٥٣ { واذ آتينا } اعطينا { موسى الكتاب والفرقان } اى التوراة الجامعة بين كونها كتابا وحجة تفرق بين الحق والباطل كقولك لقيت الغيث والليث تريد الجامع بين الجود والجراءة فالمراد بالفرقان والكتاب واحد { لعلكم تهتدون } لكى تهتدوا بالتدبر فيه والعمل بما يحويه وهذا بيان الحكمة دون العلة اى الحكمة فى انزاله ان يتدبروا فيه فيعلموا ان اللّه تعالى لم يفعل ذلك به الا للدلالة على صحة نبوته فيجتهدوا بذلك فى اتباع الرشد واذا فعلتم ذلك آمنتم بمحمد لانه قد اتى من المعجزات بما يدلكم اذا تدبرتم على صحة دعواه النبوة روى ان بنى اسرائيل لما أمنوا من عدوهم باغراق اللّه آل فرعون ودخلوا مصر لم يكن لهم كتاب ولا شريعة ينتهون اليها فوعد اللّه موسى ان ينزل عليه التوراة فقال موسى لقومه انى ذاهب لميقات ربى آتيكم بكتاب فيه بيان ما تأتون وتذرون ووعدهم اربعين ليلة واستخلف عليهم اخاه هارون فلما اتى الوعد جاءه جبريل على فرس يقال له فرس الحياة لا يصيب شيأ الا حي ليذهب بموسى الى ربه فلما رآه السامرى وكان رجلا صائغا من اهل باجرمى واسمه ميحا ورأى مواضع الفرس تخضر من ذلك وكان منافقا اظهر الاسلام وكان من قوم يعبدون البقر فلما رأى جبريل على ذلك الفرس قال ان لهذا شأنا واخذ قبضة من تربة حافر فرس جبريل وقيل انه عرف جبريل لان امه حين خافت عليه ان يذبح سنة ذبح فرعون ابناء بنى اسرائيل خلفته فى غابة وكان جبريل يأتيه فيغذيه باصابعه فكان السامرى يمص من ابهام يمينه عسلا ومن ابهام شماله سمنا فلما ره حين عبر البحر عرفه فقبض قبضة من اثر فرسه فلم تزل القبضة فى يده حتى انطلق موسى الى الطور وكان السامرى سمعهم حين خرجوا من البحر واتوا على قوم يعكفون على اصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا الها كما لهم آلهة ووقع فى نفسه ان يفتنهم من هذا الوجه وكان بنوا اسرائيل استعاروا حليا كثيرة من قوم فرعون حين ارادوا الخروج من مصر بعلة عرس لهم فاهلك اللّه تعالى فرعون وبقيت تلك الحلى فى ايدى بنى اسرائيل فلما ذهب موسى الى المناجاة عد بنوا اسرائيل اليوم مع الليلة يومين فلما مضى عشرون يوما قالوا قد تم اربعون ولم يرجع موسى الينا فخالفنا فقال السامرى هاتوا الحلى التى استعرتموها او ان موسى امرهم ان يلقوها فى حفرة حتى يرجع ويفعل ما يرى فيها فلما اجتمعت الحلى صاغها السامرى عجلا فى ثلاثة ايام ثم ألقى فيها القبضة التى اخذها من تراب سنبك فرس جبريل فخرجت عجلا من ذهب مرصعا بالجواهر كأحسن ما يكون فصار جسدا له حوار اى صوت كصوت العجل وله لحم ودم وشعر وقيل دخل الريح فى جوفه من خلفه وخرج من فيه كهيئة الخوار فقال للقوم هذا الهكم وآله موسى فنسى اى اخطأ موسى الطريق وربه هنا وهو ذهب يطلبه فاقبلوا كلهم على عبادة العجل الا هارون مع انثى عشر الفا اتبعوا هارون ولم يتبعه غيرهم وهارون قد نصحهم ونهاهم وقال يا قوم يرجع الينا موسى وقيل كان موسى وعدهم ثلاثين ليلة ثم زيدت العشر وكانت فتنتهم فى تلك العشر فلما مضت الثلاثون ولم يرجع موسى وظنوا انه قد مات ورأوا العجل وسمعوا قول السامرى عكفوا على العجل يعبدونه قال ابو الليث فى تفسيره وهذا الطريق اصح فلما رجع موسى ووجدهم على ذلك القى الالواح فرفع من جملتها ستة اجزاء وبقى جزء واحد وهو الحلال والحرام وما يحتاجون واحرق العجل وذراه فى البحر فشربوا من مائه حبا للعجل فظهرت على شفاههم صفرة ورمت بطونهم فتابوا ولم تقبل توبتهم دون ان يقتلوا انفسهم هذه