٩٧ { فيه آيات بينات } واضحات كانحراف الطيور عن موازاة البيت على مدى الاعصار ومخالطة ضوارى السباع الطيور فى الحرم من غير تعرض لها وقهر اللّه تعالى لكل جبار قصده بسوء كاصحاب الفيل { مقام ابراهيم } اثر قدميه عليه السلام فى الصخرة التى كان عليه السلام يقوم عليها وقت رفع الحجارة لبناء الكعبة عند ارتفاعه او عند غسل رأسه على ما روى انه عليه السلام جاء زائرا من الشام الى مكة فقالت له امرأة اسماعيل عليه السلام انزل حتى اغسل رأسك فلم ينزل فجاءته بهذا الحجر فوضعته على شقه الايمن فوضع قدمه عليه حتى غسلت شقى رأسه ثم حولته الى شقه الايسر حتى غسلت الشق الآخر فبقى اثر قدميه عليه وهو بدل من آيات بدل البعض من الكل { ومن دخله } اى حرم البيت { كان آمنا } من التعرض له وذلك بدعوة ابراهيم عليه السلام { رب اجعل هذا البلد آمنا } وكان الرجل لو جر كل جريرة ثم لجأ الى الحرم لم يطلب ولذلك قال ابو حنيفة رحمه اللّه من لزمه القتل فى الحل بقصاص او ردة او زنى فالتجأ الى الحرم لم يتعرض له الا انه لا يؤوى ولا يطعم ولا يسقى ولا يبايغ حتى يضطر الى الخروج وهذا فى حق من جنى فى الحل ثم التجأ الى الحرم واما اذا اصاب الحد فى الحرم فيقام عليه فيه فمن سرق فيه قطع ومن قتل فيه قتل قال تعالى { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلونكم فيه فان قاتلوكم فاقتلوهم } اباح لهم القتل عند المسجد الحرام اذا قاتلونا فعلى ذلك يقام الحد اذا اصاب وهو فيه واذا اصاب فى غيره ثم لجأ اليه لم يقم كما لا نقاتل اذا لم يقاتلونا او المعنى ومن دخله كان آمنا من النار. وفى الحديث ( من مات فى احد الحرمين بعث يوم القيامة آمنا ) وعنه صلى اللّه عليه وسلم ( الحجون والبقيع يؤخذ باطرافهما وينشران فى الجنة ) وهما مقبرتا مكة والمدينة وعن ابن مسعود رضى اللّه عنه وقف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على ثنية الحجون وليس بها يومئذ مقبرة فقال ( يبعث اللّه تعالى من هذه البقعة ومن هذا الحرم سبعين الفا وجوههم كالقمر ليلة البدر يدخلون الجنة بغير حساب يشفع كل واحد منهم فى سبعين الفا وجوههم كالقمر ليلة البدر ) وعنه صلى اللّه عليه وسلم ( من صبر على حر مكة ساعة من نهار تباعدت عنه جهنم مسيرة مائتى عام ) { وللّه على الناس } وهم المؤمنون دون الكفار فانهم غير مخاطبين باداء الشرائع عندنا خلافا للشافعى اى استقر للّه عليهم { حج البيت } اللام للعهد والحج بالفتح لغة اهل الحجاز والكسر لغة نجد واياما كان فهو القصد للزيارة على الوجه المخصوص المعهود يعنى انه حق واجب للّه فى ذمم الناس ولا انفكاك لهم عن ادائه والخروج من عهدته { من استطاع اليه سبيلا } فى محل الجر على انه بدل من الناس بدل البعض مخصص لعمومه فالضمير العائد الى المبدل منه محذوف اى من استطاع منهم وقدر واطاق الى البيت سبيلا اى قدر على الذهاب اليه واراد به قدرة سلامة الآلات والاسباب فالزاد والراحلة من اسباب الوصول وهذه القدرة تتقدم على الفعل والاستطاعة التى هى شرط لوجوب الفعل هى الاستطاعة بهذا المعنى لا الاستطاعة التى هى شرط حصول الفعل وهى لا تكون الا مع الفعل لانها علة وجود الفعل وسببه فلا تكون الا معه فالاستطاعة الاولى شرط الوجوب والثانية شرط حصول الفعل { ومن كفر } وضع من كفر موضع من لم يحج تأكيدا لوجوبه وتشديدا لتاركه اى من لم يحج مع القدرة عليه فقد قارب الكفر وعمل ما يعمله من كفر بالحج { فان اللّه غنى عن العالمين } وعن عبادتهم وحيث كان من كفر من جملتهم داخلا فيها دخولا اوليا اكتفى بذلك عن الضمير الرابط بين الشرط والجزاء قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( من لم يحبسه حاجة ظاهرة او مرض حابس