١٢٧ { واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت } حكاية حال ماضية حيث عبر بلفظ المضارع عن الرفع الواقع فى الزمان المتقدم على زمان نزول الوحى بان يقدر ذلك الرفع السابق واقعا فى الحال كأنك تصوره للمخاطب وتريه على وجه المشاهدة والعيان والقواعد جمع قاعدة وهى فى الاصل صفة بمعنى الثابتة ثم صارت بالغلبة من قبيل الاسماء بحيث لا يذكر لها موصوف ولا يقدر ولعل لفظ القعود حقيقة فى الهيئة المقابلة للقيام ومستعار للثبات والاستقرار تشبيها له بها فى ان كلا منهما حالة مباينة للانتقال والنزول وقوله من البيت حال من القواعد وكلمة من ابتدائية لا بيانية لعدم صحة ان يقال التى هى البيت فان قلت رفع الشئ ان يفصل عن الارض ويجعل عاليا مرتفعا والاساس ابدا ثابت على الارض فما معنى رفعه قلت المراد برفع الاساس البناء عليه وعبر عن البناء على الاساس برفعه لان البناء ينقله من هيئة الانخفاض الى هيئة الارتفاع فيوجد الرفع حقيقة الا ان اساس البيت واحد وعبر عنه بلفظ القواعد باعتبار اجزائه كأن كل جزء من الاساس اساس لما فوقه والمعنى واذكر يا محمد وقت رفع ابراهيم اساس البيت اى الكبعة { واسمعيل } ولده وكان له اربعة بنين اسماعيل واسحق ومدين ومداين وهو عطف على ابراهيم وتأخيره عن المفعول مع ان حق ما عطف على الفاعل ان يقدم على المفعول للايذان بان الاصل فى الرفع هو ابراهيم واسماعيل تبع له قيل انه كان يناوله الحجارة وهو يبنيها واعلم ان رفع الاساس الذي هو البناء عليه يدل على ان البيت كان مؤسسا قبل ابراهيم وانه انما بنى على الاساس واختلف الناس فيمن بنى البيت اولا وأسسه فقيل هو الملائكة وذلك ان اللّه تعالى لما قال { انى جاعل فى الارض خليفة } قالت الملائكة { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك } فغضب عليهم فعاذوا بعرشه وطافوا حوله سبعة اطواف يسترضون ربهم حتى رضى عنهم وقال لهم ابنوا لى بيتا فى الارض يتعوذ به من صخطت عليه من بنى آدم ويطوف حوله كما طفتم حول عرشى فأرضى عنهم فبنوا هذا البيت وقيل ان اللّه بنى فى السماء بيتا وهو البيت المعمور ويسمى ضراحا وامر الملائكة ان يبنوا الكعبة فى الارض بحياله على قدره ومثاله وقيل اول من بنى الكعبة آدم واندرست زمن الطوفان ثم اظهرها اللّه لابراهيم عليه السلام روى عن ابن عباس رضى اللّه تعالى عنهما انه قال لما اهبط اللّه تعالى آدم من الجنة الى الارض قال له يا آدم اذهب فابن لى بيتا وطف به واذكرنى عنده كما رأيت الملائكة تصنع حول عرشى فاقبل آدم يتخطى وطويت له الارض وقبضت له المفاوز فلا يقع قدمه على شئ من الارض الا صار عامرا حتى انتهى الى موضع البيت الحرام وان جبرائيل ضرب بجناحه الارض فأبرز عن الاس الثابت على الارض السابعة السفلى وقدمت اليه الملائكة بالصخر فما يطيق حمل الصخرة منها ثلاثون رجلا وانه بناه من خمسة اجبل طور سيناء وطور زيتاء ولبنان وهو جبل بالشام والجودى وهو جبل بالجزيرة وحراء وهو جبل بمكة وكان ربضه من حراء اى الاساس المستدير بالبيت من الصخر فهذا بناء آدم وروى ان اللّه خلق موضع البيت قبل الارض بالفى عام وكانت زبدة بيضاء على الماء فدحيت الارض من تحته فلما اهبط اللّه تعالى آدم الى الارض استوحش فشكا الى اللّه فانزل اللّه البيت المعمور من ياقوتة من يواقيت الجنة له بابان من زمرد اخضر باب شرقى وباب غربى فوضعه على موضع البيت وقال يا آدم انى اهبطت لك بيتا فطف به كما يطاف حول عرشى وصل عنده كما يصلى عند عرشى وانزل الحجر وكانت ابيض فاسود من لمس الحيض فى الجاهلية فتوجه آدم من ارض الهند الى مكة ماشيا وقيض اللّه له ملكا يدله على البيت قيل لمجاهد لم لم يركب آدم من ارض الهند الى مكة قال وأى شئ كان يحمله ان خطوته مسيرة ثلاثة ايام فاتى مكة وحج البيت واقام المناسك فلما فرغ تلقته الملائكة فقالوا برّ حجك يا آدم لقد حججنا هذا البيت