٧ { صراط الذين انعمت عليهم } بدل من الاول بدل الكل والانعام ايصال النعمة وهى فى الاصل الحالة التى يستلذها الانسان فاطلقت على ما يستلذه من نعمة الدين الحق. قال ابو العباس ابن عطاء هؤلاء المنعم عليهم هم طبقات فالعارفون انعم اللّه عليهم بالمعرفة والاولياء انعم اللّه عليهم بالصدق والرضى واليقين والصفوة والابرار انعم اللّه عليهم بالحلم والرأفة والمريدون انعم اللّه عليهم بحلاوة الطاعة والمؤمنون انعم اللّه عليهم بالاستقامة. وقيل هم الانبياء والصديقون والشهداء والصالحون كما قال تعالى { فاولئك مع الذين انعم اللّه عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين } واضيف الصراط هنا الى العباد وفى قوله { وان هذا صراطى مستقيما } الى ذاته تعالى كما اضيف الدين والهدى تارة الى اللّه تعالى نحو { أفغير دين اللّه } { وان الهدى هدى اللّه } وتارة الى العباد نحو { اليوم اكملت لكم دينكم } { وبهداهم اقتده } وسره من وجوه. الاول بيان ان ذلك كله له شرعا ولنا نفعا كما قال تعالى { شرع لكم من الدين } والثانى انه له ارتضاء واختيارا ولنا سلوكا وائتمارا. والثالث انه اضافه الى نفسه قطعا لعجب العبد والى العبد تسلية لقلبه. والرابع انه اضافه الى العبد تشريفا له وتقريبا والى نفسه قطعا لطمع ابليس عنه كما قيل لما نزل قوله تعالى { وللّه العزة ولرسوله وللمؤمنين } قال الشيطان ان لم اقدر على سلب عزة اللّه ورسوله اسلب عزة المؤمنين فقال اللّه تعالى { فللّه العزة جميعا } فقطع طمعه كذا فى التيسير. وتكرار الصراط اشارة الى ان الصراط الحقيقى صراطان من العبد الى الرب ومن الرب الى العبد فالذى من العبد الى الرب طريق مخوف كم قطع فيه القوافل وانقطع به الرواحل ونادى منادى العزة لاهل العزة الطلب رد والسبيل سد وقاطع الطريق يقطع على هذا الفريق { لاقعدن لهم صراطك المستقيم } الآية والذى من الرب الى العبد طريق آمن وبالامان كائن قد سلم فيه القوافل وبالنعم محفوف المنازل يسير فيه سيراته ويقاد بالدلائل قادته { مع الذين انعم اللّه عليهم من النبيين } الآية اى انعم اللّه على اسرارهم بانوار العناية وعلى ارواحهم باسرار الهداية وعلى قلوبهم بآثار الولاية وعلى نفوسهم فى قمع الهوى وقهر الطبع وحفظ الشرع بالتوفيق والرعاية وفى مكايد الشيطان بالمراقبة والكلاية. والنعم اما ظاهرة كارسال الرسل وانزال الكتب وتوفيق قبول دعوة الرسل واتباع السنة واجتناب البدعة وانقياد النفس للاوامر وانواهى والثبات على قدم الصدق ولزوم العبودية. واما باطنة وهى ما انعم على ارواحهم فى بداية الفطرة باصابة رشاش نوره كما قال عليه السلام ( ان اللّه خلق الخلق فى ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن اصابه ذلك النور فقد اهتدى ومن اخطأه فقد ضل ) فكان فتح باب صراط اللّه الى العبد من رشاش ذلك النور واول الغيث رش ثم ينسكب فالمؤمنون ينظرون بذلك النور المرشوش الى مشاهدة المغيث وينتظرون الغيث ويستعينون { اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم } بجذبات الطافك وفتحت عليهم ابواب فضلك ليهتدوا بك اليك فأصابوا بما اصابهم بك منك كذا فى التأويلات النجمية. قال الشيخ صدر الدين القنوى قدس سره فى الفكوك فى تأويل الحديث المذكور لا شك ان الوجود المحض يتعقل فى مقابلته العدم المضاد له فان للعدم تعينا فى التعقيل لا محالة وله الظلمة كما ان الوجود له النورانية ولهذا يوصف الممكن بالظلمة فانه يتنور بالوجود فيظهر فظلمته من احد وجهيه الذى يلى العدم وكل نقص يلحق الممكن ويوصف به انما ذلك من احكام النسبة العدمية واليه الاشارة بقوله النبى صلى اللّه عليه وسلم ( ان اللّه خلق