٨٦

{ اولئك } الموصوفون بما ذكر من الاوصاف القبيحة

{ الذين اشتروا الحيوة الدنيا } واستبدلوها

{ بالآخرة } واعرضوا عنها مع تمكنهم من تحصيلها فان ما ذكر ما الكفر ببعض احكام الكتاب انما كان مراعاة لجانب حلفائهم لما يعود اليهم منهم من بعض المنافع الدينية والدنيوية

{ فلا يخفف عنهم العذاب } دنيويا كان او اخرويا

{ ولا هم ينصرون } يمنعون من العذاب بدفعه عنهم بشفاعة او جبر

اعلم ان الجمع بين تحصيل لذات الدنيا ولذات الآخرة ممتنع غير ممكن واللّه سبحانه مكن المكلف من تحصيل ايتهما شاء واراد فاذا اشتغل بتحصيل احديهما فقد فوت الاخرى على نفسه فجعل اللّه ما اعرض اليهود عنه من الايمان بما فى كتابهم وما حصل فى ايديهم من الكفر ولذات الدنيا كالبيع والشراء وذلك من اللّه نهاية الذم لهم لان المغبون فى البيع والشراء فى الدنيا مذموم فان يذم مشترى الدنيا بالآخرة اولى

فعلى العاقل ان يرغب فى تجارة الآخرة ولا يركن الى الدنيا ولا يسفك دمه بامتثال اوامر الشطيان فى استجلاب حظوظ النفس ولا يخرج من ديار دينه التى كان عليها فى اصل الفطرة فانه اذا يضل ويشقى وفى قوله

{ لا تسفكون دماءكم } اشارة اخرى الى ان العبد ولا يجوز له ان يقتل نفسه من جهد او بلاء يصيبه او يهيم فى الصحراء ولا يأتى البيوت جهلا فى ديانته وسفها فى حلمه فهو عام فى جميع ذلك

وقد روى ان بعض الصحابة رضى اللّه عنهم عزموا ان يلبسوا المسوح وان يهيموا فى الصحراء ولا يأووا الى البيوت ولا يأكلوا اللحم ولا يغشوا النساء فقال عليه السلام ( انى اصلى وانام واصوم وافطر واغشى النساء وآوى الى البيوت وآكل اللحم فمن رغب عن سنتى فليس منى ) فرجعوا عما عزموا قال تعالى

{ وآت كل ذى حق حقه } فالكمال فى التجاوز عن القيود والوصول الى عالم الشهود وعين العارف لا ترى غير اللّه فى المرايا والمظاهر فمن اى شىء يهرب والى اين يهرب فاينما تولوا فثم وجه اللّه ولذا قيل الذى يطلب العلم للّه اذا قيل له غدا تموت لا يضيع الكتاب من يده لكونه وفى الحقوق مشتغلا به للّه مخلصا له النية فلم ير افضل مما هو فيه فيحب ان يأتيه الموت على ذلك

واعلم ايضا ان الاسارى اصناف شتى فمن اسير فى قيد الهوى فانقاذه بالدلالة على الهدى ومن اسير فى قيد حب الدنيا فخلاصة باخلاص ذكر الموت : وفى المثنوى

ذكر حق كن بانك غولانرا بسوز ... جشم نركس را ازين كركس بدوز

ومن اسير بقى فى قيد الوسواس فقد استهوته الشياطين ففداؤه برشده الى اليقين بلوائح البراهين لينقذه من الشكوك والظنون والتخمين ويخرجه من ظلمات التقليد وما تعود بالتلقين ومن اسير تجده فى اسر هواجس نفسه ربيط زلاته ففك اسره فى ارشاده الى اقلاعها ومن اسير تجده فى قبضة الحق فليس لاسيرهم فداء ولا لقتيلهم وقود ولا لربيطهم خلاص ولا منهم بدل ولا معهم جدل ولا اليهم لغيرهم سبيل ولا لديهم الا بهم دليل ولا بهم فرار ولا معهم قرار فهذا مقام الاولياء الكمل فمن اتخذ هذه الطريقة سبيلا نال مراده ووصل الى مقام فؤاده وتخلص من الخزى الذى هو عمى القلب عن مشاهدة الحق والعمه فى تيه الباطل فى الدنيا والآخرة : قال فى المثنوى

اصل صد يوسف جمال ذوالجلال ... اى كم اززن شو فداى آن جمال

اصل بيند ديده جون اكمل بود ... فرع بيند جونكه مرداحول بود

سرمه توحيد از كحال حال ... يافته رسته زعلت واعتلال

ولا بد من العشق فى طريق الحق وحكى ان عجوزا احضرت السوق قطعة غزل وقالت اكتبونى من مشترى يوسف حتى يوجد اسمى فى دفتر العشاق اللّهم لا تحجبنا عن جمالك وعنك واجعلنا من الفائزين بنوال وصالك منك

﴿ ٨٦