٣٠ { واذا } مفعول اذكر مقدرة اى اذكر لهم واخبر وقت { قال ربك } وتوجيه الامر بالذكر الى الوقت دون ما وقع فيه من الحوادث مع انها المقصودة بالذات للمباغلة فى اجاب ذكرها لما ان ايجاب ذكر الوقت ايجاب الذكر ما وقع فيه بالطريق اللبرهانى ولان الوقت مشتمل عليها فاذا استحضر كانت حاضرة بتفصيلها كانها مشاهدة عيانا { للملائكة } اللام للتبليغ وتقديم الجار والمجرور فى هذا الباب مطرد لما فى المقول من الطول غالبا مع ما فيه من الاهتمام بما قدم والتشويق الى ما اخر. والملائكة جمع ملك والتاء لتأكيد تأنيث الجماعة وسموا بها فانهم وسائط بين اللّه وبين الناس فهم رسله لان اصل ملك ملأك مقلوب مألك من الألوكة وهى الرسالة. والملائكة عند اكثر المسلمين اجسام لطيفة قادرة على التشكل باشكال مختلفة والدليل ان الرسل كانوا يرونهم كذلك. وروى فى شرح كثرتهم ان بنى آدم عشر الجن وهما عشر حيوانات البر والكل عشر الطيور والكل عشر حيوانات البحار وهؤلاء كلهم عشر ملائكة السماء الدنيا وكل هؤلاء عشر ملائكة السماء الثانية وهكذا الى السماء السابعة ثم كل اولئك فى مقابلة الكرسى نزر قليل ثم جمع هؤلاء عشر ملائكة سرادق واحد من سرادقات العرش التى عدددها ستمائة الف طول كل سرادق وعرضه وسمكه اذا قوبلت به السموات والارض وما فيهما وما بينهما لا يكون لها عنده قدر محسوس وما منه من مقدار شبر الا وفيه ملك ساجد او راكع او قائم لهم زجل بالتسبيح والتقديس ثم كل هؤلاء فى مقابلة الذين يحومون حول العرش كالقطرة فى البحر ثم ملائكة اللوح الذين هم اشياع اسرافيل عليه السلام والملائكة الذين هم جنود جبريل عليه السلام لا يحصى اجناسهم ولا مدة اعمارهم ولا كيفيات عباداتهم الا باريهم العليم الخبير على ما قال تعالى { وما يعلم جنود ربك الا هو } وروى انه صلى اللّه عليه وسلم حين عرج به الى السماء رأى ملائكة فى موضع بمنزلة شرف يمشى بعضهم تجاه بعض فسأل رسول اللّه جبريل عليهما السلام الى اين يذهبون فقال جبريل عليه السلم لا ادرى الا انى اراهم منذ خلقت ولا ارى واحدا منهم قد رأيته قبل ذلك ثم سألا واحدا منهم منذ كم خلقت فقال لا ادرى غير ان اللّه تعالى يخلق فى كل اربعة آلاف سنة كوكبا وقد خلق منذ ما خلقنى اربعمائة الف كوكب فسبحانه من اله ما اعظم قدره وما اوسع ملكوته واراد بهم الملائكة الذين كانوا فى الارض وذلك ان اللّه خلق السماء والارض وخلق الملائكة والجن فاسكن الملائكة السماء واسكن الجن الارض والجن هم بنوا الجان والجان ابو الجن كآدم ابو البشر وخلق اللّه الجان من لهب من نار الدخان لها بين السماء والارض والصواعق تنزل منها ثم لما سكنوا فيها كثر نسلهم وذلك قبل آدم بستين الف سنة فعمروا دهرا طويلا فى الارض مقدار سبعة آلاف سنة ثم ظهر فيهم الحسد والبغى فافسدوا وقتلوا فبعث اللّه اليهم ملائكة سماء الدنيا وامر عليهم ابليس وكان اسمه عزازيل وكان اكثرهم علما فهبطوا الى الارض حتى هزموا الجن واخرجوهم من الارض الىجزائر البحور وشعوب الجبال وسكنوا الارض وصار امر العبادة عليهم اخف لان كل صنف من الملائكة يكون ارفع فى السموات يكون خوفهم اشد وملائكة السماء الدنيا يكون امرهم ايس من الذين