٣٧

{ فتقبلها } اى اخذ مريم ورضى بها فى النذر مكان الذكر

{ ربها } مالكها ومبلغها الى كمالها اللائق

{ بقبول حسن } بوجه حسن يقبل به النذائر وهو قبول تلك الانثى مع انوثتها وصغرها فان المعتاد فى تلك الشريعة ان لا يجوز التحرير الا فى حق غلام عاقل قادر على خدمة المسجد وهنا لما علم تعالى تضرع حنة قبل بنته حال صغرها وعدم قدرتها على خدمة المسجد

{ وانبتها نباتا حسنا } مجاز عن التربية الحسنة العائدة عليها مما يصلح فى جميع احوالها ثم ان اللّه تعالى ذكر قبولها منها وذلك لضعفها وصدق نيتها فى الابتداء وحيائها فى النتهاء وكان فى ذلك الزمان اربعة آلاف محرر لم يشتهر خبر احد منهم اشتهار خبرها وفيه تنبيه للبعد على ان يرى من نفسه التقصير بعد جهدها ليقبل اللّه عملها لاظهار افلاسها واضمار اخلاصها رزقنا اللّه واياكم

طريقت همينست كاهل يقين ... نكو كار بودند وتقصير بين

واعلم انه سبحانه قطع السائرين له وهم المريدون والواصلين اليه وهم المرادون عن رؤية اعمالهم وشهود احوالهم. اما السائرون فلأنهم لم يتحققوا الصدق مع اللّه فيها فانقطعوا اليه برؤية تقصيرهم.

واما الواصلون فلأنه غيبهم شهوده عنها لانه الفعال وهو آلة مسخرة

ولما دخل الواسطى نيسابور سأل اصحاب الشيخ ابى عثمان المغربى بم يأمركم شيخكم قالوا كان يأمرنا بالتزام الطاعة ورؤية التقصير فيها فقال امركم بالمجوسية المحضة هلا آمركم بالغيبة عنها بشهود منشئها ومجريها

قال القشيرى وانما اراد الواسطى صيانتهم عن محل الاعجاب لا تعريجا فى اوطان التقصير او تجويزا للاخلال بادب من الآداب

قال النهر جورى من علامة من تولاه اللّه فى اعماله ان يشهد التقصير فى اخلاصه والغفلة فى اذكراه والنقصان فى صدته والفتور فى مجاهدته وقلة المراعاة فى فقره فتكون جميع احواله عنده غير مرضية ويزداد فقرا الى اللّه فى فقرة وسيره حتى يفنى عن كل ما دونه

قال الشيخ ابو العباس رضى اللّه عنه فى اشارة قوله تعالى

{ يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل } يولج المعصية فى الطاعة ويولج الطاعة فى المعصية يطيع العبد الطاعة فيعجب بها ويعتمد عليها ويستصغر من لم يفعلها ويطلب من اللّه العوض عليها فهذه حسنة احاطت بها سيئات ويذنب الذنب فيلجأ الى اللّه فيه ويستصغر نفسه ويستعظم من لم يفعله فهذه سيئة احاطت بها سيئات فايتهما الطاعة وايتهما المعصية فعى السالك ان يجتهد فى الطاعات ولا يغتر بالعبادات لعله يصل الى غاية فى روضات الجنات

جه زرها بخاك سيه در كنند ... كه باشد كه رزوى مسى زركنند

يعنى ان المشتغلين بتحصيل صنعة الكيمياء يجعلون دنانير كثيرة تحت التراب اى يبذلونها لتحصيلها ويفرقونها فى اسبابها كى يصير النحاس فى ايديهم ذهبا بحتا ويتشرفوا بوصولها

زر ازبهر جيرى خريدن نكوست ... جه خواهى خريدن به ازوضل دوست

فالسعى فى الاعمال انما هو لطلب رضى اللّه ووصول جنابه وهو الذى يبذل فى طريقه المال والروح لينفتح باب الفتوح

قال الشيخ الشاذلى قدس سره فى لطائف المنن واعملوا ان اللّه اوع انوار الملكوت فى اصناف الطاعات فأى من فاته من الطاعات صنف او اغوزه من الموافقات جنس فقد فقد من النور بمقدار ذلك ولا تهملوا شيأ عن الطاعات ولا تستغنوا عن الاوراد بالواردات ولا ترضوا لانفسكم بما رضى به المردعون بحر الحقائق على ألسنتهم وخلوا انوارها من قلوبهم انتهى

فينبغى للعبد ان يواظب على اصناف الطاعات وينساها بعدما عملها كيلا يبطلها العجب لانه يقال حفظ الطاعة اشد من فعلها لان مثلها كمثل الزجاج يسرع اليه الكسر ولا يقبل الجبر وكذا الخيرات اذا ازيلت بالمخالفات

{ وكفلها زكريا } الفعل للّه تعالى بمعنى وضمنها اللّه الى زكريا وجعله كافلا لها وضامنا لمصالحها قائما بتدابير امورها والكافل هو الذى ينفق على انسان ويهتم باصلاح مصالحة وفى الحديث ( انا وكافل اليتيم كهاتين ) وهو زكريا بن اذن بن مسلم بن صدون من اولاد سليمان عليه السلام ابن داود عليه السلام - روى - ان حنة حين ولدت مريم لفتها فى خرقة وحملتها الى المسجد ووضعتها عند الاحبار ابناء هارون وهم فى بيت المقدس كالحجبة فى الكعبة فقالت لهم دونكم هذه النذيرة اى خذوها فتنافسوا فيها لانها كانت بنت امامهم وصاحب قربانهم فان بنى كاثان كانت رؤس بنى اسرائيل وملوكهم فقال لهم زكريا انا احق بها عندى خالتها فقالوا لا حتى نقرع عليها فانطلقوا وكانوا سبعة وعشرين الى نهر قيل هو نهر الاردن فالقوا فيه اقلامهم التى كانوا يكتبون بها الوحى على ان كل من ارتفع قلمه فهو الراجح فالقوا ثلاث مرات ففى كل مرة يرتفع قلم زكريا فوق الماء ورسبت اقلامهم فتكفلها

