تفسير روح البيان إسماعيل حقى بن مصطفى بروسوي الإستانبولي الحنفي الجلوتي (ت ١١٣٧ هـ ١٧٢٥ م) سُورَةُ النِّسَاءِ مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ مِائَةٌ وَسِتٌّ وَسَبْعُونَ آيَةً ١ { يا ايها الناس } خطاب عام يتناول الموجودين فى زمان الخطاب ومن بعدهم دون المنقرضين بدليل انهم ما كانوا متعبدين بشرعنا فلو كان عاما لجميع بنى آدم لزم ان يتعبدوا بشرعنا وهو محال { اتقوا ربكم } فى حفظ ما بينكم من الحقوق وما يجب وصله ومراعاته ولا تضيعوه ولا تقطعوا ما امرتم بوصله { الذى خلقكم } اى قدر خلقكم حالا بعد حال على اختلاف صوركم وألوانكم { من نفس واحدة } اى من اصل واحد وهو نفس آدم ابيكم وعقب الاتقاء بمنة الخلق كيلا يتقى الا الخالق وبين اتحاد الاب فان فى قطع التزاحم حضا على التراحم { وخلق منها } اى من تلك النفس يعنى من بعضها { زوجها } امكم حواء بالمد من ضلع من اضلاعه اليسرى روى ان اللّه تعالى لما خلق آدم عليه السلام واسكنه الجنة القى عليه النوم فبينما هو بين النائم واليقظان خلق حواء من قصيراه فلما انتبه وجدها عنده فمال اليها وألفها لأنها كانت مخلوقة من جزء من اجزائه واخرت حواء فى الذكر وان كانت مقدمة فى الخلق لان الواو لا ترتيب فيها { وبث } اى فرق ونشر { منهما } من تلك النفس وزوجها المخلوقة بطريق التوالد والتناسل { رجالا كثيرا } تذكيره للحمل على الجمع والعدد { ونساء } اى بنين وبنات كثيرة. واكتفى بوصف الرجال بالكثرة عن وصف النساء بها اذ الحكمة تقتضى ان يكون اكثر. وترتيب الامر بالتقوى على هذه القصة لان المراد به تمهيد للامر بالتقوى فيما يتصل بحقوق اهل منزله وبنى جنسه على ما دلت عليه الآيات التى بعدها فكأنه قيل اتقوا ربكم الذى وصل بينكم حيث جعلكم صنوانا متفرعة من ارومة واحدة فيما يجب لبعضكم على بعض من حقوق المواصلة التى بينكم فحافظوا عليها ولا تغفلوا عنها { واتقوا اللّه } اى لا تقطعوا فى الدين والنسب اغصانا تتشعب من جرثومة واحدة { الذى تساءلون به } فيما بينكم حيث يقول بعضكم لبعض اسألك باللّه { والارحام } اى يسأل بعضكم بعضا باللّه فيقول باللّه وبالرحم واناشدك اللّه والرحم افعل كذا على سبيل الاستعطاف وجرت عادة العرب على ان احدهم اذا استعطف غيره يقرن الرحم فى السؤال والمناشدة باللّه ويستعطف به. فقوله والارحام بالنصب عطف على محل الجار والمجرور كقولك مررت بزيد وعمرا أو على اللّه اى اتقوا اللّه واتقوا الارحام فصلوها ولا تقطعوها وقد نبه سبحانه اذ قرن الارحام باسمه على ان صلتها بمكان منه وعنه صلى اللّه عليه وسلم ( الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلنى وصله اللّه ومن قطعنى قطعه اللّه ) وقال صلى اللّه عليه وسلم ( ما من عمل حسنة اسرع ثوابا من صلة الرحم وما من عمل سيئة اسرع عقوبة من البغى ) فينبغى للعباد مراعاة الحقوق لان الكل اخ لاب وام وهما آدم وحواء سيما المؤمنين لان فيهم قرابة الايمان والدين وكذا الحال فى قرابة الطين { ان اللّه كان عليكم رقيبا } الرقيب هو المراقب الذى يحفظ عليك جميع افعالك اى حافظا مطلعا على جميع ما يصدر عنكم من الافعال والاقوال وعلى ما فى ضمائركم من النيات مريدا لمجازاتكم بذلك فبين اللّه تعالى انه يعلم السر واخفى وانه اذا كان كذلك فيجب ان يكون المرء حذرا خائفا فيما يأتى ويذر واعلم ان التقوى هى العمدة وهى سبب الكرامة العظمى فى الدنيا والعقبى حكى انه كان بالبصرة رجل معروف بالمسكى لانه كان يفوح منه رائحة المسك فسئل عنه فقال كنت من احسن الناس وجها وكان لى حياء فقيل لأبى لو أجلسته فى السوق لانبسط مع الناس فاجلسنى فى حانوت بزاز فجازت عجوز وطلبت متاعا فاخرجت لها ما طلبت فقالت لو توجهت معى لثمنه فمضيت معها حتى ادخلتنى فى قصر عظيم فيه قبة عظيم فاذا فيها جارية على سرير عليه فرش مذهبة فجذبتنى الى صدرها فقلت اللّه اللّه فقالت لا بأس فقلت انى حازق فدخلت الخلاء وتغوطت ومسحت به وجهى وبدنى فقيل انه مجنون فخلصت ورأيت الليلة رجلا قال لى اين انت من يوسف بن يعقوب ثم قال أتعرفنى قلت لا قال انا جبريل ثم مسح بيده على وجهى وبدنى فمن ذلك الوقت يفوح المسك على من رائحة جبريل عليه السلام وذلك ببركة التقوى والتقوى فى عرف الشرع وقاية النفس عما يضرها فى الآخرة وعى على مراتب. الاولى التوقى عن العذاب المخلد بالتبرى من الشرك وعليه قوله تعالى { وألزمهم كلمة التقوى } والثانية التجنب عن كل اثم وهو المتعارف باسم التقوى وهو المعنى بقوله تعالى { ولو ان اهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا } والثالثة التنزه عن جميع ما يشغله وهو التقوى الحقيقى المطلوب بقوله تعالى { اتقوا اللّه حق تقاته } ومن هذا القبيل ما حكى عن ذى النون المصرى انه لما جاء اليه بعض الوزراء وطلب الهمة واظهر الخشية من السلطان قال له لو خشيت انا من اللّه كما تخشى انت من السلطان لكنت من جملة الصديقين كرنبودى اميد راحت ورنج ... باى درويش بر فلك بودى وروزير ازخدا بترسيدى ... همجنان كزملك ملك بودى فينبغى للسالك ان يتقى ربه ويراقب اللّه فى جميع احواله كما قال تعالى { ان اللّه كان عليكم رقيبا } والمراقبة علم العبد باطلاع الرب سبحانه عليه فاستدامته لهذا العلم مراقبة لربه وهذا اصل كل خير ولا يكاد يصل الى هذه الرتبة الا بعد فراغه من المحاسبة فاذا حاسب نفسه على ما سلف واصلح حاله فى الوقت ولازم طريق الحق واحسن ما بينه وبين اللّه من مراعاة القلب وحفظه مع اللّه الانفاس وراقب اللّه سبحانه فى عموم احواله فيعلم انه عليه رقيب ومن قلبه رقيب يعلم احواله ويرى افعاله ويسمع اقواله ومن تغافل عن هذه الجملة فهو بمعزل عن بداية الوصلة فكيف عن حقائق القربة قال سليمان بن على لحميد الطويل عظنى قال لئن كنت عصيت اللّه خاليا وظنت انه يراك فقد اجترأت على امر عظيم ولئن كنت تظن انه لا يراك فقد كفرت لقوله تعالى { ان اللّه كان عليكم رقيبا } وكان بعض الصالحين له تلامذة وكان يخص واحدا منهم باقباله عليه اكثر مما يقبل على غيره فقالوا له فى ذلك فقال ابين لكم فدفع لكل واحد من تلامذته طائرا وقال له اذبحه بحيث لا يراك احد ودفع الى هذا ايضا فمضوا ورجع كل واحد منهم وقد ذبح طيره وجاء هذا بالطير حيا فقال له هلا ذبحته فقال امرتنى ان اذبحه بحيث لا يراه احد ولم اجد موضعا لا يراه احد فقال لهذا اخصه باقبالى عليه جهان مرآت حسن شاهد ماست ... فشاهد وجهه فى كل ذرات ٢ { وآتوا اليتامى اموالهم } اليتامى جمع يتيم وهو من الناس المنفرد عن الاب بموته ومن سائر الحيوانات عن الام وحق هذا الاسم ان يقع على الصغير والكبير لبقاء معنى الانفراد عن الاب الا انه غلب استعماله فى الصغير لاستغناء الكبير بنفسه عن الكافل فكأنه خرج عن معنى اليتم وهو الانفراد والمراد بايتاء اموالهم قطع المخاطبين اطماعهم الفارغة عنها وكف اكفهم الخاطفة عن اختزالها وتركها على حالها غير متعرض لها بسوء حتى تأتيهم وتصل اليه سالمة لا الاعطاء بالفعل فانه مشروط بالبلوغ وايناس الرشد وانما عبر عما ذكر بالايتاء مجازا للايذان بانه ينبغى ان يكون مرادهم بذلك ايصالها اليهم لا مجرد ترك التعرض لها والمعنى ايها الاولياء والاوصياء احفظوا اموال اليتامى ولا تتعرضوا لها بسوء وسلموها اليهم وقت استحقاقهم تسليمها اليهم { ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب } تبدل الشىء بالشىء واستبداله به اخذ الاول بدل الثانى بعد ان كان حاصلا له او فى شرف الحصول اى لا تستبدلوا الحلال المكتسب بالحرام المغتصب يعنى لا تستبدلوا مال اليتامى وهو حرام بالحلال وهو مالكم وما ابيح لكم من المكاسب ورزق اللّه المبعوث فى الارض فتأكلوه مكانه { ولا تأكلوا اموالهم الى اموالكم } المراد من الاكل التصرف لان اكل مال اليتيم كما يحرم فكذا سائر التصرفات المهلكة لتلك الاموال محرمة والدليل عليه ان فى المال ما لا يصح ان يؤكل وانما ذكر الاكل لانه معظم ما يقع لاجله التصرف والى بمعنى مع قال تعالى { من انصارى الى اللّه } اى مع اللّه والاصح ان المعنى لا تأكلوها مضمومة الى اموالكم ولا تسووا بينهما وهذا حلال وذاك حرام وقد خص من ذلك مقدار اجر المثل عند كون الولى فقيرا واذا اكل مال اليتيم وله مال كان ذلك اقبح ولذا ورد النهى عن اكله مع مال نفسه بعد ان قال ولا تتبدلوا الخ { انه } اى الاكل المفهوم من النهى { كان حوبا كبيرا } اى ذنبا عظيما عند اللّه فاجتنبوه روى ان رجلا من بنى غطفان كان معه مال كثير لابن اخ له يتيم فلما بلغ اليتيم طلب المال فمنعه عمه فترافعا الى النبى عليه السلام فنزلت هذه الآية فلما سمع العم قال اطعنا اللّه واطعنا الرسول نعوذ باللّه من الحوب الكبير فدفع اليه ماله فقال النبى صلى اللّه عليه وسلم ( من يوق شح نفسه ويطع ربه هكذا فانه يحل داره ) يعنى جنته فلما قبض الفتى ماله انفقه فى سبيل اللّه فقال عليه السلام ( ثبت الاجر وبقى الوزر ) فقالوا كيف بقى الوزر فقال ( ثبت الاجر للغلام وبقى الوزر على والده ) قال الشيخ السعدى قدس سره از زر وسيم راحتى برسان ... خويشتن هم تمتعى بر كير جونكه اين خانه از توخواهدماند ... خشتى ازسيم وخشتى از زركير قال تعالى { وآتوا اليتامى اموالهم } تزكية من آفة الحرص والحسد والدناءة والخسة والطمع وتحلية بالامانة والديانة وسلامة الصدر وقال { ولا تأكلوا اموالهم الى اموالكم } تزكية من الجور والحيف والظلم وتحلية بالعدل والانصاف فان اجتماع هذه الرذائل { انه كان حوبا كبيرا } اى حجابا عظيما فعلى العاقل ان يزكى نفسه من الاخلاق الرديئة ولا يطمع فى حق احد جل او قل بل يكون سخيا باذلا ماله على الارامل والايتام ويراعى حقوقهم بقدر الامكان وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال ست موبقات ليس لهن توبة. اكل مال اليتيم. وقذف المحصنة. والفرار من الزحف. والسحر. والشرك باللّه. وقتل نبى من الانبياء. ويقال طوبى للبيت الذى فيه يتيم. وويل للبيت الذى فيه يتيم يعنى ويل لاهل البيت الذين لم يعرفوا حق اليتيم وطوبى لهم اذا عرفوا حقه يكى خار باى يتيمى بكند ... بحواب اندرش ديدصدر خجند كه ميكفت ودر روضاهامى حميد ... كزان خار بر من جه كلهادميد وروى ان رجلا جاء الى النبى صلى اللّه عليه وسلم فقال عندى يتيم مم اضربه قال ( مما تضرب به ولدك ) يعنى لا بأس ان تضربه للتأديب ضربا غير مبرح مثل ما يضرب الوالد ولده وروى عن الفضيل بن عياض انه قال رب لطمة انفع لليتيم من اكلة خبيص قال الفقيه فى تنبيه الغافلين ان كان هذا يقدر ان يؤدبه بغير ضرب ينبغى له ان يفعل ذلك ولا يضربه فان ضرب اليتيم امر شديد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( ان اليتيم اذا ضرب اهتز عرش الرحمن لبكائه فيقول اللّه يا ملائكتى من ابكى الذى غيبت اباه فى التراب وهو اعلم به قال تقول الملائكة ربنا لا علم لنا قال فانى اشهدكم ان من ارضاه ارضه من عندى يوم القيامة ) جو بينى يتيمى سرافكند بيش ... مده بوسه برروى فرزند خويش يتيم اربكريد كه بارش برد ... وكرخشم كيرد كه نازش خرد ألا تانكريد كه عرش عظيم ... بلرزد همى جون بكريد يتيم اكرسايه خودبرفت ازسرش ... تو درسايه خويشتن برورش قال اللّه تعالى لداود النبى عليه السلام [ كن لليتيم كالاب الرحيم واعلم انك كما تزرع كذلك تحصد ] واعلم ان المرأة الصالحة لزوجها كالملك المتوّج بالذهب كلما رآها قرت عينه والمرأة السوء لبعلها كالحمل الثقيل على الشيخ الكبير كراخانه آباد وهمخوابه دوست ... خدارا برحمت نظر سوى اوست دلارام باشد زن نيك خواه ... وليك اززن بدخدايا بناه تهى باى رفتن به از كفش تنك ... بلاى سفر به كه درخانه جنك ٣ { وان خفتم الا تقسطوا فى اليتامى } الاقساط العدل والمراد بالخوف العلم عبر عنه بذلك ايذانا بكون المعلوم مخوفا محذورا لا معناه الحقيقى لان لاذى علق به الجواب هو العلم بوقوع الجور المخوف لا الخوف منه والا لم يكن الامر شاملا لمن يصبر على الجور ولا يخافه وسبب النزول انهم كانوا يتزوجون من يحل لهم من اليتامى اللاتى يلونهن لكن لا لرغبة فيهن بل فى مالهن ويسيئون فى الصحبة والمعاشرة ويتربصون بهن ان يمتن فيرثوهن وقيل هى اليتيمة تكون فى حجر وليها فيرغب فى مالها وجمالها ويريد ان ينكحها بادنى من سنة نسائها فنهوا ان ينكحوهن الا ان يقسطوا لهن فى اكمال الصداق وامروا ان ينكحوا من سواهن من النساء والمعنى وان خفتم ان لا تعدلوا فى حق اليتامى اذا تزوجتهم بهن باساءة العشرة او بنقص الصداق { فانكحوا ما } موصولة او موصوفة اوثرت على من ذهابا بها الى الوصف اى نكاحا { طاب لكم من النساء } اى غير اليتامى بشهادة قرينة المقام اى فانكحوا من استطابتها نفوسكم من الاجنبيات { مثنى وثلاث ورباع } حال من فاعل طاب اى فانكحوا الطيبات لكم معدودات هذا العدد ثنتين ثنتين وثلاثا وثلاثا واربعا واربعا حسبما تريدون على معنى ان لكل واحد منهم ان يختار اى عدد شاء من الاعداد المذكورة لا ان بعضها لبعض منهم وبعضها لبعض آخر { فان خفتم ان لا تعدلوا } اى فيما بينهن ولو فى اقل الاعداد المذكورة كما خفتموه فى حق اليتامى او كما لم تعدلوا فيما فوق هذه الاعداد { فواحدة } فالزموا او فاختاروا واحدة وذروا الجمع بالكلية { او ما } ولم يقل من ايذانا بقصور رتبة الاماء عن رتبة العقلاء { ملكت ايمانكم } اى من السرارى بالغة ما بلغت من مراتب العدد وهو عطف على واحدة على ان اللزوم والاختيار فيه بطريق التسرى لا بطريق النكاح كما فيما عطف عليه لاستلزامه ورود ملك النكاح على ملك اليمين بموجب اتحاد المخاطبين فى الموضعين وانما سوى فى السهولة واليسر بين الحرة الواحدة وبين السرارى من غير حصر فى عدد لقلة تبعيتهن وخفة مؤننهن وعدم وجوب القسم فيهن { ذلك } اشارة الى اختيار الواحدة { ادنى ان لا تعولوا } العول الميل من قولهم عال الميزان عولا اذا مال وعال فى الحكم جار والمراد ههنا الميل المحظور المقابل للعدل اى ما ذكر من اختيار الواحدة والتسرى اقرب بالنسبة الى ما عداهما من ان لا يميلوا ميلا محظورا لانتفائه رأسا بانتفاء محله فى الاول وانتفاء حظره فى الثانى بخلاف اختيار العدد فى المهائر فان الميل المحظور متوقع فيه لتحقق المحل والحظر ٤ { وآتوا النساء } اى اللاتى امر بنكاحهن { صدقاتهن } جمع صدقة وهى المهر { نحلة } فريضة من اللّه لانها مما فرضه اللّه فى النحلة اى الملة والشريعة والديانة فانتصابها على الحالية من الصدقات اى اعطوهن مهورهن حال كونها فريضة من اللّه او تدينا فانتصابها على انه مفعول له اى اعطوهن ديانة وشرعة او هبة وعطية من اللّه وتفضلا منه عليهن فانتصابها على الحالية منها ايضا او عطية من جهة الازواج من نحله اذا اعطاه اياه ووهبه له عن طيبة من نفسه نحلة ونحلا والتعبير عن ايتاء المهور بالنحلة مع كونها واجبة على الازواج لافادة معنى الايتاء عن كمال الرضى وطيب الخاطر وانتصابها على المصدرية لان الايتاء والنحلة بمعنى الاعطاء كأنه قيل وانحلوا النساء صدقاتهن نحلة اى اعطوهن مهورهن عن طيبة انفسكم فالخطاب للازواج وقيل للاولياء لانهم كانوا يأخذون مهور بناتهم وكانوا يقولون هنيئا لك النافجة لمن يولد له بنت يعنون تأخذ مهرها فتنفج به مالك اى تعظم { فان طبن لكم عن شىء منه } الضمير للصدقات وتذكيره لاجرآئه مجرى ذلك فانه قد يشار به الى المتعدد واللام متعلقة بالفعل وكذا عن لكن بتضمينه معنى التجافى والتجاوز ومن متعلقة بمحذوف وقع صفة لشىء اى كائن من الصداق وفيه بعث لهن الى تقليل الموهوب { نفسا } تمييز والتوحيد لما ان المقصود بيان الجنس اى وهبن لكم شيأ من الصداق متجافيا عن نفوس هن طيبات غير خبيثات بما يضطرهن الى البذل من شكاية اخلاقكم وسوء معاشرتكم { فكلوه } اى فخذوا ذلك الشىء الذى طابت به نفوسهن وتصرفوا فيه تملكا وتخصيص الاكل بالذكر لانه معظم وجوه التصرفات المالية { هنيئا مريئا } صفتان من هنأ الطعام ومرأ اذا كان سائغا لا تنغيض فيه ونصبهما على انهما صفتان للمصدر اى اكلا هنيئا مريئا وهذه عبارة عن التحليل والمبالغة فى الاباحة وازالة التبعة روى ان ناسا كانوا يتأثمون ان يقبل احدهم من زوجته شيأ مما ساقه اليها فنزلت وفى الآية دليل على وجوب الاحتياط حيث بنى الشرط على طيب النفس ولذا قيل يجوز الرجوع بما وهبن ان خدعن من الازواج وبيان لجواز معروفها وترغيب فى حسن المعاشرة بينهما فان خير الناس خيرهم لاهله وانفعهم لعياله وفى الحديث ( جهاد المرأة حسن التبعل ) وكانت المرأة على عهد النبى عليه السلام تستقبل زوجها اذا دخل وتقول مرحبا بسيدى وسيد اهل بيتى وتقصد الى اخذ ردائه فتأخذه من عنقه وتعمد الى نعله فتخلعه فان رأته حزينا قالت ما يحزنك ان كان حزنك لآخرتك فزاد اللّه فيها وان كان لدنياك فكفاك اللّه فقال النبى صلى اللّه عليه وسلم ( يا فلان اقرئها منى السلام واخبرها ان لها نصف اجر الشهيد ) وعلامة الزوجة الصالحة عند اهل الحقيقة ان يكون حسنها مخافة اللّه وغناها القناعة وحليها العفة اى التكفف عن الشرور والمفاسد وعبادتها بعد الفرائض حسن الخدمة للزوج وهمتها الاستعداد للموت اكر بارسا باشد وخوش سخن ... نكه درنكويى وزشتى مكن زن خوب وخوش طبع كنجست ومار ... رها كن زن زشت ناساز كار يعنى لا تلتفت الى امرأة ليس لها حسن ولا موافقة لك بحسن الخلق روى ان الاسكندر كان يوما عنده جمع من ندمائه فقال واحد منهم ان اللّه تعالى اعطى لك مملكة كثيرة وشوكة وافرة فاكثر من النساء حتى يكثر اولادك ويبقوا بعدك قال الاسكندر اولاد الرجال ليست ما ذكرت بل هى العادات الحسنة والسير المرضية والاخلاق الكريمة وليس مما يليق بالجرل الشجيع ان تغلب عليه النساء بعد ان غلب هو على اهالى الدنيا ونعم ما قيل يغلبن الكرام ويغلبهن اللئام جونيست بيش بدراين قدر يقين كه بسر ... زخيل بى خردانست ياخردمندان بسست سيرت نيكو حكيم را فرزند ... زبون زن جه شود براميد فرزندان قال الشيخ السعدى قدس سره فى البستان جه نغز آمداين يك سخن زان دوتن ... كه سركشته بودنداز دست زن يكى كفت كس را زان بد مباد ... دكر كفت زن درجهان خودمباد زن نو كن اى دوست هر نوبهار ... كه تقويم بارين نيايد بكار قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( ثلاثة من امتى يكونون فى جهنم كعمر الدنيا سبع مرات. اولهم متسمنون مهزولون. والثانى كاسون عارون. والثالث عالمون جاهلون ) قيل من هؤلاء يا رسول اللّه قال ( اما المتسمنون المهزولون فالنساء متسمنات باللحم مهزولات فى امور الدين واما الكاسون العارون فهن النساء كاسيات من الثياب عاريات من الحياء واما العالمون الجاهلون فهم اهل الدنيا التاجرون الكاسبون يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ) فهؤلاء عالمون فى امور الدنيا جاهلون فى امور الآخرة لا يبالون من اين يجمعون المال وهم لا يشبعون من الحلال ولا يبالون من الحرام نعوذ باللّه ٥ { ولا تؤتوا } ايها الاولياء { السفهاء } اى المبذرين من الرجال والنساء والصبيان واليتامى { اموالكم } اضاف الاموال الى الاولياء تنزيلا لاختصاصها باصحابها منزلة اختصاصها بالاولياء فكان اموالهم عين اموالهم لما بينهم وبينهم من الاتحاد الجنسى والنسبى مبالغة فى حملهم على المحافظة عليها وقد ايد ذلك حيث عبر عن جعلها مناطا لمعاش اصحابها بجعلها مناطا لمعاش الاولياء بقوله { التى جعل اللّه لكم قياما } اى جعلها اللّه شيأ تقومون به وتنتعشون فلو ضيعتموه لضعتم ولما كان المال سببا للقيام والاستقلال سماه بالقيام اطلاقا لاسم المسبب على السبب على سبيل المبالغة فكأنها من فرط قيامهم بها واحتياجهم اليها نفس قيامهم { وارزقوهم فيها واكسوهم } الرزق من اللّه العطية من غير حد ومن العباد اجراء موقت محدود اى اطعموهم منها ولم يقل منها لئلا يكون ذلك امرا بان يجعلوا بعض اموالهم رزقا لهم بل امرهم ان يجعلوا اموالهم مكانا لرزقهم بان يتجروا فيها ويثمروا فيجعلوا ارزاقهم من الارباح لا من اصول الاموال { وقولوا لهم قولا معروفا } كلاما لينا تطيب به نفوسهم قال القفال القول المعروف هو انه ان كان المولى عليه صبيا فالولى يعرفه ان المال ماله وهو خازن له وانه اذا زال صباه فانه يرد المال اليه وان كان المولى عليه سفيها وعظه ونصحه وحثه على الصلاة ورغبه فى ترك التبذير والاسراف وعرفه ان عاقبة التبذير الفقر والاحتياج الى الخلق الى ما يشبه هذا النوع من الكلام واذا كان رشيدا فطلب ماله ومنعه الولى يأثم وفى الآية تنبيه على عظم خطر المال وعظم نفعه قال السلف المال سلاح المؤمن هيىء للفقر الذى يهلك دينه وكانوا يقولون اتجروا واكتسبوا فانكم فى زمان اذا احتاج احدكم كان اول ما يأكل دينه وربما راوأ رجلا فى جنازة فقالوا له اذهب الى دكانك قال الامام وقد رغب اللّه فى حفظ المال فى آية المداينة حيث امر بالكتاب والشهادات والرهن والعقل ايضا يؤيد ذلك لان الانسان ما لم يكن فارغ البال لا يمكنه القيام بتحصيل الدنيا والآخرة ولا يكون فارغ البال الا بواسطة المال لانه به يتمكن من جلب المنافع ودفع المضار شب براكنده خسبد آنكه بديد ... نبود وجه بامدادانش مور كرد آورد بتابستان ... تافراغت بود زمستانش فمن اراد الدنيا بهذا الغرض كانت الدنيا فى حقه من اعظم الاسباب المعينة على اكتساب سعادة الآخرة اما من ارادها لنفسها وعينها كانت من اعظم المعوقات عن كسب سعادة الآخرة فخير المال ما كان متاع البلاغ ولا ينبغى للمرء ان يسرف فى المال الذى يبلغه الى الآخرة والجنة والقربة جودخلت نيست خرج آهسته تركن ... كه ملاحان همى كويند سرودى اكر باران بكوهستان نبارد ... بسالى دجله كردد خشك رودى درخت اندر خزانها برفشاند ... زمستان لا جرم بى برك ماند والاشارة الى ان اللّه تعالى جعله المال قياما لمصالح دين العباد ودنياهم فالعاقل منهم من يجعله قياما لمصالح دينه ما امكنه ولمصالح دنياه بقدر حاجته الضرورية اليه والسفيه من جعله لمصالح دنياه ما امكنهوالمنهى عنه ان تؤتوا اليه اموالكم كائنا من كان ومن جملة السفهاء النفس التى هى اعدى عدوك وكل ما انفقه الرجل على نفسه بهواها ففيه مفاسد دينه ودنياه الا المستثنى منه كما اشار تعالى بقوله { وارزقوهم فيها } يعنى ما يسد به جوع النفس { واكسوهم } يعنى ما يستر عورتها فان ما زاد على هذا يكون اسرافا فى حق النفس والاسراف منهى عنه { وقولوا لهم قولا معروفا } فالقول المعروف مع النفس ان يقول اكلت رزق اللّه ونعمه فادى شكر نعمته بامتثال اوامره ونواهيه واذيبى طعامك بذكر اللّه كما قال عليه السلام ( اذيبوا طعامكم بالصلاة والذكر ) واقل ذلك ان يصلى ركعتين او يسبح مائة تسبيحة او يقرأ جزأ من القرآن عقيب كل اكلة وسببه انه اذا نام على الطعام من غير اذابته بالذكر والصلاة بعد اكله يقسو قلبه ونعوذ باللّه من قسوة القلب ففى الاذابة رفع القسوة واداء الشكر واعلم ان فى قوله تعالى { ولا تؤتوا السفهاء } الخ اشارة اخرى وهى ان اموال العلوم وكنوز المعارف لا تؤتى لغير اهلها من العوام ولا تذكر كما حكى ان بعض الكبار ذكر بعض الكرامات لولى فنقل ذلك بعض السامعين فى مجلس آخر وانكره رجل فلما رجع الى الاصل قال لا يباع الابل فى سوق الدجاج دريغست باسفله كفت ازعلوم ... كه ضايع شود تخم درشوره بوم ٦ { وابتلوا اليتامى } اى واختبروا ايها الاولياء والاوصياء من ليس من اليتامى بين السفه قبل البلوغ يتتبع احوالهم فى صلاح الدين والاهتداء الى ضبط المال وحسن التصرف فيه وجربوهم بما يليق بحالهم فان كانوا من اهل التجارة فبان تعطوهم من المال ما يتصرفون فيه بيعا وابتياعا وان كانوا ممن له ضياع واهل وخدم فبان تعطوا منه ما يصرفونه الى نفقة عبيدهم وخدمهم واجرائهم وسائر مصارفهم حتى يتبين لكم كيفية احوالهم { حتى اذا بلغوا النكاح } بان يحتلموا لانهم يصلحون عنده للنكاح { فان آنستم } اى شاهدتم وتبينتم { منهم رشدا } صلاحا فى دينهم واهتداء الى وجوه التصرفات من غير عجز وتبذير { فادفعوا اليهم اموالهم } من غير تأخير عن حد البلوغ وظاهر الآية الكريمة ان من بلغ غير رشيد اما بالتبذير او بالعجز لا يدفع اليه ماله ابدا وبه اخذ ابو يوسف ومحمد وقال ابو حنيفة ينتظر الى خمس وعشرين سنة لان البلوغ بالسن ثمانى عشرة فاذا زادت عليها بسبب سنين وهى مدة معتبرة فى تغيير احوال الانسان لما قال عليه السلام ( مروهم بالصلاة لسبع ) دفع اليه ماله اونس منه رشد او لم يونس { ولا تأكلوها اسرافا } بغير حق حال اى مسرفين وليس فيه اباحة القليل وتحريم الاسراف بل هو بيان انه اسراف { وبدارا } اى مبادرين ومسارعين الى انفاقهما مخافة { ان يكبروا } فتفرطون فى انفاقها وتقولون ننفق كما نشتهى قبل ان تكبر اليتامى رشدا فينتزعوها من ايدينا ويلزمنا تسليمها اليهم { ومن كان غنيا } من الاولياء والاوصياء { فليستعفف } فليتنزه عن اكلها وليمتنع وليقنع بما آتاه اللّه من الغنى والرزق اشفاقا على اليتيم وابقاء على ماله واستعفف ابلغ من عف كأنه يطلب زيادة العفة { ومن كان } من الاولياء والاوصياء { فقيرا فليأكل بالمعروف } اى بما عرف فى الشرع بقدر حاجته الضرورية واجرة سعيه وخدمته وفيه ما يدل على ان للوصى حقا لقيامه عليها { فاذا دفعتم اليهم اموالهم } بعد ما راعيتم الشرائط المذكورة { فأشهدوا عليهم } بانهم تسملوها وقبضوها وبرئت منها ذممكم لما ان ذلك ابلغ من التهمة وانفى للخصومة وادخل فى الامانة وبراءة الساحة وان لم يكن واجبا عند اصحابنا فان الوصى مصدق فى الدفع مع اليمين وقال مالك والشافعى لا يصدق فى دعواه الا بالبينة { وكفى باللّه } الباء صلة { حسيبا } محاسبا وحافظ الأعمال خلقه فلا تخالفوا ما امرتم به ولا تجاوزوا ما حدّ لكم واعلموا ان اللائق للعاقل ان يحترز عن حق الغير خصوصا اليتيم فانه يجره الى نار الجحيم فأكل حقه من الكبائر ومن ابتلى بحق من حقوق العباد فعليه بالاستحلال قبل الانتقال الى دار السؤال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( من كانت عنده مظلمة لاخيه او شىء فليتحللّه منه اليوم من قبل ان لا يكون دينار ولا درهم ان كان له عمل صالح اخذ منه بقدر مظلمة وان لم يكن له حسنات اخذ من سيآت صاحبه فحمل عليه ومن اجتمعت عليه مظالم وقد تاب عنها وعسر عليه استحلال ارباب المظالم فليكثر من حسناته ليوم القصاص وليسرّ ببعض الحسنات بينه وبين اللّه بكمال الاخلاص حيث لا يطلع عليه الا اللّه فعساه يقربه ذلك الى اللّه فينال به لطفه الذى ادخره لارباب الايمان فى دفع مظالم العباد عنهم بارضائه اياهم ) قال العلماء اذا زنى بامرأة ولها زوج فما لم يجعل ذلك الرجل فى حل لا يغفر له لان خصمه الآدمى فاذا تاب وجعله فى حل فان يغفر له ويكتفى بحل منه ولا يذكر الزنى ولكن يقول كل حق لك على فاجعلنى فى حل منه ومن كل خصومة بينى وبينك وهذا صلح بالمعلوم على المجهول وذلك جائز كرامة لهذه الامة لان الامم السالفة ما لم يذكروا الذنب لا يغفر لهم وكذا غصب اموال عباد اللّه واكلها وضربهم وشتمهم وقتلهم كلها من الحقوق التى يلزم فيها ارضاء الخصماء والتوبة والمبادرة الى الاعمال الصالحة والافعال الحسنة فاذا لم يتب العبد من امثال هذه ولم يرض خصماءه كان خاسرا خاليا عن العمل عند العرض الاكبر نماند ستمكار بد روزكار ... بماند برو لعنت بايدار جنان زى كه ذكرت بتحسين كند ... جو مردى نه بركور نفرين كنند تبايد برسم بد آيين نهاد ... كه كويند لعنت بران كين نهاد فينبغى للظالم ان يتوب من الظلم ويتحلل من المظلوم فى الدنيا فاذا لم يقدر عليه ينبغى ان يستغفر له ويدعو له فان يرجى ان يحللّه بذلك وعن فضيل بن عياض رحمه اللّه انه قال قراءة آية من كتاب اللّه والعمل بها احب الى من ختم القرآن الف الف مرة وادخال السرور على المؤمن وقضاء حاجته احب الى من عبادة العمر كله وترك الدنيا ورفضها احب الى من التعبد بعبادة اهل السموات والارض وترك دانق من حرام احب الى ما مائتى حجة من المال الحلال وقال ابو القاسم الحكيم ثلاثة اشياء تنزع الايمان من العبد. اولها ترك الشكر على الاسلام. والثانى ترك الخوف على ذهاب الاسلام. والثالث الظلم على اهل الاسلام وعن ابى ميسرة قال اتى بسوط الى رجل فى قبره بعدما دفن يعنى جاءه منكر ونكير فقالا له انا ضارباك مائة سوط فقال الميت انا كنت كذا وكذا يتشفع حتى حطا عنه عشرا ثم لم يزل بهما حتى صارت الى ضربة واحدة فقالا له انا ضارباك ضربة واحدة فضرباه ضربة واحدة التهب القبر نارا فقال لم ضربتمانى قالا مررت برجل مظلوم فاستغاث بك فلم تغثه فهذا حال الذى لم يغث المظلوم فكيف يكون حال الظالم واعلم ان الكبار يكفون انفسهم عن المشتبهات فضلا عن الحرام فان اللقمة الطيبة لها اثر عظيم فى اجابة الدعاء ولذا قال الشيخ نجم الدين الكبرى قدس سره اول شرائط اجابة الدعاء اصلاح الباطن بلقمة الحلال وآخر شرائطها الاخلاص وحضور القلب يعنى التوجه الاحدى اذ القلب الحاضر فى الحضرة شفيع له قال تعالى { فادعوا اللّه مخلصين له الدين } فحركة الانسان باللسان وصياحه من غير حضور القلب ولولة الواقف على الباب وصوت الحارس على السطح فعلى العاقل ان يحترز عن الحرام والمشتبهات كى يستجاب دعاؤه فى الخلوات ٧ { للرجال نصيب } روى ان اوس بن صامت الانصارى رضى اللّه عنه خلف زوجته ام كحة وثلاث بنات فزوى ابنا عمه سويد وعرفطة ميراثه عنهن على سنة الجاهلية فانهم ما كانوا يورثون النساء والاطفال ويقولون انما يرث من يحارب ويذب عن الحوزة فجاءت ام كحة الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى مسجد الفضيح فشكت اليه فقال ( ارجعى حتى انظر ما يحدث اللّه ) فنزلت هذه الآية فبعث اليهما لا تفرقا من مال اوس شيأ فان اللّه قد جعل لهن نصيبا ولم يبين حتى يبين فنزل يوصيكم اللّه الخ فأعطى ام كحة الثمن والبنات الثلثين والباقى لابنى العم والمعنى لذكور اولاد الميت حظ كائن { مما ترك الوالدان والاقربون } من ذوى القرابة للميت والمراد المتوارثون منهم دون المحجوبين عن الارث وهم الابوان والزوجان والابن والبنت { وللنساء } اى لجماعة الاناث { نصيب مما ترك الوالدان والاقربون مما قل منه او كثر } مما الاخيرة باعادة الجار بدل واليها يعود الضمير المجرور وهذا البدل مراد فى الجملة الاولى ايضا محذوف للتعويل على المذكور وفائدته دفع توهم اختصاص بعض الاموال ببعض الورثة كالخيل وآلات الحرب للرجال وتحقيق ان لكل من الفريقين حقا من كل ما جل ودق { نصيبا مفروضا } نصب على الاختصاص اى اعنى نصيبا مقطوعا مفروضا واجبا لهم وفيه دليل على ان الوارث لو اعرض عن نصيبه لم يسقط حقه ٨ { واذا حضر القسمة } اى قسمة التركة والميراث { اولو القربى } للميت ممن لا يرث منه { واليتامى والمساكين } من الاجانب { فارزقوهم منه } اى اعطوهم شيأ من المال المقسوم المدلول عليه بالقسمة او مما ترك الوالدان والاقربون وهو امر ندب كلف به البالغون من الورثة تطييبا لقلوب الطوائف المذكورة وتصدقا عليهم وكان المؤمنون يفعلون ذلك اذا اجتمعت الورثة وحضرهم هؤلاء فرضخوا لهم بشىء من ورثة المتاع فحثهم اللّه على ذلك تأديبا من غير ان يكون فريضة فلو كان فريضية لضرب له حد ومقدار كما لغيره من الحقوق { وقولوا لهم قولا معروفا } وهو ان يدعوا لهم ويقولوا اخذوا بارك اللّه عليكم ويستقلوا ما اعطوهم ويعتذروا من ذلك ولا يمنوا عليهم وكل ما سكنت اليه النفس واحبته لحسنه شرعا او عقلا من قول او عمل فهو معروف وما انكرته لقبحه شرعا او عقلا فهو منكر وفى الحديث ( كل معروف صدقة ) وفى المثل اصنع المعروف والقه فى الماء فان لم يعرف السمك يعرفه من سمك السماء تونيكى كن بآ ب اندارزاى شاه ... اكر ماهى نداند داند اللّه حكى ان حية اتت رجلا صالحا فقالت اجرنى من عدوى اجارك اللّه ففتح لها رداءه فقالت يرانى فيه فان اردت المعروف فافتح فاك حتى ادخل فيه فقال اخشى ان تهلكينى قالت لا واللّه واللّه وسكان سمواته وارضه شاهدة على ذلك ففتح فاه فدخلت ثم عارضه رجل فى ذلك فانكر فلما اندفع خوفها قالت يا احمق اختر لنفسك كبدك او فؤادك فقال اين العهد واليمين قالت ما رأيت احمق منك اذ نسيت العداوة التى بينى وبين ابيك آدم وما الذى حملك على اصطناع المعروف مع غير اهله فقال مهلينى حتى آتى تحت هذا البل ثم توجه الى اللّه فظهر رجل حسن الوجه طيب الرائحة واعطاه ورقة خضراء وامره بالمضغ ففعل فلم يلبث الا خرج قطع الحية من الاسفل فخلصه اللّه تعالى من شرها ثم سأل من انت فقال انا المعروف وموضعى فى السماء الرابعة وانت لما دعوت اللّه ضجت الملائكة فى السموات السبع الى اللّه فانطلقت الى الجنة واخذت من شجرة طوبى ورقة بامر اللّه فاصنع المعروف فانه لا يضيع عند اللّه وان ضيعه المصطنع اليه نكو كارى ازمردم نيك رأى ... يكى را بده مى نويسد خداى ومما يكتب من الصدقة الكلمة الطيبة والشفاعة الحسنة والمعونة فى الحاجة وعيادة المرضي وتشييع الجنازة وتطييب قلب مسلم وغير ذلك واعلم ان الرجال فى الحقيقة اقوياء الطلبة والسلام فلهم نصيب بقدر صدقهم فى الطلب ورجوليتهم فى الاجتهاد مما ترك المشايخ والاخوان فى اللّه والاعوان على الطلب وتركتهم بركنهم وسيرتهم فى الدين وانوار هممهم العلية ومواهب ولايتهم السنية والنساء ضعفاء القوم فلهم ايضا نصيب مفروض اى قدر معلوم على وفق صدق التجائهم اليه وجدهم فى الطلب وحسن استعدادهم لقبول فيض الولاية وهذا حال المجتهدين الذين هم ورثة المشايخ كما انهم ورثة الانبياء فاما المنتمون الى ولايتهم بالارادة وحسن الظن والمقتبسون من انوارهم والمقتفون على آثارهم والمشبهون بزيهم والمتبركون بهم على تفاوت درجاتهم فهم بمثابة اولى القربى واليتامى والمساكين اذا حضروا القسمة عند محافل صحبتهم ومجامع سماعهم ومجالس ذكرهم فانها مقاسم خيراتهم وبركاتهم فارزقوهم منه اى من مواهب ولايتهم وآثار هدايتهم واعطاف عنايتهم والطاف رعايتهم وقولوا لهم قولا معروفا فى التشويق وارشاد الطريق والحث على الطلب والتوجه الى الحق والاعراض عن الدنيا وتقرير هوانها على اللّه وخسارة اهلها وعزة اهل اللّه فى الدارين وكمال سعادتهم فى المنزلين فاذا وقفت على هذا فاجتهد حتى لا تحرم من ميراثه الحقيقة ونصيب المعرفة ونعم ما قيل ميراث بدر خواهى توعلم بدر آموز ... كين مال بدر خرح توآن كردبده روز رزقنا اللّه واياكم ثمرات الاحوال وبلغنا الى تصفية الباطن واصلاح البال ٩ { وليخش الذين } صفتهم وحالهم انهم { لو تركوا } اى لو شارفوا ان يتركوا { من خلفهم } اى بعد موتهم { ذرية ضعافا } اولادا عجزة لا غنى لهم وذلك عند احتضارهم { خافوا عليهم } اى الضياع بعدهم لذهاب كافلهم وكاسبهم والفقر والتكفف والمراد بالذين هم الاوصياء امروا ان يخشوا اللّه فيخافوا على من فى حجورهم من اليتامى وليشفقوا عليهم خوفهم على ذريتهم لو تركوهم ضعافا وشفقتهم عليهم وان يقدروا ذلك فى انفسهم ويصوروه حتى لا يجسروا على خلاف الشفقة والرحمة { فليتقوا اللّه } فى زرارى غيرهم { وليقولوا قولا سديدا } اى وليقولوا لليتامى مثل ما يقولون لأولادهم بالشفقة وحسن الادب والترهيب ويدعوهم بيابنى ويا ولدى ولا يؤذوهم ١٠ { ان الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما } ظالمين او على وجه الظلم من اولياء السوء وقضاته وانما قيد به لانه اذا اكل منه بالمعروف عند الحاجة او بما قدر له به القاضى بقدر عمله فيه لم يعاقب عليه { انما يأكلون فى بطونهم } اى ملىء بطونهم يقال اكل فى بطنه اذا ملأه واسرف وفى معاه اذا اقتصد فيه { نارا } اى ما يجر الى النار ويؤدى اليها فكأنه نار فى الحقيقة { وسيصلون } اى سيدخلون يوم البعث { سعيرا } اى نارا مسعرة او هائلة مبهمة الوصف روى ان آكل مال اليتيم يبعث يوم القيامة والدخان يخرج من قبره ومن فيه وانفه واذنيه وعينيه ويعرف الناس انه كان يأكل مال اليتيم فى الدنيا وروى انه لما نزلت هذه الآية ثقل ذلك على الناس فاحترزوا عن مخالطة اليتامى بالكلية فصعب الامر على اليتامى فنزل قوله تعالى { وان تخالطوهم فاخوانكم فى الدين } الآية وفى الحديث قال النبى عليه السلام ( رأيت ليلة اسرى بى قوما لهم مشافر كمشافر الابل احداهما قالصة على منخريه والاخرى على بطنه وخزنة جهنم يلقمونه جمر جهنم وصخرها فقلت يا جبريل من هؤلاء قال الذين يأكلون اموال اليتامى ظلما ) كى كز صرصر ظلمش دمادم ... جراغ عيش مظلومان بميرد نمى ترسد ازين كايزد تعالى ... اكرجه ديركيرد سخت كيرد وقد امر اللّه تعالى ان لا يؤذى اليتيم ويقال له القول السديد فكيف يكون حال من آذاه وغيره من المؤمنين واكل اموالهم بالغصب والظلم روى ان لجهنم جبابا يعنى مواضع كساحل البحر فيها حيات كالبخاتى وعقارب كالبغال الدلم فاذا استغاث اهل جهنم ان يخفف عنهم قيل لهم اخرجوا الى الساحل فيخرجون فتأخذ الحيات شفاههم ووجوههم ما شاء اللّه فيكشطن فيستغيثون فرارا منها الى النار فيسلط عليهم الجرب فيحك احدهم جلده حتى يبدو العظم فيقال يا فلان هل يؤذيك هذا فيقول نعم فيقال ذلك بما كنت تؤذى المؤمنين. فعلى المرء ان يجتنب عن الايذاء وايصال الالم الى الخلق فان الدعاء السوء من المظلومين يقبل البتة فى حق الظالم والمؤذى خرابى كند مرد شمشيرزن ... نجندانكه دود دل طفل وزن رياست بدست كسانى خطاست ... كه ازدست شان دستها برخداست مكافات موذى بمالش مكن ... كه بيخش بر آورد بايد زبن سر كرك بايد هم اول بريد ... نه جون كوسفندان مردم دريد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( تقبلوا لى ستا اتقبل لكم الجنة اذاحدثتم فلا تكذبوا واذا وعدتم فلا تخلفوا واذا ائتمنتم فلا تخونوا وغضوا ابصاركم واحفظوا فروجكم وكفوا ايديكم عن الحرام وادخلوا الجنة ) وروى عن ابن المبارك انه قال ترك فلس من حرام افضل من مائة الف فلس يتصدق بها عنه وعنه انه كان بالشام يكتب الحديث فانكسر قلمه فاستعار قلما فلما فرغ من الكتابة نسى فجعل القلم فى مقلمته فلما رجع الى مرو رأى القلم وعرفه فتجهز للخروج الى الشام قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا وصمتم حتى تكونوا كالأوتار فما ينفعكم الا بالورع ) قال ابراهيم بن ادهم رحمه اللّه الزهد ثلاثة اصناف. زهد فرض. وزهد فضل وزهد سلامة. فزهد الفرض هو الزهد فى الحرام. وزهد الفضل هو الزهد فى الحلال. وزهد السلامة هو الزهد فى الشبهات وكان حسان بن ابى سنان لا ينام مضطجعا ولا يأكل سمينا ولا يشرب باردا ستين سنة فرؤى فى المنام بعد ما مات فقيل له ما فعل اللّه بك فقال خيرا غيرا انى محبوس عن الجنة بابرة استعرتها فلم اردها ومر عيسى عليه السلام بمقبرة فنادى رجلا منهم فاحياه اللّه تعالى فقال من انت فقال كنت حمالا اثقل للناس فنقلت يوما لانسان حطبا فكسرت منه خلالا تخللت به فانا مطالب به منذ مت خوف دارى اكر زقهر خدا ... نروى راه حرام دنيا ١١ { يوصيكم اللّه } اى يأمركم ويعهد اليكم { فى اولادكم } اولاد كل واحد منكم اى فى شأن ميراثهم وهو اجمال تفصيله { للذكر مثل حظ الانثيين } والمعنى منهم فحذف للعلم به اى يعد كل ذكر بأنثيين حيث اجتمع الصنفان فيضعف نصيبه { فان كن } اى الاولاد والتأنيث باعتبار الخبر وهو قوله تعالى { نساء } اى خلصا ليس معهن ذكر { فوق اثنتين } خبر ثان { فلهن ثلثا ما ترك } اى المتوفى المدول عليه بقرينة المقام وحكم البنتين كحكم ما فوقهما { وان كانت } اى المولودة { واحدة } اى امرأة واحدة ليس معها اخ ولا اخت { فلها النصف } مما ترك { ولابويه } اى لأبوى الميت { لكل واحد منهما السدس } كائنا ذلك السدس { مما ترك } المتوفى { ان كان له } اى للميت { ولد } او ولد ابن ذكرا كان او انثى واحدا او متعددا غير ان الأب فى صورة الانوثة بعد ما اخذ فرضه المذكور يأخذ ما بقى من ذوى الفروض بالعصوبة { فان لم يكن له ولد } ولا ولد ابن { وورثه ابواه } فحسب { فلأمه الثلث } مما ترك والباقى للأب هذا اذا لم يكن معهما احد الزوجين اما اذا كان معهما احد الزوجين فلأمه ثلث ما بقى من فرض احدهما لا ثلث الكل كما قاله ابن عباس رضى اللّه عنه فانه يفضى الى تفضيل الأم على الأب مع كونه اقوى منها فى الارث بدليل اضعافه عليها عند انفرادهما عن احد الزوجين وكونه صاحب فرض وعصبة وذلك خلاف وضع الشرع { فان كان له اخوة } اى عدد من الاخوة من غير اعتبار التثليث سواء كانت من جهة الأبوين او من جهة احدهما وسواء كانوا ذكورا او اناثا او مختلطين وسواء كان لهم ميراث او محجوبين بالأب { فلامه السدس } واما السدس الذى حجبوها عنه فهو للأب عند وجوده ولهم عند عدمه وعليه الجمهور { من بعد وصية } متعلق بما تقدمه من قسمة المواريث كلها اى هذه الانصباء للورثة من بعد ما كان من وصية { يوصى بها } الميت وفائدة الوصف الترغيب فى الوصية والندب اليها { او دين } عطف على وصية الا انه غير مقيد بما قيدت به من الوصف بل هو مطلق يتناول ما ثبت بالبينة او الاقرار فى الصحة وانما قال بأو التى للاباحة دون الواو للدلالة على انهما متساويان فى الوجوب مقدمان على القسمة مجموعين ومنفردين وقدم الوصية على الدين وهى متأخرة فى الحكم لانها مشبهة بالميراث شاقة على الورثة مندوب اليها الجميع والدين انما يكون على الندور { آباؤكم وابناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا } الخطاب للورثة اى اصولكم وفروعكم الذين يتوفون لا تدرون أيهم انفع لكم أمن يوصى ببعض ماله فيعرضكم لثواب الآخرة بتنفيذ وصيته أم من لا يوصى بشىء فيوفر عليكم عرض الدنيا يعنى الاول انفع ان كنتم تحكمون نظرا الى ظاهر الحال بانفعية الثانى وذلك لان ثواب الآخرة لتحقق وصوله الى صاحبه ودوام تمتعه به مع غاية قصر مدة ما بينهما من الحياة الدنيا اقرب واحضر وعرض الدنيا لسرعة نفاده وفنائه ابعد واقصى { فريضة من اللّه } اى فرض اللّه ذلك الميراث فرضا { ان اللّه كان عليما } بالخلق ومصالحهم { حكيما } فى كل ما قضى وقدر ودبر واعلم ان فى هذه الآية تنبيها على ان العبد ينبغى ان يجانب الميل الى جانبى الافراط والتفريط برأيه وعمله بل يستمسك بالعروة الوثقى التى هى العدالة فى الامور كلها وهو الميزان السوى فيما بين الضعيف والقوى وذلك لا يوجد الا بمراعاة امر اللّه تعالى والمحافظة على الاحكام المقضية الصادرة من العليم بعواقب الامور الحكيم الذى يضع كل شىء فى مرتبته فعليكم بالعدل الذى هو اقرب للتقوى والتجانب عن الجور بين العباد فى جميع الامور خصوصا فيما بين الاقارب فان لهم مزيد فضل على الاجانب ولمكانة صلة الرحم عند اللّه قرن الارحام باسمه الكريم فى قوله تعالى { واتقوا اللّه الذى تساءلون به والارحام } فحافظوا على مراعاة حقوق اصولكم وفروعكم وآتوا كل ذى حق حقه فمن حقوق الوالدين على الولد ترك التأفيف والبر والتكلم بقول لطيف وفى الخبر يسأل الولد عن الصلاة ثم عن حق الوالدين وتسأل المرأة عن الصلاة ثم عن حق زوجها ويسأل العبد عن الصلاة ثم عن حق المولى ثم ان الحق الوالدة اعظم من الوالد لكونها اكثر زحمة ورحمة روى ان رجلا قال يا رسول اللّه ان امى هرمت عندى فاطعمها بيدى واسقيها بيدى واوضيها واحملها على عاتقى فهل جازيت حقها قال ( لا ولا واحدا من مائة ) قال ولم يا رسول اللّه قال ( لانها خدمتك فى وقت ضعفك مريدة حياتك وانت تخدمها مريدا مماتها ولكنك احسنت واللّه يثيبك على القليل كثيرا ) وجاء رجل الى النبى عليه السلام ليستشيره فى الغزو فقال ( ألك والدة ) قال نعم قال عليه السلام ( فالزمها فان الجنة تحت رجليها ) ذكره فى الاحياء قيل فيه ونعم ما قيل جنت كه سراى مادرانست ... زير قد مات مادرانست روزى بكن اى خداى مارا ... جيزى كه رضاى مادرانست ويطيع الوالدين فيما ابيح فى دين الاسلام وان كانا مشركين ويهجرهما ان امراه بشرك او معصية قال تعالى { وان جاهداك على ان تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما } جون نبود خويش را ديانت وتقوى ... قطع رحم بهترازمودت قربى قال بعضهم كل ما لا يؤمن من الهلاك مع الجهل فطلب علمه فرض عين سواء كان من الامور الاعتقادية كمعرفة الصانع وصفاته وصدق النبى عليه السلام فى اقواله وافعاله او من الاعمال الحسنة المتعلقة بالظاهر كالصلاة والصوم وغيرهما او بالباطن كحسن النية والاخلاص والتوكل وغيرها او من السيئة المتعلقة بالظاهر كشرب الخمر واكل الربا والنظر الى اجنبية بشهوة او بالباطن كالكبر والعجب والحسد وسائر الاخلاق الرديئة للنفس فان معرفة هذه الامور فرض عين يجب على المكلف طلبها ون لم يأذن له ابواه واما ما سواها من العلوم فقيل لا يجوز له الخروج لطلبه الا باذنهما وفى فتاوى قاضى خان رجل طلب العلم وخرج بغير اذن والديه فلا بأس به ولم يكن عقوقا قيل هذا اذا كان ملتحيا فاذا كان امرد صبيح الوجه فلأبويه ان يمنعاه واما حق الولد على الوالد فكالتسمية باسم حسن كأسماء الانبياء والمضاف الى اسمه تعالى لان الانسان يدعى فى الآخرة باسمه واسم ابيه قال عليه السلام ( انكم تدعون يوم القيام باسمائكم واسماء آبائكم فاحسنوا اسماءكم ) ولذا قيل يستحب تغيير الاسماء القبيحة المكروهة فان النبى صلى اللّه عليه وسلم سمى المسمى بالعاصى مطيعا. وجاء رجل اسمه المضطجع فسماه المنبعث. ومن حقه عليه الختان وهو سنة. واختلفوا فى وقته قيل لا يختن حتى يبلغ لانه للطهارة ولا طهارة عليه حتى يبلغ وقيل اذا بلغ عشرا وقيل تسعا والاولى تأخير الختان الى ان يثغر الولد ويظهر سنه لما فيه من مخالفة اليهود لانهم يختنون فى اليوم السابع من الولادة. ومن حقه ان يرزقه بالحلال الطيب وان يعلمه علم الدين ويربيه بآداب السلف الصالحين : قال الشيخ سعدى قدس سره فى حق الاولاد بخرجى درش زجر وتعليم كن ... به نيك وبدش وعده وبيم كن بياموز برورده رادست رنج ... وكردست دارى جوقارون كنج بيايان رسد كيسه سيم وزر ... نكردد تهى كيسه بيشه ور وروى انس رضى اللّه عنه عن النبى عليه السلام قال يعق عنه فى اليوم السابع ويسمى ويماط عنه الاذى فاذا بلغ ست سنين ادب واذا بلغ سبع سنين عزل فراشه واذا بلغ عشر سنين ضرب على الصلاة واذا بلغ ست عشرة زوجه ابوه ثم اخذ بيده وقال قد ادبتك وعلمتك وانكحتك اعوذ باللّه من فتنتك فى الدنيا وعذابك فى الآخرة. والحاصل انه ينبغى ان لا يعتمد الانسان على رأى نفسه بل يكل امره الى اللّه فانه اعلم وارحم والاشارة فى الآيات ان المشايخ للمريدين بمثابة الآباء للاولاد فان الشيخ فى قومه كالنبى فى امته على ما قاله عليه السلام وقال صلى اللّه عليه وسلم ( انا لكم كالوالد لولده ) ففى قوله { يوصيكم اللّه } الآية اشارة الى وصايات المشايخ والمريدين ووراثتهم فى قرابة الدين لقوله تعالى { اولئك هم الوارثون } فكما ان الوراثة الدنيوية بوجهين بالسبب والنسب فكذلك الوراثة الدينية بهما. اما السبب فهو الارادة ولبس خرقتهم والتبرك بزيهم والتشبه بهم. واما النسب فهو الصحبة معهم بالتسليم لتصرفات ولايتهم ظاهرا وباطنا بصدق النية وصفاء الطوية مستسلما لاحكام التسليك والتربية ليتوالد السالك بالنشأة الثانية فان الولادة تنقسم على النشأة الاولى وهى ولادة جسمانية بان يتولد المرء من رحم الام الى عالم الشهادة وهو الملك والنشأة الثانية وهى ولادة روحانية بان يتولد السالك من رحم القلب الى عالم الغيب وهو الملكوت كما حكى النبى عليه السلام عن عيسى عليه السلام انه قال [ لن يلج ملكوت السموات والارض من لم يولد مرتين ] فالشيخ هو الاب الروحانى والمريدون المتولدون من صلب ولايته هم الاولاد الروحانيون وهم فيما بينهم اولوا الارحام بعضهم اولى ببعض فى كتاب اللّه كقوله تعالى { انما المؤمنون اخوة } وقال عليه السلام ( الانبياء اخوة من علات امهاتهم شتى ودينهم واحد ) ولهذا قال عليه السلام ( كل حسب ونسب ينقطع الا حسبى ونسبى ) لان نسبه كان بالدين كما سئل من النبى صلى اللّه عليه وسلم من آلك يا رسول اللّه قال ( آلى كل مؤمن تقى ) وانما يتوارث اهل الدين على قدر تعلقاتهم السببية والنسبية والذكورة والانوثة والاجتهاد وحسن الاستعداد وانما مواريثهم العلوم الدينية واللدنية كما قال صلى اللّه عليه وسلم ( العلماء ورثة الانبياء وان الانبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وانما ورثوا العلم فمن اخذ به فقد اخذ بحظ وافر ) قال مولانا جلال الدين الرومى قدس سره