٧٩ { فويل } كلمة يقولها كل واقع فى هلكة بمعنى الدعاء على النفس بالعذاب اى عقوبة عظيمة وهو مبتدأ خبره ما بعده قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( الويل واد فى جهنم يهوى فيه الكافر اربعين خريفا قبل ان يبلغ قعره ) وقال سعيد بن المسيب رضى اللّه تعالى عنه انه واد فى جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لماعت من شدة حره اى ذابت { للذين يكتبون الكتاب } المحرف { بايديهم } تأكيد لدفع توهم المجاز فقد يقول انسان كتبت الى فلان اذا امر غيره ان يكتب عنه اليه { ثم يقولون } لعوامهم { هذا } اى المحرف { من عند اللّه } فى التوراة روى ان احبار اليهود خافوا ذهاب مآكلهم وزوال رياستهم حين قدم النبى عليه السلام المدينة فاحتالوا فى تعويق اسافل اليهود عن الايمان فعمدوا الى صفة النبى عليه السلام فى التوراة وكانت هى فيها حسن الوجه جعد الشعر اكحل العين ربعة اى متوسط القامة فغيروها وكتبوا مكانه طوال ازرق سبط الشعر وهو خلاف الجعد فاذا سألهم سفلتهم عن ذلك قرأوا عليهم ما كتبوا فيجدونه مخالفا لصفته عليه السلام فيكذبونه { ليشتروا به } اى يأخذوا لانفسهم بمقابلة المحرف { ثمنا } هو ما اخذوه من الرشى بمقابلة ما فعلوا من التحريف والتأويل الزائغ وانما عبر عن المشترى الذى هو المقصود بالذات فى عقد المعاوضة بالثمن الذى هو وسيلة فيه ايذانا بتعكيسهم حيث جعلوا المقصود بالذات وسيلة والوسيلة مقصودة بالذات { قليلا } لا يعبأ به انما وصفه بالقلة اما لفنائه وعدم ثوابه واما لكونه حراما لان الحرام لا بركة فيه ولا يربو عند اللّه كذا فى تفسير القرطبى { فويل لهم } اى العقوبة العظيمة ثابتة لهم { مما كتب ايديهم } من اجل كتابتهم اياه { وويل لهم مما يكسبون } من اخذهم الرشوة وعملهم المعاصى واصل الكسب الفعل لجر نفع او دفع ضر ولهذا لا يوصف به سبحانه وفى الآيات اشارات الاولى ان علم الرجل ويقينه ومعرفته ومكالمته مع اللّه لا يفيده الايمان الحقيقى الا ان يتداركه اللّه بفضله ورحمته قال اللّه تعالى { ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته ما زكى منكم من احد ابدا } وان اللّه تعالى كلم ابليس وخاطبه بقوله { يا ابليس ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدى } وما افاده الايمان الحقيقيى اذا لم يكن مؤيدا من اللّه بفضله ورحمته ولم يبق على الايمان بعد العيان فكيف يؤمن بالبرهان : قال فى المثنوى جز عنايت كه كشايد جشم را ... جز محبت كه تشاند خشم را جهدبى توفيق خود كس را مباد ... درجهان واللّه اعلم بالسداد جهد فرعونى جوبى توفيق بود ... هرجه او مىدوخت آن تفتيق بود والثانية ان العالم المعاند والعامى المقلد سواء فى الضلال لان العالم عليه ان يعمل بعلمه وعلى العامى ان لا يرضى بالتقليد والظن وهو متمكن من العلم وان الدين ليس بالتمنى فالذين ركنوا الى التقليد المحض واغتروا بظنون فاسدة وتخمينات مبهمة فهم الذين لا نصيب لهم من كتبهم الا قراءتها دون معرفة معانيها وادراك اسرارها وحقائقها وهذا حال اكثر اهل زماننا من مدعى الاسلام فالمدعى والمتمنى عاقبتهما خسران وضلال وحسرة وندامة ووبال : وفى المثنوى تشنه را كر ذوق آيد از سراب ... جون رسد دروى كريزد جويد آب مفلسان كرخوش شوند اززرقلب ... ليك ان رسوا شود دردار ضرب والثالثة ان من بدل أو غير أو ابتدع فى دين اللّه ما ليس منه فهو داخل فى الوعيد المذكور وقد حذر رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم امته لما علم ما يكون فى آخر الزمان فقال ( ألا ان من قبلكم من اهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة وان هذه الامة ستفترق على ثلاث وسبعين كلها فى النار الا واحدة ) فحذرهم ان يحدثوا من تلقاء انفسهم فى الدين خلاف كتاب اللّه او سنته او سنة اصحابه فيضلوا به الناس وقد وقع ما حذره وشاع وكثر وذاع فانا للّه وانا اليه راجعون : قال السعدى نخواهى كه نفرين كنندازبست ... نكوباش تابد نكويد كست ته هر آدمى زاده ازددبهست ... كه ددز آدمى زاده بدبهست والرابعة ان بعض المتسمين بالصوفية ينضم الى الاولياء وارباب القلوب ظاهرا ثم لا يصدق الارادة ويميل الى اهل الغفلة ويصغى الى اقوالهم ويشتهى ارتكاب افعالهم وكلما دعته هواتف الحظوظ سارع الى الاجابة طوعا واذا قادته دواعى الحق تكلف كرها ليس له اخلاص فى الصحبة فى طريق الحق فويل لهم مما كتب ايديهم وويل لهم مما يكسبون من الالحاد عن الحق واعتقاد السوء واغراء الخلق واضلالهم فهم الذين ضلوا واضلوا كثيرا : وفى المثنوى صدهزاران دام ودانه است اى خدا ... ماجو مرغان حريض بى نوا دمبدم ما بتسه دام نويم ... هريكى كرباز وسميرغى شويم فعلى السالك ان يجتهد فى الوصول الى الموجود الحق ويتخلص من الموهوم المطلق ولا يغتر بظواهر الحالات غافلا عن بطون الاعتبارات فان طريق الحق ادق من كل دقيق وماء عميق وفج سحيق واجهل الناس من يترك يقين ما عنده من صفات نفسه التى لا شك فيها الظن ما عند الناس من صلاحية حاله قال حارث بن اسد المحاسبى رضى اللّه عنه الراضى بالمدح بالباطل كمن يهزؤ به ويقال ان العذرة التى تخرج من جوفك لها رائحة كرائحة المسك وهو يفرح ويرضى بالسخرية به فالعاقل لا يغتر بمثله بل يجتهد الى ان يصل الى الحقيقة فويل لواعظ تكبر وافتخر بتقبيل الناس يده ورأى نفسه خيرا من السامعين ويتقيد بالمدح والذم اللّهم الا ان يخرج ذلك من قلبه والمعيار مساواة المقبل واللاطم عنده بل رجحان اللاطم والضارب قال فى مجلس وعظه جنيد البغدادى لو لم اسمع قوله صلى اللّه عليه وسلم ( ان اللّه يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ) لما اجترات على الوعظ فانا ذلك الرجل الفاجر |
﴿ ٧٩ ﴾