١٢٦

{ واذ قال ابراهيم } اى واذكر يا محمد اذ دعا ابراهيم فقال يا

{ رب اجعل هذا } المكان وهو الحرم

{ بلدا آمنا } ذا امن يأمن فيه اهله من القحط والجدب والخسف والمسخ والزلازل والجنون والجذام والبرص ونحو ذلك من المثلات التى تحل بالبلاد فهو من باب النسب اى بلدا منسوبا الى الامن كلابن وتامر فانهما لنسبة موصوفهما الى مأخوذهما كأنه قيل لبنىّ وتمرىّ فالاسناد حقيقى او المعنى بلدا آمنا اهله فيكون من قبيل الاسناد المجازى لان الامن الذى هو صفة لاهل البلد حقيقة قد اسند الى مكانهم للملابسة بينهما وكان هذا الدعاء فى اول ما قدم ابراهيم عليه السلام مكة لانه لاما اسكن اسماعيل وهاجر هناك وعاد متوجها الى الشام تبعته هاجر فجعلت تقول الى من تكلنا فى هذا البلقع اى المكان الخالى من الماء والنبات وهو لا يرد عليها جوابا حتى قالت اللّه امرك بهذا فقال نعم قالت اذا لا يضيعنا فرضيت ومضى حتى اذا استوى على ثنية كداء اقبل على الوادى فقال

{ رب انى اسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع } الى آخر الآية

{ وارزق اهله من الثمرات } جمع ثمرة وهى المأكولات مما يخرج من الارض والشجر فهو سؤال الطعام والفواكه

وقيل هى الفواكه وانما خص هذا بالسؤال لان الطعام المعهود مما يكون فى كل موضع

واما الفواكه فقد تندر فسأل لاهله الامن والسعة مما يطيب العيش ويدوم فاستجاب له فى ذلك لما روى انه لما دعا هذا الدعاء امر اللّه جبريل بنقل قرية من قرى فلسطين كثيرة الثمار اليها فاتى فقلعها وجاء بها وطاف بها حول البيت سبعا ثم وضعها على ثلاث مراحل من مكة وهى الطائف ولذلك سميت به ومنها اكثر ثمرات مكة ويجئ اليه ايضا من الاقطار الشاسعة حتى انه يجتمع فيه الفواكه الربيعية والصيفية والخريفية فى يوم واحد

{ من آمن منهم باللّه واليوم الآخر } بدل من اهله والمعنى وارزق المؤمنين خاصة

{ قال } اللّه تعالى

{ ومن كفر } معطوف على محذوف اى ارزق من آمن ومن كفر قاس ابراهيم عليه الصلاة والسلام الرزق على الامامة حيث سأل الرزق لاجل المؤمنين خاصة كما خص اللّه تعالى الامامة بهم فى قوله تعالى

{ ا ينال عهدى الظالمين } فلما رد سؤاله الامامة فى حق ذريته على الاطلاق حسب ان يرد سؤاله الرزق فى حق اهل مكة على الاطلاق فلذلك قيد بالايمان تأدبا بالسؤال الاول فنبه سبحانه على ان الرزق رحمة دنيوية تعم المؤمن والكافر بخلاف الامامة والتقدم

{ فامتعه } اى امد له ليتناول من لذات الدنيا اثباتا للحجة عليه

{ قليلا } اى تمتيعا قليلا فان الدنيا بكليتها قليلة وما يتمتع الكافر به منها قليل من القليل فان نعتمه تعالى فى الدنيا وان كانت كثيرة باضافة بعضها الى بعض فانها قليلة باضافتها الى نعمة الآخرة وكيف لا يقل ما يتناهى بالاضافة الى ما لا يتناهى فقليلا صفة مصدر محذوف ويجوز ان يكون صفة ظرف محذوف اى امتعه زمانا قليلا وهو مدة حياته

{ ثم اضطره الى عذاب النار } الاضطرار فى اللغة حمل الانسان على ما يضره وهو فى المتعارف حمل الانسان بكفره على ان يفعل ما اكره عليه باختياره ترجيحا لكونه اهون منه فلا يكون اضطرارهم الى عذاب النار مستعملا فى معناه العرفى فهو مستعار للزهم والصاقهم به بحيث يتعذر عليهم التخلص منه كما قال تعالى

{ يوم يسحبون فى النار على وجوههم } فانه صريح فى ان لا مدخل لهم فى لحوق عذاب الآخرة بهم ولا اختيار الا انهم سموا مضطرين اليه مختارين اياه على كره تشبيها لهم بالمضطر الذى لا يملك الامتناع عما اضطر اليه فالمعنى الزه اليه لز المضطر لكفره وتضييعه ما متعته به من النعم بحيث لا يمكنه الامتناع منه