جون كزيدى بير نازك دل مباش ... سست وريزيده جو آب وكل مباش جون كرفتى بيرهين تسليم شو ... همجو موسى زير حكم خضررو كرتوسنك وصخره ومرمر شوى ... جون بصاحب دل رسى كوهر شوى نار خندان باغ را خندان كند ... صحبت مردانت از مردان كند ١٢ { ولكم نصف ما ترك ازواجكم } من المال اذا متن وبقيتم بعدهن { ان لم يكن لهن ولد } اى ولد وارث من بطنها او من صلب بنيها او بنى بنيها وان سفل ذكرا كان او انثى واحدا كان او متعددا منكم او من غيركم والباقى لورثتهن من ذوى الفروض والعصبات او غيرهم او لبيت المال ان لم يكن لهن وارث آخر اصلا { فان كان لهن ولد } على نحو ما فصل { فلكم الربع مما تركن } اى تركت ازواجكم من المال والباقى لباقى الورثة { من بعد وصية } متعلق بكلتا الصورتين الا بما يليه وحده { يوصين بها او } من بعد قضاء { دين } سواء كان ثبوته بالبينة او بالاقرار { ولهن الربع مما تركتم } ان متم وبقين بعدكم { ان لم يكن لكم ولد } ذكر او انثى منهن او من غيرهن اوولد ابن والباقى لبقية وراثتكم من اصحاب الفروض والعصبات او ذوى الارحام او لبيت المال ان لم يكن لكم وارث آخر اصلا { فان كان لكم ولد } على التفصيل المذكور { فلهن الثمن مما تركتم } من المال والباقى للباقين { من بعد وصية توصون بها او دين } اى بعد اخراج الوصية وقضاء الدين هذا كله اذا لم يمنع مانع من الموانع الاربعة كقتل واختلاف دين ورق واختلاف دار { وان كان رجل } اى ذكر ميت { يورث } اى يورث منه من ورث لا من اورث صفة رجل { كلالة } خبر كان اى من لا ولد له ولا والد وهى فى الاصل مصدر بمعنى الكلال وهو الاعياء فى التكلم ونقصان القوة فيه فاستعيرت للقرابة من غير جهة الولد والوالد لضعفها بالنسبة الى القرابة من جهتهما { او امرأة } عطف على رجل مقيد بما قيد به اى ان كان الميت انثى يورث منها كلالة { وله } اى وللميت الموروث منه سواء كان رجلا او امرأة { اخ او اخت } كلاهما من الام بالاجماع لان حكم غيرهما سيبين فى آخر السورة { فلكل واحد منهما } اى اى من الاخ والاخت من الام { السدس } من غير تفضيل للذكر على الانثى لان الادلاء الى الميت بمحض الانوثة { فان كانوا } اى اولاد الام { اكثر } فى الوجود { من ذلك } اى من الاخ او الاخت المنفردين بواحد او اكثر { فهم شركاء فى الثلث } يقتسمونه بالسوية لا يزيد نصيب ذكرهم على انثاهم والباقى لبقية الورثة من اصحاب الفروض والعصبات { من بعد وصية يوصى بها او دين غير مضار } قوله غير مضار نصب حالا من فاعل يوصى المقدر المدلول عليه بقوله يوصى على البناء للمفعول اى يوصى الميت بما ذكر من الوصية والدين حال كونه غير مدخل الضرر علىلورثة بما زاد على الثلث او تكون الوصية لقصد الاضرار بهم وبان يقر فى المرض بدين كاذبا { وصية من اللّه } اى يوصيكم اللّه وصية بها لا يجوز تغيرها قال عليه السلام ( من قطع ميراثا فرضه اللّه قطع اللّه ميراثه من الجنة ) { واللّه عليم } بالمضار وغيره { حليم } لا يعاجل بالعقوبة فلا يغتر بالامهال ١٣ { تلك } اى الاحكام التى تقدمت فى امر اليتامى والوصايا والمواريث { حدود اللّه } شرائعه التى هى كالحدود المحدودة التى لا يجوز مجاوزتها { ومن يطع اللّه ورسوله } فى جميع الاوامر والنواهى التى من جملتها ما فصل ههنا { يدخله جنات تجرى من تحتها الانهار خالدين فيها } صيغة الجمع اى خالدين بالنظر الى جمعية من بحسب المعنى { وذلك } اى هذا الثواب { الفوز العظيم } اى النجاة الوافرة يوم القيامة والظفر الذى لا ظفر وراءه ١٤ { ومن يعص اللّه ورسوله } ولو فى بعض الاوامر والنواهى { ويتعد حدوده } شرائعه المحدودة فى جميع الاحكام { يدخله نارا } اى عظيمة هائلة لا يقادر قدرها { خالدا فيها وله عذاب مهين } اى وله غير عذاب الحريق الجسمانى عذاب آخر لا يعرف كنهه وهو العذاب الروحانى كما يؤذن به وصفه والجملة حالية وافرد خالدا فى اهل النار وجمع فى اهل الجنة لان فى الانفراد وحشة وعذابا للنفس وذلك انسب بحال اهل النار اعلم ان الاطاعة سبب لنيل المطالب الدنيوية والاخروية ويرشدك على شرف الاطاعة ان كلب اصحاب الكهف لما تبعهم فى طاعة اللّه وعدله دخول الجنة بابدان يار كشت همسرلوط ... خاندان نبوتش كم شد سك اصحاب كهف روزى جند ... بى مردم كرفت ومردم شد فاذا كان من اتبع المطيعين كذلك فما ظنك بالمطيعين قال حاتم الاصم قدس سره الزم خدمة مولاك تأتك الدنيا راغمة والآخرة راغبة ومن كلامه من ادعى ثلاثا بغير ثلاث فهو كذاب من ادعى حب الجنة من غير انفاق ماله فهو كذاب. ومن ادعى محبة اللّه من غير ورع عن محارم اللّه فهو كذاب. ومن ادعى محبة النبى عليه السلام من غير محبة الفقراء فهو كذاب وكلما ازداد العبد فى عبادة اللّه وطاعته ازداد قربا منه وبعدا من كيد الشيطان قال السرى سألت معروف الكرخى عن الطائعين للّه بأى شىء قدروا على الطاعة قال بخروج الدنيا من قلوبهم ولو كانت فى قلوبهم ما صحت لهم سجدة : قال جلال الدين الرومى قدس سره بند بكسل باش آزاد اى بسر ... جند باشى بند سيم وبند زر هركه از ديدار برخوردار شد ... ان جهان درجشم اومردارشد ذكر حق كن بانك غولا نرابسوز ... جشم تركس را ازين كركس بدوز ومن اكرمه اللّه بمعرفة عظمته اضطر الى كمال طاعته حكى ان شابا من بنى اسرائيل رفض دنياه واعتزل الناس وجعل يتعبد فى بعض النواحى فخرج اليه رجلان من مشايخ قومه ليرداه الى منزله فقالا له يا من اخذت بامر شديد لا صبر عليه فقال لهما الشاب قيامى بين يدى اللّه اشد من هذا فقالا ان كل اقربائك مشتاق اليك فعبادتك فيهم افضل فقال الشاب ان اللّه تعالى اذا رضى عنى يرضى كل قريب وبعيد فقالا له انت شاب لا تعلم وانا جربنا هذا الامر وانا نخاف العجب فقال لهما الشاب من عرف نفسه لم يضره العجب فنظر احدهما الى صاحبه فقال له قم فان هذا الشاب وجد ريح الجنة ولا يقبل قولنا وعن وهب بن منبه كان داود عليه السلام جعل نوبة عليه وعلى اهله واولاده ولا تمر ساعة من الليل الا وهو يصلى ويذكر ففي سره تحرك قلبه بالنظر الى طاعته وكان بين يديه نهر فانطق اللّه ضفدعا فقال والذى اكرمك بالنبوة انه منذ خلقنى اللّه تعالى وانا قائم على رجل ما استرحت مع انى لا ارجو الثواب ولا اخاف اعقاب فما عجبك فيه يا داود فعلم ان المحسن هو الذى يعلم انه مسيئ ولا يعجب بطاعته فلا بد للمؤمن من العمل الصالح ومن الصون عما يبطله من رؤيته وسائر الامراض الفاسدة ولذلك كان الكبار يختارون الوحدة قال الامام جعفر الصادق وكذا سفيان الثورى هذا زمان السكوت وملازمة البيوت فقيل لسفيان اذا لازمنا بيوتنا فمن اين يحصل لنا الرزق قال اتقوا اللّه فان اللّه يرزق المتقين من غير كسب كما قال تعالى { ومن يتق اللّه يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب } قال جلال الدين الرومى بردل خودكم نه انديشه معاش ... عيش كم نايد توبر دركاه باش ١٥ { واللاتى } جمع التى { يأتين الفاحشة } الاتيان الفعل والمباشرة والفاحشة الفعلة القبيحة اريد بها الزنى لزيادة قبحه على كثير من القبائح اى اللاتى يفعلن الزنى كائنات { من نسائكم } اى من زوجاتكم { فاستشهدوا عليهن اربعة منكم } اى فاطلبوا ان يشهد عليهن باتيانها اربعة من رجال المؤمنين واحرارهم { فان شهدوا } عليهن بذلك { فأمسكوهن فى البيوت } فاحبسوهن فيها واجعلوها سجنا عليهن { حتى يتوفاهن الموت } اى يأخذهن الموت ويستوفى ارواحهن. وفيه تهويل للموت وابراز له فى صورة من يتولى قبض الارواح او يتوفاهن ملائكة الموت { او يجعل اللّه لهن سبيلا } اى طريقا يخرجن به من الحبس بان تنكح فانه مغن عن السفاح اى الزنى ١٦ { واللذان } تثنية الذى { يأتيانها } اى الفاحشة { منكم } هما الزانى والزانية بطريق التغليب قال السدى اريد بهما البكران منهما كما ينبىء عنه كون عقوبتهما اخف من الحبس المخلد وبذلك يندفع التكرار { فآذوهما } فوبخوهما وذموهما وقولوا لهما أما استحييتما أما خفتما اللّه وذلك بعد الثبوت { فان تابا } عما فعلا من الفاحشة بسبب ما لقيا من زواجر الاذية وقوارع التوبيخ { واصلحا } اى لعملهما وغير الحال { فاعرضوا عنهما } بقطع الاذية والتوبيخ فان التوبة والاصلاح مما يمنع استحقاق الذم والعقاب { ان اللّه كان توابا رحيما } مبالغا فى قبول التوبة { رحيما } واسع الرحمة واعلم ان الرجل اذا زنى بامرأة وهما محصنان فحدهما الرجم لا غير وان كانا غير محصنين فحدهما الجلد لا غير وان كان احدهما محصنا والآخر غير محصن فعلى المحصن منهما الرجم وعلى الآخر الجلد والمحصن هو ان يكون عاقلا بالغا مسلما حرا دخل بامرأة بالغة عاقلة حرة مسلمة بنكاح صحيح فالرجم كان مشروعا فى التوراة ثم نسخ بآية الايذاء من القرآن ثم صار الإيذاء منسوخا بآية الحبس وآية الايذاء وان كانت متأخرة فى الترتيب والنظم الا انها سابقة على الاولى نزولا ثم صار الحبس منسوخا بحديث عبادة بن الصامت عن النبى صلى اللّه عليه وسلم ( البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة ) ثم نسخ هذا كله بآية الجلد { الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } وصار الحد هو الجلد فى كل زان وزانية ثم صار منسوخا بالرجم فى حق المحصن بحديث ماعز رضى اللّه عنه وبقى غير المحصن فى حكم الجلد وهو الترتيب فى الآيات والاحاديث وعليه استقر الحكم عندنا كذا فى تفسير التيسير فالواجب على كل مسلم ان يتوب من الزنى وينهى الناس عن ذلك فان كل موضع ظهر فيه الزنى ابتلاهم اللّه بالطاعون ويزيد فقرهم قال ابن مسعود رضى اللّه عنه سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اى ذنب اعظم عند اللّه قال ( ان تجعل للّه ندا وهو خلقك ) قلت ثم اى قال ( ان تقتل ولدك خشية ان يأكل معك ) قلت ثم اى قال ( ان تزنى بحليلة جارك ) واشد الزنا ما هو مصر عليه وهو الرجل الذى يطلق امرأته وهو يقيم معها بالحرام ولا يقر عند الناس مخافة ان يفتح فكيف لا يخاف فضيحة الآخرة يوم تبلى السرائر يعنى تظهرالاسرار فاحذر فضيحة ذلك اليوم واجتنب الزنى ولا تصر عليه فانه لا طاقة لك مع عذاب اللّه وتب الى فان اللّه كان يقبل التوبة عن عباده ان اللّه كان توابا رحيما : قال مولانا جلال الدين الرومى قدس سره مركب توبه عجائب مركبست ... برفلك تازد بيك لحظه زبست جون برآرند از بشيمانى انين ... عرش لرزد ازانين المذنبين عمرا كربكذشت بيخش اين دم است ... آب توبه اش ده اكر اوبى نمست بيخ عمرت رابده آب حيات ... تادرخت عمر كردد باثبات جمله ماضيها ازين نيكو شوند ... زهر بارينه ازين كرد دجوقند والاشارة فى تحقيق الآيتين ان { واللاتى يأتين الفاحشة من نسائكم } هى النفوس الامارة بالسوء والفاحشة ما حرمته من اعمال الظاهر وحرمته الطريقة من احوال الباطن وهى الركون الى غير اللّه قال عليه السلام ( سعد غيور وانا اغير منه واللّه اغير منا ولهذا حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) { فاستشهدوا عليهن } على النفوس باتيان الفاحشة { اربعة منكم } اى من خواص العناصر الاربعة التى انتم منها مركبون وهى التراب ومن خواصه الخسة والركاكة والذلة والطمع والمهانة واللؤم والماء ومن خواصه اللين والعجز والكسل والانوثة والشره فى المأكل وفى المشرب والهواء ومن خواصه الحرص والحسد والبخل والحقد والعداوة والشهوة والزينة والنار ومن خواصها التبختر والتكبر والفخر والصلف والحدة وسوء الخلق وغير ذلك مما يتعلق بالاخلاق الذميمة ورأسها حب الدنيا والرياسة واستيفاء لذاتها وشهواتها { فان شهدوا } اى ظهر بعض هذه الصفات من النفوس { فامسكوهن فى البيوت } فاحبسوهن فى سجن المنع عن التمتعات الدنيوية فان الدنيا سجن المؤمن واغلقوا عليهن ابواب الحواس الخمس { حتى يتوفاهن الموت } اى تموت النفس اذا انقطع عنها حظوظها دون حقوقها والى هذا اشار بقوله عليه السلام ( موتوا قبل ان تموتوا ) { او يجعل اللّه لهن سبيلا } بانفتاح روزنة القلوب الى عالم الغيوب فتهب منها الطاف الحق وجذبات الالوهية التى جذبة منها توازىعمل الثقلين { واللذان يأتيانها منكم } اى النفس والقالب يأتيان الفواحش فى ظاهر الافعال والاعمال والاعمال وباطن الاحوال والاخلاق { فآذوهما } ظاهرا بالحدود وباطنا بترك الحظوظ وكثرة الرياضات والمجاهدات { فان تابا } ظاهرا وباطنا { واصلحا } لذلك { فاعرضوا عنهما } باللطف بعد العنف وباليسر بعد العسر فان مع العسر يسرا { ان اللّه كان توابا } لمن تاب { رحيما } لمن اصلح من تفسير نجم الدين الرازى الكبرى ١٧ { انما التوبة على اللّه } اى ان قبول التوبة كالمحتوم على اللّه بمقتضى وعده من تاب عليه اذا قبل توبته { للذين يعملون السوء } اى المعصية صغيرة كانت او كبيرة. فقوله انما التوبة على اللّه مبتدأ وخبره ما بعده { بجهالة } اى يعملون ملتبسين بها اى جاهلين سفهاء فان ارتكاب الذنب مما يدعو اليه الجهل ولذلك قيل من عصى اللّه فهو جاهل حتى ينزع من جهالته وفى التيسير ليست هذه جهالة عدم العلم لانه ذنب لان ذلك عذر لكنها التغافل والتجاهل وترك التفكر فى العاقبة كفعل من يجهله ولا يعلمه { ثم يتوبون من قريب } اى من زمان قريب وهو ما قبل حضور الموت اى قبل ان يغرغروا وسماه قريبا لان امد الحياة الدنيا قريب قال تعالى { قل متاع الدنيا قليل } فعمر الدنيا قليل قريب الانقضاء فما ظنك بعمر فرد ومن تبعيضية اى يتوبون بعض زمان قريب كأنه سمى ما بين وجود المعصية وبين حضور الموت زمانا قريبا ففى اى جزء تاب من اجزاء هذا الزمان فهو تائب { فاولئك يتوب اللّه عليهم } اى يقبل توبتهم { وكان اللّه عليما } بخلقه يعلم اخلاصهم فى التوبة { حكيما } فى صنعه والحكيم لا يعاقب التائب فعلى المؤمن ان يتدارك الزلة بالتوبة والاستغفار ويسارع فى الرجوع الى الملك الغفار روى ان جبريل عليه السلام اتاه عند موته فقال يا محمد الرب يقرئك السلام ويقول من تاب قبل موته بجمعة قبلت توبته قال صلى اللّه عليه وسلم ( الجمعة كثيرة ) فذهب ثم رجع وقال قال اللّه تعالى من تاب قبل موته بساعة قبلت توبته فقال ( الساعة كثيرة ) فذهب ثم رجع وقال ان اللّه يقرئك السلام ويقول ان كان هذا كثيرا فلو بلغ روحه الحلق ولم يمكنه الاعتذار بلسانه واستحيى منى وندم بقلبه غفرت له ولا ابالى قال صلى اللّه عليه وسلم ( ان اللّه يقبل توبة عبده ما لم يغرغر ) اى لم يبلغ روحه الحلقوم وعند ذلك يعاين ما يصير اليه من رحمة او هوان ولا ينفع حينئذ توبة ولا ايمان قال تعالى { فلم يك ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا } فالتوبة مبسوطة للعبد يعاين قابض الارواح وذلك عند غرغرته بالروح وانما يغرغر به اذا قطع الوتين فشخص من الصدر الى الحلقوم فعندها المعاينة وعندها حضور الموت فيجب على الانسان ان يتوب قبل المعاينة والغرغرة وهو معنى قوله تعالى { ثم يتوبون من قريب } وانما صحت منه التوبة فى هذا الوقت لان الرجاء باق ويصح الندم والعزم على ترك الفعل : قال السعدى قدس سره طريق بدست آر وصلحى بجوى ... شفيعى برانكيز وعذرى بكوى كه ياك لحظه صورت نبندد آمان ... جو بيمانه برشد بدور و زمان والتوبة فرض على المؤمنين ولها شروط اربعة. الندم بالقلب. وترك المعصية فى الحال. والعزم على ان لا يعود الى مثلها. وان يكون ذلك حياء من اللّه تعالى وخوفا منه لا من غيره قال الحسن البصرى استغفارنا يحتاج الى استغفار قال القرطبى فى تذكرته هذا يقوله فى زمانه فكيف فى زماننا هذا الذى يرى فيه الانسان مكبا على الظلم حريصا عليه لا يقلع والسبحة فى يده زاعما انه يستغفر من ذنبه وذلك استهزاء منه واستخفاف ومن اظلم ممن اتخذ آيات اللّه هزؤا فيلزم حقيقة اندم روى ان الملائكة تعرج الى السماء بسيآت العبد فاذا عرضوها على اللوح المحفوظ يجدون مكانها حسنات فيخرون على وجوههم ويقولون ربنا انك تعلم انا ما كتبنا عليه الا ما عمل فيقول اللّه تعالى صدقتم ولكن عبدى ندم على خطيئته واستشفع الىّ بدمعه فغفرت ذنبه وجدت عليه بالكرم وانا اكرم الاكرمين : قال مولانا جلال الدين قدس سره ازبى هر كريه آخر خنده ايست ... مرد آخر بين مبارك بنده ايست هر كجا آب روان سبزه بود ... هر كجا اشك روان رحمت شود تانكريد ابركى خندد جمن ... تانكريد طفل كى جوشد لبن قال احمد بن عبد اللّه المقدسى سألت ابراهيم بن ادهم عن بدء حاله فقال نظرت من شباك قصرى فرأيت فقيرا بفناء القصر قد اكل الخبز بالماء والملح ثم نام فدعوته وقلت له قد شبعت وتهيأت للنوم قال نعم فتبت الى اللّه ولبست الليلة مسوحا وقلنسوة من صوف وخرجت حافيا الى مكة واعلم ان اللّه اذا اراد بعبد خيرا اصطفاه لنفسه وجعل فى قلبه سراجا يفرق بين الحق الباطل ويبصر عيوب نفسه حتى يترك الدنيا وحطامها ويلقى عليها زمامها : قال جلال الدين رومى قدس سره ملك برهم زن تو ادهم وار زود ... تابيابى همجو او ملك خلود اين جهان خود حبس جانهاى شماست ... هين رويد آن سوكه صحراى شماست قال العطار قدس سره نقاب ازروى جون خورشيد بردار ... اكر هستى زروى خود خبر دار زكوه قاف جسمانى كذر كن ... بدار الملك روحانى سفركن مشو مغرور اين ملك مزور ... نه عزت ماند ونه مال ونه زر اكر رنكت فروشويند زرخسار ... خريدارت بنامش كس ببازار عصمنا اللّه واياكم من الركون الى الدنيا وموت القلب بالاصرار على الهوى فى الصبح والمساء ١٨ { وليست التوبة للذين يعملون السيآت } اى الذنوب { حتى اذا حضر احدهم الموت } اى وقع فى سكرات الموت وشاهد ملك الموت سوى علاماته فان التوبة تقبل فيها { قال } عند النزع ومشاهدة ما فيه { انى تبت الآن } من ذنوبى يعنى لا يقبل التوبة منه ثمة لانها حالة الاضطرار دون حالة الاختيار { ولا الذين يموتون } عطف على الذين يعملون السيآت اى ليست التوبة للذين ماتوا { وهم كفار } مصرون على كفرهم اذا تابوا عند قرب الموت او عند معاينة العذاب فى الآخرة { اولئك } اى الفريقان { اعتدنا } اصله اعددنا ابدلت الدال الاولى تاء { لهم عذابا اليما } اى هيأنا لهم عذابا وجيعا دائما اعلم ان اللّه تعالى سوى بين من سوف التوبة واخرها الى حضور الموت من الفسقة وبين من مات على الكفر فى نفى التوبة للمبالغة في عدم الاعتداد بها فى تلك الحالة كأنه قال توبة هؤلاء وعدم توبة هؤلاء سواء فى انه لا توبة لهم لان حضرة الموت اول احوال الآخرة فكما ان الميت على الكفر قد فاتته التوبة على اليقين فكذلك المسوف الى حضرة الموت لعدم محلها وتلك التسوية لكيلا يهمل المذنب فى امر التوبة ولا يتأهل العاقل فى المسارعة الى طلب المغفر : قال جلال الدين رومى قدس سره كرسيه كردى تونامه عمر خويش ... توبه كن زانهاكه كردستى توبيش توبه آرند وخدا توبه بذير ... امر او كيرند واو نعم الامير واذا هب من اللّه رياح العناية تجد العبد يسرع الى التوبة ويمد نفسه الى اسبابها ويتأثر بشىء يسير فيتوب عن قبح معاملته قال ابو سليمان الدارانى اختلفت الى مجلس قاص فأثر فى قلبى كلامه فلما قمت لم يبق فى قلبى شىء فعدت ثانيا فبقى اثر كلامه فى قلبى حتى رجعت الى منزلى وكسرت آلة المخالفات ولزمت الطريق فحكى هذه الحكاية ليحيى بن معاذ فقال عصفور اصطاد كركيا اراد بالعصفور ذلك القاص وبالكركى ابا سليمان مرد بايد كيرداندر كوش ... ورنوشته اسد بند برديوار قال تعالى { وسارعوا الى مغفرة من ربكم } فمسارعة المذنب بالتوبة وترك الاصرار والرجوع الى باب الملك الغفار ومسارعة المطيع بالاجتناب عن السيآت وزيادة الخيرات والحسنات قال رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم ( صاحب اليمين امين عل صاحب الشمال فاذا عمل العبد حسنة يكتب له صاحب اليمني عشرا ) نكوكارى از مردم نيك رأى ... يكى رابده مى نويسد خداى ( واذا عمل سيئة واراد صاحب الشمال ان يكتب قال صاحب اليمين امسك فيمسك ست ساعات او سبع ساعات فان استغفر فيها لم يكتب عليه وان لم يستغفر كتب سيئة واحدة ) فالواجب على كل مسلم ان يتوب الى اللّه حين يصبح وحين يمسى ولا يؤخرها قال ابو بكر الواسطى قدس سره التأنى فى كل شىء حسن الا فى ثلاث خصال عند وقت الصلاة وعند دفن الميت والتوبة عند المعصية وكان فى الامم الماضية اذا اذنبوا حرم عليهم حلال واذا اذنب واحد منهم ذنبا وحد على بابه او جبهته مكتوبا ان فلان ابن فلان قد اذنب كذا وتوبته كذا فسهل اللّه الامر على هذه الامة فقال { ومن يعمل سوأ او يظلم نفسه ثم يستغفر اللّه يجد اللّه غفورا رحيما } روى ان اللّه لما لعن ابليس سأله النظرة فانظره اى امهله الى قيام الساعة فقال انظر ماذا ترى فقال وعزتك وجلالك لا اخرج من صدر عبدك حتى تخرج نفسه فقال الرب وعزتى وجلالى لا أحجب التوبة عن عبدى حتى تخرج نفسه فانظر الى رحمة اللّه ورأفته على عباده انه سماهم مؤمنين بعدما اذنبوا فقال { وتوبوا الى اللّه جميعا ايه المؤمنون } وأحبهم بعد التوبة فقال { ان اللّه يحب المتطهرين } قال الحافظ قدس سره بمهلتى كه سبهرت دهد زراه مرو ... تراكه كفت كه اين زال ترك دستان كفت فينبغى ان لا يغتر الانسان بشىء من الاشياء فى حال من الاحوال فانه وان كان يمهل ولكن لا يهمل فان الموت يجيئ البتة اذا فنى العمر وامتلأ الاناء ١٩ { يا ايها الذين آمنوا لا يحل لكم ان ترثوا النساء كرها } مصدر فى موضع الحال من النساء كان الرجل اذا مات قريبه يلقى ثوبه على امرأته او على خبائها ويقول ارث امرأته كما ارث ماله فيصير بذلك احق بها من كل احد ثم ان شاء تزوجها بصداقها الاول وان شاء زوجها غيره واخذ صداقها ولم يعطها منه شيأ وان شاء عضلها اى حبسها وضيق عليها لتفتدى بما ورثت من زوجها وان ذهبت المرأة الى اهلها قبل القاء الثوب فهى احق بنفسه فنهوا عن ذلك وقيل لهم لا يحل لكم ان تأخذوهن بطريق الارث على زعمكم كما تحاز المواريث وهن كارهات لذلك { ولا تعضلوهن } عطف على ترثوا ولا لتأكيد النفى والخطاب للازواج. والعضل الحبس والتضييق وداء عضاء ممتنع عسر العلاج وكان الرجل اذا تزوج امرأة ولم تكن من حاجته حبسها مع سوء العشرة والقهر وضيق عليها لتفتدى منه بمالها وتخلع فقيل لهم ولا تعضلوهن اى لا تضيقوا عليهن { لتذهبوا ببعض ما تيتموهن } اى من الصداق بان يدفعن اليكم بعضه اضطرارا فتأخذوه منهن { الا ان يأتين بفاحشة مبينة } من بين بمعنى تبين اى القبح من النشوز وشكاسة الخلق وايذاء الزوج واهله بالبذاء اى الفحش والسلاطة اى حدة اللسان او الفاحشة الزنى وهو استثناء من اعم الاحوال او اعم الاوقات او اعم العلل ولايحل لكم عضلهن فى حال من الاحوال او فى وقت من الاوقات او لعلة من العلل الا فى حال اتيانهن بفاحشة او الا فى وقت اتيانهن بها او الا لاتيانهن بها فان السبب حينئذ يكون من جهتهن وانتم معذورون فى طلب الخلع { وعاشروهن بالمعروف } خطاب للذين يسيئون العشرة معهن. والمعروف ما لا ينكره الشرع والمروءة والمراد ههنا النصفة فى المبيت والنفقة والاجمال فى القول ونحو ذلك { فان كرهتموهن } وسئمتم صحبتهن بمقتضى الطبيعة من غير ان يكون من قبلهن ما يوجب ذلك من الامور المذكورة فلا تفارقوهن بمجرد كراهة النفس واصبروا على معاشرتهن { فعسى ان تكرهوا شيأ ويجعل اللّه فيه خيرا كثيرا } والمراد بالخير الكثير ههنا الولد الصالح او المحبة والألفة والصلاح فى الدين وهو علة للجزاء اقيمت مقامه للايذان بقوة استلزامها اياه كأنه قيل فان كرهتموهن فاصبروا عليهن مع الكراهة فلعل لكم فيما تكرهونه خيرا كثيرا ليس فيما تحبونه. وعسى تامة رافعة لما بعدها مستغنية عن تقدير الخبر اى فقد قربت كراهتك شيأ وجعل اللّه فيه خيرا كثيرا فان النفس ربما تكره ما هو اصلح فى الدين واحمد قاعبة وادنى الى الخير وتحب ما هو بخلافه فليكن نظركم الى ما فيه خير وصلاح دون ما انفسكم اعلم ان معاشرتهن بالمعروف والصبر عليهن فيما لا يخالف رضى اللّه تعالى والا فالرد من مواضع الغيرة واجب فان الغيرة من اخلاق اللّه واخلاق الانبياء والاولياء قال عليه السلام ( أتعجبون من غيرة سعد وانا اغير منه واللّه اغير منى ومن اجل غيرة اللّه حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) اى ما كان من اعمال الظاهر وهو ظاهر واحوال الباطن وهو الركون الى غير اللّه والطريق المنبىء عن الغيرة ان لا يدخل عليها الرجال ولا تخرج هى الى الاسواق دون الحمام قال الامام قاضى خان دخول الحمام مشروع للرجال والنساء خلافا لما قاله البعض روى ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دخل الحمام وتنور وخالد بن وليد دخل حمام حمص لكن انما يباح اذا لم يكن فيه انسان يكشف العورة انتهى والناس فى زماننا لا يمتنعون عن كشف العورة اعاليهم واسافلهم فالمتقى يجتنب عن الدخول فى الحمام من غير عذر والحاصل ان المرأة اذا برئت من مواقع الخلل واتصفت بالعفة فعلى الزوج ان يعاشرها بالمعروف ويصبر على سائر اوضاعها وسوء خلقها بخلاف ما اذا كانت غير ذلك : قال الشيخ السعدى جومستور باشد زن خوبروى ... بديدار اودربهشت است شوى اكربارساباشد وخوش سخن ... نكه درنكويى وزشتى مكن جوزن راه بازار كيرد بزن ... وكرنه تودر خانه بنشين جوزن زبيكانكان جشم زن كور باد ... جو بيرون شداز خانه در كورباد شكوهى نماند دران خاندان ... كه بانك خروش آيدازما كيان كريز ازكفش دردهان نهنك ... كه مردن به اززندكانى به ننك ثم اعلم ان معاملة النساء اصعب من معاملة الرجال لانهن ارق دينا واضعف عقلا واضيق خلقا فحسن معاشرتهن والصبر عليهن مما يحسن الاخلاق فلا جرم يعد الصابر من المجاهدين فى سبيل اللّه وكان عليه السلام يحسن المعاشرة مع ازواجه المطهرة روى ان بعض المتعبدين كان يحسن القيام على زوجته الى ان ماتت وعرض عليه التزوج فامتنع وقال الوحدة اروح لقلبى قال فرأيت فى المنام بعد جمعة من وفاتها كأن ابواب السماء قد فتحت وكأن رجالا ينزلون ويسيرون فى الهواء يتبع بعضهم بعضا وكلما نظر الى واحد منهم يقول لمن وراءة هذا هو المشئوم فيقول الآخر نعم ويقول الثالث كذلك فخفت ان اسألهم الى ان مرّ بى آخرهم فقلت له من هذا المشئوم قال انت قال فقلت ولم قال كنا نرفع عملك مع اعمال المجاهدين فى سبيل اللّه فمنذ جمعة امرنا ان نضع عملك مع الخالقين فلا ندرى ما احدثت فقال لاخوانه زوجونى فلم يكن يفارقه زوجتان او ثلاث وكثرة النساء ليست من الدنيا لان الزهاد والعباد كانوا يتزوجون ثلاثا واربعا قال صلى اللّه عليه وسلم ( حبب الى من دنياكم ثلاث النساء والطيب وقرة عينى فى الصلاة ) قال بعض ارباب الاحوال كنت بمجلس بعض القصاص فقال ما سلم احد من الهوى ولا فلان وسمى بمن لا يليق ذكره فى هذا المقام لعظم الشأن فقلت اتق اللّه فقال ألم يقل ( حبب الى ) فقلت ويحك انما قال حبب ولم يقل احببت قال ثم خرجت بالهم فرأيت النبى عليه السلام فقال لا تهتم فقد قتلناه قال فخرج ذلك القاص الى بعض القرى فقتله بعض قطاع الطريق فقال بعض العلماء اكثاره عليه السلام فى امر النكاح بفعل بواطن الشريعة قال الحكيم الترمذى فى نوادر الاصول الانبياء زيدوا فى القوة بفضل نبوتهم وذلك ان النور اذا امتلأت منه الصدور ففاض فى العروق التذت النفس والعروق فاثار الشهوة وقواها واما الطيب فانه يزكى الفؤاد ويقوى القلب واصل الطيب انما خرج من الجنة بهبوط آدم منها بورقة تستر بها فتركت عليه. واما الصلاة فهى مناجاة اللّه كما قال عليه السلام ( المصلى يناجى ربه ) فاذا عرفت حقيقة الحال فاياك والانكار فان كل عمل عند الاخيار له سر من الاسرار ولكن عقول العوام لا تحيط به وان عاشوا الف عام : قال مولانا جلال الدين قدس سره ازمحقق تامقلد فرقهاست ... كين جوداودست وآن ديكرصداست كار درويشى وراى فهم تست ... سوى درويشان بمنكر سست سست ٢٠ { وان اردتم استبدال زوج } اى تزوج امرأة ترغبون فيها { مكان زوج } ترغبون عنها بان تطلقوها { وآتيتم احداهن } اى احدى الزوجات فالمراد بالزوج هو الجنس { قنطارا } اى مالا كثيرا { فلا تأخذوا منه } اى ذلك القنطار { شيأ } يسيرا فضلا عن الكثير { أتأخذونه } اى شيأ منه { بهتانا } باهتين او مفعول له اى للبهتان والظلم العظيم فان احدهم كان اذا تزوج امرأة فاعجبه غيرها واراد ان يتزوجها بهت التى تحته بفاحشة حتى يلجئها الى الافتداء منه بما اعطاها ليصرفه الى تزويج الجديدة فنهوا عن ذلك. والبهتان فى اللغة الكذب الذى يواجه الانسان به صاحبه على جهة المكابرة وصاله من بهت الرجل اذا تحير فالبهتان الكذى الذى يبهت المكذوب عليه ويدهشه وقد يستعمل فى الفعل الباطن ولذلك فسر ههنا بالظلم { واثما مبينا } اى آثمين عيانا او للذنب الظاهر ٢١ { وكيف تأخذونه } اى لأى وجه ومعنى تفعلون هذا { وقد } والحال انه قد { افضى بعضكم الى بعض } قد جرى بينكم وبينهن احوال منافية له من الخلوة وتقرر المهر وثبت حق خدمتهن لكم وغير ذلك { واخذن منكم ميثاقا غليظا } عطف على ما قبله داخل فى حكمه اى أخذن منكم عهدا وثيقا وهو حق الصحبة والممازجة والمعاشرة او ما اوثق اللّه عليكم فى شأنهن بقوله تعالى { فامساك بمعروف او تسريح باحسان } او ما اشار اليه النبى عليه السلام بقوله ( اخذتموهن بامانة اللّه واستحللتم فروجهن بكلمة اللّه ) اعلم ان هذه المعاملات من تضييق النساء ومنعهن من الازواج واخذ ما فى ايديهن ظلما بعدما اخذن ميثاقا غليظا فى رعاية حقوقهن كلها وامثالها ليست من امارة الايمان ونتائجه وثمراته لان المؤمن اخ المؤمن لا يظلمه ولا يشتمه قال عليه السلام ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ) وقال ( الدين النصيحة ) وقد صرح بنفى الايمان عمن لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه قال صلى اللّه عليه وسلم ( لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخيه ما يحب لنفسه من الخير ) هر آنكه تخم بدى كشت وجشم نيكى داشت ... دماغ بيهده بخت وخيال باطل بست زكوش ينبه برون آر وداد خلق بده ... اكر تو مى ندهى داد روز دادى هست فعلى المرء ان ينصف فى جميع احواله للاجانب خصوصا الاقارب والازواج فان تحرى العدل لهم من الواجبات واعلم ان الآية لا دلالة فيها على جواز المغالاة فى المهر لان قوله تعالى { وآتيتم احداهن قنطارا } لا يدل على جواز ايتاء القنطار كما ان قوله { لو كان فيهما آلهة الا اللّه لفسدتا } لا يدل على حصول الآلهة والحاصل انه لا يلزم من جعل الشىء شرطا لشىء آخر كون ذلك الشرط فى نفسه جائز الوقوع كذا قال الامام فى تفسيره ويؤيد ما قيل فى مرشد المتاهلين ان المرأة التى يراد نكاحها يراعى فيها خفة المهور قال صلى اللّه عليه وسلم ( خير نسائكم احسنهن وجوها واخفهن مهورا ) وتزوج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نساءه على عشرة دراهم واثاث البيت وكان رحى وجرة ووسادة من اديم حشوها ليف وفى الخبر ( من بركة المرأة سرعة تزوجها وسرعة رحمها الى الولادة ويسر مهرها ) ولا بد للرجل ان يوفيها صداقها كملا او ينوى ذلك فمن نوى ان يذهب بصداقها جاء يوم القيامة زانيا كما ان من استدان دينا وهو ينوى ان لا يقضيه يصير سارقا ولا يماطل مهرها الا ان يكون فقيرا او تؤجله المرأة طوعا ويعلمها احكام الطهارة والحيض والصلاة وغير ذلك بقدر ما تؤدى به الواجب ويلقنها اعتقاد اهل السنة ويردها عن اعتقاد اهل البدعة وان لم يعلم فليسأل ولينقل اليها جواب المفتى وان لم يسأل فلا بد لها من الخروج للسؤال ومتى علمها الفرائض فليس لها الخروج الى تعلم او مجلس ذكر الا برضاه فمهما اهمل المرء حكما من احكام الدين ولم يؤدبها ولم يعلمها او منعها عن التعلم شاركها فى الاثم وفى الحديث ( اشد الناس عذابا يوم القيامة من اجهل اهله ) قال عليه السلام ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) ٢٢ { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } ذكر ما دون ما لانه اريد به الصفة. وقوله من النساء بيان لما نكح واسم الآباء ينتظم الاجداد مجازا كان اهل الجاهلية يتزوجون بازواج آبائهم فنهوا عن ذلك اى لا تنكحوا التى نكحها آباؤكم { الا ما قد سلف } استثناء مما نكح مفيد للمبالغة فى التحريم باخراج الكلام مخرج التعليق بالمحال اى لا تنكحوا حلائل آبائكم الا من ماتت منهن والمقصود سد طريق الاباحة بالكلية ونظيره قوله تعالى { حتى يلج الجمل فى سم الخياط } { انه } اى نكاحهن { كان فاحشة } اى فعلة قبيحة ومعصية شديدة عند اللّه ما رخص فيه لأمة من الأمم { ومقتا } ممقوتا عند ذوى المروآت والمقت اشد البغض { وساء سبيلا } نصب على التمييز اى بئس السبيل سبيل من يراه ويفعله فانه يؤدى صاحبه الى النار قيل مراتب القبح ثلاث. القبح العقلى واليه اشير بقوله { انه كان فاحشة }. والقبح الشرعى واليه اشير بقوله { مقتا }. والقبح العادى واليه الاشارة بقوله { وساء سبيلا } ومتى اجتمعت فيه هذه المراتب فقد بلغ اقصى مراتب القبح والاشارة فى الآية ان الآباء هى العلويات والامهات هى السفليات وبازدواجهما خلق اللّه تعالى المتولدات منهما فيما بينهما ففى قوله تعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } اشارة الى نهى التعلق والتصرف فى السفليات التى هى الامهات المتصرفة فيها آباؤكم العلوية { الا ما قد سلف } من التدبير الآلهى فى ازدواج الارواح والاشباح فالحاجات الضرورية للانسان مسيسة به { انه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا } يعنى التصرف فى السفليات والتعلق بها والركون اليها مما يلوث الجوهر الروحانى بلوث الصفات الحيوانية ويجعله سفلى الطبع بعيدا عن الحضرة محبا للدنيا ناسيا للرب ممقوتا للحق وساء سبيلا الى الهداية بالضلالة : قال حافظ غلام همت آنم كه زير جرخ كبود ... زهرجه رنك تعلق بذيرد آزاداست قال مولانا الجامى اى كه درشرع خداوندان حال ... ميكنى ازسنت وفرضم سؤال سنت آمد دل زدنيا تافتن ... فرض راه قرب مولا يافتن قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( ان اقرب الناس مجلسا الى اللّه يوم القيامة من طال حزنه وجوعه فى الدنيا افترش الناس الفراش وافترش الارض فالراغب من رغبت فى مثل ما رغبوا والخاسر من خالفهم اكلوا الشعير ولبسوا الخرق وخرجوا من الدنيا سالمين ) قال مولانا جلال الدين هركه محجوبست اوخود كودكيست ... مرد آن باشدكه بيرون از شكيست اى خنك آنكه جهادى ميكند ... بر بدن زجرى ودادى ميكند اى بساكارا كه اول صعب كشت ... بعد ازان بكشاده شد سختى كذشت اندرين ره مى تراش و مى خراش ... تا دمى آخر دمى فارغ مباش قال ابو على الدقاق رحمه اللّه من زين ظاهره بالمجاهدة حسن اللّه سريرته بالمشاهدة قال اللّه تعالى { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } واعلم ان من لم يكن فى بدايته صاحب مجاهدة لم يجد من هذه الطريقة شمة قال ابو الحسن الوراق كان اجل احكامنا فى مبادى امرنا فى مسجد ابى عثمان الايثار حتى يفتح علينا وان لا نبيت على معلوم ومن استقبلنا بمكروه لا ننتقم لانفسنا بل نعتذر اليه ونتواضع له واذا وقع فى قلوبنا حقارة لأحد قمنا فى خدمته والاحسان اليه حتى يزول قال ابو حفص ما اسرع هلاك من لا يعرف عيبه فان المعاصى بريد الكفر عيب رندان مكن اى زاهد باكيزه سرشت ... كه كناه دكران برتونخواهند نوشت من اكرنيكم وكربدتو برخود را باش ... هركسى آن درود عاقبت كاركه كشت ٢٣ { حرمت عليكم أمهاتكم } اى نكاحهن لان المفهوم فى العرف من حرمة كل شىء ما هو الغرض المقصود منه فيفهم من تحريم النساء تحريم نكاحهن كما يفهم من تحريم الخمر تحريم شربها ومن تحريم لحم الخنزير تحريم اكله. والامهات تعم الجدات وان علون من الاب والام او من قبل احدهما { وبناتكم } الصلبية وبنات الاولاد وان سفلن { واخواتكم } من قبل الاب والام او من قبل احدهما فيتضمن الاخوات من الجهات الثلاث واعلم ان حرمة الامهات والبنات كانت ثابتة من زمن آدم عليه السلام الى هذا الزمان ولم يثبت حل نكاحهن فى شىء من الاديان الآلهية بل ان زرادشت رسول المجوس قال بحله الا ان اكثر المسلمين اتفقوا على انه كان كذابا اما نكاح الاخوات فقد نقل ان ذلك كان مباحا فى زمن آدم عليه السلام وانما حكم اللّه باباحة ذلك على سبيل الضرورة وذكر العلماء ان السبب لهذا التحريم ان الوطء اذلال واهانة فان الانسان يستحيى من ذكره ولا يقدم عليه الا فى الموضع الخالى واكثر انواع الشتم لا يكون الا بذكره واذا كان الامر كذلك وجب صون الامهات عنه لان انعام الام على الولد اعظم وجوه الانعام فوجب صونها عن هذا الاذلال والبنت جزؤ من الانسان وبعض منه فيجب صونها عن هذا الاذلال لان المباشرة معها تجرى مجرى الاذلال وكذا القول فى البقية ذكره الامام فى تفسيره { وعماتكم } العمة كل انثى ولدها من ولد والدك قريبا او بعيدا { وخالاتكم } الخالة كل انثى ولدها من ولد والدتك قريبا او بعيدا يعنى العمات تعم اخوات الآباء والاجداد وكذا الخالات تعم اخوات الامهات والجدات سواء كن من قبل الاب والام او من قبل احدهما { وبنات الاخ وبنات الاخت } من كل جهة ونوافلهما وان بعدت واعلم ان اللّه تعالى نص على تحريم اربعة عشر صنفا من النسوان سبع منهن من جهة النسب وهن هذه المذكورات وسبع اخرى من جهة السبب والى تعدادها شرع فقال { وامهاتكم اللاتى ارضعنكم واخواتكم من الرضاعة } اى حرم نكاح الامهات والاخوات كلتاهما من الرضاعة كما حرمتا من النسب نزل اللّه الرضاعة منزلة النسب حتى سمى المرضعة اما للرضيع والمراضعة اختا وكذلك زوج المرضعة ابوه وابواه وجداه واخته عمته وكل ولد ولد له من غير المرضعة قبل الرضاع وبعده فهم اخوته واخواته لأبيه وام المرضعة جدته واختها خالته وكل من ولد لها من هذا الزوج فهم اخوته واخواته لأبيه وامه ومن ولد لها من غيره فهم اخوته واخواته لأمه ومنه قوله صلى اللّه عليه وسلم ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) وهو حكم كلى جار على عمومه واما ام اخيه لأب واخت ابنه لأم وام ام ابنه وام عمه وام خاله لأب فليست حرمتهن من جهة النسب حتى تحل بعمومه ضرورة حلهن فى صور الرضاع بل من جهة المصاهرة ألا يرى ان الاولى موطوءة ابيه والثانية بنت موطوءته والثالثة ام موطوءته والرابعة موطوءة جده الصحيح والخامسة موطوءة جده الفاسدة { وامهات نسائكم } المراد بالنساء المنكوحات على الاطلاق سواء كن مدخولا بهن ام لا وعليه جمهور العلماء وقد روى عن النبى عليه السلام انه قال فى رجل تزوج امرأة ثم طلقها قبل الدخول بها ( انه لا بأس بان يتزوج ابنتها ولا يحل له ان يتزوج امها ) ويلحق بهن الموطوآت بوجه من الوجوه المعدودات فيما سبق آنفا والممسوسات ونظائرهن وامهات تعم المرضعات كما تعم الجدات { وربائبكم اللاتى فى حجوركم } اى حرم نكاح الربائب جمع ربيبة والربيب ولد المرأة من آخر سمى به لانه يربه كما يرب ولده فى غالب الامر فعيل بمعنى مفعول والتاء للنقل الى الاسمية قال الامام والحجور جمع حجر وفيه لغتان قال ابن السكيت حجر الانسان وحجره بالفتح والكسر هو ما يجمع على فخذيه من ثوبه والمراد بقوله فى حجوركم اى فى تربيتكم يقال فلان فى حجر فلان اذا كان فى تربيته والسبب فى هذه الاستعارة ان كل من ربى طفلا اجلسه فى حجره فصار الحجر عبارة عن التربية كما يقال فلان فى حضانة فلان وصاله من الحضن الذى هو الابط ثم ان كون التربية فى حجر الرابّ ليس بشرط للحرمة عند جمهور العلماء والوصف فى الآية خرج على الاغلب لانهن كن لا يتزوجن غالبا اذا كانت لهن اولاد كبار ويتزوجن مع الاولاد الصغار ليستعن بالازواج على تربية الاولاد فخرج الكلام مخرج الغالب لا على الاشتراط كما فى قوله تعالى { ولا تباشروهن وانتم عاكفون فى المساجد } والباشرة فى غير المساجد حالة الاعتكاف حرام ايضا { من نسائكم اللاتى دخلتم بهن } اى كائنة تلك الربائب من نسائكم اللاتى دخلتم بهن فمن متعلقة بمحذوف وقع حالا من ربائبكم ومعنى الدخول بهن ادخالهن الستر والباء للتعدية وهى كناية عن الجماع كقولهم بنى عليها وضرب عليها الحجاب وفى حكم الدخول اللمس ونظائره { فان لم تكونوا } اى فيما قبل { دخلتم بهن } اصلا { فلا جناح عليكم } اى فى نكاح الربائب اذا فارقتموهن اى امهاتهن او متنّ وهو تصريح بما اشعر به قبله { وحلائل ابنائكم } اى وحرم عليكم زوجات ابنائكم سميت الزوجة حليلة لحلها للزوج او لحلولها فى محله وقيل لحل كل منهما ازار صاحبه وفى حكمهن مزنياتهم ومن يجرى مجراهن من الممسوسات ونظائرهن { الذين من اصلابكم } لاخراج الادعياء دون ابناء الاولاد والابناء من الرضاع فانهم وان سفلوا فى حكم الابناء الصلبية فالمتبنى اذا فارق امرأته يجوز للمتبنى نكاحها وقد تزوج النبى عليه السلام زينب ابنة جحش الاسدية بنت عمته امينة ابنة عبد المطلب حين فارقها زيد حارثة وكان قد تبناه وادعاه ابنا فعيره المشركون بذلك لان المتبنى فى ذلك الوقت كان بمنزلة الابن فانزل اللّه تعالى { ما كان محمد ابا احد من رجالكم } وقوله تعالى { وما جعل ادعياءكم ابناءكم } { وان تجمعوا بين الاختين } اى وحرم عليكم الجمع بين الاختين فى النكاح لا فى ملك اليمين واما جمعهما فى الوطء بملك اليمين فيلحق به بطريق الدلالة لاتحادهما فى المدار { الا ما قد سلف } استثناء منقطع اى لكن ما قد مضى لا تؤاخذون به { ان اللّه كان غفورا } لمن فعل ذلك فى الجاهلية { رحيما } لمن تاب من ذنوبه واطاع لامر ربه فى الاسلام ٢٤ { والمحصنات } هن ذوات الازواج احصنهن التزوج او الازواج او الاولياء اى اعفهن عن الوقوع فى الحرام وقد ورد الاحصان فى القرآن بازاء اربعة معان. الاول التزوج كما فى هذه الآية. والثانى العفة كما فى قوله { محصنين غير مسافحين }. والثالث احرية كما فى قوله { ومن لم يستطع منكم طولا ان ينكح المحصنات } والرابع الاسلام كما فى قوله { فاذا احصن } قيل فى تفسيره اى اسلمن وهى معطوفة على المحرمات السابقة اى وحرم عليكم ذوات الازواج كائنات { من النساء } وفائدته تأكيد عمومها لا دفع توهم شمولها للرجال بناء على كونها صفة للانفس كما توهم { الا ما ملكت ايمانكم } يريد ما ملكت ايمانكم من اللاتى سبين ولهن الازواج فى دار الكفر فهن حلال لغزاة المسلمين ان كن محصنات قال نجم الدين الكبرى قدس سره ان اللّه تعالى حرم المحصنات من النساء على الرجال عفة للحصانة وصحة للنسب ونزاهة لعرض الرجال عن خسة الاشتراك فى الفراش علوا للّهمة فان اللّه يحب معالى الامور ويبغض سفاسفها وقال { الا ما ملكت ايمانكم } يعنى ملكتم بالقوة والغلبة على ازواجهن من الكفار واقتطاعهن من حيز الاشتراك وافساد نسب الأولاد وتخليطه ولهذا اوجب الشرع فيها الاستبراء بحيضة { كتاب اللّه عليكم } مصدر مؤكد اى كتب اللّه عليكم تحريم هؤلاء كتابا وفرضه فرضا { واحل لكم } عطف على حرمت عليكم وتوسيط قوله { كتاب اللّه عليكم } بينهما للمبالغة فى الحمل على المحافظة على المحرمات المذكورة { ما وراء ذلكم } اشارة الى ما ذكر من المحرمات المعدودة اى احل لكم نكاح ما سواهن انفرادا وجمعا وخص منه بالسنة ما فى معنى المذكورات كسائر محرمات الرضاح والجمع بين المرأة وعمتها وخالتها { ان تبتغوا } متعلق بالفعلين المذكورين اى حرمت واحل على انه مفعول له لكن لا باعتبار بيانهما واظهارهما اى بين لكم تحريم المحرمات المعدودة واحلال ما سواهن ارادة ان تبتغوا النساء اى تطلبوهن { باموالكم } بصرفها الى مهورهن او اثمانهن { محصنين } حال من فاعل تبتغون والاحصان من العفة وتحصين النفس عن الوقوع فيما يوجب اللوم والعقاب { غير مسافحين } حال ثانية منه والسفاح الزنى والفجور من السفح الذى هو صب المنى سمى به لانه الغرض منه ومفعول الفعلين محذوف اى محصنين فروجكم غير مسافحين الزوانى وهى فى الحقيقة حال مؤكدة لان المحصن غير مسافح البتة والمعنى لا تضيعوا اموالكم فى الزنى لئلا يذهب دينكم ودنياكم ولكن تزوجوا بالنساء فهو خير لكم وذكر الاموال يدل على ان غير المال لا يصلح مهرا وان القليل لا يكفى مهرا فان الدرهم ونحوه لا يسمى مالا ثم هو عندنا لا يكون اقل من عشرة دراهم قال صلى اللّه عليه وسلم ( لا مهر اقل من عشرة ) { فما استمتعتم به منهن } اى فالذى انتفعتم به من النساء بالنكاح الصحيح من جماع او خلوة صحيحة او غير ذلك { فآتوهن اجورهن } مهورهن فان المهر فى مقابلة الاستمتاع { فريضة } حال من الاجور بمعنى مفروضة { ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به } اى فى ان تراضيتم بعد النكاح على زيادة المهر من جانب الزوج او على الحط من المهر من جانب الزوجة وان تهب لزوجها جميع مهرها { من بعد الفريضة } اى بعد المفروضة للزوجة { ان اللّه كان عليما } بمصالح العباد { حكيما } فيما شرع لهم من الاحكام ولذلك شرع لكم هذه الاحكام اللائقة بحالكم اعلم ان المحرم عندنا من حرم نكاحه على التأبيد بنسب او مصاهرة او رضاع ولو بوطء حرام فخرج بالاول ولد العمومة والخؤولة وبالثانى اخت الزوجة وعمتها وخالتها وشمل ام المزنى بها وبنتها وابا الزانى وابنه واحكامه تحريم النكاح وجواز النظر والخلوة والمسافرة الا المحرم من الرضاع فان الخلوة بها مكروهة وكذا بالصهرة الشابة وحرمة النكاح على التأبيد لا مشاركة للمحرم فيها فان الملاعنة تحل اذا كذب نفسه او خرج من اهلية الشهادة والمجوسية تحل بالاسلام او بتهودها او تنصرها والمطلقة ثلاثا بدخول الثانى وانقضاء عدته ومنكوحة الغير بطلاقها وانقضاء عدتها ومعتدة الغير بانقضائها وكذا لا مشاركة للمحرم فى جواز النظر والخلوة والسفر واما عبدها فكالأجنبى على المعتمد لكن الزوج يشارك المحرم فى هذه الثلاثة والنساء الثقات لا يقمن مقام المحرم والزوج فى السفر ويختص المحرم النسيب باحكام. منها عتقه على قريبه لو ملكه ولا يختص بالاصل والفرع. ومنها وجوب نفقة الفقير العاجز على قريبه الغنى فلا بد من كونه رحما من جهة القرابة فابن العم والاخ من الرضاع لا يعتق ولا تجب نفقته ويغسل المحرم قريبه. ومنها انه لا يجوز التفريق بين الصغير ومحرم ببيع او هبة الا فى عشر مسائل. ومنها ان المحرمية مانعة من الرجوع فى الهبة وتختص الاصول والفروع من بين سائر المحارم باحكام. منها انه لا يقطع احدهما بسرقة مال الآخر. ومنها لا يقضى ولا يشهد احدهما للآخر. ومنها تحريم موطوءة كل منهما على الآخر ولو بزنى. ومنها تحريم منكوحة كل منهما على الآخر بمجرد العقد. ومنها لا يدخلون فى الوصية للاقارب وتختص الاصول باحكام. منها لا يجوز له قتل اصله الحربى الا دفعا عن نفسه وان خاف رجوعه ضيق عليه والجأه ليقتله غيره وله قتل فرعه الحربى كمحرمه. ومنها لا يقتل الاصل بفرعه ويقتل الفرع باصله. ومنها لا يحد الاصل بقذف فرعه ويحد الفرع بقذف اصله. ومنها لا تجوز مسافرة الفرقع الا باذن اصله دون عكسه. ومنها لو ادعى الاصل ولد جارية ابنه ثبت نسبه والجد اب الاب كالاب عند عدمه بخلاف الفرع اذا ادعى ولد جارية اصله لم يصح الا بتصديق الاصل. ومنها لا يجوز الجهاد الا باذنهم بخلاف الاصول لا يتوقف جهادهم على اذن الفروع. ومنها لا تجوز المسافرة الا باذنهم ان كان الطريق مخوفا والا فان لم يكن ملتحيا فكذلك والا فلا. ومنها اذا دعا احد ابويه فى الصلاة وجبت اجابته الا ان يكون عالما بكونه فيها ولم ار حكم الاجداد والجدات وينبغى الالحاق ومنها كراهة حجه بدون اذن من كرهه من ابويه ان احتاج الى خدمته. ومنها جواز تأديب الاصل فرعه والظاهر عدم الاختصاص بالأب فالأم والاجداد والجدات كذلك. ومنها تبعية الفرع للاصل فى الاسلام. ومنها لا يحبسون بدين الفرع والأجداد والجدات كذلك واختصت الاصول الذكور بوجوب الاعفاف واختص الأب والجد لأب باحكام. منها ولاية المال فلا ولاية للام فى مال الصغير الا الحفظ وشراء ما لا بد منه للصغير. ومنها تولى طرفى العقد فلو باع الأب ماله من ابنه او اشترى وليس فيه غبن فاحش انعقد بكلام واحد. ومنها عدم خيار البلوغ فى تجويز الأب والجد فقط واما ولاية الانكاح فلا تختص بهما فتثبت لكل ولى سوءا كان عصبة او من ذوى الأرحام وكذا الصلاة فى الجنازة لا تختص بهما وفى الملتقط من النكاح لو ضرب المعلم الولد باذن الأب فهلك لم يغرم الا ان يضربه ضربا لا يضرب مثله ولا ضرب باذن الأم غرم الدية اذا هلك والجد كالأب عند فقده الا فى ثنتى عشرة مسألة فائدة يترتب على النسب اثنا عشر حكما توريث المال والولاء وعدم صحة الوصية عند المزاحمة ويلحق بها الاقرار بالدين فى مرض موته وتحمل الدية وولاية التزويج وولاية