١٩٥ { فاستجاب لهم ربهم } الى طلبتهم وهو اخص من اجاب فان اجاب معناه اعطاه الجواب وهو قد يكون بتحصيل المطلوب وبدونه واستجاب انما يقال لتحصيل المطلوب ويعدى بنفسه وباللام { انى } اى بانى { لا اضيع عمل عامل منكم } وهو ما حكى عنهم من المواظبة على ذكر اللّه تعالى فى جميع حالاتهم والتفكر فى مصنوعاته استدلالا واعتبارا والثناء على اللّه بالاعتراف بربوبيته وتنزيهه عن العبث وخلق الباطل والاشتغال بالدعاء وجعل هذه الاعمال سببا للاستجابة يدل على ان استجابة الدعاء مشروطة بهذه الشروط وبهذه الامور فلما كان حصول هذه الشرائط عزيزا لا جرم كان الشخص الذى يكون مجاب الدعاء عزيزا { من ذكر او انثى } بيان لعامل وتأكيد لعمومه وهذا يدل على انه لا تفاوت فى الاجابة وفى الثواب بين الذكر والانثى اذا كانا جميعا فى التمسك بالطاعة على التوبة والفضل فى باب الدين بالاعمال لا بسائر صفات العالمين لان كون بعضهم ذكرا او انثى او من نسب خسيس او شريف لا تأثير له فى هذا الباب { بعضكم من بعض } لان الذكر من الانثى والانثى من الذكر قال الامام فيه وجوه احسنها ان يقال من بمعنى الكفا اى بعضكم كبعض فى الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية قال القفال هذا من قولهم فلان منى اى على خلقى وسيرتى وهى معترضة بين بها شركة النساء مع الرجال فيما وعد للعمال روت ام سلمة قالت يا رسول اللّه انى اسمع اللّه يذكر لارجال فى الهجرة ولا يذكر النساء فنزل قوله تعالى { انى لا اضيع } الى آخره اى كما ان بعضكم من بعض كذلك انتم فى ثواب العمل تثاب المرأة المعاملة كما يثاب الرجل العامل وبالعكس فلا اثيب بعضا واحرم آخر { فالذين هاجروا } تفصيل لاعمال العمال منهم وما اعد لهم من الثواب على المدح والتعظيم كأنه قال فالذين عملوا هذه الاعمال السنية الفائقة وهى المهاجرة من مبتدأ او طانهم فارّين الى اللّه بدينهم من دار الفتنة { واخرجوا من ديارهم } اى اضطروا الى الخروج من ديارهم التى ولدوا فيها ونشأوا بايذاء المشركين قال الامام المراد من قوله { الذين هاجروا } الذين اختاروا المهاجرة من اوطانهم فى خدمة الرسول والمراد من الذين اخرجوا من ديارهم الذين الجأهم الكفار ولا شك ان رتبة الاولين افضل لانهم اختاروا خدمة الرسول وملازمته على الاختيار فكانوا افضل { واوذوا فى سبيلى } فى سبيل الحق ودين التوحيد بسبب ايمانهم باللّه ومن اجله وهو متناول لكل اذية نالتهم من قبل المشركين { وقاتلوا } اى الكفار فى سبيل اللّه { وقتلوا } استشهدوا فى القتال { لأكفرن عنهم سيآتهم } اى واللّه لأمحوّن عنهم سيآتهم { ولأدخلنهم جنات جرى من تحتها الانهار ثوابا } الثواب فى الاصل اسم لما يثاب به كالعطاء اسم لما يعطى الا انه قد يوضع موضع المصدر فهو مصدر مؤكد بمعنى اثابة لان تكفير السيآت وادخال الجنة فى معنى الاثابة اى لأثيبنهم بذلك اثابة { من عند اللّه } صفة له اى كائنة من عند اللّه قصد بتوصيفة به تعظيم شأنه فان السلطان العظيم الشان اذا قال لعبده ألبسك خلعة من عندى دل ذلك على كون تلك الخلعة فى غاية الشرف واكد كون ذلك الثواب فى غاية الشرف بقوله { واللّه عنده حسن الثواب } اى حسن الجزاء على الطاعات قادر عليه وهو نعيم الجنة الباقى لا كنعيم الدنيا الفانى نعيم آخرت باقيست اى دل ... خنك آنكس كه باشد عبد مقبل ولا يخفى ان هذا الجزاء العظيم والاجر الجسيم للذين جمعوا بين المهاجة والاخراج من الاوطان والتأذى فى سبيل اللّه والقتال والمقتولية فعلى السالك ان يهاجر من وطن النفس والعمل السيىء والخلق الذميم ويخرج من ديار الطبيعة الى عالم الحقيقة حتى يدخل مقام العندية الخاصة فان ثمرات المجاهدات المشاهدات والعمل الصالح