٩٣

{ كل الطعام } لما نزل قوله تعالى

{ فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم } الآية وقوله

{ وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذى ظفر } الى قوله

{ ذلك جزيناهم ببغيهم } انكر اليهود وغاظهم ذلك وبرأوا ساحتهم من الظلم وجحدوا ما نطق به القرآن وقالوا لسنا باول من حرمت عليه تلك المطعومات وما هو الا تحريم قديم كانت محرمة على نوح وابراهيم ومن بعده ولهم جرا حتى انتهى التحريم الينا وغرضهم تكذيب شهادة اللّه عليهم بالبغى والظلم والصد عن سبيل اللّه واكل الربا وما عدد من مساويهم التى كلما ارتكبوا منها كبيرة حرم عليهم نوع من الطيبات عقوبة لهم فقيل كل المطعومات او كل انواع الطعام والطعام المطلق البر والعرف يشهد لكل ما يطعم حتى الماء

{ كان حلا لبنى اسرائيل } اى حلالا لهم والمراد اكله اذ لا يوصف بنحو الحل والحرمة الا افعال المكلف لا الاعيان فشرب الخمر حرام بالذات ونفسها حرام بالعرض

{ الا ما حرم اسرائيل على نفسه } استثناء متصل من اسم كان اى كان كل المطعومات حلالا لبنى اسرائيل الا ما حرم اسرائيل اى يعقوب عليه السلام على نفسه وهو الابل وألبانها روى ان يعقوب عليه السلام كان نذر ان وهب اللّه له اثنى عشر ولدا واتى بيت المقدس صحيحا ان يذبح آخرهم فتلقاه ملك من الملائكة فقال له يا يعقوب انك رجل قوى فهل لك فى الصراع فعالجه فلم يصرع واحد منهما صاحبه فغمزه الملك غمزة فعرض له عرق النسا من ذلك ثم قال أما انى لو شئت ان اصرعك لفعلت ولكن غمزتك هذه الغمزة لانك كنت نذرت ان اتيت بيت المقدس صحيحا ذبحت آخر ولد لك وجعل اللّه لك بهذه الغمزة مخرجا من ذلك الذبح ثم ان يعقوب عليه السلام لما قدم بيت المقدس اراد ذبح ولده ونسى قول الملك فاتاه الملك فقال انما غمزتك للمخرج وقد وفى نذرك فلا سبيل لك الى ولدك ثم انه حين ابتلى بذلك المرض لقى من ذلك بلاء وشدة وكان لا ينام الليل من الوجع فحلف لئن شفاه اللّه لا يأكل احب الطعام اليه فحرم لحوم الابل وألبانها اما حمية الدين او حمية النفس وتحريم الحلال على نفسه جائز للكل وفيه كفارة اليمين

{ من قبل ان تنزل التوراة } متعلق بقوله كان حلا ولا ضير فى توسيط الاستثناء بينهما المعنى ان المطعومات كانت حلالهم قبل نزول التوراة ثم حرمت بسبب بغيهم وظلمهم فكيف يكون ذلك حراما على نوح وابراهيم وغيرهما. وظاهر الآية يدل على ان الذى حرمه اسرائيل على نفسه قد حرمه اللّه على بنى اسرائيل وهو رد على اليهود فى دعواهم البراءة من الظلم وتبكيت لهم فى منع النسخ والطعن فى دعوى الرسول صلى اللّه عليه وسلم موافقته لابراهيم عليه السلام بتحليله لحوم الابل وألبانها

{ قل فائتوا بالتوراة فاتلوها } امره عليه السلام بان يحاجهم بكتابهم الناطق بان تحريم ما حرم تحريم حادث مرتب على ظلمهم وبغيهم ويكلفهم اخراجه وتلاوته ليبكتهم ويلقمهم الحجر ويظهر كذبهم

{ ان كنتم صادقين } فائتوا بالتوراة فاتلوها فان صدقكم مما يدعوكم الى ذلك البتة روى انهم لم يجترئوا على اخراج التوراة فبهتوا وانقلبوا صاغرين وفى ذلك من الحجة النيرة على صدق النبى صلى اللّه عليه وسلم وجواز النسخ الذى يجحدونه ما لا يخفى

﴿ ٩٣