تفسير روح البيان

إسماعيل حقى بن مصطفى بروسوي الإستانبولي

الحنفي الجلوتي (ت ١١٣٧ هـ ١٧٢٥ م)

 سُورَةُ الْبَقَرَةِ مَدَنِيَّةٌ

وَهِيَ مِائَتَانِ وَسِتٌّ وَثَمَانُونَ آيَةً

١

{ آلم } ان قلت ما الحكمة فى ابتداء البقرة بالم والفاتحة بالحرف الظاهر المحكم الجواب قال السيوطى رحمه اللّه فى الاتقان اقول فى مناسبة ابتداء البقرة بالم انه لام ابتدئت الفاتحة بالحرف المحكم الظاهر لكل احد بحيث لا يعذر فى فهمه ابتدئت البقرة بمقابلة وهو الحرف المتشابه البعيد التأويل ليعلم مراتبه للعقلاء والحكماء ليعجزهم بذلك ليعتبروا ويدبروا آياته كذا فى خواتم الحكم وحل الرموز وكشف الكنوز للعارف باللّه الشيخ المعروف بعلى دده

واعلم انهم تكلموا فى شأن هذه الفواتح الكريمة وما اريد بها فقيل انها من العلوم المستورة والاسرار المجحوبة اى من المشتابه الذى استأثر اللّه بعلمه وهى سر القرآن فنحن نؤمن بظاهرها ونكل العلم فيها الى اللّه تعالى وفائدة ذكرها طلب الايمان بها والالف اللّه واللام لطيف والميم مجيد اى انا اللّه اللطيف المجيد كما ان قوله تعالى

{ الر } انا اللّه ارى و

{ كهيعص } انا اللّه الكريم الهادى الحكيم العلمي الصادق وكذا قوله تعالى

{ ق } اشارة الى انه القادر القاهر و

{ ن } اشارة الى انه النور الناصر فهى حروف مقطعة كل منها مأخوذ من اسم من اسمائه تعالى والاكتفاء ببعض الكلمة معهود فى العربية كما قال الشاعر

قلت لها قفى فقالت ق ... اي وقفت

وقيل ان هذه الحروف ذكرت فى اوائل بعض السور لتدل على ان القرآن مؤلف من الحروف اتى هى ( ا ب ت ث ) فجاء بعضها مقطعا وبعضها مؤلفا ليكون ايقاظا لما تحدى بالقرآن وتنبيها لهم على انهم منتظم من عين ما ينظمون منه كلامهم فلولا انه خارج عن طوق البشر نازل من عند خلاق القوى والقدر لأتوا بمثله هذا ما جنح اليه اهل التحقيق ولكن فيه نظر لانه يفهم من هذا القول ان لا يكون لتلك الحروف معان واسرار والنبى عليه السلام اوتى علم الاولين والآخرين فيحتمل ان يكون الم وسائر الحروف المقطعة من قبيل الموضعات المعميات بالحروف بين المحبين لا يطلع عليها غيرهما وقد واضعها اللّه تعالى مع نبيه عليه السلام فى وقت لا يسعه فيه ملك مقرب ولا نبى مرسل ليتكلم بها معه على لسان جبريل عليه السلام باسرار وحقائق لا يطلع عليها جبريل ولا غيره يدل على هذا ما روى فى الاخبار ان جبريل عليه السلام لما نزل بقوله تعالى

{ كهيعص } فلما قال ( كاف ) قال النبى عليه السلام ( علمت ) فقال ( ها ) فقال ( علمت ) فقال ( ياء ) فقال ( علمت ) فقال ( عين ) فقال ( علمت ) فقال ( صاد ) فقال ( علمت ) فقال جبريل عليه السلام كيف علمت ما لم اعلم.