او سلطان جائر ولم يحج فليمت ان شاء يهوديا او نصرانيا ) وانما خص هذين لان اليهود والنصارى هم الذين لا يرون الحج ولا فضل الكعبة واعلم انه لا يؤثر الاكثار من التردد الى تلك الآثار الا حبيب مختار روى عن على بن الموفق رحمه اللّه انه حج ستين حجة قال فلما كنت بعد ذلك فى الحجر افكر فى حالى وكثرة تردادى الى ذلك المكان ولا ادرى هل قبل حجى او لا نمت فرأيت قائلا يقول يا ابن الموفق هل تدعو الى بيتك الا من تحب فاستيقظت وقد سرى عنى. ففيه اشارة الى ان من لم يحج مع القدرة عليه فقد ترك عن الدعوة الى ضيافة اللّه تعالى ولا يترك عنها الا من لا استحقاق له بها. وفيه تقبيح لحاله حيث لم يجتهد فى تحصيل الاستعداد بل اقام على البغى والفساد واقتضت حكمة اللّه تعالى توقان النفس كل عام الى تلك الاماكن النفيسة والمعاهد المقدسة المحروسة لاجابة دعوة ابراهيم عليه السلام حيث قال { فاجعل افئدة من الناس تهوى اليهم } اى تحن قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( افضل الاعمال ايمان باللّه ورسوله ثم جهاد فى سبيله ثم حج مبرور ) قيل مغفرة الذنوب بالحج ودخول الجنة به مترتب على كون الحج مبرورا. وانما يكون مبرورا باجتماع امرين. فيه الاول الاتيان فيه باعمال البر والبر هو الاحسان للناس واطعام الطعام وافشاء السلام. والثانى ما يكمل به الحج وهو اجتناب افعال الاثم فيه من الرفث والفسوق والمعاصى قال ابو جعفر الباقر ما يعبأ من يؤم هذا البيت اذا لم يأت بثلاث ورع يحجره اى يمنعه عن محارم اللّه وحلم يكف به غضبه وحسن الصحابة لمن يصحبه من المسلمين فهذه الثلاث يحتاج اليها من يسافر خصوصا الى الحج فمن كملها فقد كمل حجه فعلى السالك ان يخالق الناس بخلق حسن ازمن بكوى حاجئ مردم كزايرا ... كاوبوستين خلق بازار مى درد حاجى تونيستى شترست ازبراى آنك ... بيجاره خار ميخورد وبارميبرد قال بعض المشايخ علامة الحج المبرور ان يرجع زاهدا فى الدنيا راغبا فى الآخرة قال نجم الدين الكبرى فى تأويلاته والاشارة ان اللّه تعالى جعل البيت والحج اليه واركان الحج والمناسك كليها اشارات الى اركان السلوك وشرائط السير الى اللّه وآدابه. فمن اركانه الاحرام وهو اشارة الى الخروج عن الرسوم وترك المألوف والتجرد عن الدنيا وما فيها والتطهر من الاخلاق وعقد احرام العبودية بصحة التوجه. ومنها الوقوف بعرفة وهو اشارة الى الوقوف بعرفات المعرفة والعكوف على عقبه جبل الرحمة بصدق الالتجاء وحسن العهد والوفا. ومنها الطواف وهو اشارة الى الخروج عن الاطوار البشرية السبعية بالاطواف السبعة حول كعبة الربوبية. ومنها السعى وهو اشارة الى السير بين صفا الصفات ومروة الذات. ومنها الحلق وهو اشارة الى محو آثار العبودية بموسى انوار الالهية وعلى هذا فقس المناسك كلها. والحج يشير الى عين الطلب والقصد الى اللّه بخلاف سائر اركان الاسلام فان كل ركن منه يشير الى طرف من استعداد الطلب فاللّه تعالى خاطب العباد بقوله { وللّه على الناس حج البيت } وما قال فى شىء آخر من الاركان والواجبات وللّه على الناس وفائدته ان المقصود المشار اليه من الحج هو اللّه وفى سائر العبادات المقصود هو النجاة والدرجات والقربات والمقامات والكرامات والاستطاعة فى قوله { من استطاع اليه سبيلا } هى جذبة الحق التى توازى عمل الثقلين ولا يمكن السير الى اللّه والوصول اليه لا بها { ومن كفر } اى لا يؤمن بوجدان الحق ولا يتعرض لنفحات الطاف الرب ولا يتقرب بجذبات الالوهية كما يشير اليها اركان الحج { فان اللّه غنى عن العالمين } بان يستكمل بهم وانما الاستكمال للعالمين به ولا غنى بهم عنه تعالى جعلنا اللّه واياكم من الكاملين والواصلين الى كعبة اليقين والتمكين |
﴿ ٩٧ ﴾