غسل الميت والصلاة عليه وولاية المال وولاية الحضانة وطلب الحد وسقوط القصاص هذا كله من الاشباه والنظائر نقلته ههنا لفوائده الكثيرة وملاءمته المحل على ما لا يخفى ٢٥ { ومن لم يستطع منكم طولا ان ينكح المحصنات المؤمنات } من لم يستطع اى من لم يجد كما يقول الرجل لا استطيع ان احج اى لا اجد ما احج به. ومنكم حال من فاعل يستيطع اى حال كونه منكم. والطول القدرة وانتصابه على انه مفعول يستطيع وان ينكح فى موضع النصب على انه مفعول القدرة والمراد بالمحصنات الحرائر بدليل مقابلتهن بالمملوكات فان حريتهن احصنتهن عن ذل الرق والابتذال وغيرهما من صفات القصور والنقصان والمعنى ومن لم يجد طول حرة اى ما يتزوج به الحرة المسلمة { فمن ما ملكت ايمانكم } فلينكح امرأة او امة من النوع الذى ملكته ايمانكم { من فتياتكم المؤمنات } حال من الضمير المقدر فى ملكت الراجع الى ما اى من امائكم المسلمات. والفتاة اصلها الشابة والفتاء بالمد الشباب والفتى الشاب والامة تسمى فتاة والعبد يسمى فتى وان كانا كبيرين فى السن لانهما لا يوقران للرق توقير الكبار ويعاملان معاملة الصغار { واللّه اعلم بايمانكم } تأنيس بنكاح الاماء وزالة الاستنكاف منه اى اعلم بتفاضل ما بينكم وبين ارقائكم فى الايمان فربما كان ايمان الامة ارجح من الايمان الحرة وايمان المرأة من ايمان الرجل فلا ينبغى للمؤمن ان يطلب الفضل والرجحان الا باعتبار الايمان والاسلام لا بالاحساب والأنساب { بعضكم من بعض } انتم وارقاؤكم متناسبون نسبكم من آدم ودينكم الاسلام كما قيل الناس من جهة التمثال اكفاء ... ابوهمو آدم والام حواء فبينكم وبين ارقائكم المواخاة الايمانية والجنسية الدينية لا يفضل حر عبدا الا برجحان فى الايمان وقدم فى الدين { فانكحوهن باذن اهلهن } اى واذ قد وقفتم على جلية الامر فانكحوهن باذن مواليهن ولا تترفعوا عنهن وفى اشتراط اذن الموالى دون مباشرتهم للعقد اشعار بجواز مباشرتهن له { وآتوهن اجورهن بالمعروف } اى ادوا اليهن مهورهن بغير مطل وضرار والجاء الى الافتداء واللز اى المضايقة والالحاح { محصنات } حال من مفعول فانكحوهن اى حال كونهن عفائف عن الزنى { غير مسافحات } حال مؤكدة اى غير مجاهرات به والمسافح الزانى من السفح وهو صب المنى لان غرضه مجرد صب الماء { ولا متخذات اخدان } جمع خدن وهو الصديق سرا والجمع للقابلة بالانقسام على معنى ان لا يكون لواحدة منهن خدن لا على معنى ان لا يكون لها اخدان اى غير مجاهرات بالزنى ولا مسرات له وكان زناهن فى الجاهلية من وجهين السفاح وهو بالاجر من الراغبين فيها والمخادنة وهى مع صديق لها على الخصوص وكان الاول يقع اعلانا والثانى سرا وكانوا لا يحكمون على ذات الخدن بكونها زانية ولذا افرد اللّه كل واحد من هذين القسمين بالذكر ونص على حرمتهما معا { فاذا احصن } اى بالتزويج { فان اتين بفاحشة } اى فعلن فاحشة وهى الزنى { فعليهن } فثابت عليهن شرعا { نصف ما على المحصنات } اى الحرائر الابكار { من العذاب } من الحد الذى هو جلد مائة فنصفه خمسون كما هو كذلك قبل الاحصان فالمراد بيان عدم تفاوت حدهن بالاحصان كتفاوت حد الحرائر ولا رجم عليهن لان الرجم لا ينتصف وجعلوا حد العبد مقيسا على الامة والجامع بينهما الرق والاحصان عبارة عن بلوغ مع عقل وحرية ودخول فى نكاح صحيح واسلام خلافا للشافعى فى الاسلام { ذلك } اى نكاح المملوكات عند عدم الطول لمن { خشى العنت منكم } اى خاف الزنى وهو فى الاصل انكسار العظم بعد الجبر فاستعير لكل مشقة وضرر اعظم من موافقة الاسم بافحش القبائح وانما سمى الزنى به لانه سبب المشقة بالحد فى الدنيا والعقوبة فى العقبى { وان تصبروا } اى عن نكاحهن متعففين كافين انفسكم عما تشتهيه من المعاصى { خير لكم } من نكاحهن وان سبقت كلمة الرخصة فيه لما فيه من تعريض الولد للرق ولان حق المولى فيها فلا تخلص للزوج خلوص الحرائر ولان المولى يقدر على استخدامها كيف ما يريد فى السفر والحضر وعلى بيعها للحاضر والبادى. وفيه من اختلال حال الزوج واولاده ما لا مزيد عليه ولانها ممتهنة مبتذلة خراجة ولاجة وذلك كله ذل ومهانة سارية الى الناكح والعزة هى اللائقة بالمؤمنين ولان مهرها لمولاها فلا تقدر على التمتع به ولا على هبته للزوج فلا ينتظم امر المنزل وقد قال صلى اللّه عليه وسلم ( الحرائر صلاح البيت والاماء هلاك البيت ) { واللّه غفور } لمن لم يصبر { رحيم } بالرخصة والتوسعة فنكاح الامة عند الطول والقدرة على نكاح الحرة لا يحل عند الشافعى وعند الحنفية يحل ما لم يكن عنده امرأة حرة ومحصله ان الشافعى اخذ بظاهر الآية وقال لا يجوز نكاح الامة الا بثلاثة شرائط اثنان فى الناكح عدم طول الحرة وخشية العنت والثالث فى المنكوحة وهى ان تكون امة مؤمنة لا كافرة كتابية وعند ابى حنيفة شىء من ذلك ليس بشرط فهو حمل عدم استطاعة الطول على عدم ملك فراش الحرة بان لا يكون تحته حرة فحينئذ يجوز نكاح الامة وحمل النكاح على الوطء وحمل قوله { من فتياتكم المؤمنات } على الافضل اى نكاح الامة المؤمنة افضل من نكاح الكتابية فجعله على الندب واستدل عليه بوصف الحرائر مع كونه ليس بشرط قال فى التيسير واما قوله { من فتياتكم المؤمنات } ففيه اباحة المؤمنات وليس فيه تحريم الكتابيات فالغنى والفقير سواء فى جواز نكاح الامة سواء كانت مؤمنة او يهودية او نصرانية اعلم ان النكاح من سنن المرسلين وشرعة المخلصين الا ان الحال يختلف فيه باختلاف احوال الناس فهو واجب بالنسبة الى صاحب التوقان ومستحب بالنسبة الى من كان فى حد الاعتدال ومكروه بالنسبة الى من عجز عن الوقاع والانفاق قال فى الشرعة وشرحها ويختار للتزوج المرأة ذات الدين فان المرأة الصالحة خير متاع الدنيا فان بها يحصل تفريغ القلب عن تدبير المنزل والتكلف بشغل الطبخ والكنس والفرش وتنظيف الاوانى وتهيئة اسباب المعيشة فان الانسان لو لم يكن له شهوة الوقاع لتعسر عليه فى منزله وحده اذ لو تكفل بجميع اشغال المنزل لضاعت اكثر اوقاته ولم يتفرغ للعلم والعمل فالمرأة الصالحة المصلحة للمنزل معينة على الدين بهذا الطريق واختلال هذه الاسباب شواغل ومشوشات للقلب ومنغصات للعيش ولذلك قال ابو سليمان الدرانى الزوجة الصالحة ليست من الدنيا فانها تفرّغك للآخرة : قال الشيخ السعدى قدس سره زن خوب فرمان بربارسا ... كند مرد درويش را يادشا سفر عيد باشد بران كتخداى ... كه يارى زشتش بود درسراى ثم ان بعضهم اختارو البكر وقالوا انها تكون لك فاما الثيب فان لم يكن لها ولد فنصفها لك وان كان لها ولد فكلها لغيرك تاكل رزقك وتحب غيرك والحاصل ان اختيار نكاح المملوكات رخصة والصبر عنه عزيمة ولا ريب ان العزيمة اولى لانه بالصبر يترقى العبد الى الدرجات العلى وفى الخبر ( يؤتى باشكر اهل الارض فيجزيه اللّه تعالى جزاء الشاكرين ويؤتى باصبر اهل الارض فيقال له أترضى ان نجزيك جزاء الشاكرين فيقول نعم يا رب فيقول اللّه كلا انعمت عليك فشكرت وابتليتك فصبرت لأضعفن لك الاجر عليه فيعطى اضعاف جزاء الشاكرين ) وقد يجمع العبد فضيلتى الصبر والشكر بان يصبر على مقتضى النفس زمانا ثم بعد النيل والفوز يشكر على نعمه الجزيلة حققنا اللّه واياكم بحقائق الصبر والشكر نعمت حق شمار وشكر كذار ... نعمتش را اكرجه نيست شمار شكر باشد كليد كنج مزيد ... كنج خواهى منه زدست كليد وقيل فى حق الصبر جون بمانى بسته در بند حرج ... صبر كن كه الصبر مفتاح الفرج صبركن حافظ بسختى روزشب ... عاقبت روزى بيابى كام را ثم ان رحمته لعباده اوسع من ان تذكر ولذلك قال { واللّه غفور رحيم } ومن جملة رحمته بيان طرائق من سلف وتقدم من اهل الرشاد ليسلكوا مناهجهم وينالوا الى المراد وقال عليه السلام ( يا كريم العفو ) فقال جبريل أتدرى ما معنى كريم العفو هو ان يعفو عن السيآت برحمته ثم يبدلها بحسنات بكرمه : قال جلا الدين الرومى قدس سره توبه آرند وخدا توبه بذير ... امر او كيرند او نعم الامير سيآتت را مبدل كرد حق ... تاهمة طاعت شود آن ما سبق ٢٦ { يريد اللّه ليبين لكم } اللام مزيدة لتأكيد معنى الاستقبال اللازم للارادة ومفعول يبين محذوف اى يريد اللّه ان يبين لكم ماهوه خفى عنكم من مصالحكم وافاضل اعمالكم او ما تعبدكم به من الحلال والحرام { ويهديكم سنن الذين من قبلكم } اى يدلكم على مناهج من تقدمكم من الانبياء والصالحين لتقتدوا بهم { ويتوب عليكم } يرجع بكم عن معصيته الى طاعته بالتوفيق للتوبة مما كنتم عليه من الخلاف وليس الخطاب لجميع المكلفين حتى يتخلف مراده عن ارادته فيمن لم يتب منهم بل لطائفة معينة حصلت لهم هذه التوبة { واللّه عليم } بكم { حكيم } فيما يريده لكم ٢٧ { واللّه يريد ان يتوب عليكم } بيان لكمال منفعة ما راده اللّه تعالى وكمال مضرة ما يريد الفجرة بخلاف الاول فانه بيان ارادته تعالى لتوبته عليهم فلا تكرار { ويريد الذين يتبعون الشهوات } يعنى الفجرة فان اتباع الشهوات الائتمار لها واما المتعاطى لما سوغه الشرع من المشتهيات دون غيره فهو متبع له لا لها وقيل المجوس حيث كانوا يحلون الاخوات من الاب وبنات الاخ وبنات الاخت فلما حرمهن اللّه تعالى قالوا فانكم تحلون بنت الخالة وبنت العمة مع ان العمة والخالة عليكم حرام فانكحوا بنات الاخ والاخت فنزلت { ان تميلوا } عن القصد والحق بموافقتهم على اتباع الشهوات واستحلال المحرمات وتكونوا زناة مثلهم { ميلا عظيما } اى بالنسبة الى ميل من اقترف خطيئة على ندرة بلا استحلال ٢٨ { يريد اللّه ان يخفف عنكم } ما فى عهدتكم من مشاق التكاليف فلذلك شرع لكم الشرعة الحنيفية السمحة السهلة ورخص لكم فى المضايق كاحلال نكاح الامة وغيره من الرخص { وخلق الانسان ضعيفا } عاجزا عن مخالفة هواه غير قادر على مقابلة دواعيه وقواه حيث لا يصبر عن اتباع الشهوات ولا يستخدم قواه فى مشاق الطاعات قال الكلبى اى لا يصبر عن النساء قال سعيد بن المسيب ما ايس الشيطان من ابن آدم الا اتاه من قبل النساء وقد اتى علىّ ثمانون سنة وذهبت احدى عينى وانا اعشو بالاخرى وان اخوف ما اخاف على نفسى فتنة النساء وقال ابو هريرة رضى اللّه عنه اللّهم انى اعوذ بك من ان ازنى واسرق فقيل له كبر سنك وانت صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اتخاف على نفسك من الزنى والسرقة قال كيف آمن على نفسى وابليس حى : قال الحافظ جه جاى من كه بلغزد سبهر شعبده باز ... ازين حيل كه در انبانه بهانه تست والاشارة فى تحقيق الآيات ان اللّه تعالى انعم على هذه الامة بارادة اربعة اشياء. اولها التبيين وهو ان يبين لهم صراط المستقيم الى اللّه. وثانيا الهداية وهو ان يهديهم الى الصراط المستقيم بالعيان بعد البيان. وثالثها التوبة عليهم وهى ان يرجع بهم الى حضرته على صراط اللّه. ورابعها التخفيف عنهم وهو ان يوصلهم الى حضرته بالمعونة ويخفف عنهم المؤونة وهذا مما اختص به نبينا عليه السلام وامته لوجهين. احدهما ان اللّه اخبر عن ذهاب ابراهيم عليه السلام الى حضرته باجتهاده وهو المؤونة بقوله { انى ذاهب الى ربى سيهدين } واخبر عن موسى عليه السلام بمجيئه وهو ايضا المؤونة وقال { ولما جاء موسى لميقاتنا } واخبر عن حال نبينا عليه السلام بقوله { سبحان الذى اسرى بعبده ليلا } وهو المعونة فخفف عنه المؤونة واخبر عن حال هذه الامة بقوله { سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق } وهو ايضا بالمعونة وهى جذبات العناية. والوجه الثانى ان النبى عليه السلام وامته مخصوصون بالوصول والوصال مخفف عنهم كلفة الفراق والانقطاع فاما النبى عليه السلام فقد خص بالوصول الى مقام قاب قوسين او ادنى وبالوصال بقوله { ما كذب الفؤاد ما رأى } وانقطع سائر الانبياء عليهم السلام فى السموات السبع كما رأى ليلة المعراج آدم فى سماء الدنيا الى ان رأى ابراهيم عليه السلام فى السماء السابعة فعبر عنهم جميعا الى كمال القرب والوصول. واما الامة فقال فى حقهم ( من تقرب الىّ شبرا تقربت اليه ذراعا ) فهذا هو حقيقة الوصول والوصال ولكن الفرق بين النبى والولى فى ذلك ان النبى مستقل بنفسه فى السير الى اللّه والوصول ويكون حظه من كل مقام بحسب استعداده الكامل والولى لا يمكنه السير الا فى متابعة النبى وتسليكه فى سبيل اللّه { قل هذه سبيلى ادعوا الى اللّه على بصيرة أنا ومن اتبعنى } ويكون حظه من المقامات بحسب استعداده فينبغى ان يسارع العبد الى تكميل المراتب والدرجات برعاية السنة وحسن المتابعة لسيد الكائنات قال جنيد البغدادى قدس سره مذهبنا هذا مقيد باصول الكتاب والسنة قال على كرم اللّه وجهه الطرق كلها مسدودة على الخلق الا من اقتفى اثر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كرت بايدكه بينى روى ايمان ... رخ ازآيينه امرش مكردان زشرعش سرمييج ازهيج رويى ... كه همجون شانه ميكردى بمويى قال الشيخ السعدى قدس سره خلاف بيمبر كسى ره كزيد ... كه هر كز بمنزل نخواهد رسيد محالست سعدى كه راه صفا ... توان رفت جز بربى مصطفا ثم فى قوله تعالى { وخلق الانسان ضعيفا } اشارة الى ان الانسان لا يصبر عن اللّه لحظة لضعفه مهما يكون على الفطرة الانسانية فطرة اللّه التى فطر الناس عليها فانه يحبهم ويحبونه وهو ممدوح بهذا الضعف فان من عداه يصبرون عن اللّه لعدم اضطراهم فى المحبة والانسان مخصوص بالمحبة واعلم ان هذا الضعف سبب لكمال الانسان وسعادته وسبب لنقصانه وشقاوته لانه يتغير لضعفه من حال الى حال ومن صفة الى اخرى فيكون ساعة بصفة بهيمة يأكل ويشرب ويجامع ويكون ساعة اخرى بصفة ملك يسبح بحمد ربه ويقدس له ويفعل ما يؤمر ولا يعصى فيما نهاه عنه وهذه التغيرات من نتائج ضعفه وليس هذا الاستعداد لغيره حتى الملك لا يقدر ان يتصف بصفات البهيمة والبهيمة لا تقدر ان تتصف بصفة الملك لعدم ضعف الانسانية وانما خص الانسان بهذا الضعف لاستكماله بالتخلق باخلاق اللّه واتصافه بصفات اللّه كما جاء فى الحديث الربانى ( انا ملك حى لا اموت ابدا عبدا اطعنى اجعلك ملكا حيا لا يموت ابدا ) فعند هذا الكمال يكون خير البرية وعند اتصافه بالصفات البهيمية يصير شر البرية كى شوى انسان كامل ... اى دل ناقص عقل ٢٩ { يا ايها الذين آمنوا لا تأكلوا } اى لا تأخذوا عبر عن الاخذ بالاكل لان المقصود الاعظم من الاموال الاكل فكما ان كل محرم فكذلك سائر وجوه التصرفات { اموالكم بينكم بالباطل } اى بوجه غير شرعى كالغصب والسرقة والخيانة والقمار وعقود الربا والرشوة واليمين الكاذبة وشهادة الزور والعقود الفاسدة ونحوها { الا ان تكون تجارة عن تراض منكم } استثناء منقطع وعن متعلقة بمحذوف وقع صفة لتجارة اى الا ان تكون التجارة تجارة عن تراض او الا ان تكون الاموال اموال تجارة وتلحق بها اسباب الملك المشروعة كالهبة والصدقة والارث والعقود الجائزة لخروجها عن الباطل وانما خص التجارة بالذكر لكونها اغلب اسباب المكاسب وقوعا واوفقها لذوى المروآت والمراد بالتراضى مراضاة المتبايعين بما تعاقدا عليه فى حال المبايعة وقت الايجاب والقبول عندنا وعند الشافعى حالة الافتراق عن مجلس العقد { ولا تقتلوا انفسكم } بالبخع كما يفعله جهلة الهند او بالقاء النفس الى التهلكة ويؤيده ما روى ان عمرا بن العاص رضى اللّه عنه تأوله فى التيمم لخوف البرد فلم ينكر عليه النبى صلى اللّه عليه وسلم او بارتكاب المعاصى المؤدية الى هلاكها فى الدنيا والآخرة او باقتراف ما يذللّها ويرديها فانه القتل الحقيقى للنفس وقيل المراد بالنفس من كان من جنسهم من المؤمنين فان كلهم كنفس واحدة { ان اللّه كان بكم رحيما } اى امر بما امر ونهى عما نهى لفرط رحمته عليكم معناه ان كان بكم يا امة محمد رحيما حيث امر بنى اسرائيل بقتل الانفس ونهاكم عنه ٣٠ { ومن يفعل ذلك } اى القتل او اياه وسائر المحرمات المذكورة فيما قبل { عدوانا وظلما } افراطا فى التجاوز عن الحد واتيانا بما لا يستحقه وقيل اريد بالعدوان التعدى على الغير وبالظلم الظلم على النفس لتعريضها للعقاب ومحلهما النصب على الحالية اى متعديا وظالما { فسوف نصليه } اى ندخله { نارا } اى نارا مخصوصة هائلة شديدة العذاب { وكان ذلك } اى اصلاء النار { على اللّه يسيرا } لتحقق الداعى وعدم الصارف قال الامام واعلم ان الممكنات بالنسبة الى قدرة اللّه على السوية وحينئذ يمتنع ان يقال ان بعض الافعال ايسر عليه من بعض بل هذا الخطاب نزل على القول المتعارف بيننا او يكون معناه المبالغة فى التهديد وهو ان احدا لا يقدر على الهرب منه ولا على الامتناع عليه فعلى العاقل ان يتجنب عن الوقوع فى المهالك ويبالغ فى حفظ الحقوق وقد جمع اللّه فى التوصية بين حفظ النفس وحفظ المال لانه شقيقها من حيث انه سبب لقوامها وتحصيل كمالاتها واستيفاء فضائلها ولذلك قيل توانكرانرا وقفست وبذل ومهانى ... زكاة وفطره واعتاق وهدى وقربانى توكى بدولت ايشان رسى كه نتوانى ... جزاين دور كعت وآن هم بصدبر بريشانى فان وفقت للمال فاشكر له والا فلا تتعب نفسك ولا تقتلها كما يفعله بعض من يفتقر بعد الغنى لغاية المه واضطرابه من الفقر قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( من قتل نفسه بشىء فى الدنيا عذب به يوم القيامة ) وقال صلى اللّه عليه وسلم ( كان فيمن قبلكم جرح برجل ارابه فجزع منه فاخرج سكينا فجز بها يده فمارقأ الدم حتى مات فقال اللّه تعالى بارزنى عبدى بنفسه فحرمت عليه الجنة ) كذا فى تفسير البغوى وكذلك حكم من قتل نفسه لفقر او لغير ذلك من الاسباب واعلم ان اكل المال بالباطل مما يفسد دين الرجل ودنياه بل يضر بنفسه ويكون سببا لهلاكه فان بعض الاعمال يظهر اثره فى الدنيا روى ان رجلا ظالما غصب سمكة من فقير فطبخها فلما اراد اكلها عضت يده فاشار اليه الطبيب بالقطع فلم يزل يقطع من كل مفصل حتى وصل الى الابط فجاء الى ظل شجرة فاخذت عيناه فقيل له لا تتخلص من هذا الا بارضاء صابحها المظلوم فلما ارضاه سكن وجعه ثم انه تاب واقلع عما فعل فرد اللّه اليه يده فاوحى اللّه تعالى الى موسى عليه السلام [ وعزتى لولا انه ارضى المظلوم لعذبته طول حياته ] قال العلماء حرمة مال المسلم كحرمة دمه قال عليه السلام ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله ) وقال عليه السلام ( لا يحل مال امرىء مسلم الا بطيبة نفس منه ) فالظلم حرام شرعا وعقلا : قال الجامى قدس سره هزار كونه خصومت كنى بخلق جهان ... زبس كه در هوس سيم وآرزوى زرى تراست دوست زروسيم خصم صاحب آن ... كه كيرى ز كفش آنرا بظلم وحيله كرى نه مقتضاى خرد باشد ونتيجه عقل ... كه دوست را بكذارى وخصم را ببرى فعلى السالك ان يجتنب عن الحرام ويأكل من الحلال الطيب ولبعض الكبار دقة عظيمة واهتمام تام فى هذا الباب حكى ان بعض الملوك ارسل الى الشيخ ركن الدين علاء الدولة غزالا وقال انها حلال فقال الشيخ كنت بمشهد طوس فجاء الى بعض الامراء بارنب قال كل منها فانى رميتها بيدى فقلت الارنب حرام على قول الامام جعفر الصادق رضى اللّه عنه قال فى حياة الحيوان يحل أكل الارنب عند العلماء كافة الا ما حكى عن عبد اللّه بن عمروب بن العاص وابن ابى ليلى انهما كرها اكلها ثم انه جاء يوم بغزال فقال كل منها فانى رميتها بسهم عملته بيدى على فرس ورثتها عن ابى فقلت خطر ببالى ان واحدا من الامراء جاء الى مولانا الجمال باوزتين وقال كل منهما فانى قد اخذتهما ببازى فقال مولانا ليس الكلام فى الاوزتين وانما الكلام فى قوت البازى من دجاجة أية عجوز اكل حتى قوى للاصطياد فالغزال التى رميتها على فرسك وان كانت من الصيد لكن قوت الفرس من شعير اى مظلوم حصل فلم يأكل منها حكى ان خياطا قال لبعض الكبار هل اكون معينا للظلمة بخياطة ثيابهم فقال ليس الكلام فيك وانما الكلام فى الحداد الذى يعمل الابرة والحاصل ان لا بد من الاهتمام فى طلب الحلال وان كان فى زماننا هذا نادرا والوصول اليه عزيزا : قال الجامى قدس سره خواهى كه شوى حلال روزى ... همخانه مكن عيال بسيار دانى كه درين سراجه تنك ... حاصل نشود حلال بسيار رزقنا اللّه وايكم من فضله انه الجواد ٣١ { ان تجتنبوا } الاجتناب التباعد ومنه الاجنبى { كبائر ما تنهون عنه } كبائر الذنوب التى نهاكم اللّه ورسوله عنها { نكفر عنكم } التكفير اماطة المستحق من العقاب بثواب ازيد او بتوبة والاحباط نقيضه وهو اماطة الثواب المستحق بعقاب ازيد او بندم على الطاعة المعنى نغفر لكم { سيآتكم } صغائركم ونمحها عنكم { وندخلكم مدخلا } بضم الميم اسم مكان هو الجنة { كريما } اى حسنا مرضيا او مصدر ميمى اى ادخالا مع كرامة قال المفسرون الصلاة الى الصلاة والجمعة الى الجمعة ورمضان الى رمضان مكفرات لما بينهن من الصغائر اذا اجتنب الكبائر واختلف فى الكبائر والاقرب ان الكبيرة كل ذنب رتب الشارع عليه الحد او صرح بالوعيد فيه قال انس بن مالك رضى اللّه عنه انكم تعملون اليوم اعمالا هى فى اعينكم ادق من الشعر كنا نعدها على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الكبائر وقال القشيرى الكبائر على لسان اهل الاشارة الشرك الخفى ومن جملة ذلك ملاحظة الخلق واستجلاب قلوبهم والتودد اليهم والاغماض عن حق اللّه بعينهم واعلم ان اجتناب الكبائر يوجب تكفير الصغائر وعند انتفاء الصغائر والكبائر يمكن الدخول فى المدخل الكريم وهو حضرة اكرم الاكرمين قال عليه السلام ( ان اللّه طيب لا يقبل الا الطيب ) وجملة الكبائر مندرجة فى ثلاثة اشياء احدها اتباع الهوى والهوى ميلان النفس الى ما يستلذ به من الشهوات فقد يقع الانسان به فى جملة من الكبائر مثلا البدعة والضلالة والارتداد والشبهة وطلب الشهوات واللذات والتنعمات وحظوظ النفس بترك الصلاة والطاعات كلها وعقوق الوالدين وقطع الرحم وقذف المحصنات وامثال ذلك ولهذا قال تعالى { ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل اللّه } وقال عليه السلام ( ما عبد اله ابغض على اللّه من الهوى ) غبار هوا جشم عقلت بدوخت ... سموم هوس كشت عمرت بسوخت بكن سرمه غفلت از جشم باك ... كه فردا شوى سرمه درجشم خاك وثانيها حب الدنيا فانه ميطة كثير من الكبائر مثل القتل والظلم والغصب والنهب والسرقة والربا وأكل مال اليتيم ومنع الزكاة وشهادة الزور وكتمانها واليمين الغموس والحيف فى الوصية وغيرها واستحلال الحرام ونقض العهد وامثاله ولهذا قال تعالى { ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله فى الآخرة من نصيب } وقال عليه السلام ( حب الدنيا رأس كل خطيئة ) وعنه صلى اللّه عليه وسلم ( اتانى جبريل وقال ان اللّه تعالى قال وعزتى وجلالى انه ليس من الكبائر كبيرة هى اعظم عندى من حب الدنيا ) عاقلان ميل بسويت نكند اى دنيا ... هم اميد كرم ولطف توجاهل دارد هركه خواهد بكنداز تومر ادى حاصل ... حاصل آنست كه انديشه باطل دارد وثالثها رؤية الغير فان منها ينشأ الشرك والنفاق والرياء وامثاله ولهذا قال تعالى { ان اللّه لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } وقال عليه السلام ( اليسير من الرياء شرك ) وقال بعض المشايخ وجودك ذنب لا يقاس به ذنب آخر فمن تخلص من ذنب وجوده فلا يرى غير اللّه فلا ينتشىء منه الشرك ولا حب الدنيا وتخلص من الهوى فيتحقق له الوصول واللقاء قال تعالى { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا } لعمرى ان هذا لهو المدخل الكريم والفوز العظيم والنعيم المقيم فعلى العاقل ان يتخلص من الاغياء ويشاهد فى المجالى انوار الواحد القهار كرجه زندانست برصاحب دلان ... هركجا بويى زوصل يار نيست هيج زندان عاشق محتاج را ... تنك تراز صحبت اغيار نيست ولذا قيل الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر وما سوى الحق اغيار قال ابراهيم عليه السلام { فانهم عدو لى الا رب العالمين } فلا بد للسالك ان يجتهد فى سلوكه ويتخلص من رق الغير كى يصل الى المراد والعاشق الصادق لا يكون فى عبودية غير معشوقه ولا يتسلى عن الدنيا والآخرة الا بوصاله فليس له مطلب سواه عاشق كه زهجردوست دادى خواهد ... يابر در وصلش ايستادى خواهد ناكس ترا زو كس نبود درعالم ... كزدوست بجزدوست مرادى خواهد وهذا مقام شريف ومطلب عزيز اوصلنا اللّه تعالى واياكم ٣٢ { ولا تتمنوا } التمنى عبارة عن ارادة ما يعلم او يظن انه لا يكون { ما فضل اللّه به بعضكم على بعض } اى عليكم ان لا تتمنوا ما اعطاه اللّه بعضكم من الامور الدنيوية كالجاه والمال وغير ذلك مما يجرى فيه التنافس دونكم فان ذلك قسمة من اللّه تعالى صادرة عن تدبير لائق باحوال العباد مترتب على الاحاطة بجلائل شؤونهم ودقائقها. فعلى كل احد من المفضل عليهم ان يرضى بما قسم له ولا يمتنى حظ المفضل ولا يحسده عليه لما انه معارضة لحكمة القدر فالانصباء كالاشكال وكما ان اختلاف الاشكال مقتضى حكمة الهية لم يطلع على سرها احد فكذلك الاقسام وقيل لما جعل اللّه تعالى فى الميراث للذكر مثل حظ الانثيين قالت النساء نحن احوج ان يكون لنا سهمان وللرجال سهم واحد لانا ضعفاء وهم اقوياء واقدر على طلب المعاش منا فنزلت وهذا هو الانسب بتعليل النهى بقوله تعالى { للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن } فانه صريح فى جريان التمنى بين فريقى الرجال والنساء والمعنى لكل من الفريقين فى الميراث نصيب معين المقدار مما اصابه بحسب استعداده وقد عبر عنه بالاكتساب على طريقة الاستعارة التبعية المبنية على تشبيه اقتضاء حاله لنصيبه باكتسابه اياه تأكيدا لاستحقاق كل منهما لنصيبه وتقوية لاختصاصه به بحيث لا يتخطاه الى غيره فان ذلك مما يوجب الانتهاء عن التمنى المذكور { واسئلوا اللّه من فضله } اى لا تتمنوا ما يختص بغيركم { ان اللّه كان بكل شىء عليما } فهو يعلم ما يستحقه كل انسان ففضله عن علم وحكمة وتبيان وفى الحديث ( لن يزال الناس بخير ما تباينوا ) اى تفاوتوا ( فاذا تساووا هلكوا ) وذلك لاختلال النظام المرتبط بذلك. وقد يقال معناه انه لا يغتم لتفاوت الناس فى المراتب والصنائع بان يكون مثلا بعضهم اميرا وبعضهم سلطانا وبعضهم وزيرا وبعضهم رئيسا وبعضهم اهل الصنائع لتوقف النظام عليه واعلم ان مراتب السعادات اما نفسانية كالذكاء التام والحدس الكامل والمعارف الزائدة على معارف الغير بالكمية والكيفية كالعفة والشجاعة وغير ذلك واما بدنية كالصحة والجمال والعمر الطويل فى ذلك مع اللذة والبهجة واما خارجية ككثرة الاولاد الصلحاء وكثرة العشائر وكثرة الاصدقاء والاعوان والرياسة التامة ونفاذ القول وكونه محبوبا لقلوب الناس حسن الذكر فيهم فهى مجامع السعادات والانسان اذا شاهد انواع الفضائل حاصلة لانسان ووجد نفسه خاليا عن جملتها او عن اكثرها فحينئذ يتألم قلبه ويتشوش خاطره ثم يعرض ههنا حالتان احداهما ان يتمنى زوال تلك السعادات عن ذلك الانسان والاخرى ان لا يتمنى ذلك بل يتمنى حصول مثلها له والاول هو الحسد المذموم لان المقصود الاول لمدبر العالم وخالقه الاحسان الى عبيده والجود اليهم وافاضة انواع الكرم عليهم فمن تمنى زوال ذلك فكأنه اعترض على اللّه فيما هو المقصود بالقصد الاول من خلق العالم وايجاد المكلفين وايضا ربما اعتقد فى نفسه انه احق بتلك النعم من ذلك الانسان فيكون هذا اعتراضا على اللّه وقدحا فى حكمته وكل ذلك مما يلقيه فى الكفر وظلمات البدعة ويزيل عن قلبه نور الايمان وكما ان الحسد سبب الفساد فى الدين فكذلك هو سبب الفساد فى الدنيا فانه يقطع المودة والمحبة والموالاة وينقلب كل ذلك الى اضدادها فلهذا السبب نهى اللّه عباده عنه بقوله { ولا تتمنوا } الآية فلا بد لكل عاقل من الرضى بقضاء اللّه تعالى حكى الرسول صلى اللّه عليه وسلم عن رب العزة انه قال ( من استسلم لقضائى وصبر على بلائى وشكر لنعمائى كتبته صديقا وبعثته يوم القيامة مع الصديقين ومن لم يرض بقضائى ولم يصبر على بلائى ولم يشكر لنعمائى فليطلب ربا سواى ) حاشا كه من ازجور وجفاى توبنالم ... بيداد لطفيان همه لطفست وكرامت فهذا هو الكلام فيما اذا تمنى زوال تلك النعمة عن ذلك الانسان ومما يؤكد ذلك ما روى ابن سيرين عن ابن هريرة رضى اللّه عنه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( لا يخطب الرجل على خطبة اخيه ولا يسوم على سوم اخيه ولا تسأل المرأة طلاق اختها لتقوم مقامها فان اللّه هو رازقها ) والمقصود من كل ذلك المبالغة فى المنع من الحسد اما اذا لم يتمن ذلك بل تمنى حصول مثلها له فمن الناس من جوز ذلك الا ان المحققين قالوا هذا ايضا لا يجوز لان تلك النعمة ربما كانت مفسدة فى حقه فى الدين ومضرة عليه فى الدنيا فلهذا السبب قال المحققون انه لا يجوز للانسان ان يقول اللّهم اعطنى دارا مثل دار فلان وزوجة مثل زوجة فلان بل ينبغى ان يقول اللّهم اعطنى ما يكون صلاحا فى دينى ودنياى ومعادى ومعاشى واذا تأمل الانسان كثيرا لم يجد احسن مما ذكره اللّه فى القرآن تعليما لعباده وهو قوله { ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة } وعن الحسن لا يتمنى احد المال فلعل هلاكه فى ذلك المال كما فى حق ثعلبة وهذا هو المراد من قوله { واسألوا اللّه من فضله } قال الشيخ كمال الدين القاشانى { ولا تتمنوا ما فضل اللّه به بعضكم على بعض } من الكمالات المترتبة بحسب استعداد الاولية فان كل استعداد يقتضى بهويته فى الازل كمالا وسعادة تناسبه وتختص به وحصول ذلك الكمال الخاص لغيره محال ولذلك ذكر طلبه بلفظ التمنى الذى هو طلب ما يمتنع حصوله للطالب لامتناع سببه { للرجال } اى الافراد الواصلين { نصيب مما اكتسبوا } بنور استعدادهم الاصلى { وللنساء } اى الناقصين القاصرين عن الوصول { نصيب مما اكتسبن } بقدر استعدادهم { واسألوا اللّه من فضله } اى اطلبوا منه افاضة كمال يقتضيه استعدادكم بالتزكية والتصفية حتى لا يحول بينكم وبينه فتحتجبوا وتعذبوا بنيران الحرمان منه { ان اللّه كان بكل شىء } مما يخفى عليكم كامنا فى استعدادكم بالقوة { عليما } فيجيبكم بما يليق بكم كما قال تعالى { وآتاكم من كل ما سألتموه } اى بلسان الاستعداد الذى ما دعاه احد به الا اجاب كما قال تعالى { ادعونى استجب لكم } انتهى وعلى هذا التأويل يكون قوله { ولا تتمنوا } نهيا ومنعا عن طلب المحال الذى فوق الاستعداد الازلى ويكون قوله { واسألوا اللّه من فضله } امرا وحثا على طلب الممكن الذى هو قدر استعدادكم كى لا تضيع فضيلة الانسانية فان بعض المقدورات قد يكون معلقا على الكسب فينبغى ان لا يتكاسل العبد فى العبادات وكسب الفضائل لينال الكمالات الكامنة فى خزانة الاستعداد ويسأل اللّه تعالى دائما من فضله فانه مجيب الدعوات وولى الهداية والرشاد فمن طلب شيأ وجدّ وجد ومن قرع بابا ولجّ ولج : قال مولانا جلا الدين قدس سره جون دَرِ معنى زنى بازت كنند ... برّ فكرت زن كه شبهازت كنند جون طلب كردى بجد آيد نظر ... جد خطا نكند جنين آمدخبر جون زجاهى ميكنى هرروزخاك ... عاقبت اندر رسى در آب باك كفت بيغمبر كه جون كوبى درى ... عاقبت زان دربرون آيد سرى در طلب زن دائما توهردودست ... كه طلب درراه نيكور هبرست ٣٣ { ولكل } اى لكل تركة ومال { جعلنا موالى } جمع مولى اى ورثة متفاوتة فى الدرجة يلونها ويحرزون منها انصباءهم بحسب استحقاقهم المنوط بما بينهم وبين المورث { مما ترك الوالدان والاقربون } بيان لكل مع الفصل بالمعامل وهو جعلنا لان لكل مفعول ثان له قدم عليه لتأكيد الشمول ودفع توهم تعلق الجعل بالبعض دون البعض. والموالى هم اصحاب الفرائض والعصبات وغيرهما من الوارث ويجوز ان يكون المعنى ولكل قوم جعلناهم موالى اى وراثا نصيب معين مغاير لنصيب قوم آخرين مما ترك الوالدان والاقربون على ان جعلنا موالى صفة لكل والضمير الراجع اليه محذوف والكلام مبتدأ وخبر على طريقة قولك لكل من خلقه اللّه انسانا نصيب من رزق اى حظ منه { والذين عقدت ايمانكم } هم موالى الموالة كان الحليف يورث السدس من مال حليفه فنسخ بقوله تعالى { واولوا الارحام بعضهم اولى ببعض } وعند ابى حنيفة اذا اسلم رجل على يد رجل وتعاقدا على ان يرثه ويعقل عنه صح وعليه عقله وله ارثه ان لم يكن له وارث اصلا فهو مؤخر عن ذوى الارحام واسناد العقد الى الايمان لان المعتاد المماسكة بها عند العقد والمعنى عقدت ايمانكم عهودهم حذف العهود واقيم المضاف اليه مقامه ثم حذف وهو مبتدأ متضمن لمعنى الشرط ولذلك صدر الخبر اعنى قوله تعالى { فآتوهم نصيبهم } بالفاء اى حظهم من الميراث { ان اللّه كان على كل شىء } من الاشياء التى من جملتها الايتاء والمنع { شهيدا } اى شاهدا ففيه ترغيب فى الاعطاء وتهديد على منع نصيبهم قال بعضهم المراد { من الذين عقدت ايمانكم } الحلفاء والمراد بقوله { فآتوهم } النصرة والنصيحة والمصافاة فى العشرة والمخالصة فى المخالطة فعلى كل احد ان ينصر اخاه المؤمن ويخالطه على وجه الخلوص والنصيحة لا على النفاق والعداوة قال صلى اللّه عليه وسلم ( مثل المؤمنين فى توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد اذا اشتكى عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) بنى آدم اعضاى يكديكرند ... كه در آفرينش زيك جوهرند جوعوضى بدرد آوردروز كار ... د كر عضو هارا نماند قرار توكز محنت ديكران بى غمى ... نشايد كه نامت نهند آدمى فالواجب ان يجب المرء للناس ما يجب لنفسه من الخير وينصح لهم فى ظاهر الامر فان النصيحة عماد الدين ويزيل ما يوجب التأذى عن ظاهرهم واعمالهم بالموعظة والزجر اى المنع عما لا يليق ويعاملهم بالرحمة والشفقة ولا يذكر احدا بما يكره فان ملكا وكل بالعبد يرد عليه ما يقول لصاحبه ولا يستبشر بمكروه احد كائنا من كان مكن شادمانى بمرك كسى ... كه دهرت نماند بس ازوى بسى ويتودد الى الناس بالاحسان الى برهم وفاجرهم والى من هو اهل الاحسان والى من ليس باهل له ويتحمل الاذى منهم وبه يظهر جوهر الانسان تحمل جو زهرت نمايد نخست ... ولى شهد كردد جو در طبع رست ويجعل من شتمه او جفاه او آذاه ايذاء فى حل منه ولا يطمع فى السلامة من اذاهم فانه محال فان اللّه لم يقطع لسان الخلق عن نفسه فكيف يسلم مخلوق من مخلوق روى ان موسى عليه السلام قال آلهى اسألك ان لا يقال لى ما ليس فى فاوحى اللّه اليه ما فعلت ذلك لنفسى فكيف افعل لك ويقوم بحاجات الناس ومهماتهم ففى الحديث ( من سعى فى حاجة لأخيه المسلم للّه وله فيها صلاح فكأنما خدم اللّه ألف سنة وييسر على المعسر تيسيرا ويفرج عن الغموم فان اللّه تعالى فى عون العبد ما دام العبد فى عون اخيه المسلم ) وفى الحديث ( ان من موجبات المغفرة ادخال السرور على قلب أخيك المسلم ) قال الشيخ نجم الدين الكبرى فى قوله تعالى { والذين عقدت ايمانكم } يعنى الذين جرى بينكم وبينهم عقد الاخوة فى اللّه بان اخذتم بايمانكم ايمانهم بالارادة وصدق الالتجاء وتابوا على ايديكم { فآتوهم } بالنصح وحسن التربية والاهتمام بهم والقيام بمصالحهم على شرائط الشيخوخة والتسليك بهم { نصيبهم } الذى اودع اللّه تعالى لهم عندكم بعلمه وحمته { ان اللّه كان على كل شىء } من الودائع اينما اودعه ولمن اودعه { شهيدا } يشهد عليكم يوم القيامة ان يخونوا فى اعطاء ودائهم بالخيانة ويسألكم عنها ويشهد لكم بالامانة ويجازيكم عليها خير الجزاء انتهى فالكاملون لا يخونون فى الامانات بل يسلمون الودائع الى الارباب بحسب الاستعدادات ولا يفشون السر الى من ليس له اهلية فى هذا الباب والا يلزم الخيانة فى اسرار رب الارباب : قال مولانا جلال الدين الرومى قدس سره عارفانكه جام حق نوشيده اند ... رازها دانسته وبوشيده اند هركرا اسرار كار آموختند ... مهر كردندو دهانش دوختند برلبش قلست ودردل رازها ... لب خموش و دل براز آوازها كوش آن كس نوشد اسرار جلال ... كوجو سوسن صد زبان افتادولال تانكوئى سر سلطانرا بكس ... تانزيزى قندرا بيش مكس درخور دريا نشد جزمرغ آب ... فهم كن واللّه اعلم بالصواب ٣٤ { الرجال قوامون على النساء } قائمون بالامر بالمصالح والنهى عن الفضائح قيام الولاة على الرعية مسلطون على تأديبهن وعلل ذلك بامرين وهبى وكسبى فقال { بما فضل اللّه بعضهم على بعض } الضمير البارز لكلا الفريقين تغليبا اى بسبب تفضيله الرجال على النساء بالحزم والعزم والقوة والفتوة والمير والرمى والحماسة والسماحة والتشمير لخطة الخطبة وكتبة الكتابة وغيرها من المخايل المخيلة فى استدعاء الزيادة والشمائل الشاملة لجوامع السعادة { وبما انفقوا من اموالهم } اى وبسب انفاقهم من اموالهم فى نكاحهن كالمهر والنفقة وهذا ادل على وجوب نفقات الزوجات على الازواج روى ان سعد بن الربيع احد نقباء الانصار رضى اللّه عنهم نشزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن ابى زهير فلطمها فانطلق بها ابوها الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وشكا فقال عليه السلام ( لنقتص منه ) فنزلت فقال صلى اللّه عليه وسلم ( اردنا امرا واراد اللّه امرا والذى اراد اللّه خير ) ورفع القصاص فلا قصاص فى اللطمة ونحوها والحكم فى النفس وما دونها مذكور فى الفروع { فالصالحات } منهن { قانتات } مطيعات للّه تعالى قائمات بحقوق الازواج { حافظات للغيب } اى لمواجب الغيب اى لما يجب عليهن حفظه فى حال غيبة الازواج من الفروج والاموال والبيوت وعن النبى صلى اللّه عليه وسلم ( خير النساء امرأة ان نظرت اليها سرتك وان امرتها اطاعتك واذا غبت عنها حفظتك فى مالها ونفسها ) وتلا الآية واضافة المال اليها للاشعار بان ماله فى حق التصرف فى حكم مالها { بما حفظ اللّه } ما مصدرية اى بحفظه تعالى اياهن اى بالامر بحفظ الغيب والحث عليه بالوعد والوعيد والتوفيق له. او موصولة اى بالذى حفظ اللّه لهن عليهم من المهر والنفقة والقيام بحفظهن والذب عنهن { واللاتى تخافون نشوزهن } خطاب للازواج وارشاد لهم الى طريق القيام عليهن والخوف حالة تحصل فى القلب عند حدوث امر مكروه او عند الظن او العلم بحدوثه وقد يراد به احدهما اى تظنون عصيانهن وترفعهن عن مطاوعتكم { فعظوهن } فانصحوهن بالترغيب والترهيب قال الامام ابو منصور العظة كلام يلي القلوب القاسية ويرغب الطبائع النافرة وهى بتذكير العواقب { واهجروهن } بعد ذلك ان لم ينفع الوعظ والنصيحة والهجر الترك عن قلى { فى المضاجع } اى فى المراقد فلا تدخلوهن تحت اللحف ولا تباشروهن جمع مضجع وهو موضع وضع الجنب للنوم { واضربوهن } ان لم ينجع ما فعلتم من العظة والهجران غير مبرح ولا شائن ولا كاسر ولا خادش فالامور الثلاثة مترتبة ينبغى ان يدرج فيها { فان اطعنكم } بذلك كما هو الظاهر لانه منتهى ما يعد زاجرا { فلا تبغوا عليهن سبيلا } بالتوبيخ والاذية اى فازيلوا عنهن التعرض واجعلوا ما كان منهن كأن لم يكن فان التائب من الذنب كمن لا ذنب له { ان اللّه كان عليا } اى اعلى عليكم قدرة منكم عليهن { كبيرا } اى اعظم حكما عليكم منكم عليهن فاحذروا واعفوا عنهن اذا رجعن لانكم تعصونه على علو شأنه وكبرياء سلطانه ثم تتوبون فيتوب عليكم فانتم احق بالعفو عمن جنى عليكم اذا رجع قال فى الشرعة وشرحها اذا وقف واطلع من زوجته على فجور اى فسق او كذب او ميل الى الباطل فانه يطلقها الا ان لا يصبر عنها فيمسكها روى انه جاء رجل الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال يا رسول اللّه لى امرأة لا تردّ يد لامس قال ( طلقها ) قال احبها قال ( امسكها ) خوفا عليه بانه ان طلقها اتبعها وفسد هو ايضا معها فرأى ما فى دوام نكاحه من دفع الفساد عنه مع ضيق قلبه اولى فلا بد للرجال من تحمل المكاره الا انه ينبغى للمرء ان يون ديوثا كما قال بعض العارفين كريز از كفش دردهان نهنك ... كه مردن به از زندكانى به ننك وكان بعض العلماء يقول التحمل على اذى واحد من المرأة احتمال فى الحقيقة من عشرين اذى منها مثلا فيه نجاة الولد من اللطمة ونجاة القدر من الكسر ونجاة العجل من الضرب ونجاة الهرة من الزجر اى المنع من اكل فضول الخوان وسقاطه والثوب من الحرق والضيف من الرحيل قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) وقال ايضا ( ايما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة ) وقال ايضا ( لا تؤذى امرأة زوجها فى الدنيا الا قالت زوجه من الحور العين لا تؤذيه قاتلك اللّه فانما هو عندك دخيل يوشك ان يفارقك الينا ) قال النبى عليه السلام مخاطبا لعائشة رضى اللّه عنها ( ايما امرأة تؤذى زوجها بلسانها الا جعل اللّه لسانها يوم القيامة سبعين ذراعا ثم عقد خلف عنقها. يا عائشة وايما امرأة تصلى لربها وتدعو لنفسها ثم تدعو لزوجها الا ضرب بصلاتها وجهها حتى تدعو لزوجها ثم تدعو لنفسها. يا عائشة وايما امرأة جزعت على ميتها فوق ثلاثة ايام احبط اللّه عملها. يا عائشة وايما امرأة ناحت على ميتها الا جعل اللّه لسانها سبعين ذراعا وجرت الى النار مع من تبعها. يا عائشة ايما امرأة اصابتها مصيبة فلطمت وجهها ومزقت ثيابها الا كانت مع امرأة لوط ونوح فى النار وكانت آيسة من كل خير وكل شفاعة شافع يوم القيامة يا عائشة وايما امرأة زارت المقابر الا لعنها اللّه تعالى ولعنها كل رطب ويابس حتى ترجع فاذا رجعت الى منزلها كانت فى غضب اللّه ومقته الى الغد من ساعته فان ماتت من وقتها كانت من اهل النار يا عائشة اجتهدى ثم اجتهدى فانكن صواحبات يوسف وفاتنات داود ومخرجات آدم من الجنة وعاصيات نوح ولوط. يا عائشة ما زال جبريل يوصينى فى امر النساء حتى ظننت انه سيحرم طلاقهن. يا عائشة انا خصم كل امرأة يطلقها زوجها ) ثم قال ( يا عائشة وما من امرأة تحبل من زوجها حين تحبل الا ولها مثل اجر الصائم بالنهار والقائم بالليل الغازى فى سبيل اللّه. يا عائشة ما من امرأة اتاها الطلق الا ولها بكل طلقة عتق نسمة وبكل رضعة عتق رقبة. يا عائشة ايما امرأة خففت عن زوجها من مهرها الا كان لها من العمل حجة مبرورة وعمرة متقبلة وغفر لها ذنوبها كلها حديثها وقديمها سرها وعلانيتها عمدها وخطأها اولها وآخرها. يا عائشة المرأة اذا كان لها زوج فصبرت على اذى زوجها فهى كالمتشحطة فى دمها فى سبيل اللّه وكانت من القانتات الذاكرات المسلمات المؤمنات التائبات ) كذا فى روضة العلماء وفيه تطويل قد اختصرته وحذفت بعضه والاشارة فى الآية ان اللّه تعالى جعل الرجال قوامين على النساء لان وجودهن تبع لوجودهم وهم الاصول وهن الفروع فكما ان الشجرة فرع الثمرة بانها خلقت منها فكذلك النساء خلقن من ضلوعهم فكما كان قيام حواء قبل خلقها وهى ضلع بآدم عليه السلام وهو قوام عليها فكذلك الرجال على النساء بمصالح امور دينهن ودنياهن قال تعالى { قوا انفسكم واهليكم نارا } واختص الرجال باستعدادية الكمالية للخلافة والنبوة فكان وجودهم الاصل ووجودهن تبعا لوجودهم للتوالد والتناسل قال عليه السلام ( كمل من الرجال كثير وما كمل من النساء الا آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ومريم بنت عمران وفضل عائشة على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ) ومع هذا ما بلغ كمالهن الى حد يصلحن للخلافة او النبوة وانما كان كمالهن بالنسبة الى النسوة لا الى الرجال لانهن بالنسبة اليهم ناقصات عقل ودين حتى قال فى عائشة رضى اللّه عنها مع فضلها على سائر النساء ( خذوا ثلثى دينكم عن هذه الحميراء ) فهذا بالنسبة الى الرجال نقصان حيث لم يقل خذوا كمال دينكم ولكن بالنسبة الى النساء كمال لانه على قاعدة قوله تعالى { للذكر مثل حظ الانثيين } يكون حظ النساء من الدين الثلث فكماله كان الثلثين بمثابة الذكور بمثل حظ الانثيين : قال الفقير جامع هذه المجالس النفيسة مرد بايد تا كه اقدامى كند ... در طريقت غيرت نامى كند جون نه كامل زمردى دم مزن ... جون نه دلبر مكو از حسن تن زن كه كامل شد زمردان دست برد ... مرد ناقص جون زن ناقص بمرد ٣٥ { وان خفتم } اى علمتم او ظننتم ايها الحكام { شقاق بينهما } اى خلافا بين المرأة وزوجها ولا تدرون من قبل ايهما يقع النشوز والشقاق المخالفة اما لان كلا منهما يريد ما يشق على الآخر واما لان كلا منهما فى شق غير شق الآخر قال ابن عباس رضى اللّه عنهما والجزم بوجود الشقاق لا ينافى بعث الحكمين لانه لرجاء ازالته لا لتعرف ودوده بالفعل { فابعثوا } اى الى الزوجين لاصلاح ذات البين { حكما } رجلا عادلا صالحا للحكومة والاصلاح { من اهله } من اهل الزوج { وحكما } آخر على صفة الاول { من اهلها } اى اهل الزوجة فان الاقارب اعرف ببواطن احوالهم واطلب للصلاح بينهم وانصح لهم واسكن لنفوسهم لان نفوس الزوجين تسكن اليهما وتبرز ما فى ضمائرهما من حب احدهما الآخر وبغضه { ان يريدا } اى الزوج والزوجة { اصلاحا } لهما اى ما بينهما من الشقاق { يوفق اللّه بينهما } يوقع بين الزوجين الموافقة والالفة بحسن سعى الحكمين ويلقى فى نفوسهما المودة والرأفة. وفيه تنبيه على ان من اصلح نيته فيما يتحراه وفقه اللّه لما ابتغاه { ان اللّه كان عليما خبيرا } بالظواهر والبواطن فيعلم كيف يرفع الشاق ويوقع الوفاق وفى الآية حث على اصلاح ذات البين قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( ألا اخبركم بافضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة ) قالوا بلى قال ( اصلاح ذات البين ) وقال صلى اللّه عليه وسلم ( ألا انما الدين النصيحة ) قالها ثلاثا قالوا لمن يا رسول اللّه قال ( ه ولرسوله ولكتابه ولائمة المؤمنين ولعامتهم ) فالنصيحة للّه تعالى ان تؤمن باللّه ولا تشرك به شيأ وتعمل بما امر اللّه تعالى به وتنتهى عما نهى عنه وتدعو الناس الى ذلك وتدلهم عليه واما النصيحة لرسوله ان تعمل بسنته وتدعو الناس اليها. واما النصيحة لكتابه ان تؤمن به وتتلوه وتعمل بما فيه وتدعو الناس اليه. واما النصيحة للائمة ان لا تخرج عليهم بالسيف وتدعو لهم بالعدل والانصاف وتدل الناس عليه. واما النصيحة للعامة فهو ان تحب لهم ما تحب لنفسك وان تصلح بينهم ولا تهجرهم وتدعو لهم بالصلاح. ولا شك ان المصلحين هم خيار الناس بخلاف المفسدين فانهم شرار الخلق اذ هم يسعون فى الارض بالفساد والتفريق وايقاظ الفتنة دون ازالتها وقد ورد ( الفتنة نائمة لعن اللّه من ايقظها ) ازان همنشين تاتوانى كريز ... كه مر فتنه خفته را كفت خيز ومن المفسدين من يوصل كلام احد الى احد فيه ما يسوؤه ويحزنه فالعاقل لا يصيخ الى مثل هذا القائل بدى درقفاعيب من كرد وخفت ... بتر زو قرينى كه آورد و كفت يكى تيرى افكنده ودرره فتاد ... وجودم نيازرد و رنجم نداد توبر داشتى وآمدى سوى من ... همى در سبوزى به بهلوى من والاشارة فى الآية انه اذا وقع الخلاف بين الشيخ الواصل والمريد المتكاسل { فابعثوا } متواسطين احدهما من المشايخ المعتبرين والثانى من معتبرى السالكين لينظرا الى مقالهما ويتحققا احوالهما { ان يريدا اصلاحا } بينهما بما رأيا فيه صلاحهما { يوفق اللّه بينهما } بالارادة وحسن التربية { ان اللّه كان } فى الازل { عليما } باحوالهما { خبيرا } بمآلهما فقدر لكل واحد منهما بما عليهما وبما لهما كذا فى تأويلات الشيخ العارف نجم الدين الكبرى قدس سره وقد عرف منه ان التهاجر والمخالفة تقع بين الكاملين كما بين عوام المؤمنين ولا يمنع اختلافهم الصورى اتفاقهم المعنوى وقد اقتضت الحكمة الآلهية ذلك فلمثل هذا سر لا يعرفه عقول العامة : قال مولانا جلال الدين فى بيان اتحاد الاولياء والكاملين جون ازيشان مجتمع بينى دويار ... هم يكى باشند وهم شش صد هزار بر مثال موجها اعداد شان ... در عدد آورده باشد بادشان تفرقه در روح حيوانى بود ... نفس واحد روح انسانى بود مؤمنان معدود ليك ايمان يكى ... جسم شان معدود ليكن جان يكى والحاصل ان اهل الحق كلهم نفس واحدة والتفرقة بحسب البشرية والتخالف سبب لا ينافى توافقهم فى المعنى من كل وجه وجهه ٣٦ { واعبدوا اللّه } العبادة عبارة عن كل فعل وترك يؤتى به بمجرد امر اللّه تعالى بذلك وهذا يدخل فيه جميع اعمال القلوب وجميع اعمال الجوارح { ولا تشركوا به شيأ } من الاشياء صنما او غيره او شيأ من الاشراك جليا وهو الكفر او خفيا وهو الرياء { وبالوالدين احسانا } اى واحسنوا اليهما احسانا. فالباء بمعنى الى كما فى قوله { وقد احسن بى } وبدأ بهما لان حقهما اعظم حقوق البشر فالاحسان اليهما بان يقوم بخدمتهما ولا يرفع صوته عليهما ولا يخشن فى الكلام معهما ويسعى فى تحصيل مطالبهما والانفاق عليهما بقدر القدرة { وبذى القربى } وبصاحب القرابة من اخ او عم او خال او نحو ذلك