١٧٥

{ انما ذلكم } اى المثبط ايها المؤمنون وهو مبتدأ

{ الشيطان } خبره

{ يخوف اولياءه } المنافقين غلبة المشركين وقهرهم ليقعدوا عن قتالهم فهم المنافقون الذين فى قلوبهم مرض وقد تخلفوا عن رسول اللّه فى الخروج والمعنى ان تخويفه بالكفار انما يتعلق بالمنافقين الذين هم اولياؤه

واما انتم ايها المؤمنون فاولياء اللّه وحزبه الغالبون لا يتعلق بكم تخويفه

{ فلا تخافوهم } اى الشيطان واولياء من ابى سفيان وغيره

{ وخافون } فى مخالفة امرى

{ ان كنتم مؤمنين } فان الايمان يقتضى ايثار خوف اللّه عز وجل على خوف غيره ويستدعى الامن من شر الشيطان واوليائه

والخوف على ثلاثة اقسام. خوف العام وهو من عقوبة اللّه. وخوف الخاص وهو من بعد اللّه. وخوف الاخص وهو من اللّه والى هذه المراتب اشار النبى عليه السلام بقوله ( اعوذ بعفوك من عقابك واعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بك منك )

فعلى السالك ان يفنى عن نفسه وصفاتها ولا يرى فى الكون وجودا غير وجوده فلا يخاف الا منه فانه هو القاهر فوق عباده وهو الكافى جميع الامور

قال نجم الدين الكبرى قدس سره آخر مقام الخلة ان يكبر على نفسه وجميع المكونات اربع تكبيرات ويتحقق له ان اللّه حسبه من كل شىء وهو نعم الوكيل عن نفسه وما سواه : قال الحافظ الشيرازى

من همان دمكه وضو ساختم ازجشمه عشق ... جار تكبير زدم يكسره برهر جه كه هست

يشير الى انه وقت قيامه بالعشق رأى وجود غير اللّه ميتا بمنزلة الجماد وقد قال كل شىء هلاك الا وجهه وصلاة الميت باربع تكبيرات لا غير وهذا هو الفناء عن نفسه وعن المكونات حققنا اللّه تعالى بحقيقة التوحيد

قال ابو يزيد كنت اثنتى عشرة سنة حدادا لنفسى وخمسين سنة مرآة قلبى وسنة انظر فيها فاذا فى وسطى زنار ظاهر فعملت فى قطعه اثنتى عشرة سنة ثم نظرت فاذا فى باطنى زنار فعملت فى قطعه خمس سنين انظر كيف اقطع فكشف لى فنظرت الى الخلق فرأيتهم موتى فكبرت عليهم اربع تكبيرات

وقيل لابى يزيد البسطامى بعد وفاته كيف كان حالك مع منكر ونكير فقال لما قالا لى من ربك قلت لهما اسألا ربى فان قال هو عبدى يكفى ولا فلو قلت انا عبده مرارا لا يفيد بلا قبوله وحقيقة العبودية بالتبرى من جميع ما سوى اللّه ولو من صومه وصلاته وسائر عباداته روى ان ابا يزيد فى آخر عمره دخل محرابه وقال الهى لا أذكر صومى ولا صلاتى ولا غيرهما بل اقول افنيت عمرى فى الضلالة فالآن قطعت زنارى وجئت بابك بالاستسلام وهو الاسلام وهذا هو الانصفا من نفسه حقيقة

قال الشيخ السعدى فى حق شيخه السهروردى

شبى دائم ازهول دروزخ تخفت ... بكوش آمدم صبحكا هى كه كفت

جه بودى كه دوزخ زمن برشدى ... مكر ديكرانرا رهايى بدى

فالعاقل لا يزكى نفسه ولا يراها محلا لكرامة اللّه بل يتواضع بحيث يرى اعماله السيئة كثيرة بالنسبة الى اعماله الصالحة بل ولا يرى فى نفسه الا العدم المحض

واعلم ان من شعار المسلمين وعادة المؤمنين ان يجاهدوا فى سبيل اللّه ولا يخافوا لومة اللائمين ألا يرى ان اللّه تعالى كيف مدح قوما حالهم كذلك بقوله

{ يجاهدون فى سبيل اللّه ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم } فمن كان مع اللّه فهو يعصمه وينصره على اعدائه خصوصا عدو النفس الامارة

كسى رادانم اهل استقامت ... كه باشد برسر كوى ملامت

زاوصاف طبيعت باك مرده ... باطلاق هويت جان سبرده

برفته سايه وخرشيد مانده ... تمام ازكرد خوددا من فشانده

اوصلنا اللّه واياكم الى الخلوص واليقين والتمكين آمين

﴿ ١٧٥