٢ { ذلك الكتاب } الم مبتدأ على انه اسم القرآن على احد الوجوه وذلك خبره اشارة الى الكتاب فيكون الكتاب صفة والمراد به الكتاب الكامل الموعود انزاله فى الكتب المتقدمة وانما اشار بذلك الى ما ليس ببعيد لان الكتاب من حيث كونه موعودا فى حكم البعيد قالوا لما انزل اللّه تعالى على موسى التوراة وهى الف سورة كل سورة الف آية قال موسى عليه السلام يا رب قال على خاتم النبيين قال وكيف تقرؤه امته ولهم اعمار قصيرة قال انى ايسره عليهم حتى يقرؤه صبيانهم قال يا رب وكيف تفعل قال وعشرين على ابراهيم والتوراة عليك والزبور على داود والانجيل على عيسى وذكرت الكائنات فى هذه الكتب فأذكر جميع معانى هذه الكتب فى كتاب محمد واجمع ذلك كله فى مائة واربع عشرة سورة واجعل هذه السور فى ثلاثين جزأ والجزاء فى سبعة اسباع ومعنى هذه الاسباع فى سبع آيات الفاتحة ثم معانها فى سبعة احرف وهى بسم اللّه ثم ذلك كله فى الألف من الم ثم افتتح سورة البقرة فاقول الم ولما وعد اللّه ذلك فى التوراة وانزله على محمد عليه السلام جحدت اليهود لعنهم اللّه ان يكون هذ ذلك فقال تعالى ذلك الكتاب كما فى تفسير التيسير ولهذه الآية وجوه اخر من الاعراب ذكرت فى التفاسير فلتطلب ثمة { لا ريب } كائن { فيه } فقوله ريب اسم لا وفيه خبرها وهو فى الاصل من رابنى الشئ اذا حصل فيك الريبة وهى قلق النفس واضطرابها سمى به الشك لانه يقلق النفس ويزيل الطمأنينية وفى الحديث ( دع ما يريبك الى ما لا يريبك ) فان الشك ريبة والصدق طمأنينة ومنه ريب الزمان لنوائبه * وفى التفسير المسمى بالتيسير الريب شك فيه خوف وهو اخص من الشك فكل ريب شك وليس كل شك ريبا والشك هو التردد بين النقيضين لا ترجيح لاحدهما على الآخر عند الشاك ولم يقدم الظرف على الريب لئلا يذهب الفهم الى ان كتابا آخر فيه الريب لا فيه. فان قلت الكفار شكوا فيه فلم يقروا بكتاب اللّه تعالى والمبتدعون من اهل القبلة شكوا فى معانى متشابهه فاجروها على ظاهرها وضلوا بها والعلماء شكوا فى وجوهه فلم يقطعوا القول على وجه منها والعوام شكوا فيه فلم يفهموا معانيه فما معنى نفى الريب عنه فالجواب ان هذا نفى الريب عن الكتاب لاعن الناس والكتاب موصوف بانه لا يتمكن فيه ريب فهو حق صدق معلوم ومفهوم شك فيه الناس او لم يكشوا كالصدق صدق فى نفسه وان وصفه الناس بالكذب والكذب كذب وان وصفه الناس بالصدق فكذا الكتاب ليس مما يلحقه ريب او يتمكن فيه عيب ويجوز ان يكون خبرا فى معنى الامر ومعناه لا ترتابوا كقوله تعالى { فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج } المعنى لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا كما فى الوسيط والعيون { هدى } اى هو رشيد وبيان { للمتقين } اى للضالين المشارفين التقوى الصائرين اليها ومثله حديث ( من قتل قتيلا فله سلبه ) وفى تفسير الارشاداى المتصفين بالتقوى حالا او مآلا وتخصيص الهدى بهم لما انهم المقتبسون من انواره المنتفعون بآثاره وان كان ذلك شاملا لكل ناظر من مؤمن وكافر وبذلك الاعتبار قال تعالى { هدى للناس } اى كلهم بيانا وهدى للمتقين على الخصوص ارشادا * قال فى التيسير وكذلك يقال فى كل من انتفع بشئ دون غيره انه لك على الخصوص