تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل

أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م)

_________________________________

سورة عبس

سورة عبس مكية وهى اثنتان واربعون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{عبس} كلح أى النبى صلى اللّه عليه وسلم

{وتولى} اعرض

٢

{أن جاءه} لأن جاءه ومحله نصب لأنه مفعول له والعامل فيه عبس أو تولى على اختلاف المذهبين

{الأعمى} عبد اللّه بن ام مكتوم و ام مكتوم أم ابيه شريح بن مالك أتى النبى صلى اللّه عليه وسلم وهو يدعو أشراف قريش إلى الإسلام فقال: "يا رسول اللّه علمنى مما علمك اللّه" وكرر ذلك وهو لا يعلم تشاغله بالقوم فكره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قطعه لكلامه وعبس وأعرض عنه فنزلت فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يكرمه بعدها ويقول مرحبا بمن عاتبنى فيه ربى واستخلفه على على المدينة مرتين

٣

{وما يدريك} وأى شىء يجعلك داريا بحال هذا الأعمى

{لعله يزكى} لعل الاعمى يتطهر بما يسمع منك من دنس الجهل وأصله يتزكى فأدغمت التاء فى الزاى وكذا

٤

{أو يذكر} يتعظ

{فتنفعه} نصبه عاصم غير الاعشى جوابا للعل وغيره رفعه عطفا على يذكر

{الذكرى} ذكراك اى موعظتك اى انك لا تدى ما هو مترقب منه من تزك أو تذكر ولو دريت لما فرط ذلك منك

٥

{أما من استغنى} أى منكان غنيا بالمال

٦

{فأنت له تصدى} تتعرض بالاقبال عليه حرصا على إيمانه تصدى بادغام التاء فى الصاد حجازى

٧

{وما عليك ألا يزكى} وليس عليك بأس فى أن يتزكى بالاسلام ان عليك إلا البلاغ

٨

{وأما من جاءك يسعى} يسرع فى طلب الخير

٩

{وهو يخشى} اللّه أو الكفار أى اذاهم فى اتيانك أو الكبوة كعادة العميان

١٠

{فأنت عنه تلهى} تتشاغل واصله تتلهى وروى أنه ما عبس بعدها فى وجه فقير قط ولا تصدى لغنى وروى أن الفقراء فى مجلس الشورى كانوا امراء

١١

{كلا} ردع أى لا تعد إلى مثله

{إنها} إن السورة أو الآيات

{تذكرة} موعظة يجب الاتعاظ بها والعمل بموجبها

١٢

{فمن شاء ذكره} فمن شاء ذكره وذكر الضمير لأن التذكرة فى معنى الذكر والوعظ والمعنى فمن شاء الذكر ألهمه اللّه تعالى واياه

١٣

{في صحف} صفة لتذكرة أى انها مثبتة فى صحف منتسخة من اللوح أو خبر مبتدأ محذوف أى هى فى صحف

{مكرمة} عنه اللّه

١٤

{مرفوعة} فى السماء أو مرفوعة القدر والمنزلة

{مطهرة} عن مس غير الملائكة أوعما ليس من كلام اللّه تعالى

١٥

{بأيدي سفرة} كتبة جمع سافر أى الملائكة ينتسخون الكتب من الوح

١٦

{كرام} على اللّه أو عن المعاصى

{بررة} اتقياء جمع بار

١٧

{قتل الإنسان} لعن الكافر أو هو أمية أو عتبة

{ما أكفره} استفهام توبيخ أى أى شىء جمله على الكفر أوهو تعجب أى ما أشد كفره

١٨

{من أي شيء خلقه} من أى حقير خلقه وهو استفهام ومعناه التقرير ثم بين ذلك الشىء فقال

١٩

{من نطفة خلقه فقدره} على ما يشاء من خلقه

٢٠

{ثم السبيل يسره} نصب السبيل باضمار يسر أى ثم سهل

٢١

{ثم} له سبيل الخروج من بطن أمه أو بين له سبيل الخير والشر

{ثم أماته فأقبره} جعله ذا قبر يواري فيه لا كالبهائم كرامة له قبر الميت دفنه وأقبر الميت أمره بأن يقبره ومكنه منه

٢٢

{ثم إذا شاء أنشره} أحياه بعد موته

٢٣

{كلا} ردع للانسان عن الكفر

{لما يقض ما أمره} لم يفعل هذا الكافر ما أمره اللّه به من الايمان ولما عدد النعم فى نفسه من ابتداء حدوثه إلى أن اتهامه اتبعه ذكر النعم فيما يحتاج إليه فقال

٢٤

{فلينظر الإنسان إلى طعامه} الذى يأكله ويحيا به كيف دبرنا أمره

٢٥

{إنا} بالفتح كوفى على أنه بدل اشتمال من الطعام وبالكسر علىالاستئناف غيرهم

{صببنا الماء صبا} يعنى المطر من السحاب

٢٦

{ثم شققنا الأرض شقا} بالنبات

٢٧

{فأنبتنا فيها حبا} كالبر والشعير وغيرهما مما يتغذى به

٢٨

{وعنبا} ثمرة الكرم أى الطعام والفاكهة

{وقضبا} رطبة سمى بمصدر قضبه اى قطعه لأنه يقصب مرة بعد مرة

٢٩

{وزيتونا ونخلا

٣٠

وحدائق} وبساتين

{غلبا} غلاظ الاشجار جمع غلباء

٣١

{وفاكهة} لكم

{وأبا} مرعى لدوابكم

٣٢

{متاعا} مصدر أى منفعة

{لكم ولأنعامكم

٣٣

فإذا جاءت الصاخة} صيحة القيامة لأنها تصح الآذان أى تصمها وجوابه محذوف لظهوره

٣٤

{يوم يفر المرء من أخيه

٣٥

وأمه وأبيه} لتبعات بينه وبينهم أو لاشتغاله بنفسه

٣٦

{وصاحبته} وزوجته

{وبنيه} بدأ بالأخ ثم بالأبوين لأنهما أقرب منه ثم بالصاحبةو والبنين لأنهم أحب قيل أول من يفر منأخيه هابيل ومن أبويه إبراهيم ومن صاحبته نوح ولوط ومن ابنه نوح

٣٧

{لكل امرئ منهم يومئذ شأن} فى نفسه

{يغنيه} يكفيه فى الاهتمام به ويشغله عن غيره

٣٨

{وجوه يومئذ مسفرة} مضيئة من قيام الليل أو من آثار الوضوء

٣٩

{ضاحكة مستبشرة} أى أصحاب هذه الوجوه وهم المؤمنون ضاحكون مسرورون

٤٠

{ووجوه يومئذ عليها غبرة} غبار

٤١

{تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} يعلو الغبرة سواد كالدخان ولا ترى أوحش من اجتماع الغبرة والسواد في الوجه

٤٢

{أولئك} أهل هذه الحالة

{هم الكفرة} فى حقوق اللّه

{الفجرة} فى حقوق العباد ولما جمعوا الفجور إلى الكفر جمع إلى سواد وجوههم الغبرة واللّه أعلم

﴿ ٠