١٣٤

{ تلك } اشارة الى الامة المذكورة التى هى ابراهيم ويعقوب وبنوهما الموحدون

{ امة } هى فى الاصل المقصود كالعهدة بمعنى المعهود وسمى بها الجماعة لان فرق الناس تؤمنها اى يقصدونها ويقتدون بها وهى خبر تلك

{ قد خلت } اى مضت بالموت وانفردت عمن عداها واصله صارت الى الخلاء وهى الارض التى لا انيس بها والجملة نعت لامة

{ لها ما كسبت } تقديم المسند لقصره على المسند اليه اى لها كسبها لا كسب غيرها

{ ولكم ما كسبتم } لا كسب غيركم

{ ولا تسئلون عما كانوا يعملون } اى لا تؤاخذون بسيآت الامة الماضية كما فى قوله ولا تسألون عما اجرمنا كما لا تثابون بحسناتهم فلكل اجر عمله وذلك لما ادعى اليهود ان يعقوب عليه السلام مات على اليهودية وانه عليه السلام وصى بها بنيه يوم مات وردوا بقوله تعالى

{ أم كنتم شهداء } الآية قالوا هب ان الامر كذلك أليسوا آباءنا واليهم ينتمى نسبنا فلا جرم ننتفع بصلاحهم ومنزلتهم عند اللّه تعالى قالوا ذلك مفتخرين باوآئلهم فردوا بانهم لا ينفعهم انتسابهم اليهم وانما ينفعهم اتباعهم فى الاعمال فان احدا لا ينفعه كسب غيره كما قال عليه السلام ( يا بنى هاشم لا يأتينى الناس باعمالهم وتأتونى بانسابكم ) وقال عليه السلام ( من ابطأ به عمله لم يسرع به نسبه ) يعنى من اخره فى الآخرة عمله السيئ او تفريطه فى العمل الصالح لم ينفعه شرف نسبه ولم تنجبر نقيصته به قال الشاعر

أتفخر باتصالك من على ... واصل البؤسة الماء القراح

وليس بنافع نسب زكى ... يدنسه صنائعك القباح

والابناء وان كانوا يتشرفون بشرف آبائهم الا انه اذا نفخ فى الصور فلا أنساب والافتخار بمثل هذا كالافتخار بمتاع غيره وانه من الجنون فلا بد من كسب العمل والاخلاص فيه فانه المنجى بفضل اللّه تعالى وجاء فى حديث طويل وهو ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال ( انى رأيت البارحة عجبا رأيت رجلا من امتى جاءه ملك الموت ليقبض روحه فجاء بره لوالديه فرده عنه ورأيت رجلا من امتى قد بسط عليه عذاب القبر فجاءه وضوؤه فاستنقذه من ذلك ورأيت رجلا من امتى قد احتوشته الشياطين فجاءه ذكر اللّه فخلصه من بينهم ورأيت رجلا من امتى قد احتوشته ملائكة العذاب فجاءته صلاته فاستنقذته من ايديهم ورأيت رجلا من امتى يلهث عطشا كلما ورد حوضا منع منه فجاءه صيامه فسقاه وأرواه ورأيت رجلا من امتى والنبيون قعود حلقا حلقا كلما دنا لحلقة طرد فجاءه اغتساله من الجنابة فاخذ بيده واقعده الى جنبى ورأيت رجلا من امتى بين يديه ظلمة ومن خلفه ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن شماله ظلمة ومن فوقه ظلمة ومن تحته ظلمة فهو متحير فجاءته حجته وعمرته فاستخرجتاه من الظلمة وادخلتاه فى النورورأيت رجلا من امتى يكلم المؤمنين فلا يكلمونه فجاءته صلة الرحم فقالت يا معشر المؤمنين كلموه كلموه ورأيت رجلا من امتى يتقى وهج النار وشررها بيده عن وجهه فجاءته صدقته فصارت سترا على وجهه وظلا على رأسه ورأيت رجلا من امتى قد اخذته الزبانية من كل مكان فجاءه امره بالمعروف ونهيه عن المنكر فاستنقذاه من ايديهم وادخلاه مع ملائكة الرحمة ورأيت رجلا من امتى جاثيا على ركبتيه بينه وبين اللّه حجار فجاءه حسن خلقه فاخذ بيده فادخله على اللّه ورأيت رجلا من امتى قد هوت صحيفته من قبل شماله فجاءه خوفه من اللّه فاخذ صحيفته فجعلها فى يمينه ورأيت رجلا من امتى قد خف ميزانه فجاءته افراطه فثقلوا ميزانه ورأيت رجلا من امتى قائما على شفير جهنم فجاءه وجله من اللّه فاستنقذه من ذلك ومضى ورأيت رجلا من امتى اهوى فى النار فجاءته دموعه التى بكى بها من خشية اللّه فاستخرجته من النار ورأيت رجلا من امتى قائما على الصراط يرعد كما ترعد السعفة فجاءه حسن ظنه باللّه فسكن رعدته ومضى ورأيت رجلا من امتى على الصراط يزحف احيانا ويحبو احيانا ويتعلق احيانا فجاءته صلاته على فاخذت بيده واقامته ومضى على الصراط ورأيت رجلا من امتى انتهى الى ابواب الجنة فغلقت الابواب دونه فجاءته شهادة ان لا اله الا اللّه ففتحت له الابواب وادخلته الجنة )

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( من قال لا اله الا اللّه مخلصا دخل الجنة ) قيل يا رسول اللّه وما اخلاصها قال ( ان تحجزه عن محارم اللّه ) فعلم من هذا التفصيل ان الخلاص وان كان بفضل اللّه تعالى لكنه منوط بالاعمال الصالحة فالقرابة لا تغنى شيأ اذا فسد العمل

واما قول من قال اذا طاب اصل المرء طابت فروعه فباعتبار الغالب فان من عادته تعالى ان يخرج الحى من الميت والميت من الحى ونعم ما قيل

اصل را اعتبار جندان نيست ... روى تر كل زخار خندان نيست

مى زغوره شود شكر ازنى ... عسل ازنحل حاصلست بقى

والعود الذى تفوح رائحته وان كان فى الاصل شجرة كسائر الاشجار الا انه لما كان له استعداد لتلك المرتبة وحصل ذلك بالتربية فاق على الاقران وخرج من جنس الاصل وكذا المسك فان اصله دم وكم من نسيب يعود على اصله بالعكس فيظهر فيه اثر الصلاح الباطن فى ابيه ان كان اى ابوه فاسقا او الفساد الباطن فيه ان كان صالحا وكم من فرع يميل الى اصله على وجه فانظر حال آدم عليه السلام وولديه هابيل وقابيل ومن بعدهم الى قيام الساعة

﴿ ١٣٤