وقال الشيخ الاكبر قدس سره فى اول تفسيره

{ الم ذلك الكتاب }

واما الحروف المجهولة التى انزلها اللّه تعالى فى اوائل السورة فسبب ذلك من أجلها لغو العرب عند نزول القرآن فانزلها سبحانه حكمة منه حتى تتوفر دواعيهم لما انزل اللّه اذا سمعوا مثل هذا الذى ما عهدوه والنفوس من طبعها ان تميل الى كل امر غريب غير معتاد فينفستون عن اللغو ويقبلون عليها ويصغون اليها فيحصل المقصود فيما يسمعونه مما يأتى بعد هذه الحروف النازلة من عند اللّه تعالى وتتوفر دواعيهم للنظر فى الامر المناسب بين حروف الهجاء التى جاء بها مقطعة وبين ما يجاورها من الكلم وابهم الامر عليهم من عدم اطلاعهم عليها فرد اللّه بذلك شرا كبيرا من عنادهم وعتوهم ولغوهم كان يظهر منهم فذاك رحمة للؤمنين وحكمة منه سبحانه انتهى كلامه.

قال بعض العارفين كل ما قيل فى شرحها بطريقة النظر والاعتبار فتخمين النظر من قائله لا حقيقة الا لمن كشف اللّه له عن قصده تعالى بها يقول الفقير جامع هذه المعارف واللطائف شكر اللّه مساعيه وبسط اليه من عنده اياديه قال شيخى الاكمل فى هامش كتاب اللائحات البرقيات له بعد ما ذكر بعض خواص الم على طريق الحقيقة زلق فى امثال هذا المتشابه اقدام الزائغين عن العلم وتحير عقول الراسخين فى العلم وبعضهم توقف تأدبا مع اللّه تعالى ولم يتعرض بل قالوا آمنا به كل من عند ربنا وبعضهم تأولوا لكن بوجوه بعيدة عن المرام بعدا بعيدا الا انها مستحسنة شرعا مقبولة دينا وعقلا وما يذكر اى بالمقصود والمرام على ما هو عليه فى نفسه فى الواقع الا اولوا الباب لكن بتذكير اللّه تعالى والهامه واطلاعه تخصيصا لهم وتمييزا لهم عما عداهم اختصاصا اليها ازليا لهم من عند اللّه لا بتفكر انفسهم ونظر عقولهم بل بمحض فيض اللّه والهامه انتهى كلامه الشريف قدس سره اللطيف.

وقال عبد الرحمن البسطامى قدس سره مؤلف الفوائح المسكية فى بحر الوقوف ثم ان بعض الانبياء علموا اسرار الحروف بالوحى الربانى والالقاء الصمدانى وبعض الاولياء بالكشف الجلى النورانى والفيض العلى الروحانى وبعض العلماء بالنقل الصحيح والعقل الرجيح وكل منهم اخبر اصحابه ببعض اسرارها بطريق الكشف والشهود او بطريق الرسم والحدود والصحيح ان اللّه تعالى طوى علم اسرار الحروف عن اكثر هذه الامة لما فيها من الحكم الالهية والمصالح الربانية ولم يأذن للاكابر ان يعرفوا منه الا بعض اسراره التى يشتمل عليها تركيبها الخاص المنتج انواع التسخيرات والتأثيرات فى العوالم العلويات والسفليات الى غير ذلك انتهى كلام بحجر الوقوف وفى التأويلات النجمية هيئة الصلاة التى ذكرت فى القرآن ثلاثة القيام لقوله تعالى

{ وقوموا للّه قانتين } والركوع لقوله تعالى واركعوا اشارة الى الركوع والميم اشارة الى السجود يعنى من قرأ سورة الفاتحة التى هى مناجاة العبد مع اللّه فى الصلاة التى هى معراج المؤمنين يجيبه اللّه تعالى بالهداية التى طلبها منه بقوله اهدنا. ثم اعلم ان المتشابه كالمحكم من جهة اجر التلاوة لما ورد عن ابن مسعود رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من قرأ حرفا من كتاب اللّه فله حسنة والحسنة بعشر امثالها لا اقول الم حرف بل الف حرف ولام حرف وميم حرف ( ففى الم تسع حسنات).

﴿ ١