بصلة الرحم والمرحمة ان استغنوا والوصية وحسن الانفاق ان افتقروا { واليتامى } بانفاق ما هو اصلح لهم او بالقيام على اموالهم ان كان وصيا { والمساكين } بالمبار والصدقات واطعام الطعام او بالرد الجميل { والجار ذى القربى } اى الذى قرب جواره او الذى له مع الجوار اتصال بنسب او دين قال عليه السلام ( والذى نفسى بيده لا يؤدى حق الجار الا من رحم اللّه وقليل ما هم أتدرون ما حق الجار ان افتقر اغنيته وان استقرض اقرضته وان اصابه خير هنأته وان اصابه شر عزيته وان مرض عدته وان مات شيعت جنازته ) { والجار الجنب } اى البعيد او الذى لا قرابة له وعنه عليه السلام ( الجيران ثلاثة فجار له ثلاثة حقوق حق الجوار وحق القرابة وحق الاسلام وجار له حقان حق الجوار وحق الاسلام وجار له حق واحد هو حق الجوار وهو الجار من اهل الكتاب ) { والصاحب بالجنب } اى الرفيق فى امر حسن كتعلم وتصرف وصناعة وسفر فانه صحبك وحصل بجانبك ومنهم من قعد بجنبك فى مسجد اومجلس او غير ذلك من ادنى صحبة التأمت بينك وبينه فعليك ان ترى ذلك الحق ولا تنساه وتجعله ذريعة الى الاحسان { وابن السبيل } هو المسافر الذى سافر عن بلده وماله والاحسان بان تؤويه وتزوده او هو الضيف الذى ينزل عليك وحقه ثلاثة ايام وما زاد على ذلك فهو صدقة ولا يحل له ان يقيم عنده حتى يخرجه { وما ملكت ايمانكم } من العبيد والاماء والاحسان اليهم بان يؤدبهم ولا يكلفهم مالا طاقة لهم ولا يكثر العمل لهم طول النهار ولا يؤذيهم بالكلام الخشن بل يعاشرهم معاشرة حسنة ويعطيهم من الطعام والكسوة ما يحتاجون اليه قال بعضهم كل حيوان فهو مملوك والاحسان اليه بما يليق به طاعة عظيمة { ان اللّه لا يحب من كان مختالا } اى متكبرا يأنف من اقاربه وجيرانه واصحابه ولا يلتفت اليهم { فخورا } بما لا يليق يتفاخر عليهم ولا يقوم بالحقوق ويقال فخورا فى نعم اللّه لا يشكر قال اللّه تعالى لموسى عليه السلام [ يا موسى انى انا اللّه لا اله الا انا فاعبدنى وحدى لا شريك لى فمن لم يرض بقضائى ولم يشكر على نعمائى ولم يصبر على بلائى ولم يقنع بعطائى فليعبد ربا سواى. يا موسى لولا من يسجد لى ما انزلت من السماء قطرة ولا انبت فى الارض شجرة ولولا من يعبدنى مخلصا لما امهلت من يجحدنى طرفة عين ولولا من يشكر نعمتى لحبست القطر فى الجو. يا موسى لولا التائبون لخسفت بالمذنبين ولولا الصالحون لاهلكت الطالحين ] واعلم ان العبادة ان تعبد اللّه وحده بطريق اوامره ونواهيه ولا تعبد معه شيأ من الدنيا والعقبى فانك لو عبدت اللّه خوفا من شىء او طمعا فى شىء فقد عبدت ذلك الشىء والعبودية طلب المولى بالمولى بترك الدنيا والعقبى والتسليم عند جريان القضاء شاكرا صابرا فى النعم والبلوى فلا بد من التوحيد الصرف وترك الشرك حتى يوصله اللّه الى مبتغاه : قال بعض العارفين نقد هستى محو كن در ( لا اله ) ... تابه بينى دار ملك بادشاه غير حق هرذره كان مقصود تست ... تيغ ( لا ) بركش كه آن معبودتست ( لا ) كه عرش وفرش رابرمى درد ... از فنا سوى بقاره ميبرد ( لا ) ترا از تو رهايى ميدهد ... با خدايت آشنايى ميدهد جون توخودرا از ميان برداشتى ... قصر ايمانرا درى افراشتى فاذا حصل المقصود ووصل العابد الى المعبود فحيئنذ يصح منه بالوالدين احسانا وبذى القربى واليتامى والمساكين الآية لان الاحسان صفات اللّه تعالى لقوله تعالى { الذى احسن كل شىء خلقه } والاساءة من صفات الانسان لقوله { ان النفس لامارة بالسوء } فالعبد لا يصدر منه الاحسان الا ان يكون متخلقا باخلاق نفسه كما قال تعالى { ما اصابك من حسنة فمن اللّه وما اصابك من سيئة فمن نفسك } وفيه اشارة اخرى وهى ان شرط العبودية الاقبال على اللّه بالكلية والاعراض عما سواه ولا يصدر منه الاحسان الا اذا اتصف باخلاق اللّه حتى يخرج من عهدة العبودية بالوصول الى حضرة الربوبية فتفنى عنك به وتبقى به للوالدين وغيرهما محسنا لاحسانه بلا شرك ولا رياء فان الشرك والرياء من بقاء النفس ولهذا قال عقيب الآية { ان اللّه لا يحب من كان مختالا فخورا } لان الاختيار والفخر من اوصاف النفس واللّه تعالى لا يحب النفس ولا اوصافها لان النفس لا تحب اللّه ولا المحبة من اوصافها فانها تحب الدنيا وزخارفها وما يوافق مقتضاها قال صلى اللّه عليه وسلم ( الشرك اخفى فى ابن آدم من دبيب النملة على الصخرة الصماء فى الليلة الظلماء ) ومن خدم مخلوقا خوفا من مضرته او طمعا فى منفعته فقد اشرك عملا كه داند جودربند حق نيستى ... اكر بى وضو درنماز ايستى بروى ريا خرقة سهلست دوخت ... كرش باخدا در توانى فروخت اكرجز بحق ميرود جاده ات ... در آتش فشانند سجاده ات قال تعالى { وقدمنا الى ما عملوا من علم فجعلناه هباء منثورا } يعنى الاعمال التى عملوها لغير وجه اللّه ابطلنا ثوابها وجعلناها كالهباء المنثور وهو الغبار الذى يرى فى شعاع الشمس وجاء رجل الى النبى عليه السلام فقال يا رسول اللّه انى اتصدق بالصدقة فالتمس بها وجه اللّه تعالى واحب ان يقال لى فيه خير فنزل قوله تعالى { فمن كان يرجو لقاء ربه } يعنى من خاف المقام بين يدى اللّه تعالى ويريد ثوابه { فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا } رزقنا اللّه واياكم الاخلاص ٣٧ { الذين يبخلون } بما منحوا به وهو مبتدأ خبره محذوف اى احقاء بكل ملامة { ويأمرون الناس بالبخل } به اى بما منحوا به عطف على ما قبله { ويكتمون ما آتاهم اللّه من فضله } اى من المال والغنى { واعتدنا للكافرين عذابا مهينا } وضع الظاهر موضع المضمر اشعار بان من هذا شأنه فهو كافر بنعمة اللّه ومن كان كافرا بنعمة اللّه فله عذاب يهينه كما اهان النعمة بالبخل والاخفاء والآية نزلت فى طائفة من اليهود كانوا يقولون للانصار بطريق النصيحة لا تنفقوا اموالكم فانا نخشى عليكم الفقر ٣٨ { والذين ينفقون اموالهم رئاء الناس } اى للفخار وليقال ما اسخاهم وما اجودهم لا لابتغاء وجه اللّه وهو عطف على الذين يبخلون ورئاء الناس مفعوله وانما شاركهم فى الذم والوعيد لان البخل والسرف الذى هو الانفاق فيما لا ينبغى من حيث انه طرفا تفريط وافراط سواء فى القبح واستتباع الذم واللوم { ولا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر } ليحوزوا بالانفاق مراضيه وثوابه وهم مشركوا مكة المنفقون اموالهم فى عداوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { ومن يكن الشيطان له قرينا فساء فرينا } اى بئس الصاحب والمقارن الشيطان واعوانه حيث حملوهم على تلك القبائح وزينوها لهم ٣٩ { وماذا عليهم } اى على من ذكر من الطوائف { لو آمنوا باللّه واليوم الآخر وانفقوا مما رزقهم اللّه } ابتغاء لوجه اللّه لان ذكر الايمان باللّه واليوم الآخر يقتضى ان يكون الانفاق لابتغاء وجهه تعالى وطلب ثوابه البتة اى وما الذى عليهم فى الايمان باللّه تعالى والانفاق فى سبيله وهو توبيخ لهم على الجهل بمكان المنفعة والاعتقاد فى الشىء بخلاف ما هو عليه وتحريض على التفكر لطلب الجواب لعله يؤدى بهم الى العلم بما فيه من الفوائد الجليلة وتنبيه على ان المدعو الى امر لا ضرر فيه ينبغى ان يجيب اليه احتياطا فكيف اذا كان فيه منافع لا تحصى { وكان اللّه بهم } وباحوالهم المحققة { عليما } فهو وعيد لهم بالعقاب فقد اخبر اللّه تعالى بدناءه همة الاشقياء وقصور نظرهم وانهم يقنعون بقليل من الدنيا الدنية ويحرمون من كثير من المقامات الاخروية السنية ولا ينفقونه فى طلب الحق ورضاه بل ينفقونه فيما لا ينبغى هركه مقصودش ازكرم آنست ... كه بر آرد بعالم آوازه باشد از مصر فضل وجود وكرم ... خانه او برون ز در وازه قال بعض الحكماء مثل من يعمل الطاعات للرياء والسمعة كمثل رجل خرج الى السوق وملأ كيسه حصى فيقول الناس ما املأ كيس هذا الرجل ولا منفعة له سوى مقالة الناس ولو اراد ان يشترى به شيأ لا يعطى له شىء كذلك الذى عمل للرياء والسمعة قال حامد اللفاف اذا اراد اللّه هلاك امرىء عاقبه بثلاثة اشياء. اولها يرزقه العلم ويمنعه عن عمل العلماء. والثانى يرزقه صحبة الصالحين ويمنعه عن معرفة حقوقهم. والثالث يفتح عليه باب الطاعة ويمنعه الاخلاص وانما يكون ذلك المذكور لخبث نيته وسوء سريرته لان النية لو كانت صحيحة لرزقه اللّه منفعة العلم ومعرفة حقوقهم واخلاص العمل عبادت باخلاص نيت نكوست ... وكرنه جه آيد زبى مغز بوست جه زنار مغ درميانت جه دلق ... كه دبوشى ازبهر بندار خلق فعلى الفتى ان يتخلص من الرياء فى انفاقه وفى كل اعماله ويكون سخيا لا شحيحا فان شكر المال انفاقه فى سبيل اللّه : قال الشيخ العطار قدس سره توانكر كه ندارد باس درويش ... زدست غيرتش برجان رسدنيش ويناسبه ما قال الحافظ كنج قارون فروميرود از فكر هنوز ... خوانده باشى كه هم از غيرت درويشانست واذا كان بخيلا ومع هذا امر الناس بالبخل يكون ذلك وزرا على وزر قال صاحب الكشاف ولقد رأينا ممن بلى بلاء البخل من اذا طرق سمعه ان احدا جاد على احد شخص بصره وحل حبوته واضطرب وزاغت عيناه فى رأسه كأنما نهب رحله وكسرت خزائنه ضجرا من ذلك وحشرة على وجوده انتهى وهذا فى كل زمان لا يعطون ويمنعون من يعطى ان قدروا والحاصل انهم يجتهدون فى منع من قصد خيرا كبناء القناطر والجسور وحفر الآبار وسائر الخيرات وذلك لكمال دناءتهم وقصور نظرهم وعدم شكرهم واللئيم لا يفعل الا ما يناسب طبعه جو منعم كند سفله را روزكار ... نهد بردل تنك درويش بار جوبام بلندش بودخودبرست ... كندبول وخاشاك بربام بست قال بشير بن الحارث النظر الى البخيل يقسى القلب فلا بد من مجانبة مجالسته وصحبته جونكه باشدت مجاورت لازم ... همجوار كريم بايد بود كركنى باكسى مشاوره ... آن مشاور حكيم بايد بود ففى السخاء بركات فى الدين والدنيا والآخرة قيل ان مجوسيا تصدق بمائة دينار فرأى الشبلى ذلك فقال ما تنفعك هذه الصدقة فبكى المجوسى ونظر الى السماء فاذا رقعة وقعت عليه مكتوب فيها بخط اخضر مكافأة السماحة دار خلد ... وأمن من مخافة يوم بوس وما نار بمحرقة جوادا ... ولو كان الجواد من المجوس يعنى ان اللّه تعالى يوفق السخى للايمان ان كان كافرا ولزيادة الطاعة والاخلاص فيها ان كان مؤمنا فيترقى الى الدرجات العلى ويليق بمشاهدة ربه الاعلى ٤٠ { ان اللّه لا يظلم مثقال ذرة } لا ينقص من الاجر ولا يزيد فى العقاب شيأ مقدار ذرة وهى النملة الصغيرة الحمراء التى لا تكاد ترى من صغرها او الصغير جدا من اجزاء التراب او ما يظهر من اجزاء الهباء المنبث الذى تراه فى البيت من ضوء الشمس وهو الانسب بمقام المبالغة وهذا نفى للظلم لانه اذا نفى القليل نفى الكثير لان القليل داخل فى الكثير { وان تك حسنة } اى وان يك مثقال الذرة حسنة انث الضمير لتأنيث الخبر او لاضافة المثقال الى مؤنث وحذف النون من غير قياس تشبيها بحروف العلة وتخفيفا لكثرة الاستعمال { يضاعفها } اى يضاعف ثوابها لان تضاعف نفس الحسنة بان يجعل الصلاة الواحدة صلاتين مما لا يعقل { ويؤت من لدنه } ويعط صاحبها من عنده على سبيل التفضيل زائدا على ما وعد فى مقابلة العمل { اجرا عظيما } عطاء جزيلا وانما سماه اجرا لكونه تابعا للاجر مزيدا عليه قال فى التيسير وما وصفه اللّه بالعظم فمن يعرف مقداره مع انه سمى الدنيا وما فيها قليلا وسمى هذا الفضل عظيما روى انه يؤتى يوم القيامة بالعبد وينادى مناد على رؤوس الاولين والآخرين هذا فلان ابن فلان من كان له عليه حق فليأت الى حقه ثم يقال له اعط هؤلاء حقوقهم فيقول يا رب من اين وقد ذهبت الدنيا فيقول اللّه لملائكته انظروا فى اعماله الصالحة فاعطوهم منها فان بقى مثقال ذرة من حسنة ضعفها اللّه تعالى لعبده وادخله الجنة بفضله ورحمته والظاهر ان ذلك التضعيف يكون من جنس اللذات الموعود بها فى الجنة واما هذا الاجر العظيم الذى يؤتيه من لدنه فهو اللذة الحاصلة عند الرؤية وعند الاستغراق فى المحبة والمعرفة وانما خص هذا النوع بقوله من لدنه لان هذا النوع من الغبطة والسعادة والكمال لا ينال بالاعمال الجسدية بل انما ينال بما يودع اللّه فى جوهر النفس المقدسية من الاشراق والصفاء والنور وبالجملة فذلك التضعيف اشارة الى السعادات الجسمانية وهذا الاجر العظيم اشارة الى السعادات الروحانية ورد فى الخبر الصحيح ( ان اللّه تعالى يقول لملائكته حين دخل اهل الجنة الجنة اطعموا اوليائى فيؤتى بالوان الاطعمة فيجدون لكل نعمة لذة غير ما يجدون للاخرى فاذا فرغوا من الطعام يقول اللّه تعالى اسقوا عبادى فيؤتى باشربة فيجدون لكل شربة لذة بخلاف الاخرى فاذا فرغوا يقول اللّه تعالى انا ربكم قد صدقتكم وعدى فاسألونى اعطم قالوا ربنا نسألك رضوانك مرتين او ثلاثا فيقول رضيت عنكم ولدىّ المزيد فاليوم اكرمكم بكرامة اعظم من ذلك كله فيكشف الحجاب فينظرون اليه ما شاء اللّه فيخرون اليه سجدا فيكونون فى السجود ما شاء اللّه تعالى ثم يقول لهم ارفعوا رؤسكم ليس هذا موضع عبادة فينسون كل نعمة كانوا فيها ويكون النظر اليه احب اليهم من جميع النعم ) جان بيجمال ميل جهان ندارد ... وانكس كه اين ندارد حقا كه آن ندارت ( فيهب ريح من تحت العرش على تل من مسك اذفر فينشر المسك على رؤسهم ونواصى خيولهم فاذا رجعوا الى اهليهم يرون ازواجهم فى الحسن والبهاء افضل مما تركوهن ويقول لهم ازواجهم قد رجعتم احسن مما كنتم ) ومطمع نظر العارف الجنة المعنوية قال ابو يزيد البسطامى حلاوة المعرفة الآلهية خير من جنة الفردوس واعلى عليين لو فتحوا لى الجنات الثمان واعطونى الدنيا والآخرة لم يقابل انينى وقت السحر طال انسى باللّه وقال مالك بن دينار خرج الناس من الدنيا ولم يذوقوا اطيب الاشياء قيل وما هو قال معرفة اللّه تعالى : قال جلال الدين قدس سره اى خنك انراكه ذات خود شناخت ... اندر امن سرمدى قصرى بساخت بس جو آهن كرجه تيره هيكلى ... صيقلى كن صيقلى كن صيقلى دفع كن از مغز از بينى زكام ... تاكه ريح اللّه درآيد از مشام هيج مكذار ازتب وصفرا اثر ... تابيابى درجهان طعم شكر اوصلنا اللّه واياكم الى معرفته وادخلنا الجنة برحمته ٤١ { فكيف } محلها النصب بفعل محذوف على التشبيه بالحال او الظرف اى فكيف يصنع هؤلاء الكفرة من اليهود والنصارى وغيرهم { اذا جئنا } يوم القيامة { من كل امة } من الامم { بشهيد } يشهد عليهم بما كانوا عليه من فساد العقائد وقبائح الافعال وهو نبيهم { وجئنا بك } احضرناك يا محمد { على هؤلاء } اشارة الى الشهداء المدلول عليهم بما ذكر من قوله بشهيد { شهيدا } تشهد على صدقهم لعلمك بعقائدهم لاستجماع شرعك لمجامع قواعدهم او اشارة الى المكذبين المستفهم عن حالهم تشهد عليهم بالكفر والعصيان كما يشهد سائر الانبياء على اممهم ٤٢ { يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول } بيان لحالهم التى اشير الى شدتها وفظاعتها بقوله تعالى { فكيف } الخ وعصيان الرسول محمول على المعاصى المغايرة للكفر فلا يلزم عطف الشىء على نفسه اى يتمنى الذين جمعوا بين الكفر وعصيان الرسول والمراد الذين كفروا والذين عصوا الرسول { لو تسوى بهم الارض } لو بمعنى ان المصدرية والجملة مفعول يود اى يودون ان يدفنوا فتسوى بهم الارض كالموتى فتسوية الارض بهم كناية عن دفنهم او يودون انهم لم يبعثوا ولم يخلقوا وكأنهم والارض سواء قال بعض الافاضل الباء للملابسة اى تسوى الارض ملتبسة بهم ولا حاجة الى الحمل على القلب لقلة الفرق بين تسويتهم بالارض والتراب وتسويتها بهم { ولا يكتمون اللّه حديثا } عطف على يود اى ولا يقدرون على كتمانه لان جوارحهم تشهد عليهم او الواو للحال اى يودون ان يدفنوا فى الارض وهم لا يكتمون منه تعالى حديثا ولا يكذبونه بقولهم واللّه ربنا ما كنا مشركين اذ روى انهم اذا قالوا ذلك ختم اللّه على افواههم فتشهد عليهم جوارحهم فيشتد الامر عليهم فيتمنون ان تسوى بهم الارض قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( يدعى نوح يوم القيامة فيقول لبيك وسعديك فيقول هل بلغت فيقول نعم فيقال لأمته هل بلغكم فتقول ما جاءنا من نذير فيقول من يشهد لك فيقول محمد وأمته فيشهدون انه قد بلغ ويكون الرسول عليكم شهيدا ثم يدعى غيره من الانبياء عليهم السلام ثم ينادى كل انسان باسمه واحدا واحدا وتعرض اعمالهم على رب العزة قليلها وكثيرها حسنها وقبيحها ) وذكر ابو حامد فى كتاب كشف علوم الآخرة ان هذا يكون بعد ما يحكم اللّه تعالى بين البهائم ويقتص للجماء من القرناء ويفصل بين الوحوش والطير ثم يقول لهم كونوا ترابا فتسوى بهم الارض فحينئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الارض ويتمنى الكافر فيقول يا ليتنى كنت ترابا واعلم انه يعرض على النبى عليه السلام اعمال امته غدوة وعشية فيعرفهم بسيماهم واعمالهم فلذلك يشهد عليهم وتعرض على اللّه يوم الخميس ويوم الاثنين وعلى الانبياء والآباء والامهات يوم الجمعة فتفكر يا اخى وان كنت شاهدا عدلا بانك مشهود عليك فى كل احوالك من فعلك ومقالك واعظم الشهود لديك المطلع عليك الذى لا يخفى عليه خائنة عين ولا يغيب عنه زمان ولا اين فاعمل عمل من يعلم انه راجع اليه وقادم عليه يجازى على الصغير والكبير والقليل والكثير درخيربازست وطاعت وليك ... نه هركس تواناست برفعل نيك همه برك بودن همه ساختى ... بتدبير رفتن نبرداختى فلا تضيع ايامك فان ايامك رأس مالك وانك ما دمت قابضا على رأس مالك فانك قادر على طلب الربح لان بضاعة الآخرة كاسدة فى يومك هذا فاجتهد حتى تجمع بضاعة الآخرة فى وقت الكساد فانما يجيئ يوم تصير هذه البضاعة عزيزة فاكثر منها فى يوم الكساد ليوم العزة فانك لا تقدر على طلبها فى ذلك اليوم روى ان الموتى يتمنون ان يؤذن لهم بان يصلوا ركعتين او يؤذن لهم ان يقولوا مرة واحدة لا اله الا اللّه او يؤذن لهم فى تسبيحة واحدة فلا يؤذن لهم ويتعجبون من الاحياء انهم يضيعون ايامهم فى الغفلة مهلكه عمر به بيهوده بكذرد حافظ ... بكوش وحاصل عمر عزيزرا دريات قال القاشانى فى قوله تعالى { فكيف اذا جئنا } الشهيد والشاهد ما يحضر كل احد مما بلغه من الدرجة وهو الغالب عليه فهو يكشف عن حاله وعمله وسعيه ومبلغ جهده مقاما كان او صفة من صفات الحق او رأيا فلكل امة شهيد بحسب ما دعاهم اليه نبيهم وعرفه اليهم ولم يبعث الا بحسب ما يقتضيه استعداد امته فما دعاهم الا الى ما يطلب استعدادهم مما وصل اليه النبى من مقامه فى المعرفة فلا يعرف احد باطن امرهم وما هم عليه من احوالهم كنبيهم ولذلك جعل كل نبى شهيدا على امته وقد ورد فى الحديث ( ان اللّه يتجلى لعباده فى صورة معتقدهم فيعرفه كل واحد من اهل الملل والمذاهب ثم يتحول عن تلك الصورة فيبرز فى صورة اخرى فلا يعرفه الا الموحدون الواصلون الى حضرة الاحدية من كل باب ) وكما ان لكل امة شهيدا فلكل اهل مذهب شهيد ولكل احد شهيد يكشف عن حال مشهوده. واما المحموديون فهم شهداء على الامم ونبيهم شهيد عليهم لكونهم من الامم ولكون نبيهم حبيبا مؤتى بجوامع الكلم متمما لمكارم الاخلاق فلا جرم يعرفون اللّه عند التحول فى جميع الصور اذا تابعوا نبيهم حق المتابعة ونبيهم يشهدهم ويعرف احوالهم انتهى بعبارته جعلنا اللّه واياكم من الكاملين الواصلين الى حق اليقين ٤٣ { يا ايها الذين آمنوا لا تقربوا الصلوة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } روى ان عبد الرحمن بن عوف صنع طعاما وشرابا فدعا نفرا من افاضل الصحابة رضى اللّه عنهم حين كانت الخمر مباحة فأكلوا وشربوا فلما ثملوا جاء وقت صلاة المغرب قدموا احدهم ليصلى بهم فقرأ قل يا ايها الكافرون اعبد ما تعبدون وانتم عابدون ما اعبد الى آخرها بطرح اللاآت فنزلت فكانوا لا يشربون فى اوقات الصلاة فاذا صلوا العشاء شربوها فلا يصبحون الا وقد ذهب عنهم السكر وعلموا ما يقولون ثم نزل تحريمها وتوجيه النهى الى قربان الصلاة مع ان المراد هو النهى عن اقامتها للمبالغة فى ذلك قال فى التيسير ثم النهى ليس عن عين الصلاة فانها عبادة فلا ينهى عنها بل هو نهى اكتساب السكر الذى يعجز به عن الصلاة على الوجه قال الامام ابو منصور رحمه اللّه وكذلك قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( ا صلاة للعبد الآبق ولا للمرأة الناشزة ) ليس فيه النهى عن الصلاة لكن النهى عن الاباق والنشوز وهذا لان الاباق والنشوز والسكر ليست بالتى تعمل فى اسقاط الفرض فالمعنى لا تقيموها حالة السكر حتى تعلموا قبل الشروع ما تقولون اذ بتلك التجربة يظهر انهم يعلمون ما سيقرؤونه فى الصلاة والسكر اسم لحالة تعرض بين المرء وعقله واكثر ما يكون من الشراب وقد يكون من العشق والنوم والغضب والخوف لكنه حقيقة فى الاول فيحمل عليه هنا. والسكارى جمع سكران كالكسالى جمع كسلان واجمعوا على انه لا يجوز بيع السكران وشراؤه ويؤاخذ بالاستهلاكات والقتل والحدود وصح طلاقه وعتاقه عقوبة له عندنا خلافا للشافعى { ولا جنبا } عطف على قوله وانتم سكارى فانه فى حيز النصب كأنه قيل لا تقربوا الصلاة سكارى ولا جنبا. والجنب من اصابته الجنابة يستوى فيه المؤنث والمذكر والواحد والجمع لجريانه مجرى المصدر واصل الجنابة البعد والجنب مبعد عن القراءة والصلاة وموضعها { الا عابرى سبيل } استثناء مفرغ من اعم الاحوال محله النصب على انه حال من ضمير لا تقربوا باعتبار تقيده بالحال الثانية دون الاولى والعامل فيه النهى اى لا تقربوا الصلاة جنبا فى حال من الاحوال الا حال كونكم مسافرين فتعذرون بالسفر فتصلون بالتيمم { حتى تغتسلوا } غاية للنهى عن قربان الصلاة حالة الجنابة وفى الآية الكريمة اشارة الى ان المصلى حقه ان يتحرز عما يلهيه ويشغل قلبه وان يزكى نفسه عما يدنسها ولا يكتفى بادنى مراتب التزكية عند امكان اعاليها { وان كنتم مرضى } جمع مريض والمرض على ثلاثة اقسام. احدها ان يكون بحيث لو استعمل الماء لمات كما فى الجدرى الشديد والقروح العظيمة وثانيها ان لا يموت باستعمال الماء ولكنه يجد الآلام العظيمة ويشتد مرضه او يمتد. وثالثها ان لا يخاف الموت ولا الآلام الشديدة لكنه يخاف بقاء شين او عيب فى البدن فالفقهاء جوزوا التيمم فى القسمين الاولين وما جوزوه فى القسم الثالث { او على سفر } عطف على مرضى اى او كنتم على سفر ما طال او قصر وايراده مع سبق ذكره بطريق الاستثناء لبناء الحكم الشرعى عليه وبيان كيفيته وتعليق التيمم بالمرض والسفر مع اتم الحكم كذلك فى كل موضع تحقق العجز حتى قال ابو حنيفة يجوز التيمم للجنابة فى المصر اذا عدم الماء الحار لان العجز عن استعمال الماء يقع فيها غالبا { او جاء احد منكم من الغائط } وهو المكان المنخفض المطمئن والمجيئ منه كناية عن الحدث لان المعتاد ان من يريده يذهب اليه ليوارى شخصه عن اعين الناس { او لامستم النساء } اى جامعتموهن يعنى اذا اصابكم امرض او السفر او الحدث او الجنابة { فلم تجدوا ماء } اى لم تقدروا على استعماله لعدمه او لبعده او لفقد آلة الوصول اليه من الدلو والرشاء او المانع عنه من حية او سبع او عدو { فتيمموا صعيدا طيبا } فاقصدوا شيأ من وجه الارض طاهرا قال الزجاج الصعيد وجه الارض ترابا او غيره وان كان صخرا لا تراب عليه لو ضرب المتيمم يده عليه ومسح لكان ذلك طهوره وهو مذهب ابى حنيفة رحمه اللّه فامسحوا بوجوهكم وايديكم الى المرفقين لما روى انه صلى اللّه عليه وسلم تيمم ومسح يديه الى مرفقيه ولانه بدل من الوضوء فيتقدر بقدره والباء زائدة اى فامسحوا وجوهكم وايديكم منه اى من الصعيد { ان اللّه كان عفوا غفورا } تعليل للترخيص والتيسير وتقرير لهما فان من عادته المستمرة ان يعفوا عن الخطائين ويغفر للمذنبين لا بد من ان يكون ميسرا لا معسرا والاشارة ان الصلاة معراج المؤمن وميقات مناجاته والمصلى هو الذى يناجى ربه يعنى يا مدعى الايمان { لا تقربوا الصلوة وانتم سكارى } اى لا تجدوا القربة فى الصلاة وانتم سكارى من الغفلات وتتبع الشهوات لان كل ما اوجب للقلب الذهول عن اللّه فهو ملتحق بالسكر ومن اجله جعل السكر على اقسام فسكر من الخمر وسكر من الغفلة لاستيلاء حب الدنيا واصعب السكر سكرك من نفسك فان من سكر من الخمرة فقضاؤه الحرقة ومن سكر من نفسه ففي الوقت على الحقيقة له القطيعة والفرقة اى اسيرننك نام خويشتن ... بسته خودرا بدام خويشتن ورنكنجى باخود اندر كوى او ... كم شو ازخود تابيابى كوى ام تاتونزديك خودى زين حرف دور ... غائبى يابى اكر خواهى حصور تاتوا ازغفلت جوباده مست شدى ... لا جرم ازطور وصلت بست شدى { حتى تعلموا ما تقولون } ولماذا تقولون كما تقولون اللّه اكبر لتكبيرة الاحرام عند رفع اليدين ومعناه اللّه اعظم واجل من كل شىء فان كنت تعلم عند التقول به فينبغى ان لا يكون فى تلك الحالة فى قلبك عظمة شىء آخر وامارة ذلك ان لا تجد ذكر شىء فى قلبك مع ذكره تعالى ولا محبة شىء مع محبته ولا طلب شىء مع طلبه فانه تبارك وتعالى واحد لا يقبل الشركة فى جميع صفاته والا كنت كاذبا فى قولك اللّه اكبر بالنسبة الى حالك وكنت كالسكران لا تجد القربة من صلاتك لان القربة مشروطة بشرط السجود كما خوطب به { واسجد واقترب } والسجود ان تنزل من مركب اوصاف وجودك لتحمل على رفرف جوده الى قاب قوسين اوصاف وجوده لشهود جماله وجلاله وهذا هو سر التشهد بعد السجود ثم قال { ولا جنبا الا عابرى سبيل } يعنى كما لا تجدون القربة وانتم سكارى من الغفلات ايضا لا تجدونها مع جنابة استحقاق البعد وهى ملابسة الدنيا الدنية الا على طريق العبور بقدم ظاهر الشرع فى سبيل الاوامر والنواهى كعبور طريق الاعتداد بالمطعم والمشرب لسد الرمق وحفظ القوة والاكتساء لدفع الحر والبرد وستر العورة والمباشرة لحفظ النسل { حتى تغتسلوا } بماء القربة والانابة وصدق الطلب وحسن الارادة وخلوص النية من جنابة ملابسة الدنيا وشهواتها { وان كنتم مرضى } بانحراف مزاج القلب فى طلب الحق { او على سفر } التردد بين طلب الدنيا وطلب العقبى والمولى { او جاء احد منكم من الغائط } من غائط تتبع الهوى { او لامستم النساء } اى لابستم الاشغال الدنيوية فاجنبتم وتباعدتم عن اللّه بعدما كنتم مجاورى حظائر القدس ووقعتم فى رياض الانس { فلم تجدوا ماء } صدق الانابة والرجوع الى الحق بالاعراض والانقطاع عن الخلق { فتيمموا صعيدا طيبا } وهو تراب اقدام الرجال الطيبين من سوء الاخلاق والاعمال { فامسحوا بوجوهكم } تراب اقدامهم وتمسكوا { بايديكم } اذيال كرمهم مستسلمين بصدق الارادة لاحكامهم { ان اللّه كان عفوا } يعفو عنكم التعصب وعدم الانقطاع اليه بالكلية ولعله يعفو التلوث بالدنيا الدنية بهذه الخصلة مرضية { غفورا } لكم آثار الشقوة من غبار الشهوة فانهم يسعد بهم لانهم قوم لا يشقى بهم جليسهم كليد كنج سعادت قبول اهل دلست ... مبادكس كه درين نكته شك وريب كند شبان وادئ ايمن كهى رسد بمراد ... كه جند سال بجان خدمت شعيب كند ٤٤ { ألم تر } الخطاب لكل من يتأتى منه الرؤية من المؤمنين والرؤية بصرية لشهرة شنائع الموصوفين حتى انتظمت فى سلك الامور المشاهدة { الى الذين اوتوا نصيبا } حظا كائنا { من الكتاب } من علم الكتاب وهو التوراة والمراد بهم احبار اليهود اى الم تنظر اليهم فانهم احقاء بان تشاهدهم وتتعجب من احوالهم نزلت فى حبرين من احبار اليهود كانا يأتيان رئيس المنافقين عبد اللّه بن ابى ورهطه يثبطانهم عن الاسلام { يشترون الضلالة } كأنه قيل ماذا يصنعون حتى ينظر اليهم فقيل يأخذون الضلالة ويتركون ما اوتوه من الهداية { ويريدون } اى لا يكتفون بضلالة انفسهم بل يريدون بما فعلوا من كتمان نعوته صلى اللّه عليه وسلم { ان تضلوا } انتم ايضا ايها المؤمنون { السبيل } المستقيم الموصل الى الحق وانما ارادوا ذلك ليكون الناس كلهم على دينهم فتكون لهم الرياسة على الكل واخذ المرافق من الكل ٤٥ { واللّه اعلم } اى منكم { باعدائكم } جميعا ومن جملتهم هؤلاء وقد اخبركم بعداوتهم لكم وما يريدون لكم لتكونوا على حذر منهم ومن مخالطتهم او هو اعلم بحالهم ومآل امرهم { وكفى باللّه } الباء مزيدة { وليا } متكفلا فى جميع اموركم ومصالحكم او محبا لكم { وكفى باللّه نصيرا } فى كل المواطن فثقوا به واكتفوا بولايته ونصرته ولا تتولوا غيره او لا تبالوا بهم وبما يسومونكم من السوء فانه تعالى معين يكفيكم مكرهم وشرهم ففيه وعد ووعيد والاشارة ان من رزق شيأ من علم الكتاب ظاهرا ولم يرزق اسراره وحقائقه وهم علماء السوء المداهنون فى دين اللّه حرصا على الدنيا وطمعا فى المال والجاه وحبا للرياسة والقبول { يشترون الضلالة } وهى المداهنة واتباع الهوى فيبيعون الدين بالدنيا { ويريدون ان تضلوا السبيل } يا معشر العلماء الاتقياء وورثة الانبياء وطلاب الحق من بين الخلق عن سبيل الحق بما يحسدونكم وينكرون عليكم ويلومونكم ويؤذونكم بطريق النصح واظهار المحبة { واللّه اعلم باعدائكم } فلا تقبلوا نصيحتهم فيما يقطعون عليكم طريق الحق ويردونكم عنه ويصدونكم عن اللّه بالتحريض على طلب غير اللّه ورعاية حق غير اللّه واطيعوا امر اللّه تعالى فيما امركم به واعلم انك لا ترى حالا اسوأ ولا اقبح ممن جمع بين هذين الامرين اعنى الضلال والاضلال واكثر ما يكونان فى العلماء يطمعون فيما فى ايدى الخلق فيداهنون فيضلون فسبب زوال المداهنة قطع الطمع روى عن بعض المشايخ انه كان له سنور وكان يأخذ من قصاب فى جواره كل يوم شيأ من الغدد لسنوره فرأى على القصاب منكرا فدخل واخرج السنور اولا ثم جاء واحتسب على القصاب فقال له القصاب لا اعطيك بعد اليوم لسنورك شيأ فقال ما احتسب عليك الا بعد اخراج السنور وقطع الطمع منك فهو كما قال فمن طمع فى ان تكون قلوب الناس عليه طيبة لم يتيسر له الحسبة فعلى العاقل ان يزكى نفسه عن الاخلاق الرديئة ويطهرها من الخصال الذميمة جون طهارت نبود كعبه وبتخانه يكيست ... نبود خيردر آن خانه كه عصمت نبود ٤٦ { من الذين هادوا } خبر مبتدأ محذوف اى من الذين هادوا قوم { يحرفون الكلم عن مواضعه } الكلم اسم جنس ولذا ذكر الضمير فى مواضع وجمع المواضع لتكرره فى التوراة فى مواضع بحسب الجنس اى يزيلون لانهم لما غيروه ووضعوا مكانه غيره فقد ازالوه عن مواضعه التى وضعه اللّه فيها وامالوه عنها. والتحريف نوعان. احدهما صرف الكلام الى غير المراد بضرب من التأويل الباطل كما يفعل اهل البدعة فى زماننا هذا بالآيات المخالفة لمذاهبهم. والثانى تبديل الكلمة باخرى وكانوا يفعلون ذلك نحو تحريفهم فى نعت النبى صلى اللّه عليه وسلم اسمر ربعة عن موضعه فى التوراة بوضعهم آدم طوال مكانه ونحو تحريفهم الرجم بوضعهم الحد بدله { ويقولون } فى كل امر مخالف لاهوائهم الفاسدة سواء كان بمحضر النبى عليه السلام ام لا بلسان المقال والحال { سمعنا } قولك { وعصينا } امرك عنادا وتحقيقا للمخالفة { واسمع } اى قولنا { غير مسمع } حال من المخاطب وهو كلام ذو وجهين. احدهما المدح بان يحمل على معنى اسمع غير مسمع مكروها. والثانى الذم بان يحمل على معنى اسمع حال كونك غير مسمع كلاما اصلا بصمم او موت اى مدعوا عليك بلا سمعت لانه لو اجيبت دعوتهم عليه لم يسمع فكان اصم غير مسمع فكأنهم قالوا ذلك تمنيا لاجابة دعوتهم عليه كانوا يخاطبون به النبى عليه السلام مظهرين له ارادة المعنى الاول وهم مضمرون فى انفسهم المعنى الاخير مطمئنون به { وراعنا } كلمة ذات جهتين ايضا. محتملة للخير بحملها على معنى ارقبنا وانتظرنا واصرف سمعك الى كلامنا نكلمك. وللشر بحملها على السب بالرعونة اى الحمق او باجرائها مجرى شبهها من كلمة عبرانية او سريانية كانوا يتسابون بها وهى راعنا كانوا يخاطبون به النبى صلى اللّه عليه وسلم ينوون الشتيمة والاهانة ويظهرون التوقير والاحترام فان قلت كيف جاؤا بالقول المحتمل ذى الوجهين بعد ما صرحوا وقالوا سمعنا وعصينا قلت جميع الكفرة كانوا يواجهونه بالكفر والعصيان ولا يواجهونه بالسب ودعاء السوء حشمة منه عليه السلام وخوفا من بطش المؤمنين { ليا بألسنتهم } انتصابه على العلية اى يقولون ذلك للفتل بها ولصرف الكلام عن نهجه الى نسبة السب حيث وضعوا غير مسمع موضع لا استمعت مكروها واجروا راعنا المشابهة لراعينا مجرى انظرنا او فتلا بها وضما لما يظهرون من الدعاء والتوقير الى ما يضمرون من السب والتحقير { وطعنا فى الدين } اى قدحا فيه بالاستهزاء والسخرية { ولو انهم } عندما سمعوا شيأ من اوامر اللّه ونواهيه { قالوا } بلسان المقال او بلسان الحال مكان قولهم سمعنا وعصينا { سمعنا واطعنا } وبدل قولهم واسمع غير مسمع { واسمع } ولا يلحقون به غير مسمع وبدل قولهم راعنا { وانظرنا } ولم يدسوا تحت كلامهم شرا وفسادا اى لو ثبت انهم قالوا هذا مكان ما قالوا من الاقوال { لكان } قولهم ذلك { خيرا لهم } مما قالوا { واقوم } اى اعدل واسد فى نفسه واصوب من القيم اى المستقيم قالوا لما لم يكن فى الذى اختاروه خيرا اصلا لم جعل هذا خيرا من ذلك وجوابه انه كذلك على زعمهم فخوطبوا على ذلك وهو كقوله { اللّه خير ام ما يشركون } { ولكن لعنهم اللّه بكفرهم } اى ولكن قالوا ذلك واستمروا على كفرهم فخذلهم اللّه وابعدهم عن الهدى بسبب كفرهم بذلك { فلا يؤمنون } بعد ذلك { الا قليلا } استثناء من ضمير المفعول فى لعنهم اى ولكن لعنهم اللّه الا فريقا قليلا فانه تعالى لم يلعنهم فلم ينسد عليهم باب الايمان وقد آمن بعد ذلك فريق من الاحبار كعبد اللّه بن سلام وكعب واضرابهما وهو استثناء من ضمير لا يؤمنون اى لا يؤمنون الا ايمانا قليلا وهو ايمانهم بموسى وكفرهم بمحمد عليهما السلام والاشارة ان العلماء السوء من هذه الامة { يحرفون الكلم عن مواضعه } بالفعال لا بالمقال كما كان اهل الكتاب يحرفونه بالمقال { ويقولون سمعنا } بالمقال فيما امر اللّه به من ترك الدنيا وزينتها واتباع الهوى ومن ايثار الآخرة على الاولى والانقطاع عن الخلق فى طلب المولى { وعصينا } بالفعال اذ لا يشمون روائح هذه المعاملات ولا يدورون حول هذه المقامات وينكرون على اهل هذه الكرامات ويستهزؤن بانواع المقالات فلا يؤمنون بالقلوب السليمة الا قليلا منها بان يكفروا بهوى نفوسهم ويؤمنوا بالايمان الحقيقى الذى هو من نتائج الارادة والصدق فى طلب الحق والاخلاص فى العمل للّه وترك الدنيا وزخارفها بل بذل الوجود فى طلب المعبود : قال العطار قدس سره مشو مغرور اين نطق مزور ... بنادانى مكن خودرا توسرور اكر علم همه عالم بخوانى ... جوبى عشقى ازوحر وفى ندانى قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( من تعلم علما لا يبتغى به وجه اللّه تعالى لا يتعمله الا ليصيب به غرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة ) اى ريحها قال الشيخ الشاذلى العلم النافع هو الذى يستعان به على طاعة اللّه ويلزمك المخافة من اللّه والوقوف على حدود اللّه وهو علم المعرفة باللّه قال الشيخ ابو الحسن رضى اللّه عنه العلوم كالدنانير والدراهم ان شاء نفعك بها وان شاء اضرك معها والعلم ان قارنته الخشية فلك اجره وثوابه وحصول النفع به والا فعليك وزره وعقابه وقيام الحجة به وعلامة خشية اللّه ترك الدنيا والخلق ومحاربة النفس والشيطان : قال الشيخ السعدى قدس سره دعوى كنى كه بر ترم از ديكران بعلم ... جون كبر كردى ازهمه دونان فروترى شاخ درخت علم ندانم بجز عمل ... تاعلم باعمل نكنى شاخ بى برى علم آدميتست وجوانمردى وادب ... ورنه بدى بصورت انسان برابرى ترك هواست كشتىء درياى معرفت ... عارف بذات شونه بدين قلندرى هر علم راكه كار نه بندى جه فائده ... جشم از براى آن بود آخركه بنكرى ٤٧ { يا ايها الذين اوتوا الكتاب } اى التوراة { آمنوا بما نزلنا } من القرآن حال كونه { مصدقا لما معكم } من التوراة ومعنى تصديقه اياها نزوله حسبما نعت لهم فيها او كونه موافقا لها فى القصص والمواعيد والدعوة الى التوحيد والعدل بين الناس والنهى عن المعاصى والفواحش واما ما يتراءى من مخالفته لها فى جزئيات الاحكام بسبب تفاوت الامم بالاعصار فليست بمخالفة فى الحقيقة بل هى عين الموافقة من حيث ان كلا منهما حق بالاضافة الى عصره متضمن للحكمة التى عليها يدور فلك التشريع حتى لو تأخر نزول المتقدم لنزل على وفق المتأخر ولو تقدم نزول المتأخر لوافق المتقدم قطعا ولذلك قال صلى اللّه عليه وسلم ( لو كان موسى حيا لما وسعه الا اتباعى ) من قبل ان نطمس وجوها الطمس محو الآثار وازالة الاعلام اى آمنوا من قبل ان نمحو تخطيط صورها ونزيل آثارها من عين وحاجب وانف وفم { فنردها على ادبارها } فنجعلها على هيئة ادبارها وهى الاقفاء مطموسة مثلها وهذا معنى قول ابن عباس رضى اللّه عنهما نجعلها كخف البعير وحافر الدابة فتكون الفاء للتسبيب اى بان نردها على ادبارها او ننكسها بعد الطمس فنردها الى موضع الاقفاء والاقفاء الى موضعها على انهم توعدوا بعقابين احدهما عقيب الآخر طمسها ثم ردها على ادبارها { او نلعنهم } او نخزى اصحاب الوجوه بالمسخ { كما لعنا اصحاب السبت } مسخناهم قردة وخنازير ووقوع الوعيد مشروط بالايمان ومعلق به وجودا وعدما بمعنى ان وجد منهم الايمان لم يقع والا وقع وقد وجد الايمان منهم حيث آمن ناس منهم فلم يقع الوعيد { وكان امر اللّه } اى عذابه { مفعولا } كائنا لا محالة وهذا وعيد شديد لهم يعنى انتم تعلمون انه كان تهديد اللّه فى الامم السالفة واقعا لا محالة فكونوا على حذر من هذا الوعيد وارجعوا عن الكفر الى الايمان والاقرار بالتوبة والاستغفار اعلم ان المسخ قد وقع فى هذه الامة ايضا. ومنه ما روى عن ابى علقمة انه قال كنت فى قافلة عظيمة فامرنا رجلا نرتحل بامره وننزل بامره فنزلنا منزلا وهو يشتم ابا بكر وعمر فقلنا له فى ذلك فلم يجب الينا بشىء فلما اصبحنا واوقرنا واصلحنا الراحلة لم يناد مناديه فجئنا ننظر ما حاله وما يصنع فاذا هو متربع وقد غطى رجليه بكساء له فكشفنا عنهما فاذا هو قد صار رجلاه كرجلى الخنازير فهيأنا راحتله وحملناه اليها فوثب من راحلته وقام برجليه وصاح ثلاث مرات صيحة الخنازير واختلط بالخنازير وصار خنزيرا حتى لا يعرفه منا احدا كذا فى روضة العلما وروى ان واحدا من رواة الاحاديث تحول رأسه رأس حمال لانكار وقوع مضمون حديث صحيح ورد فى حق المقتدى بالامام الرافع رأسه قبله او واضعه وحاصل الحديث ان من رفع رأسه قبل الامام او وضعه كيف لا يخاف من ان يصير رأسه رأس حمار فوقع فيما وقع وهذا هو مسخ الصورة ومسخ المعنى اشد واصعب منه فان اعمى الصورة مثلا يمكن ان يكون فى الآخرة بصيرا ولكن من كان فى هذه اعمى يعنى بالقلب فهو فى الآخرة اعمى واضل سبيلا وفضوح الدنيا اهون من فضوح الآخرة فعلى السالك ان يجتهد حتى لا يرد وجهه الناطق الى اللّه تعالى على الدنيا واتباع الهوى ولا يمسخ صفاته الانسانية بالسبعة والشيطانية : قال الشيخ السعدى باتوترسم نشود شاهد روحانى دوست ... كالتماس توبجز عالم جسمانى نيست سعى كن تازمقام حيوان دركذرى ... كاهنست آينه مادامكه نورانى نيست خفتكانرا جه خبر زمزمه مرغ سحر ... حيوانرا خبر ازعالم انسانى نيست قال الامام فى تفسير الآية وتحقيق القول فيها ان الانسان فى مبدأ خلقته الف هذا العالم المحسوس ثم انه عند الفكر والعبودية كأنه يسافر من عالم المحسوسات الى عالم المعقولات فقدامه عالم المعقولات ووراءه عالم المحسوسات فالمخذول هو الذى يرد من قدامه الى خلفه كما قال تعالى فى وصفهم { ناكسوا رؤسهم } انتهى فنعوذ باللّه من الحور بعد الكور ومن الشر بعد الخير عن عبد اللّه بن احمد المؤذن قال كنت اطوف حول البيت واذا انا برجل متعلق باستار الكعبة وهو يقول اللّهم اخرجنى من الدنيا مسلما لا يزيد على ذلك شيأ فقلت له لم لا تزيد على هذا الدعاء فقال لو علمت قصتى كنت تعذرنى فقلت وما قصتك قال كان لى اخوان وكان الاكبر منهما مؤذنا اذن رابعين سنة احتسابا فلما حضره الموت دعا بالمصحف فظننا ان يتبرك به فاخذه بيده واشهد على نفسه من حضر انه بريء مما فيه ثم تحول الى دين النصرانية فمات نصرانيا فلما دفن اذن الآخر ثلاثين سنة فلما حضره الموت فعل كما فعل الآخر فمات على النصرانية وانى اخاف على نفسى ان اصير مثلهما فادعو اللّه تعالى ان يحفظ على دينى فقلت ما كان ديدنهما فقال كان يتتبعان عورات النساء وينظران الى المردان فهذا من آثار الرد واللعن والمسخ فنسأل اللّه تعالى ان يوفقنا لتزكية النفس واصلاحها ويختم عاقبتنا بالخير خدايا بحب بنى فاطمه ... كه برقول ايمان كنم خاتمه ٤٨ { ان اللّه لا يغفر ان يشرك به } اى لا يغفر الكفر ممن اتصف به بلا توبة وايمان لان الحكمة التشريعية مقتضية لسد باب الكفر وجواز مغفرته بلا ايمان مما يؤدى الى فتحه ولان ظلمات الكفر والمعاصى انما يسترها نور الايمان فمن لم يكن له ايمان لم يغفر له شىء من الكفر والمعاصى { ويغفر ما دون ذلك } اى ويغفر ما دون الشرك فى القبح من المعاصى صغيرة كانت او كبيرة تفضلا من لدنه واحسانا من غير توبة عنها لكن لا لكل احد بل { لمن يشاء } ان يغفر له ممن اتصف به فقط اى لا بما فوقه قال شيخنا السيد الثانى سمى جامع القرآن وهم المؤمنون الذين اتقوا من الاشراك باللّه تعالى فيغفر لهم ما دون الاشراك من الصغائر والكبائر لعدم اشراكهم به ولا يغفر للمشركين ما دون الاشراك ايضا لاشراكهم به فكما ان اشراكهم لا يغفر فكذلك ما دون اشراكهم لا يغفر بخلاف المؤمنين فانه تعالى كما وقاهم من عذاب الاشراك بحفظهم عنه كذلك وقاهم من عذاب ما دونه بمغفرته لهم { ومن يشرك باللّه فقد افترى اثما عظيما } اى من افترى واختلق مرتكبا اثما لا يقادر قدره ويستحقر دون جميع الآثام فلا تتعلق به المغفرة قطعا وهذه الآية من اجل الآيات التى كانت خيرا لهذه الامة مما طلعت عليه الشمس وما غربت واعظمها لانها تؤذن بان ما دون الشرك من الذنب مغفور بحسب المشيئة والوعد المعلق بالمشيئة من الكريم محقق الانجاز خصوصا لعباده الموحدين المخلصين من المحمديين كما قال لهم { ان اللّه يغفر الذنوب جميعا } روى ان وحشيا قاتل حمزة عم النبى عليه السلام كتب الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انى اريد ان اسلم ولكن يمنعنى من الاسلام آية فى القرآن نزلت عليك وهو قوله تعالى { والذين لا يدعون مع اللّه الها آخر ولا يقتلون النفس التى حرم اللّه الا بالحق ولا يزنون } وانى قد فعلت هذه الاشياء الثلاثة فهل لى من توبة فنزلت هذه الآية { الا من تاب وآمن وعمل صالحا فاولئك يبدل اللّه سيأتهم حسنات } فكتب ان فى الآية شرطا وهو العمل الصالح فلا ادرى انا اقدر على العمل الصالح ام لا فنزل قوله تعالى { ان اللّه لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } فكتب بذلك الى وحشى فكتب اليه ان فى الآية شرطا فلا ادرى أيشاء ان يغفر لى ام لا فنزل قوله تعالى { قل يا عبادى الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه ان اللّه يغفر الذنوب جميعا } فكتب الى وحشى فلم يجد الشرط فقدم المدينة واسلم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( من مات ولم يشرك باللّه شيأ دخل الجنة ) ورأى ابو العباس شريح فى مرض موته كأن القيامة قد قامت واذا الجبار سبحانه وتعالى يقول اين العلماء فجاؤا فقال ماذا عملتم فيما علمتم فقلنا يا رب قصرنا واسأنا فاعاد السؤال فكأنه لم يرض به واراد جوابا آخر فقلت اما انا فليس فى صحيفتى شرك وقد وعدت ان تغفر ما دونه فقال اللّه تعالى اذهبوا فقد غفرت لكم ومات شريح بعده بثلاث ليال وهذا من حسن الظن باللّه تعالى كنونت كه جشمست اشكى ببار ... زبان در دهانست عذرى بيار كنون بايدت عذر تقصير كفت ... نه جون نفس ناطق زكفتن بخفت غنيمت شمار اين كرامى نفس ... كه بى مرغ قيمت ندارد قفس واعلم ان للشرك مراتب وللمغفرة مراتب. فمراتب الشرك ثلاث الجلى والخفى والاخفى. وكذلك مراتب المغفرة. فالشرك الجلى بالاعيان وهو للعوام وذلك بان يعبد شىء من دون اللّه تعالى كالاصنام والكواكب وغيرها فلا يغفر الا بالتوحيد وهو اظهار العبودية فى اثبات الربوبية مصدقا بالسر والعلانية. والشرك الخفى بالاوصاف وهو للخواص وذلك شوب العبودية بالالتفات الى غير الربوبية فى العبادة كالدنيا والهوى وما سوى المولى فلا يغفر الا بالوحدانية وهى افراد الواحد للواحد بالواحد. والشرك الاخفى وهو للاخص وذلك رؤية الاغيار والانانية فلا يغفر الا بالوحدة وهى فناء الناسوتية فى بقاء اللاهوتية ليبقى بالهوية دون الانانية فان اللّه لا يغفر بمراتب المغفرة ان يشرك به بمراتب الشرك ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء اى لمن يشاء المغفرة فيستغفر اللّه تعالى من مراتب الشرك فيغفر له بمراتب المغفرة ومن يشرك باللّه بمراتب الشرك فقد افترى اثما عظيما اى جعل بينه وبين اللّه حجابا من اثبات وجود الاشياء وانانيته وهى اعظم الحجب كما قيل وجودك ذنب لا يقاس به ذنب نيستى جولانكه اهل دلست ... شاهراه عاشقان كاملست جون وجودت محو كردى ازميان ... نوروحدت جشم دل را شد عيان شرك رهزن باشداى دل در طريق ... ذكر توحيد خدارا كن رفيق ٤٩ { ألم تر الى الذين يزكون انفسهم } خطاب للنبى عليه السلام على وجه التعجب اى ألم تنظر الى اليهود الذين يظهرون نفوسهم من الذنوب وألسنتهم ولم يزكوها حقيقة بقولهم نحن ابناء اللّه واحباؤه وبقولهم نحن كالاولاد الصغار فله عليهم ذنب اى انظر اليهم وتعجب من حالهم وادعائهم انهم ازكياء عند اللّه مع ما هم عليه من الكفر والاثم العظيم واللفظ عام يشتمل كل من زكى نفسه ووصفها بزيادة التقوى والطاعة والزلفى عند اللّه ففيه تحذير من اعجاب المرء بعمله { بل اللّه } يعنى هم لا يزكونها فى الحقيقة لكذبهم وبطلان اعتقادهم بل اللّه { يزكى من يشاء } تزكيته ممن يستأهلها من المرتضين من عباده المؤمنين فانه العالم بما ينطوى عليه الانسان من حسن وقبيح وقد وصفهم بما هم متصفون به من القبائح { ولا يظلمون } اى يعاقبون بتلك الفعلة القبيحة ولا يظلمون فى ذلك العقاب { فتيلا } اى ادنى ظلم واصغره وهو الخيط الذى فى شق النواة يضرب به المثل فى القلة والحقارة والظلم فى حق المعاقب الزيادة على حقه وفى حق المثاب النقصان منه ٥٠ { انظر كيف } اى فى اى حال او على اى حال { يفترون على اللّه الكذب } فى زعمهم انهم ابناء اللّه وازكياء عنده والتصريح بالكذب مع ان الافتراء لا يكون الا كذبا للمبالغة فى تقبيح حالهم { وكفى به } بافترائهم هذا من حيث هو افتراء عليه تعالى مع قطع النظر عن مقارنته لتزكية انفسهم وسائر آثامهم العظام { اثما مبينا } ظاهرا بينا كونه اثما والمعنى كفى بذلك وحده فى كونهم اشد اثما من كل كفار اثيم ولو لم يكن لهم من الذنوب الا هذا الافتراء لكان اثما عظيما ونصب اثما مبينا على التمييز قال الامام ابو منصور رحمه اللّه قول الرجل انا مؤمن ليس بتزكية النفس بل اخبار عن شىء اكرم به وانما التزكية ان يرى نفسه تقيا صالحا ويمدح به قال السرى قدس سره من تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين اللّه تعالى فيجب على العبد المؤمن ان يمتنع عن مدح نفسه ألا يرى الى قوله عليه السلام ( انا سيد ولد آدم ) كيف عقبه بقوله ( ولا فخر ) اى لست اقول هذا تفاخرا كما يقصده الناس بالثناء على انفسهم لان افتخاره عليه السلام كان باللّه وتقربه من اللّه لا بكونه مقدما على اولاد آدم كما ان المقبول عند الملك قبولا عظيما انما يكون بقبوله اياه وبه يفرح لا بتقديمه على بعض رعاياه اكرمردى ازمدرىء خود مكوى ... نه هر شهسوارى بدربردكوى كنهكار انديشناك از خدا ... بسى بهتر از عابد خود نما اكرمشك خالص ندارى مكوى ... وكرهست خود فاش كرددببوى ونعم ما قيل جوز خالى درميان جوزها ... مى نمايد خويشتن را از صدا والاشارة فى الآيتين ان الذين يزكون انفسهم من اهل العلوم الظاهرة بالعلم ويباهون به العلماء ويمارون به السفهاء لا تزكى انفسهم بمجرد تعلم العلم بل تزيد صفاته المذمومة مثل المباهاة والمماراة والمجادلة والمفاخرة والكبر والعجب والحسد والرياء وحب الجاه والرياسة وطلب الاستيلاء والغلبة على الاقران والامثال { بل اللّه يزكى من يشاء } التزكية ويتهيأ لها بتسليم النفس الى ارباب التزكية وهم العلماء الراسخون والمشايخ المحققون كما يسلم الجلد الى الدباغ ليجعله اديما فمن يسلم نفسه للتزكية الى المزكى ويصبر على تصرفاته كالميت فى يد الغسال ويصغ الى اشاراته ولا يعترض على معاملاته ويقاس شدائد اعمال التزكية فقد افلح بما تزكى والمزكى هو النبى عليه السلام فى ايام حياته كما قال تعالى { هو الذى بعث فى الاميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم } الآية وبعدهم العلماء الذين اخذوا التزكية ممن اخذوا منه قرنا بعد قرن من الصحابة والذين اتبعوهم باحسان الى يومنا هذا ولعمرى انهم فى هذا الزمان اعز من الكبريت الاحمر : قال الشيخ الحسينى در طريقت رهبر دانا كزين ... زانكه ره دورست ورهزن دركمين رهبرى بايد بمعنى سر بلند ... از شريعت وزطريقت بهره مند اصل وفرع وجزء وكل آموخته ... شمع از نور علم افروخته ظاهرش از علم كسبى با خدا ... باطنش ميراث دار مصطفا هركه از دست عنايت بر كرفت ... روز اول دامن رهبر كرفت هركه در زندان خود رأيى فتاد ... بند اورا سالها نتوان كشاد اى سليم القلب دشوارست كار ... تانبندارى كه بندارست كار فعلى السالك ان يتمسك بذلك المرشد ويتشبه به الى الوقوف على علم التوحيد ثم الفناء عن نفسه لان مجرد العرفان غير منج ما لم يحصل التحقق بحقيقة الحال ولذا قال عليه السلام ( شر الناس من قامت عليه القيامة وهو حى ) اى وقف على علم التوحيد ونفسه لم تمت بالفناء حتى يحيى باللّه فانه حينئذ زنديق قائل بالاباحة فى الاشياء عصمنا اللّه واياكم من المعاصى والفحشاء ٥١ { ألم تر الى الذين } الى اليهود الذين { اوتوا نصيبا من الكتاب } حظا من علم التوراة اى انظر يا محمد وتعجب من حالهم فكأنه قيل ماذا يفعلون حتى ينظر اليهم فقيل { يؤمنون بالجبت } فى الاصل اسم صنم فاستعمل فى كل ما عبد من دون اللّه { والطاغوت } الشيطان ويطلق لكل باطل من معبود او غيره روى ان حيى بن اخطب وكعب بن الاشرف اليهوديين خرجا الى مكة فى سبعين راكبا من اليهود ليخالفوا قريشا على محاربة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وينقضوا العهد الذى كان بينهم وبينه عليه السلام فقالوا انتم اهل كتاب وانتم اقرب الى محمد منكم الينا فلا نأمن مكركم فاسجدوا لآلهتنا حتى نطمئن اليكم ففعلوا فهذا ايمانهم بالجبت والطاغوت لانهم سجدوا للاصنام واطاعوا ابليس فيما فعلوا وقال ابو سفيان لكعب انك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم ونحن اميون لا نعلم فأينا اهدى طريقا نحن ام محمد فقال ماذا يقول محمد قال يأمر بعبادة اللّه تعالى وحده وينهى عن الشرك قال وما دينكم قالوا نحن ولاة البيت نسقى الحاج ونقرى الضيف ونفك العانى وذكروا افعالهم قال انتم اهدى سبيلا وذلك قوله تعالى { ويقولون للذين كفروا } اى لاجلهم وفى حقهم { هؤلاء } اشارة الى الذين كفروا { اهدى من الذين آمنوا سبيلا } اى اقوم دينا وارشد طريقة ٥٢ { اولئك } اشارة الى القائلين { الذين لعنهم اللّه } اى ابعدهم عن رحمته وطردهم { ومن يلعن اللّه } اى يعبده عن رحمته تعالى { فلن تجد له نصيرا } يدفع عنه العذاب دنيويا كان او اخرويا لا بشفاعة ولا بغيرها. وفيه تنصيص على حرمانهم مما طلبوا من قريش ٥٣ { ام لهم نصيب من الملك } ام منقطعة ومعنى الهمزة انكار ان يكون لهم نصيب من الملك وجحد لما زعمت اليهود من ان ملك الدنيا سيصير اليهم { فاذن لا يؤتون الناس نقيرا } اى لو كان لهم نصيب من الملك فاذن لا يؤتون احدا مقدار نقير وهو النقرة فى ظهر النواة يضرب به المثل فى القلة والحقارة وهذا هو البيان الكاشف عن كل حالهم فانهم اذا بخلوا بالنقير وهم ملوك فما ظنك بهم اذا كانوا اذلاء متفاقدين ٥٤ { ام يحسدون } منقعطة ايضا { الناس } بل أيحسدون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم واصحابه { على ما آتاهم اللّه من فضله } يعنى انبوة والكتاب وازدياد العز والنصر يوما فيوما { فقد آتينا } يعنى ان حسدهم المذكور فى غاية القبح والبطلان فانا قد آتينا من قبل هذا { آل ابراهيم } الذين هم اسلاف محمد صلى اللّه عليه وسلم وابناء اعمامه { الكتاب } المنزل من السماء { والحكمة } اى النبوة والعلم { وآتيناهم } مع ذلك { ملكا عظيما } لا يقادر قدره فكيف يستبعدون نبوته صلى اللّه عليه وسلم ويحسدونه على ايتائها قال ابن عباس رضى اللّه عنهما الملك فى آل ابراهيم ملك يوسف وداود وسليمان عليهم السلام ٥٥ { فمنهم } من اليهود { من آمن به } بمحمد عليه السلام { ومنهم من صد عنه } اى اعرض عنه ولم يؤمن به { وكفى بجهنم سعيرا } نارا مسعورة اى موقدة يعذبون بها اى ان لم يعجلوا بالعقوبة فقد كفاهم ما اعد لهم من سعير جهنم واعلم ان اللّه تعالى وصف اليهود فى الآية المتقدمة بالجهل الشديد وهو اعتقادهم ان عبادة الاوثان افضل من عبادة اللّه تعالى ثم وصفهم بالبخل والحسد. فالبخل هو ان لا يدفع الى احد شيأ مما آتاه اللّه من النعمة. والحسد هو ان يتمنى ان لا يعطى اللّه غيره شيأ من النعم فالبخل والحسد يشتركان فى من يريد منع النعمة عن الغير. فاما البخيل فيمنع نعمة نفسه عن غيره. واما الحاسد فيريد ان يمنع نعمة اللّه عن عباده فهما شر الرذائل وسببهما الجهل. اما البخل فلأن بذل المال سبب لطهارة النفس ولحصول سعادة الآخرة وحبس المال سبب لحصول مال الدنيا فى يده فالبخل يدعوك الى الدنيا ويمنعك عن الآخرة والجود يدعوك الى الآخرة ويمنعك عن الدنيا ولا شك ان ترجيح الدنيا على الآخرة لا يكون الا من محض الجهل. واما الجسد فلأن الآلهية عبارة عن ايصال النعم والاحسان الى العبيد فمن كره ذلك فكأنه اراد عزل اله عن الالهية وذلك محض الجهل ثم ان الحسد لا يحصل الا عند الفضيلة فكلما كانت فضيلة الانسان اتم واكمل كان حسد الحاسدين عليه اعظم : قال السعدى قدس سره شور بختان بآروز خواهد ... مقبلانرا آفتابرا جه كناه كرنبيند روز شبيره جشم ... جشمه آفتابرا جه كناه راست خواهى هزار جشم جنان ... كور بهتركه آفتاب سياه ولا يسود الحسود والبخيل فى جميع الزمان ألا ترى ان اللّه تعالى جعل بخل اليهود كالمانع من حصول الملك لهم فهما لا يجتمعان وذلك لان الانقياد للغير امر مكروه لذاته والانسان لا يتحمل المكروه الا اذا وجد فى مقابلته امرا مطلوبا مرغوبا فيه وجهات الحاجات محيطة بالناس فاذا صدر من انسان احسان الى غيره صارت رغبة المحسن اليه فى ذلك المال سببا لصيرورته منقادا مطيعا له فلهذا قيل فى بالبر يستعبد الحر فاما اذا لم يوجد هذا بقيت النفرة الطبيعية عن الانقياد للغير خالصا من المعارض فلا يحصل الانقياد البتة : قال السعدى خورش ده بكنجشك وكبك وحمام ... كه يك روزت افتنده يابى بدام زرازبهر خرودن بود اى بسر ... زبهر نهادن جه سنك وجه زر وقد شبه بعض الحكماء ابن آدم فى حرصه على الجمع ووخامة عاقبته بدود القز الذى يكاد ينسج على نفسه بجهله حتى لا يكون له مخلص فيقتل نفسه ويصير القز لغيره فاللائق بشأن المؤمن القناعة بما رزقه الودود وترك الحرص والبذل من الموجود وقيل لما عرج النبى عليه السلام اطلع على النار فرأى حظية فيها رجل لا تمسه النار فقال عليه السلام ( ما بال هذا الرجل فى حظيرة لا تمسه النار ) فقال جبريل عليه السلام هذا حاتم طى صرف اللّه عنه عذاب جهنم بسخائه وجوده فالجود صارف عن المرء عذاب الدنيا والعقبى وباعث لوصول الملك فى الاولى والاخرى ثم ان الملك على ثلاثة اقسام. ملك على الظواهر فقط وهذا هو ملك الملوك. وملك على البواطن فقط فهذا هو ملك العلماء. وملك على الظواهر والبواطن معا وهذا هو ملك الانباء عليهم السلام فاذا كان الجود من لوازم الملك وجب فى الانبياء ان يكونوا فى غاية الجود والكرم والرحمة والشفقة ليصير كل واحد من هذه الاخلاق سببا لانقياد الخلق لهم وامتثالهم لأوامرهم وكمال هذه الصفات كان حاصلا لمحمد عليه السلام ٥٦ { ان الذين كفروا بآياتنا } القرآن وسائر المعجزات { سوف } كلمة تذكر للتهديد والوعيد يقال سوف افعل وتذكر للوعد ايضا فتفيد التأكيد { نصليهم نارا } ندخلهم نارا عظيمة هائلة { كلما نضجت جلودهم } اى احترقت { بدلناهم جلودا غيرها } غير يذكر ويراد به الضد تقول الليل غير النهار وايضا يقال للمثل المتبدل تقول للماء الحار اذا برد هذا غيره وهو المراد هنا اى اعطيناهم مكان كل جلد محترق عند احتراقه جلدا جديدا مغايرا للمحترق صورة وان كان عينه مادة. والحاصل انه يعاد ذلك الجلد بعينه على صورة اخرى كقولك صغت من خاتمى خاتما غيره فالخاتم الثانى هو الاول وانما الصياغة اختلفت فان قلت الجلود العاصية اذا احترقت فلو خلق اللّه تعالى مكانها جلودا اخرى وعذبها كان ذلك تعذيبا لمن لم يعص وهو غير جائز قلت العذاب للجلدة الحساسة وهى التى عصت لا للجلد مطلقا والذات واحدة فالعذاب لم يصل الا الى العاصى { ليذوقوا العذاب } اى ليدوم لهم ذوقه ولا ينقطع كقولك للعزيز اعزك اللّه اى ادامك على عزك وزادك فيه قال الحسن تأكلهم النار فى كل يوم سبعين مرة كلما اكلتهم قيل لهم عودوا فيعودون كما كانوا وروى مرفوعا ان جلد الكافر اربعون ذراعا وضرسه مثل احد وشفته العليا تضرب سرته وبين لحمه وجلده ديدان كحمر الوحش تركض بين جلده ولحمه وحيات كأعناق البخت وعقارب كالبغال وهذا ليس بزيادة تحلق وتعذب من غير معصية لكن اذا زيد ذلك ثقلة على العبد ويكون نفس الثقل عقوبة عليه كسائر عقوبات جهنم من السلاسل والاغلال والعقارب والحيات فان قلت انما يقال فلان ذاق العذاب اذا ادرك شيأ قليلا منه واللّه تعالى قد وصف انهم كانوا فى اشد العذاب فكيف يحسن ان يذكر بعد ذلك انهم ذاقوا العذاب قلت المقصود من ذكر الذوق الاخبار بان احساسهم بالعذاب فى كل مرة كاحساس الذائق بالمذوق من حيث انه لا يدخله نقصان ولا زوال بسبب ذلك الاحتراق ودوام الملابسة ولعل السر فى تبديل الجلود مع قدرته تعالى على بقاء ادراك العذاب وذوقه بحاله مع الاحتراق او مع ابقاء ابدانهم على حالها مصونة عن الاحتراق ان النفس ربما تتوهم زوال الادراك بالاحتراق { ان اللّه كان عزيزا } لا يمتنع عليه شىء مما يريده بالمجرمين { حكيما } يعاقب من يعاقب على حكمته اعلم ان هذا العذاب والتبديل الذى فى الآخرة كان حاصلا له فى الدنيا ولكن لم يكن يذوقه كالنائم يجرح نفسه بحديدة فى يده فتكون الجراحة حاصلة له فى الدنيا ولكن لم يذق ألمها حتى ينتبه فالناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا فعلى العبد ان يعمل على وفق الشرع وخلاف النفس والهوى حتى يجعل اللّه تعالى باكسير الشرع نحاس الصفات الظلمانية النفسانية فضة الصفات النورانية الروحانية فاذا تخلص فى الدنيا من شوب المعصية باصلاح النفس والجريان على وفق الشرع لم يحتج فى الآخرة الى التهذيب والتنقيح بالنار روى ان اصحاب الكبائر من موحدى الامم كلها الذين ماتوا على كبائرهم غير تائبين ولا نادمين منهم من دخل النار فى الباب الاول فى جهنم حتى لا تزرق اعينهم ولا تسود وجوههم ولا يقرنون مع الشياطين ولا يغلون بالسلاسل ولا يجرعون الحميم ولا يلبسون القطران فى النار حرم اللّه تعالى اجسادهم ووجوههم على النار من اجل السجود فمنهم من تأخذه النار الى قدميه ومنهم من تأخذه النار الى ركبتيه ومنهم من تأخذه الى عنقه قدر ذنوبهم واعمالهم ثم ان منهم من يمكث فيها شهرا ومنها من يمكث فيها سنة ثم يخرج منها واطولهم فيها مكثا كقدر الدنيا منذ خلقت الى يوم تفنى وكان ابن السماك يقول فيما يعاتب نفسه يا نفس تقولين قول الزاهدين وتعملين عمل المنافقين وفى الجنة تطمعين ان تدخلين هيهات هيات ان للجنة قوما آخرين ولها اعمال غير ما تعملين ويحكك اخذت بزىّ كسرى وقيصر والفراعنة وتريدين ان ترافقى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى دار الجلال فاعرض نفسك على كتاب اللّه فيما وصف اولياءه واعداءه فانظر من اى الصنفين انت برادر زكار بدان شرم دار ... كه در روى نيكان شوى شر مسار نريزد خدا آب روى كسى ... كه ريزد كناه آب جشمش بسى وذكر عن يزيد بن مرثد انه كان لا تنقطع دموع عينيه ساعة ولا يزال باكيا فسئل عن ذلك فقال لو ان اللّه تعالى اوعدنى بانى لو اذنبت لحبسنى فى الحمام ابدا لكان حقيقا علىّ ان لا تنقطع دموعى فكيف وقد اوعدنى ان يحبسنى فى نار اوقد عليها ثلاثة آلاف سنة اوقد عليها الف سنة حتى احمرت ثم اوقد عليها الف سنة حتى ابيضت ثم اوقد عليها الف سنة حتى اسودت فهى سوداء كالليل المظلم قال ابو هريرة رضى اللّه عنه لا تغبطن فاجرا بنعمته فان وراءه طالبا حثيثا وهى جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا : قال الحافظ قدس سره قلندار حقيقت به نيم جو نخرند ... قباى اطلس آنكس كه ازهنر عاريست قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( من كانت همته الآخرة جمع اللّه شمله وجعل غناه فى قلبه وأتته الدنيا وهى راغمة ومن كانت همته الدنيا فرق اللّه عليه امره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا الا ما كتب اللّه له ) قال السعدى قدس سره آنكس ازدزد بيرسد كه متاعى دارد ... عارفان جمع نكردند وبريشانى نيست هركرا خيمه بصحراى قناعت زده اند ... كرجهان لرزه بكيرد غم ويرانى نيست ٥٧ { والذين آمنوا } باللّه وبمحمد والقرآن وسائر الآيات والمعجزات { وعملوا الصالحات } التى امر اللّه بها { سندخلهم جنات تجرى من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا } اى مقيمين فيها لا يخرجون منها ولا يموتون { لهم فيها ازواج مطهرة } اى مما نساء الدنيا عليه من الاحوال المستقذرة البدنية والادناس الطبيعية كالحيض والنفاس والحقد والحسد وغير ذلك { وندخلهم ظلا ظليلا } فينانا لا جوب فيه ودائما لا تنسخه الشمش اى لا تزيله وسجسجا وهو من الزمان ما لا حر فيه ولا برد ومن المكان ما لا سهولة فيه ولا حزونه. والظليل صفة مشتقة من لفظ الظل لتأكيد معناه كما يقال ليل أليل ويوم أيوم وما اشبه ذلك فان قلت اذا لم يكن فى الجنة شمس تؤذى بحرها فما فائدة وصفها بالظل الظليل وايضا يرى فى الدنيا ان المواضع التى يدوم الظل فيها ولا يصل نور الشمس اليها يكون هواؤها عفنا فاسدا فى الدنيا ان المواضع التى يدوم الظل فيها ولا يصل نور الشمس اليها يكون هواؤها عفنا فاسدا مؤذيا فما معنى وصف هواء الجنة بذلك قلت ان بلاد العرب كانت فى غاية الحرارة فكان الظل عندهم من اعظم اساب الراحة وهذا المعنى جعلوه كناية عن الراحة قال عليه السلام ( السلطان ظل اللّه فى الارض ) فاذا كان الظل عبارة عن الراحة كان الظل الظليل كناية عن المبالغة العظيمة فى الراحة قال الامام فى تفسيره هذا ما يميل اليه خاطرى قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( ان فى الجنة شجرة يسير الراكب فى ظلها مائة سنة ما يقطعها اقرأوا ان شئتم وظل ممدود وفى الجنة مالا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر اقرأوا ان شئتم فلا تعلم نفس ما اخفى لهم من قرة اعين فموضع سوط من الجنة خير من الدنيا وما فيها اقرأوا ان شئتم فمن زحزح عن النار وادخل الجنة فقد فاز ) قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( اهل الجنة شباب جعد مرد ليس لهم شعر الا فى الرأس والحاجبين واشفار العينين ) يعنى ليس لهم شعر عانة ولا شعر ابط ( على طول آدم عليه السلام ستون ذراعا وعلى مولد عيسى عليه السلام ثلاث وثلاثون سنة بيض الالوان خضر الثياب يوضع لأحدهم مائدة بين يديه فيقبل الطائر فيقول يا ولى اللّه اما انى قد شربت من عين السلسبيل ورعيت من رياض الجنة تحت العرش واكلت من ثمار كذا فاطعم منى فيطعم فيكون احد جانبيه مطبوخا والآخر مشويا فيأكل منهما ما شاء اللّه وعليه سبعون حلة ليس فيها حلة على لون آخر ) قال الفقيه ابو الليث من اراد ان ينال هذه الكرامة فعليه ان يداوم على خمسة اشياء. الاول ان يمنع نفسه من جميع المعاصى ونهى النفس بفرمود اللّه ... بايدت ترك هواى ترك كناه والثانى ان يرضى باليسير من الدنيا لان ثمن الجنة ترك الدنيا اين زن زانيه شوى كش دنيارا ... كر على وار طلاقش ندهم نامردم والثالث ان يكون حريصا على الطاعات فيتعلق بكل طاعة فلعل تلك الطاعة تكون سبب المغفرة ودخول الجنة عمل بايد اندر طريقت نه دم ... كه سودى ندارد دم بى قدم والرابع ان يحب الصالحين واهل الخير ويخالطهم ويجالسهم نخست موعظه بير مجلس اين حرفست ... كه از مصاحب ناجنس احتراز كنيد فلزم ان يكون مصاحب الانسان اهل خير لان الصحبة مؤثرة وان واحدا من الصلحاء اذا غفر اللّه له يشفع لاخوانه واصحاب اميدست ازانان كه طاعت كنند ... كه بى طاعتانرا شفاعت كنند والخامس ان يكثر الدعاء ويسأل اللّه تعالى ان يرزقه الجنة وان يجعل خاتمته فى الخير غنيمت شمارند مردان دعا ... كه جوشن بود بيش تير بلا ٥٨ { ان اللّه يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها } نزلت فى عثمان بن عبد الدار الحجبى وكان سادن الكعبة وذلك ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين دخل مكة يوم الفتح اغلق عثمان باب الكعبة وصعد السطح وابى ان يدفع المفتاح اليه وقال لو علمت انه رسول اللّه لم امنعه فلوى على بن ابى طالب كرم اللّه وجهه يده واخذه منه وفتح ودخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وصلى ركعتين فلما خرج سأله العباس ان يعطيه المفتاح ويجمع له السقاية والسدانة فنزلت فامر عليا ان يرده الى عثمان ويعتذر اليه فقال عثمان لعلى اكرهت وآذيت ثم جئت ترفق فقال لقد انزل اللّه تعالى فى شأنك قرآنا وقرأ عليه فقال عثمان اشهد ان لا اله الا اللّه وان محمدا رسول اللّه فهبط جبريل فاخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ان السدانة فى اولاد عثمان ابدا ثم ان عثمان هاجر ودفع المفتاح الى ابنه شيبة فهو فى ولده الى اليوم { واذا حكمتم } اى ويأمركم اذا قضيتم { بين الناس ان تحكموا بالعدل } والانصاف والتسوية { ان اللّه نعما يعظكم به } اى نعم شيأ ينصحكم به تأدية الامانة والحكم بالعدل فما نكرة بمعنى شىء ويعظكم به صفته والمخصوص بالمدح محذوف { ان اللّه كان سميعا } لما يقوله الخزنة { بصيرا } بما تعمله الامناء اى اعملوا بأمر اللّه ووعظه فانه اعلم بالمسموعات والمبصرات يجازيكم على ما يصدر منكم اعلم ان الامانة عبارة عما اذا وجب لغيرك عليك حق فاديت ذلك الحق اليه. والحكم بالحق عبارة عما اذا وجب للانسان على غيره حق فامرت من وجب عليه ذلك الحق بان يدفع الى من له ذلك الحق ولما كان الترتيب الصحيح ان يبذل الانسان نفسه فى جلب المنافع ودفع المضار ثم يشتغل بحال غيره لا جرم انه تعالى ذكر الامر بالامانة اولا ثم بعده ذكر الامر بالحكم بالحق ونزول هذه الآية عند القصة المذكورة لا يوجب كونها مخصوصة بهذه القصة بل يدخل فيه جميع انواع الامانات فاعلم ان معاملة الانسان اما ان تكون مع ربه او مع سائر العباد او مع نفسه ولا بد من رعاية الامانة فى جميع هذه الاقسام الثلاثة اما رعاية الامانة مع الرب فهى فعل المأمورات وترك المنهيات وهذا بحر لا ساحل له قال ابن مسعود الامانة فى كل شىء لازمة فى الوضوء والجنابة والصلاة والزكاة والصوم وغير ذلك. مثلا ان امانة اللسان ان لا يستعمله فى الكذب والغيبة والنميمة والكفر والبدعة والفحش وغيرها. وامانة العينين ان لا يستعملها فى النظر الى الحرام. وامانة السمع ان لا يستعمله فى سماع الملاهى والمناهى واستماع الفحش والاكاذيب وغيرها وكذا القول فى جميع الاعضاء : قال السعدى قدس سره زبان ازبهر شكر وسباش ... بغيبت نكرداندش حق شناس كذركاه قرآن وبندست كوش ... به بهتان وباطل شنيدن مكوش دوجشم ازبى صنع بارى نكوست ... نه عيب برادر بود كيردوست واما القسم الثانى وهو رعاية الامانة مع سائر الخلق فيدخل فيه رد الودائع ويدخل فيه ترك التطفيف فى الكيل والوزن ويدخل فيه ان لا يفشى على الناس عيوبهم ويدخل فيه عدل الامراء مع رعيتهم وعد العلماء مع العوام بان يرشدوهم الى اعتقادات واعمال تنفعهم فى دنياهم واخراهم ويدخل فيه امانة الزوجة للزوج فى حفظ فرجها وفى ان لا تلحق بالزوج ولدا تولد من غيره وفى اخبارها عن انقضاء عدتها واما القسم الثالث وهو امانة الانسان مع نفسه وهو ان لا يفعل الا ما هو الانفع والاصلح له فى الدين والدنيا وان لا يقدم بسبب الشهوة والغضب على ما يضره فى الآخرة ولهذا قال صلى اللّه عليه وسلم ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) قال عليه السلام ( لا ايمان لمن لا امانة له ولا دين لمن لا عهد له ) فعلى العبد المؤمن ان يؤدى الامانات كلها ما استطاع ويتعظ بمواعظ الحق فى كل زمان فان الوعظ نافع جدا امروز قدر بند عزيزان شناختم ... يارب روان ناصح ما ازتوشاد باد قاله الحافظ : وقال فى موضع بند حكيم محض صوابست ومحض خير ... فروخنده بخت آنكه بسمع رضا شنيد ثم ان من كان حاكما وجب عليه ان يحكم بالعدل ويؤدى الامانات الى اهلها قال الحسن ان اللّه اخذ على الحكام ثلاثا ان لا يتبعوا الهوى وان يخشوه ولا يخشوا الناس وان لا يشتروا بآياته ثمنا قليلا قال صلى اللّه عليه وسلم ( ينادى مناد يوم القيامة اين الظلمة واين اعوان الظلمة فيجمعون كلهم حتى من برى لهم قلما او لاق لهم دواة فيجمعون ويلقون فى النار ) قال السعدى قدس سره جهان نماند وآثار معدلت ماند ... بخيركوش وصلاح وبعدل كوش وكرم كه ملك ودولت ضحاك مردمان آزار ... نماند وتا بقيامت برو بماند رقم قال عليه السلام ( من دل سلطانا على الجور كان مع هامان وكان هو والسلطان من اشد اهل النار عذابا ) فمقتضى الايمان هو العدل والسببية للصلاح ونظام العالم واجراء الشرع والاحتراز عن الرشوة فان من اخذها لا يسامح فى الشرع وغضب الاسكندر يوما على بعض شعرائه فاقضاه وفرق ماله فى اصحابه فقيل له فى ذلك فقال اما اقضائى له فلجرمه واما تفريقى ماله فى اصحابه فلئلا يشفعوا فيه فانظر كيف كان اخذ المال سببا لعدم الشفاعة لانهم لو استشفعوا فى حقه فشفعوا لزم الاسترداد فلما طعموا تركوا الشفاعة ازتوكر انصاف آيد در وجود ... به كه عمرى در ركوع ودر سجود ٥٩ { يا ايها الذين آمنوا اطيعوا اللّه واطيعوا الرسول واولى الامر منكم } وهم امراء الحق وولاة العدل كالخلفاء الراشدين ومن يقتدى بهم من المهتدين واما امراء الجور فبمعزل من استحقاق العطف على اللّه والرسول فى وجوب الطاعة فانهم اللصوص المتغلبة لاخذهم اموال الناس بالقهر والغلبة وانما افرد بالذكر طاعة اللّه ثم جمع طاعة الرسول مع طاعة اولى الامر منكم تعليما للادب وهو ان لا يجمعوا فى الذكر بين اسمه سبحانه وبين اسم غيره واما اذا آل الامر الى المخلوقين فيجوز { فان تنازعتم فى شىء } اصل النزع الجذب لان المتنازعين يجذب كل واحد منهما الى غير جهة صاحبه اى ان اختلفتم انتم واولوا الامر منكم فى امر من امور الدين { فردوه الى اللّه } فارجعوا فيه الى كتاب اللّه { والرسول } اى الى سنته صلى اللّه عليه وسلم وتعلق اصحاب الظواهر بظاهر هذه الآية فى ان الاجتهاد والقياس لا يجوز لان اللّه تعالى امر بالرجوع الى الكتاب والسنة ولا يوجد فى كل حادثة نص ظاهر فعلم انه امر بالنظر فى مودوعاته والعمل على مدلولاته ومقتضياته ولكن الآية فى الحقيقة دليل على حجة القياس كيف لا ورد المختلف فيه الى المنصوص عليه انما يكون بالتمثيل والبناء عليه وهو المعنى بالقياس ويؤيده الامر به بعد الامر بطاعة اللّه وطاعة رسوله صلى اللّه عليه وسلم فانه يدل على ان الاحكام ثلاثة ثابت بالكتاب وثابت بالسنة وثابت بالرد اليهما بالقياس { ان كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر } فان الايمان بهما يوجب ذلك اما الايمان باللّه فظاهر واما الايمان باليوم الآخر فلما فيه من العقاب على المخالفة { ذلك } اى الرد الى الكتاب والسنة { خير } لكم من التنازع واصلح { واحسن } فى نفسه { تأويلا } اى عاقبة ومآلا ودلت الآية على ان طاعة الامراء واجبةت اذا وافقوا الحق فاذا خالفوه فلا طاعة لهم قال صلى اللّه عليه وسلم ( لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق ) وقال صلى اللّه عليه وسلم ( من عامل الناس فلم يظلمهم ومن حدثهم فلم يكذبهم ومن وعدهم فلم يخلفهم فهو من كملت مروءته وظهرت عدالته ووجبت اخوته ) ولا بد للامراء من خوف اللّه وخشيته باجراء الشرائع والاحكام واتباع سنن النبى عليه السلام حتى يملأ اللّه قلوب الناظرين اليهم رعبا وهيبة فحينئذ لا يحتاجون الى محافظة الصورة والهيئة الظاهرة روى ان كلب الروم ارسل الى عمر رضى اللّه عنه هدايا من الثياب والجبة فلما دخل الرسول الى المدينة قال اين دار الخليفة وبناؤه فقيل ليس له دار عظيم كما توهمت انما له بيت صغير فدلوه عليه فاتاه فوجد له بيتا صغيرا حقيرا قد اسود بابه لطول الزمان فطلبه فلم يصادفه وقيل انه خرج الى السوق لحاجته وحوائج المسلمين اى للاحتساب فخرج الرسول الى طلبه فوجده نائما تحت ظل حائط قد توسد بالدرة فلما رآه قال عدلت فامنت فنمت حيث شئت وامراؤنا ظلموا فاحتاجوا الى الحصون والجيوش : قال السعدى قدس سره بادشاهى كه طرح ظلم افكند ... باى ديوار ملك خويش بكند نكند جور بيشه سلطانى ... كه نيايد زكرك جوبانى ومن كلام اردشير الدين اساس الملك والعدل حارسه فما لم يكن له اس فمهدوم وما لم يكن له حارس فضائع وروى اى انو شروان كان له عامل على ناحية فكتب اليه يعلمه بجودة الريع ويستأذنه فى الزيادة على الرسول فامسك عن اجابته فعاوده العامل فى ذلك فكتب اليه قد كان فى ترك اجابتك ما حسبتك تنزجر به عن تكليف ما لم تؤمر به فاذن قد ابيت الا تماديا فى سوء الادب فاقطع احدى اذنيك واكفف عما ليس من شأنك فقطع العامل اذنه وسكت عن ذلك الامر وبالجملة فالظلم عار وجزاؤه نار والاجتناب منه واجب على كل عاقل واذا كان نية المؤمن العدل فليجانب اهل الظلم وليجتنب عن اطاعتهم فان الاطاعة لاهل الحق لا لغيرهم قال عليه السلام ( من اطاعنى فقد اطاع اللّه ومن عصانى فقد عصى اللّه ومن يطع الامير العادل فقد اطاعنى ومن يعص الامير فقد عصانى ) واعلم ان الولاة انما يكونون على حسب اعمال الرعايا واحوالهم صلاحا وفسادا روى انه قيل للحجاج بن يوسف لم لا تعدل مثل عمر وانت قد ادركت خلافته أفلم تر عدله وصلاحه فقال فى جوابهم تباذروا اى كونوا كأبى ذر فى الزهد والتقوى أتعمر لكم اى اعاملكم معاملة عمر فى العدل والانصاف وفى الحديث ( كما تكونون يولى عليكم احدكم ) يعنى ان تكونوا صالحين فيجعل وليكم رجلا صالحا وان تكونوا طالحين فيجعل وليكم رجلا طالحا وروى ان موسى عليه السلام ناجى ربه فقال يا رب ما علامة رضاك من سخطك فاوحى اليه [ اذا استعملت على الناس خيارهم فهو علامة رضايى واذا استعملت شرارهم فهو علامة سخطى ] ثم اعلم بان المراد باولى الامر فى الحقيقة المشايخ الواصلون ومن بيده امر التربية فان اولى امر المريد شيخه فى التربية فينبغى للمريد فى كل وارد حق يدق باب قلبه او اشارة او الهام او واقعة تنبئ عن اعمل او احوال فى حقه ان يضرب على محك نضر شيخه فما يرى فيه الشيخ من المصالح ويشير اليه او يحكم عليه يكون منقادا لاوامره ونواهيه لانه اولوا امره. واما الشيخ فاولوا امره الكتاب والسنة فينبغى له ان ما سنح له من الغيب بوارد الحق من الكشوف والشواهد والاسرار والحقائق يضرب على محك الكتاب والسنة فما صدقاه ويحكمان عليه فيقبله والا فلا لان الطريقة مقيدة بالكتاب والسنة كذا ذكره الشيخ الكامل نجم الدين الكبرى فى تأويلاته ٦٠ { ألم تر الى الذين يزعمون } اى يدعون والمراد بالزعم هنا الكذب لان الآية نزلت فى المنافقين { انهم آمنوا بما انزل اليك } اى بالقرآن { وما انزل من قبلك } اى بالتوراة وغيرها من الكتب المنزلة وكأنه قيل ماذا يفعلون فقيل { يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت } عن ابن عباس ان منافقا خاصم يهوديا فدعاه اليهودى الى النبى عليه السلام لانه كان يقضى بالحق ولا يلتفت الى الرشوة ودعاه المنافق الى كعب بن الاشرف لانه كان شديد الرغبة الى الرشوة واليهودى كان محقا والمنافق كان مبطلا ثم اصر اليهودى على قوله فاحتكما الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فحكم لليهودى فلم يرض المنافق وقال نتحاكم الى عمر فقال اليهودى لعمر قضى لى رسول اللّه فلم يرض بقضائه وخاصم اليك فقال عمر للمنافق أكذلك فقال نعم فقال مكانكما حتى اخرج اليكما فاشتمل على سيفه ثم خرج فضرب به عنق المنافق حتى مات وقال هكذا اقضى لمن لم يرض بقضاء اللّه وقضاء رسوله فنزلت فهبط جبرائيل عليه السلام وقال ان عمر فرق بين الحق والباطل فسمى الفاروق فالطاغوت كعب بن الاشرف سمى به لافراطه فى الطغيان وعداوة الرسول وفى معناه ومن يحكم بالباطل ويؤثر لاجله { وقد امروا ان يكفروا به } اى والحال انهم قد امروا ان يتبرأو من الطاغوت { ويريد الشيطان } اى كعب بن الاشرف او حقيقة الشيطان عطف على يريدون { ان يضلهم ضلالا بعيدا } اى اضلالا بعيدا لا غاية له فلا يهتدون ٦١ { واذا قيل لهم } اى للمنافقين { تعالوا } اى جيئوا { الى ما انزل اللّه } اى الى ما امره فى كتابه { والى الرسول } والى ما امره رسوله { رأيت المنافقين } اظهار المنافقين فى مقام الاضمار للتسجيل عليهم بالنفاق وذمهم به والاشعار بعلة الحكم والرؤية بصرية { يصدون عنك } حال من المنافقين { صدودا } اى يعرضون عنك اعراضا وأى اعراض ٦٢ { فكيف } يكون حالهم وكيف يصنعون يعنى انهم يعجزون عند ذلك فلا يصدرون امرا ولا يوردونه { اذا اصابتهم مصيبة } اى وقت اصابة المصيبة اياهم بافتضاحهم بظهور نفاقهم { بما قدمت ايديهم } بسبب ما عملوا من الجنايات التى من جملتها التحاكم الى الطاغوت وعدم الرضى بحكم الرسول { ثم جاؤك } للاعتذار عما صنعوا من القبائح وهو عطف على اصابتهم { يحلفون باللّه } حال من فاعل جاؤك { ان اردنا الا احسانا وتوفيقا } اى ما اردنا بتحاكمنا الى غيرك الا الفصل بالوجه الحسن والتوفيق بين الخصمين ولم نرد مخالفة لك ولا سخطا لحكمك فلا تؤاخذنا بما فعلنا وهذا وعيد لهم على ما فعلوا وانهم سيندمون عليه حين لا ينفعهم الندم ولا يغنى عنهم الاعتذار ٦٣ { اولئك } اى المنافقون { الذين يعلم اللّه ما فى قلوبهم } من النفاق فلا يغنى عنهم الكتمان والحلف الكاذب من العقاب { فاعرض عنهم } اى لا تقبل اعتذارهم ولا تفرج عنهم بدعائك { وعظهم } اى ازجرهم عن النفاق والكيد { وقل لهم فى انفسهم } اى فى حق انفسهم الخبيثة وقلوبهم المطوية على الشرور التى يعلمها اللّه تعالى او فى انفسهم خاليا بهم ليس معهم غيرهم مسارا بالنصيحة لانها فى السر انجع { قولا بليغا } مؤثرا واصلا الى كنه المراد مطابقا لما سيق له المقصود والقول البليغ بان يقول ان اللّه يعلم سركم وما فى قلوبكم فلا يغنى عنكم اخفاؤه فاصلحوا انفسكم وطهروا قلوبكم من رذيلة الكفر وداووها من مرض النفاق والا انزل اللّه بكم ما انزل بالمجاهرين بالشرك وشرا من ذلك واغلظ عسى ان تنجع فيهم الموعظة ٦٤ { وما ارسلنا من رسول الا ليطاع باذن اللّه } اى وما ارسلنا رسولا من الرسل لشىء من الاشياء الا ليطاع بسبب اذنه تعالى فى طاعته وامره المبعوث اليهم بان يطيعوه ويتبعوه لانه مؤد عنه تعالى وطاعته طاعة اللّه ومعصيته معصية اللّه { ولو انهم اذ ظلموا انفسهم } وعرضوها للعذاب بترك طاعتك والتحاكم الى غيرك { جاؤك } تائبين من النفاق { فاستغفروا اللّه } بالتوبة والاخلاص { واستغفر لهم الرسول } بان يسأل اللّه ان يغفر لهم عند توبتهم فان قلت لو تابوا على وجه صحيح لقبلت توبتهم فما الفائدة فى ضم استغفار الرسول الى استغفارهم قلت التحاكم الى الطاغوت كان مخالفة لحكم اللّه وكان ايضا اساءة الى الرسول عليه السلام وادخالا للغم الى قلبه عليه السلام ومن كان ذنبه كذلك وجب عليه الاعتذار عن ذلك الغير { لوجدوا اللّه } لصادفوه حال كونه تعالى { توابا } مبالغا فى قبول التوبة { رحيما } مبالغا فى التفضل عليهم بالرحمة بدل من توابا ٦٥ { فلا } اى ليس الامر كما يزعموا انهم آمنوا وهم يخالفون حكمك ثم استأنف القسم فقال { وربك لا يؤمنون حتى يحكموك } اى يجعلونك حكما يا محمد ويترافعوا اليك { فيما شجر بينهم } اى فيما اختلف بينهم من الامور واختلط ومنه الشجر لتداخل اغصانه { ثم لا يجدوا } عطف على مقدر ينساق اليه الكلام اى فتقضى بينهم ثم لا يجدوا { فى انفسهم حرجا } ضيقا { مما قضيت } اى مما قضيت به يعنى يرضون بقضائك ولا تضيق صدورهم من حكمك { ويسلموا تسليما } وينقادوا لك انقيادا بظاهرهم وباطنهم وفى هذه الآيات دلائل على ان من رد شيأ من اوامر اللّه واوامر الرسول صلى اللّه عليه وسلم فهو خارج عن الاسلام سواء رده من جهة الشك او من جهة التمرد وذلك يوجب صحة ما ذهبت الصحابة اليه من الحكم بارتداد مانعى الزكاة وقتلهم وسبى ذراريهم فاتباع الرسول عليه السلام فرض عين فى الفرائض العينية وفرض كفاية فى الفروض على سبيل الكفاية وواجب فى الواجبات وسنة فى السنن وهكذا ومخالفته تزيل نعمة الاسلام خلاف بيمبر كسى ره كزيد ... كه هر كز بمنزل نخواهد رسيد فالنبى صلى اللّه عليه وسلم هو الدليل فى طريق الحق ومخالفة الدليل ضلالة : قال الحافظ بكوى عشق منه بى راه قدم ... كه من بخويش نمودم صداهتمام ونشد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( لا يؤمن احدكم حتى يكون هواه تابعا لما جئت به ) وقال عليه السلام ( من ضيع سنتى ) اى جعلها ضائعة بعدم اتباعها ( حرمت عليه شفاعتى ) وقال صلى اللّه عليه وسلم ( من حفظ سنتى اكرمه اللّه تعالى باربع خصال. المحبة فى قلوب البررة. والهيبة فى قلوب الفجرة. والسعة فى الرزق. والثقة فى الدين ) فانما امته من اتبعه ولا يتبعه الا من اعرض عن الدنيا فانه عليه السلام ما دعا الا الى اللّه تعالى واليوم الآخر وما صرف الا عن الدنيا والحظوظ العاجلة فبقدر ما اعرضت عنها واقبلت على اللّه وصرفت الاوقات لاعمال الآخرة فقد سلكت سبيله الذى سلكه وبقدر ذلك اتبعته وبقدر ما اتبعته صرت من امته ولو انصفنا لعلمنا اننا من حين نمسى الى حين نصبح لا نسعى الا فى الحظوظ العاجلة ولا نتحرك الا لاجل الدنيا الفانية ثم نطمع فى ان نكون غدا من امته واتباعه روى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انه قال ( ليأتى على الناس زمان تخلق سنتى فيه وتتجدد فيه البدعة فمن اتبع سنتى يومئذ صار غريبا وبقى وحيدا ومن اتبع بدع الناس وجد خمسين صاحبا او اكثر ) فقال الصحابة يا رسول اللّه عليك السلام هل بعدنا احد افضل منا قال ( بلى ) قالوا أفيرونك يا رسول اللّه قال ( لا ) قالوا فكيف يكونون فيها قال ( كالملح فى الماء تذوب قلوبهم كما يذوب الملح فى الماء ) قالوا فكيف يعيشون فى ذلك الزمان قال ( كالدود فى الخل ) قالوا فكيف يحفظون دينهم يا رسول اللّه قال ( كالفحم فى اليد ان وضعته طفىء وان امسكته او عصرته احرق اليد ) وعن ابى بحيج العرباض بن سارية رضى اللّه عنه قال وعظنا رسول اللّه موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول اللّه كأنها موعظة مودّع فاوصنا قال ( اوصيكم بتقوى اللّه والسمع والطاعة وان تأمّر عليكم عبد وانه من يعيش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهتدين عضوا عليها بالنواجذ واياكم ومحدثات الامور فان كل بدعة ضلالة ) فعلى المؤمن ان يتبع سنة الرسول ويجتنب عن كل ما هو بدعة وضلالة ويصلح ظاهره بالشريعة وباطنه بالطريقة حتى ينال شفاعته صلى اللّه عليه وسلم يوم القيامة ويتخلص من عذاب النار ويدخل الجنة مع الابرار. فالمؤمن فى الآخرة فى الجنات كشجرة مثمرة لا تنفك عن البستان. والمنافق فى الدركات كشجرة غير مثمرة تقلع من البستان وتوقد بها النار : قال الفردوسى درختى كه شيرين بود باراو ... نكردد كسى كرد ازار او وكر زانك شيرين نباشدبرش ... زباى اندر آرند ناكه سرش بماند بباغ آن ودر آتش اين ... توخواهى جنان باش وخواهى جنين ٦٦ { ولو انا كتبنا عليهم } اى اوجبنا او فرضنا على هؤلاء المنافقين { ان اقتلوا انفسكم او اخرجوا من دياركم } كما اوجبناه على بنى اسرائيل حين طلبوا التوبة من ذنوبهم { ما فعلوه } اى المكتوب المدلول عليه بكتبنا { الا قليل منهم } الا ناس قليل منهم وهم المخلصون { ولو انهم فعلوا ما يوعظون به } من متابعة الرسول وطاعته والمشى تحت رايته والانقياط لما يراه ويحكم به ظاهرا وباطنا وسميت اوامر اللّه ونواهيه مواعظ لاقترانها بالوعد والوعيد والترغيب والترهيب { لكان } اى فعلهم ذلك { خيرا لهم } اى احمد عاقبة فى الدارين { واشد تثبيتا } لهم على الايمان وابعد من الاضطراب فيه ٦٧ { واذا } كأنه قيل وماذا يكون لهم بعد التثبيت فقيل واذا لو ثبتوا { لآتيناهم من لدنا } من عندنا { اجرا عظيما } ثوابا كثيرا فى الآخرة لا ينقطع ٦٨ { ولهديناهم صراطا مستقيما } يصلون بسلوكه الى عالم القدس ويفتح لهم ابواب الغيب قال صلى اللّه عليه وسلم ( من عمل بما علم ورثه اللّه علم ما لم يعلم ) واعلم ان قتل النفس فى الحقيقة قمع هواها التى هى حياتها وافناء صفاتها والخروج من الديار خروج من المقامات التى سكنت القلوب بها والفتها من الصبر والتوكل والرضى والتسليم وامثالها لكونها حاجبة عن التوحيد والفناء فى الذات كما قال الحسين بن منصور لابراهيم بن ادهم حين سأله عن حاله واجابه بقوله ادور فى الصحارى واطوف فى البرارى بحيث لا ماء ولا شجر ولا روض ولا مطر هل حالى حال التوكل او لا فقال اذا فنيت عمرك فى عمران باطنك فاين الفناء فى التوحيد جان عارف دوست را طالب شده ... نور حق باهستيش غالب شده برنو ذات از حجاب كبريا ... كرده اورا غره بحر فنا وعن ابراهيم بن ادهم قال دخلت جبل لبنان فاذا انا بشاب قائم وهو يقول يا من شوقى اليه وقلبى محب له ونفسى له خادم وكلى فناء فى ارادتك ومشيئتك فانت ولا غيرك متى تنجينى من هذه العذرة قلت رحمك اللّه ما علامة حب اللّه قال اشتهاء لقائه قلت فما علامة المشتاق قال لا له قرار ولا سكون فى ليل ولا نهار من شوقه الى ربه قلت فما علامة الفانى قال لا يعرف الصديق من العدو ولا الحلو من المر من فنائه عن رسمه ونفسهوجسمه قلت فماعلامة الخادم قال انه يرفع قلبه وجوارحه وطمعه من ثواب اللّه : قال الحافظ قدس سره توبند كى جو كدايان بشرط مزد مكن ... كهدوست خودروش بنده برورى داند قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( لا يكونن احدكم كالعبد السوء ان خاف عمل ولا كالاجير السوء ان لم يعط لم يعمل ) وبالجملة انه لا بد للسالك من اقامة وظائف العبادات والاوراد فان اللّه اودع انوار الملكوت فى اصناف الطاعات فان من فاته صنف او اعوزه من الموافقات جنس فقد من النور بمقدار ذلك وليس للوصول سبيل ولا الى الفناء دليل غير العبودية وترك ما سوى الحق بشب حلاج راديدند در خواب ... بريده سر بكف برجام جلاب بدو كفتند جونى سر بريده ... بكو تاجيست اين جام كزيده جنين كفت اوكه سلطان نكو نام ... بدست سر بريده ميدهد جام كسى اين جام معنى ميكند نوش ... كه كرداول سرخودرافراموش كما قيل من لم يركب الاهوال لم ينل الاموال فيا ايها العبد الذى لا يفعل ما يوعظ به ولا يخاف من ربه كيف تركت ما هو خير لك واعرضت عما ينفعك فليس لك الآن الا التوبة عما يوقعك فى المعاصى والمنهيات والرجوع الى اللّه بالطاعات والعبادات والفناء عن الذات بالاصغاء الى المرشد الرشيد الواصل الى سر التفريد وقبول امره وعظته وتسليم النفس الى تربيته ودوام المراقبة فى الطريق ومن اللّه التوفيق ٦٩ { ومن يطع اللّه والرسول } والمراد بالطاعة هو الانقياد التام والامتثال الكامل بجميع الاوامر والنواهى روى ان ثوبان مولى رسول اللّه اتاه يوما وقد تغير وجهه ونحل جسمه فسأله عن حاله فقال ما بى من وجع غير انى اذا لم ارك اشتقت اليك واستوحشت وحشة شديدة على لقائك ثم ذكرت الآخرة فخفت ان لا اراك هناك لانى عرفت انك ترفع مع النبيين وان ادخلت الجنة كنت فى منزل دون منزلتك وان لم ادخل فذاك حين لا اراك ابدا فنزلت فقال صلى اللّه عليه وسلم ( والذى نفسى بيده لا يؤمن عبد حتى اكون احب اليه من نفسه وابويه واهله وولده والناس اجمعين ) { فاولئك } اشارة الى المطيعين { مع الذين انعم اللّه عليهم } اى اتم اللّه عليهم النعمة وهذا ترغيب للمؤمنين فى الطاعة حيث وعدوا مرافقة اقرب عباد الى اللّه وارفعهم درجات عنده { من النبيين } بيان للمنعم عليهم وهم الفائزون بكمال العلم والعمل المتجاوزون حد الكمال الى درجة التكميل { والصديقين } المبالغين فى الصدق والاخلاص فى الاقوال والافعال الذين صعدت نفوسهم تارة بمراقى النظر فى الحجج والآيات واخرى بمعارج التصفية والرياضات الى اوج العرفان حتى اطلعوا على الاشياء واخبروا عنها على ما هى عليها { والشهداء } الذين ادى بهم الحرص على الطاعة والجد فى اظهار الحق حتى بذلوا مهجهم فى اعلاء كلمة اللّه { والصالحين } الذين صرفوا اعمارهم فى طاعته واموالهم فى مرضاته وليس المراد بالمعية الاتحاد فى الدرجة لان التساوى بين الفاضل والمفضول لا يجوز ولا مطلق الاشتراك فى دخول الجنة بل كونهم فيها بحيث يتمكن كل واحد منهم من رؤية الآخر وزيارته متى اراد وان بعد ما بينهما من المسافة { وحسن اولئك رفيقا } فى معنى التعجب كأنه قيل وما احسن اولئك رفيقا اى النبيين ومن بعدهم ورفيقا تمييز وافراده لما انه كالصديق والخليط والرسول يستوى فيه الواحد والمتعدد والرفيق الصاحب مأخوذ من الرفق وهو لين الجانب واللطافة فى المعاشرة قولا وفعلا ٧٠ { ذلك الفضل } مبتدأ والفضل صفته وهو اشارة الى ما للمطيعين من عظيم الاجر ومزيد الهداية ومرافقة هؤلاء المنعم عليهم { من اللّه } خبره اى لا من غيره { وكفى باللّه عليما } بجزاء من اطاعه وبمقاديرالفضل واستحقاق اهله. وهذه الآية عامة فى جميع المكلفين اذ خصوص السبب لا يقدح فى عموم اللفظ فكل من اطاع اللّه واطاع الرسول فقد فاز بالدرجات والمراتب الشريفة عند اللّه تعالى روى عن بعض الصالحين انه قال اخذتنى ذات ليلة سنة فنمت فرأيت فى منامى كأن القيامة قد قامت وكأن الناس يحاسبون فقوم يمضى بهم الى الجنة وقوم يمضى بهم الى النار قال فاتيت الجنة فناديت يا اهل الجنة بماذا نلتم سكنى الجنان فى محل الرضوان فقالوا لى بطاعة الرحمان ومخالفة الشيطان ثم اتيت باب النار فناديت يا اهل النار بماذا نلتم النار قالوا بطاعة الشيطان ومخالفة الرحمان كجا سربر آريم ازين عاروننك ... كه با او بصلحيم وباحق بجنك نظر دوست نادر كند سوى تو ... جودر روى دشمن بودروى تو قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( كل امتى يدخلون الجنة الا من ابى ) قيل ومن ابى قال ( من اطاعنى دخل الجنة ومن عصانى فقد ابى ) فعلى المرء ان يتبع الرسول ويتبع اولياء اللّه فان الانبياء لهم وحى الهى والاولياء لهم الهام ربانى والاتباع لهم لا يخلو عن الاتباع للرسول قال عليه السلام ( المرء مع من احب ) فان احب الانبياء والصديقين والشهداء والصالحين كان معهم فى الجنة وفى الآية تنبيه على انه ينبغى للعبد ان لا يتأخر من مرتبة الصلاح بل يسعى فى تكميل الصلاح ثم يترقى الى مرتبة الشهادة ثم الى الصديقية وليس بين النبوة وبين الصديقية واسطة رزقنا اللّه واياكم الفوز بهذا النعيم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( لا يزال العبد يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند اللّه صديقا ولا يزال يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند اللّه كذابا ) واقل الصدق استواء السر والعلانية والصادق من صدق فى اقواله والصديق من صدق فى جميع اقواله وافعاله واحواله وكان جعفر الخواص يقول الصادق لا تراه الا فى فرض يؤديه او فضل يعمل فيه وثمرات الصدق كثيرة فمن بركاته فى الدنيا انه حكى عن ابى عمر الزجاجى انه قال ماتت امى فورثت دارا فبعتها بخمسين دينارا وخرجت الى الحج فلما بلغت بابل استقبلنى واحد من القافلة وقال اى شىء معك فقلت من نفسى الصدق ثم قلت خمسون دينارا فقال ناولنيها فناولته الصرة فحلها فاذا هى خمسون وقال لى خذها فلقد اخذنى صدقك ثم نزل عن الدابة وقال اركبها فقلت لا اريد فقال لا والح فركبتها فقال وانا على اثرك فلما كان العام القابل لحق بى ولازمنى حتى مات : قال الحافظ قدس سره بصدق كوش كه خورشيد زايد ازنفست ... كه از دروغ سيه روى كشت صبح نخست ٧١ { يا ايها الذين آمنوا خذوا حذركم } اى تيقظوا واحترزوا من العدو ولا تمكنوه من انفسكم يقال اخذ حذره اذا تيقظ واحترز من المخوف كأنه جعل الحذر آلته التى يقى بها نفسه ويعصم بها روحه { فانفروا } فاخرجوا الى جهاد العدو { ثبات } جماعات متفرقة سرية بعد سرية الى جهات شتى وذلك اذا لم يخرج النبى عليه السلام. جمع ثبة وهى جماعة من الرجال فوق العشرة ومحلها النصب على الحالية { او انفروا جميعا } مجتمعين كوكبة واحدة ولا تتخاذلوا فتلقوا بانفسكم الى التهلكة وذلك اذا خرج النبى عليه السلام ٧٢ { وان منكم } خطاب لعسكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كلهم المؤمنين والمنافقين { لمن } الذى اقسم باللّه { ليبطئن } ليتأخرن عن الغزو ويتخلفن تثاقلا من بطأ لازم بمعنى ابطأ او ليبطئن غيره ويثبطه عن الجهاد وكان هذا ديدن المنافق عبد اللّه بن ابى وهو الذى يثبط الناس يوم احد والاول انسب لما بعده وهو قوله تعالى حكاية { يا ليتنى كنت معهم } وبالجملة المراد بالمبطئين المنافقون من العسكر لانهم كانوا يغزون نفاقا { فان اصابتكم مصيبة } نالتكم نكبة من الاعداء كقتل وهزيمة { قال } اى المبطىء فرحا بصنعه حامدا لربه { قد انعم اللّه على } اى بالقعود والتخلف عن القتال { اذ لم اكن معهم شهيدا } اى حاضرا فى المعركة فيصيبنى ما اصابهم ٧٣ { ولئن اصابكم فضل } كائن { من اللّه } كفتح وغنيمة { ليقولن } ندامة على تثبيطه وقعوده وتهالكا على حطام الدنيا وتحسرا على فواته { كأن لم تكن بينكم وبينه مودة } اعتراض وسط بين الفعل ومفعوله الذى هو { يا } قوم { ليتنى كنت معهم } فى تلك الغزوة { فافوز فوزا عظيما } اى آخذ حظا وافرا من الغنيمة وانما وسعه بينهما لئلا يفهم من مطلع كلامه ان تمنيه معية المؤمنين لنصرتهم ومظاهرتهم حسبما يقتضيه ما فى البين من المودة بل هو للحرص على المال كما ينطق به آخره وليس اثبات المودة فى البين بطريق التحقيق بل بطريق التهكم ٧٤ { فليقاتل فى سبيل اللّه الذين يشرون الحيوة الدنيا بالآخرة } اى يبيعونها بها ويأخذون الآخرة بدلها وهم المؤمنون فالفاء جواب شرط مقدر اى ان بطأ هؤلاء عن القتاتل فليقاتل المخلصون الباذلون انفسهم فى طلب الذين يشترونها ويختارونها على الآخرة وهم المبطئون فالفاء للتعقيب اى ليتركوا ما كانوا عليه من التثبيط والنفاق والقعود عن القتال فى سبيل اللّه { ومن يقاتل فى سبيل اللّه فيقتل او يغلب فسوف نؤتيه اجرا عظيما } لا يقادر قدره وعدله الاجر العظيم غلب او غلب ترغيبا فى القتال او تكذيبا لقولهم قد انعم اللّه على اذ لم اكن معهم شهيدا وانما قال فيقتل او يغلب تنبيها على ان المجاهد ينبغى ان يثبت فى المعركة حتى يعز نفسه بالشهادة او الدين بالظفر والغلبة ولا يخطر بباله القسم الثالث اصلا وان لا يكون قصده بالذات الى القتل بل الى اعلاء الحق واعزاز الدين قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( تكفل اللّه لمن جاهد فى سبيله لا يخرجه الا جهاد فى سبيله وتصديق كلمته ان يدخله الجنة او يرجعه الى مسكنه الذى خرج منه ) مع ما نال من اجر وغنيمة قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( جاهدوا المشركين باموالكم وانفسكم وألسنتكم ) وذلك بان تدعوا عليهم بالخذلان والهزيمة وللمسلمين بالنصر والغنيمة وتحرضوا القادرين على الغزو وفى الحديث ( من جهز غازيا فى سبيل اللّه فقد غزا ومن خلف غازيا فى سبيل اللّه بخير فقد غزا ) اى كان خلفا لاهل بيته فى اقامة حوائجهم وتتميم مصالحهم وفضائل الجهاد لا تكاد تضبط فعلى المؤمن ان يكون فى طاعة ربه بأى وجه كان من الوجوه التعبدية فان الآية الاولى وهى قوله { يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم } الآية وان نزلت فى الحرب لكن يقتضى اطلاق لفظها وجوب المبادرة الى الحيرات كلها كيفما امكن قبل الفوات مكن عمر ضايع بافسوس وحيف ... كه فرصت عزيزست والوقت سيف قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( بادروا بالاعمال قبل ان تجيئ فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسى كافرا او يمسى مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا ) وعن الزبير بن عدى قال اتينا انس بن مالك فشكونا اليه