يستدل به على حسن العاقبة روى ان صفوان بن سليم كان يجتهد فى العبادة والقيام وكان يبيت على السطح فى ايام الشتاء لئلا يستريح من البرد وفى الصيف ينزل الى بيته ليعذب نفسه بحر الهوآء وكان عادته ذلك الى ان مات فى سجدته ووصل الى رحمة اللّه وجنته فهذا هو الاجتهاد فعليك به فان احتالت نفسك عليك فى ذلك فحدثها باخبار السلف واحوالهم وحكاياتهم كى ترغب فى الطاعة والاجتهاد فان فى ذلك نفعا كليا وتأثيرا عظيما : قال الفاضل الجامى قدس سره هجوم نفس وهوا كزسباه شيطانند ... جو زور بردل مرد خدا برست آرد بجز جنود حكايات رهنمايا خود ... جه تاب آنكه بران رهزنان شكست آرد فان قالت النفس انهم كانوا رجالا اقويا كيف يدانى بهم فى الطاعة من خلفهم فحدثها باخبار النساء كيف كن اناثا ومع ذلك لم يتخلفن عن مجاهدات الرجال حتى وصلن الى ما وصلوا اليه كرابعة العدوية وغيرها : قال بعضهم ولو كان النساء كمن ذكرنا ... لفضلت النساء على الرجال فلا التأنيث لاسم الشمس عيب ... ولا التذكير فخر للّهلال قال الشيخ السعدى قدس سره زنانى كى طاعت برغبت برند ... زمردان ن بارسا بكذرند تراشرم نايد زمردىء خويش ... كه باشد زنانرا قبول ازتوبيش قال الحسن البصرى رحمه اللّه يا عجبا لأقوام بلا زاد وقد نودوا بالرحيل وحبس اولهم لآخرهم وهم قعود يلعبون حكى ان ملك الموت دخل على بعض الصالحين ليقبض روحه فقال مرحبا انا واللّه منذ خمسين سنة أتأهب لك ولما بلغ عبد اللّه بن المبارك النزع فتح عينه ثم ضحك فقال لمثل هذا فليعمل العاملون قال بعض العلماء من اراد ان ينال الجنة فعليه ان يداوم على خمسة اشياء. الاول ان يمنع نفسه من المعاصى قال اللّه تعالى { ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هى المأوى } والثانى ان يرضى باليسير من الدنيا لانه روى فى الخبر ( ان ثمن الجنة الطاعة وترك الدنيا ) والثالث ان يكون حريصا على الطاعات ويتعلق بكل طاعة فلعل تلك الطاعة تكون سبب المغفرة ووجوب الجنة قال اللّه تعالى { وتلك الجنة التى اورثتموها بما كنتم تعملون } والرابع ان يحب الصالحين واهل الخير ويخالطهم ويجالسهم فان الصالح اذا غفر له يشفع لاخوانه واصحابه. والخامس ان يكثر الدعاء ويسأل اللّه تعالى ان يرزقه ويختم له بخير والحاصل انه لا بد للعاقل من التأهب لمعاده بتزكية النفس واصلاح القلب قال القاشانى فى تأويلاته { انى لا اضيع عمل عامل منكم من ذكر } القلب من الاعمال القلبية كالاخلاص واليقين والمكاشفة { او انثى } النفس من الاعمال القالبية كالطاعات والمجاهدات والرياضيات { بعضكم من بعض } يجمعكم اصل واحد وحقيقة واحدة هى الروح اى بعضكم منشأ من بعد فلا اثيب بعضا واحرم آخر { فالذين هاجروا } من اوطان مألوفات النفس { واخرجوا من ديارهم } من ديار صفاتها او هاجروا من احوالهم التى التذوا بها واخرجوا من مقاماتهم التى يسكنون اليها { وأوذوا فى سبيلى } اى ابتلوا فى سلوك سبيل افعالى بالبلاء والمحن والشدائد والفتن ليتمرنوا بالصبر ويفوزوا بالتوكل او فى سلوك سبيل صفاتى بسطوات تجليات الجلال والعظمة والكبرياء ليصلوا الى مقام الرضى { وقاتلوا } البقية بالجهاد فى { وقتلوا } فى الحب فى بالكلية { لأكفرن عنهم سيآتهم } كلها من صغائر ظهور افعالهم وصفاتهم وكبائر بقايا ذواتهم فى تلويثاتهم { ولأدخلنهم جنات تجرى من تحتها الانهار } الجنات الثلاث المذكورة { ثوابا من عند اللّه } اى عوضا عما اخذت منهم من الوجودات الثلاثة { واللّه عنده حسن الثواب } ولا يكون عند غيره الثواب المطلق الذى لا ثواب وراءه ولهذا قال واللّه لانه اسم الذات الجامع لجميع الصفات فلم يحسن ان يقع غيره من الرحمن او الرحيم او سائر الاسماء موقعه |
﴿ ١٩٥ ﴾