١٤٢

{ سيقول السفهاء } اى الذين ضعفت عقوهم حال كونهم

{ من الناس } اى الكفرة يريد المنكرين لتغيير القبلة من المنافقين واليهود والمشركين وانما كانوا سفهاء لانهم راغبون عن ملة ابراهيم وقد قال تعالى

{ ومن يرغب عن ملة ابراهيم الا من سفه نفسه } اى اذلها بالجهل والاعراض عن النظر وفائدة تقديم الاخبار به قبل وقوعه ليوطئوا عليه انفسهم فلا يضطربوا عند وقوعه لان مفاجأة المكروه اشد على النفوس واشق وليعلمهم الجواب فان العتيد قبل الحاجة اليه ارد لشغب الخصم الالد وقبل الرمى يراش السهم وهو مثل يضرب فى تهيئة الآلة قبل الحاجة اليها

{ ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها } ما استفهامية انكارية مرفوعة المحل على الابتداء ووليهم خبره والجملة فى موضع النصب بالقول يقال تولى عن ذلك اى انصرف وولى غيره اى صرفه والقبلة فى الاصل الحالة التى عليها الانسان من الاستقبال فنقلت فى عرف الشرع الى الجهة التى يستقبلها الانسان للصلاة وهى من المقابلة وسميت قبلة لان المصلى يقابلها والمعنى اى شىء صرفهم وحولهم عن قبلتهم التى كانوا على التوجه اليها وهى بيت المقدس ولم انصرفوا منها الى الكعبة روى ان النبى عليه السلام صلى الى نحو بيت المقدس بعد مقدمه المدينة نحوا من سبعة عشر شهرا تأليفا لقلوب اليهود ثم صارت الكعبة قبلة المسلمين الى نفخ الصور

{ قل } كأنه قيل فماذا اقول عند ذلك فقيل قل

{ للّه المشرق والمغرب } اى الامكنة كلها والنواحى باسرها للّه تعالى ملكا وتصرفا فلا يستحق شىء منها لذاته ان يكون قبلة حتى يمتنع اقامة غيره مقامه والشىء من الجهات انما يصير قبلة بمجرد ان اللّه تعالى امر بالتوجه اليها فله ان يأمر فى كل وقت بالتوجه الى جهة من تلك الجهات على حسب الوهيته واستيلائه ونفاذ قدرته ومشيئته فانه لا يسأل عما يفعل بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فاللائق بالمخلوق ان يطيع خالقه ويأتمر بامره من غير ان يتحرى خصوصية فى المأمور به زائدة على مجرد كونه مأمورا به فان الطاعة له ليس الا بارتسام امره اى امتثاله لا بتحرى العلل والاغراض الداعية له تعالى الا الامر لان احكام اللّه تعالى وافعاله ليست معللة بالدواهى والاغراض واليهود انما استقبلوا جهة المغرب فاكرمه اللّه تعالى بوحيه وكلامه كما قال اللّه تعالى

{ وما كنت بجانب الغربى اذ قضينا الى موسى الامر } والنصارى ايضا اتخذوا جهة المشرق قبلة اتباعا لهواهم حيث زعموا ان مريم عليها السلام حين خرجت من بلدها مالت الى جانب الشرق كما قال اللّه تعالى

{ واذكر فى الكتاب مريم اذ انتبذت من اهلها مكانا شرقيا } والمؤمنون استقبلوا الكعبة طاعة للّه تعالى وامتثالا لامره لا ترجيحا لبعض الجهات المتساوية بمجرد رأيهم واجتهادهم مع انها قبلة خليل اللّه تعالى ومولد حبيبيه صلى اللّه تعالى عليه وسلم

{ يهدى من يشاء الى صراط مستقيم } وهو التوجه الى بيت المقدس تارة والكعبة اخرى ووجه استقامته كونه مشتملا على الحكمة والمصلحة موافقا لهما

قال بعض ارباب لاحقيقة سمى الطاعنين من اليهود والمشركين والمنافقين سفهاء لاحتجاب عقولهم عن حقية دين الاسلام ولو ادركوا الحق مطلقا لاخلصوه كما اخلص المؤمنون فلم تبق محاجتهم معهم ولو كانت عقولهم رزينة لاستدلت بالآيات وانكروا التحويل لانهم كانوا معتدين بالجهة فلم يعرفوا التوحيد الوافى بالجهات كلها : قال المولى الجامى

جهات مرآت حسن شاهد ماست ... فشاهد ودهه فى كل ذرات

﴿ ١٤٢