تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م) _________________________________سورة التكوير سورة التكوير مكية وهى تسع وعشرون آية بسم اللّه الرحمن لرحيم _________________________________ {إذا الشمس كورت} ذهب بضوئها من كورت العمامه إذا لففتها أى يلف ضوءها لفا فيذهب انبساطه وانتشاره فى الآفاق وارتفاع الشمس بالفاعلية ورافعها فعل مضمر يفسره كورت لأن إذا يطلب الفعل لما فيه من معنى الشرط ٢{وإذا النجوم انكدرت} تساقطت ٣{وإذا الجبال سيرت} عن وجه الأرض وأبعدت أو سيرت فى الجو تسيير السحاب ٤{وإذا العشار} جمع عشراء وهى الناقة التى أتى على حملها عشرة أشهر ثم هو اسمها إلى أن تضع لتمام السنة {عطلت} أهملت عطلها أهلها لاشتغالهم بأنفسهم وكانوا يحبسونها إذا بلغت هذه الحالة لعزلتها عندهم ويعطلون ما دونها عطلت بالتخفيف عن اليزيدى ٥{وإذا الوحوش حشرت} جمعت من كل ناحية قال قتادة يحشر كل شىء حتى الذباب للقصاص فاذا قضى بينها ردت ترابا فلا يبقى منها إلى ما فيه سرورا لبنى آدم كالطاوس ونحوه وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما حشرها موتها يقال إذا اجحفت السنة بالناس وأموالهم حشرتهم السنة ٦{وإذا البحار سجرت} سجرت مكى وبصرى من سجر التنور إذا ملأه بالحطب أى ملئت وفجر بعضها إلى بعض حتى تعود بحرا واحدا وقيل ملئت نيرانا لتعذيب أهل النار ٧{وإذا النفوس زوجت} قرنت كل نفس بشكلها الصالح مع الصالح فى لجنة والطالح مع الطالحح فى النار أو قرنت الأرواح بالأاجساد أو بكتبها وأعمالها أو نفوس المؤمنين بالحور العين ونفوس الكافرين بالشياطين ٨{وإذا الموؤودة} المدفونة حية وكانت العرب تئد بناتها خشية الإملاق وخوف الاسترقاق {سئلت} سؤال تلطف لتقول بلا ذنب قتلت أو لتدل على قاتلها أو هو توبيخ لقاتلها بصرف الخطاب عنه كقوله أأنت قلت للناس الآية ٩{بأي ذنب قتلت} وبالتشديد يزيد وفيه دليل على أن أطفال المشركين لا يعذبون وعلى أن التعذيب لا يكون بلا ذنب ١٠{وإذا الصحف نشرت} فتحت بالتخفيف مدنى وشامى وعاصم وسهل ويعقوب والمراد صحف الأعمال تطوى صحيفة الانسان عند موته ثم تنشر إذا حوسب ويجوز أن يراد نشرت بين أصحابها أى فرقت بينهم ١١{وإذا السماء كشطت} قال الزجاج قلعت كما يقلع السقف ١٢{وإذا الجحيم سعرت} أو قد إيقاد شديدا وبالتشديد شامى {وإذا} ومدنى وعاصم غير حماد ويحيى المبالغة ١٣{وإذا الجنة أزلفت} أدينت من المتقين كقوله وازلفت الجنة للمتقين غير بعيد فهذه اثنتا عشرة خصلة ست منها فى الدنيا والباقية فىالآخرة ولا وقف مطلقا من أول السورة إلى ما أحضرت لأن عامل النصب فى إذا الشمس وفيما عطف عليه جوابها وهو ١٤{علمت نفس} أى كل نفس ولضرورة انقطاع النفس على كل آية جوز الوقف {ما أحضرت} من خير وشر ١٥{فلا أقسم} لا زائدة {بالخنس} بالرواجع بينا ترى النجم فى آخر البرج اذكر راجعا إلى أوله ١٦{الجوار} السيارة {الكنس} الغيب من كناس الوحش إذا دخل كناسه قيل هى الدرارى الخمسة بهرام وزحل وعطارد والزهرة والمشترى تجرى مع الشمس والقمر وترجع حتى تخفى تحت ضوء الشمس فخنوسها رجوعها وكنوسها اختفاؤها تحت ضوء الشمس وقيل هى جميع الكواكب ١٧{والليل إذا عسعس} أقبل بظلامه أو أدبر فهو من الاضداد ١٨{والصبح إذا تنفس} امتد ضوءه ولما كان اقبال الصبح يلازمه الروح والنسيم جعل ذلك نفسا له مجازا وجواب القسم ١٩{أنه} أى القرآن {لقول رسول} أى جبريل عليه السلام وإنما أضيف القرآن إليه لأنه هو الذى نزل به {كريم} عند ربه ٢٠{ذي قوة} قدرة على ما يكلف لا يعجز عنه ولا يضعف {عند ذي العرش} عند اللّه {مكين} ذى جاه ومنزلة ولما كانت حال المكانة على حسب حال المكين قال {عند ذي العرش} ليدل على عظم منزلته ومكانته ٢١{مطاع ثم} أى فى السموات يطيعه من فيها أو عند ذى العرش أي عند اللّه يطيعه من فيها أو عند ذى العرش أي عند اللّه يطيعه ملائكته المقربون يصدرون عن أمره ويرجعون إلى رأيه {آمين} على الوحى ٢٢{وما صاحبكم} يعنى محمدا صلى اللّه عليه وسلم {بمجنون} كما تزعم الكفرة وهو عطف على جواب القسم ٢٣{ولقد رآه} رأى محمد جبريل عليهما السلام على صورته {بالأفق المبين} بمطلع الشمس ٢٤{وما هو على الغيب} ما محمد على الوحى {بضنين} ببخيل من الضنى وهو البخل أى لا يبخل بالوحى كما يبخل الكهان رغبة فى الحلوان بل يعلمه كما علم ولا يكتم شيئا مما علم بظنين مكى وابوة عمرو وعلى أى بمتهم فينقص شيئا مما أوحى اليه أو يزيد فيه من الظنة وهى التهمة ٢٥{وما هو} وما القرآن {بقول شيطان رجيم} طريد وهو كقوله وما تنزلت به الشياطين أى ليس هو بقول بعض المسترق للسمع وبوحيهم إلى أوليائهم من الكهنة ٢٦{فأين تذهبون} استظلال لهم كما يقال لتارك الجادة اعتسافا أو ذهابا فى بنات الطريق أين تذهب مثلت حالهم بحاله فى تركهم الحق وعدولهم عنه إلىالباطل وقال الزجاج معناه فأى طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التى بينت لكم وقال الجنيد فأين تذهبون عنا وان من شىء إلا عندنا ٢٧{إن هو إلا ذكر للعالمين} ما القرآن إلا عظة للخلق ٢٨{لمن شاء منكم} بدل من العالمين {أن يستقيم} أى القرآن ذكر لمن شاء الاستقامة يعنى إن الذين شاءوا الاستقامة بالدخول فى الاسلام هم المنتفعون بالذكر فكانه لم يوعظ به غيرهم وإن كانوا موعظين جميعا ٢٩{وما تشاؤون} الاستقامة {إلا أن يشاء اللّه رب العالمين} مالك الخلق أجمعين |
﴿ ٠ ﴾