ما نلقى من الحجاج فقال اصبروا فانه لا يأتى زمان الا والذى بعده اشد منه شرا حتى تتقوا ربكم سمعته من نبيكم صلى اللّه عليه وسلم : قال الحافظ قدس سره روزى اكر غمى رسدت تنك دل مباش ... روشكركن مباد كه از بد بترشود واعلم ان العدة والسلاح فى جهاد النفس والشيطان يعنى آلة قتالهما ذكر اللّه وبه يتخلص الانسان من كونه اسير الهوى النفسانى قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( لا يقعد قوم يذكرون اللّه الا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم اللّه فيمن عنده ) وعن ابى واقد الحارث بن عوف رضى اللّه عنه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بينما هو جالس فى المسجد والناس معه اذا اقبل ثلاثة نفر فاقبل اثنان الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وذهب واحد فوقف على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فاما احدهما فرأى فرجة فى الحلقة فجلس فيها. واما الآخر فجلس خلفهم. واما الثالث فادبر ذاهبا فلما فرغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال ( ألا اخبركم عن النفر الثلاثة اما احدهم فاوى الى اللّه فآواه اللّه واما الآخر فاستحيى فاستحيى اللّه منه واما الآخر فاعرض فاعرض اللّه عنه ) بذكرش هرجه بينى درخروشست ... دلى داند درين معنى كه كوشست نه بلبل بركلش تسبيح خوانيست ... كه هر خارى بتوحيدش زبانيست ٧٥ { وما لكم } اى اى شىء حصل لكم من العلل ايها المؤمنون حال كونكم { لا تقاتلون فى سبيل اللّه } اى تاركين القتال يعنى لا عذر لكم فى ترك المقاتلة وهذا استفهام بمعنى التوبيخ ولا يقال ذلك الا عند سبق التفريط { والمستضعفين } عطف على السبيل بحذف المضاف لا على اسم اللّه وان كان اقرب لان خلاص المستضعفين سبيل اللّه لا سبيلهم والمعنى فى سبيل اللّه وفى خلاص الذين استضعفهم الكفار بالتعذيب والاسر وهم الذين اسلموا بمكة وصدهم المشركون عن الهجرة فبقوا بين اظهرهم مستذلين مستضعفين يلقون منهم الاذى الشديد وانما خصهم بالذكر مع ان سبيل اللّه عام فى كل خير لان تخليص ضعفة المسلمين من ايدى الكفار من اعظم الخير واخصه { من الرجال والنساء والولدان } بيان للمستضعفين والولدان الصبيان جمع ولد وانما ذكرهم معهم تسجيلا بافراط ظلمهم حيث بلغ اذاهم الولدان غير المكلفين ارغاما لآبائهم وامهاتهم ومبغضة لهم لمكانهم ولان المستضعفين كانوا يشركون صبيانهم فى دعائهم استنزالا لرحمة اللّه بدعاء صغارهم الذين لم يذنبوا كما فعل قوم يونس وكما وردت السنة باخراجهم فى الاستسقاء ودلت الآية على ان استنقاذ الاسارى من المسلمين من ايدى الكفار واجب بما قدروا عليه من القتال واعطاء المال { الذين } صفة للمستضعفين { يقولون } يعنى لا حيلة لهؤلاء المستضعفين ولا ملجأ الا اللّه فيقولون داعين { ربنا اخرجنا من هذه القرية } مكة { الظالم اهلها } بالشرك الذى هو ظلم عظيم وباذية المسلمين { واجعل لنا من لدنك وليا } اى ول علينا واليا من المؤمنين يوالينا ويقوم بمصالحنا يحفظ علينا ديننا وشرعنا { واجعل لنا من لدنك نصيرا } ينصرنا على اعدائنا ولقد استجاب اللّه دعاءهم حيث يسر لبعضهم الخروج الى المدينة قبل الفتح وجعل لمن بقى منهم الى الفتح خير ولى واعز ناصر ففتح مكة على يدى نبيه صلى اللّه عليه وسلم فتولاهم اى تولية ونصرهم اى نصرة ثم استعمل عليهم عتاب بن اسيد فجعل يضعف قدر الضعيف للحق ويعز العزيز بالحق فرأوا منه الولاية والنصرة كما ارادوا حتى صاروا اعز اهلها ٧٦ { الذين آمنوا يقاتلون فى سبيل اللّه } اى المؤمنون انما يقاتلون فى دين اللّه الحق الموصل لهم الى اللّه عز وجل فى اعلاء كلمته فهو وليهم وناصرهم لا محالة { والذين كفروا يقاتلون فى سبيل الطاغوت } اى فيما يوصلهم الى الشيطان فلا ناصر لهم سواه { فقاتلوا اولياء الشيطان } كأنه قيل اذا كان الامر كذلك فقاتلوا يا اولياء اللّه اولياء الشيطان { ان كيد الشيطان } الكيد السعى فى فساد الحال على جهة الاحتيال { كان ضعيفا } اى ان كيده للمؤمنين بالاضافة الى كيد اللّه بالكافرين ضعيف لا يؤبه به فلا تخافوا اولياءه فان اعتمادهم على اضعف شىء واوهنه وهذا كما يقال للحق دولة وللباطل جولة قالوا ادخال كان فى امثال هذه المواقع لتأكيد بيان انه منذ كان كان كذلك فالمعنى ان كيد الشيطان منذ كان كان موصوفا بالضعف قال الامام فى تفسيره { ان كيد الشيطان كان ضعيفا } لان اللّه ينصر اولياءه والشيطان ينصر اوليائه ولا شك ان نصرة الشيطان لاوليائه اضعف من نصرة اللّه لاوليائه ألا ترى ان اهل الخير والدين يبقى ذكرهم الجميل على وجه الدهر وان كانوا حال حياتهم فى غاية الفقر والذلة. واما الملوك والجبابرة فاذا ماتوا انقرضوا ولا يبقى فى الدنيا رسمهم ولا طللّهم. قيل النار حفت بالشهوات وان فى كل نفس شيطانا يوسوس اليها وملكا يلهمها الخير فلا يزال الشيطان يزين ويخدع ولا يزال الملك يمنعها ويلهمها الخير فايهما كانت النفس معه كان هو الغالب. قيل ان كيد الشيطان والنفس بمثابة الكلب ان قاومته مزق الاهاب وقطع الثياب وان رجعت الى ربه صرفه عنك برفق فاللّه تعالى جعل الشيطان عدوا للعباد ليوحشهم به اليه وحرك عليهم النفس ليدوم اقبالهم عليه فكلما تسلطا عليهم رجعوا اليه بالافتقار وقاموا بين يديه على نعت اللجأ والاضطرار قال احمد بن سهل اعداؤك اربعة. الدنيا وسلاحها لقاء الخلق وسجنها العزلة. والشيطان وسلاحه الشبع وسجنه الجوع. والنفس وسلاحها النوم وسجنها السهر. والهوى وسلاحه الكلام وسجنه الصمت واعلم ان كيد الشيطان ضعيف فى الحقيقة فان اللّه ناصر لاوليائه كل حين ويظهر ذلك الامداد فى نفوسهم بسبب تزكيتهم النفس وتخلية القلب عن الشواغل الدنيوية وامتلاء اسرارهم بنور التوحيد فان الشيطان ظلمانى يهرب من النورانى لا محالة روى ان عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه استأذن يوما على النبى عليه السلام وعنده نساء من قريش يسألنه عالية اصواتهن على صوته فلما دخل ابتدرن الحجاب فجعل صلى اللّه عليه وسلم يضحك فقال ما اضحكك يا رسول اللّه بابى انت وامى فقال صلى اللّه عليه وسلم ( عجبت من هؤلاء اللاتى كن عندى فلما سمعن صوتك بادرن الحجاب ) فقال عمر انت احق ان يهبن يا رسول اللّه ثم اقبل عليهن فقال اى عدوات انفسهن أتهبننى ولا تهبن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقلن انت افظ واغلظ من رسول اللّه فقال عليه السلام ( يا ابن الخطاب فوالذى نفسى بيده ما لقيك الشيطان سالكا فجا الا سلك فجا غير فجك ) وروى عن وهب بن منبه انه قال كان عابد فى بنى اسرائيل اراد الشيطان ان يضله فلم يستطع من اى جهة اراده من الشهوة والغضب وغير ذلك فاراده من قبل الخوف وجعل يدلى الصخرة من الجبل فاذا بلغه ذكر اللّه تباعد عنه ثم تماثل بالحية وهو يصلى فجعل يلتوى على رجليه وجسده حتى يبلغ رأسه وكان اذا اراد السجود التوى فى موضع رأسه فجعل ينحيه بيده حتى يتمكن من السجود فلما فرغ من صلاته وذهب جاء اليه الشيطان فقال له فعلت لك كذا وكذا فلم استطع منك على شىء فاريد ان اصادقك اى ان اكون صديقا لك فانى لا اريد ضلالتك بعد اليوم فقال العابد مالى حاجة فى مصادقتك فقال الشيطان ألا تسألنى بأى شىء اضل به بنى آدم قال نعم قال بالشح والحدة والسكر فان الانسان اذا كان شحيحا قللنا ماله في عينه فيمنعه من حقوقه ويرغب فى اموال الناس كريمانرا بدست اندر درم نيست ... خداوندان نعمت را كرم نيست وقيل فى بعض الاشعار باشد جوابربى مطر وبحر بى كهر ... آنراكه باجمال نكوجود بارنيست واذا كان الرجل حديدا ادرناه بيننا كما يدير الصبيان الاكرة ولو كان يحيى الموتى لم نبال به اكر آيد زدوستى كنهى ... بكناهى نشايد آزردن ورزبانرا بعذر بكشايد ... بايدت خشم را فرخوردن زانكه نزديك عاقلان بترست ... عفو ناكردن از كنه كردن واما اذا سكر قدناه الى كل شىء كما تقاد العنز باذنها مى مزيل عقل شد اى ناخلف ... تابجندى ميخورى در روزكار آدمى را عقل بايد دربدن ... ورنه جان دركالبد دارد حمار فعلى العاقل ان يجاهد فى سبيل اللّه فان المجاهدة على حقيقتها تقوى الروح الضعيف الذى استضعفه النفس بالاستيلاء عليه ويتضرع الى اللّه بالصدق والثبات حتى يخرج من قرية البدن الظالم اهلها وهو النفس الامارة بالسوء ويتشرف بولاية اللّه تعالى فى مقام الروح رزقنا اللّه واياكم فتح باب الفتوح آمين يا ميسر كل عسير ٧٧ { ألم تر الى الذين قيل لهم كفوا ايديكم } روى ان ناسا اتوا النبى صلى اللّه عليه وسلم بمكة قبل ان يهاجر الى المدينة وشكوا اليه ما يلقون من اذى المشركين قالوا كنا فى عز فى حالة الجاهلية والآن صرنا اذلة فلو اذنت لنا قتلنا هؤلاء المشركين على فرشهم فقال صلى اللّه عليه وسلم ( كفوا ايديكم ) اى امسكوا ( عن القتال ) { واقيموا الصلوة وآتوا الزكوة } واشتغلوا بما امرتم به فانى لم أومر بقتالهم وكانوا فى مدة اقامتهم بمكة مستمرين على تلك الحالة فلما هاجروا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الى المدينة وامروا بالقتال فى وقت بدر كرهه بعضهم وشق ذلك عليه لكن لا شكا فى الدين ولا رغبة عنه بل نفورا من الاخطار بالارواح وخوفا من الموت بموجب الجبلة البشرية لان حب الدنيا والنفرة من القتل من لوازم الطباع وذلك قوله تعالى { فلما كتب عليهم القتال } اى فرض عليهم الجهاد { اذا فريق } اذا للمفاجأة وفريق مبتدأ { منهم } صفة { يخشون الناس } خبره والجملة جواب لما اى فاجأ فريق منهم ان يشخوا الكفار ان يقتلوهم { كخشية اللّه } مصدر مضاف الى المفعول محله النصب على انه حال من فاعل يخشون اى يخشونهم متشبهين باهل خشية اللّه تعالى { او اشد خشية } عطف عليه بمعنى او اشد خشية من اهل خشية اللّه وكلمة او للتنويع على معنى ان خشية بعضهم كخشية اللّه او خشية بعضهم اشد منها { وقالوا } عطف على جواب لما اى فلما كتب عليهم القتال فاجأ فريق منهم خشية الناس وقالوا { ربنا لم كتبت علينا القتال } فى هذا الوقت لا على وجه الاعتراض على حكمه تعالى والانكار لا يجابه بل على طريقة تمنى التخفيف { لولا أخرتنا الى اجل قريب } اى هلا امهلتنا وتركتنا الى الموت حتى نموت بآجالنا على الفراش وهذا استزادة فى مدة الكف واستمهال الى وقت آخر حذرا من الموت وحبا للحياة { قل } اى تزهيدا لهم فيما يؤملونه بالقعود من المتاع الفانى وترغيبا فيما ينالونه بالقتال من النعيم الباقى { متاع الدنيا قليل } اى ما يتمتع وينتفع به فى الدنيا سريع النقض وشيك الانصرام وان اخرتم الى ذلك الاجل ولو استشهدتم فى القتال صرتم احياء فتتصل الحياة الفانية بالحياة الباقية { والآخرة } اى ثوابها الذى من جملته الثواب المنوط بالقتال { خير } لكم من ذلك المتاع القليل لكثرته وعدم انقطاعه وصفائه عن الكدورات وانما قيل { لمن اتقى } حثا لهم على اتقاء العصيان والاخلاص بمواجب التكليف { ولا تظلمون فتيلا } عطف على مقدر اى تجزون ولا تنقصون ادنى شىء من اجور اعمالكم التى من جملتها مسعاتكم فى شأن القتال فلا ترغبوا عنه اعلم ان الآخرة خير من الدنيا لان نعم الدنيا قليلة ونعم الآخرة كثيرة ونعم الدنيا منقطعة ونعم الآخرة مؤبدة ونعم الدنيا مشوبة بالهموم والغموم والمكاره ونعم الآخرة صافية عن الكدروات ونعم الدنيا مشكوكة فان اعظم الناس تنعما لا يعرف انه كيف تكون عاقبته فى اليوم الثانى ونعم الآخرة يقينية فعلى العاقل ان يختار ما هو خير من كل وجه وهو الآخرة على ما هو شر من كل جهة وهو الدنيا : قال السعدى فى بعض قصائده عمارت باسراى ديكر انداز ... كه دنيارا اساسى نيست محكم فريدون را سرآمد بادشاهى ... سليمانرا برفت ازدست خاتم وفادارى مجوى ازدهر خونخوار ... محالست انكبين دركام ارقم مثال عمر سر بركرده شمعيست ... كه كوته باز مى باشد دمادم ويا برفى كدازان بر سركوه ... كز هر لحظه جزئى ميشودكم روى ان رجلا اشترى دارا فقال لعلى رضى اللّه عنه اكتب القبالة فكتب [ بسم اللّه الرحمن الرحيم اما بعد فقد اشترى مغرور من مغرور دارا دخل فيها فى سكة الغافلين لا بقاء لصاحبها فيها الحد الاول ينتهى الى الموت والثانى الى القبر والثالث الى الحشر والرابع الى الجنة او الى النار والسلام ] فقرأ على الرجل فرد الدار وتصدق بالدنانير كلها وتزهد فى الدنيا فهذا هو حال العارفين حقيقة الحال قال القشيرى رحمه اللّه مكنك من الدنيا ثم قللّها فلم يعدها لك شيأ ثم لو تصدقت منها بشق تمرة استكثر منك وهذا غاية الكرم وشرط المحبة وهو استقلال الكثير من نفسه واستكثار القليل من حبيبه واذا كان قيمة الدنيا قليلة فاخس من الخسيس من رضى بالخسيس بدلا من النفس وقال ان اللّه تعالى اختطف المؤمن من الكون بالتدريج فقال اولا { قل متاع الدنيا قليل } فاختطفهم من الدنيا بالعقبى ثم استلبهم عن الكونين بقوله { واللّه خير وابقى } فلا بد للسالك ان يترقى الى اعلى المنازل ويسعى من غير فتور وكلال : قال مولانا جلال الدين قدس سره اى برادر بى نهايت دركهيست ... هركجاكه مى رسى باللّه مايست وثمرة المجاهدة لا تضيع البتة بل تجزى كل نفس بما عملت قال بعض المشايخ انما جعل الدار الآخرة محلا لجزاء عباده المؤمنين لان هذه الدار لا تسع ما يريد ان يعطيهم ظاهرا وباطنا وكل ما فى الجنة لا يوافق ما فى الدنيا الا من حيث التسمية ولانه تعالى اجل اقدارهم عن ان يجازيهم فى دار لا بقاء لها قال تعالى { وما عند اللّه خير وابقى } ثم الجزاء فى تلك الدار له علامة فى هذه الدار وهى انه من وجد ثمرة عمله عاجلا وهى الحلاوة فيه والتوفيق لغيره والشكر عليه فهو دليل على وجود القبول لان الجزاء على ذلك مقصور قال ابراهيم بن ادهم لو يعلم الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف وقال بعضهم ليس شىء من البر الا ودونه عقبة يحتاج الى الصبر فيها فمن صبر على شهدتها افضى الى الراحة والسهولة وانما هى مجاهدة النفس ثم مخالفة الهوى ثم المكابدة فى ترك الدنيا ثم اللذة والتنعم وانما يطيع العبد ربه على قدر منزلته منه فمن سره ان يعوف منزلته عند اللّه فلينظر كيف منزلة اللّه فى قلبه وقيل لبعضهم هل تعرف اللّه فغضب وقال ترانى اعبد من لا اعرف قال له السائل او تعصى من تعرف : قال السعدى قدس سره عمرى كه ميرود بهمه حال سعى كن ... تادر رضاى خالق بيجون بسر برى وقال ايضا بير بودى وره ندانستى ... تونه بيرى كه طفل كتابى ٧٨ { أينما تكونوا يدرككم الموت } المقدر بالاجل او العذاب وفى لفظ الادراك اشعار بانهم فى الهرب منه وهو مجد فى طلبهم وهو كلام مبتدأ لا محل له من الاعراب { ولو كنتم فى بروج مشيدة } اى وان كنتم فى قصور عالية الى السماء محكمة بالشيد وهو الجص لا يصعد اليها بنو آدم قال مجاهد فى هذه الآية كان فيمن قبلكم امرأة وكان لها اجير فولدت جارية فقالت لاجيرها اقتبس لنا نارا فخرج فوجد بالباب رجلا فقال له الرجل ما ولدت هذه المرأة قال جارية قال اما هذه الجارية لا تموت حتى تزنى بمائة ويتزوجها اجيرها ويكون موتها بالعنكبوت فقال الاجير فى نفسه فانا اريد هذه بعد ان تفجر بمائة لاقتلنها فاخذ شفرة فدخل فشق بطن الصغيرة وخرج على وجهه وركب البحر وخيط بطن الصبية فعولجت وبرئت وشبت فكانت تزنى فاتت ساحلا من ساحل البحر فاقامت عليه تزنى ولبث الرجل ما شاء اللّه ثم قدم ذلك الساحل ومعه مال كثير فقال لامرأة من اهل الساحل اطلعى لى امرأة من اجمل النساء اتزوجها فقالت ههنا امرأة من احمل النساء ولكنها تفجر فقال ائتينى بها فاتتها فقالت قد قدم رجل له مال كثير وقال لى كذا وكذا فقالت انى تركت الفجور ولكن ان اراد ان يتزوجنى تزوجته قال فتزوجها فوقعت منه موقعا فبينما هو يوما عندها اذا اخبرها بامره فقالت انا تلك الجارية وارته الشق فى بطنها وقد كنت افجر فما ادرى بمائة او اقل او اكثر فقال زوجها فى نفسه ان الرجل الذى كان خارج الباب قال يكون موتها بالعنكبوت ثم اخبرها بذلك قال فبنى لها برجا فى الصحراء وشيده فبينما هى يوما فى ذلك البرج اذا عنكبوت فى السقف فقالت هذا يقتلنى لاقتلنه اذ لا يقتله احد غيرى فحركته فسقط فاتته فوضعت ابهام رجلها عليه فشدخته فساح سمه بين ظفرها واللحم فاسودت رجلها فماتت وفى ذلك نزلت هذه الآية { اينما تكونوا يدرككم الموت } واجمعت الامة على ان الموت ليس له سن معلوم ولا اجل معلوم ولا مرض معلوم وذلك ليكون المرء على اهبة من ذلك مستعدا لذلك قال عليه السلام ( اكثروا ذكر هاذم اللذات ) يعنى الموت وهو كلام مختصر وجيز قد جمع التذكرة وابلغ فى الموعظة فان من ذكر الموت حقيقة ذكره نغص عليه اللذة الحاضرة ومنعه من تمنيها فى المستقبل وزهده فيما كان منها يؤمل ولكن النفوس الراكدة والقلوب الغافلة تحتاج الى تطويل الوعاظ وتزويق الالفاظ والا ففى قوله عليه السلام ( اكثروا ذكر هاذم اللذات ) مع قوله تعالى { كل نفس ذائقة الموت } ما يكفى السامع ويشغل الناظر فيه : قال الحافظ قدس سره سبهر برشده برويزنست خون افشان ... كه ريزه اش سركسرى وتاج برويزست قال السعدى قدس سره جهان اى بسر ملك جاويد نيست ... زدنيا وفادارى اميد نيست نه برباد رفتى سحركاه وشام ... سرير سليمان عليه السلام بآخر نديدى كه برباد رفت ... خنك آنكه بادانش وداررفت والاشارة فى الآية ان يا اهل البطاله فى زى الطلبة الذين غلب عليكم الهوى وحبب اليكم الدنيا فاقعدكم عن طلب المولى ثم رضيتم بالحياة الدنيا واطمأننتم بها { اينما تكونوا يدرككم الموت } اضطرارا ان لم تموتوا قبل ان تموتوا اختيارا { ولو كنتم فى بروج مشيدة } اى اجساد مجسمة قوية امزجتها اوصلنا اللّه واياكم الى حقيقة الفناء والبقاء آمين { وان تصبهم حسنة } اى نعمة كخصب { يقولوا هذه من عند اللّه } نسبوها الى اللّه { وان تصبهم سيئة } بلية كقحط { يقولوا هذه من عندك } اضافوها اليك يا محمد وقالوا ان هى الا بشؤمك كما قالت اليهود منذ دخل محمد المدينة نقضت ثمارها وغلت اسعارها { قل كل } من الحسنة والسيئة { من عند اللّه } يبسط ويقبض حسب ارادته { فمال هؤلاء القوم } اى اى شىء حصل لليهود والمنافقين من العلل حال كونهم { لا يكادون يفقهون حديثا } اى لا يقربون من فهم حديث عن اللّه تعالى كالبهائم ولو فهموا لعلموا ان الكل من عند اللّه والفقه هو الفهم ثم اختص من جهة العرف بعلم الفتوى ٧٩ { ما اصابك } يا انسان { من حسنة } من خير ونعمة { فمن اللّه } تفضلا منه فان كل ما يفعله الانسان من الطاعة لا يكافىء نعمة الوجود فكيف يقتضى غيره ولذلك قال عليه السلام ( ما احد يدخل الجنة الا برحمة اللّه ) قيل ولا انت قال ( ولا انا الا ان يتغمدنى اللّه برحمته ) { وما اصابك من سيئة } من بلية وشىء تكرهه { فمن نفسك } لانها السبب فيها لاستجلابها المعاصى وهو لا ينافى قوله { كل من عند اللّه } فان الكل منه ايجادا وايصالا غير ان الحسنة احسان وامتنان والسيئة مجازاة وانتقام كما قالت عائشة رضى اللّه عنها ما من مسلم يصيبه وصب ولا نصب حتى الشوكة يشاكها وحتى انقطاع شسع نعله الا بذنب وما يغفر اللّه اكثر واعلم ان للاعمال اربع مراتب. منها مرتبتان للّه تعالى وليس للعبد فيهما مدخل وهما التقدير والخلق. ومنها مرتبتان للعبد هما الكسب والفعل فان اللّه تعالى منزه عن الكسب وفعل السيئة وانهما يتعلقان بالعبد ولكن العبد وكسبه مخلوق خلقه اللّه تعالى كما قال { واللّه خلقكم وما تعملون } فهذا تحقيق قوله { قل كل من عند اللّه } اى خلقا وتقديرا لا كسبا وفعلا فافهم واعتقد فانه مذهب اهل الحق وارباب الحقيقة كذا فى التأويلات النجمية قال الضحاك ما حفظ الرجل القرآن ثم نسيه الا بذنب ثم قرأ { وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم } قال فنسيان القرآن من اعظم المصائب { وارسلناك للناس رسولا } اى رسولا للناس جميعا لست برسول للعرب وحدهم بل انت رسول العرب والعجم كقوله تعالى { وما ارسلناك الا كافة للناس } فرسولا حال قصد قها تعميم الرسالة والجار متعلق بها قدم عليها للاختصاص { وكفى باللّه شهيدا } على رسالتك بنصب المعجزات وفى التأويلات النجمية يشير بقوله تعالى { وارسلناك للناس رسولا } اى الناس الذين قد نسوا اللّه ونسوا ما شاهدوا منه وما عاهدوا عليه اللّه وارسلناك اليهم لتبلغهم كلامنا وتذكرهم ايامنا وتجدد لهم عهودنا وترغبهم فى شهودنا وتدعوهم الينا وتهديهم الى صراطنا وتكون لهم سراجا منيرا يهتدون بهداك ويتبعون خطاك الى ان توصلهم الى الدرجات العلى وتنزلهم فى المقصد الاعلى { وكفى باللّه شهيدا } اى شاهدا لاحبائه واوليائه لئلا يكتفوا براحة دون لقائه انتهى : قال الحافظ قدس سره يوسف عزيزم رفت اى برادر آن زجمن ... كزغمش عجب ديدم حال بير كنعان وفى الآية تعليم الادب ورؤية التأثير من اللّه تعالى روى ان ابا بكر رضى اللّه عنه ابتلى بوجع السن سبع سنين فاعلمه جبريل رسلو اللّه صلى اللّه عليه وسلم وسأل عليه السلام عن حاله فقال ( لم لم تذكر يا ابا بكر ) فقال كيف اشكوا مما جاء من الحبيب فلا بد من التخلق بالاخلاق الحسنة لان الكل من عند اللّه وانما ارسل اللّه رسوله لاخراج الناس من الظلمات الى النور فاذا تأدبوا بالآداب النبوية وصلوا الى الحقيقة المحمدية : قال الشيخ العطار دعوتش فرمود بهر خاص وعام ... نعمت خودرا برو كرده تمام مبعث او سر نكونىء بتان ... امت او بهترين امتان بريمان دو كتف خورشيد وار ... داشته مهر نبوت آشكار وكان خاتم النبوة بين كتفيه صلى اللّه عليه وسلم اشارة الى عصمته من وسوسة الشيطان لان الخناس يجيىء من بين الكتفين فيدخل خرطومه قبل قلب الانسان فيوسوس اليه فاذا ذكر اللّه خنس وراءه وكان حول خاتم النبوة شعرات مائلة الى الخضرة مكتوب عليه [ محمد نبى امين ] وقيل غير ذلك والتوفيق بين الروايات بتعدد الخطوط وتنوعها بحسب الحالات والتجليات او بالنسبة الى انظار الناظرين. ثم انه قد اتفق اهل العلم على افضلية شهر رمضان لانه انزل فيه القرآن ثم شهر ربيع الاول لانه مولد حبيب الرحمن. واما افضل الليالى فقيل ليلة القدر لنزول القرآن فيها وقيل ليلة المولد المحمدى لولاه ما انزل القرآن ولا تعينت ليلة القدر فعلى الامة تعظيم شهر المولد وليلته كى ينالوا منه شفاعته ويصلوا الى جواره ٨٠ { من يطع الرسول فقد اطاع اللّه } لانه فى الحقيقة مبلغ والآمر هو اللّه تعالى روى انه عليه السلام قال ( من احبنى فقد احب اللّه ومن اطاعنى فقد اطاع اللّه ) فقال المنافقون لقد قارف الشرك وهو ينهى عنه ما يريد الا ان نتخذه ربا كما اتخذت النصارى عيسى فنزلت { ومن تولى } اى اعرض عن طاعته { فما ارسلناك عليهم حفيظا } تحفظ عليهم اعمالهم وتحاسبهم عليها انما عليك البلاغ وعلينا الحساب. قوله حفيظا حال من كاف ارسلناك وعليهم متعلق بحفيظا ٨١ { ويقولون } اذا امرتهم بأمر { طاعة } اى امرنا وشأننا طاعة { فاذا برزوا من عندك } اى خرجوا { بيت طائفة منهم غير الذى تقول } اى زورت خلاف ما قلت لها يا محمد فالضمير للخطاب او ما قالت لك من ضمان الطاعة فالضمير للغيبة واشتقاق البيت من البيتوتة ولما كان غالب الافكار التى يسقتصى فيها الانسان واقعا فى الليل اذ هناك يكون الخاطر اصفى والشواغل اقل سمى الفكر المستقصى مبيتا { واللّه يكتب ما يبيتون } يثبته فى صحائف اعمالهم للمجازاة { فاعرض عنهم } قلل المبالاة بهم { وتوكل على اللّه } فى الامور كلها سيما فى شأنهم { وكفى باللّه وكيلا } يكفيك معرتهم وينتقم لك منهم اذا قوى امر الاسلام وعز انصاره. والوكيل هو العالم بما يفوض اليه من التدبير { أفلا يتدبرون القرآن } يتأملون فى معانيه ويتبصرون ما فيه واصل التدبير النظر فى ادبار الشىء وما يؤول اليه فى عاقبته ومنتهاه ثم استعمل فى كل تأمل { ولو كان من عند غير اللّه } اى ولو كان من كلام البشر كما زعم الكفار { لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } من تناقض المعنى وتفاوت النظم وكان بعضه فصيحا وبعضه ركيكا وبعضه يصعب معارضته وبعضه يسهل ومطابقة بعض اخبار المستقبلة للواقع دون بعض وموافقة العقل لبعض احكامه دون بعض على ما دل عليه الاستقراء لنقصان القوة البشرية وهل يجوز ان يقال بعض كلام اللّه ابلغ من بعض قال الامام السيوطى فى الاتقان جوزه قوم لقصور نظرهم فينبغى ان يعلم ان معنى قول القائل هذا الكلام ابلغ من هذا الكلام ان هذا فى موضعه له حسن ولطف وبلاغة وذاك فى موضعه له حسن ولطف وهذا الحسن فى موضعه اكمل وابلغ من ذلك فى موضعه فلا ينبغى ان يقال ان { قل هو اللّه احد } ابلغ من { تبت } بل ينبغى ان يقال { تبت يدا ابى لهب } دعاء عليه بالخسران فهل توجد عبارة للدعاء بالخسران احسن من هذه وكذلك فى { قل هو اللّه احد } لا توجد عبارة تدل على وحدانيته ابلغ منها فالعالم اذا انظر الى { تبت يدا ابى لهب } فى باب الدعاء بالخسران ونظر الى { قل هو اللّه احد } فى باب التوحيد لا يمكنه ان يقول احدهما ابلغ من الآخر وقال بعض المحققين كلام اللّه فى اللّه افضل من كلامه فى غيره ف { قل هو اللّه احد } افضل من { تبت يدا ابى لهب } لان فيه فضيلة الذكر وهو كلام اللّه وفضيلة المذكور وهو اسم ذاته وتوحيده وصفاته والايجابية والسلبية وسورة تبت فيها فضيلة الذكر فقط وهو كلام اللّه تعالى قال الغزالى فى جوهر القرآن ومن توقف فى تفضيل الآيات اول قوله عليه السلام ( افضل سورة واعظم سورة ) بانه اراد فى الاجر والثواب لا ان بعض القرآن افضل من بعض فالكل فى فضل الكلام واحد والتفاوت فى الاجر لا فى كلام اللّه تعالى من حيث هو كلام اللّه القديم القائم بذاته تعالى انتهى يقول الفقير جامع هذه المجالس النفيسة قولهم ان هذه الآية فى غاية الفصاحة كما قال القاضى عند قوله تعالى { وقيل يا ارض ابلعى ماءك } الآية يشعر بجواز القول بالتفاوت فى طبقات الفصاحة كما عليه علماء البلاغة ومن هنا : قال من قال دربيان ودرفصاحت كى بوديكسان سخن ... كرجه كوينده بود جون جاحظ وجون اصمعى در كلام ايزد بيجون كه وحى منزلست ... كى بود تبت يدا مانند يا ارض ابلعى قال العلماء القرآن يدل على صدقه عليه السلام من ثلاثة اوجه. احدها اطراد الفاظه فى الفصاحة. وثانيها اشتماله على الاخبار عن الغيوب. والثالث سلامته من الاختلاف وسبب سلامته منه على ما ذهب اليه اكثر المتكلمين ان القرآن كتاب كبير مشتمل على انواع كثيرة من العلوم فلو كان ذلك من عند غير اللّه لوقع فيه انواع من الكلمات المتناقضة لان الكتاب الكبير الطويل لا ينفك عن ذلك ولما لم يوجد فيه ذلك علمنا انه ليس من عند غير اللّه وانما هو وحى اوحى اليه عليه السلام من عند اللّه بوساطة جبرائيل فمن اطاعه فيه فقد اطاع اللّه والاطاعة سبب لنيل المطالب الدنيوية والاخروية ويرشدك على شرف الاطاعة ان كلب اصحاب الكهف لما تبعهم فى طاعة اللّه وعدله دخول الجنة : كما قال السعدى سك اصحاب كهف رزوى جد ... بى مردم كرفت ومردم شد فاذا كان من تبع المطيعين كذلك فما ظنك بالمطيعين وكما ان من صلى ولم يؤد الزكاة لم تقبل منه الصلاة ومن شكر اللّه فى نعمائه ولم يشكر الوالدين لا يقبل منه فكذلك من اطاع اللّه ولم يطع الرسول لا يقبل منه والاشارة ان الرسول صلى اللّه عليه وسلم كان لوصفه بالفناء فانيا فى اللّه باقيا باللّه قائما مع اللّه فكان خليفة اللّه على الحقيقة فيما يعامل الخلق حتى قال { وما رميت اذ رميت ولكن اللّه رمى } وكان اللّه خليفته فيما يعامله الخلق حتى قال { ان الذين يبايعونك انما يبايعون اللّه } ولهذا كان يقول صلى اللّه عليه وسلم ( اللّه خليفتى على امتى ) { فمن تولى فما ارسلناك عليهم حفيظا } فانك لست حافظا فكيف لهم فانهم تولوا عنى لا عنك فانما على حسابهم لا عليك وفى قوله تعالى { ويقولون طاعة } اشارة الى احوال اكثر مريدى هذا الزمان اذا كانوا حاضرين فى الصحبة ينعكس تلألؤ اشعة انوار الولاية فى مرآة قلوبهم فيزدادون ايمانا مع ايمانهم ورادة مع ارادتهم فيصغون بآذانهم الواعية الى الحكم والمواعظ الحسنة ترى اعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق ويقولون السمع والطاعة فيما يسمعون ويخاطبون به { فاذا برزوا من عندك } وهب لهم رياح الهوى وشهوة الحرص وتمايلت قلوبهم عن مجازات القرار على الولاية وعاد المشئوم الى طبعه { بيت طائفة منهم غير الذى تقول واللّه يكتب ما يبيتون } اى يغير عليهم ما يغيرون على انفسهم لان اللّه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم { فاعرض عنهم } فاصفح عنهم واصبر معهم { وتوكل على اللّه } لعل اللّه يصلح بالهم ولا يجعل التغيير وبالهم ويحسن عاقبتهم ومآلهم { وكفى باللّه وكيلا } للمتوكلين عليه والملتجئين اليه ثم اخبر عن الدواء كما اخبر عن الداء بقوله { أفلا يتدبرون القرآن } والاشارة ان العباد لو كانوا يتدبرون القرآن ويتفكرون فى آثار معجزاته وانوار هداياته ونظم آياته وكمال فصاحته وجمال بلاغته وجزالة الفاظه ورزانة معانيه ومتانة مبانيه وفى اسراره وحقائقه ودقة اشاراته ولطائفه وانواع معالجاته لامراض القلوت من اصابة ضرر الذنوب لوجدوا فيه لكل داء دواء ولكل مرض شفاء ولكل عين قرة ولكل وجه غرة ولرأوا كأسه موصوفا بالصفاء محفوظا من القذى بحرا لا تنقضى عجائبه وبرا لا تنتفى غرائبه روحا لا تباغض فيه ولا خلاف وجثة لا تناقض فيها ولا اختلاف { ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } ولم يجدوا فيه نقيرا ولا قطميرا انتخبته من التأويلات النجمية : وفى المثنوى جون تودر قرآن حق بكريختى ... باروان انيبا آميختى هست قرآن حالهاى انيبا ... ماهيان بحر باك كبريا وربخوانى ونه قرن بزير ... انبياو اوليارا ديده كير ٨٣ { واذا جاءهم } اى بلغ ضعفة المسلمين { امر من الامن او الخوف } اى خبر من السرايا الذين بعثهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من ظفر وغنيمة او نكبة وهزيمة { اذاعوا به } اى افشوا ذلك الخبر واظهروه لعدم خبرتهم بالاحوال واستنباطهم للامور وكانت اذا عتهم مفسدة يقال اذاع السرور اذاع به والباء مزيدة { ولو ردوه } اى ذلك الخبر { الى الرسول والى اولى الامر منهم } بترك التعرض له وجعله بمنزلة غير المسموع وتفويض امره الى رأى الرسول صلى اللّه عليه وسلم ورأى كبار اصحابه كالخلفاء الاربعة او رأى امراء السرايا فكبار الصحابة اولوا امر على معنى انهم البصراء بالامور وان لم يكن لهم امر على الناس والامراء اولوا الامر على الناس مع كونهم بصراء بالامور { لعلمه } اى لعلم تدبير ما اخبروا به على اى وجه يذكرونه { الذين } اى الرسول واولوا الأمر الذين { يستنبطونه منهم } اى يستخرجون تدبيره بتجاربهم وانظارهم الصحيحة ومعرفتهم بامور الحرب ومكايدها واصل الاستنباط اخراج النبط وهو الماء يخرج من البئر اول ما تحفر يقال انبط الحفار اذا بلغ الماء وسمى القوم الذين ينزلون بالبطائح بين العراقين نبطا لاستنباطهم الماء من الارض وقيل كانوا يقفون من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم واولى الامر على امن ووثوق بالظهور على بعض الاعداء او على خوف واستشعار فيذيعونه فينشر فيبلغ الاعداء فتعود اذاعتهم مفسدة ولو ردوه الى الرسول والى اولى الامر منهم وفوضوه اليهم وكانوا كأن لم يسمعوا لعلمه الذين يستنبطون تدبيره كيف يدبرونه وما يأتون ويذرون منه فالمراد بالمستنبطين منهم على كلا الوجهين الرسول واولوا الامر. ومن فى قوله يستنبطونه منهم اما تبعيضية واما بيانية تجريدية وفى الآية نهى عن افشاء السر قيل لبعض الادباء كيف حفظك للسر قال انا قبره ومن هذا قيل صدور الابرار قبور الاسرار وفى المثنوى وربكوئى بايكى دو الوداع ... كل سر جاوز الاثنين شاع نكته كان جست ناكه اززبان ... همجوتيرى دان كه جست آن ازكمان وانكردد ازره آن تيراى بسر ... بند بايد كرد سيلى را زسر وفى الآية اشارة الى ارباب السلوك اذا فتح لهم باب من الانس او الهيبة او الحضور او الغيبة من آثار صفات الجمال والجلال اشاعوه الى الاغيار ولو كان رجوعهم فى حل هذه المشكلات الى سنن الرسول صلى اللّه عليه وسلم والى سير اولى الامر منهم وهم المشايخ البالغون الواصلون ومن كان له شيخ كامل فهو ولى امره لعلمه الذين يستنبطونه منهم وهم ارباب الكشوف بحائق الاشياء فهم الغواصون فى بحار اوصاف البشرية المستخرجون من اصداف العلوم درر حقائق المعرفة { ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته } بارسال الرسول وانزال الكتاب { لاتبعتم الشيطان } بالكفر والضلال { الا قليلا } اى الا قليلا منكم فان من خصه اللّه بعقل راجح وقلب غير متكدر بالانهماك فى اتباع الشهوات يهتدى الى الحق والصواب ولا يتبع الشيطان ولا يكفر باللّه وان فرض عدم انزال القرآن وبعثة سيدنا محمد صلى اللّه عليه وسلم كزيد بن عمرو بن نفيل وورقة بن نوفل وغيرهما ممن كان على دين المسيح قبل بعثته وقال الشيخ نجم الدين قدس سره فى تأويلاته لعل الاستثناء راجع الى الصديق رضى اللّه عنه فانه كان قبل مبعث النبى عليه السلام يوافقه فى طلب الحق قالت عائشة رضى اللّه عنها لم اعقل ابوى قط الا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم الا يأتينا فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم طرفى النهار بكرة وعشيا وروى عن النبى عليه السلام ( كنت وابو بكر كفرسى رهان سبقته فتبعنى ولو سبقنى لتبعته ) وفى الحقيقة كان النبى عليه السلام فضل اللّه ورحمته يدل عليه قوله تعالى { هو الذى بعث فى الاميين رسولا منهم يتلو } الى قوله { ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء } وقوله تعالى { وما ارسلناك الا رحمة للعالمين } فلولا وجود النبى عليه السلام وبعثته لبقوا فى تيه الضلالة تائهين كما قال تعالى { ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفى ضلال مبين } يعنى قبل بعثته وكانوا قد اتبعوا الشيطان الى شفا حفرة من النار وكان وكان عليه السلام فضلا ورحمة عليهم فانقذهم منها كما قال تعالى { وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها } قال الشيخ العطار قدس سره خويشتن راخواجه عرصات كفت ... انما انا رحمة مهدات كفت وقال حضرة الهدايى قدس سره سرمايه سعادت عالم محمداست ... مقصود ازين طينت آدم محمد است درصورت آدم آمد اكرجه مقدما ... درمعنى بيشواومقدم محمد است كرجه هدايى رسالت مكرم است ... محبوب حق محمد وخاتم محمد است قال بعض الحكماء ان اللّه تعالى خلق محمدا صلى اللّه عليه وسلم فجعل رأسه من البركة وعينيه من الحياء واذنيه من العبرة ولسانه من الذكر وشفتيه من التسبيح ووجهه من الرضى وصدره من الاخلاص وقلبه من الرحمة وفؤاده من الشفقة وكفيه من السخاوة وشعره من نبات الجنة وريقه من عسل الجنة فلما اكمله بهذه الصفة ارسله الى هذه الامة فقال هذا هديتى اليكم فاعرفوا قدر هديتى وعظموه كذا فى زهرة الرياض وقيل فى وجه عدم ارتحال جسده الشريف النظيف من الدنيا ان عيسى عليه السلام قد عرج الى السماء بجسده انما بقى جسمه الطاهر هنا لاصلاح عالم الاجساد وانتظامه فانه مظهر الذات وطلسم الكائنات فجميع الانتظام بوجوده الشريف كذا فى الواقعات المحمودية نقلا عن حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس اللّه سره آمين آمين يا رب العالمين ٨٤ { فقاتل فى سبيل اللّه } الفاء جزائية والجملة جواب لشرط مقدر اى ان تثبط المنافقون وقصر الآخرون وتركوك وحدك فقاتل انت يا محمد وحدك فى الطريق الموصل الى رضى اللّه وهو الجهاد ولا تبال بما فعلوا { لا تكلف الا نفسك } مفعول ثان للفعل المخاطب المجهول اى الا فعل نفسك لا يضرك لمخالفتهم وتقاعدهم فتقدم الى الجهاد وان لم يساعدك احد فان اللّه ناصرك لا الجنود. والتكلف اسم لما يفعل بمشقة او بتصنع فالمحمود منه ما فعل بمشقة حتى الف ففعل بمحبة كالعبادات والمذموم منه ما يتعاطى تصنعا ورياء { وحرض المؤمنين } على القتال اى رغبهم فيه بذكر الثواب والعقاب او بوعد النصرة والغنيمة وما عليك فى شأنهم الا التحريض فحسب لا التعنيف بهم روى ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم واعد ابا سفيان بعد حرب احد موسم بدر الصغرى فى ذى القعدة وهى سوق من المدينة على ثمانية اميال ويقال لها حمراء الاسد ايضا فلما بلغ الميعاد دعا الناس الى الخروج فكرهه بعضهم فانزل اللّه هذه الآية فخرج صلى اللّه عليه وسلم فى سبعين راكبا فكفاهم اللّه القتال كما قال { عسى اللّه ان يكف } اى يمنع { بأس الذين كفروا } البأس فى الاصل المكروه ثم وضع موضع الحرب والقتال قال تعالى { لا يأتون البأس الا قليلا } وعسى من اللّه واجب لانه فى اللغة الاطماع والكريم اذا اطمع انجز وقد فعل حيث القى فى قلوب الكفرة الرعب حتى رجعوا من مر الظهران ويروى ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وافى بجيشه بدرا وقام بها ثمانى ليال وكان معهم تجارات فباعوها واصابوا خيرا كثيرا وقد مر فى سورة آل عمران { واللّه اشد بأسا } اى من قريش { واشد تنكيلا } اى تعذيبا وعقوبة ينكل من يشاهدها عن مباشرة ما يؤدى اليها ويجوز ان يكونا جميعا فى الدنيا وان يكون احدهما فى الدنيا والآخر فى العقبى ثم له ثلاثة اوجه. احدها ان معناه ان عذاب اللّه تعالى اشد من جميع ما ينالكم بقتالهم لان مكروههم ينقطع ثم تصيرون الى الجنة وما يصل الى الكفار والمنافقين من عذاب اللّه يدوم ولا ينقطع. والثانى لما كان عذاب اللّه اشد فهو اولى ان يخاف ولا يجرى فى امره بالقتال منكم خلاف وهذا وعيد. والثالث لما كان عذاب اللّه اشد فهو يدفعهم عنكم ويكفيكم امرهم وهذا وعد وانما جبن المتقاعدون لشدة بأس الكفار وصولتهم ولكن اللّه قاهر فوق عباده وقوة اليقين رأس مال الدين والموت تحفة المؤمن الكامل خصوصا اذا كان فى طريق الجهاد والدنيا سريعة الزوال ولا تبقى على كل حال وكان عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه كثيرا ما ينشد هذه الابيات لا شىء مما نرى تبقى بشاشته ... يبقى الاله ويردى المال والولد لم تغن عن هرمز يوما خزائنه ... والخلد قد حاولت عاد فما خلدوا ولا سليمان اذ تجرى الرياح له ... والانس والجن فيما بينها ترد اين الملوك التى كانت لعزتها ... من كل اوب اليها وافد يفد حوض هنالك مورود بلا كذب ... لا بد من ورده يوما كما وردوا وفى التأويلات النجمية { فقاتل فى سبيل اللّه لا تكلف الا نفسك } المعنى فجاهد فى طلب الحق نفسك فان فى طلب الحق لا تكلف نفسا اخرى الا نفسك وفيه معنى آخر لا تكلف نفس اخرى بالجهاد لاجل نفسك لان حجابك من نفسك لا من نفس اخرى فدع نفسك وتعالى فانك صاحب يوم لا تملك نفس لنفس شيأ وذلك لانه صلى اللّه عليه وسلم اختص بهذا المقام من جميع الانبياء والمرسلين وان يكون فانى النفس والذى يدل عليه ان الانبياء يوم القيامة يقولون لبقاء نفوسهم نفسى نفسى ويقول النبى عليه السلام لفناء نفسه امتى امتى فافهم جدا ثم قال { وحرض المؤمنين } على القتال يعنى فى الجهاد الاصغر والجهاد الاكبر { عسى اللّه ان يكف بأس الذين كفروا } ظاهرا وباطنا فالظاهر الكفار والباطن النفس { واللّه اشد بأسا واشد تنكيلا } فى استيلاء سطوات صفات قهره عند تجلى صفة جلاله للنفس من بأس الكافر عليها انتهى : وفى المثنوى اندرين ره مى تراش و مى خراش ... تادم آخر دمى فارغ مباش اى شهان كشتيم ما خصمى برون ... ماند خصمى زوان بتردراندرون كشتن اين كارعقل وهوش نيست ... شيرباطن سخره خركون نيست سهل شيرى دانكه صفها بشكند ... شير آنست آنكه خودرا بشكند ٨٥ { من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها } وهو ثواب الشفاعة والتسبب الى الخير الواقع بها والشفاعة الحسنة هى التى روعى بها حق مسلم ودفع بها عنه شر او جلب اليه خير وابتغى بها وجه اللّه تعالى ولم تؤخذ عليها رشوة وكانت فى امر جائز لا فى حد من حدود اللّه ولا فى حق من الحقوق { ومن يشفع شفاعة سيئة } وهى ما كانت بخلاف الحسنة { يكن له كفل منها } اى نصيب من وزرها مساو لها فى المقدار من غير ان ينقص منه شىء وعن مسروق انه شفع شفاعة فاهدى اليه المشفوع له جارية فغضب وردها وقال لو علمت ما فى قلبك لما تكلمت فى حاجتك لا اتكلم فيما بقى منها ومن بلاغات الزمخشرى شيآن شينان فى الاسلام الشفاعة فى الحدود والرشوة فى الاحكام والحدود عقوبة مقدرة يجب على الامام اقامتها حقا للّه تعالى لئلا يتضرر العباد فالتعزير ليس بحد اذ ليس له قدر معين فان اكثره تسعة وثلاثون سوطا واقله ثلاثة وكذا القصاص لا يسمى حدا لانه حق العبد وهو ولى القصاص ولهذا سقط بالعفو والاعتياض فحد الزنى لغير المحصن مائة جلدة ولعبد نصفها وحد شرب الخمر ثمانون سوطا للحر واربعون للعبد مفرقا على بدنه كما فى حد الزنى وحد القذف كحد الشرب فمن قذف محصنا او محصنة بصريح الزنى حد بطلب المقذوف المحصن لان فيه حق العبد من حيث دفع العار عنه وكذا طلب المسروق منه شرط القطع فى السرقة فهذه حدود لا يجرى فيها الشفاعة اذ الحق علم القاضى بالواقعة ولهذا قال فى ترجمة وصايا الفتوحات المكية [ ونزيدك حاكم در حدود اللّه شفاعت مكن از ابن عباس رضى اللّه عنهما در خواست كردند در اب دزدى شفاعت كند ابن عباس رضى اللّه عنهما كفت هركه شفاعت كند وهركه قبول كند هردودر لعنت اندر اكرييش آزانكه بحاكم معلوم نشود ميكفتيد مى شد ] انتهى ولما كانت الشفاعة فى القصاص غير الشفاعة فى الحدود قال صلى اللّه عليه وسلم ( ما من صدقة افضل من صدقة اللسان ) قيل وكيف ذلك قال ( الشفاعة يحقن بها الدم ويجر بها المنفعة الى آخر ويدفع بها المكروه عن آخر ) ذكره الامام الغزالى رحمه اللّه وافصح الحديث عن ان الشفاعة هى التوسط بالقول فى وصول شخص الى منفعة من المنافع الدنيوية او الاخروية وخلاصه من مضرة ما كذلك واذا كانت فى امر غير مشروع ولا تكون صدقة بل سيئة وذكر فى ترجمة الوصايا ايضا [ جون براى كسى شفاعت كنى وكار اوساخته شود زنهار هدية او قبول مكن كه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انرا جمله ربا نهاده است شيخ اكبر قدس سره الاطهر فرمودكه دربعض بلاد عرب يكى ازاعيان مرابخانه خود دعوت كرد وترتيبى كرده بود وكرامتى مهيا داشته جون طعام احضار كردند اورا بسلطان بلند حاجتى بود ازمن طلب شفاعت كرد وسخن من نزد سلطان درغايت قبول بود شيخ فرمود كه اورا كفتم نعم وبر خاستم وطعام نخوردم وهدايا قبول نكردم وحاجت اوييش سلطان كزاردم واملاك وى بوى باز كشت ومرا هنوز حديث نبوى وقوف نبود ولكن مروءت من جنين تقاضا كرد واستنكاف كردم كه كسى را بمن حاجتى باشد وازوى بمن نفعى عائد شود ودر حقيقت آن عنايت وعصمت حق بود ] انتهى وبالجملة ينبغى للمؤمن ان يشفع للجانى الى المجنّى عليه بل ومن حقوق الاسلام ان يشفع لكل من له حاجة من المسلمين الى من له عنده منزلة ويسعى فى قضاء حاجته بما يقدر عليه : قال السعدى قدس سره كر ازحق نه توفيق خيرى رسد ... كى ازبنده خيرى بغيرى رسد اميداست از آنانكه طاعت كنند ... كه بى طاعتا نرا شفاعت كنند ومن الشفاعة الحسنة الدعاء للمسلم فانه شفاعة الى اللّه تعالى وعن النبى عليه السلام ( من دعا لاخيه المسلم بظهر الغيب استجيب له وقال له الملك ولك مثل ذلك ) وهذا بيان لمقدار النصيب الموعودة والدعوة على المسلم بضد ذلك وانما يستجاب الدعاء بظهر الغيب لعبده عن شائبة الطمع والرياء بخلاف دعاء الحاضر لانه قلما يسلم من ذلك فالغائب لا يدعو للغائب الا للّه خالصا فيكون مقبولا والصلاة على النبى صلى اللّه عليه وسلم فى الصلاة وغيرها دعاء من العبد المصلى لمحمد صلى اللّه عليه وسلم عن ظهر الغيب فشرع ذلك رسول اللّه وامر اللّه به فى قوله تعالى { ان اللّه وملائكته يصلون على النبى يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } ليعود هذا الخير من الملك على المصلى ولهذا جوز الحنفية قراءة الفاتحة لروحه المطهر عليه السلام ومنعها الشافعية لان الدعاء بالترحم يوهم التقصير ولذا لا يقال عند ذكر الانبياء رحمة اللّه عليهم بل عليهم السلام والجواب ان نفع القراءة يعود على القارىء فأى ضرر فى ذلك { وكان اللّه على كل شىء مقيتا } اى مقتدرا مجازيا بالحسنة والسيئة من اقات على الشىء اذا اقتدر عليه او شهيدا حفيظا قال الامام الغزالى فى شرح الاسماء الحسنى معنى المقيت خالق الاقوات وموصلها الى الابدان وهى الاطعمة والى القلوب وهى المعرفة فيكون بمعنى الرازق الا انه اخص منه اذ الرزق يتناول القوت وغير القوت والقوت ما يكتفى به فى قوام البدن او يكون معناه المستولى على الشىء القادر عليه والاستيلاء يتم بالقدرة والعلم وعليه يدل قوله تعالى { وكان اللّه على كل شىء مقيتا } اى مطلعا قادرا فيكون معناه راجعا الى العلم والقدرة فوصفه بالمقيت اتم من وصفه بالقادر وحده وبالعالم وحده لانه دال على اجتماع المعنيين وبذلك يخرج هذا الاسم من الترادف والاشارة فى الآية { من يشفع شفاعة حسنة } لايصال نوع من الخيرات الى الغير { يكن له نصيب منها } فانها من خصوصيتها ان يكون له نصيب منها اى له نصيب من هذه الحسنة فمن تلك الخصوصية قد يشفع شفاعة حسنة { ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له } اى فى جبلته { كفل منها } يعنى من تلك السيئة التى هى ايصال نوع من الشر فيها قد يشفع شفاعة سيئة كما قال تعالى { والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه والذى خبث لا يخرج الا نكدا } { وكان اللّه } فى الازل { على كل شىء مقيتا } شهيدا فى ايجاد المحسن والمسيىء مقتدرا عليما حفيظا يعطيهما استعداد شفاعة حسنة وسيئة لا يقدران اليوم على تبديل استعدادهما لقابلية الخير والشر فافهم جدا : قال الحافظ قدس سره نقش مستورى ومستى نه بدست من وتست ... آنجه استاد ازل كفت بكن آن كردم وقال السعدى قدس سره كرت صورت حال بد يانكوست ... نكاريده دست تقدير اوست ٨٦ { واذا حييتم بتحية } التحية مصدر من حيى كالتسمية من سمى اصلها تحيية كتفعلة واصل الاصل تحييى بثلاث ياآت فحذفت الخيرة وعوض عنها تاء التأنيث وادغمت الاولى فى الثانية بعد نقل حركتها الى الحاء واصل التحية الدعاء بالحياة وطولها ثم استعملت فى كل دعاء لان الدعاء بالخير لا يخلو شىء منه عن الدعاء بنفس الحياة او بما هو السبب المؤدى الى قوتها وكمالها او بما هو الغاية المطلوبة منها وكانت العرب اذا لقى بعضهم بعضا يقول حياك اللّه اى جعل اللّه لك حياة واطال حياتك ويقول بعضهم عش الف سنة. ثم استعملها الشرع فى السلام وهى تحية الاسلام قال تعالى { فسلموا على انفسكم تحية من عند اللّه } قيل تحية النصارى وضع اليد على الفم وتحية اليهود الاشارة بالاصابع وتحية المجوس الانحناء. وفى السلام مزية على تحية العرب وهى حياك اللّه لما انه دعاء بالسلامة من الآفات الدينية والدنيوية فانه اذا قال الانسان لغيره السلام عليك فقد دعا فى حقه بالسلامة منها ويتضمن الوعد بسلامة ذلك الغير وامانه منه كأنه قال انت سليم منى فاجعلنى سليما منك والسلامة مستلزمة لطول الحياة وليس فى الدعاء بطول الحياة ذلك ولان السلام من اسمائه تعالى فالبداية بذكره مما لا ريب في فضله ومزيته ومعنى الآية اذا سلم عليكم من جهة المؤمنين { فحيوا بأحسن منها } اى بتحية احسن منها بان تقولوا وعليكم السلام ورحمة اللّه ان اقتصر المسلم على الاول وبان تزيدوا وبركاته ان جمعها المسلم وهو ان يقال السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته منتهى الامر فى السلام لكونه مستجمعا لجميع فنون المطالب التى هى السلامة من المضار ونيل المنافع ودوامها ونمائها ولهذا اقتصر على هذا القدر فى التشهد روى عنه عليه السلام انه قال ( من قال السلام عليكم كتب له عشر حسنات ومن قال السلام عليكم ورحمة اللّه كتب له عشرون حسنة ومن قال السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته كتب له ثلاثون حسنة ) والمبتدىء بالسلام ان شاء يقول السلام عليكم وان شاء يقول سلام عليكم لان كل واحد من التعريف والتنكير وارد فى الفاظ القرآن قال اللّه تعالى { والسلام على من اتبع الهدى } { وسلام على عباده الذين اصطفى } لكن التنكير اكثر والكل جائز. واما التحليل من الصلاة فلا بد فيه من الالف واللام بالاتفاق ومعنى الجمع فى السلام عليكم الخطاب الى الرجل والملكين الحافظين معه فانهما يردان السلام ومن