الخلق فى ظلمة ثم رش عليه من نوره فظهر ) وخلق ههنا بمعنى التقدير فان التقدير سابق على الايجاد ورش النور كناية عن افاضة الوجود على الممكنات فاعلم ذلك انتهى كلام الشيخ { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } بدل من الذين على معنى ان المنعم عليهم هم الذين سلموا من الغضب والضلال. وكلمة غير على ثلاثة اوجه الاول بمعنى المغايرة وفارسيته ( جز ) قال اللّه تعالى { لتفترى علينا غيره } والثانى بمعنى لا وفارسيته ( ن ) قال تعالى { فمن اضطر غير باغ ولا عاد } والثالث بمعنى الا وفارسيته ( مكر ) قال تعالى { فما وجدنا فيها غير بيت من المسليمن } وصرفها ههنا على هذه الوجوه محتمل غير ان معنى الاستثناء مخصوص بقراءة النصب. والغضب ثوران النفس عند ارادة الانتقام يعنى انه حالة نفسانية عند غليان النفس ودم القلب لشهوة الانتقام وهنا نقيض الرضى او ارادة الانتقام او تحقيق الوعيد او الاخذ الاليم او الطبش الشديد او هتك الاستار والتعذيب بالنار لان القاعدة التفسيرية ان الافعال التى لها اوائل بدايات واواخر غايات اذا لم يمكن اسنادها الى اللّه باعتبار البدايات يراد بها حين الاسناد غاياتها كالغضب والحياء والتكبر والاستهزاء والغم والفرح والضحك والبشاشة وغيرها والضلال والعدو عن الطريق السوى عمدا او خطأ. والمراد بالمغضوب عليهم العصاة وبالضالين الجاهلون باللّه لان المنعم عليهم هم الجامعون بين العلم والعمل فكان المقابل لهم من اختل احدى قوتيه العاقلة والعاملة والمخل بالعمل فاسق مغضوب عليه لقوله تعالى فى القاتل عمدا { وغضب اللّه عليه ولعنه } والمخل بالعلم جاهل ضال كقوله تعالى { فماذا بعد الحق الا الضلال } والمغضوب عليهم هم اليهود لقوله تعالى فى حقهم { من لعنه اللّه وغضب عليه } والضالون النصارى لقوله تعالى فى حقهم { قد ضلوا من قبل واضلوا كثيرا } وليس المراد تخصيص نسبة الغضب باليهود ونسبة الضلال بالنصارى لان الغضب قد نسب ايضا الى النصارى وكذا الضلال قد نسب الى اليهود فى القرآن بل المراد انهما اذا تقابلا فالتعبير بالغضب الذى هو ارادة الانتقام لا محالة باليهود فى القرآن بل المراد انهما اذا تقابلا فالتعبير الذي هو ارادة الانتقام لا محالة باليهود أليق لغاية تمردهم فى كفرهم من اعتدائهم وقتلهم الانبياء وقولهم { ان اللّه فقير ونحن اغيناء } وغير ذلك. فان قلت من المعلوم ان المنعم عليهم غير الفريقين فما الفائدة فى ذكرهما بعدهم قلت فائدته وصف ايمانهم بكمال الخوف من حال الطائفتين بعد وصفه بكمال الرجاء في قوله { الذين انعمت عليهم } قال عليه السلام ( لو وزن خوف الؤمن ورجاؤه لاعتدالا ) واعلم ان حكم الغضب الالهى تكميل مرتبة قبضة الشمال فانه وان كان كلتا يديه المقدستين يمينا مباركة لكن حكم كل واحدة يخالف الاخرى فالارض جميعا قبضته والسموات مطويات بيمينه فليد الواحدة المضاف اليها عموم السعداء الرحمة والحنان وللاخرى القهر والغضب ولوازمهما فسر حكم الغضب هو التكميل المشار اليه فى الجمع بين حكم اليدين والوقاية ولصاحب الاكلة اذا ظهرت فى عضو واحد وقدر أن يكون الطبيب والده او صديقه او شقيقه فانه مع فرط محبته يبادر لقطع العضو المعتل لما لم يكن فيه قابلية الصلاح والسر الثالث التطهير كالذهب الممزوج بالرصاص والنحاس اذا قصد تمييزه لا بد وان يجعل فى النار الشديدة والضلال هو الحيرة فمنها ما هى مذومة ومناه ما هى محمدة ولها ثلاثة مراتب حيرة اهل البدايات وحيرة المتوسطين من اهل الكشف والحجاب وحيرة اكبار المحققين واول مزيل للحيرة الاولى تعين المطلب المرجح كرضى اللّه والتقرب اليه والشهود الذاتي ثم معرفة الطريق الموصل كملازمة شريعة الكمل ثم