١٧٧ { ليس البر } هو كل فعل مرضى يفضى بصاحبه الى الجنة { ان تولوا } اى ان تصرفوا يا اهل الكتابين { وجوهكم } فى الصلاة { قبل المشرق والمغرب } اى مقابلهما ظرف مكان لقوله تولوا والبر منصوب على انه خبر مقدم وان تولوا اسمها لكونه فى تأويل المصدر والمصدر المؤول اعرف من المحلى باللام وهو يشبه الضمير من حيث انه لا يوصف ولا يوصف به فالاولى ان يجعل الاعرف اسما وغير الاعرف خبرا وذلك ان اليهود والنصارى اكثروا الخوض فى امر القبلة حين حول رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم الى الكعبة وزعم كل واحد من الفريقين ان البر هو التوجه الى قبلته فرد عليهم وقيل ليس البر ما انتم عليه فانه منسوخ خارج من البر { ولكن البر } المعود الذى ينبغى ان يهتم بشأنه ويجد فى تحصيله { من } اى بر من على حذف المضاف لان اسم لكن من اسماء المعانى وخبرها من اسماء الاعيان فامتنع الحمل لذلك { آمن باللّه } وحده ايمانا بريئا من شائبة الاشراك لا كايمان اليهود والنصارى المشركين بقولهم عزيز ابن اللّه وقولهم المسيح ابن اللّه وقدم الايمان باللّه فى الذكر لانه اصل لجميع الكمالات العلمية والعملية { واليوم الآخر } اى بالبعث الذى فيه جزاء الاعمال على انه كائن لا محالة وعلى ما هو عليه لا كما يزعمون من انهم لا تمسهم النار الا اياما معدودة وان آباءهم الانبياء ويشفعون لهم فالبر هو التوجه الى المبدأ والمعاد اللذين هما المشرق والمغرب فى الحقيقة ولما كان الايمان باليوم الآخر متفرعا على الايمان باللّه لانا ما لم نعلم باستحقاقه الالوهية وقدرته على جميع الممكنات لا يمكننا ان نعلم صحة الحشر والنشر وكان الايمان به محركا وداعيا الى الانقياد باللّه فى جميع ما امر به ونهى عنه خوفا وطمعا ذكر الايمان به عقيب الايمان باللّه { والملائكة } كلهم بانهم عباد اللّه ليسوا بذكور ولا اناث ولا بشر ولا اولاد مكرمون عنده متوسطون بينه وبين انبيائه بالقاء الوحى وانزال الكتب واليهود اخلو بذلك حيث اظهروا عداوة جبريل { والكتاب } اى بجنس الكتاب الالهى الذى من افراده الفرقان واليهود اخلو بذلك لانه مع قيام الدليل على ان القرآن كتاب اللّه تعالى ردوه ولم يقبلوه { والنبيين } جميعا بانهم المبعوثون الى خلقه والقائمون بحقه والصادقون عنه فى امره ونهيه ووعده ووعيده واخباره من غير تفرقة بين احد منهم واليهود اخلوا بذلك حيث قتلوا الانبياء وطعنوا فى نبوة محمد عليه السلام واعلم ان الايمان بالملائكة والكتاب مؤخر عن الايمان بالنبيين الا انه قدم الايمان بهما فى الذكر رعاية للترتيب بحسب الوجود الخارجى ولم ينظر الى الترتيب فى العلم فان الملك يوجر اولا ثم يحصل بواسطته نزول الكتاب الى الرسل فتدعو الرسل الى ما فيها من الاحكام وهذا اى الايمان بالامور الخمسة المذكورة اصول الدين وقواعد العقائد { وآتى المال } اى الصدقة من ماله { على حبه } حال من الضمير فى آتى والضمير المجرور للمال اى آتاه كائنا على حب المال كما قال عليه السلام لما سئل اى الصدقة افضل قال ( ان تؤتيه وانت صحيح شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر ولا تمهل حتى اذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان ) قال السعدى قدس سره بريشان كن امروز كنجينه جست ... كه فردا كليدش نه دردست تست كنون بر كف دست نه هرجه هست ... كه فردا بدندان كزى بشت دست { ذوى القربى } مفعول اول لآتى بدلالة الحال وقدمهم لانهم احق بالصدقة لقوله عليه السلام ( صدقتك على المسلمين صدقة وعلى ذى رحمك اثنتان ) لانها صدقة وصلة وقال ايضا ( افضل الصدقة على ذى الرحم الكاشح ) { واليتامى } الفقراء منهم لا الاغنياء وقدم اليتامى على سائر المصارف لان الصغير الفقير الذى لا والد له ولا كاسب اشد احتياجا من المساكين ومن ذكر بعدهم { والمساكين } جمع مسكين والمسكين ضربان من يكف عن السؤال وهو المراد ههنا ومن ينبسط ويسأل وهذا القسم داخل فى قوله والسائلين وهو مبالغة الساكن فان المحتاج يزداد سكونه الى الناس على حسب ازدياد حاجته { وابن السبيل } اى المسافر البعيد عن ماله وسمى به لملازمته له كما تقول للص القاطع ابن الطريق وللمعمر ابن الليالى ولطير الماء ابن الماء والضيف لانه جاء من السبيل فكأنه ولد منه قال صلى اللّه عليه وسلم ( من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليكرم ضيفه ) وايضا ( اكرموا الضيف ولو كان كافرا ) { والسائلين } الذين الجأتهم