تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م) _________________________________سورة النازعات سورة النازعات ست وأربعون آية مكية بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ انظر تفسير الآية ٥ ٢انظر تفسير الآية ٥ ٣انظر تفسير الآية ٥ ٤انظر تفسير الآية ٥ ٥{والنازعات غرقا} * {والناشطات نشطا} * {والسابحات سبحا} {فالسابقات سبقا} * {فالمدبرات أمرا} لا وقف إلى هنا ولزم هنا لأنه لو وصل لصار يوم ظرف المدبرات وقد انقضى تدبير الملائكة فى ذلك اليوم أقسم سبحانه بطوائف الملائكة التى تنزع الأرواح من الأجساد غرقا أى إغراقا فى النزع أى تنزعها من أقاصى الأجساد من أناملها ومواضع أظفارها وبالطوائف التى تنشطها أى تخرجها من نشط الدلو من البئر إذا أخرجها وبالطوتئف التى تسبح فى مضيها أى تسرع فتسبق إلى ما أمروا به فتدبر أمر أمن أمور العباد مما يصلحهم فى دينهم ودنياهم أو دنياهم كما رسم لهم أو بخيل الغزاة التى تنزع فى أعنتها نزعا تغرق فيه الاعنة لطول أعناقها لأنها عراب والتى تخرج من دار الإسلام إلى دار الحرب من قولك ثور ناشط إذا خرج من بلد إلى بلد والتى تسبح فى جريها فتسبق إلى الغاية فتدبر أمر الغلبة والظفر واسناد التدبير إليها لأنها من أسبابه أو بالنجوم التى تنزع من المشرق إلى المغرب وإغراقها فى النزع أن تقطع الفلك كله حتى تنحط فى أقصى الغرب والتى يخرج من برج إلى برج والتى تسبح فى الفلك من السيارة فتسبق فتدبر أمر امن علم الحساب وجواب القسم محذوف وهو لتبعثن لدلالة ما بعده عليه من ذكر القيامة ٦{يوم ترجف} تتحرك حركة شديدة والرجف شدة الحركة {الراجفة} النفخة الأولى وصفت بما يحدث بحدوثها لأنها تضطرب بها الأرض حتى يموت كل من عليها ٧{تتبعها} حال عن الراجفة {الرادفة} النفخة الثانية لأنها تردف الأولى وبينهما أربعون سنة والأولى تميت الخلق والثانية تحييهم ٨{قلوب يومئذ} قلوب منكرى البعث {واجفة} مضطربة من الوجيف وهو الوجيب وانتصاب يوم ترجف بما دل عليه قلوب يومئذ واجفة أى يوم ترجدف وجفت القلوب وارتفاع قلوب بالابتداء وواجفة صفتها ٩{أبصارها} أى أبصار أصحابها {خاشعة} ذليلة لهول ماترى ١٠{يقولون} خبرها {يقولون} أى منكر والبعث فى الدنيا استهزاء وانكارا للبعث {أئنا لمردودون في الحافرة} استفهام بمعنى الانكار أى أنرد بعد موتنا إلى أول الأمر فنعود أحياء كما كنا والحافرة الحالة الأولى يقال لمن كان فى أمر فخرج منه ثم عاد غليه رجع الى حافرته أى إلى حالته الأولى ويقال النقد عند الحافرة أى عند الحالة الأةلى وهى الصفقة أنكروا البعث ثم زادوا استبعاد فقالوا ١١{أئذا كنا عظاما نخرة} بالية ناخرة كوفى غير حفص وفعل أبلغ من فاعل يقال نخر العظم فهو نخر وناخر والمعنى أ د إلى الحياة بعد أن صرنا عظاما بالية وإذا منصوب بمحذوف وهو نبعث ١٢{قالوا} أى منكر والبعث {تلك} رجعتنا {إذا كرة خاسرة} رجعة ذات خسران أو خاسر أصحابها والمعنى أنها ان صحت وبعثنا فنحن إذا خاسرون لتكذيبنا بها وهذا استهزاء منهم ١٣{فإنما