السبب المحصل كالمرشد ثم ما يمكن الاستعانة به فى تحصيل الغرض من الذكر والفكر وغيرهما ثم معرفة العوائق وكيفية ازالتها كالنفس والشيطان فاذا تعينت هذه الامور الخمسة حينئذ تزول هذه الحيرة وحيرة الاكابر محمودة لا تظن ان هذه الحيرة سببها قصور فى الادراك ونقص مانع من كمال الجلاء هنا والاستجلاء لما هناك بل هذه حيرة يظهر حكمها بعد كمال التحقق بالمعرفة والشهود ومعاينة سر كل وجود والاطلاع التام على احدية الوجود وفى تفسير النجم { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } هم الذين اخطأهم ذلك النور فضلوا فى تيه هوى النفس وتاهوا فى ظلمات الطبع والتقليد فغضب اللّه عليهم مثل اليهود ولعنهم بالطرد والتبعيد حتى لم يهتدوا الى الشرع القويم ووقعوا عن الصراط المستقيم اى عن المرتبة الانسانية التى خلق فيها الانسان فى احسن تقويم ومسخوا قردة وخنازير صورة أو معنى او لما وقعوا عن الصراط المستقيم فى سد البشرية نسوا ألطاف الربوبية وضلوا عن صراط التوحيد فاخذهم الشيطان بشرك الشرك كالنصارى فاتخذوا الهوى الها والدنيا الها وقالوا { ثالث ثلاثة } { نسوا اللّه فنسيهم } هذا بحسب اول الحال وفيه وجه آخر معتبر فيه عارض المآل وهوان يراد غير المغضوب عليهم بالغيبة بعد الحضور والمحنة بعد السرور والظلمة غب النور نعوذ باللّه من الحور بعد الكور اى من الرجوع الى النقصان بعد الزيادة ولا الضالين بغلبة الفسق والفجور وانقلاب السرورة بالشرور ووجه ثالث يعبر فى السلوك الى ملك الملوك وهو غير المغضوب عليهم بالاحتباس فى المنازل والانقطاع عن القوافل ولا الضالين بالصدود عن المقصود { آمين } اسم فعل بمعنى استجب معناه يا اللّه استجب دعاءنا او افعل يا رب بنى على الفتح كأين وكيف لالتقاء الساكنين وليست من القرآن اتفاقا لانها لم تكتب فى الامام ولم ينقل احد من الصحابة والتابعين ومن بعدهم رضى اللّه تعالى عنهم قرآن لكن يسن ان يقول القارئ بعد الفاتحة آمين مفصولة عنها لقوله عليه السلام ( علمنى جبريل آمين عند فراغى من قراءة الفاتحة وقال انه كالختم على الكتاب ) وزاده على رضى اللّه عنه توضيحا فقال [ آمين خاتم رب العالمين ختم به دعاء عبده ] فسره ان الخاتم كما يمنع عن المختوم الاطلاع عليه والتصرف فيه يمنع آمين عن دعاء العبد الخيبة. وقال وهب يخلق بكل حرف منه ملك يقول اللّهم اغفر لمن قال آمين وفى الحديث ( الداعى والمؤمن شريكان ) يعنى به قوله تعالى { قد اجيبت دعوتكما } قال عليه السلام ( اذا قال الامام ولا الضالين فقولوا آمين فان الملائكة تقولها فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ) وسره ما مر فى كلام وهب اما الموافقة فقيل فى الزمان وقيل فى الاخلاص والتوجه الاحدى واختلف فى هؤلاء الملائكة قيل هم الحفظة وقيل غيرهم ويعضده ما روى انه عليه السلام قال ( فان من وافق قوله قول اهل السماء ) ويمكن ان يجمع بين القولين بان يقولها الحفظة واهل السماء ايضا. قال المولى الفنارى فى تفسير الفاتحة ان الفاتحة نسخة الكمال لمن اخرج للاستكمال من ظلمة العدم والاستهلاك فى نور القدم الى انوار الروحانية ثم بواسطة النفخ الى عالم الجسمانية ليكمل مرتبة الانسانية التى لجمعيتها مظنة الانانية فاحتاج الى طلب الهداية الى منهاج العناية التى منها جاء ليرجع من الوجود الى العدم بل من الحدوث الى القدم فيفقد الموجود فقدانا لا يجده ليجد المفقود وجدانا لا يفقده ولما حصل لهم رتبة الكمال بقبول هذا السؤال كما قال ولعبدى ما سأل فاضافه الى نفسه بلام التمليك ثم ختم اكرم الا كرمين نسخة حالهم بخاتم آمين اشارة الى ان عباده المخلصين ليس لاحد من العالمين ان يتصرف فيهم بان يفك خاتم