{جميعا} مجتمعين ذوى ألفه واتحاد

{وقلوبهم شتى} متفرقة لا ألفة بينهما يعنى أن بينهم احنا وءداوات فلا يتعاضدون حق التعاضد وهذا تجسير للمؤمنين وتشجيع لقلوبهم على قتالهم

{ذلك} التفرق

{بأنهم قوم لا يعقلون} أن تشتت القلوب مما يوهن قواهم ويعين على أرواحهم

١٥

{كمثل الذين من قبلهم} أي مثلهم كمثل أهل بدر فحذف المبتدأ

{قريبا} أي استقر من قبله زمنا قريبا

{ذاقوا وبال أمرهم} سوء عاقبة كفرهم وعداوتهم لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من قولهم كلأ وبيل وخيم سيء العاقبة يعني ذاقوا عذاب القتل في الدنيا

{ولهم عذاب أليم} أي ولهم مع ذلك في الآخرة عذاب النار

١٦

{كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف اللّه رب العالمين} أي مثل المنافقين في اغرائهم اليهود على القتال ووعدهم إياهم النصر ثم متاركتهم لهم واخلافهم كمثل الشيطان إذا استغوى الانسان بكيده ثم تبرأ منه في العاقبة وقيل المراد استغواؤه قريشا يوم بدر وقوله لهم لا غالب لكم اليوم من الناس واني جار لكم إلى قوله اني برئ منكم

١٧

{فكان عاقبتهما}

عاقبة الانسان الكافر والشيطان

{أنهما في النار خالدين فيها} عاقبتهما خبر كان مقدم وأن مع اسمها وخبرها أي في النار في موضع الرفع على الاسم وخالدين حال

{وذلك جزاء الظالمين

١٨

يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه} في أوامره فلا تخالفوها

{ولتنظر نفس} نكر النفس تقليلا للأنفس النواظر فيما قد من للآخرة

{ما قدمت لغد} يعني يوم القيامة سماه باليوم الذي يلي يومك تقريبا له أو عبر عن الآخرة بالغد كأن الدنيا والآخرة نهار أن يوم وغد وتنكيره لتعظيم أمره أي انه لا يعرف كنهه لعظمه وعن مالك ابن دينار مكتوب على باب الجنةوجدناه ما عملنا ربحنا ما قدمنا خسرنا ما خلفنا

{واتقوا اللّه} كرر الامر بالتقوى تأكيدا واتقوا اللّه أداء الواجبات لأنه قرن بما هو عمل واتقوا اللّه في ترك المعاصي لأنه قرن بما يجري مجرى الوعيد وهو

{إن اللّه خبير بما تعملون} وفيه تحريض على المراقبة لأن من علم وقت فعله أن اللّه مطلع على ما يرتكب من الذنوب يمتنع عنه

١٩

{ولا تكونوا كالذين نسوا اللّه} تركوك ذكر اللّه عز وجل وما أمرهم به

{فأنساهم أنفسهم} فتركهم من ذكره بالرحمة والتوفيق

{أولئك هم الفاسقون} الخارجون عن طاعة اللّه

٢٠

{لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون} هذا تنبيه للناس وإيذان بانهم لفرط غفلتهم وقلة فكرهم في العاقبة وتهالكهم على إيثار العاجلة واتباع الشهوات كانهم لا يعرفون الفرق بين الجنة والنار والبون العظيم بين أصحابهما وان الفوز العظيم مع اصحاب الجنة والعذاب الاليم مع اصحاب النار والبون العظيم بين أصحابهما وان الفوز العظيم مع اصحاب الجنة والعذاب الاليم مع اصحاب النار فمن حقهم أن يعلموا ذلك وينبهوا عليك كما تقول لما يعق أباه هو أبوك تجعله بمنزلة من لا يعرفه فتنبها بذلك على حق الابوه الذي يقتضي البر والتعطف وقد استدلت الشافعية بهذه الآية على أن المسلم لا يقتل بالكافر وان الكافر لا يملك مال المسلم بالاستيلاء وقد أجبنا عن مثل هذا في أصول الفقه والكافي

٢١

{لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية اللّه} أي من شان االقرآن وعظمته أنه لو جعل في الجبل تميز وأنزل عليه القرآن لخشع أي لخضع وتطأطأ وتصدع أي تشقق من خشية اللّه وجائزان يكون هذا تمثيلا كما في قوله إنا عرضنا الأمانة ويدل عليه قوله

{وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون} وهي إشارة إلى هذا المثل وإلى امثاله في مواضع من التنزيل والمراد توبيخ الإنسان على قسوة قلبه وقلة تخشعه عند تلاوة القرآن وتدبر قوارعه وزواجره ثم رد على من أشرك وشبهه بخلقه فقال

٢٢

{هو اللّه الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة} أي السر والعلانية أو الدنيا والآخرة أو المعدوم والموجود

{هو الرحمن الرحيم

٢٣

هو اللّه الذي لا إله إلا هو الملك} الذي لا يزول ملكه

{القدوس} المنزه عن القبائح وفي تسبيح الملائكة سبوح قدوس رب الملائكة والروح

{السلام} الذي سلم لخلق من ظلمه عن الزجاج

{المؤمن} واهب الامن وعن الزجاج الذي آمن الخلق من ظلمه أو المؤمن من عذابه من اطاعه

{المهيمن} الرقيب على كل شيء الحافظ له مفيعل من الامن إلا أن همزته قلبت هاء

{العزيز} الغالب غير المغلوب

{الجبار} العالي العظيم الذي يذل له من دونه أو العظيم الشأن في القدرة والسلطان أو القهار ذو الجبروت

{المتكبر} البليغ الكبرياء والعظمة

{سبحان اللّه عما يشركون} نزه ذاته عما يصفه به المشركون

٢٤

{هو اللّه الخالق} المقدر لما يوجده

{البارئ} الموجد

{المصور} في الارحام

{له الأسماء الحسنى} الدالة على الصفات العلا

{يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم} ختم السورة بما بدأ به عن أبي هريرة رضي اللّه عنه سألت حبيبي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الاسم الاعظم فقال عليك بآخر الحشر فأكثر قراءته فأعدت عليه فأعاد علي فأعدت عليه فأعاد علي

﴿ ٠