١١٩ { انا ارسلناك } حال كونك ملتبسا { بالحق } مؤيدا به والمراد الحجج والآيات وسميت به لتأديتها الى الحق { بشيرا } حال كونك مبشرا لمن تبعك بما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب احد { ونذيرا } اى منذرا ومخوفا لمن كفر بك وعصاك والمعنى ان شأنك بعد اظهار صدقك فى دعوى الرسالة بالدلائل والمعجزات ليس الا الدعوة والابلاغ بالتبشير والانذار لا ان تجبرهم على القبول والايمان فلا عليك ان أصروا على الكفر والعناد فان الاحوال اوصاف لذى الحال والاوصاف مقيدة للموصوف { ولا تسئل عن اصحاب الجحيم } ما لهم لم يؤمنوا بعد ان بلغت والجحيم المكان الشديد الحر وقرئ ولا تسأل فتح التاء وجزم اللام على انه نهى لرسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم عن السؤال عن حال ابويه على ما روى انه عليه السلام قال ( ليت شعرى ما فعل ابواى ) اى ما فعل بهما والى اى حال انتهى امرهما فنزلت واعلم ان السلف اختلفوا فى ان ابوى النبى صلى اللّه عليه وسلم هل ماتا على الكفر او لا ذهب الى الثانى جماعة متمسكين بالادلة على طهارة نسبه عليه الصلاة والسلام من دنس الشرك وشين الكفر وعبادة قريش صما وان كانت مشهورة بين الناس لكن الصواب خلافه لقول ابراهيم عليه السلام { واجنبني وبنى ان نعبد الاصنام } وقوله تعالى فى حق ابراهيم { وجعلها كلمة باقية فى عقبه } وذهب الى الاول جمع منهم صاحب التيسير حيث قال ولما امر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بتبشير المؤمنين وانذار الكافرين كان يذكر عقوبات الكفار فقام رجل فقال يا رسول اللّه اين والدى فقال فى النار فحزن الرجل فقال عليه السلام ( ان والديك ووالدى ووالدى ابراهيم فى النار ) فنزل قوله تعالى { ولا تسئل عن اصحاب الجحيم } فلم يسألوه شيأ بعد ذلك وهو كقوله { لا تسألوه عن اشياء ان تبد لكم تسؤكم } وذهب نفر من هذا الجمع بنجاتهما من النار منهم الامام القرطبى حيث قال فى التذكرة ان عائشة رضى اللّه عنها قالت حج بنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حجة الوداع فمر على عقبة الحجون وهو باك حزين مغتم فبكيت لبكاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم انه ظفر فنزل فقال ( يا حميراء استمسكى ) اى زمام الناقة فاستندت الى جنب البعير فمكث عنى طويلا ثم انه عاد الى وهو فرح متبسم فقلت له بأبى انت وامى يا رسول اللّه نزلت من عندى وانت باك حزين مغتم فبكيت لبكائك يا رسول اللّه ثم انك عدت الى وانت فرح متبسم فعماذا يا رسول اللّه فقال ( ذهبت لقبر آمنة امى فسألت اللّه ربى ان يحييها فاحياها فآمنت ) وروى ان اللّه احيى له اباه وامه وعمه ابا طالب وجده عبد المطلب قال الحافظ شمس الدين الدمشقى حبا اللّه النبى مزيد فضل ... على فضل وكان به رؤفا فاحيى امه وكذا اباه ... لايمان به فضلا لطيفا فسلم فالقديم به قدير ... وان كان الحديث به ضعيفا وفى الاشباه والنظائر من مات على الكفر ابيح لعنه الا والدى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لثبوت ان اللّه تعالى احياهما له حتى آمنا كذا فى مناقب الكردرى * وذكر ان النبى عليه السلام بكى يوما بكاء شديدا عند قبر ابويه وغرس شجرة يابسة وقال ( ان خضرت فهو علامة امكان ايمانهما ) فاخضرت ثم خرجا من قبرهما ببركة دعاء النبى صلى اللّه عليه وسلم واسلما ثم ارتحلا قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره