تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل

أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م)

_________________________________

الأعلى

١

{سبح اسم ربك الأعلى} نزه ذاته عما لا يليق به والاسم صلة وذلك بأن يفسر الأعلى بمعنى العلو الذى هو القهر والافتدار لا بمعنى العلو فى المكان وقيل قل سبحان ربى الأعلى وفى الحديث لما نزلت قال علية السلام: اجعلوها فى سجودكم

٢

{الذي خلق فسوى} أى خلق كل شئ فسوى خلقه تسوية ولم يأت به متفاوتا غير ملتئم ولكن على أحكام واتساق ودلالة على أنه صادر عن عالم حكيم أو سواه على ما فيه منفعة ومصلحة

٣

{والذي قدر فهدى} أى قدرلكل حيوان ما يصلحه فهداه إليه وعرفه وجه الانتفاع به أو فهدى وأضل ولكن حذف وأضل اكتفاء كقوله يضل من يشاء ويهدى من يشاء {قُدِرَ} علىّ

٤

{والذي أخرج المرعى} أنبت ما ترعاه الدواب

٥

{فجعله غثاء} يابسا هشيما

{أحوى} أسود فأحوى صفة لغثاء

٦

{سنقرئك فلا تنسى} سنعلمك القرآن حتى لا تنساه

٧

{إلا ما شاء اللّه} أن ينسخه وهذا بشارة من اللّه لبنيه أن يحفظ عليه الوحى حتى لا ينفلت منه شئ إلا ما شاء اللّه أن ينسخة فيذهب به عن حفظه يرفع حكمه وتلاوته وسأل ابن كيسان النحوى جنيدا عنه فقال فلا تنسى العمل به فقال مثلك يصدر وقيل قوله فلا تنسى على النهى والألف مزيدة للفاصلة كقوله السبيلا أى فلا تفعل قراءته وتكريره فتنساه إلا ما شاء اللّه أن ينسيكه يرفع تلاوته

{إنه يعلم الجهر وما يخفى} أى إنك تجهر بالقراءة مع قراءة جبريل مخافة التفلت واللّه يعلم جهرك معه وما فى نفسك مما يدعوك إلى الجهر أو ما تقرأ فى نفسك مخافة النسيان أو يعلم ما أسررتم وما أعلنتم من أقوالكم وأفعالكم وما ظهر وما بطن من أحوالكم

٨

{ونيسرك لليسرى} معطوف على سنقرئك وقوله انه يعلم الجهر وما يخفى اعتراض ومعناه ونوفقك للطريقة التى هى أيسر وأسهل يعنى حفظ الوحى وقيل للشريعة السمحة التى هى أيسر الشرائع أو توفقك لعمل الجنة

٩

{فذكر} عظ بالقرآن

{إن نفعت الذكرى} جواب ان مدلول قوله فذكر قيل ظاهره شرط ومعناه استبعاد لتأثير الذكرى فيهم وقيل هو أمر بالتذكير على الاطلاق كقوله فذكر إنما أنت مذكر غير مشروط بالتفع

١٠

{سيذكر} سيتعظ ويقبل التذكرة

{من يخشى} اللّه وسوء العاقبة

١١

{ويتجنبها} ويتباعد عن الذكرى

فلا يقبلها

{الأشقى} الكافر أو الذى هو أشقى الكفر لتوغله فى عداوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قيل نزلت فى الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة

١٢

{الذي يصلى النار الكبرى} يدخل نار جهنم والصغرى نار الدنيا

١٣

{ثم لا يموت فيها} فيستريح من العذاب

{ولا يحيى} حياة يتلذذ بها وقيل ثم لأن الترجح بين الحياة والموت أفظع من الصلى فهو متراخ عنه فى مراتب الشدة

١٤

{قد أفلح} نال الفوز

{من تزكى} نطهر من الشرك أو تطهر الصلاة أو أدى الزكاة كفعل من الزكاة كتصدق من الصدقة

١٥

{وذكر اسم ربه} وكبر للافتتاح

{فصلى} الخمس وبه يحتج على وجوب تكبيرة الافتتاح وعلى أنها ليست من الصلاة لأن الصلاة عطفت عليها وهو يقتضى المغايرة وعلى أن الافتتاح جائز بكل اسم من اسمائه عز وجل وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ذكر معاده وموقفه بين يدى ربه فصلى له وعن الضحاك وذكر اسم ربه فى طريق المصلى فصلى صلاة العيد

١٦

{بل تؤثرون الحياة الدنيا} على الآخرة فلا تفعلون ما به تفلحون والمخاطب به الكافرون دليله قراءة أبى عمرو يؤثرون بالياء

١٧

{والآخرة خير وأبقى} أفضل فى نفسها وأدوم

١٨

{إن هذا لفي الصحف الأولى} هذا إشارة إلى قوله قد أفلح إلى أبقى أى أن معنى هذا الكلام وأراد فى تلك الصحف أو إلى ما فى السورة كلها وهو دليل على جواز قراءة القرآن بالفارسية فى الصلاة لأنه جعله مذكورا فى تلك الصحف مع أنه لم يكن فيها بهذا النظم وبهذه اللغة

١٩

{صحف إبراهيم وموسى} بدل من الصحف الاولى وفى الأثر وفى صحف إبراهيم ينبغى للعاقل أن يكون حافظا للسانه عارفا بزمانه مقبلا على

﴿ ٠