تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م) _________________________________سورة البلد سورة البلد مكية وهى عشرون آية بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ {لا أقسم بهذا البلد} أقسم سبحانه بالبلد الحرام وبما بعده على أن الانسان خلف مغمورا فى مكابدة المشاق واعتراض بين القسم والمقسم عليه بقوله ٢{وأنت حل بهذا البلد} أى ومن المكابدة ان مثلك على عظم حرمتك يستحل بهذا البلد يعنى مكة كما يستحل الصيد فى غير الحرم عن شر حبيل يحرمون أن يقتلوا بها صيدا أو يستحلون أخراجك وقتلك فيه تثبيت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبعث على احتمال ما كان يكابد من أهل مكة وتعجيب من حالهم فى عداوته أوسلى رسول اللّه بالقسم ببلده على أن الانسان لا يخلو من مقاساة الشدائد واعتراض بأن وعده فتح مكة تتيما للتسلية والتنفيس عنه فقال وأنت حل بهذا البلد أى وأنت حل به فى المستقبل تصنع فيه ما تريده من القتل والاسر وذلك ان اللّه تعالى فتح عليه مكة وأحلها له وما نحت على أحد قبله ولا أحلت له فاحل ما شاء وحرم ما شاء قتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة ومقيس بن صبابة وغيرهما وحرم دار أبى سفيان ونظير قوله وأنت حل فى الاستقبال قوله إنك ميت وأنهم ميتون وكفاك دليلا على أنه للاستقبال أن السورة مكية بالاتفاق وأين الهجرة من وقت نزولها فما بال الفتح ٣{ووالد وما ولد} هما آدم وولده أو كل والد وولده أو إبراهيم وولده وما بمعنى من أو بمعنى الذى ٤{لقد خلقنا الإنسان} جواب القسم {في كبد} مشقة يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة وعن ذى النون لم يزل مربوطا بحبل القضاء مدعوا إلى الائتمار والانتهاء والضمير فى ٥{أيحسب أن لن يقدر عليه أحد} لبعض صناديد قريش الذى كان رسول اللّه يكابد منهم ما يكابد ثم قيل هو أبو الاشدو قيل الوليدين المغيرة والمعنى أيظن هذا الصنديد القوى فى قومه المتضعف للمؤمنين أن لن تقوم قيامة ولن يقدر على الانتقام منه ثم ذكر ما يقوله فى ذلك اليوم وأنه ٦{يقول أهلكت مالا لبدا} أى كثيرا جمع لبدة وهو ما تلبد أى كثروا جتمع يريد كثرة ما أنفقه فيما كان أهل الجاهلية يسمونها مكارم ومعالى ٧{أيحسب أن لم يره أحد} حين كان ينفق ما ينفق رياه وافتخارا يعنى أن اللّه تعالى كان يراه وكان عليه رقيبا ثم ذكر نعمه عليه فقال ٨{ألم نجعل له عينين} يبصر بهما المرئيات ٩{ولسانا} يعبر به عما فى ضميره {وشفتين} يستر بهما ثغره ويستعين بهما على النطق والأكل والشرب والنفخ ١٠{وهديناه النجدين} طريقى الخير والشر المفضيين إلى الجنة والنار وقيل الثديين ١١انظر تفسير الآية ١٧ ١٢انظر تفسير الآية ١٧ ١٣انظر تفسير الآية ١٧ ١٤انظر تفسير الآية ١٧ ١٥انظر تفسير الآية ١٧ ١٦انظر تفسير الآية ١٧ ١٧{فلا اقتحم العقبة * وما أدراك ما العقبة * فك رقبة * أو إطعام في يوم ذي مسغبة * يتيما ذا مقربة * أو مسكينا ذا متربة * ثم كان من الذين آمنوا} يعنى فلم يشكر تلك الآيادي والنعم بالأعمال الصالحة من فك الرقاب أو اطعام اليتامى والمساكين ثم بالإيمان الذى هو أصل كل طاعة وأساس كل خيريل غمط النعم وكفر بالمنعم والمعنى أن الانفاق على هذا الوجه مرضى نافع عند اللّه لا أن يهلك ما له لبدا فى الرياء والفخار وقلما تستعمل لا مع الماضى إلا مكررة وإنما لم تركر فى الكلام الافصح لأنه لما فسر اقتحام العقبة بثلاثة أشياء صار كأنه أعادلا ثلاث مرات وتقديره فلا فك رقبة ولا أطعم مسكينا ولا آمن والاقتحام الدخول والمجاوزة بشدة ومشقة والقحمة الشدة فجعل الصالحة عقبة وعملها اقتحامالها لما فى ذلك من معاناه المشقة ومجاهدة النفس وعن الحسن عقبة واللّه شديدة مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدوه الشيطان والمراد بقوله ما العقبة ما انتحامها ومعناه إنك لم تدركنه صعوبتها على النفس وكنه ثوابها عند اللّه وفك الرقبة تخليصها من الرق والاعانة فى مال الكتابة فك رقبة أو اطعم مكى وأبو عمرو وعلى الابدال من اقتحم العقبة وقوله وما أدراك ما العقبة اعتراض غيرهم فى فك رقبة أو اطعام على اقتحامها فك رقبة او اطعام والمسغبة المجاعة والقربة القرابة والمتربة الفقر مفعلات من سغب إذا جاع وقرب فى النسب يقال فلان ذو قرابتى وذو مقربتى وترب إذا افتقر ومعناه التصق بالتراب فيكون مأواه المزابل ووصف اليوم بذى مسغبة كقولهم هم ناصب أ ىذو نصب ومعنى ثم كان من الذين آمنوا أي دوام على الإيمان وقيل ثم بمعنى الواو وقيل إنما جاءبثم لتراخى الإيمان وتباعده فى الرتبة والفضيلة عن العتق والصدفة لا فى الوقت إذا الإيمان هو السابق على غيره ولا يثبت عمل صالح إلا به {وتواصوا بالصبر} عن المعاصى وعلى الطاعات والمحن التى يبتلى بها المؤمن {وتواصوا بالمرحمة} بالتراحم فيما بيهم ١٨{أولئك أصحاب الميمنة} أ ى الموصوفون بهذه الصفات من أصحاب الميمنة ١٩{والذين كفروا بآياتنا} بالقرآن أو بدلائلنا {هم أصحاب المشأمة} أصحاب الشمال والميمنة والمشأمة اليمين والشمال أو اليمن والشؤم أي الميامين على أنفسهم والمشائيم عليهن ٢٠{عليهم نار مؤصدة} وبالهمزة أبو عمرو وحمزة وحفص أى مطبقة من أوصدت الباب وآصدته إذا أطبقته وأغلقته واللّه أعلم |
﴿ ٠ ﴾