قبلك بالفى عام قال ابن عباس رضى اللّه تعالى عنهما حج آدم اربعين حجة من الهند الى مكة على رجليه فبقى البيت يطوف به هو المؤمنون من ولده الى ايام الطوفان فرفعه اللّه فى تلك الايام الى السماء الرابعة يدخل كل يوم سبعون الف ملك ثم لا يعودون اليه وبعث اللّه جبرائيل حتى خبأ الحجر الاسود فى جبل ابى قبيس صيانة له من الغرق وكان موضع البيت خاليا الى زمن ابراهيم عليه السلام ثم ان اللّه امر ابراهيم ببناء بيت يذكر فيه فسأل اللّه تعالى ان يبين له موضعه فبعث اللّه السكينة لتدله على موضع البيت وهى ريح جوج لها رأسان شبه الحية وامر ابراهيم ان يبنى حيث استقر السكينة فتبعها ابراهيم حتى اتيا مكة فتطوت السكينة على موضع البيت اى تحوت وتجمعت واستدارت كتطوى الحجفة ودورانها فقالت لابراهيم ابن على موضعى الاساس فرفع البيت هو واسماعيل حتى انتهى الى موضع الحجر الاسود فقال لابنه يا بنى ائتنى بحجر ابيض حسن يكون للناس علما فاتاه بحجر فقال ائتنى باحسن من هذا فمضى اسماعيل يطلبه فصاح ابو قبيس يا ابراهيم ان لك عندى وديعة فخذها فاذا هو بحجر ابيض من ياقوت الجنة كان آدم قد نزل به من الجنة كما وجد فى بعض الروايات وانزله اللّه تعالى حين انزل البيت المعمور كما مر فاخذ ابراهيم ذلك الحجر فوضعه مكانه فلما رفع ابراهيم واسماعيل القواعد من البيت جاءت سحابة مربعة فيها رأس فنادت ان ارفعا على تربيعى فهذا بناء ابراهيم عليه السلام وروى ان ابراهيم واسماعيل لما فرغا من بناء البيت اعطاهما اللّه تعالى الخيل جزاء معجلا على رفع قواعد البيت وكانت الخيل وحشية كسائر الوحوش فلما اذن اللّه لابراهيم واسماعيل برفع القواعد قال اللّه انى معطيكما كنزا ادخرته لكما ثم اوحى الى اسماعيل ان اخرج الى اجياد فادع يأتك الكنز فخرج الى اجياد ولا يدرى ما الدعاء ولا الكنز فالهمه اللّه فدعا فلم يبق على وجه الارض فرس بارض العرب الا جاءته فامكنه من ناصيتها وذللّها له فاركبوها واعلفوها فانها ميامين وهى ميراث ابيكم اسماعيل وانما سمى الفرس عربيا لان اسماعيل هو الذى امر بدعائه وهو اتى اليه والعربى نسبة الى عربة بفتحتين وهى باحة العرب لان اباهم اسماعيل نشأ بها قيل كان ابراهيم يتكلم بالسريانية واسماعيل بالعربية وكل واحد منهما يفهم ما يقوله صاحبه ولا يمكنه التفوه به واما بنيان قريش اياه فمشهور وخبر الحية فى ذلك مذكور وكانت تمنعهم من هدمه الى ان اجتمعت قريش فعجوا الى اللّه تعالى اى رفعوا اصواتهم وقالوا لم نراع وقد اردنا تشريف بيتك وتزيينه فان كنت ترضى بذلك ولا فما بدا لك فافعل فاسمعوا خواتا فى السماء والخوات دوى جناح الطير الضخم اى صوته فاذا هم بطائر اعظم من النسر اسود الظهر ابيض البطن والرجلين فغمز مخالبه فى قفا الحية ثم انطلق بها تجر ذنبها اعظم من كذا وكذا حتى انطلق بها الى اجياد فهدمتها قريش وجعلوا يبنونها بحجارة الوادى تحملها قريش على رقابها فرفعوها فى السماء عشرين ذراعا وذكر عن الزهرى انهم بنوها حتى اذا بلغوا موضع الركن اختصمت قريش فى الركن اى القبائل تلى رفعه حتى شجر بينهم فقالوا حتى نحكم اول من يطلع علينا من هذه السكة فاصطلحوا على ذلك فاطلع عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فحكموه فامر بالركن فوضع فى ثوب ثم امر سيد كل قبيلة فاعطاه ناحية من الثوب ثم ارتقى هو على البناء فرفعوا اليه الركن فاخذه من الثوب فوضعه فى مكانه قيل ان قريشا وجدوا فى الركن كتابا بالسريانية فلم يدروا ما هو حتى قرأه لهم رجل من اليهود فاذا فيه انا اللّه ذو مكة خلقتها يوم خلقت السموات والارض وصورت الشمس والقمر وحففتها بسبعة املاك احتفاء لا تزول حتى يزول اخشباها مبارك لاهلها فى الماء واللبن وعن ابى جعفر كان باب الكعبة على عهد العماليق وجرهم وابراهيم بالارض حتى بنته قريش وعن عائشة رضى اللّه تعالى عنها سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الجدار أمن البيت هو قال نعم قلت فلم لم يدخلوه قال ان قومك قصرت بهم النفقة قلت فما شأن بابه مرتفعا قال فعل ذلك قومك ولولا حدثانهم بالجاهلية لهدمت الكعبة فألزق بابها بالارض وجعلت لها بابين بابا شرقيا وبابا غربيا وزدت فيها ستة اذرع من الحجر فان قريشا اقتصرتها حيث بنت الكعبة فهذا بناء قريش ثم لما غزا اهل الشام عبد اللّه بن الزبير ووهت الكعبة من حريقهم هدمها ابن الزبير وبناها على ما اخبرته عائشة فجعل لها بابين بابا يدخلون منه وبابا يخرجون منه وزاد فيه مما يلى الحجر ست اذرع وكان طولها قبل ذلك ثمانى عشرة ذراعا ولما زاد فى البناء مما يلى الحجر استقصر ما كان من طولها تسع اذرع فلما قتل ابن الزبير امر الحجاج ان يقرر ما زاده ابن الزبير فى طولها وان ينقص ما زاده من الحجر ويردها الى ما بناها قريش وان يسد الباب الذى فتحه الى جانب الغرب وروى ان هارون الرشيد ذكر لمالك بن انس انه يريد هدم ما بنى الحجاج من الكعبة وان يردها الى بناء ابن الزبير لما جاء عن النبى وامتثله ابن الزبير فقال له مالك ناشدتك اللّه يا امير المؤمنين ان لا تجعل هذا البيت ملعبة للملوك لا يشاء احد منهم الا نقض البيت وبناءه فتذهب الهيبة من صدور الناس قالوا بنيت الكعبة عشر مرات بناء الملائكة وكان قبل خلق آدم عليه السلام وبناء آدم وبناء بنى آدم وبناء الخليل وبناء العمالقة وبناء جرهم وبناء قصى بن كلاب وبناء قريش وبناء عبد اللّه بن الزبير وبناء الحجاج بن يوسف وما كان ذلك بناء لكلها بل لجدار من جدرانها وقال الحافظ السهيلى ان بناءها لم يكن فى الدهر الا خمس مرات الاولى حين بناها شيث عليه الصلاة والسلام وروى فى الخبر النبوى هذا البيت خامس خمسة عشر سبعة منها فى السماء الى العرش وسبعة منها الى تخوم الارض السفلى واعلى الذى يلى العرش البيت المعمور لكل بيت منها حرم كحرم هذا البيت لو سقط منها بيت سقط بعضها على بعض الى تخوم الارض السابعة ولكل بيت من اهل السماء ومن اهل الارض من يعمره كما يعمر هذا البيت ذكره المحدث الكازرونى فى مناسكه وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما لما كان العرش على الماء قبل خلق السموات والارض بعث اللّه ريحا فصفقت الماء فابرزت خشبة فى موضع البيت كأنها قبة على قدر البيت اليوم فدحا اللّه سبحانه من تحتها الارض فمادت ثم مادت فأوتدها بالجبال فكان اول جبل وضع فيها ابو قبيس ولذلك سميت مكة بام القرى قال كعب بنى سليمان عليه السلام بيت المقدس على اساس قديم كما بنى ابراهيم الكعبة على اساس قديم وهو اساس الملائكة فى وجه الماء الى ان علا { ربنا } اى يرفعانها قائلين ربنا { تقبل منا } الدعاء وغيره من القرب والطاعات التى من جملتها ما هما بصدده من البناء وفرق بين القبول والتقبل بان التقبل لكونه على بناء التكلف انما يطلق حيث يكون العمل ناقصا لا يستحق ان يقبل الا على طريق التفضل والكرم ولفظ القبول لا دلالة فيه على هذا المعنى فاختيار لفظ التقبل اعتراف منهما بالعجز والانكسار والقصور فى العمل { انك انت السميع } لجميع المسموعات التى من جملتها دعاؤنا وتضرعنا { العليم } بكل المعلومات التى من زمرتها نياتنا فى جميع اعمالنا ودل هذا القول على انه لم يقع منهما تقصير بوجه ما فى اتيان المأمور به بل بذلا فى ذلك غاية ما فى وسعهما فان المقصر المتساهل كيف يتجاسر على ان يقول بأطلق لسان وارق جنان انك انت السميع العليم * ودلت الآية ايضا على ان الواجب على مأمور بعبادة وقربة اذا فرغ منها واداها كما امر بها وبذل فى ذلك ما فى وسعه ان يتضرع الى اللّه ويبتهل ليتقبل منه وان لا يرد عليه فيضيع سعيه وان لا يقطع القول بأن من ادى عبادة وطاعة تقبل منه لا محالة اذ لو كان هكذا لما كان لدعائهما بطريق التضرع ليقبل منهما معنى فالقبول والرد اليه تعالى ولا يجب عليه شئ |
﴿ ١٢٧ ﴾