سلم عليه الملك فقد سلم من عذاب اللّه تعالى { او ردوها } اى ردوا مثلها واجيبوا به لان رد عينها محال فحذف المضاف نحو { واسأل القرية } قال فى الكشاف رد السلام ورجعه جوابه بمثله لان المجيب يرد قول المسلم ويكرر وروى ان رجلا قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم السلام عليك فقال ( وعليك السلام ورحمة اللّه ) وقال الآخر السلام عليك ورحمة اللّه فقال ( وعليك السلام ورحمة اللّه وبركاته ) وقال الآخر السلام عليك ورحمة اللّه وبركاته فقال ( وعليك ) فقال الرجل نقصتنى فأين ما قال اللّه وتلا الآية اى أين رد الاحسن المذكور فى الآية فقال عليه السلام ( انك لم تترك لى فضلا فرددت عليك مثله ) فيكون قوله عليه السلام وعليك اى وعليك السلام ورحمة اللّه وبركاته من قبيل رد المثل وجواب التسليم واجب وانما التخيير بين الزيادة وتركها قال ابو يوسف من قال لآخر اقرىء فلانا منى السلام وجب عليه ان يفعل واذا ورد سلام فى كتاب فجوابه واجب بالكتاب للآية { ان اللّه كان على كل شىء حسيبا } الحسيب بمعنى المحاسب على العمل كالجليس بمعنى المجالس اى انه تعالى كان على كل شىء من اعمالكم سيما رد السلام بمثله او باحسن منه محاسبا مجازيا فحافظوا على مراعاة التحية حسبما امرتم به فالجمهور على ان الآية فى السلام فالسنة ان يسلم الراكب على الماشى وراكب الفرس على راكب الحمار والصغير على الكبير والقليل على الكثير ويسلم على الصبيان وهو افضل من تركه قال فى البستان وبه نأخذ ويسلم على اهل بيته حين يدخله فان دخل بيتا ليس فيه احد فليقل السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين فان الملائكة ترد عليه السلام ويسلم على القوم حين يدخل عليهم وحين يفارقهم ايضا فمن فعل ذلك شاركهم فى كل خير عملوه بعده قال القرطبى ولا يسلم على النساء الشابات الاجانب خوف الفتنة من مكالمتهن بنزغة شيطان او خائنة عين. واما السلام على المحارم والعجائز فحسن ويسلم على اهل الاسلام من عرف منهم ومن لم يعرف. ولا يسلم على لاعب النرد والشطرنج والمغنى والقاعد لحاجته ومطير الحمام والعارى فى الحمام وغيره قال ابن الشيخ فى حواشيه ومن دخل الحمام ورأى الناس متزرين يسلم عليهم وان لم يكونوا متزرين لا يسلم عليهم لانه لا يسلم على المشتغل بمعصية انتهى لكن قال الام الغزالى فى الاحياء لا يسلم عند الدخول اى فى الحمام وان سلم عليه لم يجب بلفظ السلام بل يسكت ان اجاب غيره وان احب ان يجيب قال عافاك اللّه ولا بأس ان يفتتح الداخل ويقول عافاك اللّه لابتداء الكلام انتهى ولا يرد القاضى اذا سلم عليه الخصمان وكذا لا يسلم القاضى على الخصوم اذا جلس للحكم لتبقى الهيبة وتكثر الحشة وبهذا جرى الرسم بان الولاة والامراء لا بأس بان لا يسلموا اذا دخلوا فالمحتسب لا يسلم على اهل السوق فى طوافه للحسبة ليبقى على الهيبة وقال بعضهم لا يسع القاضى والوالى والامير ترك السلام اذا دخلوا لانه سنة فلا يسعهم ترك السنة بسبب تقلد العمل وكذا المتصدق اذا سلم عليه السائل او ان سؤاله لا يرد وكذا من له ورد من القرآن والدعوات فسلم عليه احد فى حال ورده لا يرد وكذا اذا جلس فى المسجد للتسبيح او للقراءة او لانتظار الصلاة واذا دخل الزائر فى المسجد فسلم عليه احد من الداخلين فى المسجد يجوز واذا لم يكن فى المسجد يجوز واذا لم يكن فى المسجد احد الا من يصلى ينبغى ان يقول الداخل السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين ولا يسلم فانه تكليف جواب فى غير محله حتى لا يرده قبل الفراغ وبعده وهو الصحيح. ولا يبادر بالسلام على الذمى الا لضرورة او حاجة له عنده ولا بأس بالدعاء للكافر والذمى بما يصلحه فى دنياه قال ابن الملك الدعاء لاهل الكتاب بمقابلة احسانهم غير ممنوع لما روى ان يهوديا حلب للنبى عليه السلام لقحة فقال عليه السلام ( اللّهم جمله ) فبقى سواد شعره الى قريب من سبعين سنة قال النووى الصواب ان ابتداء اهل الكتاب بالسلام حرام لانه اعزاز ولا يجوز اعزاز الكفار وقال الطيبى المختار ان المبتدع لا يبدأ بالسلام ولو سلم على من لا يعرفه فظهر ذميا او مبدعا يقول استرجعت سلامى تحقيرا له. واما الاكل مع الكافر فان كان مرة او مرتين لتأليف قلبه على الاسلام فلا بأس فانه صلى اللّه عليه وسلم اكل مع كافر مرة فحملناه على انه كان لتأليف قلبه على الاسلام ولكن تكره المداومة عليه كما فى نصاب الاحتساب. وفيه ايضا هل يحتسب على المسلم اذا شارك ذميا الجواب نعم اما فى المفاوضة فلأنها غير جائزة بين المسلم والذمى فكان الاحتساب عليه لدفع التصرف الفاسد. واما فى العنان فلأنها مكروهة بين المسلم والذمى من شرح الطحاوى فكان الاحتساب لدفع المكروه واذا سلم الذمى فقل عليك بلا واو وهو الرواية من الثقات او عليك مثله قال فى الكشف ولا يقال لاهل الذمة وعليكم بالواو لانها للجمع وقال عليه السلام ( اذا سلم عليكم احد من اليهود فانما يقول السام عليكم فقل عليك ) اى عليك مثله روى انه عليه السلام اتاه ناس من اليهود فقالوا السام عليكم يا ابا القاسم فقال ( عليكم ) فقالت عائشة بل عليكم السام والزام فقال عليه السلام ( يا عائشة ان اللّه لا يحب الفحش والتفحش ) قالت فقلت اما سمعت ما قالوا قال ( أو ليس قد رددت عليهم فيستجاب لى فيهم ولا يستجاب لهم فى ) والسنة الجهر فى السلام لقوله عليه السلام ( افشوا السلام ) وعن ابى حنيفة رحمة اللّه عليه لا يجهر بالرد يعنى الجهر الكثير وحكى ان سياحا دخل على عالم فسلم عليه فرد عليه السلام وخافت ثم دخل عليه غنى فسلم فرد عليه الجواب وجهر فصاح السياح وقال رحمك اللّه ما تقول فى السلام أعلى نوعين ام على ثلاثة انواع فقال لا بل على نوع واحد فقال ايد اللّه الفقيه ارى السلام ههنا على نوعين فتحير الفقيه وخجل فى نفسه فقال ايد اللّه الفقيه اسألك مسألة ما تقول فيمن حلف لا يدخل الدار التى بنيت بغير سنة فدخل دارك هذه أيحنث ام لا فسكت الفقيه فلم يجبه فقال تلاميذ الفقيه للسياح اخرج فانك شغلتنا فقال ايها الشبان ما مثله ومثلكم الا كمثل ضال ضل طريقه فجعل يسترشد من ضال مثله ارشده ام لا فهذا استاذكم ضل طريق الآخرة وانتم جئتم تطلبون منه ان يرشدكم فأنى يرشدكم ثم خرج كذا فى روضة العلماء : قال الصائب زبى دردان علاج درد خود جستن بان ماند ... كه خار ازبا برون آردكسى بانيش عقربها الى هنا كلام الاحياء فاذا بلغ المقابر ومر بها قال وعليكم السلام اهل الديار من المسلمين والمؤمنين رحم اللّه المستقدمين منكم والمستأخرين منا انتم لنا سلف ونحن لكم تبع وانا ان شاء اللّه بكم لاحقون نسأل اللّه لنا ولكم العافية وفى الحديث ( ما من عبد يمر بقبر رجل كان يعرفه فى الدنيا فيسلم عليه الا عرفه ورد عليه السلام ) قال ابن السيد على فى شرح الشرعة وعل المراد انه يرد السلام بلسان الحال لا بلسان المقال يؤيده فى بعض الاخبار من انهم يتأسفون على انقطاع الاعمال عنهم حتى يتحسرون على رد السلام وثوابه انتهى قال الامام السيوطى رحمه اللّه الاحاديث والآثار تدل على ان الزائر متى جاء علم به المزور وسمع كلامه وأنس به ورد عليه وهذا عام فى حق الشهداء وغيرهم وانه لا توقيت فى ذلك وهو الاصح لان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم شرع لامته ان يسلموا على اهل القبور سلام من يخاطبون من يسمع ويعقل قال ارباب الحقيقة للروح اتصال بالبدن بحيث يصلى فى قبره ويرد على المسلم عليه وهو فى الرفيق الاعلى ومقره فى عليين ولا تنافى بين الامرين فان شأن الارواح غير شأن الابدان وانما يأتى الغلط هنا من قياس الغائب على الشاهد فيعتقد ان الروح مما يعهد من الاجسام التى اذا شغلت مكانا لم يمكن ان تكون فى غيره وقد مثل بعضهم بالشمس فى السماء وشعاعها فى الارض كالروح المحمدى يرد على من يصلى عليه عند قبره دائما مع القطع بان روحه فى اعلى عليين وهو لا ينفك عن قبره كما قال عليه السلام ( ما من مسلم يسلم على الا رد اللّه علىّ روحى حتى ارد عليه السلام ) فان قلت هل يلزم تعدد الحياة من تلك وكيف يكون ذلك قلت يؤخذ من هذا الحديث ان النبى صلى اللّه عليه وسلم حى على الدوام فى البرزخ الدنيوى لانه محال عادة ان يخلوا الوجود كله من واحد يسلم على النبى عليه السلام فى ليل او نهار فقوله صلى اللّه عليه وسلم ( رد اللّه على روحى ) اى ابقى الحق فى شعور حياتى الحسى فى البرزخ وادراك حواسى من السمع والنطق فلا ينفك الحس والشعور الكلى عن الروح المحمدى الكلى ليس له غيبة عن الحواس والاكوان لانه روح العالم الكلى وسره السارى : قال العطار قدس سره فى نعت النبى المختار خواجه كزهرجه كويم بيش بود ... درهمه جيزى همه دربيش بود وصف اودر كفت جون آيدمرا ... جون عرق ازشرم خون آيدمرا او فصيح عالم ومن لال او ... كى توانم داد شرح حال او وصف اوكى لائق اين ناكسست ... واصف او خالق عالم بسست انبيا از وصف توحيران شده ... سرشناسان نيز سركردان شده والاشارة فى الآية { واذا حييتم بتحية } من الخير والشر { فحيوا باحسن منها } اما الخير فبخير احسن منه واما الشر فبحلم وعفو او مكافاة بالخير { او ردوها } يعنى كافئوا المحسن بمثل احسانه والمسيىء بمثل اساءته يدل عليه قوله تعالى { وجزاء سيئة سيئة مثلها } وقال { وان تعفوا اقرب للتقوى } وقد ورد عن النبى عليه السلام عن جبريل عن اللّه تعالى فى تفسير قوله { خذ العفو وائمر بالعرف واعرض عن الجاهلين } وقال النبى عليه السلام ( تعفو عمن ظلمك وتصل من قطعك وتعطى من حرمك ) { ان اللّه كان على كل شىء } من العفو والاحسان { حسيبا } محاسبا فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره كذا فى التأويلات النجمية ٨٧ { اللّه } مبتدأ وخبره قوله { لا اله الا هو } اى لا اله فى الارض ولا فى السماء غيره { ليجمعنكم } جواب قسم محذوف اى واللّه ليحشرنكم من قبوركم { الى } حساب { يوم القيمة } والقيامة بمعنى القيام والتاء للمبالغة لشدة ما يقع فيه من الهول { لا ريب فيه } حال من اليوم اى حال كون ذلك اليوم لا شك فيه انه كائن لا محالة او صفة مصدر محذوف اى جمعا لا ريب فيه فضمير فيه يرجع الى الجمع { ومن اصدق من اللّه حديثا } انكار لان يكون احدا اكثر صدقا منه فانه لا يتطرق الكذب الى خبره بوجه لانه نقص وهو على اللّه محال دون غيره وفى الحديث ( كذبنى ابن آدم ) اى نسبنى الى الكذب ( ولم يكن له ذلك ) يعنى لم يكن التكذيب لائقا به بل كان خطأ ( وشتمنى ) الشتم وصف الغير بما فيه نقص وازراء ( ولم يكن له ذلك فاما تكذيبه اياى فقوله لن يعيدنى كما بدأنى ) يعنى لن يحيينى اللّه تعالى بعد موتى ( وليس اول الخلق باهون على من اعادته ) بل اعادته اسهل لوجود اصل البنية وهذا مذكور على طريق التمثيل لان الاعادة بالنسبة الى قوانا ايسر من الانشاء واما بالنسبة الى قدرة اللّه تعالى فلا سهولة له فى شىء ولا صعوبة ( واما شتمه اياى فقوله اتخذ ولدا ) وانما صار هذا شتما لان التولد هو انفصال الجزء من الكل بحيث ينمو وهذا انما يكون فى المركب وكل مركب محتاج ( وانا الاحد ) اى المنفرد بصفات الكمال من البقاء والتنزه وغيرهما ( الصمد ) بمعنى المصمود يعنى المقصود اليه فى كل الحوائج ( الذى لم يلد ) هذا نفى للتشبيه والمجانسة ( ولم يولد ) هذا وصف بالقدم والاولية ( ولم يكن له كفوا احد ) هذا تقرير لما قبله كذا فى شرح المشارق لابن الملك واعلم ان القيامة ثلاث. الصغرى وهى موت كل احد قال النبى عليه السلام ( من مات فقد قامت قيامته ) والوسطى وهى موت جميع الخلائق بالنفخة الاولى. والكبرى وهى حشر الاجساد والسوق الى المحشر للجزاء بالنفخة الثانية : وفى المثنوى سازد اسرافيل روزى ناله را ... جان دهد بوسيده صدساله را هين كه اسرافيل وقتند اوليا ... مرده را زيشان حياتست ونما وانما تحصل الحياة الباقية بعد الفناء عن النفس واوصافها وطريقه ذكر اللّه تعالى بالاخلاص فاذا تجلى معنى لفظ الجلالة الذى هو الاسم الاعظم يضمحل العالم والوجود ويحصل الاستغراق فى بحر التوحيد فاذا استغرق فيه يغيب عنه ما سوى اللّه تعالى كما ان الانسان اذا استغرق فى الماء لا يرى الغير اصلا قال الشيخ ابو يزيد البسطامى ومن قال اللّه وقلبه غافل عن اللّه فخصمه اللّه وحكى ان بعض الصلحاء دخل ليلة بقبوليجة فى بلدة بروسة فرأى انه قد وضع سرير على الحوض وعليه بنت سلطان الجن ومعها جماعة كثيرة من هذه الطائفة فسألهم عن اصل ماء قبوليجة فارسلت ببعض جماعتها الى اصله فرأى انه ماء بارد فقال كيف يكون هذا اصله وهو حار فقالوا جماعتنا يذكرون فى رأس هذا الماء فى كل اسبوع الاسم اللّه والاسم هو فبحرارته يسخن الماء فتأثير الذكر غير منكر خصوصا من لسان ارباب التزكية والتصفية : وفى المثنوى ذكر حق كن بانك غولانرابسوز ... جشم نركس را ازين كركس بدوز والاشارة فى الآية { اللّه لا اله الا هو } يعنى كان اللّه فى الازل لا اله اى لم يكن معه احد يوجد الخلق من العدم الا هو { ليجمعنكم } فى العدم مرة اخرى { الى يوم القيمة } فيفرقكم فيها فريق فى الجنة وفريق فى السعير وفريق فى مقعد صدق عند مليك مقتدر { لا ريب فيه } اى لا شك فى الرجوع الى هذه المنازل والمقامات { ومن اصدق من اللّه حديثا } ليحدثكم بمصالح دينكم ودنياكم ومفاسد اخراكم واولاكم ويهديكم الى الهدى وينجيكم من الردى كذا فى التأويلات النجمية ٨٨ { فما لكم } ايها المؤمنون والمراد بعضهم. قوله ما مبتدأ ولكم خبره والاستفهام للانكار والنفى { فى المنافقين } متعلق بما تعلق به الخبر اى اى شىء كائن لكم فيهم اى فى امرهم وشأنهم { فئتين } اى فرقتين وهو حال من الضمير المجرور فى لكم والمراد انكار ان يكون للمخاطبين شىء مصحح لاختلافهم فى امر المنافقين وبيان وجوب بت القول بكفرهم واجرائهم مجرى المجاهرين بالكفر فى جميع الاحكام وذلك ان ناسا من المنافقين استأذنوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى الخروج الى البدر لاجتواء المدينة فلما خرجوا لم يزالوا راحلين مرحلة حتى لحقوا بالمشركين بمكة فاختلف المسلمون فيهم فقال بعضهم هم كفار وقال بعضهم هم مسلمون فانزل اللّه تعالى الآية { واللّه اركسهم } حال من المنافقين اى والحال انه تعالى ردهم الى الكفر واحكامه من الذل والصغار والسبى والقتل. والاركاس الرد والرجع يقال ركست الشىء واركسته لغتان اذا رددته وقلبت آخره على اوله { بما كسبوا } اى بسبب ما كسبوا من الارتداد واللحوق بالمشركين والاحتيال على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { أتريدون } ايها المخلصون القائلون بايمانهم { ان تهدوا من اضل اللّه } اى تجعلوه من المهتدين ففيه توبيخ لهم على زعمهم ذلك واشعار بانه يؤدى الى المحال الذى هو هداية من اضل اللّه تعالى وذلك لان الحكم بايمانهم وادعاء اهتدائهم وهم بمعزل من ذلك سعى فى هدايتهم وارادة لها { ومن يضلل اللّه } اى ومن يخلق فيه الضلال كائنا من كان { فلن تجد له سبيلا } من السبل فضلا عن ان تهديه اليه وتوجيه الخطاب الى كل واحد من المخاطبين للاشعار بشمول عدم الوجدان للكل على طريق التفصيل والجملة حال من فاعل تريدون او تهدوا والرابط هو الواو ٨٩ { ودوا لو تكفرون } بيان لغلوهم وتماديهم فى الكفر وتصديهم لاضلال غيرهم اثر بيان كفرهم وضلالهم فى انفسهم وكلمة لو مصدرية فلا جواب لها اى تمنوا عن تكفروا { كما كفروا } نصب على انه نعت لمصدر محذوف اى كفرا مثل كفرهم فما مصدرية { فتكونون سواء } عطف على تكفرون والتقدير ودوا كفركم وكونكم مستوين معهم فى الضلال. وفيه اشارة الى ان من ود الكفر لغيره كان ذلك من امارات الكفر فى باطنه وان كان يظهر الاسلام لانه يريد تسوية الاعتقاد فيما بينهما وهذا من خاصية الانسان يحب ان يكون كل الناس على مذهبه واعتقاده ودينه وقال صلى اللّه عليه وسلم ( الرضى بالكفر كفر ) { فلا تتخذوا منهم اولياء } اى اذا كان حالهم ما ذكر من ودادة كفركم فلا توالوهم { حتى يهاجروا فى سبيل اللّه } اى حتى يؤمنوا ويحققوا ايمانهم بهجرة كائنة للّه تعالى ورسوله عليه السلام لا لغرض من اغراض الدنيا وسبيل اللّه ما امر بسلوكه { فان تولوا } اى عن الايمان المظاهر بالهجرة الصحيحة المستقيمة { فخذوهم } اذا قدرتم عليهم { واقتلوهم حيث وجدتموهم } من الحل والحرم فان حكمهم حكم سائر المشركين اسرا وقتلا { ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا } اى جانبوهم مجانبة كلية ولا تقبلوا منهم ولاية ولا نصرة ابدا والاشارة فى الآية الى ارباب الطلب السائرين الى اللّه تعالى فانهم نهوا عن اتخاذ اهل الدنيا احباء وعن مخالطتهم حتى يهاجروا عما هم فيه من الحرص والشهوة وحب الدنيا ويوافقهم فى طلب الحق وامروا بان يعظوهم بالوعظ البليغ ويقتلوهم اى انفسهم وصفاتها الغالبة كلما رأوهم ٩٠ { الا الذين يصلون الى قوم بينكم وبينهم ميثاق } استثناء من قوله فخذوهم واقتلوهم اى الا الذين يتصلون وينتهون الى قوم عاهدوكم ولم يحاربوكم وهم الاسلميون فانه عليه السلام وادع وقت خروجه الى مكة هلال بن عويمر الاسلمى على ان لا يعينه ولا يعين عليه وعلى ان من وصل الى هلال ولجأ اليه فله من الجوار مثل الذى لهلال { او جاؤكم } عطف على الصلة اى والذين جاؤكم كافين عن قتالكم وقتال قومهم استثنى من المأمور باخذهم وقتلهم فريقان احدهما من ترك المحاربين ولحق بالمعاهدين والآخر من اتى المؤمنين وكف عن قتال الفريقين { حصرت صدورهم } حال باضمار قد اى وقد ضاقت صدورهم فان الحصر بفتحتين الضيق والانقباض { ان يقاتلوكم } اى ضاقت عن ان يقاتلوكم مع قومهم { او يقاتلوا قومهم } معكم والمراد بالجائين الذين حصرت صدورهم عن المقاتلة بنوا مدلج وهم كانوا عاهدوا ان لا يقاتلوا المسلمين وعاهدوا قريشا ان لا يقاتلوهم فضاقت صدورهم عن قتالكم للعهد الذى بينكم ولانه تعالى قذف الرعب فى قلوبهم وضاقت صدورهم عن قتال قومهم لكونهم على دينهم نهى اللّه تعالى عن قتل هؤلاء المرتدين اذا اتصلوا باهل عهد للمؤمنين لان من انضم الى قوم ذوى عهد فله حكمهم فى حقن الدم { ولو شاء اللّه لسلطهم } اى بنى مدلج { عليكم } بان قوى قلوبهم وبسط صدروهم وازال الرعب عنهم قال فى الكشاف فان قلت كيف يجوز ان يسلط اللّه الكفرة على المؤمنين قلت ما كانت مكافتهم الا لقذف اللّه الرعب فى قلوبهم ولو شاء لمصلحة يراها من ابتلاء ونحوه لم يقذفه فكانوا متسلطين مقاتلين غير مكافين فذلك معنى التسليط { فلقاتلوكم } عقيب ذلك ولم يكفوا عنكم واللام جواب لو على التكرير { فان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم } اى فان لم يتعرضوا لكم مع ما علمتم من تمكنهم من ذلك بمشيئة اللّه تعالى { والقوا اليكم السلم } اى الانقياد والاستسلام { فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلا } اى طريقا بالاسرار او بالقتل فان مكافتهم عن قتالكم وان لم يقاتلوا قومهم ايضا والقاءهم اليكم السلم وان لم يعاهدوكم كافية فى استحقاقهم لعدم تعرضكم لهم قال بعضهم الآية منسوخة بآية القتال والسيف وهى قوله تعالى { اقتلوا المشركين } وقال آخرون انها غير منسوخة وقال اذا حملنا الآية على المعاهدين فكيف يمكن ان يقال انها منسوخة قال الحدادى فى تفسيره لا يجوز مهادنة الكفار وترك احد منهم على الكفر من غير جزية اذا كان بالمسلمين قوة على القتال واما اذا عجزوا عن مقاومتهم وخافوا على انفسهم وذراريهم جاز لهم مهادنة العدو من غير جزية يؤدونها اليهم لان حظر الموادعة كان بسبب القوة فاذا زال السبب زال الحظر ٩١ { ستجدون } قوما { آخرين يريدون ان يأمنوكم } اى يظهرون لكم الصلح يريدون ان يأمنوا منكم بكلمة التوحيد يظهرونها لكم { ويأمنوا قومهم } اى من قومهم بالكفر فى السر وهم قوم من اسد وغطفان اذا اتوا المدينة اسلموا وعاهدوا ليأمنوا المسلمين فاذا رجعوا الى قومهم كفروا ونكثوا عهودهم ليأمنوا قومهم { كلما ردوا الى الفتنة } دعوا من جهة قومهم الى قتال المسلمين { اركسوا فيها } عادوا اليها وقلبوا فيها اقبح قلب واشنعه وكانوا فيها شرا من كل عدو شرير { فان لم يعتزلوكم } بالكف عن التعرض لكم بوجه ما { ويلقوا اليكم السلم } اى لم يلقوا اليكم الصلح والعهد بل نبذوه اليكم { ويكفوا ايديهم } اى لم يكفوها عن قتالكم { فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم } اى تمكنتم منهم { واولئكم } الموصوفون بما عد من الصفات القبيحة { جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا } اى حجة واضحة فى التعرض لهم بالقتل والسبى لظهور عداوتهم وانكشاف حالهم فى الكفر وغدرهم واضرارهم باهل الاسلام والاشارة فى الية الاولى ان الاختلاف واقع بين الامة فى ان خذلان المنافقين هل هو امر من عند انفسهم او امر من عند اللّه وقضائه وقدره فبين اللّه بقوله { فما لكم فى المنافقين فئتين } اى صرتم فرقتين فرقة يقولون الخذلان فى النفاق منهم وفرقة يقولون من اللّه وقضائه وقدره { واللّه اركسهم بما كسبوا } يعنى ان اللّه اركسهم بقدره وردهم بقضائه الى الخذلان بالنفاق ولكن بواسطة كسبهم ما ينبت النفاق فى قلوبهم ليهلك من هلك عن بينة ولهذا مثال وهو ان القدر كتقدير النقاش الصورة فى ذهنه والقضاء كرسمه تلك الصورة لتلميذه بالاسرب ووضع التلميذ الاصباغ عليها متبعا لرسم الاستاذ كالكسب والاختيار فالتلميذ فى اختياره لا يخرج عن رسم الاستاذ وكذلك العبد فى اختياره لا يمكنه الخروج عن القضاء والقدر ولكنه متردد بينهما ومما يؤكد هذا المثال والتأويل قوله تعالى { قاتلوهم يعذبهم اللّه بايديكم } وقال { واصبر وما صبرك الا باللّه } وذلك مثل ما ينسب الفعل الى السبب الاقرب تارة والى السبب الابعد اخرى فالاقرب كقولهم قطع السيف يد فلان والابعد كقولهم قطع المير يد فلان ونظيره قوله تعالى { قل يتوفاكم ملك الموت } فى موضع { اللّه يتوفى الانفس حين موتها } قال ابن نباتة اذا ما الآله قضى امره فانت لما قد قضاه السبب فعلى هذه القضية من زعم ان لا عمل للعبد اصلا فقد عاند وجحد ومن زعم انه مستبد بالعمل فقد اشرك فاختيار العبد بين الجبر والقدر لان اول الفعل وآخره الى اللّه فالعبد بين طرفى الاضطرار مضطر الى الاختيار فافهم جدا كذا فى التأويلات النجمية واعلم ان الجبرية ذهبت الى انه لا فعل للعبد اصلا ولا اختيار وحركته بمنزلة حركة الجمادات والقدرية الى ان العبد خالق لفعله ولا يرون الكفر والمعاصى بتقدير اللّه تعالى مذهب اهل السنة والجماعة الجبر المتوسط وهو اثبات الكسب للعبد واثبات الخلق اللّه تعالى واما مشاهدة الآثار فى الافعال من للّه تعالى كما عليه اهل المكاشفة فذلك ليس من قبيل الجبر : قال فى المثنوى كر بيرانيم تير آن نى زماست ... ما كمان وتير اندازش خداست اين نه جبراين معنىء جباريست ... ذكر جبارى براى زاريست زارىء ماشد دليل اضطرار ... خجلت ماشد دليل اختيار ٩٢ { وما كان لمؤمن } اى وما صح له ولا لاق بحاله { ان يقتل مؤمنا } بغير حق فان الايمان زاجر عن ذلك { الا خطأ } اى ليس من شأنه ذلك فى حال من الاحوال الا حال الخطأ فانه ربما يقع لعدم دخول الاحتراز عنه بالكلية تحت الطاقة البشرية فالمؤمن مجبول على ان يكون محلا لان يعرض له الخطأ كثيرا والخطأ ما لا يقارنه القصد الى الفعل او الى الشخص او لا يقصد به زهوق الروح غالبا او لا يقصد به محظور كرمى مسلم فى صف الكفار مع الجهل باسلامة روى ان عياش بن ابى ربيعة وكان اخا ابى جهل لامه اسلم وهاجبر الى المدينة خوفا من اهله وذلك قبل هجرة النبى عليه السلام فاقسمت امه لا تأكل ولا تشرب ولا يؤويها سقف حتى يرجع فخرج ابو جهل ومعه الحارث بن زيد بن ابى انيسة فاتياه وهو فى اطم اى جبل ففتل منه ابو جهل فى الذروة والغارب وقال أليس محمد يحثك على صلة الرحم انصرف وبرّ امك ولك علينا ان لا نكرهك على شىء ولا نحول بينك وبين دينك حتى نزل وذهب معهما فلما بعدا من المدينة شدا يديه الى خلف بحبل وجلده كل واحد منهما مائة جلدة فقال للحارث هذا اخى فمن انت يا حارث للّه على ان وجدتك خاليا ان اقتلك وقدما به على امه فحلفت لا يحل وثاقة حتى يرجع عن دينه ففعل بلسانه مطمئنا قلبه على الايمان ثم هاجر بعد ذلك واسلم الحارث وهاجر فلقيه عياش لظهر قبا فانحنى عليه فقتله ثم اخبر باسلامه فاتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال قتلته ولم اشعر باسلامه فنزلت { ومن قتل مؤمنا خطأ } صغيرا كان او كبيرا { فتحرير رقبة } اى فعليه اعتاق نسمة عبر عن النسمة بالرقبة كما يعبر عنها بالرأس { مؤمنة } محكوم باسلامها سواء تحققت فيها فروع الايمان وثمراته بان صلت وصامت او لم يتحقق فدخل فيها الصغير والكبير والذكر والانثى وهذا التحرير هو الكفارة وهى حق اللّه تعالى الواجب على من قتل مؤمنا مواظبا على عبادة اللّه تعالى والرقيق لا يمكنه المواظبة على عبادة اللّه تعالى فاذا اعتقه فقد اقامه مقام ذلك المقتول فى المواظبة على العبادات { ودية مسلمة الى اهله } اى مؤداة الى ورثته يقتسمونها كسائر المواريث بعد قضاء الدين منها وتنفيذ الوصية واذا لم يبق وارث فهى لبيت المال لا المسلمين يقومون مقام الورثة كما قال صلى اللّه عليه وسلم ( انا وارث من لا وارث له ) { الا ان يصدقوا } اى يتصدق اهله عليه سمى العفو عنها صدقة حثا عليه وتنبيها على فضله وفى الحديث ( كل معروف صدقة ) وهو متعلق بعليه المقدر عند قوله { ودية مسلمة } او بمسلمة اى تجب الدية ويسلمها الى اهله الا وقت تصدقهم عليه لان الدية حق الورثة فيملكون اسقاطها بخلاف التحرير فانه حق اللّه تعالى فلا يسقط بعفو الاولياء واسقاطهم واعلم ان الدية مصدر من ودى القاتل المقتول اذا اعطى وليه المال الذى هو بدل النفس وذلك المال يسمى الدية تسمية بالمصدر والتاء فى آخرها عوض عن الواو المحذوفة فى الاول كما فى العدة وهى اى الدية تسمية بالمصدر والتاء فى آخرها عوض عن الواو المحذوفة فى الاول كما فى العدة وهى اى الدية فى الخطأ من الذهب الف دينار ومن الفضة عشرة آلاف درهم وهى على العاقلة فى الخطأ وهم الاخوة وبنوا الاخوة والاعمام وبنوا الاعمام يسلمونها الى اولياء المقتول ويكون القاتل كواحد من العاقلة يعنى يعطى مقدار ما اعطاه واحد منهم لانه هو الفاعل فلا معنى لاخراجه ومؤاخذة غيره وسميت الدية عقلا لانها تعقل الدماء اى تمسكه من ان يسفك الدم لان الانسان يلاحظ وجود الدية بالقتل فيجتنب عن سفك الدم فان لم تكن له عاقلة كانت الدية فى بيت المال فى ثلاث سنين فان لم يكن ففى ماله { فان كان } اى المقتول { من قوم عدو لكم } كفار محاربين { وهو مؤمن } ولم يعلم به القاتل لكونه بين اظهر قومه بان اسلم فيما بينهم ولم يفارقهم بالهجرة الى دار الاسلام او بان اسلم بعدما فراقهم لمهم من المهمات { فتحرير رقبة مؤمنة } اى فعلى قاتله الكفارة دون الدية اذ لا وراثة بينه وبين اهله لكونهم كفارا ولانهم محاربون { وان كان } اى المقتول المؤمن { من قوم } كفرة { بينكم وبينهم ميثاق } اى عهد موقت او مؤبد { فدية } اى فعلى قاتله دية { مسلمة الى اهله } من اهل الاسلام ان وجدوا { وتحرير رقبة مؤمنة } كما هو حكم سائر المسلمين { فمن لم يجد } اى رقبة لتحريرها بان لم يملكها ولا ما يتوصل به اليها وهو ما يصلح ان يكون ثمنا للرقبة فاضلا عن نفقته ونفقة عياله وسائر حوائجه الضرورية من المسكن وغيره { فصيام } اى فعليه صيام { شهرين متتابعين } وايجاب التتابع يدل على ان المكفر بالصوم لو افطر يوما فى خلال شهرين او نوى صوما آخر فعليه الاستئناف الا ان يكون الفطر بحيض او نفاس او نحوهما مما لا يمكن الاحتراز عنه فانه لا يقطع التتابع والاطعام غير مشروع فى هذه الكفارة بدليل الفاء الدالة على ان المذكور كل الواجب واثبات البدل بالرأى لا يجوز فلا بد من النص { توبة } كائنة { من اللّه } ونصبه على المفعول له اى شرع لكم ذلك توبة اى قبولا لها من تاب اللّه عليه اذا قبل توبته فان قيل قتل الخطأ لا يكون معصية فما معنى التوبة قلت ان فيه نوعا من التقصير لان الظاهر انه لو بالغ فى احتياط لما صدر عنه ذلك. فقوله توبة من اللّه تنبيه على انه كان مقصرا فى ترك الاحتياط { وكان اللّه عليما } بحاله اى بانه لم يقصد القتل ولم يتعمد فيه { حكيما } فيما امر فى شأنه والاشارة فى قوله تعالى { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين } ان تربية النفس وتزكيتها ببذل المال وترك الدنيا مقدم على تربيتها بالجوع والعطش وسائر المجاهدات فان حب الدنيا رأس كل خطيئة وهى عقبة لا يقتحمها الا الفحول من الرجال كقوله تعالى { فلا اقتحم العقبة وما ادراك ما العقبة فك رقبة } الآية. وان اول قدم السالك ان يخرج من الدنيا وما فيها. وثانية ان يخرج من النفس وصفاتها كما قال ( دع نفسك وتعال ) والامساك عن المشارب كلها من الدنيا والآخرة على الدوام انما هو بجذبة من اللّه تعالى واعطائه القابلية لذلك : كما قيل دادحق را قابليت شرط نيست ... بلكه شرط قابليت دادحق حكى ان اولاد هارون الرشيد كانوا كانوا زهادا لا يرغبون فى الدنيا والسلطنة فلما ولد له ولد قيل له ادخله فى بيت من زجاج يعيش فيه مع التنعم والترنم والاغانى حتى يليق للسلطنة فعل فلما كبر كان يوما يأكل اللحم فوقع عظم من يده فانكسر الزجاج فرأى السماء والعرض فسأل عنهما فاجابوا على ما هو فطلب منهم ان يخرجوه من البيت فلما خرج رأى ميتا وجاء اليه وتكلم له فلم يتكلم فسأل عنه فقالوا هو ميت لا يتكلم وقال وانا اكون كذلك قالوا كل نفس ذائقة الموت فتركهم وذهب الى الصحراء فذهبوا معه فاذا خمسة فوارس جاؤا اليه ومعهم فرس ليس عليه احد فاركبوه واخذوه وغابوا وليس كل قلب يصلح لمعرفة الرب كما ان كل بدن لا يصلح لخدمته ولهذا قال تعالى { وكان اللّه عليما } اى بمن يصلح للجذبة والخدمة قال الصائب درسر هرخام طينت نشته منصور نيست ... هرسفالى را صداى كاسه فغفور نيست وهذا لا يكون بالدعوى فان المحك يميز الجيد والزيوف وعالم الحقيقة لا يسعه القيل والقال ألا يرى ان من كان سلطانا اعظم لا يرفع صوته بالتكلم لانه فى عالم المحو وكان امر سليمان عليه السلام لآصف بن برخيا باتيان عرش بلقيس مع انه فى مرتبة النبوة لذلك اى لما انه كان فى عالم الاستغراق فلم يرد التنزل وقوله عليه السلام ( لى مع اللّه وقت لا يسعنى فيه ملك مقرب ولا نبى مرسل ) اشارة الى تلك المرتبة اللّهم اجعلنا من الواصلين الى جناب قدسك والمتنعمين فى محاضر قولك وانسك ٩٣ { ومن يقتل مؤمنا } حال كون ذلك القاتل { متعمدا } فى قتله اى قاصدا غير مخطىء روى ان مقيس بن صبابة الكنانى كان قد اسلم هو واخوه هشام فوجد اخاه قتيلا فى بنى النجار فأتى رسول اللّه عليه السلام وذكر له القصة فارسل عليه السلام معه الزبير بن عياض الفهرى وكان من اصحاب بدر الى بنى النجار يأمرهم بتسليم القاتل الى مقيس ليقتص منه ان علموه وباداء الدية ان لم يعلموه فقالوا سمعا وطاعة للّه تعالى ولرسوله عليه السلام ما نعلم له قاتلا ولكنا نؤدى ديته فاتوه بمائة من الابل فانصرفا راجعين الى المدينة حتى اذا كانا ببعض الطريق اتى الشيطان مقيسا فوسوس اليه فقال أتقبل دية اخيك فتكون مسبة عليك اى عارا اقتل هذا الفهرى الذى معك فتكون نفس مكان نفس وتبقى الدية فصلة فرماه بصخرة فشدخ رأسه ثم ركب بعيرا من الابل وساق بقيتها الى مكة كافرا وهو يقول قتلت به فهرا وحملت عقله ... سراة بنى النجار اصحاب قارع وادركت ثارى واضطجعت موسدا ... وكنت الى الاوثان اول راجع فنزلت الآية وهو الذى استثناه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم الفتح ممن آمنه فقتل وهو متعلق باستار الكعبة : ونعم ما قيل هركه كند بخود كند ... كرهمه نيك وبد كند { فجزاؤه } الذى يستحقه بجنايته { جهنم } وقوله تعالى { خالدا فيها } حال مقدرة من فاعل فعل مقدر يقتضيه مقام الكلام فكأنه قيل فجزاؤه ان يدخل جهنم خالدا فيها { وغضب اللّه عليه } عطف على مقدر تدل عليه الشرطية دلالة واضحة كأنه قيل بطريق الاستئناف تقريرا وتأكيدا لمضمونها حكم اللّه بان جزاءه ذلك وغضب عليه اى انتقم منه { ولعنه } اى ابعده عن الرحمة بجعل جزآئه ما ذكر { واعد له } فى جهنم { عذابا عظيما } لا يقادر قدره واعلم ان العبرة بعموم اللفظ دون خصوص السبب والكلام فى كفر من استحل دم المؤمن وخلوده فى النار حقيقة فاما المؤمن اذا قتل مؤمنا متعمدا غير مستحل لقتله فلا يكفر بذلك ولا يخرج من الايمان فان اقيد ممن قتله كذلك كان كفارة له وان كان تائبا من ذلك ولم يكن مقادا كانت التوبة ايضا كفارة له لان الكفر اعظم من هذا القتل فاذا قبلت توبة الكافر فتوبة هذا القاتل اولى بالقبول وان مات بلا توبة ولا قود فامره الى اللّه تعالى ان شاء غفر له وارضى خصمه وان شاء عذبه على فعله تم يخرجه بعد ذلك الى الجنة التى وعده بايمانه لان اللّه تعالى لا يخلف الميعاد فالمراد بالخلود فى حقه المكث الطويل لا الدوام مع ان هذا اخبار منه تعالى بان جزاءه ذلك لا بانه يجزيه بذلك كيف لا وقد قال اللّه عز وجل { وجزاء سيئة سيئة مثلها } ولو كان هذا اخبارا بانه تعالى يجزى كل سيئة مثلها لعارضه قوله تعالى { ويعفو عن كثير } وقد يقول الانسان لمن يزجره عن امر ان فعلته فجزاؤك القتل والضرب ثم ان لم يجازه بذلك لم يكن ذلك منه كذبا فهذا التشديد والتغليظ الذى هو سنة اللّه تعالى لا يتعلق بالقاتل التائب ولا بمن قتل عمدا بحق كما فى القصاص بل يتعلق بمن لم يتب وبمن قتل ظلما وعدوانا وفى الحديث ( لزوال الدنيا اهون على اللّه من قتل امرىء مسلم ) وفيه ( لو ان رجلا قتل بالمشرق وآخر رضى بالمغرب لاشترك فى دمه ) وفيه ( من اعان على قتل مسلم بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة اللّه تعالى ) وفيه ( ان هذا الانسان بنيان اللّه ملعون من هدم بنيانه ) وقد روى ان داود عليه السلام اراد بنيان بيت المقدس فبناه مرارا فكلما فرغ منه تهدم فشكا الى اللّه تعالى فاوحى اللّه اليه ان بيتى هذا لا يقوم على يدى من سفك الدماء فقال داود يا رب ألم يك ذلك القتل فى سبيلك قال بلى ولكنهم أليسوا من عبادى فقال يا رب فاجعل بنيانه على يدى فاوحى اللّه اليه ان اومر ابنك سليمان يبينه والغرض من هذه الحكاية مراعاة هذه النشأة الانسانية وان اقامتها اولى من هدمها ألا ترى الى اعداء الدين انه قد فرض اللّه فى حقهم الجزية والصلح ابقاء عليهم وعن ابى هريرة رضى اللّه عنه ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال ( أتدرون من المفلس ) قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع قال ( ان المفلس من امتى من يأتى يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام ويأتى قد شتم هذا وقذف هذا واكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل انقضاء ما عليه اخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح فى النار ) وفى الحديث ( اول ما يحاسب عليه العبد الصلاة واول ما يقضى بين الناس فى الدماء ثم يحاسب العبد ويقضى عليه فى حق زكاته وغيرها هل منعها او اداها ) الى غير ذلك من الاحوال الجزئية ثم اعلم ان المقتول اذا اقتص منه الولى فذلك جزاؤه فى الدنيا وفيما بين القاتل والمقتول الاحكام باقية فى الآخرة لان الولى وان قتله فانما اخذ حق نفسه للتشفى ودرء الغيظ فاما المقتول فلم يكن له فى القصاص منفعة كذا فى تفسير الحدادى ولا كفارة فى القتل العمد لقوله عليه السلام ( خمس من الكبائر لا كفارة فيهن الاشراك باللّه وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وقتل النفس عمدا واليمين الغموس ) والولى مخير بين ثلاث فى القتل العمد القصاص والدية والعفو وذلك لان فى شرع موسى عليه السلام القصاص وهو القتل فقط وفى دين عيسى عليه السلام العقل او العفو فحسب وفى ملتنا للتشفى القصاص وللترفه الدية وللتكرم العفو وهو افضل : قال السعدى قدس سره بدى رابدى سهل باشد جزا ... اكر مردى احسن الى من اسا والاشارة فى الآية ان القلب مؤمن فى اصل الفطرة والنفس كافرة فى اصل الخلقة وبينهما عداوة جبلية وقتال اصلى وتضاد كلى فان فى حياة القلب موت النفس وفى حياة النفس موت القلب فلما كانت نفوس الكفار حية كانت قلوبهم ميتة فسماهم اللّه الموتى ولما كانت نفس الصديق ميتة وقلبه حيا قال النبى عليه السلام ( من اراد ان ينظر الى ميت يمشى على وجه الارض فلينظر الى الصديق ) فالاشارة فى قوله { ومن يقتل مؤمنا متعمدا } الى القلب والنفس يعنى النفس الكافرة اذا قتلت قلبا مؤمنا متعمدا للعداوة الاصلية باستيلاء صفاتها البهيمية والسبعية والشيطانية على القلب الروحانى وغلبة هواها عليه حتى يموت القلب بسمها القاتل { فجزاؤه } اى جزاء النفس { جهنم } وهى سفل عالم الطبيعة { خالدا فيها } لان خروج النفس عن سفل الطبيعة انما كان بحبل الشريعة والتمسك بحبل الشريعة انما كان من خصائص القلب المؤمن كقوله تعالى { ثم رددناه اسفل سافلين الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } فالايمان والعمل الصالح من شأن القلب وصنيعه فاذا مات القلب وانقطع عمله تخلد النفس فى جهنم سفل عالم الطبيعة ابدا { وغضب اللّه عليه ولعنه } بان يبعدها ويطردها عن الحضرة والقربة ويحرمها من ايصال الخير والرحمة اليها بخطاب ارجعى الى ربك { واعد له عذابا عظيما } هجرانا عن حضرة العلى العظيم وحرمانا من جنات النعيم كذا فى التأويلات النجمية ٩٤ { يا ايها الذين آمنوا } نزلت الآية فى شان مرداس بن نهيك من اهل فدك وكان اسلم ولم يسلم من قومه غيره وكان عليه السلام بعث سرية الى قومه كان عليها غالب بن فضالة الليثى فلما وصلت السرية اليهم هربوا وبقى مرداس ثقة باسلامة فلما وصلوا فدك كبروا وكبر مرداس معهم وكان فى سفح جبل ومعه غنمه فنزل اليهم وقال لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه السلام عليكم فقتله اسامة بن زيد وساق غنمه فاخبروا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بذلك فوجد وجدا شديدا وقال ( قتلتموه ارادة ما معه وهو يقول لا اله الا اللّه ) فقال اسامة انه قال بلسانه دون قلبه وفى رواية انما قالها خوفا من السلاح فقال عليه السلام ( هلا شققت عن قلبه فنظرت أصادق هو ام كاذب ) ثم قرأ الآية على اسامة فقال يا رسول اللّه استغفر لى فقال ( فكيف بلا اله الا اللّه ) قال اسامة فما زال صلى اللّه عليه وسلم يعيدها حتى وددت ان لم اكن اسلمت الا يومئذ ثم استغفر لى وامر برد الاغنام وتحرير رقبة مؤمنة والمعنى ايها المؤمنون { اذا ضربتم فى سبيل اللّه } اى سافرتم وذهبتم للغزو من قول العرب ضربت فى الارض اذا سرت لتجارة او غزو او نحوهما { فتبينوا } التفعل بمعنى الاستفعال الدال على الطلب اى اطلبوا بيان الامر فى كل ما تأتون وما تذرون ولا تعجلوا فيه بغير تدبر وروية { ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام } اى لمن حياكم بتحية الاسلام { لست مؤمنا } وانما اظهرت ما اظهرت متعوذا بل اقبلوا منه ما اظهره وعاملوه بموجبه { تبتغون عرض الحيوة الدنيا } حال من فاعل لا تقولوا منبىء عما يحملهم على العجلة وترك التأنى لكن لا على ان يكون النهى راجعا الى القيد فقط كما فى قولك لا تطلب العلم تبتغى به الجاه بل اليهما جميعا اى لا تقولوا له ذلك حال كونكم طالبين لماله الذى هو حطام سريع النفاد وعرض الدنيا ما يتمتع به فيها من المال نقدا كان او غيره قليلا كان او كثيرا يقال الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر وتسميته عرضا تنبيه على انه سريع الفناء قريب الانقضاء { فعند اللّه مغانم كثيرة } تغنيكم عن قتل امثاله لماله وهو تنبيه على ان ثواب اللّه تعالى موصوف بالدوام والبقاء { كذلك } اى مثل ذلك الذى القى اليكم السلام { كنتم } انتم ايضا { من قبل } اى فى مبادى اسلامكم لا يظهر منكم للناس غير ما ظهر منه لكم من تحية الاسلام ونحوها { فمن اللّه عليكم } بان قبل منكم تلك الرتبة وعصم بها دماءكم واموالكم ولم يأمر بالتفحص عن سرائركم. الفاء للعطف على كنتم { فتبينوا } الفاء فصيحة اى اذا كان الامر كذلك فاطلبوا بيان هذا الامر البين وقيسوا حاله بحالكم وافعلوا ما فعل بكم فى اوائل اموركم من قبول ظاهر الحال من غير وثوق على تواطئ الظاهر والباطن { ان اللّه كان بما تعملون } من الاعمال الظاهرة والخفية وبكيفياتها { خبيرا } فيجازيكم بحسبها ان خيرا فخير وان شرا فشر فلا تتهافتوا فى القتل واحتاطوا فيه قال الامام الغزالى رحمه اللّه الخبير هو الذى لا تعزب عنه الاخبار الباطنة ولا يجرى فى الملك والملكوت شىء ولا تحرك ذرة ولا تسكن ولا تضطرب نفس ولا تطمئن الا ويكون عنده خبر وهو بمعنى العليم لكن العلم اذا اضيف الى الخفايا الباطنة سمى خبرة ويسمى صاحبه خبيرا وحظ العبد من ذلك ان يكون خبيرا بما يجرى فى عالمه وعالمه قلبه وبدنه واظهار الخير والبخل باظهار الاخلاص والافلاس عنه ولا يعرفها الا ذو خبرة بالغة قد خبر نفسه ومارسها وعرف مكرها وتلبيسها وخدعها فحاربها وتشمر لمعاداتها واخذ الحذر منها فذلك من العباد جدير بان يسمى خبيرا انتهى كلام الامام : قال السعدى نمى تازد اين نفس سركش جنان ... كه عقلش تواند كرفتن عنان كه بانفس وشيطان بر آيد بزور ... مصاف بلنكان نبايد زمور ودلت الآية على ان المجتهد قد يخطىء كما اخطأ اسامة وان خطاءه قد كان مغتفرا حيث لم يقتص منه وعلى ان الذكر اللسانى معتبر كما ان ايمان المقلد صحيح لكن ينبغى للمؤمن ان يترقى من الذكر اللسانى الى الذكر القلبى ثم الى الذكر الروحى ويحصل له التعين والمعرفة ويخلص من ظلمة الجهل ويتنور بنور المعرفة لان الانسان يموت كما يعيش عن ابن عباس ان جبريل عليه السلام جاء الى النبى عليه السلام فقال يا محمد ان ربك يقرئك السلام وهو يقول مالى اراك مغموما حزينا قال عليه السلام ( يا جبريل طال تفكرى فى امتى يوم القيامة ) قال أفى امر اهل الكفر ام اهل الاسلام فقال ( يا جبريل فى امر اهل لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه ) فاخذ بيده حتى اقامه الى مقبرة بنى سلمة ثم ضرب بجناحه الايمن على قبر ميت قال قم باذن اللّه فقام الرجل مبيض الوجه وهو يقول لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه فقال جبريل عد الى مكانك فعاد كما كان ثم ضرب بجناحه الايسر فقال قم باذن اللّه فخرج رجل مسود الوجه ارزق العينين وهو يقول واحسرتاه واندامتاه فقال له جبريل عد الى مكانك فعاد كما كان ثم قال يا محمد على هذا يبعثون يوم القيامة وعند ذلك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( تموتون كما تعيشون وتبعثون كما تموتون ) هركسى آن درود عاقبت كار كه كشت والاشارة فى الآية الى البالغين الواصلين بالسير الى اللّه ان { يا ايها الذين آمنوا } ووفقوا لمجرد الايمان بالغيب { اذا ضربتم فى سبيل اللّه } يعنى سرتم بقدم السلوك فى طلب الحق حتى صار الايمان ايقانا والايقان احسانا والاحسان عيانا والعيان غيبا وصار الغيب شهادة والشهادة شهودا والشهود شاهدا والشاهد مشهودا وبهما اقسم اللّه بقوله { وشاهد ومشهود } فافهم جدا وهذا مقام الشيخوخية { فتبينوا } عن حال المريدين وتثبتوا فى الرد والقبول وفى قوله { ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام لست مؤمنا } اشارة الى ارباب الطلب فى البدء والارادة اى اذا تمسك احد بذيل ارادتكم والقى اليكم السلام بالانقياد والاستسلام لكم فلا تقولوا لست مؤمنا اى صادقا مصدقا فى التسليم لاحكام الصحبة وقبول التصرف فى المال والنفس على شرط الطريقة ولا تردوه ولا تنفروه بمثل هذه التشديدات وقولوا له كما امر اللّه موسى وهارون عليهما السلام { فقولا له قولا لينا } فما انتم اعز من الانبياء ولا المريد المبتدئ اذل من فرعون ولا يهولنكم امر رزقه فتجتنبون منه طلبا للتخفيف والى هذا المعنى اشار بقوله { تبتغون عرض الحيوة الدنيا } فلا تهتموا لاجل الرزق { فعند اللّه مغانم كثيرة } من يتق اللّه يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب { كذلك كنتم من قبل } اى كذلك كنتم ضعفاء فى الصدق والطلب محتاجين الى الصحبة والتربية بدواء الارادة { فمن اللّه عليكم } بصحبة المشايخ وقبولهم اياكم والاقبال على تربيتكم وايصال رزقكم اليكم وشفقتهم وعطفهم عليكم { فتبينوا } ان تردوا صادقا اهتماما لرزقه او تقبلوا كاذبا حرصا على تكثير المريدين { ان اللّه كان } فى الازل { بما تعملون } اليوم من الرد والقبول والاحتياج الى الرزق الذى تهتمون له { خبيرا } بتقدير امور قدرها فى الازل وفرغ منها كما قال عليه السلام ( ان اللّه فرغ من الخلق والرزق والاجل ) وقال ( الضيف اذا نزل نزل برزقه واذا ارتحل ارتحل بذنوب مضيفه ) كذا فى التأويلات النجمية ٩٥ { لا يستوى القاعدون } عن الجهاد { من المؤمنين } حال من القاعدين اى كائنين من المؤمنين وفائدتها الايذان من اول الامر بعدم اخلال وصف القعود بايمانهم والاشعار بعلة استحقاقهم كما سيأتى من الحسنى { غير اولى الضرر } بالرفع صفة للقاعدون فان قلت كلمة غير لا تتعرف بالاضافة فكيف جاز كونها صفة للمعرفة قلت اللام فى القاعدون للّهعد الذهنى فهو جار مجرى النكرة حيث لم يقصد به قوم باعيانهم والا ظهر انه بدل من القاعدون. والضرر المرض والعاهة من عمى او عرج او شلل او زمانة او نحوها وفى معناه العجز عن الاهبة عن زيد بن ثابت رضى اللّه عنه انه قال كنت الى جنب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فغشيته السكينة فوقعت فخذه على فخذى حتى خشيت ان ترضها اى تكسرها ثم سرى عنه وازيل ما عرض له من شدة الوحى فقال ( اكتب فكتبت لا يستوى القاعدون من المؤمنين والمجاهدون ) فقال ابن ام مكتوم وكان اعمى يا رسول اللّه وكيف بمن لا يستطيع الجهاد من المؤمنين فغشيته السكينة كذلك ثم سرى عنه فقال ( اكتب لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر ) قال زيد انزلها اللّه وحدها فالحقتها فالمراد بالقاعدين هم الاصحاء الذين اذن لهم فى القعود عن الجهاد اكتفاء بغيرهم لان الغزو فرض كفاية قال ابن عباس رضى اللّه عنهما هم القاعدون عن بدر والخارجون اليها وهو الظاهر الموافق لتاريخ النزول { والمجاهدون } عطف على القاعدون { فى سبيل اللّه باموالهم وانفسهم } اى لا مساواة بينهم وبين من قعد عن الجهاد من غير علة فى الاجر والثواب فان قلت معلوم ان القاعد بغير عذر والمجاهد لا يستويان فما فائدة نفى الاستواء قلت فائدته تذكير ما بينهما من التفاوت العظيم ليرغب القاعد فى الجهاد رفعا لرتبته وانفة عن انحطاط منزلته { فضل اللّه المجاهدين باموالهم وانفسهم } جملة موضحة لما نفى الاستواء فيه فان انتفاء الاستواء بينهما يحتمل ان يكون بزيادة درجة احدهما على درجة الآخر وبنقصانها فبين اللّه تعالى بهذه الجملة ان انتفاء استوائهما انما هو بانه تعالى فضل المجاهدين كأنه قيل ما لهم لا يستوون فاجيب بذلك { على القاعدين } غير اولى الضرر لكون الجملة بيانا للجملة الاولى المتضمنة لهذا الوصف { درجة } تنوينها للتفخيم كما سيأتى ونصبها بنزع الخافض اى بدرجة او على المصدرية لانه لتضمنه معنى التفضيل ووقوعه موقع المرة من التفضيل كان بمنزلة ان يقال فضلهم تفضيلة واحدة ونظيره قولك ضربه سوطا بمعنى ضربه ضربة { وكلا } من القاعدين والمجاهدين { وعد اللّه الحسنى } اى المثوبة الحسنى وهى الجنة لحسن عقيدتهم وخلوص نيتهم وانما التفاوت فى زيادة العمل المقتضى لمزيد الثواب. قوله كلا مفعول اول لوعد والحسنى مفعوله الثانى وتقديم الاول على الفعل لافادة القصر تأكيدا للوعد اى كلا منهما وعد اللّه الحسنى لا احدهما فقط والجملة اعتراض جيئ بها تداركا لما عسى يوهمه تفضيل احد الفريقين على الآخر من حرمان المفضول قال الفقهاء وهذا يدل على ان الجهاد فرض كفاية وليس مفروضا على كل احد بعينه لانه تعالى وعد القاعدين عنه الحسنى كما وعد المجاهدين ولو كان الجهاد واجبا على كل احد على التعيين لما كان القاعد اهلا لوعد اللّه تعالى اياه بالحسنى { وفضل اللّه المجاهدين على القاعدين } عطف على قوله فضل اللّه { اجرا عظيما } نصب على المصدر لان فضل بمعنى آجر اى آجرهم اجرا عظيما وايثاره على ما هو مصدر من فعله للاشعار بكون ذلك التفضيل اجرا لاعمالهم او مفعول ثان لفضل