فوقهم واعطى اللّه ابليس ملك الارض وملك السماء الدنيا وخزانة الجنة وكان له جناحان من زمرد أخضر وكان يعبد اللّه تارة فى الارض وتارة فى السماء وتارة فى الجنة فدخله العجب فقال فى نفسه ما اعطانى اللّه هذا الملك الا لانى اكرم الملائكة عليه وايضا كل من اطمأن الى الدنيا امر بالتحول عنها فقال اللّه تعالى له ولجنوده { انى جاعل } اى صير { فى الارض } دون السماء لان التباغى والتظالم كان فى الارض { خليفة } وهو آدم عليه السلام لانه خلف الجن و. واعلم ان اللّه تعالى يحفظ العالم بالخليفة كما يحفظ الخزائن بالختم وهو القطب الذى لا يكون فى كل عصر الا واحدا فالبدء كان بآدم عليه السلام والختام يكون بعيسى عليه السلام والحكمة فى الاستخلاف قصور المستخلف عليه عن قبول فيضه وتلقى امره بغيروا واسطة لان المفيض تعالى فى غاية التنزه والتقدس والمستفيض منغمس غالبا فى العلائق الدنيئة كالاكل والشرب وغيرهما والعوائق الطبيعية كالاوصاف الذميمة فالاستفاضة منه انما تحصل بواسطة ذى جهتين اى ذى جهة التجرد وجه التعلق وهو الخليفة ايا كان ولذا يستنبئ اللّه ملكا فان البشر لا يقدر على الاستفادة منه لكونه خلاف جنسه ألا يرى ان العظم لما عجز عنه اخذ الغذاء من اللحم لما بينهما من التباعد جعل اللّه تعالى بحكمته بينهما الغضروف المناسب لهما ليأخذ من اللحم ويعطى العظم وجعل السلطان الوزير بينه وبين رعيته اذ هم اقرب الى قبولهم منه وجعل المستوقد الحطب اليابس بين النار وبين الحطب الرطب. وفائدة قوله تعالى { للملائكة انى جاعل فى الارض خليفة } اربعة امور. الاول تعليم المشاورة فى امورهم قبل ان يقدموا عليها وعرضها على ثقاتهم ونصحائهم وان كان هو بعلمه وحكمته البالغة غنيا عن المشاورة : قال في المثنوى مشورت ادراك وهشيارى دهد ... عقلها مر عقل را يارى دهد كفت بيغمبر بكن اى رأى زن ... مشورت كه المستشار مؤتمن ويقال اعقل الرجال لا يستغنى عن مشاورة اولى الالباب وأفره الدواب لا يستغنى عن السوط واورع النساء لا تستغنى عن الزوج. والثانى تعظيم شأن المجعول بان بشر بوجوده سكان ملكوته ولقبه بالخليفة قبل خلقه. والثالث اظهار فضله الراجح على ما فيه من المفاسد بسؤالهم وهو قوله { أتجعل } الخ وجوابه وهو قوله { انى اعلم ما لا تعلمون } الخ. والرابع بيان ان الحكمة تقتضى ما يغلب خيره فان ترك الخير الكثير لاجل الشر القليل شر كثير كقطع العضو الذي فيه آكلة شر قليل وسلامة جميع البدن خير كثير فلو لم يقطع ذلك العضو سرت تلك الآلفة الى جميع البدن وأدت الى الهلاك الذى هو شر كثير { قَالوا } استئناف كانه قيل فما ذا قالت الملائكة حينئذ فقيل قالوا { اتجعل فيها } اى الارض { من يفسد فيها } كما افسدت الجن وفائدة تكرار الظرف تأكيد الاستبعاد { ويسفك الدماء } اى يصبها ظلما كما يسفك بنو الجان والتعبير عن القتل بسفك الدماء لما انه اقبح انواع القتل قال بعض العارفين الملائكة الذين نازعوا فى آدم ليسوا من اهل الجبروت ولا من اهل الملكوت السماوية فانهم لغلبة النورية عليهم واحاطتهم بالمراتب يعرفون شرف الانسان الكامل ورتبته عند اللّه وان لم يعرفوا حقيقته كما هى بل نازعت ملائكة الارض والجن