تفسير النسفى: مدارك التنزيل وحقائق التأويل أبو البركات عبد اللّه بن أحمد بن محمود النسفى الحنيفي (ت ٧١٠ هـ ١٣١٠م) _________________________________سورة الاخلاص سورة الاخلاص اربع آيات مكية عند الجمهور وقيل مدنية عند أهل البصرة بسم اللّه الرحمن الرحيم _________________________________ {قل هو اللّه أحد} هو ضمير الشأن واللّه أحد هو الشأن كقولك هو زيد منطلق كانه قيل الشأن هذا وهو أن اللّه واحد لا ثاني له ومحل هو الرفع على الابتداء والخبر هو الجملة ولا يحتاج إلى الراجع لأنه في حكم المفرد في قولك زيد غلامك في أنه هو المبتدأ في المعنى وذلك أن قوله اللّه أحد هو الشأن الذي هو عبارة عنه وليس كذلك زيدا ابوه منطلق فان زيدا والجملة يدلان على معنيين مختلفين فلا بد مما يصل بينهما وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما قالت قريش يا محمد صف لنا ربك الذي تدعونا اليه فنزلت يعني الذي سألتموني وصفه هو اللّه تعالى وعلى هذا احد خبر مبتدا محذوف أي هو احد وهو بمعنى واحد وأصله وحد فقلبت الواو همزة لوقوعها طرفا والدليل على أنه واحد من جهة العقل ان الواحد اما أن يكون في تدبير العالم وتخليقه كافيا أو لا فإن كان كافيا كان الآخر ضائعا غيرمحتاج اليه وذلك نقص والناقص لا يكون الهاوان لم يكن كافيا فهو ناقص ولان العقل يقتضي احتياج المفعول إلى فاعل والفاعل الواحد كاف وما وراء الواحد فليس عدد أولى من عدد فيقضى ذلك إلى وحود أعداد لا نهاية لهاوذا محال فالقول بوجود الهين محال ولأن أحدهما أما ان يقدر على ان يستر شيئا من افعاله عن الآخر ولا يقدر فان قدر لزم كون المستور عنه جاهلا وان لم يقدر لزم كونه عاجزا ولأنا لو فرضنا معد وما ممكن الوجود فان لم يقدر واحد منهما على ايجاده كان كل واحد منهما عاجزا والعاجز لا يكون الها وان قدر احدهما دون الآخر فالآخر لايكون الها وان قدرا جميعا فاما ان يوجداه بالتعاون فيكون كل واحد منهما محتاجا إلى إعانة الآخر فيكون كل واحد منهما عاجزا وان قدر كل واحد منهما على ايجاده بالاستقلال فإذا أوجده أحدهما فأما أن يبقي الثاني قادرا عليه وهو محال لان ايجاد الموجود محال وان لم يبق فحينئذ يكون الاول مزيلا قدرة الثاني فيكون عاجزا ومقهورا تحت تصرفه فلا يكون الها فان قلت الواحد إذا أو وجد مقدور نفسه فقد زالت قدرته فيلزمكم أن يكون هذا الواحد قد جعل نفسه عاجزا قلنا الواحد اذا اوجد مقدور نفسه فقد نفذت قدرته ومن نفذت قدرته لا يكون عاجزا واما الشريك فما نفذت قدرته بل زالت قدرته بسبب قدرة الآخرفكان ذلك تعجيزا ٢{اللّه الصمد} هو فعل بعنى مفعول من صمد اليه اذاقصده وهو السيد المصمود اليه في الحوائج والمعنى هو اللّه الذي تعرفونه وتقرون بأنه خالق السموات والأرض وخالقكم وهو واحد لا شريك له وهو الذي يصمد اليه كل مخلوق لا يستغنون عنه وهو الغني عنهم ٣{لم يلد} لأنه لا يجانس حتى تكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا وقد