٧ { ختم اللّه على قلوبهم } لما ذكر هؤلاء الكفار بصفاتهم وحالاتهم الحق به ذكر عقوباتهم فهو تعليل للحكم السابق وبيان ما يقتضيه. والختم الكتم سمى به الاستيثاق من الشئ بضرب الخاتم عليه لانه كتم له وبلوغ آخره ومنه ختم القرآن نظرا الى انه آخر فعل يفعل فى احرازه ولا ختم على الحقيقة وانما المراد به ان يحدث فى نفوسهم هيئة تمرنهم على استحباب الكفر والمعاصى واستقباح الايمان والطاعات بسبب غيهم وانهماكهم فى التقليد واعراضهم عن النظر الصحيح فتجعل قلوبهم بحيث لا يؤثر فيها الانذار ولا ينفذ فيها الحق اصلا وسمى هذه الهيئة على الاستعارة ختما وقد عبر عن احداث هذه الهيئة بالطبع فى قوله تعالى { اولئك الذين طبع اللّه على قلوبهم وسمعهم وابصارهم } وبالاغفال فى قوله { ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا } وبالاقساء فى قوله وجعلنا قلوبهم قاسية وهى من حيث ان الممكنات باسرها مسندة الى اللّه تعالى واقعة بقدرته اسندت اليه تعالى ومن حيث انها مسببة مما اقترفوه بدليل قوله تعالى { بل طبع اللّه عليها بكفرهم } وقوله ذلك { بانهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم } وردت الآية الكريمة ناعية عليهم شناعة صفتهم ووخامة عاقبتهم فالختم مجازاة لكفرهم واللّه تعالى قد يسر عليهم السبل فلو جاهدوا لوفقهم فسقط الاعتراض بانه اذا ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم فمنعهم عن الهدى فكيف يستحقون العقوبة. قال الشيخ فى تفسيره واسناد الختم الى اللّه للتنبيه على ان اباءهم عن قبول الحق كالشئ الخلق غير العرضى انتهى. وقال فى التيسير حاصل الختم عند اهل عقوبة من اللّه تعالى لا تمنع العبد من الايمان جبرا ولا تحمله على الكفر كرها بل هى زيادة عقوبة له على سوء اختياره وتماديه فى الكفر واصراره يحرم بها من اللطف الذي سهل به فعل الايمان وترك العصيان بدل عليه انهم بقوا مخاطبين بالايمان بقوله تعالى { آمنوا باللّه ورسوله } وملومين على الامتناع عنه لقوله تعالى { فما لهم لا يؤمنون } ولو صاروا مجبورين وعن الايمان عاجزين لزال الخطاب وسقط اللوم والعتاب كما فى الختم على الافواه يوم الحساب لما عجزوا به حقيقة عن الكلام لم يبق الخطاب بالكلام وتحقيق المذهب اثبات فعل العبد وتخليق اللّه تعالى. والقلوب جمع قلب وهو الفؤاد سمى قلبا لتقلبه فى الامور ولتصرفه فى الاعضاء. وفى تفسير الشيخ القلب قطعة لحمم مشكل بالشكل الصنوبرى معلق بالوتين مقلوبا والوتين عرق فى القلب الذى انقطع مات صاحبه ويقال له الابهر وفى تفسير الكواشى القلب قطعة سوداء فى الفؤاد وزعم بعضهم انه الشكل الصنوبرى المعلق بالوتين مقلوبا * وفى تعريفات السيد القلب لطيفة ربانية لها بهذا القلب الجسمانى الصنوبرى الشكل المودع فى الجانب الايسر من الصدر تعلق وتلك اللطيفة هى حقيقة الانسان : قال المولى الجامى نسيت اين بيكر مخروطى دل ... بلكه اين قفص طوطى دل كرتو طوطى زقفس نشناسى ... بخدا ناس نه نشناسى والمراد بالقلب فى الآية محل القوة العاقلة من الفؤاد وقد يطلق ويراد به المعرفة والعقل كما قال { ان فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب } { و } ختم اللّه { على سمعهم } اى على آذانهم فجعلها بحث تعاف استماع الحق ولا تصفى الى خير ولا تعيه ولا تقبله كأنها مستوثق منها بالختم عقوبة لهم على سوء اختيارهم وميلهم الى الباطل وايثارهم. والسمع هو ادراك القوة وهو المختوم عليه اصالة. وفى توحيد السمع وجوده. احدها انه فى الاصل مصدر والمصادر لا تجمع لصلاحيتها للواحد والاثنين والجماعة قال تعالى { انهم يكيدون كيدا واكيد كيدا } فان قالوا فلم جمع الابصار والواحد بصر وهو كالسمع قلنا انه اسم للعين فكان اسما لا مصدرا فجمع لذلك. والثانى ان فيه اضمارا اى على مواضع سمعهم وحواسه كما فى قوله تعالى { واسئل القرية } اى اهلها وثبت هذا الاضمار