تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل

أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م)

_________________________________

سورة القيامة

سورة القيامة مكي وهي اربعون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{لا أقسم بيوم القيامة} عن ابن عباس ولا صلة كقوله لئلا يعلم وقوله في بئر لا حور سرى ما شعر

وكقوله

تذكرت ليلى فاعترتني صبابة  وكاد ضمير القلب لا يتقطع

وعليه الجمهور عن الفراء لارد لإنكار المشركين العبث كانه قيل ليس الامر كما تزعمون ثم قيل اقسم بيوم القيامة وقيل أصله لا قسم كقراءة ابن كثير على أن اللام للابتداء واقسم خبر مبتدأ محذوف أي لانا أقسم ويقوبه انه في الإمام بغير الألف ثم أشبع فظهر من الاشباع ألف وهذا اللام يصحبه نون التأكيد في الأغلب وقد يفارقه

٢

{ولا أقسم بالنفس اللوامة} الجمهور على أنه قسم أخر عن الحسن اقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوامة فهي صفة ذم وعلى القسم صفة مدح أي النفس المتقية التي تلوم على التقصير في التقوى وقيل هي نفس آدم لم تزل تلوم على فعلها التي خرجت به من الجنة وجواب القسم محذوف أي لتبعثن دليله

٣

{أيحسب الإنسان} أي الكافر المنكر للبعث

{ألن نجمع عظامه} بعد تفرقها ورجوعها رفاتا مختلطا بالتراب

٤

{بلى} أوجبت ما بعد النفي أي بلى نجمعها

{قادرين} حال من الضمير في نجمع أي نجمعها قادرين على جمعها وإعاداتها كما كانت

{على أن نسوي بنانه} أصابعه كما كانت في الدنيا بلا نقصان وتفاوت مع صغرها فكيف بكبار العظام

٥

{بل يريد الإنسان} عطف على أيحسب فيجوز أن يكون مثله استفهاما

{ليفجر أمامه} ليدوم على فجوره فيما يستقبله من الزمان

٦

{يسأل أيان} متى

{يوم القيامة} سؤال متعنت مستبعد لقيام الساعة

٧

{فإذا برق البصر} تحير فزعا وبفتح الراء مدني شخص

٨

{وخسف القمر} وذهب ضوءه أو غاب من قوله فخسفنا به وقرأ أبو حيوة بضم الخاء

٩

{وجمع الشمس والقمر} أي جمع بينهما في الطلوع من المغرب

أو جمعا في ذهاب الضوء أو يجمعان فيقذفان في البحر فيكون نار اللّه الكبرى

١٠

{يقول الإنسان} الكافر

{يومئذ أين المفر} هو مصدر أي الفرار من النار أوالمؤمن أيضا من الهول وقرأ الحسن بكسر الفاء وهو يحتمل المكان والمصدر

١١

{كلا} ردع عن طلب المفر

{لا وزر} لا ملجأ

١٢

{إلى ربك} خاصة

{يومئذ المستقر} مستقر العباد أو موضع قرارهم من جنة أو نار مفوض ذلك لمشيئته من شاء أدخله الجنة ومن شاء أدخله النار

١٣

{ينبأ الإنسان يومئذ} يخبر

{بما قدم} من عمل عمله

{وأخر} ما لم يعمله

١٤

{بل الإنسان على نفسه بصيرة} شاهد والهاء للمبالغة كعلامة أو أنثه لأنه أراد به جوارحه إذ جوارحه تشهد عليه أو هو حجة على نفسه والبصيرة الحجة قال اللّه تعالى قد جاءكم بصائر من ربكم وتقول لغيرك أنت حجة على نفسك وبصيرة رفع بالابتداء وخبره على نفسه تقدم عليه والجملة خبر الانسان كقولك زيد على رأسه عمامة البصيرة على هذا يجوز أن يكون الملك الموكل عليه

١٥

{ولو ألقى معاذيره} أرخى ستوره والمعذار الستر وقيل ولو جاء بكل معذرة ما قبلت منه فعليه من يكذب عذره والمعاذير ليس بجمع معذرة لأن جمعها معاذر بل هي اسم جمع لها ونحوه المناكير في المنكر

١٦

{لا تحرك به} بالقرآن

{لسانك لتعجل به} بالقرآن وكان صلى اللّه عليه وسلم يأخذ في القراءة قبل فراغ جبريل كراهة أن يتفلت منه فقيل له لا تحرك لسانك بقراءة الوحي ما دام جبريل يقرأ لتعجل به لتأخذه على عجلة ولئلا يتفلت فقيل له لا تحرك لسانك بقراءة الوحي ما دام جبريل يقرأ لتعجل به لتأخذه على عجلة ولئلا يتفلت منك ثم علل النهي عن العجلة بقوله

١٧

{إن علينا جمعه} في صدرك

{وقرآنه} واثبات قراءته في لسانك والقرآن القراءة ونحوه ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى اليك وحيه

