تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل

أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م)

_________________________________ شأنه

سورة الغاشية

سورة الغاشية مكية وهى ست وعشرون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم

_________________________________

{هل أتاك حديث الغاشية} {هل} بمعنى قد

{أتاك حديث الغاشية} الداهية التى تغثى الناس بشدائدها وتلبسهم أهوالها يعنى القيامة وقيل النار من قوله وتغشى وجوههم النار

٢

{وجوه} أى وجوه الكفار وإنما خص الوجه لأن الحزن والسرور إذا استحكما فى المرء أثرا فى وجهه

{يومئذ} يوم اذ لو غشيت

{خاشعة} ذلة لما اعترى أصحابها من الخزى والهوان

٣

{عاملة ناصبة} تعمل فى النار عملا تتعب فيه وهو جرها السلاسل والاغلال وخوضها فى النار كما تخوض الابل فى الوحل وارتقاؤها دائبة فى صعود من نار

وهبوطها فى حدور منها وقيل عملت فى الدنيا أعمال السوء والتذت بها وتنعمت فهى فى نصب منها فى الآخرة وقيل هم أصحاب الصوامع ومعناه أنها خشعت للّه وعملت ونصبت فى أعمالها من الصوم الدائب والتهجد الواصب

٤

{تصلى نارا حامية} تدخل نارا قد أحميت مددا طويلة فلا حر يعدل حرها تصلى أبو عمرو وأبو بكر

٥

{تسقى من عين آنية} من عين ماء قد انتهى حرها والتأنيث فى هذه الصفات والافعال راجعة إلى الوجوه والمراد أصحابها بدليل قوله

٦

{ليس لهم طعام إلا من ضريع} وهو نبت يقال له الشبرق فإذا يبس فهو ضريع وهو سم قاتل والعذاب ألوان والمعذبون طبقات فمنهم أكله الزقوم ومنهم أكلة الغلسين ومنهم أكلة الضريع فلا تناقض بين هذه الآية وبين قوله ولا طعام إلا من غسلين

٧

{لا يسمن} مجرور المحل لأنه وصف ضريع

{ولا يغني من جوع} أى منفعتا الغذاء منتفيتان عنه وهما إماطة الجوع وافادة السمن فى البدن

٨

{وجوه يومئذ} ثم وصف وجوه المؤمنين ولم يقل ووجوه لأن الكلام الأول قد طال وانقطع

{ناعمة} متنعمة فى لين العيش

٩

{لسعيها راضية} رضيت بعملها وطاعتها لما رأت ما أداهم اليه من الكرامة والثواب

١٠

{في جنة عالية} من علو المكان أو المقدار

١١

{لا تسمع} يا مخاطب أو الوجوه

{فيها لاغية} أى لغوا أو كملة ذات لغو أو نفسا تلغو لا يتكلم أهل الجنة الا بالحكمة وحمد اللّه على ما رزقهم من النعيم الدائم لا يسمع فيها لاغية مكى وأبو عمرو ولا تسمع فيها لاغية نافع

١٢

{فيها عين جارية} أى عيون كثيرة كقوله علمت نفس

١٣

{فيها سرر} جمع سرير

{مرفوعة} من رفعة المقدار أو السمك ليرى المؤمن بجلوسه عليه جميع ما خوله ربه من الملك والنعيم

١٤

{وأكواب} جمع كوب وهو القدح وقيل آنية لا عروة لها

{موضوعة} بين أيديهم ليتلذذوا بها بالنظر اليها أو موضوعة على حافات العيون معدة للشرب

١٥

{ونمارق} وسائد

{مصفوفة} بعضها إلى جنب بعض مساند ومطارح أينما أراد أن يجلس جلس على موسدة واستند الى الأخرى

