تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م) _________________________________سورة البروج سورة البروج مكية وهى اثنتان وعشرون آية _________________________________ {والسماء ذات البروج} هى البروج الاثنا عشر وقيل النجوم أو عظام الكواكب ٢{واليوم الموعود} يوم القيامة ٣{وشاهد ومشهود} أى وشاهد فى ذلك اليوم ومشهود فيه والمراد بالشاهد من يشهد فيه من الخلائق كلهم وبالمشهود فيه ما فى ذلك اليوم من عجائبه وطريق تنكيرهما اما ما ذكرته فى قوله علمت نفس ما أحضرت كأنه قيل ما أفرطت كثرته من شاهد ومشهود واما الابهام فى الوصف كأنه قيل وشاهد ومشهود لا يكنته وصفهما وقد كثرت أقاويل المفسرين فيهما فقيل محمد صلى اللّه عليه وسلم ويوم القيامة أو عيسى وأمته لقوله وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم أو أمة محمد وسائر الأمم أو الحجر الأسود والحجيج أو الايام والليالي وبنو آدم للحديث: ما من يوم إلا وينادى أنا يوم جديد وعلى ما يفعل فى شهيد فاعتنمنى فلو غابت شمسى لم تدركنى الى يوم القيامة أو الحفظة وبنو آدم أو اللّه تعالى والخلق لقوله تعالى وكفى باللّه شهيدا أو الانبياء ومحمد عليهم السلام وجواب القسم محذوف يدل عليه ٤{قتل أصحاب الأخدود} أى لعن كانه قيل أقسم بهذه الأشياء انهم ملعونون يعنى كفار قريش كما من أصحاب الاخدود وهو خداى شق عظيم فى الارض روى عن النبى صلى اللّه عليه وسلم انه كان لبعض الملوك ساحر فلما كبر ضم اليه غلاما ليعلمه السحر وكان فى طريق الغلام راهب فسمع منه فرأى فى طريقة ذات يوم دابة قد حبست الناس فاخذ حجرا فقال: اللّهم أن كان الراهب أحب اليك من الساحر فاقتلها فقتلها فكان الغلام بعد ذلك يبرئ الاكمه والابرص وعمى جليس الملك فأبرأه فأبصره الملك فسأله من رد عليك بصرك فقال ربى فغضب فعذبه فدل على الغلام فعذبه فدل على الراهب فلم يرجع الراهب عن دينه فقد بالمنشار وأبى الغلام فذهب به الى جبل ليطرح من ذروته فدعا فرجف بالقوم فطاحوا ونحا فذهب به الى قرقور فلججوا به ليغرقوه فدعا فانكفأت بهم السفينة فغرقوا ونجا فقال للملك لست بقاتلى حتى تجمع الناس فى صعيد وتصلبنى على جذع وتأخذمنهما من كنانتى وتقول باسم اللّه رب الغلام ثم ترمينى به فرماه فوقع فى صدغه فوضع يده عليه ومات فقال الناس آمنا برب الغلام فقيل للملك نزل بك ما كنت ما تحذر فخذ أخدودا واملأها نارا فمن لم يرجع عن دينه طرحه فيها حتى جاءت امرأة معها صبى فتقاعست ان تقع فيها فقال الصبى يا أماه اصبرى فانك على الحق فألقى الصبى وأمه فيها ٥{النار} بدل اشتمال من الاخدود {ذات الوقود} وصف لها بأنها نار عظيمة لها ما يرتفع به لهبها من الحطب الكثير وأبدان الناس ٦{إذ} ظرف لقتل أى لعنوا حين احرقوا بالنار قاعدين حولها {هم عليها} أى الكفار على ما يدنو منها من حافات الأخدود {قعود} جلوس على الكراسى ٧{وهم} الكفار {على ما يفعلون بالمؤمنين} من الاحراق {شهود} يشهد بعضهم لبعض عند الملك ان أحدا منهم لم يفرط فيما أمر به وفوض اليه من التعذيب وفيه حث المؤمنين على الصبر وتحمل أذى أهل مكة ٨{وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا} وما عابوا منهم وما