قال الشيخ فى تفسيره وهو معنى قوله

{ فتقبلها ربها } الآية

{ كلما } اى كل وقت

{ دخل عليها } على مريم

{ زكريا } فاعلى دخل

{ المحراب } اى فى المحراب قيل بنى لها محرابا فى المسجد اى غرفة تصعد اليها بسلم او المحراب اشرف المجالس ومقدمها كانها وضعت فى اشراف موضع من بيت المقدس او كانت مساجدهم تسمى المحاريب - روى انها لا يدخل عليها الا هو وحده فاذا خرج غلق عليها سبعة ابواب فكلما دخل

{ وجد عندها رزقا } اى نوعا منه غير معتاد اذ كان ينزل ذلك من الجنة وكان يجد عندها فى الصيف فاكهة الشتاء وفى الشتاء فاكهة الصيف ولم ترضع ثديا قط

{ قال } كأنه قيل فكاذا قال زكريا عليه السلام عند مشاهدة هذه الآية فقيل قال

{ يا مريم أنى لك هذا } اى من اين يجيء لك هذا الذى لا يشبه ارزاق الدنيا وهو آت فى غير حينه والابواب مغلقة عليك لا سبيل للداخل به اليك

{ قالت } مريم وهى صغيرة لا قدرة لها على فهم السؤال ورد الجواب قيل تكلمت وهى صغيرة كما تكلم عليسى وهو فى المهد

{ هو من عند اللّه } فلا تعجب ولا تستبعد

{ ان اللّه يرزق من يشاء } ان يرزقه

{ بغير حساب } اى بغير تقدير لكثرته او بلا محاسبة او من حيث لا يحتسب وهو تعليل لكونه من عند اللّه اما من تمام كلامها فيكون فى محل النصب وما من كلامه عز وجل وفهو مستأنف

وفى الآية دليل على جواز الكرامة للاولياء ومن انكرها جعل هذا ارهاصا وتأسيسا لرسالة عليه السلام

عن النبى صلى اللّه عليه وسلم انه جاع فى زمن قحط فاهدت له فاطمة رضى اللّه عنها رغيفين وبضعة لحم اثرته بها فرجع بها اليها وقال ( هلمى يا بنية ) فكشفت عن الطبق فاذا هو مملوء خبزا ولحما فبهتت وعلمت انها نزلت من عند اللّه فقال لها صلى اللّه عليه وسلم ( أنى لك هذا ) فقالت هو من عند اللّه ان اللّه يرزق من يشاء بغير حساب فقال صلى اللّه عليه وسلم ( الحمد للّه الذى جعلك شبهة بسيدة بنى اسرائيل ) ثم جمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عليا والحسنين رضى اللّه عنهم وجمع اهل بيته عليه فاكلوا وشبعوا وبقى الطعام كما هو فاوسعت فاطمة رضى اللّه عنها على جيرانها

وقد ظهر على السلف رضى اللّه عنهم من الصحابة والتابعين ثم على من بعدهم من الكرامات

قال سهل بن عبد اللّه رضى اللّه عنه اكبر الكرامات ان تبدل خلقا مذموما من اخلاقك

قال الشيخ ابو العباس رضى اللّه رحمه اللّه ليس من الشأن من تطوى له الارض فاذا هو بمكة وغيرها من البلدان انما الشأن من تطوى عنه اوصاف نفسه

وقيل لابى يزيد ان فلانا يمشى على الماء قال قال الحوت اعجب منه اذ هو شأنه فقيل له ان فلانا يمشى فى الهواء قال الطير اعجب ن ذلك اذ هو حاله تطوى له الارض كلها فى لحظة وهو فى لعنه اللّه فالطى الحقيقة ان تطوى مسافة الدنيا عنك حتى ترى الآخرة اقرب اليك منك لان الارض تطوى لك فاذا انت حيث شئت من البلاد لان هذا ربما جر الى الاغترار وذلك يؤدى للتلعق بالواحد القهار - وحكى - عن ابى عنوان الواسطى قال انكسرت السفينة وبقيت انا وامرأتى اياما على لوح وقد ولدت فى تلك الحالة صبية فصحات بى فقالت يقتلنى العطش فرفعت رأسى فاذا رجل فى الهواء جالس وفى يده سلسة من ذهب وفيها كوز من ياقوت احمر وقال هاك اشربا قال فاخذت الكوز وشربنا منه فاذا هو اطيل من المسك واحلى من العسل فقلت من انت يرحمك اللّه قال انا عبد لمولاك فقلت بم وصلت الى هذا فقال تركت هواى لمرضاته فاجلسنى فى الهواء ثم غاب عنى فلم اره وحج سفيان الثورى مع شيبان الراعى رضى اللّه عنهما فعرض لهما سبع فقال سفيان لشيان اما ترى هذا السبع فقال لا تخف واخذ شيبان ادنيه فعركهما فتبصبص وحرك ذنبه فقال سفيان ما هذه الشهرة فال لولا مخافة الشهرة لما وضعت زادى الاعلى ظهرى حتى آتى مكة

توهم كردن از حكم داور مبيج ... كه كردن نه بيددزحكم توهيج

محالست جون دوست داردترا ... كه دردست دشمن كذارد ترا

﴿ ٣٧