١٦

{وزرابي} وبسط عراض فاخرة جمع زربية

{مبثوثة} مبسوطة أو مفرقة فى المجالس ولما أنزل اللّه تعالى هذه الآيات فى صفة الجنة وفسر النيى علية السلام بأن ارتفاع السرير يكون مائة فرسخ والاكواب الموضوعة لا تدخل فى حساب الخلق لكثرتها وطول النمارق كذا وعرض الزرابى كذا أنكر الكفار وقالوا كيف يصعد على هذا السرير وكيف تكثر الاكواب هذه الكثرة وتطول النمارق هذا الطول وتنبسط الزرابى هذا الانبساط ولم نشاهد ذلك فى الدنيا فقال اللّه تعالى

١٧

{أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت} طويلة ثم تبرك حتى

تركب أو تحمل عليها ثم تقوم فكذا السرير يطأطئ المؤمن كما يطأطئ الابل

١٨

{وإلى السماء كيف رفعت} رفعا بعيد الذى بلا امساك وعمد ثم نجومها تكثر هذه الكثرة فلا تدخل فى حساب الخلق فكذا الاكواب

١٩

{وإلى الجبال كيف نصبت} نصبا ثابتا فهى راسخة لا تميل مع طولها فكذا النمارق

٢٠

{وإلى الأرض كيف سطحت} سطحا بتمهيد وتوطئة فهى كلها بساط واحد تنبسط من الافق إلى الافق فكذا الزرابى ويجوز أن يكون المعنى أفلا ينظرون إلى هذه المخلوقات الشاهدة على قدرة الخالق حتى لا ينكروا اقتداره على البعث فيسمعوا إنذار الرسول ويؤمنوا به ويستعدوا للقائه وتخصيص هذه الأربعة باعتبار أن هذا خطاب للعرب وحث لهم على الاستدلال والمرء إنما يستدل بما تكثر مشاهدته له والعرب تكون فى البوادى ونظرهم فيها إلى السماء والأرض والجبال والابل فهن أعز أموالهم وهم لها أكثر استعمالا منهم لسائر الحيوانات ولانها تجمع جميع المآرب المطلوبة من الحيوان وهى النسل والدر والحمل والركوب والأكل بخلاف غيرها ولأن خلقها أعجب من غيرها فإنه سخرها منقادة لكل من أقتادها لزمتها لا تعاز ضعيفا ولا تمانع صغير اأو براها طوال الاعناق لتنوء بالاوقار وجعلها بحيث تبرك حتى تحمل عن قرب ويسر ثم تنهض بما حملت وتجرها إلى البلاد الشاخطة وصبرها على احتمال العطش حتى ان ظمأها ليرتفع إلى العشر فصاعدا وجعلها ترعى كل ثابت فى البرارى مما لا يرعاه سائر البهائم

٢١

{فذكر} فذكرهم بالادلة ليتفكروا فيها

{إنما أنت مذكر} ليس عليك إلا التبليغ

٢٢

{لست عليهم بمصيطر} بمسلط كقوله وما أنت عليهم بجبار {بمصيطر} مدنى وبصرى وعلى وعاصم

٢٣

{إلا من تولى} منهم

{وكفر}

٢٤

{فيعذبه اللّه العذاب الأكبر} الاستثناء منقطع أى لست بمستول عليهم ولكن من تولى وكفر باللّه فإن للّه الولاية عليه والقهر فهو يعذبه العذاب الأكبر وهو عذاب جهنم وقيل هو استثناء من قوله فذكر أى فذكر إلا من انقطع طمعك من إيمانه وتولى فاستحق للعذاب الاكبر وما بينهما اعتراض

٢٥

{إن إلينا إيابهم} رجوعهم وفائدة تقديم الظرف التشديد فى الوعيد وأن ايابهم ليس إلا إلى الجبار المقتدر على الانتقام

٢٦

{ثم إن علينا حسابهم} فنحاسبهم على أعمالهم ونجازيهم بها جزاء أمثالهم وعلى لتأكيد الوعيد لا الوجوب اذ لا يجب على اللّه شئ

﴿ ٠