والشياطين الذين غلبت عليهم الظلمة والنشأة الموجبة للحجاب وفى قوله تعالى { انى جاعل فى الارض خليفة } بتخصيص الارض بالذكر وان كان خليفة فى العالم كله فى الحقيقة هو ايماء ايضا بان ملائكة الارض هم الطاعنون اذا الظن لا يصدر الا ممن هو فى معرض ذلك المنصب واهل السموات مدبرات للعالم العلوى فما قالت الملائكة الارضية الا بمقضتى نشأتهم التى هم عليها من غبطة منصب الخلافة فى الارض والغيرة على منصب ملكهم وتعبدهم بما هم عليه من التسبيح والتقديس فكل اناء يترشح بما فيه واما الاعتراض على فعل الحكيم والنزاع فى صنعه عند حضرته فمعفو عنه لكمال حكمته واتقان صنعته : قال فى المثنوى. زانكه اين دمها اكر نالا يقست ... رحمت من بر غضب هم سابقست ازبى اظهار اين سبق اى ملك ... درتو بنهم داعيه اشكال وشك تابكويى ونكير م بر تومن ... منكر حلمم نيارد دم زدن صد بدر صد مادر اندر حلم ما ... هر نفس زايد درافتد درفنا حلم ايشان كف بحر حلم ماست ... كف رود آيد ولى دريا بجاست وفى الفتوحات ان هاروت وماروت من الملائكة الذين نازعوا آدم ولاجل هذا ابتلاهما اللّه تعالى باظهار الفساد وسفك الدماء فافهم سر قوله عليه السلام ( دع الشماتة عن اخيك فيعافيه اللّه تعالى ويبتليك ) وايضا من تلك الملائكة الطاعنين بسفك الدماء الملائكة التى ارسلها اللّه تعالى نصرة للمجاهدين وسفك الدماء غيرة على دين اللّه وشرعه كذا فى حل الرموز وكشف الكنوز { ونحن } اى والحال انا { نسبح } اى ننزهك عن كل ما لا يليق بشأنك ملتبسين { بحمدك } على ما انعمت علينا من فنون النعم التى من جملتها توفيقنا لهذه العبادة فالتسبيح لاظهار صفات الجلال والحمد لتذكير صفات الانعام { ونقدس } تقديسا { لك } اى نصفك بما يليق بك من العلو والعزة وننزهك عما لا يليق بك فاللام للبيان كما فى سقيا لك متعلقة بمصدر محذوف ويجوز ان تكون مزيدة اى نقدسك. قال فى التيسير التسبيح نفى ما لا يليق به والتقديس اثبات ما يليق به. وقال الشيخ داود القيصرى قدس سره التسبيح اعم من التقديس لانه تنزيه الحق عن نقائص الامكان والحدوث والتقديس تنزيهه عنها وعن الكمالات اللازمة للاكوان لانها من حيث اضافتها الى الاكوان تخرج عن اطلاقها وتقع فى نقائص التقييد انتهى وكانه قيل أتستخلف من شأن ذريته الفساد مع وجود من ليس من شانه ذلك اصلا والمقصود عرض احقيتهم منهم بالخلافة والاستفسار عما رجح بنى آدم عليهم ما هو متوقع منهم من الفساد وكأنه قيل فماذا قال اللّه تعالى حينئذ فقيل { قال } اللّه { انى اعلم ما لا تعلمون } من الحكمة والمصلحة باستخلاف آدم عليه السلام وان من ذريته الطائع والعاصى فيظهر الفضل والعدل فلا تعترضوا على حكمى وتقديرى ولا تستكشفوا عن غيبة تدبيرى فليس كل مخلوق يطلع على غيب الخالق ولا كل احد من الرعية يقف على سر الملك * وفى الآية تنبيه للسالك بان يتأدب بين يدى الحق تعالى وخلفائه والمشايخ والعلماء لئلا يظهر بالانانية واظهار العلم عندهم لانه سالك لطريق الفناء والفانى لا يكون كطاووس تعشق بنفسه واعجب بذاته بل لا يرى وجوده اصلا فقد وعظنا اللّه تعالى بزجر للملائكة بقوله { إِنِّى أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } : قال