{ وبئس المصير } المخصوص بالذم محذوف اى بئس المرجع الذى يرجع اليه للاقامة فيه النار او عذابها فللعبد فى هذه الدنيا الفانية الامهال اياما دون الاهمال اذ كل نفس تجزى بما كسبت ولا تغرنك الزخارف الدنيوية فان للمطيع والعاصى نصيبا منها وليس ذلك من موجبات الرفعة فى الآخرة : قال الحافظ

بمهلتى كه سبهرت دهد ز راه مرو ... تراكه كفت كه آن زال ترك دستان كفت

قال تعالى

{ سنستدرجهم من حيث لا يعلمون } قال سهل فى معنى هذه الآية نمدهم بالنعم وننسيهم الشكر عليها فاذا ركنوا الى النعمة وحجبوا عن المنعم اخذوا

وقال ابو العباس بن عطاء يعنى كلما احدثوا خطيئة جددنا لهم نعمة وانسيناهم الاستغفار من تلك الخطيئة فعلى العاقل ان لا يغتر بالزخارف الدنيوية بل لا يفرح بشئ سوى اللّه تعالى فان ما خلا اللّه باطل وزائل والاغترار بالزائل الفانى ليس من قضية كمال العقل والفهم والعرفان

فان قلت ما الحكمة فى امهال اللّه العصاة فى الدنيا قيل ان اللّه تعالى امهل عباده ولم يأخذهم بغتة فى الدنيا ليرى العباد سبحانه وتعالى ان العفو والاحسان احب اليه من الاخذ والانتقام وليعلموا شفقته وبره وكرمه ولهذا خلق لانار كرجل يضيف الناس ويقول من جاء الى ضيافتى اكرمته ومن لم يجئ فليس عليه شئ ويقول مضيف آخر من جاء الى اكرمته ومن لم يجئ ضربته وحبسته ليتبين غاية كرمه وهو اكمل واتم من الكرم الاول واللّه تعالى دعا الخلق الى دعوته بقوله

{ واللّه يدعوا الى دار السلام } ثم دفع السيف الى رسوله فقال من لم يجب ضيافتى فاقتله فعلى العاقل ان يجيب دعوة اللّه ويرجع الى اللّه بحسن اختياره فانه هو المقصود والكعبة الحقيقية وكل القوافل سائرة اليه

واعلم ان البلد هو الصورة الجسمانية والكعبة القلب والطواف الحقيقى هو طواف القلب بحضرة الربوبية وان البيت مثال ظاهر فى عالم الملك لتلك الحضرة التى لا تشاهد بالبصر وهو فى عالم الملكوت كما ان الهيكل الانسانى مثال ظاهر فى عالم الشهادة للقلب الذى لا يشاهد بالبصر وهو فى عالم الغيب والذى يقدر من العارفين على الطواف الحقيقى القلبى هو الذى يقال فى حقه ان الكعبة تزوره

وفى الخبر ( ان للّه عبادا تطوف بهم الكعبة ) وفرق بين من يقصد صورة البيت وبين يقصد رب البيت وروى ان عارفا من اولياء اللّه تعالى قصد الحج وكان له ابن فقال ابنه الى اين تتقصد فقال الى بيت اللّه فظن الغلام ان من يرى البيت يرى رب البيت قال يا ابى لم لا تحملنى معك فقال انت لا تصلح لذلك فبكى الغلام فحمله معه فلما بلغا الميقات اجرما ولبيا ودخلا الحرم فلما شوهد البيت تحرم الغلام عند رؤيته فخر ميتا فدهش والده وقال اين ولدى وقطعة كبدى فنودى من زاوية البيت انت طلبت البيت فوجدته وهو طلب رب البيت فوجد رب البيت فرفع الغلام من بينهم فهتف هاتف انه ليس فى حيز ولا فى الارض ولا فى الجنة بل هو فى مقعد صدق عند مليك مقتدر فمن اعرض سره عن الجهة فى توجهه الى اللّه صار الحق قبلة له فيكون هو قبلة الجميع كآدم عليه السلام كان قبلة الملائكة لانه وسيلة الحق بينه وبين ملائكته لما عليه من كسوة جمالية وجلاله قال الشيخ العطار قدس سره فى منطق الطير

حق تعالى كفت آدم غير نيست ... كور جشمى و ترا اين سير نيست

شد نفخت فيه من روح آشكار ... سر جانان كشت بر خاك استوار

وقال فى محل آخر

از دم حق آمدى آدم تويى ... اصل كرمنا بنى آدم تويى

قبله كل آفر ينش آمدى ... باى تا سر عين بينش آمدى

اللّهم اوصلنا الى العين وخلصنا من البين

﴿ ١٢٦