٩٠

{ بئسما } ما نكرة منصوبة مفسرة لفاعل بئس اى بئس شيأ

{ اشتروا } صفة واشترى بمعنى باع وابتاع والمراد هنا الاول

{ به } اى بذلك الشىء

{ انفسهم } المراد الايمان وانما وضع الانفس موضع الايمان ايذانا بانها انما خلقت للعلم والعمل به المعبر عنه بالايمان ولما بدلوا الايمان بالكفر كانوا كأنهم بدلوا الانفس به والمخصوص بالذم قوله تعالى

{ ان يكفروا بما انزل اللّه } اى بالكتاب المصدق لما معهم بعد الوقوف على حقيقته

{ بغيا } علة لان يكفروا اى حسدا وطلبا لما ليس لهم كما ان الحاسد يطلب ما ليس له لنفسه مما للمحسود من جاه او منزلة او خصلة حميدة والباغى هو الظالم الذى يفعل ذلك عن حسده والمعنى بئس شيأ باعوا به ايمانهم كفرهم المعلل بالبغى الكائن لاجل

{ ان ينزل اللّه } او حسدا على ان فان الحسد يستعمل بعلى

{ من فضله } الذى هو الوحى

{ على من يشاء } اى يشاؤه ويصطفيه

{ من عباده } المستأهلين لتحمل اعباء الرسالة والمراد ههنا محمد صلى اللّه عليه وسلم كانت اليهود يعتقدون نبى آخر الزمان ويتمنون خروجه وهم يظنون انه من ولد اسحق فلما ظهر انه من ولد اسماعيل حسدوه وكرهوا ان يخرج الامر من بنى اسرائيل فيكون لغيرهم

{ فباؤا } اى رجعوا ملتبسين

{ بغضب } كائن

{ على غضب } اى صاروا مستحقين لغضب مترادف ولعنة اثر لعنة حسبما اقترفوا من كفر على كفر فانهم كفروا بنبى الحق وبغوا عليه

{ وللكافرين } اى لهم والاظهار فى موضع الاضمار للاشعار بعلية كفرهم لما حاق بهم

{ عذاب مهين } يراد به اهانتهم واذلالهم لما ان كفرهم بما انزل اللّه كان مبنيا على الحسد المبنى على طمع النزول عليهم وادعاء الفضل على الناس والاستهانة بمن انزل اللّه عليه صلى اللّه عليه وسلم ودل ان عذاب المؤمنين تأديب وتطهير وعذاب الكفار اهانة وتشديد وان المراتب الدنيوية والاخروية كلها من فيض اللّه تعالى وفضله فليس لاحد ان يعترض عليه ويحسده على الالطاف الآلهية فان الكمالات مثل النبوة والولاية ليست من الامور الاكتسابية التى يصل اليها العبد بجهد كثير وكمال اهتمام اما النبوة اى البعثة فاختصاص آلهى حاصل لعينه الثابتة من التجلى الموجب للاعيان فى العلم وهو الفيض الاقدس

واما الولاية فهو ايضا اختصاص آلهى غير كسبى بل جميع المقامات كذلك اختصاصية عطائية غير كسبية حاصلة للعين الثابتة من الفيض الاقدس وظهوره بالتدريج بحصول شرائطه واسبابه يوهم المحجوب فيطن انه كسبى بالتعمل وليس كذلك فى الحقيقة فلا معنى للحسد لكن الجاهلين بحقيقة الحال يطيلون ألسنتهم بالقيل والقال ولا ضير فانه رفع لدرجات العبد واقتضت سنة اللّه ان يشفع اهل الجمال باهل الجلال ليظهر الكمال : قال الحافظ

درين جمن كل بيخار نجيد آرى ... جراغ مصطفوى باشرار بولهبيست

وحكى ان المولى جلال الدين لما فقد الشمس التبريزى طاف البلاد بالحرارة فى طلبه فمر يوما امام حانوت ذهبى للشيخ صلاح الدين زركوب فقال له تعالى يا مولانا فدخل فى حانوته فقال لاى شىء تجزع وتدور قال الفلك اذا فقد شمسه يدور لاجله ليتخلص من ظلمه الفراق فقال الشيخ انا شمسك قال مولانا من اين اعرف انك شمسى فاخبره عن المراتب التى اوصله اليها الشيخ شمس الدين فقبل يده واعتذر فقال كان شمى ارانى اولا بطانته فالآن ارانى وجهه فاشتغل عنده فوصل الى ما وصل ثم لما سمعه بعض اتباع مولانا ارادوا قتله وحسدوا عليه فارسل اليهم مولانا ابنه سلطان ولد فقال الشيخ ان اللّه تعالى اعطانى قدرة على قلب السماء الى الارض فلو اردت لاهلكتهم بقدرة اللّه لكن الاولى ان نتحمل وندعو لاصلاح حالهم فدعا الشيخ فأمن سلطان ولد فلانت قلوبهم واستغفروا : قال فى المثنوى

جون كنى بربى حسد مكر وحسد ... زان حسد دل را سياهيها رسد

خاك شو مردان حق را زير با ... خاك برسر كن حسدرا همجوما

وهكذا احوال الانبياء والاولياء ألا يرى الى قوله عليه الصلاة والسلام ( اللّهم اهد قومى فانهم لا يعلمون ) وكان الاصحاب رضى اللّه عنهم يبكون دما من اخلاق النفس ولا يزالون يسألون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عما به يتخلصون من الاوصاف الذميمة ويتطهرون ظاهرا وباطنا طلبا للنجاة من العذاب المهين واشده الفراق

﴿ ٩٠