تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل

أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م)

_________________________________

سورة المعارج

سورة المعارج مكية وهى أربع وأربعون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{سأل سائل} هو النضر بن الحرث قال ان كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم أو هو النبي صلى اللّه عليه وسلم دعا بنزول العذاب عليهم ولما ضمن سأل معنى دعا عدى تعدينه كأنه قيل دعا داع

{بعذاب واقع} من قولك دعا بكذا إذا استدعاه وطلبه ومنه قوله تعالى يدعون فيها بكل فاكهة وسأل بغير همز مدني وشامي وهو من السؤال أيضا إلا انه خفف بالتليين وسائل مهموز اجماعا

٢

{للكافرين} صفة لعذاب أي بعذاب واقع كائن للكافرين

{ليس له} لذلك العذاب

{دافع} راد

٣

{من اللّه} متصل بواقع أي واقع من عنده أو بدافع أي ليس له دافه من جهته تعالى إذا جاء وقته

{ذي المعارج} أي مصاعد السماء للملائكة جمع معرج وهو موضع العروج ثم وصف المصاعد وبعد مداها في العلو والارتفاع فقال

٤

{تعرج} تصعد وبالياء على

{الملائكة والروح} أي جبريل عليه السلام خصه بالذكر بعد العموم لفضله وشرفه أو خلق هم حفظة على الملائكة كما أن الملائكة حفظة علينا أو أرواح المؤمنين عند الموت

{إليه} إلىعرشه ومهبط أمره

{في يوم} من صلة نعرج

{كان مقداره خمسين ألف سنة} من سني الدنيا لو صعد فيه غبر الملك أو من صلة واقع أ يقع في يوم طويل مقداره خمسين ألف سنة من سنينكم وهو يوم القيامة فأما ان يكون استطالة له لشدته على الكفار أو لأنه على الحقيقة كذلك فقد قيل فيه خمسون موطنا كل موطن ألف سنة وما قدر ذلك على المؤمن إلا كما بين الظهر والعصر

٥

{فاصبر} متعلق بسأل سائل لأن استعجال النضر بالعذاب إنما كان على وجه الاستهزاء برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والتكذيب بالوحي وكان ذلك مما يضجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأمر بالصبر عليه

{صبرا جميلا} بلا جزع ولا شكوى

٦

{إنهم} إن الكفار

{يرونه} أي العذاب أو يوم القيامة

{بعيدا} مستحيلا

٧

{ونراه قريبا} كائنا لا محالة فالمراد بالبعيد من الإمكان وبالقريب القريب منه نصب

٨

{يوم تكون السماء} بقريبا أي يمكن في ذلك اليوم أو هو بدل عز في يوم فيمن علقه بواقع {كالمهل} كدر دي الزيت أو كالفضة المذابة في تلونها

٩

{وتكون الجبال كالعهن} كالصوف المصبوغ ألوانا لأن الجبال جدد بيض وحمر مختلف الوانها وغربيب سود فإذا بست طيرت في الجو شبهت العهن المنفوش اذا طيرته الريح

١٠

{ولا يسأل حميم حميما} لا يسأل قريب عن قريب لاشتغاله بنفسه وعن البزي والبرجمي بضم الياء أي لا يسأل قريب عن قريب أي لا يطالب به ولا يؤخذ بذنبه

١١

{يبصرونهم} صفة أي حميما مبصرين معرفين إياهم أو مستأنف كأنه لما قال ولا يسأل حميم حميا قيل لعله لا يبصره فقيل يبصرونهم ولكنهم لتشاغلهم لم يتمكنوا من تساؤلهم والواو ضمير الحميم الأول وهم ضمير الحميم الثاني أي يبصر الاحماء الاحماء فلا يخفون عليهم وانما جمع الضميران وهما للحميمين لأن فعيلا يقع موقع الجمع

{يود المجرم} يتمنى المشرك وهو مستأنف أو حال من الضمر المرفوع أو المنصوب من يبصرونهم

{لو يفتدي من عذاب يومئذ} وبالفتح مدني وعلى البناء للاضافة إلى غير متمكن {ببنيه}

١٢

وصاحبته} وزوجته {وأخيه}

١٣

وفصيلته} وعشيرته الادنين

{التي تؤويه} تضمه انتماء اليها وبغير همز يزيد

١٤

{ومن في الأرض جميعا} من الناس

{ثم ينجيه} الافتداء عطف على يفتدى

١٥

{كلا} ردع للمجرم عن الودادة وتنبيه على أنه لا ينفعه الافتداء ولا ينجيه من العذاب

{إنها} إنا النار ودل ذكر العذاب عليها أو هو ضمير منهم ترجم عنه الخبر أو ضمير القصة

{لظى} علم النار

١٦

{نزاعة} حفص والمفضل على الحال المؤكدة أو على الاختصاص للتهويل وغيرهما بالرفع خبر بعد خبر لأن أو على هي نزاعة

{للشوى} لاطراف الأنسان كاليدين والرجلين أوجمع شواة وهي جلدة الرأس تنزعها نزعا فتفرقها ثم تعود إلى ما كانت

١٧

{تدعوا} بأسمائهم يا كافر يا منافق إلى إلى أو تهلك من قولهم دعاك اللّه أي اهلكلك أو لما كان مصيره اليها جعلت كانها دعته

