تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م) _________________________________سورة التين سورة التين مكية وهى ثمان آيات بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ {والتين والزيتون} أقسم بهما لأنهما عجيبان من بين الأشجار المثمرة روى أنه أهدى لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم طبق من تين فأكل منه وقال لأصحابه: كلوا فلو قلت أن فاكهة أنزلت من الجنة لقلت هذه لأن فاكهة الجنة بلا عجم فكلوها فإنها تقطع البواسير وتنفع من النقرس وقال: نعم السواك الزيتون من الشجرة المباركة يطيب الفم ويذهب بالحفرة وقال: هى سواكى وسواك الانبياء قبلى وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما هو تينكم هذا وزيتونكم هذا وقيل هما جبلان بالشام منبتاهما ٢{وطور سينين} أضيف الطور وهو الجبل إلى سينين وهى البقعة ونحو سينون بيرون فى جواز الاعراب بالواو والياء والاقرار على الياء وتحريك النون بحركات الاعراب ٣{وهذا البلد} يعنى مكة {الأمين} من أمن الرجل أمانة فهو أمين وأمانته أنه يحفظ من دخله كما يحفظ الأمين ما يؤتمن عليه ومعنى القسم بهذه الأشياء الابانة عن شرف البقاع المباركة وما ظهر فيها من الخير والبركة بسكنى الأنبياء والأولياء فنبت التين والزيتون مهاجر إبراهيم ومولد عيسى ومنشؤة والطور المكان الذى نودى منه موسى ومكة مكان البيت الذى هو هدى للعالمين ومولد نبينا ومبعثه صلوات اللّه عليهم أجمعين أو الأولان قسم بمهبط الوحى على عيسى والثالث على موسى والرابع على محمد عليهم السلام وجواب القسم ٤{لقد خلقنا الإنسان} وهو جنس {في أحسن تقويم} فى أحسن تعديل لشكله وصورته وتسوية اعضائه ٥{ثم رددناه أسفل سافلين} أى ثم كان عاقبة أمره حين لم يشكر نعمة تلك الخلقة الحسنة القويمة السوية أن رددناه أسفل من سفل خلقا وتركيبا يعنى أقبح من قبح صورة وهم أصحاب النار أو أسفل من سفل من أهل الدركات أو ثم رددناه بعد ذلك التقويم والتحسين أسفل من سفل فى حسن الصورة والشكل حيث نكسناه فى خلقه فقوس ظهره بعد اعتداله وأبيض شعره بعد سواده وتشنن جلده وكل سمعه وبصره وتغير كل شئ منه فمشيه دليف وصونه حفات وقوته ضعف وشهامته خوف ٦{إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون} ودخل الفاء هنا دون سورة الانشقاق للجمع بين اللغتين والاستثناء على الأول متصل وعلى الثانى منقطع أى ولكن الذين كانوا صالحين من الهرمى والزمنى فلهم ثواب غير منقطع على طاعتهم وصبرهم عل الابتلاء بالشيخوخة والهرم وعلى مقاساة المشاق والقيام بالعبادة والخطاب فى ٧{فما يكذبك بعد بالدين} للانسان على طريقة الالتفات أى فما سبب تكذيبك بعد هذا البيان القاطع والبرهان الساطع بالجزاء والمعنى أن خلق الانسان من نطفة وتقويمة بشرا سويا وتدريجه فى مراتب الزيادة إلى أن يكمل ويستوى ثم تنكيسه إلى أن يبلغ أرذل العمر لا ترى دليلا أوضح منه على قدرة الخالق وأن من قدر على خلق الإنسان وعلى هذا كله لم يعجز عن اعادته فما سبب تكذبيك بالجزاء أو لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فمن ينسبك إلى الكذب بعد هذا الدليل فما بمعنى من ٨{أليس اللّه بأحكم الحاكمين} وعيد للكفار وأنه يحكم عليهم بما هم أهله وهو من الحكم والقضاء واللّه أعلم |
﴿ ٠ ﴾