دلالة ان السمع فعل ولا يختم على الفعل وانما يختم على محله. والثالث انه اراد سمع كل واحد منهم والاضافة الى الجماعة تغنى عن الجماعة وفى التوحيد امن اللبس كما فى قوله كلو فى بعض بطنكم اى بطونكم اذا لبطن لا يشترك فيه. والرابع قول سيبويه دل على الانوار ذكر الظلمات وتقديم ختم قلوبهم للايذان بانها الاصل فى عدم الايمان وتقديم حال السمع على حال ابصارهم للاشتراك بينه وبين قلوبهم فى تلك الحال. قالوا السمع افضل من البصر لانه تعالى حيث ذكرهما قدم السمع على البصر ولان السمع شرط النبوة ولذلك ما بعث اللّه تعالى رسولا اصم ولان السمع وسيلة الى استكمال العقل بالمعارف التى تتلقف من اصحابها { وعلى ابصارهم } جمع بصر وهو ادراك العين وقد يطلق مجازا على القوة الباصرة وعلى العضوين وهو المراد ههنا لانه اشد مناسبة للتغطية { غشاوة } اى غطاء ولا تغشية على الحقيقة وانما المراد بها احداث حاله تجعل ابصارهم بسبب كفرهم لا تجتلى الآيات المنصوبة فى الانفس والآفاق كما تجتليها اعين المستبصرين وتصير كأنها غطى عليها وحيل بينها وبين الابصار ومعنى التنكير ان على ابصارهم ضربا من الغشاوة خارجا مما يتعارفه الناس وهى غشاوة التعامى عن الآيات. قوله غشاوة مبتدأ مؤخر خبره المقدم قوله وعلى ابصارهم ولما اشترك السمع والقلب فى الادراك من جميع الجوانب جعل ما يمنعهما من خاص فعلهما الختم الذى يمنع من جميع الجهات وادراك الابصار مما اختص بجهة المقابلة جعل المانع لها عن فعلها الغشاوة المختصة بتلك الجهة. قال فى التيسير انما ذكر فى الآية القلوب والسمع والابصار لان الخطاب كان باستعمال هذه الثلاثة فى الحق كما قال تعالى { أفلا تعقلون أفلا تبصرون أفلا تسمعون } { ولهم عذاب عظيم } اى عقوبة شديدة القوة ومنه العظم والعذاب كالنكال بناء ومعنى يقال اعذب عن الشئ اذا امسك عنه وسمى العذاب عذابا لانه يمنع عن الجناية اذا تأمل فيها العاقل ومنه الماء العذب لما انه يقمعالعطش ويردعه بخلاف الملح فانه يزيده ويدل عليه تسميتهم اياه نفاخا لانه ينقخ العطش اى يكسره وفراتا لانه يرفته على القلب يعنى الفرات وهو الماء العذب مأخوذ من الوفت وهو قلبه وقيل انما سمى به لانه جزاء ما استعذ به المرؤ بطبعه اى استطابه ولذلك قالوا فذوقوا عذابى وانما يذاق الطيب على معنى انه جزاء ما استطابه واستحلاه بهواه فى الدنيا * والعظيم نقيض الحقير والكبير نقيض الصغير فكان العظيم فوق الكبير كما ان الحقير دون الصغير. قال فى التيسير عظيم اى كبير او كثير او دائم وهو التعذيب بالنار ابدا ثم عظمه باهواله وبشدة احواله وكثرة سلاسله واغلاله فتكون هذه الآية وعيدا وبيانا لما يستحقونه فى الآخرة وقيل هو القتل والاسر فى الدنيا والتحريق بالنار فى العقبى ومعنى التوصيف بالعظيم انه اذا قيس سائر ما يجانسه قصر عنه جميعه ومعنى التنكير ان لهم من الآلام نوعا عظيما لا يعلم كنهه الا اللّه عز وجل. فعلى العاقل ان يجتنب عما يؤدى الى العذاب الاليم والعقاب العظيم وهو الاصرار على الذنوب والاكباب على اقتراف الخطيأت والعيوب. قيل فى سبب الحفظ من هذه العقوبة التى هى الختم على الكيس فلا يمنعه عن حق ووضع الختم على اللسان فلا يطلق فى باطل قال السعدى بكمراه كفتن نكو ميروى ... كناه بزركست وجور قوى مكو شهدشيرين شكر فايقست ... كسى كه سقمونيا لا يقست قال النبى صلى اللّه عليه وسلم ( ان هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد ) قيل وما جلاؤها قال ( تلاوة القرآن وكثرة ذكر اللّه وكثرة ذكر الموت ) وامهات الخطايا ثلاث الحرص والحسد والكبر فحصل من هؤلاء ست فصارت تسعا الشبع والنوم والراحة وحب المال وحب الجاه وحب الرياسة فحب المال والرياسة من اعظم ما يجر صاحبه الى الكفر والهلاك - حكى - ان ملكا شابا قال انى لا اجد فى الملك لذة فلا ادرى أكذلك يجدة الناس ام انا اجده فقالوا له كذلك يجده الناس قال