حالهم واما هذه الامة فلا يحتاجون الى قتل النفس فى الصورة وتوبتهم الحقيقية انما هى الرجوع الى اللّه بقتل النفس الامارة التى تعبد عجل الهوى : قال فى المثنوى اى شهان كشتيم ماخصم برون ... ماند خصمى زوبتر در اندرون كشتن اين كار عقل وهوش نيست ... شيرباطن سخره خركوش نيست نفس ازدرها ست اوكى مرده است ... ازغم بى آلتى افسرده است كربيابد آلت فرعون او ... كه بامر اوهمى رفت آب جو آنكه اوبنياد فرعونى كند ... راه صد موسى وصد هارون زند واعلم ان تعيين عدد الاربعين فى الميعاد لاختصاصه فى الكمالية وذلك لان مراتب الاعداد اربع الآحاد والعشرات والمآت والالوف والعشرة عدد فى نفسها كاملة كقوله تعالى { تلك عشرة كاملة } واذا ضعفت العشرة اربع مرات وهو كمال مراتب الاعداد تكون اربعين وهو كمال الكمال وهو اعداد ايام تخمير طينة آدم عليه السلام كقوله تعالى ( خمرت طينة آدم بيدى اربعين صباحا ) فللاربعين خاصية وتأثير لم توجد فى غيره من الاعداد كما قال صلى اللّه عليه وسلم ( ان خلق احدكم يجمع فى بطن امه اربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ) الحديث كما ان انعقاد الطلسم الجسمانى على وجه الكنز الروحانى كان مخصوصا بالاربعين كذلك انحلاله يكون باختصاص الاربعين سنة اللّه التى قد خلت من قبل ولن تجد لسنة اللّه تبديلا واما اختصاص الليل بالذكر فى قوله اربعين ليلة فلمعنيين احدهما ان لليل خصوصية في التعبد والتقرب كقوله عليه السلام ( ان اقرب ما يكون العبد من الرب فى جوف الليل ) وهكذا قوله عليه السلام ( ينزل اللّه كل ليلة الى السماء الدنيا ) الحديث ولهذا المعنى قال تعالى لنبيه صلى اللّه عليه وسلم { ومن الليل فتهجد به نافلة لك } الآية وقال تعالى { سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام } والآخر انه لو ذكر اليوم دون الليل يظن انه موعود بالتعبد فى النهار دون الليل وانما الليل جعل للاستراحة والسكون كقوله تعالى { هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا } فلما خص الليل بالذكر علم موسى عليه السلام ان التعبد فى الليل واليوم جميعا كذا فى التأويلات النجمية * قال الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره ان النبى عليه السلام لم يعين الاربعين بل اعتكف فى العشر الاخير نعم فعل موسى عليه الصلاة والسلام قال اللّه تعالى { وواعدنا موسى ثلثين ليلة واتممناها بعشر } والخلوتية أخذوا من ذلك كذا فى واقعات الشيخ الهدائى قدس اللّه نفسه الزاكية قال فى التأويلات النجمية ايضا الشكر على ثلاثة اوجه شكر بالاقوال وشكر بالاعمال وشكر بالاحوال فشكر الاقوال ان يتحدث بالنعم مع نفسه اسرارا ومع غيره اظهارا ومع ربه افتقارا كما قال تعالى { واما بنعمة ربك فحدث } وقوله صلى اللّه عليه وسلم ( التحدث بالنعم شكر ) وشكر الاعمال ان يصرف نعمة اللّه فى طاعته ولا يعصيه بها ويتدارك ما فاته من الطاعات وبادره من المعاصى كقوله تعالى { اعملوا آل داود شكرا } وشكر الاحوال ان يتجلى المنعم بصفة الشكورية على سر العبد فلا يرى الا المنعم فى النعمة والشكور فى الشكر ويرى المنعم فى النعم والنعمة من المنعم والشكور فى الشكر والشكر من الشكور ويرى وجوده وشكره نعمتين من نعم المنعم ورؤية المنعم والنعمة نعمة اخرى الى غير نهاية فيعلم ان لا يقوم باداء شكره ولا يشكره الا الشكور وَمن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ان اللّه غفور شكور |
﴿ ٥٣ ﴾