{من أدبر} عن الحق

{وتولى} عن الطاعة

١٨

{وجمع} المال

{فأوعى} فجعله في وعاء ولم يؤد حق اللّه منه

١٩

{إن الإنسان} اريد به الجنس ليصح استثناء المصلين منه

{خلق هلوعا} عن ابن عباس رضي اللّه عنهما تفسيره ما بعده

٢٠

{إذا مسه الشر جزوعا}

٢١

وإذا مسه الخير منوعا} والهلع سرعة الجزع عند مس المكروه لسرعة المنع عند مس الخير وسأل محمد بن عبد اللّه بن طاهر ثعلبا عن الهلع فقال قد فسره اللّه تعالى ولا يكون تفسير أبين من تفسيره وهو الذي إذا ناله شر أظهر شدة الجزع وإذا ناله خير بخل به ومنعه الناس وهذا طبعه وهو مأمور بمخالفة طبعه وموافقة شرعه والشر الضر والفقر والخير السعة والغنى أو المرض والصحة

٢٢

{إلا المصلين}

٢٣

الذين هم على صلاتهم} على صلواتهم الخمس

{دائمون} أي محافظون عليها في مواقيتها وعن ابن مسعود رضي اللّه عنه

٢٤

{والذين في أموالهم حق معلوم} يعني الزكاة

لأنها مقدرة معلومة أو صدقة يوظفها الرجل على نفسه يؤديها في أوقات معلومة

٢٥

{للسائل} الذي يسأل

{والمحروم} الذي يتعفف عن السؤال فيحسب غنيا فيحرم

٢٦

{والذين يصدقون بيوم الدين} أي يوم الجزاء والحساب وهو يوم القيامة

٢٧

{والذين هم من عذاب ربهم مشفقون} خائفون واعترض بقوله

٢٨

{إن عذاب ربهم غير مأمون} بالهمز سوى أبي عمرو أي لا ينبغي لأحد وإن بالغ في الاجتهاد والطاعة أن يأمنه وينبغي أن يكون مترجحا بين الخوف والرجاء

٢٩

{والذين هم لفروجهم حافظون}

٣٠

إلا على أزواجهم} نسائهم

{أو ما ملكت أيمانهم} أي اماءهم

{فإنهم غير ملومين} علىترك الحفظ

٣١

{فمن ابتغى} طلب منكحا

{وراء ذلك} أي غير الزوجات والمملوكات

{فأولئك هم العادون} المتجاوزون عن الحلال إلى الحرام وهذه الآية تدل على حرمة المتعة ووطء الذكران والبهائم والاستمناء بالكف

٣٢

{والذين هم لأماناتهم} لأمانتهم مكي وهي تتناول أمانات الشرع وأمانات العباد

{وعهدهم} أي عهودهم ويدخل فيها عهود الخلق والنذور والايمان

{راعون} حافظون غير خائنين ولا ناقضين وقيل الامانات ما تدل عليه العقول والعهد ما أتى به الرسول

٣٣

{والذين هم بشهاداتهم} سهل وبالألف حفص ويعقوب

{قائمون} يقيمونها عند الحكام بلاميل إلى قريب وشريف وترجيح للقوى على الضعيف إظهار للصلابة في الدين ورغبة في إحياء حقوق المسلمين

٣٤

{والذين هم على صلاتهم يحافظون} كرر ذكر الصلاة لبيان أنها أهم أو لأن احداهما للفرائض والاخرى للنوافل وقيل الدوام عليها الاستكثار منها والمحافظة عليها أن لا تضيع عن مواقيتها والدوام عليها أداؤها في أوقاتها والمحافظة عليها حفظ أركانها وواجباتها وسننها وآدابها

٣٥

{أولئك} أصحاب هذه الصفات

{في جنات مكرمون} هما خبران

٣٦

{فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ}

{مهطعين} مسرعين حال من الذين كفروا

٣٧

عن اليمين وعن الشمال عن يمين النبي صلى اللّه عليه وسلم وعن شماله عزين حال أي فرقا شتى جمع عزة وأصلها عزوة كان كل فرقة تعتزى إلى غير من تعتزي اليه الاخرى فهم مفترقون كان المشركون يحتفون حول النبي صلى اللّه عليه وسلم حلقا حلقا وفرقا فرقا يستمعون ويستهزءون بكلامه ويقولون ان دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد فلندخلنها قبلهم فنزلت

٣٨

{أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل}

بمض الياء وفتح الخاء سوى المفضل

{جنة نعيم} كالمؤمنين

٣٩

{كلا} ردع لهم عن طمعهم في دخول الجنة

{إنا خلقناهم مما يعلمون} أي من النطفة المدرة ولذلك ابهم اشعارا بأنه منصب يستحيا من ذكره فمن أين يشترفون ويدعون التقدم ويقولون لندخلن الجنة قبلهم أو معناه إنا خلقناهم من نطفة كما خلقنا بني آدم كلهم ومن حكمنا أن لا يدخل أحد الجنة إلا بالايمان فلم يطمع أن يدخلها من لا ايمان له

٤٠

{فلا أقسم برب المشارق} مطلع الشمس

{والمغارب} ومغاربها

{إنا لقادرون

٤١

على أن نبدل خيرا منهم} على أن نهلكم ونأتي بخلق أمثل منهم وأطوع للّه

{وما نحن بمسبوقين} بعاجزين

٤٢

{فذرهم} فدع المكذبين

{يخوضوا} في باطلهم

{ويلعبوا} في دنياهم

{حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون} فيه العذاب

٤٣

{يوم} بدل من يومهم

{يخرجون} بفتح الياء وضم الراء سوى الاعشى

{من الأجداث} القبور

{سراعا} جمع سريع حال أي الى الداعي

{كأنهم} حال

{إلى نصب} شامي وحفص وسهل نصب المفضل نصب غيرهم وهو كل ما نصب وعبد من دون اللّه

{يوفضون} يسرعون

٤٤

{خاشعة} حال من ضمير يخرجون أي ذليلة

{أبصارهم} يعني لا يرفعونها لذلتهم

{ترهقهم ذلة} يغشاهم هوان

{ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون} في الدنيا وهم يكذبون به

﴿ ٠