٥

{ اولئك } الجملة فى محل الرفع ان جعل احد الموصلين مفصولا عن المتقين خبر له وكأنه لما قيل هدى للمتقين قيل ما بالهم خصوا بذلك اجيب بقوله الذين يؤمنون الى آخر الآيات والا فاستئناف لا محل لها فكأنه نتيجة الاحكام السابقة والصفات المتقدمة. واو لاء جمع لا واحد له من لفظه بنى على الكسر وكافه للخطاب كالكاف فى ذلك اى المذكورون قبله وهم المتقون الموصوفون بالايمان بالغيب وسائر الاوصاف المذكورة بعده وفيه دلالة على انهم متميزون بذلك اكمل تميز منتظمون بسببه فى سلك الامور المشاهدة وما فيه من معنى البعد للاشعار بعلو درجتهم وبعد منزلتهم فى الفضل وهو مبتدأ وقوله عز وجل

{ على هدى } خبره وما فيه من الابهام المفهوم من التنكير لكمال تفخيمة كأنه قيل على هدى اى هدى لا يبلغ كنهه ولا يقادر قدره كما تقول لو ابصرت فلانا لابصرت رجلا وايراد كلمة الاستعلاء بناء على تمثيل حالهم فى ملابستهم بالهدى بحال من يقبل الشئ ويستولى عليه بحيث يتصرف فيه كيفما يريد وذلك انما يحصل باستفراغ الفكر وادامة النظر فيما نصف من الحجج والمواظبة على محاسبة النفس فى العمل يعنى اكرمهم اللّه فى الدنيا حيث هداهم وبين لهم طريق الفلاح قبل الموت

{ من ربهم } متعلق بمحذوف وقع صفة له مبينة لفخامته الاضافية اثر بيان فخامته الذاتية مؤكدة لها اى على هدى كائن من عنده تعالى وهو شامل لجميع انواع هدايته تعالى وفنون توفيقه والتعرض لعنوان الربوبية مع الاضافة الى ضميرهم لغاية تفخيم الموصوف والمضاف اليهم وتشريفهما.

ثم هذه الآية ذكر الهدى للموصوفين بكل هذه الصفات وفى قوله

{ قولوا آمنا باللّه وما انزل الينا } الى قوله تعالى

{ فان آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا } ذكر لهم الهداية بالاقرار والاعتقاد بدون سائر الطاعات بيانا لشرف الايمان وجلال قدره وعلو امره فانه اذا قوى لم يبطله نفس المخالفات بل هو الذى يغلب فيرد الى التوبة بعد التمادى فى البطالات وكما هدى اليوم الى يهدى غدا الى الجنان فقد قال تعالى

{ ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم } وذلك ان المطيعين يسعى نورهم بين ايديهم وبايمانهم وهم على مراكب طاعاتهم والملائكة تتلقاهم قال تعالى

{ يوم نحشر المتقين الى الرحمن وفدا } وتتلقاهم الملائكة وتبقى العصاة منفردين منقطعين فى متاهات القيامة ليس لهم نور الطاعات ولافى حقهم استقبال الملائكة فلا يهتدون السبيل ولا يهديهم دليل فيقول اللّه لهم

{ عبادى ان اصحاب الجنة اليوم فى شغل فاكهون } ان اهل الجنة من حسن الثواب لا يتفرغون لكم واهل النار من شدة العقاب لا يرحمونكم معاشر المساكين سلام عليكم كيف انتم ان كان اشكالكم سبقوكم ولم يهدوكم فانا هاديكم ان عاملتكم بما تستوجبون فاين الكرم كذا فى التيسير : قال السعدى