السعدى. نرود مرغ سوى دانه فرز ... جون دكرمرغ بيند اندربند بند كير ازمصائب ديكران ... تانكيرند ديكران زتوبند وفى التأويلات النجمية { واذ قال ربك للملائكة انى جاعل فى الارض خليفة } انما قال جاعل وما قال خالق لمعنيين. احدهما ان الجاعلية اعم من الخالقية فان الجاعلية هى الخالقية وشئ آخر وهو ان يخلقه موصوفا بصفة الخلافة اذ ليس لكل احد هذا الاختصاص كما قال تعالى { يا داود انا جعلناك خليفة فى الارض } اى خلقناك مستعدا للخلافة فاعطيناكها. والثانى ان للجعلية اختصاصا بعالم الامور وهو للملوكت وهو ضد عالم الخلق لانه هو عالم الاجسام والمحسوسات كما قال تعالى { ألاله الخلق والامر } اى الملك والملكوت فانه تعالى حيث ذكر ما هو مخصوص بعالم الامر ذكره بالجعلية لامتياز الامر عن الخلق كما قال تعالى { الحمد للّه الذى خلق السموات والارض وجعل الظلمات والنور } فالمسوات والارض لما كانتا من الاجسام المحسوسات ذكرهما بالخلقية والنور من الملكوتيات لقوله تعالى { اللّه ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور } فيفيد انها من الملكوتيات لا من المحسوسات واما الظلمات والنور التى من المحسوسات فانها داخلة فى السموات والارض فافهم جدا فكذلك لما اخبر اللّه تعالى عن آدم بما يتعلق بجسمانيته ذكره بالخلقية كما قال { انى خالق بشرا من طين } ولما اخبر عما يتعلق بروحانيته ذكره بالجعلية وقال { انى جاعل فى الارض خليفة } وفى انى جاعل اشارة اخرى وهو اظهار عزة آدم عليه السلام على الملائكة لينظروا اليه بنظر التعظيم ولا ينكروا عليه بما يظهر منه ومن اولاده من اوصاف البشرية فانه تعالى يقول ولذلك خلقهم وسماه خليفة وما شرف شيأ من الموجودات بهذه الخلقة والكرامة وانما سمى خليفة المعنيين. احدهما انه يخلف عن جميع المخلوقات ولا يخلفه المكونات باسرها وذلك لان اللّه جمع فيه ما فى العوالم كلها من الروحانيات والجسمانية والسماويات والارضيات والدنيويات والاخرويات والجماديات والنباتيات والحيوانيات والملكوتيات فهو بالحقيقة خليفة كل واكرمه باختصاص كرامة ونخفت فيه من روحى وما اكرم بها احدا من العالمين واشار الى هذا المعنى بقوله تعالى { ولقد كرمنا بنى آدم } فلهذا الاختصاص ما صلح الموجودات كلها ان تكون خليفة لآدم ولا للحق تعالى. الثانى انه يخلف وينوب عن اللّه صورة ومعنى اما صورة فوجوده فى الظاهر يخلف عن وجود الحق فى الحقيقة لان وجود الانسان يدل على وجود موجده كالبناء يدل على وجود البانى ويخلف وحدانية الانسان عن وحدانية الحق وذاته عن ذاته وصفاته عن صفاته فيخلف حياته عن حياته وقدرته عن قدرته وارادته وسمعه عن سمعه وبصره عن بصره وكلامه عن كلامه وعلمه عن علمه ولا مكانية روحه عن لا مكانيته ولا جهتيه عن لا جهتيه فافهم ان شاء اللّه تعالى وليس لنوع من الملخوقات ان يخلف عنه كما يخلف آدم وان كان فيهم بعض هذه لانه لا يجتمع صفات الحق فى احد كما يجتمع فى الانسان ولا يتجلى صفة من صفاته لشئ كما يتجلى لمرآة قلب الانسان صفاته واما الحيوانات فانها وان كان لها بعض هذه الصفات ولكن ليس لها علم بوجود موجدها واما الملائكة فانهم