١٣١

{ اذ قال له } ظرف لاصطفيناه وتعليل له اى اخترناه فى وقت قال له

{ ربه اسلم } اى اخلص دينك لربك واستقم على الاسلام واثبت عليه وذلك يحن خرج من الغار ونظر الى الكواكب والقمر والشمس فألهمه اللّه الاخلاص

{ قال اسلمت لرب العالمين } اى اخلصت دينى له كقوله

{ انى وجهت وجهى للذى فطر السموات والارض } الآية وقد امتثل ما امر به من الاخلاص والاستسلام واقام على ما قال فسلم القلب والنفس والولد والمال ولما قال له جبريل حين القى فى النار هل لك من حاجة فقال أما اليك فلا فقال ألا تسأل ربك فقال حبسى بسؤالى علمه بحالى

قال اهل التفسير ان ابراهيم ولد فى زمن النمرود بن كنعان وكان النمرود اول من وضع التاج على رأسه ودعا الناس الى عبادته وكان له كهان ومنجمون فقالوا له انه يولد فى بلدك فى هذه السنة غلام يغير دين اهل الارض ويكون هلاكك وزوال ملكك على يديه قالوا فامر بذبح كل غلام يولد فى ناحيته فى تلك السنة فلما دنت ولادة ام ابراهيم واخذها المخاض خرجت هاربة مخافة ان يطلع عليها فيقتل ولدها فولدته فى نهر يابس ثم لفته فى خرقة ووضعته فى حلفاء وهو نبت فى الماء يقال له بالتركى ( حصير قمشى ) ثم رجعت فأخبرت زوجها بانها ولدت وان الولد فى موضع كذا فانطلق ابوه فاخذه من ذلك المكان وحفر له سربا اى بيتا فى الارض كالمغارة فواراه فيه وسد عليه بابه بصخرة مخافة السباع وكانت امه تختلف اليه فترضعه وكان اليوم على ابراهيم فى الشباب والقوة كالشهر فى حق سائر الصبيان والشهر كالسنة فلم يمكث فى المغارة الا خمسة عشر شهرا او سبع سنين او اكثر من ذلك فلما شب ابراهيم فى السرب قال لامه من ربى قالت انا قال فمن ربك قالت ابوك قال فمن رب ابى قالت اسكت ثم رجعت الى زوجها فقالت أرأيت الغلام الذى كنا نحدث انه يغير دين اهل الارض فانه ابنك ثم اخبرته بما قال فاتى ابوه آزر قوال له ابراهيم يا أبتاه من ربى قال امك قال فمن رب امى قال انا قال فمن ربك قال النمرود قال فمن رب النمرود فلطمه لطمة وقال له اسكت فلما جن عليه الليل دنا من باب السرب فنظر من خلال الصخرة فرأى السماء وما فيها من الكواكب فتفكر فى خلق السموات والارض فقال ان الذين خلقنى ورزقنى واطعمنى وسقانى رب الذى مالى اله غيره ثم نظر فى السماء فرأى كوكبا قال هذا ربى ثم اتبعه بصره ينظر اليه حتى غاب فلما افل قال لا احب الآفلين ثم رأى القمر ثم الشمس فقال فيهما كما قال فى حق الكواكب

ثم انهم اختلفوا فى قوله ذلك فارجاه بعضهم على الظاهر وقالوا كان ابراهيم فى ذلك الوقت مسترشدا طالبا للتوحيد حتى وفقه اللّه اليه وارشده فلم يضره ذلك فى الاستدلال وايضا كان ذلك فى حال طفوليته قبل ان يجرى عليه القلم فلم يكن كفرا وانكر الآخرون هذا القول وقالوا كيف يتصور من مثله ان يرى كوكبا ويقول هذا ربى معتقدا فهذا لا يكون ابدا ثم اولوا قوله ذلك بوجوه مذكورة فى سورة الانعام للامام محيى السنة

والحاصل ان ابراهيم مستسلم للرب الكريم وانه على الصراط المستقيم لا يرغب عن طريقته الا من سفه نفسه اى لم يتفكر فيها كما تفكر ابراهيم فى الانفس والآفاق قال تعالى

{ وفى انفسكم أفلا تبصرون } والسفاهة الجهل وضعف الرأى وكل سفيه جاهل وذلك ان من عبد غير اللّه فقد جهل نفسه لانه لم يعرف اللّه خالقها وقد جاء فى الحديث ( من عرف نفسه فقد عرف ربه ) وفى الاخبار ( ان اللّه تعالى اوحى الى داود اعرف نفسك بالضعف والعجز والفناء واعرفنى بالقوة والقدرة والبقاء ) وفى المثنوى

جيست تعظيم خدا افراشتن ... خويشتن را خاك وخوارى داشتن

جيست توحيد خدا آموختن ... خويشتن را بيش واحد سوختن

هستيت درهست آن هستى نواز ... همجو مس در كيميا اندر كداز

جملة معشوقست وعاشق برده ... زنده معشوقست وعاشق مرده

﴿ ١٣١