أنكروا الا الايمان كقوله ولا عيب فيهم غير ان سيوفهم وقوله ما نقموا من بنى امية انهم يحلمون ان غضبوا وقرئ نقموا بالكسر والفصيح هو الفتح {باللّه العزيز الحميد} ذكر الاوصاف التى يستحق بها أن يؤمن به وهو كونه عزيزا غالبا قادرا يخشى عقابه حميدا منعما يجب له الحمد على نعمته ويرجى ثوابه ٩{الذي له ملك السماوات والأرض} فكل من فيهما تحق عليه عبادته والخشوع له تقريرا لأن ما نقموا منهم هو الحق الذى لا ينقمه الامبطل وان الناقمين أهل لانتقام اللّه منهم بعذاب عظيم {واللّه على كل شيء شهيد} وعيدلهم يعنى انه علم ما فعلوا وهو مجازيهم عليه ١٠{إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات} يجوز أن يريد بالذين فتنوا أصحاب الاخدود خاصة وبالذين آمنوا المطروحين فى الأخدود ومعنى فتنوهم عذبوهم بالنار وأحرقوهم {ثم لم يتوبوا} لم يرجعوا عن كفرهم {فلهم} فى الآخرة {عذاب جهنم} بكفرهم {ولهم عذاب الحريق} فى الدنيا لما روى أن النار انقلبت عليهم فأحرقتهم ويجوز أن يريد الذين فتنوا المؤمنين أى بلوهم بالأذى على العموم والمؤمنين المفتونين وان للفاتنين عذابين فى الآخرة لكفرهم ولفتنتهم ١١{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير} أى الذين صبروا على تعذيب الاخدود أو هو عام ١٢{إن بطش ربك لشديد} البطش الأخذ بالعنف فاذا وصف بالشدة فقد تضاعف وتفاقم والمراد أخذه الظلمة والجبابرة بالعذاب والانتقام ١٣{إنه هو يبدئ ويعيد} أى يخلفهم ابتداء ثم يعيدهم بعد أن صيرهم ترابا دل باقتداره على الابداء والاعادة على شدة بطشه أو أوعد الكفرة بانه يعيدهم كما أبدأهم ليبطش بهم اذ لم يشكروا نعمة الابداء وكذبوا بالاعادة ١٤{وهو الغفور} الساتر للعيوب العافى عن الذنوب {الودود} المحب لأوليائه وقيل الفاعل بأهل طاعته ما يفعله الودود من إعطائهم ما أرادوا ١٥{ذو العرش} خالقه ومالكه {المجيد} بالجر حمزة وعلى على أنه صفة للعرش ومجد اللّه عظيمته ومجد العرش علوه وعظمته ١٦{فعال} خبر مبتدأ محذوف {لما يريد} تكوينه فيكون فيه دلالة على خلق أفعال العباد ١٧{هل أتاك حديث الجنود} أى قد أتاك خبر الجموع الطاغية فى الأمم الخالية ١٨{فرعون وثمود} بدل من الجنود وأراد بفرعون اياه وآله والمعنى قد عرفت تكذيب تلك الجنود للرسل وما نزل بهم لتكذيبهم ١٩{بل الذين كفروا} من قومك {في تكذيب} واستيجاب للعذاب ولا يعتبرون بالجنود لا لخفاء حال الجنود عليهم لكن يكذبونك عنادا ٢٠{واللّه من ورائهم محيط} عالم بأحوالهم وقادر عليهم وهم لا يعجزونه والاحاطة بهم من ورائهم مثل لأنهم لا يفوتونه كما لا يفوت فائت الشئ المحيط به ٢١{بل هو} بل هذا الذى كذبوا به {قرآن مجيد} شريف عالى الطبقة فى الكتب وفى نظمه واعجازه ليس كما يزعمون أنه مفترى وأنه أساطير الأولين ٢٢{في لوح محفوظ} من وصول الشياطين محفوظ نافع صفة للقرآن أى من التغيير والتبديل واللوح عند الحسن شئ يلوح للملائكة فيقرءونه وعند ابن عباس رضى اللّه عنهما وهو من درة بيضاء طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب قلمه نور وكل شئ فيه مسطور مقاتل هو عن يمين العرش وقيل أعلاه معقود بالعرش وأسفله فى حجر ملك كريم واللّه أعلم |
﴿ ٠ ﴾