١٥

{ اللّه يستهزئ بهم } اى يجازيهم على استهزائهم او يرجع وبال ألا ستهزاء عليهم فيكون كالمستهزئ بهم او ينزل بهم الحقارة والهوان الذى هو لازم الاستهزاء والغرض منه او يعاملهم معاملة المستهزئ بهم اما فى الدنيا فباجراء احكام المسلمين عليهم واستدراجهم بالامهال والزيادة فى النعمة على التمادى فى الطغيان

واما فى الآخرة فما يروى انه يفتح لهم باب الى الجنة وهم فى جهنم فيسرعون نحوه فاذا وصلوا اليه سند عليهم الباب وردوا الى جهنم والمؤمنون على الارائك فى الجنة ينظرو اليهم فيضحكون منهم كما ضحكوا من المؤمنين فى الدنيا فذلك بمقابلة هذا ويفعل بهم ذلك مرة بعد مرة

{ ويمدهم } اى يزيدهم ويقويهم من مد الجيش وأمده اذا زاده وقواه لا من المد فى العمر فانه يعدى باللام كأملى لهم ويدل عليه قراءة ابن كثير ويمدهم

{ فى طغيانهم } متعلق بيمدهم والطغيان مجاوزة الحد فى كل امر والمراد افراطهم فى العتو وغلوهم فى الكفر وفى اضافته اليهم ايذان باختصاصه بهم وتأييد لما اشير اليه من ترتب المد على سوء اختيارهم

{ يعمهون } اى يترددون فى الضلالة متحيرين عقوبة لهم فى الدنيا لاستهزائهم وهو حال من الضمير المنصوب او المجرور لكنون المضاف مصدرا فهو مرفوع حكما.

والعمه فى البصيرة كالعمى فى البصر وهو التحير والتردد بحيث لا يدرى اين يتوجه وفى الآيتين اشارات. الاولى فى قوله تعالى

{ انا معكم } وهى ان من رام ان يجمع بين طريق الارادة وما عليه اهل العادة لا يلتئم له ذلك والضدان لا يجتمعان ومن كان له من كل ناحية خليط ومن كل زاوية من قلبه ربيط كان نهبا للطوارق ومنقسما بين العلائق فهذا حال المنافق يذبذب بين ذلك وذلك يعنى ان المنافقين لما ارادوا ان يجمعوا بين غبرة الكفار وصحبة المسلمين وان يجمعوا بين مفاسد الكفر ومصالح الايمان وكان الجمع بين الضدين غير جائز فبقوا بين الباب والدار كقوله تعالى

{ مذبذبين بين ذلك لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء } وكذلك حال المتمنين الذي يدعون الارادة ولا يخرجون عن العادة ويريدون الجمع بين مقاصد الدارين يتمنون اعلى مراتب الدين ويرتعون فى اسفل مراتع الدنيا فلا يلتئم لهم ذلك قال عليه السلام ( ليس الدين بالتمنى ) وقال ( بعثت لرفع العادات ودفع الشهوات ) وقال ( الدنيا والآخرة ضرتان فمن يدع الجمع بينهما فممكور ومغرور )

فمن رام مع متابعة الهوى البلوغ الى الدرجات العلى فهو كالمستهزئ بطريق هذا الفريق فكم فىهذا البحر من امثاله غريق فاللّه تعالى يمهلهم فى طغيان النفس بالحرص على الدنيا حتى يتجاوزوا فى طلبها حد الاحتياج اليها ويمنح ابواب المقاصد الدنيوية عليهم ليستغنوا بها وبقدر الاستغناء يزيد طغيانهم كما قال اللّه تعالى

{ ان الانسان ليطغى ان رآه استغنى } فكان جزاء سيئة تلونهم فى الطلب الاستهزاء وجزاء سيئة الاستهزاء الخذلان والامهال الى ان طغوا وجزاء سيئة المؤمنين ومنزلتهم عند اللّه حيث ان اللّه هو الذى يتولى الاستهزاء بهم انتقاما للمؤمنين ولا يحوج المؤمنين الى ان يعارضوهم باستهزاء مثله فناب اللّه عنهم واستهزأ بهم الا بلغ الذى ليس استهزاؤهم عنده من باب الاستهزاء حيث ينزل بهم من النكال ويحل عليهم من الذل والهوان مالا يوصف به.

ودلت الآية على قبح الاستهزاء بالناس وقد قال

{ لا يسخر قوم من قوم } وقال فى قصة موسى عليه السلام

{ قالوا أتتخذنا هوزوا قال اعوذ باللّه ان اكون من الجاهلين } فاخبر انه فعل الجاهلين واذا كان الاستهزاء بالناس قبيحا فما جزاء الاستهزاء باللّه وهو فيما قال النبى صلى اللّه عليه وسلم ( المستغفر من الذنب وهو مصر كالمستهزئ بربه ) والاشارة الثالثة فى قوله تعالى

{ ويمدهم فى طغيانهم يعمهون } وهى ان العبد ينبغى له ان لا يغتر بطول العمر وامتداده ولا بكثربة امواله واولاده واللّه تعالى يقول فى اعدائه فى حق المعمر ويمدهم وفى حق المال والبنين يحسبون انما نمدهم به من مال وبنين وكان طول العمر لهم خذلانا وكثرة الاموال والاولاد لهم حرمانا ولهم فى مقابلة هذا المدمد قال اللّه تعالى

{ ونمد له من العذاب مدا } وقد جعل اللّه لعدوه فى الدنيا مالا ممدودا ولوليه فى الآخرة ظلا ممدودا وقال اللّه جل جلاله لمحمد صلى اللّه عليه وسلم ليلة المعراج ( ان من نعمتى على امتك انى قصرت اعمارهم كيلا تكثر ذنوبهم واقللت اموالهم كيلا يشتد فى القيامة حسابهم واخرت زمانهم كيلا يطول فى القبور حبسهم ) وروى ان اللّه تعالى قال لحبيبه ليلة المعراج ( يا احمد لا تتزين بلبن اللباس وطيب الطعام ولين الوطاء فان النفس مأوى كل شرو وهى رفيق سوء كلما تجرها الى طاعة تجرك الى معصية وتخالفك فى الطاعة وتطيع لك فى المعصية وتطغى اذا شبعت وتتكبر اذا استغنت وتنسى اذا ذكرت وتغفل اذا امنت وهى قرينة للشيطان ) كذا فى مشكاة الانوار.

﴿ ١٥