وان كانوا عالمين بوجود موجدهم ولكن لا يبلغ حد علمهم الى ان يعرفوا انفسهم بجميع صفاتها ولا الحق بجميع صفاته ولذا قالوا { سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا } وكان الانسان مخصوصا بمعرفة نفسه بالخلافة وبمعرفة جميع اسماء اللّه تعالى واما معنى فليس فى العالم مصباح يستضئ بنار نور اللّه فيظهر انوار صفاته فى الارض خلافة عنه الامصباح الانسان فانه مستعد لقبول فيض نور اللّه لانه اعطى مصباح السر فى زجاجة القلب والزجاجة فى مشكاة الجسد وفى زجاجة القلب زيت الروح يكاد زيتها يضئ من صفات العقل ولو لم تمسسه نار النور وفى مصباح السر فتيلة الخفاء فاذا اراد اللّه ان يجعل فى الارض خليفة يتجلى بنور جماله لمصباح السر الانسانى فيهدى لنوره فتيلة خفا من يشاء فيستتر مصباحه بنار نور اللّه فهو على نور من ربه فيكون خليفة اللّه فى ارضه فيظهر انوار صفاته فى ذها العالم بالعدل والاحسان والرأفة والرحمة لمستحقيها وبالعزة والقهر والغضب والانتقام لمستحقيها كما قال تعالى ( يا داود انا جعلناك خليفة فى الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل اللّه ) وقال لحبيبه عليه السلام { بالمؤمنين رؤوف رحيم } وقال فى حقه وحق المؤمنين { محمد رسول اللّه والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم } ولم يظهر هذه الصفات لا على الحيوان ولا على الملك وناهيك بحال هاروت وماروت لما انكر على ذرية آدم من اتباع الهوى القتل والظلم والفساد وقالا لو كنا بدلا منهم خلفاء الارض ما كنا نفعل مثل ما يفعلون فاللّه تعالى انزلهما الى الارض والبسهما لباس البشرية وامرهما ان يحكما بين الناس بالحق ونهاهما عن الشرك والقتل بغير حق والزنى وشر الخمر. قال قتادة فما مر عليهما شهر حتى افتتنا فشربا الخمر وسفكا الدم وزنيا وقتلا وسجدا للصنم فثبت ان الانسان مخصوص بالخلافة وقبول فيضان نور اللّه فلو كان للملائكة هذه الخصوصية لما افتتنا بهذه الاوصاف المذمومة الحيوانية والسبعية كما كان الانبياء عليهم السلام معصومين من مثل هذه الآفات والاخلاق وان كانت لازمة لصفاتهم البشرية ولكن بنور التجلى تنور مصباح قلوبهم واستتار بنور قلوبهم جميع مشكاة جسدهم ظاهرا وباطنا واشرقت الارض بنور ربها فلم يبق لظلمات هذه الصفات مجال الظهور مع استعلاء النور فالاملائكة من بدو الامر لما نظروا الى الجسد آدم شاهدوا ظلمات البشرية والحيوانية والسبعية فى ملكوت الجسد بالنظر الملكوتى الملكى ولم تكن تلك الصفات غائبة عن نظرهم { قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء } فقولهم هذا يدل على معان مختلفة. منها ان اللّه انطقهم بهذا القول ليتحقق لنا ان هذه الصفات الذميمة فى طينتنا مودعة وجبلتنا مركبة فلأنأ من من مكر أنفسنا الأمارة بالسوء ولا تعتمد عليها ولا نبرئها كما قال تعالى حكاية عن قول يوسف عليه السلام { وما ابرئ نفى ان النفس لامارة بالسوء الا ما رحم ربى } ومنها لنعلم ان كل عمل صالح نعمله هو بتوفيق اللّه ايانا وفضله ورحمته وكل فساد وظلم تعمله هو من شؤم طبيعتنا وخاصية طينتنا كما قال تعالى { فما اصابك من حسنة فمن اللّه وما اصابك من سيئة