هي زجرة واحدة} متعلق بمحذوف أى لا تحسبوا تلك الكرة صعبة على اللّه عزوجل فإنها سهلة هينة فى قدرته فما هى إلا صيحة واحدة يريد النفخة الثانية من قولهم زجر البعير إذا صاح عليه ١٤{فإذا هم بالساهرة} فإذا هم أحياء على وجه الأرض بعد ما كانوا أمواتا فى جوفها وقيل الساهرة أرض بعينها بالشام إلى جنب بيت المقدس أو أرض مكة أو جهنم ١٥{هل أتاك حديث موسى} استفهام يتضمن التنبيه على أن هذا مما يجب أن يشيع والتشريف للمخاطب به ١٦{إذ ناداه ربه} حين ناداه {بالواد المقدس} المبارك المطهر {طوى} اسمه ١٧{اذهب إلى فرعون} على ارادة القول {إنه طغى} تجاوز الحد فى الكفر واللفساد ١٨{فقل هل لك إلى أن تزكى} هل لك ميل إلى أن تتطهر من الشرك والعصيان بالطاعة والإيمان وبتشديد الزاى حجازى ١٩{وأهديك إلى ربك} وأرشدك إلى معرفة اللّه بذكر صفاته فتعرفه {فتخشى} لأن الخشية لا تكون إلا بالمعرفة قال اللّه تعالى إنما يخشى اللّه من عباده العلماء أى العلماء به وعن بعض الحكماء اعرف اللّه فمن عرف اللّه لم يقدر أن يعصيه طرفة عين فالخشية ملاك الأمر من خشى اللّه أتى منه كل خير ومن أمن من اجترأ على كل شر ومنه لحديث من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل بدأ مخاطبته بالاستفهام الذى معناه العرض كما يقول الرجل لضيفه هل لك أن تنزل بنا واردفه الكلام الرقيق ليستدعيه باللطف فى القول ويستنزله بالمداراة عن عتوة كما أمر بذلك فى قوله تعالى فقولا له قولا لينا ٢٠{فأراه الآية الكبرى} أى فذهب فأرى موسى فرعون العصا أو العصا واليد البيضاء لأنهما فى حكم آية واحدة ٢١{فكذب} فرعون بموسى والآية الكبرى وسماها ساحرا وسحرا {وعصى} اللّه تعالى ٢٢{ثم أدبر} تولى عن موسى {يسعى} ٢٣{فحشر فنادى} {يسعى} يجتهد فى مكايدته أو لما راى الثعبان أدبر مرعوبا يسرع فى مشيته وكان طياشا خفيفا {فحشر} فجمع السحرة وجنده {فنادى} فى الىمقام الذى اجتمعوا فيه معه ٢٤{فقال أنا ربكم الأعلى} لا رب فوقى وكانت لهم أصنام يعبدونها ٢٥{فأخذه اللّه نكال الآخرة} عاقبه اللّه عقوبة الآخرة والنكال بمعنى التنكيل كالسلام بمعنى التسليم ونصبه على المصدر لأن أخذ بمعنى نكل كانه قيل نكل اللّه به نكال الأخرى أى الاحراق {والأولى} أى الاغراق أو نكال كلمتيه الآخرة وهى أنا ربكم الأعلى والأولى وهى ماعلمت لكم من إله غيرى وبينهما أربعون سنة أو ثلاثون أو عشرون ٢٦{إن في ذلك} المذكور {لعبرة لمن يخشى} اللّه ٢٧{أأنتم} يا منكرى البعث {أشد خلقا} أصعب خلقا وانشاء {أم السماء} مبتدأ محذوف الخبر أىأم السماء أشد خلقا ثم بين كيف خلقها فقال {بناها} أى اللّه ثم بين البناء فقال ٢٨{رفع سمكها} أعلى سقفها وقيل جعل مقدار ذهابها فى سمت العلو رفيعا مسيرة خمسمائة عام {فسواها} فعدلها مستوية بلا شقوق ولا فطور ٢٩{وأغطش ليلها} اظلمه {وأخرج ضحاها} أبرز ضوء شمسها وأضيف الليل والشمس إلى السماء لأن الليل ظلمتها والشمس سراجها ٣٠{والأرض بعد ذلك دحاها} بسطها وكانت مخلوقة غير مدحورة فدحيت من مكة بعد خلق السماء