١٢١ { واذ غدوت } اى اذكر لهم يا محمد وقت خروجك غدوة اى اول النهار الى احد ليتذكروا ما وقع فيه من الاحوال الناشئة عن عدم الصبر فيعلموا انهم ان لزموا الصبر والتقوى لا يضرهم كيد الكفرة { من اهلك } من منزل عائشة رضى اللّه عنها فى المدينة وهذا نص على ان عائشة رضى اللّه عنها كانت اهلا للنبى صلى اللّه عليه وسلم قال تعالى { الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات } فدل هذا على انها كانت مطهرة مبرأة من كل قبيح ألا يرى ان ولد نوح لما كان كافرا قال { انه ليس من اهلك } وكذا امرأة لوط { تبوىء المؤمنين } اى تنزلهم { مقاعد } كائنة ومهيئة { للقتال } او متعلق بقوله تبوىء اى لاجل القتال. والمقاعد جمع مقعد وهو اسم لمكان القعود عبر عن تلك الاماكن التى عينت لكل واحد من الصحابة ان يبيت فى ما عين له من تلك الاماكن اما بان يتسع فى استعمال القعود لمجرد المكان مع قطع النظر عن كونه مكان القعود كما فى قوله تعالى { فى مقعد صدق } واما لان كل مكان انما عين لصاحبه لان يقعد وينتظر فيه الى ان يجيئ العدو فيقوموا عند الحاجة الى المحاربة فسميت تلك الاماكن بالمقاعد لهذا الوجه روى ان المشركين نزلوا باحد يوم الاربعاء فاستشار رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اصحابه ودعا عبد اللّه بن ابى بن سلول ولم يكن دعاه قبل ذلك فاستشاره فقال عبد اللّه واكثر الانصار يا رسول اللّه اقم بالمدينة ولا تخرج اليهم فواللّه ما خرجنا منها الى عدو قط الا اصاب منا ولا دخلها علينا الا اصبنا منه فكيف وانت فينا فدعهم فان اقاموا اقاموا بشر محبس وان دخلوا قاتلهم الرجال فى وجوههم ورماهم الصبيان والنساء بالحجارة وان رجعوا رجعوا خائبين وقال بعضهم يا رسول اللّه اخرج بنا الى هؤلاء الاكلب لا يرون انا قد جبنا عنهم وقال عليه السلام ( انى رأيت فى منامى بقرا مذبحة حولى ) اى قطيعا منها ( فاولتها خيرا ورأيت فى ذبان سيفى ثلما ) اى كسرا ( فاولته هزيمة ورأيت كأنى ادخلت يدى فى درع حصينة فاولتها المدينة فان رأيتم ان تقيموا بالمدينة وتدعوهم ) فقال رجال من المسلمين قد فاتتهم بدر واكرمهم اللّه بالشهادة يوم احد اخرج بنا الى اعدائنا طلبا لسعادة الشهادة وطمعا فى الحسنى والزيادة فلم يزالوا به عليه الصلاة والسلام حتى دخل ولبس لامته اى درعه فلما رأوا ذلك ندموا وقالوا بئسما صنعنا نشير على رسول اللّه والوحى يأتيه وقالوا اصنع يا رسول اللّه ما رأيت فقال ( ما ينبغى لنبى ان يلبس لامته فيضعها حتى يقاتل ) وكان قد اقام المشركون باحد يوم الاربعاء والخميس فخرج رسول اللّه عليه الصلاة والسلام يوم الجمعة بعد ما صلى الجمعة وصلى على رجل من الانصار مات فيه فاصبح بالشعب من احد يوم السبت للنصف من شوال سنة ثلاث من الهجرة فمشى على راحلته فجعل يصف اصحابه للقتال كانما يقوم بهم القدح ان رأى صدرا خارجا قال تأخر وكان نزوله فى عدوة الوادى اى طرفه وجانبه وجعل ظهره وعسكره الى احد وامر عبد اللّه بن جبير على الرماة وقال لهم ( انضحوا عنا بالنبل ) اى ادفعوا العدو عنا بالسهم حتى لا يأتونا من ورائنا ( ولا تبرحوا مكانكم فاذا عاينوكم وولوكم الادبار فلا