ومما يدل على ذلك ان اسم ابيه كان عبد اللّه واللّه من الاعلام المختصة بذاته تعالى لم يسم به صنم فى الجاهلية فان اسم بعض اصنامهم اللات وبعضها العزى انتهى كلامه وليس احياهما وايمانهما به ممتنعا عقلا ولا شرعا وقد ورد فى الكتاب احياء قتيل بنى اسرائيل واخباره بقاتله وكان عيسى عليه السلام يحيى الموتى وكذلك نبينا عليه السلام احيى اللّه على يديه جماعة من الموتى واذا ثبت هذا فما يمنع من ايمانهما بعد احيائهما زيادة فى كرامته وفضيلته وما روى من انه عليه السلام زار قبر امه فبكى وابكى من حوله فقال ( استأذنت فى ان استغفر لها فلم يؤذن لى واستأذنت فى ان ازور قبرها فاذن لى فزوروا القبور فانها تذكركم الموت ) فهو متقدم على احيائهما لانه كان فى حجة الوداع ولم يزل عليه السلام راقبا فى المقامات السنية صاعدا فى الدركات العلية صاعدا فى الدرجات العلية الى ان قبض اللّه روحه الطاهرة فمن الجائز ان تكون هذه درجة حصلت له عليه السلام بعد ان لم تكن فان قلت الايمان لا يقبل عند المعاينة فكيف بعد الاعادة قلت الايمان عند المعاينة ايمان يأس فلا يقبل بخلاف الايمان بعد الاعادة وقد دل على هذا { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه } وورد ان اصحاب الكهف يبعثون فىآخر الزمان ويحجون ويكونون من هذه الامة تشريفا لهم بذلك وورد مرفوعا ( اصحاب الكهف اعوان المهدى فقد اعتد بما يفعله اصحاب الكهف بعد احيائهم من الموت ) ولابدع ان يكون اللّه تعالى كتب لابوى النبى عمرا ثم قبضهما قبل استيفائه ثم اعادهما لاستيفائه تلك اللحظة الباقية وآمنا فيها فيعتد به وتكون تلك البقية بالمدة الفاصلة بينهما لاستدراك الايمان من جملة ما اكرم اللّه تعالى به نبيه صلى اللّه عليه وسلم كما ان تأخير اصحاب الكهف هذه المدة من جملة ما اكرموا به ليجوزوا شرف الدخول فى هذه الامة وذهب خاتمة الحافظ والمحدثين الامام السخاوى فى هذه المسئلة الى التوقف حيث قال فى المقاصد الحسنة بعدما اورد الشعر المذكور للحافظ الدمشقى وقد كتبت فيه جزأ والذي اراه الكف عن التعرض لهذا اثباتا ونفيا انتهى وسئل القاضى ابو بكر ابن العربى احد الائمة المالكية عن رجل قال ان آباء النبى عليه السلام فى النار فأجاب بانه ملعون لان اللّه تعالى يقول { ان الذين يؤذون اللّه ورسوله لعنهم اللّه فى الدنيا والآخرة } وفى الحديث ( لا تؤذوا الاحياء بسبب الاموات ) وسئل الامام الرستغفى عن قول بعض الناس ان آدم عليه السلام لما بدت منه تلك الزلة اسود منه جميع جسده فلما هبط الى الارض امر بالصيام والصلاة فصام وصلى فابيض جسده أيصح هذا القول قال لا يجوز فى الجملة القول فى الانبياء عليهم السلام بشئ يؤدى الى العيب والنقصان فيهم وقد امرنا بحفظ اللسان عنهم لان مرتبتهم ارفع وهم على اللّه اكرم وقد قال عليه السلام ( اذا ذكرت اصحابى فأمسكوا ) فلما امرنا ان لا نذكر الصحابة رضى اللّه عنهم بشئ يرجع الى العيب والنقص فلأن نمسك ونكف عن الانبياء اولى واحق فحق المسلم ان يمسك لسانه عما يخل بشرف نسب نبينا عليه السلام ليست من الاعتقاديات فلا حظ للقلب منها واما اللسان فحقه ان يصان عما يتبادر منه النقصان خصوصا الى وهم العامة لانهم لا يقدرون على دفعه وتداركه فهذا هو البيان الشافى فى هذا الباب بطرقه المختلفة التقطته من الكتب النفيسة وقرنت كل نظير الى مثله والحمد للّه تعالى وحده |
﴿ ١١٩ ﴾