٤٧ { قالت } مريم متضرعة الى ربها { رب أنى يكون } اى كيف يكون اومن أين يكون { لى ولد } على وجه الاستبعاد العادى والتعجب مناستعظام قدرة اله فان البشرية تقتضى التعجب مما وقع على خلاف العادة اذ لم تجر عادة بان يولد ولد بلا اب { ولم يمسسنى بشر } آدمى وسمى بشرا لظهوره وهو كناية عن الجماع اى والحال انى على حالة منافية لولد { قال } اى اللّه عز وجل او جبريل عليه السلام { كذلك } اشارة الى مصدر يخلق فى قوله عز وجل { اللّه يخلق ما يشاء } ان يخلقه اى اللّه يخلق ما يشاء ان يخلقه خلقا مثل ذلك الخلق العجيب والاحداث البديع الذى هو خلق الولد من غير اب فالكاف فى محل النصب على انها فى الاصل نعت لمصدر محذوف { اذا قضى امرا } اى اراد شيأ واصل القضاء الاحكام اطلق على الارادة الالهية القطعية المتعلقة بوجود الشىء لايجابه اياه البتة { فانما يقول له كن فيكون } من غير ريث وهو تمثيل لكمال قدرته تعالى وسهولة تأتى المقدورات حسبما تقتضيه مشيئته وتصوير لسرعة حدوثها بما علم فيها من اطاعة المأمور المطيع للآمر القوى المطاع وبيان لانه تعالى كما يقدر على خلق الاشياء مدرجا باسباب ومواد معتادة يقدر على خلقها دفعة من غير حاجة الى شىء من الاسباب والمواد قال ابن عباس رضى اللّه عنهما ان مريم رضى اللّه عنها كانت فى غرفة قد ضربت دونها سترا اذا هى برجل عليه ثياب بيض وهو جبريل تمثل لها بشرا سويا اى تام الخلق فلما رأته قالت اعوذ الرحمن منك ان كانت تقيا ثم نفخ فى جيب درعها حتى وصلت النفخة الى الرحم فاشتملت قال وهب وكان معها ذو قرابة يقال له يوسف النجار وكان يوسف هذا يستعظم ذلك فاذا اراد ان يتهمها ذكر صلاحها واذا اراد ان يبئها رأى ما ظهر عليها فكان اول ما كلمها ان قال لها قد دخل فى صدرى شىء اردت كتمانه فغلبنى ذلك فرأيت الكلام اشقى لصدرى قالت قل قلا فحدثينى هل ينبت الزرع من غير بذر قالت نعم قال فهل انتب الزرع يوم خلقه من غير بذر والبذر يومئذ انما صار من الزرع الذى انتب اللّه من غير بذر ألم تعلم ان اللّه خلق آدم وحواء من غير انث ولا ذكر فلما قالت له ذلك وقع فى نفسه ان الذى بها شىء اكرمها اللّه به - روى - ان عيسى عليه السلام حفظ التوراة وهو فى بطن امه وكانت مريم تسمع عيسى وهو يدرس فى بطنها ثم لما شرف عالم الشهود اعطاه اللّه الزهادة فى الدنيا فانه كان يلبس الشعر ويتوسد الحجر ويستير القمر وكان له قدح يشرب فيه الماء ويتوضأ فيه فرأى رجلا يشرب بيده فقال لنفسه يا عيسى هذا ازهد منك فرمى القدح وكسره واستظل يوما فى ظل خيمة عجوز فكان قد لحقه حر شديد فخرجت العجوز فطردته فقام وهو يضحك فقال يا امة اللّه ما انت اقمتنى وانما اقامنى الذى لم يجعل لى نعيما فى الدنيا ولما رفع الى السماء وجد عنده ابة كان يرقع بها ثوبه فاقتضت الحكمة الآلهية نزوله فى السماء الرابعة وفيه اشارة الى ان السالك لا بد وان ينقطع عن كل ما سوى اللّه ويتجرد عن العوائق حتى يسير مع الملأ الاعلى ويطير الى مقام قاب قوسين او ادنى - وروى - ان موسى عليه السلام ناجى ربه فقال اللّهم ارنى وليا من اوليائك فاوحى اللّه تعالى اليه ان اصعد الى جبل كذا وادخل زاوية كذا فى كهف كذا حتى ترى ولى ففعل فرأى فيه رلا ميتا توسد بلبنة وفوق عورته خرقة وليس فيه شيء غيره فقال اللّهم سألتك ان ترينى وليك فأريتنى هذا فقا هذا هو ولي فوعزتى وجلالى لا ادخلة الجنة حتى احاسبه باللبنة والخرقة من اين وجدهما فحال اولياء اللّه الافتخار بالفقر وترك الدنيا والصبر على ما قدره اللّه صبر باشد مشتهاى زيركان ... هست حلوا آرزوى كودكان هركه صبر آورد كردون برود ... هركه حلوا خورداوبس تررود فالقوة الروحانية التى بها يصير الانسان كالملائكة انما تحصل بالصبر عن المشتهيات فانظر الى حال عيسى عليه السلام يكفك فى هذا اعتبار ومن اللّه التوفيق الى الاعراض عن حطام الدنيا وقطع التعلق من الدارين قطعا |
﴿ ٤٧ ﴾