نه يوسف كه جندان بلاديد وبند ... جوحكمش روان كشت وقدرش بلند

كنه عفو كرد آل يعقوبرا ... كه معنى بود صورت خوبرا

بكردار بد شان مقيد نكرد ... بضاعات مزجاتشان ردنكرد

زلطفت همى جشم داريم نيز ... برين بى بضاعت ببخش اى عزيز

بضاعت نياوردم الا اميد ... خدايا زعفوم مكن ن اميد

{ واولئك هم المفلحون } تكرير اولئك للدلالة على ان كل واحد من الحكمين مستبد فى تميزهم به عن غيرهم فكيف بهما وتوسط العطف بينهما تنبيه على تغايرهما فى الحقيقة وفائدة الفصل بين المبتدأ والخبر الدلالة على ان ما بعده خبر لا صفة وان المسند ثابت للمسند اليه دون غيره فصفة الفلاح مقصورة عليهم لا تتجاوز الى من عداهم من اليهود والنصارى ولا يلزم من هذا ان لا يكون للمتقين صفة اخرى غير الفلاح فالقصر قصر الصفة على الموصوف لا العكس حتى يلزم ذلك والمفلح الفائز بالبغية كانه الذى انفتحت له وجوه الظفر ولم تستغلق عليه والتركيب دال على معنى الشق والفتح والقطع ومنه سمى الزارع فلاحا لانه يشق الارض وفى المثل احديد بالحديد يفلح اى يقطع والمعنى هم الفائزون بالجنة والناجون من النار يوم القيامة والمقطوع لهم بالخير فى الدنيا والآخرة. وحاصل الفلاح يرجع الى ثلاثة اشياء.

احدها الظفر على النفس فلم يتابعوا هواها والدنيا فلم يطغوا بزخارفها والشيطان فلم يفتنوا بوساوسه وقرناء السوء فلم يبتلوا بمكروهاتهم.

والثانى النجاة من الكفر والضلالة والبدعة والجهالة وغرور النفس ووسوسة الشيطان وزوال الايمان وفقد الامان ووحشة القبور واهوال النشور وزالة الصراط وتسليط الزبانية الشداد الغلاظ وحرمان الجنان ونداء القطيعة والهجران.

والثالث البقاء فى الملك الابدى والنعيم السرمدى ووجدان ملك لا زوال له ونعيم لا انتقال له وسرور لا حزن معه وشباب لا هرم معه وراحة لا شدة معها وصحة لا علة معها ونيل نعيم لا حساب معه ولقاء لا حجاب له كذا فى تفسير التيسير. وقد تشبثت الوعيدية بالآية فى خلود الفساق من اهل القبلة فى العذاب ورد بان المراد بالمفلحين الكاملون فى الفلاح ويلزمه عدم كمال الفلاح لمن ليس على صفتهم لا عدم الفلاح لهم رأسا كما فى تفسير البضاوى قال الشيخ نجم الدين داية قدس سره ذكر هدى بالنكرة اى على كشف من كشوف ربهم ونور من انواره وسر من اسراره ولطف من ألطافه وحقيقة من حقائقه فان جميع ما انعم اللّه به على انبيائه واوليائه بالنسبة الى ما عنده من كمال ذاته وصفاته وانعامه واحسانه قطرة من بحر محيط لا يعتريه القصور من الانفاق ابدا كما قال النبى صلى اللّه عليه وسلم ( يمين اللّه ملأ لا ينقصها نفقة سخاء الليل والنهار ) وفيه اشارة لطيفة وهى انهم بذلك الهدى آمنوا بما انزل اليك وما انزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون واولئك هم المفلحون الذين تخلصوا من حجب الوجود بنور نار الصلاة وشاهدوا الآخرة وجذبتهم العناية بالهداية الى مقامات القربة وسرادقات العزة فما نزلوا بمنزل دون لقائه وما حطوا رحالهم الا بفنائه فازوا بالسعادة العظمى والمملكة الكبرى ونالوا الدرجة العلبا وحققوا قول الحق

{ وان الى ربك الرجعى } نتهى كلام الشخ فى تأويلاته : قال المولى جلال الدين قدس سره

كرهمى خواهى كه بفروزى جوروز ... هتئ همجون شب خودرا بسور

هستيت درهست آن هستى نواز ... همجومس در كيميا اندر كداز

﴿ ٥