تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م) _________________________________سورة الصف سورة الصف مدنية وهي أربع عشرة آية بسم اللّه الرحمن الرحيم ١{سبح للّه ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم} روى أنهم قالوا قبل أن يؤمروا بالجهاد لو نعلم أحب الاعمال إلى اللّه لعملناه فنزلت آية الجهاد فتباطأ بعضهم فنزلت ٢{يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون} لم هي لام الاضافة داخلة على ما الاستفهامية كما دخل عليها غيرها من حروف الجر في قولكم بم وفيهم ومم وعم والام وعلام وانما حذفت الالف لأنما واللام أو غيراه كشيء واحد وهو كثير الاستعمال في كلام المستفهم وقد جاء استعمال الاصل قليلا قال على ما قام يشتمني جرير والوقف على زيادة هاء السكت أو الاسكان ومن أسكن في الوصل فلا جرائه مجرى الوقف والوقف على زيادة هاء السكت أو الاسكان ومن أسكن في الوصل فلاجرائه مجرى الوقف ٣{كبر مقتا عند اللّه أن تقولوا ما لا تفعلون} قصد في كبر التعجب من غير لفظه كقوله غلت ناب كليب بواؤها ومعنى التعجب تعظيم الامر في قلوب السامعين لان التعجب لا يكون الا من شيء خارج عن نظائره واسند إلى أن تقولوا ونصب مقتا على التمييز وفيه دلالة على أن قولهم ملا يفعلون مقت خالص لا شوب فيه والمعنى كبر قولكم مالا تفعلون مقتا عند اللّه واختير لفظ المقت لانه اشد البغض وعن بعض السلف أنه قيل له حدثنا فقال أتأمرونني أن أقول ما لا أفعل فاستعجل مقت اللّه ثم أعلم اللّه عز وجل ما يحبه فقال ٤{إن اللّه يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا} أي صافين انفسهم مصدر وقع موقع الحال {كأنهم بنيان مرصوص} لاصق بعضه ببعض وقيل اريد به استواء نياتهمفي حرب عدوهم حتى يكونوا على في اجتماع الكلمة كالبنيان الذي رض بعضه إلى بعض وهو حال ايضا ٥{وإذ} منصوب باذكر {قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني} بجحود الآيات والقذف بما ليس في {وقد تعلمون} في موضع الحال أي تؤذوني عالمن علما يقينا {أزاغ اللّه قلوبهم} من الهداية أو لما تركوا أوامره نزع نور الايمان من قلوبهم أو فلما اختاروا الزيغ زاغ اللّه قلوبهم أي اخذلهم وحرمهم توفيق اتباع الحق {واللّه لا يهدي القوم الفاسقين} أي لا يهدي من سبق في علمه أنه فاسق ٦{وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل} ولم يقل يا قوم كما قال موسى لانه لا نسب له فيهم فيكونوا قومه {إني رسول اللّه إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} أي ارسلت اليكم في حال تصديقي ما تقدمني من التوراة وفي حال تبشيري برسول يأتي من بعدي يعني ان دين اتصديق بكتب اللّه وانبيائه جميعا ممن تقدم وتأخر بعدي حجازي وأبو عمرو وأبو بكر وهو اختبار الخليل وسيبويه وانتصب مصدقا ومبشرا بما في الرسول من معنى الارسال {فلما جاءهم} عيسى أو محمد عليهما السلام {بالبينات} بالمعجزات {قالوا هذا سحر مبين} ساحر حمزة وعلى ٧{ومن أظلم ممن افترى على اللّه الكذب وهو يدعى إلى الإسلام واللّه لا يهدي القوم الظالمين} واي الناس اشد ظلماممن يدعوه ربه على لسان نبيه إلى الاسلام الذي له فيه سعاة الدارين فيجعل مكان كذب وتمويه ٨{يريدون ليطفئوا نور اللّه بأفواههم} هذا تهكم بهم في ارادتهم ابطال الاسلام بقولهم في القرآن هذا سحر مثلت حالهم بحل من ينفخ في نور الشمس بفيه ليطفئه والمفعول محذوف واللام للتعليل والتقدير يريدون الكذب ليطفؤا نور اللّه بأفواههم أي بكلامهم {واللّه متم نوره} وحمزة وعلي وحفص متم نوره غيرهم أي متم الحق ومبلغه غايته {ولو كره الكافرون ٩هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق} أي الملة الحنيفية {ليظهره} ليعليه {على الدين كله} على جميع الأديان المخالفة له ولعمري لقد فعل فما بقي دين من الأديان إلا وهو مغلوب مقهور بدين الاسلام وعن مجهاد إذا نزل عيسى لم يكن في الأرض إلا دين الإسلام {ولو كره المشركون ١٠يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} تنجيكم شامي ١١تؤمنون} استئناف كانهم قالوا كيف نعمل فقال تؤمنون وهو بمعنى آمنوا عند سيبويه ولهذا اجيب بقوله يغفر لكم ويدل علىه قراءةابن مسعود آمنوا باللّه ورسوله وجاهدوا وانما جئ به على لفظ الخير للايذان بوجوب الامتثال وكأنه امتثل فهو يخبر عن إيمان وجهاد موجودين {باللّه ورسوله وتجاهدون في سبيل اللّه بأموالكم وأنفسكم ذلكم} أي ما ذكر من الايمان والجهاد {خير لكم} من أموالكم وأنفكسم {إن كنتم تعلمون} انه خير لكم كان خيرا لكم حينئذ لأنكم إذا علمتهم ذلك واعتقد تموه احببتم الايمان والجهاد فوق ما تحبون أموالكم وأنفسكم فتفلحون وتخلصون ١٢{يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن} أي إقامة وخلود يقال عدن بالمكان إذا أقام به كذا قيل {ذلك الفوز العظيم ١٣وأخرى تحبونها} ولكم إلى هذه النعمة المذكورة من المغفرة والثواب في الآجلة نعمة أخرى عاجلة محبوبة إليكم ثم فسرها بقوله {نصر من اللّه وفتح قريب} أي عاجل وهو فتح مكة والنصر على قريش أو فتح فارس والروم وفي تحبونها شيء من التوبيخ علىمحبة العاجل وقال صاحب الكشف معناه هل أدلكم على تجارة تنجيكم وعلى تجارة أخرى تحبونها ثم قال نصر أي هي نصر {وبشر المؤمنين} عطف على تؤمنون لأنه في معنى الامر كانه قيل آمنوا وجاهدوا يثبتكم اللّه وينصركم وبشر يا رسول اللّه المؤمنين بذلك وقيل هو عطف على قل مرادا قبل يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم ١٤{يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار اللّه} أي أنصار دينه أنصار اللّه حجازي وأبو عمرو {كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى اللّه} ظاهره تشبيه كونهم أنصارا بقول عيسى من أنصاري إلى اللّه ولكنه محمول على المعنى أي كونوا أنصار اللّه كما كان الحواريون أنصار عيسى حين قال لهم من أنصاري إلى اللّه ومعناه من جندي متوجها إلى نصرة اللّه ليطابق جواب الحواريون اصفياؤه وهم اول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلا وحواري الرجل صفيه وخالصه من الحور وهو البياض الخالص وقيل كانوا قصارين يحورون الثايب أي يبيضونها {فآمنت طائفة من بني إسرائيل} بعيسى {وكفرت طائفة} به {فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم} فقوينا مؤمنيهم على كفارهم {فأصبحوا ظاهرين} فغلبوا عليهم واللّه ولي المؤمنين واللّه أعلم |
﴿ ٠ ﴾