بألفى عام ثم فسر البسط فقال ٣١{أخرج منها ماءها} بتفجير العيون {ومرعاها} كلأها ولذا لم يدخل العاطف على أخرج أو اخرج حال باضمار قد ٣٢{والجبال أرساها} أثبتها وانتصاب الأرض والجبال باضمار دحاها وأرسى على شريطة التفسير ٣٣{متاعا لكم ولأنعامكم} فعل ذلك تمتيعا لكم ولانعامكم ٣٤{فإذا جاءت الطامة الكبرى} الداهية العظمى التى تطم على الدواهى أى تعلو وتغلب وهى النفخة الثانية أو الساعة التى يساق فيها أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار ٣٥{يوم يتذكر الإنسان} بدل من إذا جاءت أى إذار أى أعماله مدونة فى كتابه تذكرها وكان قد نسيها {ما سعى} مصدرية أى سعية أو موصولة ٣٦{وبرزت الجحيم} وأظهرت {لمن يرى} لكل راء لظهور بينا ٣٧{فأما} جواب فإذا أى إذا جاءت الطامة فإن الأمر كذلك {من طغى} جاوز الحد فكفر ٣٨{وآثر الحياة الدنيا} على الآخرة باتباع الشهوات ٣٩{فإن الجحيم هي المأوى} المرجع أى مأواه والألف واللام بدل من الاضافة وهذا عند الكوفيين وعند سيبويه وعند البصريين هى المأوى له ٤٠{وأما من خاف مقام ربه} أى علم أن له مقاما يوم القيامة لحساب ربه {ونهى النفس} الامارة بالسوء {عن الهوى} المؤذى أى زجرها عن اتباع الشهوات وقيل هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر مقامه للحساب فيتركها والهوى ميل النفس إلى شهواتها ٤١{فإن الجنة هي المأوى} أى المرجع ٤٢{يسألونك عن الساعة أيان مرساها} متى ارساؤها أى اقامتها يعنى متى يقيمها اللّه تعالى ويثبتها ٤٣{فيم أنت من ذكراها} فى أى شىء أنت من أن تذكر وقتها لهم وتعلمم به أى ماأنت من ذكراها لهم وتبيين وقتها فى شىء كقولك ليس فلان من العم فى شىء وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم يزل يذكر الساعة ويسأل عنها حتى نزلت فهو على هذا تعجب من كثرة ذكره لها أى أنهم يسألونك عنها فلحرصك على جوابهم لا تزال تذكرها وتسأل عنها ٤٤{إلى ربك منتهاها} منتهى علمها متى تكون لا يعلمها غيره أو فيم انكار لسؤالهم عنها أى فيم هذا السؤال ثم قال أنت من ذكراها أى ارسالك وأنت آخر الأنبياء علامة من علاماتها فلا معنى لسؤالهم عنها ولا يبعد أن يوقف على هذا على فيم أنت من ذكراها متصل بالسؤال أى يسألونك عن الساعة أيان مرساها ويقولون أين أنت من ذكراها ثم استأنف فقال إلى ربك منتهاها ٤٥{إنما أنت منذر من يخشاها} أى لم تبعث لتعلمهم بوقت الساعة وإنما بعثت لتنذر من أهوالها من يخاف شدائدها. {منذر} منون: يزيد وعباس ٤٦{ كَأنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا } أي الساعة {لم يلبثوا} فى الدنيا {إلا عشية أو ضحاها} أى ضحى العشية استقلوا مدة لبثهم فى الدنيا لما عاينوا من الهول كقوله لم يلبثوا إلا ساعة من نهار وقوله قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم وإنما صحت اضافة الضحى إلى العشية للملابسة بينهما لاجتماعهما فى نهار واحد والمراد أن مدة لبثهم لم تبلغ يوما كاملا ولكن أحد طرفى النهار عشيته أو ضحاه واللّه أعلم |
﴿ ٠ ﴾