اى انت المنتفع به وحدك وليس فى كون بعض الناس لم يهتدوا ما يخرجه من ان يكون هدى فالشمس شمس وان لم يرها الضرير والعسل عسل وان لم يجد طعمه المرور والمسك مسك وان لم يدرك طيبه المأنوف فالخيبة كل الخيبة لمن عطش والبحر زاخر وبقى فى الظلمة والبدر زاهر وخبث والطيب حاضر وذوى والروض ناظر والحسرة كل الحسرة لمن عصى وفسق والقرآن ناه آمر وفارق الرغبة والرهبة والوعد متواتر والوعيد متظاهر ولذلك قال تعالى { وانه لحسرة على الكافرين } والمتقى اسم فاعل من باب الافتعال من الوقاية وهى فرط الصيانة قال البغوى هو مأخوذ من الاتقاء واضله الحاجز بين الشيئين ومنه يقال اتقى بترسه اى جعله حاجزا بين نفسه وبين ما يقصده وفى الحديث كنا اذا احمر البأس اتقينا برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اى اذا اشتد الحرب جعلناه حاجزا بيننا وبين العدو فكان المتقى يجعل امتثال امر اللّه والاجتناب عما نهاه حاجزا بينه وبين العذاب. والتقوى فى عرف الشرع عبارة عن كمال التوقى عما يضره فى الآخرة وله ثلاث مراتب الاولى التوقى عن العذاب المخلد بالتبرى من الكفر وعليه قوله تعالى { والزمهم كلمة التقوى } والثانية التجنب عن كل ما يؤثم من فعل او ترك حتى الصغائر عند قوم وهو المتعارف بالتقوى فى الشرع وهو المعنى بقوله تعالى { ولو ان اهل القرى آمنوا واتقوا } والثالثة ان يتنزه عما يشغل سره عن الحق عز وجل ويتبتل اليه بكليته وهو التقوى الحقيقة المأمور بها فى قوله تعالى { يا ايها الذين آمنوا اتقوا اللّه حق تقاته } واقصى مراتب هذا النوع من التقوى ما انتهى اليه همم الانبياء عليهم السلام حيث جمعوا رياستى النبوة والولاية وما عاقهم التعلق بعالم الاشباح عن العروج الى عالم الارواح ولم تصدهم الملابسة بمصالح الخلق عن الاستغراق فى شؤن الحق لكمال استعداد نفسوهم الزكية المؤبدة بالقوة القدسية. وهداية الكتاب المبين شاملة لا رباب هذه المراتب اجمعين فهداية العام بالاسلام وهداية الخاص بالايقان والاحسان وهداية الاخص بكشف الحجب ومشاهدة العيان. وفى التأويلات النجمية المتقون هم الذين اوفوا بعهد اللّه من بعد ميثاقه ووصلوا به ما امر اللّه ان يوصل به من مأمورات الشرع ظاهرا وباطنا يدل على هذا قوله تعالى { واوفوا بعهدى اوف بعهدكم } الى قوله { واياى فاتقون } اى اذا انتم اقررتم بربوبيتى بقولكم بلى يوم الميثاق اوفوا بعهدى الذى عاهدتمونى عليه وهوالهداية الى. وفى الرسالة القشيرية والمتقى مثل ابن سيرين كان له اربعون حبسمنا فاخرج غلامه فأرة من حب فسأله من اى حب اخرجتها فقال لا ادرى فصبها كلها. ومثل ابى يزيد البسطامى اشترى بهمذان جانبا من حب القرطم فلما رجع الى بسطام رأى فيه نملتين فرجع الى همذان ووضع النملتين - وحكى - ان ابا حنيفة رحمه اللّه كان لا يجلس فى ظل شجرة غريمه ويقول فى الخبر ( كل قرض جر نفعها فهو ربا ) وقيل ان ابا يزيد غسل ثوبه فى الصحراء مع صاحب له فقال له نعلق الثوب فى جدار الكروم فقال لا نضرب الوتد فى جدار الناس فقال نعلقه فى الشجر فقال انه يكسر الاغصان فقال نبسطه على الارض فقال انه علف الدواب لا نستره عنها فولى ظهره حتى جف جانب ثم قلبه حتى جف الجانب الآخر. |
﴿ ٢ ﴾