فمن نفسك } وكل فساد وظلم لا يجرى علينا ولا يصدر منافذ لك من حفظ الحق وعصمة الرب لقوله { الا ما رحم ربى } ومنها لنعلم ان اللّه تعالى من كمال فضله وكرمه قد قبلنا بالعبودية والخلافة وقال من حسن عنايته فى حقنا للملائكة المقربين { انى اعلم ما لا تعلمون } لكيلا نقنط من رحمته وننقطع عن خدمته. ومنها لنعلم ان فساد الاستعداد امر عظيم وبناء جسيم ومبنى الخلافة على الاستعداد والقابلية وليس للملائكة هذا الاستعداد والقابلية فلا نتغافل عن هذه السعادة ونسعى فى طلبها حق السعاية. ومنها ان الملائكة انما قالوا { أتجعل فيها } الخ لانهم نظروا الى جسد آدم قبل نفخ الروح فشاهدوا بالنظر الملكى فى ملكوت جسده المخلوق من العناصر الاربعة المتضادة صفات البشرية والبهيمية والسبعية التى تتولد فى تركيب اضداد العناصر كما شاهدوها فى اجساد الحيوانات والسباع الضاريات بل عاينوها فانها خلقت قبل آدم فقاسوا عليها احواله بعد ان شاهدوها وحققوها وهذا لا يكون غيبا فى حقهم وانما يكون غيبا لنا لانا ننظر بالحس والملكوت يكون لاهل الحس غيبا ومنا من ينظر بالنظر الملكوتى فيشاهد الملائكة والملكوتيات بالنظر الروحانى كما قال تعالى { وكذلك نرى ابراهيم ملكوت السموات والارض } وقال { أو لم ينظروا فى ملكوت السموات والارض } فحينئذ لا يكون غيبا فالغيب ما غاب عنك وما شاهدته فهو شهادة فالملكوت للملائكة شهادة والحضرة الالهية لهم غيب وليس لهم الترقى الى تلك الحضرة وان فى الانسان صورة من عالم الشهادة والمحسوسة وروحا من عالم الغيب الملكوتى غير المحسوس وسرا مستعدا لقول فيض الانوار الالهية فبالتربية يترقى من عالم الشهادة الى عالم الغيب وهو الملكوت وبسر المتابعة وخصوصيتها يترقى من عالم الملكوت الى عالم الجبروت والعظموت وهو غيب الغيب ويشاهد بنور اللّه المستفاد من سر المتابعة انوار الجمال والجلال فيكون فى خلافة الحق عالما للغيب والشهادة كما ان اللّه تعالى { عالم الغيب فلا يظهر على غيبه } اى الغيب المخصوص به وهو غيب الغيب { احدا } يعنى من الملائكة { الا من ارتضى من رسول } يعنى من الانسان فهذا هو السر المكنون المركوز فى استعداد الانسان الذى كان اللّه يعلم منه والملائكة لا يعلمونه كما قال تعالى { انى اعلم ما لا تعلمون } * ومنها ان الملائكة لما نظروا الى كثرة طاعتهم واستعداد عصمتهم ونظروا الى نتائج الصفات النفسانية استعظموا انفسهم واستصغروا آدم وذريته فقالوا { أتجعل فيها } يعنى فى الارض { خليفة } مع انه { يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك } يعنى نحن لهذه الاوصاف احق بالخلافة منه كما قال بنو اسرائيل حين بعث اللّه لهم { طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن احق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال } فاجابهم اللّه تعالى بان استحقاق الملك ليس بالمال انما هو بالاصطفاء والبسطة فى العلم والجسم فقال { ان اللّه اصطفاه عليكم وزاده بسطة فى العلم والجسم واللّه يؤتى ملكه من يشاء } فكذلك هنا اجابهم اللّه تعالى بقوله { انى اعلم ما لا تعلمون } اجمالا ثم فصله بقوله { ان اللّه اصطفى آدم } وبقوله و |
﴿ ٣٠ ﴾