١٨

{فإذا قرأناه} أي قرأه عليك جبريل فجعل قراءة جبريل قراءته

{فاتبع قرآنه} أي قراءته عليك

١٩

{ثم إن علينا بيانه} إذا اشكل عليك شيء من معانيه

٢٠

{كلا} ردع عن انكار البعث أو ردع لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن العجلة وإنكار لها عليه وأكده بقوله

{بل تحبون العاجلة} كأنه قبل بل أنتم يا بني آدم لأنكم خلقتم من عجل وطبعتم عليه تعجلون في كل شيء ومن ثم تحبون العاجلة الدنيا وشهواتها

٢١

{وتذرون الآخرة} الدار الآخرة ونعيمها فلا تعملون لها والقراءة فيهما بالتاء مدني وكوفي

٢٢

{وجوه} هي وجوه المؤمنين

{يومئذ ناضرة} حسنة ناعمة

٢٣

{إلى ربها ناظرة} بلا كيفية ولا وجهة ولا ثبوت مسافة وحمل النظر على الانتظار لامر ربها أو لثوا به لا يصح لأنه يقال نظرت فيه أي تفكرت ونظرته انتظرته ولا يعدى بالي إلا بمعنى الرؤية مع انه لا يليق الانتظار في دارالقرار  

٢٤

{ووجوه يومئذ باسرة} كالحة شديدة العبوسة وهي وجوه الكفار

٢٥

{تظن} تتوقع أن يفعل بها فعل هو في شدته

{فاقرة} داهية تقضم فقار الظهر

٢٦

{كلا} ردع عن ايثار الدنيا على الآخرة كأنه قبل ارتدعوا عن ذلك وتلهبوا على ما بين أيديكم من الموت الذي عنده تنقطع العاجلة عنكم وتنتقلون إلى لآجلة التي تبقون فيها مخلدين

{إذا بلغت} أي الروح وجاز وإن لم يجر لها ذكر لان الآية تدل عليها

{التراقي} العظام المكتنفة لثغرة النحر عن يمين وشمال جمع ترقوة

٢٧

{وقيل من راق} يقف حفص على من وقيفة أي قال حاضر والمحتضر بعضهم لبعض أيكم يرقيه مما به من الرقية من حد ضرب أو هو من كلام الملائكة أيكم يرقى بروحه أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب من الرقي من حد علم

٢٨

{وظن} أيقن المحتضر

{أنه الفراق} أن هذا الذي نزل به هو فراق الدنيا المحبوبة

٢٩

{والتفت الساق بالساق} التوت ساقاه عند موته وعن سعيد بن المسيب هما ساقاه حين تلفان في أكفانه وقيل شدة فراق الدنيا بشدة اقبال الآخرة على أن الساق مثل في الشدة وعن ابن عباس رضي اللّه عنهماهما همان هم الأهل والولد وهم القدوم على الواحد الصمد

٣٠

{إلى ربك يومئذ المساق} هو مصدر ساقه أي مساق العباد إلى حيث أمر اللّه اما الى الجنة أو إلى النار

٣١

{فلا صدق} بالرسول والقرآن

{ولا صلى} الإنسان في قوله أيحسب الإنسان ان لن يجمع عظامه

٣٢

{ولكن كذب} بالقرآن

{وتولى} عن الإيمان أو فلا صدق ما له يعني زكاة

٣٣

{ثم ذهب إلى أهله يتمطى} يتبختر واصله يتمطط أي يتمدد لأن المتبختر يمد خطاه فابدات الطاء ياء لاجتماع ثلاثة أحرف متماثلة

٣٤

{أولى لك} بمعنى ويل لك وهو دعاء عليه بأن يليه ما يكره

{فأولى}

٣٥

{ثم أولى لك فأولى} كرر للتأكيد كأنه قال ويل لك فويل لك ثم ويل لك فويل لك وقيل ويل لك يوم الموت وويل لك في القبر وويل لك حين البعث وويل لك في النار

٣٦

{أيحسب الإنسان أن يترك سدى} أيحسب الكافران يترك مهملا لا يؤمر ولا ينهى ولا يبعث ولا يجازي

٣٧

{أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى} بالياء: ابن عامر وحفص أي يراق المنى في الرحم وبالتاء يعود إلى النطقة

٣٨

{ثم كان علقة} أي صار المنى قطعة دم جامد بعد اربعين يوما

{فخلق فسوى} فخلق اللّه منه بشرا سويا

٣٩

{فجعل منه} من الإنسان

{الزوجين الذكر والأنثى} أي من المني الصنفين

٤٠

{أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى} اليس الفعال لهذه الاشياء بقادر على الاعادة وكان صلى اللّه عليه وسلم إذا قراها يقول سبحانك بلى واللّه أعلم

﴿ ٠