دل على هذا المعنى بقوله أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة {ولم يولد} لأن كل مولود محدث وجسم وهو قديم لا أول لوجوده أذ لو لم يكن قديما لكان حادثا لعدم الواسطة بينهما ولو كان حادثا لافتقر الى محدث وكذا الثانى والثالث فيؤدى الى التسلسل وهو باطل وليس بجسم لأنه اسم للمتركب ولا يخلو حينئذ من ان يتصف كل جزء منه بصفات الكمال فيكون كل جزء الها فيفسد القول به كما فسد بالهين أو غير متصف بهابل بأضدادها من سمات الحدوث وهو محال ٤{ولم يكن له كفوا أحد} ولم يكافئه أحد أى لم يماثله سالوه أن يصفه لهم فأوحى اليه ما يحتوى على صفاته تعالى فقوله هو اللّه إشارة إلى أنه خالق الاشياء وفاطرها وفى طى ذلك وصفه بانه قادر عالم لأن الخالق يستدعى القدرة والعلم لكونه واقعا على غاية احكام واتساق وانتظام وفى ذلك وصفه بأنه حى لأن المتصف بالقدرة والعلم لا بدو أن يكون حيا وفى ذلك وصفه بأنه سميع بصير مريد متكلم إلى غير ذلك من صفات الكمال اذلو لم يكن موصوفا بها لكان مرصوفا بأضدادها وهى نقائص وذامن أمارات الحدوث فيستحيل اتصاف القديم بها وقوله أحد وصف بالوحدانية ونفى الشريك وبانه المتفرد بايجاد المعدومات والمتوحد بعلم الخفيات وقوله الصمد وصف بأنه ليس إلا محتاجا اليه واذا لم يكن الا محتاجا فهو غنى لا يحتاج الى أحد ويحتاج اليه كل أحد وقوله لم يلد نفى للشبه والمجانسة وقوله ولم يولد نفى للحدوث ووصف بالقدم والاولية وقوله ولم يكن له كفوا أحد نفى ان يماثلة شئ ومن زعم أن نفى الكفء وهو المثل فى الماضى لا يدل على نفيه للحال والكفار يدعونه فى الحال فقدتاه فى غيه لأنه اذا لم يكن فيما مضى لم يكن فى الحال ضرورة اذ الحادث لا يكون كفؤا للقديم وحاصل كلام الكفرة يؤل الى الاشراك والتشبيه والتعطيل والسورة تدفع الكل كما قررنا واستحسن سيبويه تقديم الظرف إذا كان لغوا أى فضلة لأن التأخير مستحق للفضلات وانما قدم فى الكلام الافصح لأن الكلام سيق لنفى المكافأة عن ذات البارئ سبحانه وهذا المعنى مصبه ومركزه هو هذا الظرف فكان الاهم تقديمه وكان أبو عمر ويستحب الوقف على احد ولا يستحب الوصل قال عبد الوارث على هذا أدركنا القراء واذا وصل نون وكسر أو حذف التنوين كقراءة عزيز بن اللّه كفؤا بسكون الفاء والهمزة حمزة وخلف كفوا مثقله غير مهموزة حفص الباقون مثقلة مهموزة وفى الحديث: من قرأ سورة الاخلاص فقد قرأ ثلث القرآن لأن القرآن يشتمل على توحيد اللّه وذكر صفاته وعلى لاوامر والنواهى وعلى القصص والمواعظ وهذه السورة قد تجردت للتوحيد والصفات فقد تضمنت ثلث القرآن وفيه دليل شرف علم التوحيد وكيف لا يكون كذلك والعلم يشرف بشرف المعلوم ويتضع بضعته ومعلوم هذا العلم فى زمرة العالمين بك العاملين لك الزاجين لثوابك الخائفين من عقابك المكرمين بلقائك وسمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجلا يقرأ قل هو اللّه أحد فقال وجبت فقيل يا رسول اللّه ما وجبت قال: وجبت له الجنة |
﴿ ٠ ﴾