تطلبوا المدبرين ) ثم ان الرسول صلى اللّه عليه وسلم لما خالف رأى عبد اللّه بن ابى وكان من قدماء اهل المدينة ورئيس المنافقين شق عليه ذلك وقال اطاع الولدان وعصانى ثم قال لاصحابه ان محمدا انما يظفر بعدوه بكم وقد وعد اصحابه ان اعداءهم اذا عاينوهم انهزموا فاذا رأيتم اعداءهم فانهزموا فسيتبعونكم ويصير الامر على خلاف ما قاله محمد عليه الصلاة والسلام فلما التقى الفريقان انهزم عبد اللّه بالمنافقين وكان عليه السلام قد خرج فى الف رجل او تسعمائة وخمسين رجلا فلما بلغوا الشوط رجع ابن ابىّ بثلاثمائة وبقيت سبعمائة فقال لقومه يا قوم علام نقتل انفسنا وأولادنا فتبعهم ابو جابر السلمى وقال انشدكم اللّه فى نبيكم وانفسكم فقال عبد اللّه لو نعلم قتالا لاتبعناكم وكان الحيان من الانصار بنوا سلمة من الخزرج وبنوا حارثة من الاوس جناحى عسكر رسول اللّه صلى اللّه صلى اللّه عليه وسلم فهما باتباع عبد اللّه فعصمهم اللّه فمضوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقواهم اللّه تعالى حتى هزموا المشركين فلما رأى المؤمنون انهزام القوم طمعوا ان تكون هذه الواقعة كواقعة بدر فطلبوا المدبرين فتركوا الموضع الذى امرهم النبى عليه السلام بالثبات فيه ثم اشتغلوا بطلب الغنائم وخالفوا امر الرسول صلى اللّه عليه وسلم فاراد اللّه ان يفطمهم عن هذا الفعل لئلا يقدموا على مخالفة الرسول صلى اللّه عليه وسلم وليعلموا ان ظفرهم انما حصل يوم بدر ببركة طاعتهم للّه ولرسوله ومتى تركهم اللّه مع عدوهم لم يقوموا لهم فنزع اللّه الرعب من قلوب المشركين وكانوا ثلاثة آلاف رجل فحملوا على المؤمنين وتفرق العسكر عن رسول اللّه عليه السلام حتى بقى معه سبعة من الانصار ورجلان من قريش فلما قصد الكفار النبى عليه الصلاة والسلام شجوا رأسه وكسروا رباعيته وثبت معه عليه السلام يومئذ طلحة ووقاه بيده فشلت اصبعاه وصار مجروحا فى اربعة وعشرين موضعا ولما اصابه عليه السلام ما اصاب من الشجة وكسر الرباعية وغلب عليه الغشى احتمله طلحة ورجع القهقرى وكلما ادركه واحد من المشركين كان يضعه عليه السلام ويقاتله حتى اوصله الى الصحة وكان عليه السلام يقول ( اوجب طلحة ) ووقعت الصيحة فى العسكر ان محمد قد قتل وكان فى جملة الصحابة رجل من الانصار يكنى ابا سفيان نادى الانصار وقال هذا رسلو اللّه فرجع اليه المهاجرون والانصار فشمل عز الشهادة اثنين وسبعين من المؤمنين واختص بشرائف نعم اللّه وجلائل كرمه حمزة سيد الشهداء وهنيئا له ان مثل به اذ مثل به وكثر فيهم الجراح فقال عليه الصلاة والسلام ( رحم اللّه رجلا ذب عن اخوانه وشد على المشركين بمن معه حتى كشفهم عن القتلى والجرحى واعانهم اللّه حتى هزموا الكفار ) ثم ان كل ذلك يؤكد قوله تعالى { وان تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيأ } وان المقبل من اعانه اللّه والمدبر من خذله اللّه ومن اللّه العصمة { واللّه سميع عليم } لما شاور النبى عليه السلام اصحابه فى ذلك الحرب وقال بعضهم اقم بالمدينة وقال آخرون اخرج اليهم وكان لكل احد غرض فى قوله فمن موافق ومن منافق قال تعالى انا سميع لما يقولون عليم بما يسرون |
﴿ ١٢١ ﴾