٧١ { قال } موسى { انه } تعالى { يقول انها بقرة لا ذلول } بمعنى غير ذلول ولم يقل ذلولة لان فعولا اذا كان وصفا لم تدخله الهاء كصبور { تثير الارض } اى تقلبها للزراعة وهى صفة ذلول كانه قيل لا ذلول مثيرة { ولا تسقى الحرث } اى ليست بسانية يسقى عليها بالسواقى ولا الاولى للنفى والثانية مزيدة لتوكيد الاولى لان المعنى لا ذلول تثير وتسقى على ان الفعلين صفتان لذلول كانه قيل لا ذلول مثيرة وساقية كذا فى الكشاف قال الامام ابو منصور رحمه اللّه دلت الآية على ان البقرة كانت ذكرا لان اثارة الارض وسقى الحرث من عمل الثيران واما الكنايات الراجعة اليها على التأنيث فللفظها كما فى قوله وقالت طائفة فالتاء للتوحيد لا للتأنيث خلاف لابى يوسف الا ان يكون اهل ذلك الزمان يحرثون بالانثى كما يحرث اهل هذا الزمان بالذكر { مسلمة } اى سلمها اللّه من العيوب او معفاة من العمل سلمها اهلها منه او مخلصة اللون من سلم له كذا اذا خلص له لم يشب صفرتها شىء من الالوان ويؤيده قوله تعالى { لا شية فيها } يخالف لون جلدها فهى صفراء كلها حتى قرنها وظلفها والاصل وشية كالعدة والصفة والزنة اصلها وعد ووصف ووزن واشتقاقها من وشى الثوب وهو استعمال الوان الغزل فى نسجه { قالوا } عند ما سمعوا هذه النعوت { لآن } اى هذا الوقت بنى لتضمنه معنى الاشارة { جئت بالحق } اى بحقيقة وصف البقرة وما بقى اشكال فى امرها { فذبحوها } الفاء فصيحة اى فحصلوا البقرة الجامعة لهذه الاوصاف كلها بان وجدوها مع الفتى فاشتروها بملئ مسكها ذهبا فذبحوها { وما كادوا } اى وما قربوا { يفعلون } والجملة حال من ضمير ذبحوا اى فذبحوها والحال انهم كانوا قبل ذلك بمعزل منه تلخيصه ذبحوها بعد توقف وبطئ قيل مضى من اول الامر الى الامتثال اربعون سنة فعلى العاقل ان يسارع الى الامتثال وترك التفحص عن حقيقة الحال فان قضية التوحيد تستدعى ذلك : قال فى المثنوى تاخيال دوست دراسرار ماست ... جاكرى وجان سبارى كار ماست وفى الحكم العطائية اخرج من اوصاف بشريتك عن كل وصف مناقض لعبوديتك لتكون لنداء الحق مجيبا ومن حضرته قريبا بالاستسلام لقهره وذلك يقتضى وجود الحفظ من اللّه تعالى حتى لا يلم العبد بمعصية وان ألم بها فلا تصدر منه واذا صدرت منه فلا يصر عليها اذ الحفظ الامتناع من الذنب مع جواز الوقوع فيه والعصمة الامتناع من الذنب مع استحالة الوقوع فيه فالعصمة للانبياء والحفظ للاولياء فقوله { الآن جئت بالحق } يدل على الرجوع من الهفوة وعدم الاصرار وهذا ايمان محض وفى التأويلات النجمية { ان اللّه يأمركم ان تذبحوا بقرة } اشارة الى ذبح بقرة النفس البهيمية فان فى ذبحها حياة القلب الروحانى وهذا هو الجهاد الاكبر الذى كان النبى عليه السلام يشير اليه بقوله ( رجعنا من الجهاد الاصغر الى الجهاد الاكبر ) وبقوله ( المجاهد من جاهد نفسه ) وقوله عليه السلام ( موتوا قبل ان تموتوا ) اشار الى هذا المعنى { قالوا أتتخذنا هزوا } اى أتستهزئ بنا فى ذبح النفس وليس هذا من شأن كل ذى همة سنية { قال اعوذ باللّه ان اكون من الجاهلين } الذين يظنون ان ذبح النفس امر هين ويستعدله كل تابع الهوى او عابد الدنيا { قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هى } اى يعين اى بقرة نفس تصلح للذبح بسيف الصدق فاشار الى بقرة نفس { لا فارض } فى سن الشيخوخة تعجز عن سلوك الطريق لضعف المشيب وخلل القوى النفسانية كما قال بعض المشايخ الصوفى بعد الاربعين فارض { ولا بكر } فى سن شرح الشباب فانه يستهويه سكره { عوان بين ذلك } اى عند كمال العقل قال تعالى { حتى اذا بلغ اشده وبلغ اربعينسنة } { فافعلوا ما تؤمرون } فانكم ان تقربتم الى اللّه بما امرتم فان اللّه يتقرب اليكم بما وعدتم { وانه لا يضيع اجر من احسن عملا } فى الشيب والشباب { قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها } يعنى ما لون بقرة نفس تصلح للذبح فى الجهاد { قال انه يقول انها بقرة صفراء } اشارة الى صفرة وجوه ارباب الرياضات وسيما اصحاب المجاهدات فى طلب المشاهدات { فاقع لونها } يعنى صفرة زين لا صفرة شين كما هى سيما الصالحين { تسر الناظرين } من نظر اليهم يشاهد فى غرتهم بهاء قد ألبس من اثر الطاعات ويطالع من طلعتهم آثار شواهد الغيب من خمود الشهوات حتى امن من احوال البشرية بوجدان آثار الربوية كقوله تعالى { سيماهم فى وجوههم من اثر السجود } { ان البقر تشابه علينا } اشارة الى كثرة تشبه البطالين بزى الطالبين وكسوتهم وهيئتهم { وانا انشاء اللّه لمهتدون } الى الصادق منهم فالاهتداء اليهم يتعلق بمشيئة اللّه وبدلالته كما كان حال موسى والخضر عليهما السلام فلو لم يدل اللّه موسى لما وجده وقوله { انها بقرة لا ذلول تثير الارض } اشارة الى نفس الطالب الصادق وهى التى لا تحمل الذلة تثير بآلة الحرص علو ارض الدنيا لطلب زخارفها وتتبع هوى النفس وشهواتها كما قال عليه الصلاة والسلام ( عز من قنع ذل من طمع ) وقال ( ليس للمؤمن ان يذل نفسه ) { ولا تسقى الحرث } اى حرث الدنيا بماء وجهه عند الخلق وبماء وجاهته عند الحق فيصرف فى حرث الدنيا فيذهب ماؤه عند الخلق وعند الحق لقوله تعالى { ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله فى الآخرة من نصيب } { مسلمة لا شية فيها } اى نفس مسلمة من آفات صفاتها مستسلمة لاحكام ربها ليس منها طلب غير اللّه ولا مقصد لها الا اللّه كما وصفهم اللّه تعالى بقوله { للفقراء الذين احصروا فى سبيل اللّه } الى قوله { الحافا } { فذبحوها وما كادوا يفعلون } يشير الى ان ذبح النفس ليس من الطبيعة الانسانية فمن ذبحها من الصادقين بسيف الصدق كان ذلك من فضل اللّه تعالى وحسن توفيقه فاما من حيث الطبيعة فما كادوا يفعلون |
﴿ ٧١ ﴾