الحاجة والضرورة الى السؤال وفى الحديث ( للسائل حق ولو جاء على ظهر فرسه ) قال السعدى قدس سره نه خواهنده بردر ديكران ... بشكرانه خواهنده ازدرمران { وفى } تخليص { الرقاب } بمعاونة المكاتبين جمع رقبة وهى مؤخر العنق واشتقاقها من المراقبة لانها مكان مراقبة الرقيب المشرف على القوم واذا قيل اعتق اللّه رقبته يراد ان اللّه تعالى خلصه من مراقبة العذاب اياه. وقيل المراد بهم ارقاء يشتريهم الاغنياء لاعتاقهم. وقيل المراد بهم الاسارى فان الاغنياء يؤتون المال فى تخليصهم فهذا هو البر ببذل الاموال على وفق مراد اللّه تعالى الى المصارف المذكورة واليهود اخلوا بذلك لانهم اكلوا اموال الناس بالباطل حيث كتموا دلائل حقية الاسلام على اتباعهم واشتروا به ثمنا قليلا وعوضا يسيرا وهو ما يعود اليهم من هدايا السفلة { واقام الصلوة } المفروضة عطف على صلة من اى من آمن وآتى واقام واليهود كانوا يمنعون الناس من الصلاة والزكاة { وآتى الزكوة } المفروضة على ان المراد بما مر من ايتاء المال التنفل بالصدقة قدم على الفريضة مبالغة فى الحث عليه او الاول لبيان المصارف والثانى لبيان وجوب الاداء { والموفون } عطف على من آمن فانه فى قوة ان يقال ومن اوفوا { بعهدهم } من الاوامر والنواهى والنذور { اذا عاهدوا } فيما بينهم وبين اللّه وفيما بينهم وبين الناس اذا وعدوا انجزوا واذا حلفوا او نذروا اوفوا واذا قالوا صدقوا واذا ائتمنوا ادوا وفى الحديث ( من اعطى عهد اللّه ثم نقضه فاللّه لا ينظر اليه ) اى انقطع نظره عنه ( ومن اعطى ذمة رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم ثم غدر فالنبى خصمه يوم القيامة ) واليهود نقضوا العهد قال اللّه تعالى { واوفوا بعهدى اوف بعهدكم } وفى المثنوى جون درختست آدمى وبيخ عهد ... بيخ را نيمار مى بايد بجهد عهد فاسد بيخ بوسيده بود ... وزثمارلطف ببريده بود شاخ وبرك نخل اكرجه سيزبود ... بافساد بيخ سبزى نيست سود ورندارد برك سبز وبيخ هست ... عاقبت بيرون كند صدبرك دست تومشوغره بعلمش عهد جو ... علم جون قشراست وعهدش مغزاو { والصابرين } منصوب على المدح اى بتقدير اعنى وهو فى الحقيقة والمعنى عطف على من آمن لكن غير سبكه تنبيها على فضيلة الصبر ومزيته اى واعنى الذين صبروا { فى البأساء } اى فى الفقر والشدة { والضراء } اى المرض والزمانة { وحين البأس } منصوب بالصابرين اى وقت الشدة والبأس شدة القتال خاصة وهو فى الاصل مطلق الشدة وزيادة الحين للاشعار بوقوعه احيانا وسرعة انقضائه واهل الكتاب اخلوا بذلك حيث كانوا فى غاية الخوف والجبن والحاصل انه لما حولت القبلة وكثر خوض اهل الكتاب فى نسخها صار كأنهم قالوا مدار البر والطاعة هو الاستقبال فانزل اللّه هذه الآية كأنه تعالى قال ما هذا الخوض الشديد فى امر القبلة مع الاعراض عن كل اركان الدين فصفة البر لا تحصل بمجرد استقبال المشرق والمغرب بل البر لا يحصل الا بمجموع الامور المذكورة { اولئك } اى اهل هذه الصفة { الذين صدقوا } فى الدين واتباع الحق وتحرى البر حيث لم تغيرهم الاحوال ولم تزلزلهم الاحوال { واولئك هم المتقون } عن الكفر وسائر الرذائل وتكرير الاشارة لزيادة تنويه شأنهم وتوسيط الضمير للاشارة الى انحصار التقوى فيهم والآية جامعة للكمالات الانسانية باسرها دالة عليها صريحا او ضمنا فانها بكثرتها وتشعبها منحصرة فى ثلاثة اشياء صحة الاعتقاد وحسن المعاشرة وتهذيب النفس وقد اشير الى الاول بقوله من آمن الى والنبيين والى الثانى بقوله وآتى المال الى وفى الرقاب والى الثالث بقوله واقام الصلوة الى آخرها ولذلك وصف المستجمع لها بالصدق نظرا الى ايمانه واعتقاده وبالتقوى اعتبارا بمعاشرته للخلق ومعاملته مع الحق واليه يشير قوله عليه السلام ( من عمل بهذه الآية فقد استكمل الايمان ) قال شيخنا العلامه. ابقاه اللّه بالسلامة قيل لى فى قلبى احسن اخلاق المرء فى معاملته مع الحق التسليم والرضى واحسن اخلاقه فى معاملته مع الخلق العفو والسخاء انتهى كلامه وحب المال من اغلب اخلاق النفس وكذا العجلة من الاخلاق الرديئة ولذلك قيل ان الصبر افضل من الشكر وفى الخبر ( يؤتى بأشكر اهل الارض ليجزيه اللّه جزاء الشاكرين ويؤتى بالصابر فيقول اللّه هذا انعمت عليه فشكر وابتليتك فصبرت لأضعفن لك الاجر فيعطى اضعاف جزاء الشاكرين ) والتحقيق ان تهذيب النفس انما يكون بالتوحيد بطريقه المخصوص كما ان اصل الايمان انما يحصل بالتوحيد والشهادة |
﴿ ١٧٧ ﴾