رب العالمين ولهذا ايس ابليس فقال { الا عبادك منهم المخلصين } وعدد آيات سورة الفاتحة سبع فى قول الجمهور على ان احداها ما آخرها انعمت عليهم لا التسمية او بالعكس وعدد كلماتها ، ففى لتيسير انها خمس وعشرون وحروفها مائة وثلاثة وعشرون. وفى عين المعانى كلماتها سبع وعشرون وحروفها مائة واثنان واربعون وسبب الاختلاف بعد عدم العتبار البسملة اعتبار الكلمات المنفصلة كتابة او المستقلة تلفظا واعتبار الحروف الملفوظة او المكتوبة او غيرهما. وسئل عطاء اى وقت انزلت فاتحة الكتاب قال انزلت بمكة يوم الجمعة كرامة اكرم اللّه بها محمد عليه السلام وكان معها سبعة آلاف ملك حين نزل بها جبريل على محمد عليهما السلام. روى ان عيرا قدمت من الشام لابى جهل بمال عظيم وهى سبع فرق ورسول اللّه واصحابه ينظرون اليها واكثر الصحابة بهم جوع وعرى فخطر ببال النبى صلى اللّه عليه وسلم شئ لحاجة اصحابه فنزل قوله تعالى { ولقد آتيناك سبعا من المثانى } اى مكان سبع قوافل لابى جهل لا ينظر الى ما اعطيناك مع جلالة هذه العطية فلم تنظر الى ما اعطيته من متاع الدنيا الدنية ولما علم اللّه ان تمنيه لم يكن لنفسه بل لاصحابه قال { ولا تحزن عليهم } وامره بما يزيد نفعه على نفع المال فقال { واخفض جناحك للمؤمنين } فان تواضعك اطيب لقلوبهم من ظفرهم بمحبوبهم ومن فضائلها ايضا قوله عليه السلام ( لو كانت فى التوراة لما تهود قوم موسى ولو كانت فى الانجيل لما تنصر قوم عيسى ولو كانت فى الزبور لما مسخ قوم داود عليهم السلام وأيما مسلم قرأها اعطاه اللّه من الاجر كانما قرأ القرآن كله وكأنما تصدق على كل مؤمن ومؤمنة ) ومن فضائلها ايضا ان الحروف المعجمة فيها اثنان وعشرون واعوان النبى صلى اللّه عليه وسلم بعد الوحى اثنان وعشرون وان ليست فيها سبعة احرف ثاء الثبور وجيم الجحيم وخاء الخوف وزاى الزقوم وشين الشقاوة وظاء الظلمة وفاء الفراق فمعتقد هذه السورة وقارئها على التعظيم والحرمة آمن من هذه الاشياء السبعة. وعن حذيفة رضى اللّه عنه انه عليه السلام قال ( ان القوم ليبعث اللّه عليهم العذاب حتما مقضيا فيقرأ صبى من صبيانهم فى المكتب الحمد للّه رب العالمين فيسمعه ويرفع عنهم بسببه العذاب اربعين سنة ) وقد مر ما روى من ايداع علوم جميع الكتب فى القرآن ثم فى الفاتحة فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير الكل ومن قرأها فكأنما قرأ الكل. قال تفسير الكبير والسبب ان المقصود من جميع الكتب علم الاصول والفروع والمكاشفات وقد علم اشتمالها عليها. قال الفنارى وذلك لما علم ان اولها الى قوله تعالى { مالك يوم الدين } اشارة الى العقائد المبدئية المتعلقة بالهيات ذاتا وصفة وفعلا لان حصر الحمد يقتضى حصر الكمالات الذاتية والوصفية والفعلية ثم بالنبوات والولايات لانهما اجلاء النعم او اخصاؤها ثم الى العقائد المعادية لكونه مالكا للامر كله يوم المعاد واوسطها من قوله { اياك نعبد واياك نستعين } الى اقسام الاحكام الرابطة بين الحق والعبد من العبادات وذلك ظاهر من المعاملات والمزاجر لان الاستعانة الشرعية اما لجلب المنافع او لدفع المضار وآخرها الى طلب المؤمن وجوه الهداية المرتبة على الايمان المشار اليه فى القسم الاول والاسلام المشار اليه فى القسم الثانى وهى وجوه الاحسان اعنى المراتب الثلاث من الالخلاق الروحانية المحمودة ثم المراقبات المعهودة فى قوله عليه السلام ( ان تعبد اللّه كأنك تراه ) ثم الكمالات المشهودة عند الاستغراق فى مطالع الجلال الرافع لكاف التشبيه الذى فى ذلك الخبر والدافع لغضب تنزيه الجبر وضلال نسبة القدر وهذه هى المسماة بعلوم المكاشفات واللّه اعلم باسرار كلية المبطنات. |
﴿ ٧ ﴾