فماذا يقيمه قالوا يقيمه لك ان تطيع اللّه فلا عصيه فدعا من كان فى بلده من العلماء والصلحاء فقال لهم كونوا بحضرتى ومجلسى فما رأيتم من طاعة اللّه فاثمرونى وما رأيتم من المعصية فازجرونى عنها ففعل ذلك فاستقام له الملك اربعمائة سنة ثم ان ابليس اتاه يوما على صورة رجل وقال له من انت قال الملك رجل من بنى آدم قال لوكانت من بنى آدم لمنت كما تموت بنوا آدم ولكنك اله فادع الناس الى عبادتك. دخل فى قلبه شئ ثم صعد المنبر فقال ايها الناس انى اخفيت عليكم امرا حان اظهار وهو انى ملككم منذ كذا سنة ولو كنت من بنى آدم لمت ولكنى اله فاعبدونى فاوحى اللّه الى نبى زمانه وقال اخبره انى استقمت له ما استقام لى فتحول من طاعتى الى معصيتى فبعزتى وجلالى لاسلطن عليه بخت نصر ولم يتحول عن ذلك فسلطه عليه فضرب عنقه وأوقر من خزينته سبعين سفينة من ذهب : قال المولى جلال الدين قدس سره جز عنايت كه كشايد جثم را ... جز محبت كه نشاند خشم را جهد بى توفيق خود كس را مباد ... در جهان واللّه اعلم بالرشاد وفى التأويلات النجمية فى الختم اشارة الى بداية سوابق احكام القدر بالسعادة والشقاوة على وفق الحكمة والارادة الازلية للخليقة كما قال تعالى { فمنهم شقى وسعيد } مع حسن استعداد جميعهم بقبول الايمان والكفر ولهذا لما خاطب الحق ذراتهم بخطاب الست بربكم قالوا بلى جميعا ثم اودع اللّه الذرات ف القلوب والقلوب فى الاجساد والاجساد فى الدنيا فى ظلمات ثلاث وكانت روزنة القلوب كلها مفتوحة الى عالم الغيب بواسطة الذرات المودعات التى سمعت خطاب الحق وشاهدت كمال الحق الى وقت ولادة كل انسان كما قال عليه السلام ( كل مولود يولد على فطرة الاسلام فابواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ) وفيه اشارة الى ان اللّه يكل الاشقياء الى تربية الوالدين فى معنى الدين حتى يلقونهم تقليد ما الفوا عليهم آباءهم من الضلالة فيضلوهم كما قال تعالى { انتم وآباؤكم فى ضلال مبين } فكانت تلك الشقاوة المقدرة مضمرة فى ضلالة التقليد والصفات النفسانية الظلمانية والهوى والطبيعة ثم جعل تأثيرها وظلمتها ورينها يندرج الى القلوب فيقسيها ويسودها ويغطيها ويسد روزنتها الى الذرات فيعميها وبصمها حتى لا يبصر اهل الشقاوة ببصر الذرات من الحق ما كانوا يبصرون ولا يسمع يسمع الذرات من الحق ما كانوا يسمعون فينكرون على الانبياء ويكفرون بهم وبما يدعونهم اليه فيختم اللّه شقاوتهم بكفرهم هذا ويطبع به على قلوبهم كقوله تعالى { بل طبع اللّه عليها بكفرهم } فسر القدر مستور لا يطلع عيله احد الا اللّه فيظهر آثار السعادة باقرار السعداء ويظهر آثار الشفاؤة بانكار الاشقياء وكفرهم من القدر كالبذر فى الارض مستور فتظهر الشجرة منه وهو فى الشجرة مستور فيخرج مع الاغصان من الشجرة وهو فى الاغصان مستور حتى يخرج مع الاغصان من الشجرة وهو فى الاغصان مستور حتى يخرج مع الثمرة من الاغصان وهو فى الثمرة مستور حتى يظهر من الثمرة فيختم ظهور البذر بالثمرة فكذلك سر القدر وهو بذر السعادة او الشقاوة مستور فى علم اللّه تعالى فتظهر شجرة وجود الانسان منه والسعادة والشقاوة مستورة فيها فتخرج مع اغصان الاخلاق وهى مستورة فيها فتخرج مع ثمرة الاعمال وهى الاقرار والنكار والايمان والكفر فيختم ظهور سر القدر وهو السعادة او الشقاوة بثمرة الايمان او الكفر فيظهر سر القدر عند الختم بالسعادة او الشقاوة فالذين { ختم اللّه على قلوبهم } انما ختم بخاتم كفرهم وان كان نقش خاتمهم هو الاحكام الازلية وسر القدر حتى حرموا من دولة الوصال وبه ختم { على سمعهم } حتى لم يسمعوا خطاب الملك ذى الجلال { وعلى ابصارهم غشاوة } من العمى والضلال فلم يشاهدوا ذلك الجمال والكمال فلهم حرمان مقيم { ولهم عذاب عظيم } لانهم منعوا من مرادهم وهو العلى العظيم فعظم العذاب يكون على قدر عظمة المراد الممنوع منه انتهى ما فى التأويلات. |
﴿ ٧ ﴾