لتضمنه معنى الاعطاء اى واعطاهم زيادة على القاعدين اجرا عظيما. وقيل نصب بنزع الخافض اى فضلهم باجر عظيم ٩٦ { درجات } بدل من اجرا بدل الكل مبين لكمية التفضيل { منه } صفة لدرجات دالة على فخامتها وجلالة قدرها اى درجات كائنة منه تعالى وهى سبعون درجة ما بين كل درجتين عدو الفرس الجواد المضمر سبعين خريفا او سبعمائة درجة وفى الحديث ( ان فى الجنة مائة درجة اعدها اللّه تعالى للمجاهدين فى سبيله ما بين الدرجتين كما بين السماء والارض ) ويجوز ان يكون انتصاب درجات على المصدرية كما فى قولك ضربه اسواطا اى ضربات كأنه قيل فضلهم تفضيلات { ومغفرة } بدل من اجرا بدل البعض لان بعض الاجر ليس من باب المغفرة اى مغفرة لما يفرط منهم من الذنوب التى لا يكفرها سائر الحسنات التى لا يأتى بها القاعدون ايضا حتى تعد من خصائصهم { ورحمة } بدل الكل من اجرا مثل درجات ويجوز ان يكون انتصابهما باضمار فعلهما اى غفر لهم مغفرة ورحمهم رحمة هذا ولعل تكرير التفضيل بطريق العطف المنبىء عن المغايرة وتقييده تارة بدرجة واخرى بدرجات مع اتحاد المفضل والمفضل عليه حسبما يقتضيه الكلام ويستدعيه حسن الانتظام اما لتنزيل الاختلاف العنوانى بين التفضيلين وبين الدرجة والدرجات منزلة الاختلاف الذاتى تمهيدا لسلوك طريقة الايهام ثم التفسير روما لمزيد التحقيق والتقرير كما فى قوله تعالى { فلما جاء امرنا نجنيا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ } كأنه قيل فضل اللّه المجاهدين على القاعدين درجة لا يقادر قدرها ولا يفهم كنهها وحيث كان تحقق هذا العنوان البعيد بينهما موهما لحرمان القاعدين قيل وكلا وعد اللّه الحسنى ثم اريد تفسير ما افاده التنكير بطريق الابهام بحيث يقطع احتمال كونه للوحدة فقيل ما قيل وللّه در شأن التنزيل واما للاختلاف بالذات بين التفضيلين وبين الدرجة والدرجات على ان المراد بالتفضيل الاول ما خولهم اللّه تعالى عاجلا فى الدنيا من الغنيمة والظفر والذكر الجميل الحقيق بكونه درجة واحدة وبالتفضيل الثانى ما انعم به فى الآخرة من الدرجات العالية الفائتة للحصر كما ينبىء عنه تقديم الاول وتأخير الثانى وتوسيط الوعد بالجنة بينهما كأنه قيل فضلهم عليهم فى الدنيا درجة واحدة وفى الآخرة درجات لا تحصى وقد وسط بينهما فى الذكر ما هو متوسط بينهما فى الوجود اعنى الوعد بالجنة توضيحا لحالهما ومسارعة الى تسلية المفضول واللّه سبحانه اعلم. وقيل المجاهدون الاولون من جاهد الكفار والآخرون من جاهد نفسه وعليه قوله عليه السلام ( رجعنا من الجهاد الى الجهاد الاكبر ) { وكان اللّه غفورا } لذنوب من جاهد فى سبيله { رحيما } يدخله الجنة برحمته وهو تذييل مقرر لما وعد من المغفرة والرحمة قال القشيرى رحمه اللّه ان اللّه سبحانه جمع اولياءه فى الكرامات لكنه غاير بينهم فى الدرجات فمن غنى وغيره اغنى منه ومن كبير وغيره اكبر منه هذه الكواكب منيرة لكن القمر فوقها واذا طلعت الشمس بهرت اى غلبت جميعها بنورها انتهى فالجنة مشتركة بين الواصلين البالغين والطالبين المنقطعين بعذر وعوام المؤمنين القاعدين عن الطلب بلا عذر لكن الطائفة الاولى فى واد والاخريان فى واد آخر لا يستوون عند اللّه تعالى : قال المولى الجامى قدس سره اى كمند بدن جو طفل صغير ... مانده دردست خواب غفلت اسير بيش ازان كت اجل كند بيدار ... كر نمردى زخواب سر بردار انما السائرون كل رواح ... يحمدون السرى لدى الاصباح ودلت الآية على ان اولى الضرر مساوون للمجاهدين فى الاجر والثواب روى عنه عليه السلام انه لما رجع من غزوة تبوك ودنا من المدينة قال ( ان فى المدينة لأقواما ما سرتم من مسير ولا قطعتم من واد الا كانوا معكم فيه ) قالوا يا رسول اللّه وهم بالمدينة قال ( نعم وهم بالمدينة حبسهم حابس العذر ) وهم الذين صحت نياتهم وتعلقت قلوبهم بالجهاد وانما منعهم عن الجهاد الضرر هر كسى از همت والاى خويش ... سود برد درخور كالاى خويش قال عليه السلام ( اذا مرض العبد قال اللّه تعالى اكتبوا لعبدى ما كان يعمله فى الصحة الى ان يبرأ ) وقال المفسرون فى قوله تعالى { ثم رددناه اسفل سافلين الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } ان من صار هرما كتب اللّه له اجر عمله قبل هرمه غير منقوص وقالوا فى تفسير قوله عليه السلام ( نية المؤمن خير من عمله ) ان المؤمن ينوى الايمان والعمل الصالح لو عاش ابدا فيحصل له ثواب تلك النية ابدا قالوا هذه المساواة مشروطة بشريطة اخرى سوى الضرر قد ذكرت فى قوله تعالى فى اواخر سورة التوبة { ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج اذا نصحوا للّه ورسوله } والنصيحة لهما طاعة لهما والطاعة لهما فى السر والعلن وتوليهما فى السراء والضراء والحب فيهما والبغض فيهما كما يفعل الموالى الناصح بصاحبه كذا فى تفسيره الارشاد واعلم ان الجهاد من افاضل المكاسب واماثل الحرف فلا ينبغى للعاقل ان يترك الجهاد او التحدث به فان من مات ولم يغزو ولم يحدث به نفسه فقد مات ميتة جاهلية ومعنى التحدث طلبه الغزو واخطاره بالبال قال بعض الكبار السبق بالهمم لا بالقدم وفى الحديث ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) ومعناه ان من انعم اللّه عليه بهاتين النعمتين وهما صحة الجسد بالعافية التى هى كالتاج على رؤس الاصحاء لا يراه الا السقيم والفراغ من شواغل الدنيا وعلقها فمن حصل له هاتان النعمتان واشتغل عن القيام بواجب حق اللّه تعالى فهذا هو الذى غبن بضياع حظه ونصيبه من طاعة اللّه وبذل النفس فى الخدمة وتحصيل ما ينفعه لآخرته من انواع الطاعات والقربات اللّهم اجعلنا من المنتفعين بحياتهم والمتوجهين اليك فى مرضهم وصحتهم ولا تقطعنا عنك ولو لحظة عين ولا تشغلنا عن الوصل بالبين انك انت الغفور الرحيم ٩٧ { ان الذين توفاهم الملائكة } يحتمل ان يكون ماضيا فيكون اخبارا عن احوال قوم معينين انقرضوا ومضوا وان يكون مضارعا قد حذف منه احدى التاءين واصله تتوفاهم وعلى هذا تكون الآية عامة فى حق كل من كان بهذه الصفة والظاهر ان لفظ المضارع ههنا على حكاية الحال الماضية والقصد الى استحضار صورتها بشهادة كون خبر انّ فعلا ماضيا وهو قالوا والمراد بتوفى الملائكة اياهم قبض ارواحهم عند الموت والملك الذى فوض اليه هذا العمل هو ملك الموت وله اعوان من الملائكة واسناد التوفى الى اللّه تعالى فى قوله { اللّه يتوفى الانفس } وفى قوله { هو الذى يحييكم ثم يميتكم } مبنى على ان خالق الموت هو اللّه تعالى { ظالمى انفسهم } فى حال ظلمهم انفسهم بترك الهجرة واختيار مجاورة الكفرة الموجبة للاخلال بامور الدين فانها نزلت فى ناس من مكة قد اسلموا ولم يهاجروا حين كانت الهجرة فريضة فانه تعالى لم يكن يقبل الاسلام بعد هجرة النبى صلى اللّه عليه وسلم الى المدينة الا بالهجرة اليها ثم نسخ ذلك بعد فتح مكة بقوله عليه السلام ( لا هجرة بعد الفتح ) قال اللّه تعالى فيمن آمن وترك الهجرة { الذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شىء حتى يهاجروا} وهو حال من ضمير توفاهم فانه وان كان مضافا الى المعرفة وحق الحال ان يكون نكرة الا ان اصله ظالمين انفسهم فتكون الاضافة لفظية { قالوا } اى الملائكة للمتوفين تقريرا لهم بتقصيرهم فى اظهار اسلامهم واقامة احكامه من الصلاة ونحوها وتوبيخا لهم بذلك { فيم كنتم } اى فى اى شىء كنتم من امور دينكم كأنه قيل فماذا قالوا فى الجواب فقيل { قالوا } متجانفين عن الاقرار الصريح بما هم فيه من التقصير متعللين بما يوجبه على زعمهم { كنا مستضعفين فى الارض } اى فى ارض مكة عاجزين عن القيام بمواجب الدين فيما بين اهلها { قالوا } ابطالا لتعللّهم وتبكيتا لهم { ألم تكن ارض اللّه واسعة فتهاجروا فيها } الى قطر آخر منها تقدرون فيه على اقامة امور الدين كما فعله من هاجر الى المدينة والى الحبشة وقيل كانت الطائفة المذكورة قد خرجوا مع المشركين الى بدر فقتلوا فيها فضربت الملائكة وجوههم وادبارهم وقالوا لهم ما قالوا فيكون ذلك منهم تقريعا لهم وتوبيخا لهم بما كانوا فيه من مساعدة الكفرة بانتظامهم فى عسكرهم ويكون جوابهم بالاستضعاف تعللا بانهم كانوا مقهورين تحت ايديهم وانهم اخرجوهم اى الى بدر كارهين فرد عليهم بانهم كانوا بسبيل من الخلاص من قهرهم متمكنين من المهاجرة { فاولئك } الذين حكيت احوالهم الفظيعة { مأواهم } اى فى الآخرة { جهنم } كما ان مأواهم فى الدنيا دار الكفر لتركهم الواجب ومساعدتهم الكفار وكون جهنم مأواهم نتيجة لما قبله وهو الجملة الدالة على ان لا عذر لهم فى ذلك اصلا فعطف عليه عطف جملة على اخرى { وساءت مصيرا } مصيرهم جهنم ٩٨ { الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان } الاستثناء منقطع فان المتوفين ظالمين انفسهم اما مرتدون او عصاة بتركهم الهجرة مع القدرة عليها وهؤلاء المستضعفون اى المستذلون المقهورون تحت ايدى الكفار ليسوا بقادرين عليها فلم يدخلوا فيهم فكان الاستثناء منقطعا والجار والمجرور حال من المستضعفين اى كائنين منهم فان قلت المستثنى المنقطع وان لم يكن داخلا فى المستثنى منه لكن لا بد ان يتوهم دخوله فى حكم المستثنى منه ومن المعلوم ان لا يتوهم دخول الاطفال فى الحكم السابق وهو كون مأواهم جهنم فكيف ذكر فى عداد المستثنى قلت للمبالغة فى التحذير من ترك الهجرة وايهام انها لو استطاعها غير المكلفين لوجبت عليهم والاشعار بانه لا محيص لهم عنها البتة تجب عليهم اذا بلغوا حتى كأنها واجبة عليهم قبل البلوغ لو استطاعوا وان قوامهم يجب عليهم ان يهاجروا بهم متى امكنت { لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا } صفة للمستضعفين اذ لا توقيت فيه فيكون فى حكم المنكر واستطاعة الحيلة وجد ان اسباب الهجرة وما تتوقف عليه واهتداء السبيل معرفة طريق الموضع المهاجر اليه بنفسه او بدليل ٩٩ { فاولئك } اشارة الى ان المستضعفين الموصوفين بما ذكر من صفات العجز { عسى اللّه ان يعفو عنهم } ذكر بكلمة الاطماع ولفظ العفو ايذانا بان ترك الهجرة امر خطير حتى ان المضطر من حقه ان لا يأمن ويترصد الفرصة ويعلق بها قلبه { وكان اللّه عفوا غفورا } معنى كونه عفوا صفحه واعراضه عن العقوبة ومعنى كونه غفورا ستر القبائح والذنوب فى الدنيا والآخرة فهو كامل العفو تام الغفران : قال السعدى قدس سره بس برده بيند عملهاى بد ... هم اوبرده بوشد ببالاى خود وفى الآية الكريمة ارشاد الى وجوب المهاجرة من موضع لا يتمكن الرجل فيه من اقامة امور دينه بأى سبب كان وعن النبى صلى اللّه عليه وسلم ( من فر بدينه من ارض الى ارض وان كان شبرا من الارض استوجبت له الجنة وكان رفيق ابيه ابراهيم ونبيه محمد عليه السلام ) قال الحدادى فى تفسيره فى قوله تعالى { ألم تكن ارض اللّه واسعة فتهاجروا فيها } دليل انه لا عذر لاحد فى المقام على المعصية فى بلده لاجل المال والولد والاهل بل ينبغى ان يفارق وطنه ان لم يمكنه اظهار الحق فيه ولهذا روى عن سعد بن جبير انه قال اذا عمل بالمعاصى بارض فاخرج منها سعد يا حب وطن كرجه حديث است صحيح ... نتوان مرد بسختى كه من انيجاز آدم والاشارة فى الآية ان المؤمن عام وخاص وخاص الخاص كقوله { فمنهم ظالم لنفسه } وهو العام { ومنهم مقتصد } وهو الخاص { ومنهم سابق بالخيرات } وهو خاص الخاص { فالذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم } هم العوام الذين ظلموا أنفسهم بتدسيتها من غير تزكيتها عن اخلاقها الذميمة وتحليتها بالاخلاق الحميدة ليفلحوا فحابوا وخسروا كما قال تعالى { قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها } { قالوا فيم كنتم } اى قالت الملائكة حين قبضوا ارواحهم فى اى غفلة كنتم تضيعون اعماركم وتبطلون استعدادكم الفطرى وفى اى واد من اودية الهوى تهيمون وفى اى روضة من رياض الدنيا كنتم تؤثرون الفانى على الباقى وتنسون الطهور والساقى واخوانكم يجاهدون فى سبيل اللّه باموالهم وانفسهم ويهاجرون عن الاوطان ويفارقون الاخوان والاخدان { قالوا كنا مستضعفين فى الارض } اى عاجزين فى استيلاء النفس الامارة وغلبة الهوى مأسورى الشيطان فى حبس البشرية { قالوا ألم تكن ارض اللّه } اى ارض القلب { واسعة فتهاجروا فيها } فتحرجوا من مضيق ارض البشرية فتسلكوا فى فسحة عالم الروحانية بل تطيروا فى هواء الهوية { فاولئك } يعنى ظالمى أنفسهم { مأواهم جهنم } البعد عن مقامات القرب { وساءت مصيرا } جهنم البعد لتاركى القرب والمتقاعدين عن جهاد النفس { الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان } الذى صفتهم { لا يستطيعون حيلة } فى الخروج عن الدنيا لكثرة العيال وضعف الحال ولا على قهر النفس وغلبة الهوى ولا على قمع الشيطان فى طلب الهدى { ولا يهتدون سبيلا } الى صاحب ولاية يتمسكون بعروته الوثقى ويعتصمون بحبل ارادته فى طلب المولى فيخرجهم من ظلمات ارض البشرية الى نور سماء الربوبية على اقدام العبودية وهم المقتصدون المشتاقون ولكنهم بحجب الانانية محجوبون ومن شهود جمال الحق محرومون فعذرهم بكرمه ووعدهم رحمته وقال { فاولئك عسى اللّه ان يعفو عنهم } السكون عن اللّه والركون الى غير اللّه { وكان اللّه } فى الازل { عفوا } ولعفوه امكنهم التقصير فى العبودية { غفورا } ولغفرانه امهلهم فى اعطاء حق الربوبية كذا فى التأويلات النجمية ١٠٠ { ومن يهاجر فى سبيل اللّه } ترغيب فى المهاجرة وتأنيس لها وسبيل اللّه ما امر بسلوكه { يجد فى الارض مراغما كثيرا } اى متحولا يتحول اليه ومهاجرا وانما عبر عنه بذلك تأكيدا للترغيب لما فيه من الاشعار يكون ذلك المتحول بحيث يصل المهاجر بما فيه من الخير والنعمة الى ما يكون سببا لرغم انف قومه الذين هاجرهم. والرغم الذل والهوان واصله لصوق الانف بالرغام وهو التراب يقال ارغم اللّه انفهاى الصقه بالرغام ولما كان الانف من جملة الاعضاء فى غاية العزة والتراب فى غاية الذلة جعل قولهم رغم انفه كناية عن الذلة { وسعة } فى الرزق واظهار الدين { ومن يخرج من بيته مهاجرا } اى مفارقا قومه واهله وولده { الى اللّه ورسوله } اى الى طاعة اللّه وطاعة رسوله { ثم يدركه الموت } اى قبل ان يصل الى المقصد وان كان ذلك خارج بابه كما ينبىء عنه ايثار الخروج من بيته على المهاجرة { فقد وقع اجره على اللّه } الوقوع والوجوب متقاربان والمعنى ثبت اجره عند اللّه ثبوت الامر الواجب { وكان اللّه غفورا } مبالغا فى المغفرة فيغفر له ما فرط منه من الذنوب التى من جملتها القعود عن الهجرة الى وقت الخروج { رحيما } مبالغا فى الرحمة فيرحمه باكمال ثواب هجرته روى ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما بعث بالآيات المحذرة عن ترك الهجرة الى مسلمى مكة قال جندب بن ضمرة من بنى الليث لبنيه وكان شيخا كبيرا لا يستطيع ان يركب الراحلة احملونى فانى لست من المستضعفين وانى لأهتدى الطريق ولى من المال ما يبلغنى المدينة وابعد منها واللّه لا ابيت الليلة بمكة فحملوه على سرير متوجها الى المدينة فلما بلغ التنعيم وهو موضع قريب من مكة اشرف على الموت فاخذ يصفق بيمينه على شماله ثم قال اللّهم هذه لك وهذه لرسولك ابايعك على ما بايعك عليه رسولك فمات حميدا فلما بلغ خبره اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قالوا لو توفى بالمدينة لكان اتم اجرا وقال المشركون وهم يضحكون ما ادرك هذا ما طلب فانزل اللّه هذه الآية فمن هذا قالوا المؤمن اذا قصد طاعة ثم اعجزه العذر عن اتمامها كتب اللّه له ثواب تمام تلك الطاعة وفى الكشاف قالوا كل هجرة لغرض دينى من طلب علم او حج او جهاد او فرار الى بلد يزداد فيه طاعة او قناعة وزهدا فى الدنيا او ابتغاء رزق طيب فهى هجرة الى اللّه ورسوله وان ادركه الموت فى طريقه فاجره واقع على اللّه انتهى قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره من مات قبل الكمال فمراده يجيئ اليه كما ان من مات فى طريق الكعبة يكتب له اجر حجين يقول الفقير سمى الذبيح المتخلص بحقى سمعت مرة شيخى العارف العلامة ابقاه اللّه بالسلامة وهو يقول عند تفسير هذه الآية ان الطالب الصادق اذا سافر من ارض بشريته الى مقام القلب فمات قبل ان يصل الى مراده فله نصيب من اجر البالغين الى ذلك المقام لصدق طلبه وعدم انقطاعه عن الطريق الى حد الموت بل اللّه يكمله فى عالم البرزخ بوساطة روح من ارواحه او بوساطة فيضه. ومثل هذا جاء فى حق بعض السلاك وله نظير فى الشريعة كما روى عن الحسن البصرى رحمه اللّه انه قال بلغنى ان المؤمن اذا مات ولم يحفظ القرآن امر حفظته ان يعلموه القرآن فى قبره حتى يبعثه اللّه تعالى يوم القيامة مع اهله فاذا كان طالب القرآن الرسمى بالغا الى مراده وانّ فى البرزخ حرصه على التحصيل فليس ببدع ان يكون طالب القرآن الحقيقى واصلا الى مرامه فى عالم المثال المقيد لشغفه على التكميل اقول واما ما قال الشيخ الكبير صدر الدين القنوى قدس سره فى الفلك الآخر من الفلوك من المتفق شرعا وعقلا وكشفا ان كل كمال لم يحصل للانسان فى هذه النشأة وهذه الدار فانه لا يحصل له بعد الموت فى الدار الآخرة انتهى فلعله فى حق اهل الحجاب الذين قعدوا عن الطلب رأسا لا فى حق اهل الحجاب الذين سلكوا فماتوا قبل الوصول الى مكاشفة الافعال ومشاهدة الصفات ومعاينة الذات قال المولى الجامى فى شرح الكلمة الشعبية من الفصوص الحكمية فما يدل على عدم الترقى بعد الموت من قوله تعالى { ومن كان فى هذه اعمى } الآية انما هو بالنسبة الى معرفة الحق لا لمن لا معرفة له اصلا فانه اذا انكشف الغطاء ارتفع العمى بالنسبة الى الدار الآخرة ونعيمها وجحيمها والاحوال التى فيها واما قوله عليه السلام ( اذا مات ابن آدم انقطع عمله ) فهو يدل على ان الاشياء التى يتوقف حصولها على الاعمال لا تحصل وما لا يتوقف عليها بل يحصل بفضل اللّه ورحمته فقد يحصل وذلك من مراتب التجافى انتهى كلامه. فعلى السالك ان لا ينقطع عن الطريق ويرجو من اللّه التوفيق كى يصل الى منزل التحقيق : قال الحافظ الشيرازى كاروان رفت تودرراه كمين كاه بخواب ... وه كه بس بيخبر از غلغل جندين جرسى بال بكشاى صفير از شجر طوبى زن ... حيف باشد جوتومرغى كه اسير قفسى تاجو مجمر نفسى دامن جانان كيرم ... جان نهاديم برآتش زبى خوش نفسى جند بويد بهواى توبهر سو حافظ ... يسر اللّه طريقا بك يا ملتمسى وفى التأويلات النجمية ان الاشارة فى الآية من غاية ضعف الانسان وحياته الحيوانية واستهواء الشيطان يكون الخوف غالبا على الطالب الصادق فى بدء طلبه فكما اراد ان يسافر عن الاوطان ويهاجر عن الاخوان طالبا فوائد اشارة سافروا لتصحوا وتغنموا لازالة مرض القلب ونيل صحة الدين والفوز بغنيمة صحبة شيخ كامل مكمل وطبيب حاذق مشفق ليعالج مرض قلبه ويبلغه كعبة طلبه فتسول له النفس اعداد الرزق وعدم الصبر ويعده الشيطان بالفقر فقال تعالى على قضية { واللّه يعدكم مغفرة منه وفضلا } { ومن يهاجر فى سبيل اللّه } اى طلب اللّه { يجد فى الارض مراغما كثيرا } اى بلادا اطيب من بلاده واخوانا فى الدين احسن من اخوانه { وسعة } فى الرزق. وفيه اشارة اخرى وهى ومن يهاجر عن بلد البشرية فى طلب حضرة الربوبية يجد فى ارض الانسانية مراغما كثيرا اى متحولا ومنازل مثل القلب والروح والسر وسعة اى وسعة فى تلك العوالم الوسيعة او سعة من رحمة اللّه كما اخبر اللّه تعالى على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام عن تلك الوسعة والسعة بقوله ( لا يسعنى ارضى ولا سمائى وانما يسعنى قلب عبدى المؤمن ) فافهم يا كثير الفهم قصير النظر قليل العبر ثم قال دفعا للّهواجس النفسانية والوساوس الشيطانية فى التخويف بالموت والايعاد بالفوت { ومن يخرج من بيته } اى بيت بشريته بترك الدنيا وقمع الهوى وقهر النفس بهجران صفاتها وتبديل اخلاقها { مهاجرا } الى اللّه طالبا له فى مبايعة رسوله { ثم يدركه الموت } قبل وصوله { فقد وقع اجره على اللّه } يعنى فقد اوجب اللّه تعالى على ذمة كرمه بفضله ورحمته ان يبلغه الى اقصى مقاصده واعلى مراتبه فى الوصول بناء على صدق نيته وخلوص طويته اذا كان المانع من اجله ونية المؤمن خير من عمله { وكان اللّه غفورا } لذنب بقية انانية وجوده { رحيما } عليه بتجلى صفة جوده ليبلغ العبد الى كمال مقصوده بمنه وكرمه وسعة جوده انتهى كلام التأويلات ١٠١ { واذا ضربتم فى الارض } شروع فى بيان كيفية الصلاة عند الضرورات من السفر ولقاء العدو والمطر والمرض اى اذا سافرتم اى مسافرة كانت للّهجرة او للجهاد او لغيرهما { فليس عليكم جناح } اى حرج ومأثم فى { ان تقصروا } شيأ { من الصلوة } فهو صفة لمحذوف والقصر خلاف المد يقال قصرت الشىء اى جعلته قصيرا بحذف بعض اجرائه واوصافه فمتعلق القصر حقيقة انما هو ذلك الشىء لا بعضه فانه متعلق الحذف دون القصر وعلى هذا فقوله من الصلوة ينبغى ان يكون مفعولا لتقصروا على زيادة من حسبما رآه الاخفش واما على تقدير ان تكون تبعيضية ويكون المفعول محذوفا كما هو رأى سيبويه اى شيأ من الصلاة فينبغى ان يصار الى وصف الجزء بصفة الكل والمراد قصر الرباعيات بالتنصيف فانها تصلى فى السفر ركعتين فالقصر انما يدخل فى صلاة الظهر والعصر والعشاء دون المغرب والفجر وادنى مدة السفر الذى يجوز فيه القصر عند ابى حنيفة رحمه اللّه مسيرة ثلاثة ايام ولياليها الايام للمشى والليالى للاستراحة بسير الابل ومشى الاقدام بالاقتصاد ولا اعتبار بابطاء الضارب اى المسافر السائر واسراعه فلو سار مسيرة ثلاثة ايام ولياليهن فى يوم قصر ولو سار مسيرة يوم فى ثلاثة ايام لم يقصر ثم تلك المسيرة ستة برد جمع بريد كل بريد اربعة فراسخ وكل فرسخ ثلاثة اميال باميال هاشم جد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو الذى قدر اميال البادية كل ميل اثنا عشر الف قدم وهى اربعة آلاف خطوة فان كل ثلاثة اقدام خطوة وظاهر الآية الكريمة التخيير بين القصر والاتمام وان الاتمام افضل لكن عندنا يجب القصر لا محالة خلا ان بعض مشايخنا سماه عزيمة وبعضهم رخصة اسقاط بحيث لا مساغ للاتمام لا رخصة توفية اذ لا معنى للتخيير بين الاخف والأثقل قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( صدقة تصدق اللّه بها عليكم ) وهو يدل على عدم جواز الا كمال لان التصدق بما لا يحتمل التمليك اسقاط محض لا يحتمل الرد فليس لنا الا التدين بما شرع اللّه والعمل بما حكم قال فى الاشباه القصر للمسافر عندنا رخصة اسقاط بمعنى العزيمة بمعنى ان الاتمام لم يبق مشروعا حتى اثم به وفسدت لو اتم ومن لم يقعد على رأس العزيمة فسدت صلاته لاتصال النافلة بها قبل كمال اركانها وان قعد فى آخر الركعة الثانية قدر التشهد اجزأته الاخريان نافلة ويصير مسيئا بتأخير السلام قال فى تفسير الحدادى المسافر اذا صلى الظهر اربعا ولم يقعد فى الثانية قد التشهد فسدت صلاته كمصلى الفجر اربعا انتهى فان قلت فما تصنع بقوله { فليس عليكم جناح ان تقصروا } فلم ورد ذلك بنفى الجناح قلت لما انهم الفوا الاتمام فكانوا مظنة ان يخطر ببالهم ان عليهم نقصانا فى القصر فصرح بنفى الجناح عنهم لتطيب به نفوسهم ويطمئنوا اليه كما فى قوله تعالى { فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما } مع ان ذلك الطواف واجب عندنا ركن عند الشافعى ثم ان العاصى كالمطيع فى رخصة السفر حتى ان الآبق وقاطع الطريق يقصران لان المقيم العاصى يمسح يوما وليلة كالمقيم المطيع فكذا المسافر ولان السفر ليس بمعصية فلا يعتبر غرض العاصى { ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا } جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه اى ان خفتم ان يتعرضوا لكم بما تكرهون من القتال وغيره فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة والقصر ثابت بهذا النص فى حال الخوف خاصة واما فى حال الامن فالبسنة قال المولى ابو السعود فى تفسيره وهو شرط معتبر فى شرعية ما يذكر بعده من صلاة الخوف المؤداة بالجماعة واما فى حق مطلق القصر فلا اعتبار له اتفاقا لتظاهر السنن على مشروعيته ثم قال بعد كلام بل نقول ان الآية الكريمة مجملة فى حق مقدار القصر وكيفيته وفى حق ما يتعلق به من الصلاة وفى مقدار مدة القصر الذى نيط به القصر فكل ما ورد عنه صلى اللّه عليه وسلم من القصر فى حال الأمن وتخصيصه بالرباعيان على وجه التنصيف وبالضرب فى المدة المعينة بيان لاجمال الكتاب انتهى وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما قال سافر رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم بين مكة والمدينة لا يخاف الا اللّه فصلى ركعتين كذا فى الوسيط { ان الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا } اى ظاهر العداوة وكمال عداوتهم من موجبات التعرض لكم بقتال او غيره ١٠٢ { واذا كنت } يا محمد { فيهم } اى مع المؤمنين الخائفين { فاقمت لهم الصلوة } اى اذا اردت ان تقيم بهم الصلاة قال ابن عباس لما رأى المشركون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم واصحابه قاموا الى صلاة الظهر وهو يؤمهم وذلك فى غزوة ذات الرقاع ندموا على تركهم الاقدام على قتالهم فقال بعضهم دعوهم فان لهم بعدها صلاة هى احب اليهم من آبائهم واولادهم واموالهم يريدون صلاة العصر فان رأيتموهم قاموا اليها فشدوا عليهم فاقتلوهم فنزل جبرائيل عليه السلام بهؤلاء الآيات بين الصلاتين فعلمه كيفية اداء صلاة الخوف واطلعه اللّه على قصدهم ومكرهم ذهب الجمهور الى ان صلاة الخوف ثابتة مشروعة بعده صلى اللّه عليه وسلم فى حق كل الامة غايته انه تعالى علم رسو اللّه صلى اللّه عليه وسلم كيفية اداء الصلاة حال الخوف لتقتدى به الامة فيتناولهم الخطاب الوارد له عليه السلام قال فى الكشاف ان الائمة نواب عن رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم فى كل عصر قوام بما كان يقوم به فكان الخطاب له متناولا لكل امام يكون حاضرا بجماعة فى حال الخوف عليه ان يؤمهم كما ام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الجماعات التى كان يحضرها ألا يرى ان قوله تعالى { خذ من اموالهم صدقة تطهرهم } لم يوجب كونه عليه السلام مخصوصا بها دون غيره من الائمة بعده فكذا صلاة الخوف فاندفع قول من قال صلاة الخوف مخصوصة بحضرة الرسول عليه السلام حيث شرط كونه بينهم { فلتقم طائفة منهم معك } بعد ان جعلتهم طائفتين ولتقف الطائفة الاخرى بازاء العدو ليحرسوكم منهم { وليأخذوا } اى الطائفة القائمة معك وهم المصلون { اسلحتهم } اى لا يضعوها ولا يلقوها وانما عبر عن ذلك بالاخذ للايذان بالاعتناء باستصحابها كأنهم يأخذونها ابتداء { فاذا سجدوا } اى القائمون معك واتموا الركعة { فليكونوا من ورائكم } اى فلينصرفوا الى مقابلة العدو للحراسة { ولتأت طائفة اخرى لم يصلوا } بعد وهى الطائفة الواقفة تجاه العدو للحراسة { فليصلوا معك } الركعة الباقية ولم يبين فى الآية الكريمة حال الركعة الباقية لكل من الطائفتين وقد بين ذلك بالسنة حيث روى عن ابن عمر وابن مسعود ان النبى عليه السلام حين صلى صلاة الخوف صلى بالطائفة الاولى ركعة وبالطائفة الاخرى ركعة كما فى الآية ثم جاءت الطائفة الاولى وذهبت هذه الى العدو حتى قضت الاولى الركعة الاخرى بلا قراءة وسلموا ثم جاءت الطائفة الاخرى وقضوا الركعة الاولى بقراءة حتى صار لكل طائفة ركعتان هذا اذا كان مسافرا او فى الفجر لان الركعة الواحدة شطر صلاته واما اذا كان مقيما او فى المغرب فيصلى بالطائفة الاولى الركعتين لانهما الشطر وفى الكافى لو اخطأ الامام فصلى بالاولى ركعة وبالثانية ركعتين اى فى المغرب فسدت صلاة الطائفتين. وتفصيل كيفية الصلاة عند الخوف من عدو او سبع كفى مؤونته باب الصلاة الخوف فى الفروع فارجع اليه { وليأخذوا } اى هذه الطائفة { حذرهم } وهو التحذر والتيقظ { واسلحتهم } ان قلت الحذر من قبيل المعانى فكيف يتعلق الاخذ الذى لا يتعلق الا بما هو من قبيل الاعيان كالسلاح قلت انه من قبيل الاستعارة بالكناية فانه شبه الحذر بآلة يستعملها الغازى وجعل تعلق الاخذ به دليلا على هذا التشبيه المضمر فى النفس فيكون استعارة تخييلية ولا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز من حيث ان اسناء الاخذ الى الاسلحة حقيقة والى الحذر مجاز وذلك لان الاخذ على حقيقته وانما المجاز ايقاعه فافهم ولعل زيادة الامر بالحذر فى هذه المرة كونها مظنة لوقوف الكفرة على كون كون الطائفة القائمة مع النبى عليه السلام فى شغل شاغل واما قبلها فربما يظنونهم قائمين للحرب وتكليف كل من الطائفتين باخذ الحذر والاسلحة لما ان الاشتغال بالصلاة مظنة لالقاء السلاح والاعراض عن ذكرها ومئنة لهجوم العدو كما ينطق به ما بعد الآية قال الامام الواحدى فى قوله تعالى { وليأخذوا حذرهم } رخصة للخائف فى الصلاة لان يجعل بعض فكره فى غير الصلاة { ود الذين كفروا لو تغفلون عن اسلحتكم وامتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة } الخطاب للفريقين بطريق الالتفات اى تمنوا ان ينالوا منكم غرة وينتهزوا فرصة فيشدوا عليكم شدة واحدة والمراد بالامتعة ما يتمتع به فى الحرب لا مطلقا { ولا جناح عليكم ان كان بكم اذى من مطر او كنتم مرضى ان تضعوا اسلحتكم } رخصة لهم فى وضع الاسلحة ان ثقل عليهم حملها بسبب ما يبلهم من مطر او يضعفهم من مرض وهذا يؤيد ان الامر بالاخذ للوجوب دون الاستحباب وقال الفقهاء حمل السلاح فى صلاة الخوف مستحب لان الحمل ليس من اعمال الصلاة والامر فى قوله تعالى { وليأخذوا حذرهم واسلحتهم } محمول على الندب { وخذوا حذركم } امرهم مع ذلك باخذ الحذر اى بالتيقظ والاحتياط لئلا يهجم عليهم العدو غيلة قال ابن عباس رضى اللّه عنهما غزا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم محاربا ببنى انمار فهزمهم اللّه تعالى فنزل النبى عليه الصلاة والسلام والمسلمون ولا يرون من العدو احدا فوضعوا اسلحتهم وخرج رسول اللّه يمشى لحاجة له وقد وضع سلاحه حتى قطع الوادى والسماء ترش فحال الوادى بينه عليه السلام وبين اصحابه فجلس فى اصل شجرة فبصر به غورث بن الحارث المحاربى فانحدر من الجبل ومعه السيف وقال لاصحابه قتلنى اللّه ان لم اقتل محمدا فلم يشعر رسول اللّه الا وهو قائم على رأسه وقد سل سيفه من غمده فقال يا محمد من يعصمك منى الآن فقال عليه السلام ( اللّه عز وجل ) ثم قال ( اللّهم اكفنى غورث ابن الحارث بما شئت ) ثم اهوى بالسيف الى رسول اللّه ليضربه فانكب على وجهه من زلخة زلخها بين كتفيه فندر سيفه فقام رسول اللّه فاخذه ثم قال ( يا غورث من يمنعك منى ) قال لا احد قال عليه السلام ( تشهد ان لا اله الا اللّه وان محمدا عبده ورسوله واعطيك سيفك ) قال لا ولكن اشهد ان لا اقاتلك ابدا ولا اعين عليك عدوا فاعطاه سيفه فقال غورث واللّه لانت خير منى فقال عليه السلام ( انا احق بذلك منك ) فرجع غورث الى اصحابه فقص عليهم قصته فآمن بعضهم قال وسكن الوادى فرجع رسول اللّه الى اصحابه واخبرهم بالخبر { ان اللّه اعد للكافرين عذابا مهينا } تعليل للامر باخذ الحذر اى اعد لهم عذابا مهينا بان يخذلهم وينصركم عليهم فاهتموا بأموركم ولا تهملوا فى مباشرة الاسباب كى يحل بهم عذابه بايديكم ١٠٣ { فاذا قضيتم الصلوة } صلاة الخوف اى اديتموها على الوجه المبين وفرغتم منها فظهر منه ان القضاء يستعمل فيما فعل فى وقته ومنه قوله تعالى { فاذا قضيتم مناسككم } { فاذكروا اللّه } حال كونكم { قياما } اى قائمين { وقعودا } اى قاعدين { وعلى جنوبكم } اى مضطجعين اى فداوموا على ذكر اللّه تعالى وحافظوا على مراقبته ومناجاته ودعائه فى جميع الاحوال حتى فى حال المسابقة والقتال كما فى قوله تعالى { اذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا اللّه كثيرا لعلكم تفلحون } { فاذا اطمأننتم } سكنت قلوبكم من الخوف وأمنتم بعد ما تضع الحرب اوزارها { فاقيموا الصلوة } اى الصلاة التى دخل وقتها حينئذ اى ادوها بتعديل اركانها ومراعاة شرائعها. ومن حمل الذكر على ما يعم الذكر باللسان والصلاة من الحنفية فله ان يقول فى تفسير الآية فداموا على ذكر اللّه فى جميع الاحوال واذا اردتم اداء الصلاة فصلوها قائمين حال الصحة والقدرة على القيام وقاعدين حال المرض والعجز عن القيام ومضطجعين على الجنوب حال العجز عن القعود { ان الصلوة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } اى فرضا موقتا قال مجاهد وقته تعالى عليهم فلا بد من اقامتها فى حالة الخوف ايضا على الوجه المشروع وقيل مفروضا مقدرا فى الحضر اربع ركعات وفى السفر ركعتين فلا بد ان تؤدى فى كل وقت حسبما قدر فيه قال فى شرح الحكم العطائية ولما علم اللّه تعالى ما فى العباد من وجود الشره المؤدى الى الملل القاطع عن بلوغ العمل جعل الطاعات فى الاوقات اذ جعل فى اليوم خمسا وفى السنة شهرا وفى المائتين خمسا وفى العمر زورة رحمة بهم وتيسيرا للعبودية عليهم ولو لم يقيد الطاعات باعيان الاوقات لمنعهم عنها وجود التسويف فاذا يترك معاملته تعاميا وبطرا وبطالة واتباعا للّهوى وانما وسع الوقت كى تبقى حصة الاختيار وهذا سر الوقت وكان الواجب على الامة ليلة المعراج خمسين صلاة فخفف اللّه عنهم وجازاهم بكل وقت عشرا فاجر خمسين فى خمسة اوقات قالوا وجه كون يوم القيامة على الكافر خمسين الف سنة لانه لما ضيع الخمسين عوقب بكل صلاة الف سنة كما اقروا على انفسهم بقولهم { لمن نك من المصلين } وفى الحديث ( من ترك صلاة حتى مضى وقتها ثم قضى عذب فى النار حقبا ) والحقب ثمانون سنة كل سنة ثلاثمائة وستون يوما كل يوم الف سنة مما تعدون يعنى ترك الصلاة الى وقت القضاء اثم لو عاقب اللّه به يكون جزاءه هكذا ولكن اللّه يتكرم بان لا يجازى به اذا تاب عنه كذا فى مشكاة الانوار وفى الحديث ( خمسة لا تطفأ نيرانهم ولا تموت ديدانهم ولا يخفف عنهم من عذابها. مشرك باللّه. وعاق لوالديه. والزانى بحليلة جاره. ورجل سلم اخاه الى سلطان جائر. ورجل او امرأة سمع المؤذن يؤذن ولم يجب من غير عذر ) يعنى اخرها عن وقتها بغير عذر كذا فى روضة العلماء وفى الحديث ( ما افترض اللّه على خلقه بعد التوحيد شيأ احب اليه من الصلاة ولو كان شىء احب اليه من الصلاة تعبد به ملائكته فمنهم راكع وساجد وقائم وقاعد ) وكان آخر ما اوحى به الى النبى عليه السلام الصلاة وما ملكت ايمانكم واعلم ان للّه عبادا قد منحهم ديمومية الصلاة فهم فى صلاتهم دائمون من الازل الى الابد وليس هذا يدرك بالعقول القاصرة ولا يعقلها الا العالمون باللّه تعالى وفى التأويلات النجمية { ان الصلوة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } يعنى واجبا فى جميع الاوقات حين فرضت بقوله { أقيموا الصلوة } اى اديموها رخص فيها بخمس صلوات فى خمسة اوقات لضرورة ضعف الانسانية كما كان الصلاة الخمس خمسين صلاة حين فرضت ليلة المعراج فجعلها بشفاعة النبى عليه السلام خمسا وهذا لعوام الخلق والا اثبت دوام الصلاة للخواص بقوله { والذين هم على صلوتهم دائمون } وفى المثنوى بنج وقت آمد نماز رهنمون ... عاشقانش فى صلاة دائمون نيست زرغا وظيفه ماهيان ... زانكه بى درياندارد انس وجان هيج كس باخويش زرغبانمود ... هيج كس باخود بنوبت ياربود دردل عاشق بجز معشوق نيست ... درميان شان فارق وفاروق نيست ١٠٤ { ولا تهنوا فى ابتغاء القوم } نزلت فى بدر الصغرى وهى موضع سوق لبنى كنانة كانوا يجتمعون فيها كل عام ثمانية ايام روى ان ابا سفيان قال عند انصرافه من احد يا محمد موعدنا موسم بدر لقابل ان شئت فقال صلى اللّه عليه وسلم ( ان شاء اللّه تعالى ) فلما كان القابل القى اللّه الرعب فى قلبه فندم على ما قال فبعث نعيم بن مسعود ليخوف المؤمنين من الخروج الى بدر فلما أتى نعيم المدينة وجد المؤمنين يتجهزون للخروج فقال لهم ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ففترا المؤمنين فقال عليه السلام ( أخرجن ولو لم يخرج معى احد ) فانزل اللّه هذه الآية ارشادا لمن طرأ عليهم الوهن فى ابتغاء القوم اى طلب ابى سفيان وقوله. والمعنى لا تفتروا ولا تضعفوا فى طلب الكفار بالقتال اى لا يورثنكم ما اصابكم يوم احد من القتل والجراحات فتورا وضعفا { ان تكونوا تألمون } من الجراح { فانهم } اى القوم { يألمون كما تألمون } اى ان كان لكم صارف عن الحرب وهو انكم تألمون من الجراح فلهم مثل ذلك من الصارف ولكم اسباب داعية الى الحرب ليست لهم كما اشار اليها بقوله { وترجون من اللّه } من الثواب والنصر { ما لا يرجون } والحاصل ليس ما تقاسونه من الآلام مختصا بكم بل هو مشترك بينكم وبينهم ثم انهم يصبرون على ذلك فما لكم لا تصبرون مع انكم اولى به منهم حيث ترجون من اللّه من اظهار دينكم على سائر الاديان ومن الثواب فى الآخرة ما لا يخطر ببالهم قطعا { وكان اللّه عليما } مبالغا فى العلم فيعلم اعمالكم وضمائركم { حكيما } فيما يأمر وينهى فجدّوا فى الامتثال بذلك فان فيه عواقب حميدة وفى امره بابتغاء القوم بالقتال لهمة بالغة كاملة ومصلحة تامة شاملة فاطلبوهم بالقتال فان اللّه يعذبهم فى الدنيا بايديكم وفى الآخرة بايدى الزبانية فهل ينتظرون الا سنة اللّه فى الكافرين الاولين وهو انزال العذاب بهم حين كذبوا انبياءهم فلن تجد لسنة اللّه تبديلا بجعل التعذيب غير تعذيب وغير التعذيب تعذيبا ولن تجد لسنة اللّه تحويلا بنقل التعذيب عنهم الى غيرهم والحاصل انه لا يبدل نفس السنة ولا يحول محل السنة اذ لقد حق القول عليهم ولا يتبدل القول لديه وفى الآية الكريمة حث على الشجاعة والتجلد واظهار الغلظة كما قال تعالى { وليجدوا فيكم غلظة } قيل هست نرمى آفت جان سمور ... وزدر شتى ميبرد جان خاربشت قال سلمان الفارسى رضى اللّه عنه اذا اضطرب قلب المؤمن عند محاربة الكافر تتحدر ذنوبه كتحدر اوراق الشجرة بهبوب النسيم وقال عطية بن قيس اذا خرجت غازيا فان خطر ببالى كثرة العدد والعدد رجعت عن السفر خوفا من الغرور وان خطر قلتهما قلت لا حول ولا قوة الا باللّه العلى العظم : ومن كلمات بهرام [ هرآنكه سرتاج دارد بايدكه دل از سربر دارد ] هرآنكه باى نهد در نكار خانه ملك ... يقين كه مال وسروهرجه هست دربازد ومن كلمات السعدى قدس سره درقزا كند مرد بايدبود ... برمخنث سلاح جنك جه سود يقول الفقير سمعت من حضرة شيخى وسندى الذى هو بمنزلة روحى من جسدى انه قال السلطان والوزير بالنسبة الى العساكر الاسلامية كالقلب بالنسبة الى الاعضاء والجوارح الانسانية فاذا ثبت ثبتوا كما ان القلب اذا صلح صلح الجسد كله فان كان اقبال الامام بعشر مراتب كان اقبال قومه بمرتبة واحدة وان كان بمائة مرتبة كان اقبالهم بعشر مراتب وهكذا واما ادباره فعكسه فان كان بمرتبة كان ادبار القوم بعشر مراتب وان كان بعشر مراتب كان ادبارهم بمائة مرتبة وهكذا وليس الدخول بدار من باب تفرج البلدان والخروج الى المسير والتنعم فلا بد لكل مجاهد ان يجتهد فى خدمة الدين ويتوكل على اللّه ويعقد على وعده ويصبر على البلاء حتى يبلغ الكتاب اجله وان اتى الباب فلا يستعجل الامناء ولا يهن ولا يحزن بمكث الفتح المطلوب بل ينتظر الى فرج اللّه بالنصر والفتح عن قريب فان انكسار القلوب مفتاح ابواب الغيوب ومدار انفتاح انواع الفتوح والاشارة فى الآية { ولا تهنوا فى ابتغاء القوم } اى فى طلب النفس وصفاتها والجهاد معها { ان تكونوا تألمون } فى الجهاد معها وتتعبون بالرياضات والمجاهدات وملازمة الطاعات والعبادات ومداومة الذكر ومراقبة القلب فى طلب الحق والقبول والوصول الى المقامات العلية { فانهم } يعنى النفس والبدن فى طلب الشهوات الدنيوية واللذات الحيوانية والمرادات الجسمانية { يألمون } ويتعبون فى طلبها كما تألمون { وترجون من اللّه } العواطف الازلية والعوارف الابدية { ما لا يرجون } النفوس الردية من هممها الدنية التى لا تتجاوز من قصورها عن المقاصد الدنيوية { وكان اللّه } فى الازل { عليما } باستعداد كل طائفة من اصناف الخلق { حكيما } فيما حكم لكل واحد منهم من المقاصد والمشارب قد علم كل اناس مشربهم وكل حزب بما لديهم فرحون ١٠٥ { انا أنزلنا اليك الكتاب } اى القرآن انزالا { بالحق } روى ان رجلا من الانصار يقال له طعمة بن ابيرق من بنى ظفر سرق درعا من جاره قتادة ابن النعمان فى جراب دقيق فجعل الدقيق ينتثر من خرق فيه فخبأها عند زيد بن السمين اليهودى فالتمست الدرع عند طعمة فلم توجد وحلف ما اخذها وماله بها علم فتركوه واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهى الى منزل اليهودى فاخذوها فقال دفعها الى طعمة وشهد له ناس من اليهود على ذلك فقالت بنوا ظفر انطلقوا بنا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسألوه ان يجادل اليهودى ليدفع فضيحة البهتان عن صاحبهم طعمة وقالوا له عليه السلام ان يعاقب اليهودى ويقطع يده بناء على شهادة قوم طعمة على براءته وعلى ان اليهودى هو السارق ولم يظهر له عليه السلام ما يوجب القدح فى شهادتهم بناء على كون كل واحد من الشاهد والمشهود له من المسلمين ظاهرا فلذلك مال طبعه الى نصرة الخائن والذب عنه الا انه لم يحكم بذلك بل توقف وانتظر الوحى فنزلت الآية ناهية عنه ومنبهة على ان طعمة وشهودة كاذبون وان اليهودى هو بريىء من ذلك الجرم { لتحكم بين الناس بما اراك اللّه } اى بما عرفك واوحى به اليك. فاراك ليس من الرؤية البصرية ولا من التى بمعنى العلم والا لاستدعى ثلاثة مفاعيل بل هو منقول من رأيت بمعنى الاتقاد والمعرفة وسميت المعرفة الذكورة رؤية لكونها جارية مجرى الرؤية فى القوة والظهور والخلوص من وجوه الريب { ولا تكن } اى فاحكم به ولا تكن { للخائنين } اى لاجلهم والذب عنهم وهم طعمة ومن يعينه فانه روى ان قومه علموا ان تلك السرقة عمل طعمة بناء على انه سارق فى الجاهلية لكنهم بيتوا طول ليلهم واتفقوا على ان يشهدوا بالسرقة على اليهودى دفعا عن طعمة عقوبة السرقة فلذلك وصفهم اللّه جميعا بالخيانة او المراد بالخائنين هو وكل من يتسير بسيرته { خصيما } اى مخاصما للبراء اى لا تخاصم اليهودى لاجلهم ١٠٦ { واستغفر اللّه } مما هممت به تعويلا على شهادتهم قال ابن الشيخ ولما صدر عنه عليه السلام الهم بذلك الحكم الذى لو وقع لكان خطأ فى نفسه امر اللّه تعالى اياه عليه السلام بان يستغفر لهذا العذر وان كان معذورا فيه عند اللّه بناء على ان حسنات الابرار سيآت المقربين { ان اللّه كان غفورا رحيما } مبالغا فى المغفرة والرحمة لمن يستغفر ١٠٧ { ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم } الاختيان والخيانة معنى اى يخونونها بالمعصية وانما قال يختانون انفسهم وان كانوا ما خانوا انفسهم لان مضرة خيانتهم راجعة اليهم كما يقال فيمن ظلم غيره ما ظلم الا نفسه كذا فى تفسير الحدادى والمراد بالموصول اما طعمة وامثاله واما هو ومن عاونه وشهد ببراءته من قومه فانهم شركاء له فى الاثم والخيانة { ان اللّه لا يحب } عدم المحبة كناية عن البغض والسخط { من كان خوانا } مفرطا فى الخيانة مصرا عليها { أثيما } منهمكا فيها اطلق على طعمة لفظ المبالغة الدال على تكرر الفعل منه مع ان الصادر منه خيانة واحدة واثم واحد لكون طبعه الخبيث مائلا الى تكثير كل واحد من الفعلين. وقد روى انه هرب الى مكة وارتد ونقب حائطا بها ليسرق متاع اهله فسقط الحائط عليه فقتله قيل اذا عثرت من رجل على سيئة فاعلم ان لها اخوات وعن عمر رضى اللّه عنه انه امر بقطع يد سارق فجاءت امه تبكى وتقول هذه اول سرقة سرقها فاعف عنه فقال كذبت ان اللّه لا يؤاخذ عبده فى اول مرة ١٠٨ { يستخفون من الناس } يستترون منهم حياء وخوفا من ضررهم { ولا يستخفون من اللّه } اى لا يستحيون منه سبحانه وهو احق بان يستحيى منه ويخاف من عقابه { وهو معهم } عالم بهم وباحوالهم فلا طريق الى الاستخفاء منه سوى ترك ما يستقبحه ويؤاخذ عليه { اذ } ظرف منصوب بالعامل فى الظرف الواقع خبرا وهو معهم { يبيتون } يدبرون ويزورون { ما لا يرضى } اللّه { من القول } من رمى البريىء والحلف الكاذب وشهادة الزور فان طعمة قال ارمى اليهودى بانه سارق الدرع واحلف انى لم اسرقها فتقبل يمينى لانى على دينهم ولا تقبل يمين اليهودى وقال قوم طعمة من الانصار نشهد زورا لندفع شين السرقة وعقوبتها عمن هو واحد منه { وكان اللّه بما تعملون } من الاعمال الظاهرة والخافية { محيطا } لا يفوت عنه شىء ١٠٩ { ها أنتم } مبتدأ { هؤلاء } خبره والهاء فى اول كل منهما للتنبيه والجملة التى بعد هذه الجملة مبينة لوقوع اولاء خبرا كما تقول لبعض الاسخياء انت حاتم تجود بمالك وتؤثر على نفسك والخطاب مع قوم من المؤمنين كانوا يذبون عن طعمة وعن قومه بسبب انهم كانوا فى الظاهر من المسلمين { جادلتم عنهم فى الحيوة الدنيا } المجادلة اشد المخاصمة والمعنى هبوا انكم خاصمتم عن طعمة وعن قومه فى الدنيا { فمن يجادل اللّه عنهم يوم القيمة } فمن يخاصم عنهم فى الآخرة اذا اخذهم اللّه بعذابه { أم من يكون عليهم وكيلا } حافظا وحاميا من بأس اللّه وانتقامه وفى التأويلات النجمية وكيلا يتكلم بوكالتهم يوم لا تملك نفس لنفس شيأ والامر يومئذ للّه قال السعدى قدس سره دران روز كز فعل برسند وقول ... اولوا العزم را تن بلرزد زهول بجايى كه دهشت خورد انبيا ... تو عذر كنه را جه دارى بيا فعلى العبد ان يتوب قبل الموت من كل معصية توبة نصوحا ويتدارك ما فرط من تقصيره فى فرائض اللّه ويرد المظالم الى اهلها حبة حبة ويستحل كل من تعرض له بلسانه شتما او قذفا او استهزاء او غيبة ويده ضربا وسوء ظنه بقلبه ويطيب قلوبهم حتى يموت ولم يبق عليه فريضة ولا مظلمة فما اشد فرحك اليوم بتمضمضك باعراض الناس وتناولك اموالهم وما اشد حسرتك فى ذلك اليوم اذا وقف بك على بساط العدل وشوفهت بخطاب السيآت وانت مفلس فقير عاجز مهين لا تقدر على ان ترد حقا او تظهر عذرا فكيف بك يا مسكين فى يوم ترى فيه صحيفتك خالية عن حسنات طال فيها تعبك فتقول أين حسناتى فيقال نقلت الى صحيفة خصمائك فتوهن نسك يا اخى اذا تطايرت الكتب ونصبت الموازين وقد نوديت باسمك على رؤس الخلائق أين فلان ابن فلان هلم الى العرض على اللّه وقد وكلت الملائكة باخذك فقربتك الى اللّه لا يمنعها اشتباه الاسماء باسمك اذا عرفت انك المراد بالدعاء اذا فزع النداء قلبك فعلمت انك المطوب فارتعدت فرائضك واضطربت جوارحك وتغير لونك وطار قلبك تخطى بك الصفوف الى ربك للعرض عليه والوقوف بين يديه وقد رفع الخلائق اليك أبصارهم وانت فى ايديهم وقد طار قلبك واشتد رعبك لعلمك اين يراد بك قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( يؤمر بنفر من الناس يوم القيامة الى الجنة حتى اذا دنوا منها واستنشقوا رائحتها ونظروا الى قصورها والى ما اعد اللّه تعالى لاهلها ثم نودوا ان اصرفوهم عنها لا نصيب لهم فيها فيرجعون بحسرة وندامة ما رجع الاولون والآخرون بمثلها فيقولون يا ربنا لو ادخلتنا النار قبل ان ترينا ما أريتنا من ثواب ما اعددت لاوليائك فيقول اللّه تعالى ذاك اردت بكم كنتم اذا خلوتم بى بارزتمونى بالعظائم فاذا لقيتم الناس لقيتموهم مخبتين ترون الناس خلاف ما ينطوى عليه قلوبكم هبتم الناس ولم تهابونى اجللتم الناس ولم تجلونى تركتم للناس ولم تتركوا لى ) يعنى لاجل الناس ( فاليوم اذيقكم اليم عقابى مع ما حرمتكم ) يعنى من جزيل ثوابى قال تعالى { يخادعون اللّه وهو خادعهم } كذا فى تنبيه الغافلين فاذا عرفت هذا فاجتهد فى ان لا تكون من الذين لا يستخفون من اللّه واجعل خيانتك امانة واثمك طاعة وظلمك عدلا وتزويرك صدقا محضا واستغفر اللّه فان الاستغفار دواء الاوزار وبه ينفتح باب الملكوت الى اللّه الملك الغفار ١١٠ { ومن يعمل سوأ } عملا قبيحا متعديا يسوء به غيره ويخزيه كما فعل طعمة بقتادة واليهودى { او يظلم نفسه } بما يختص به كالحلف الكاذب وقيل السوء ما دون الشرك والظلم الشرك لان الشرك ظلم عظيم. وقيل هما الصغيرة والكبيرة { ثم يستغفر اللّه } بالتوبة الصادقة وشرطت التوبة لان الاستغفار لا يكون توبة بالاجماع ما لم يقل معه تبت واسأت ولا اعود اليه ابدا فاغفر لى يا رب كما فى تفسير الحدادى { يجد اللّه غفورا } لذنوبه كائنة ما كانت { رحيما } متفضلا عليه وفيه مزيد ترغيب لطعمة وقومه فى التوبة والاستغفار لما ان مشاهدة التائب لآثار المغفرة والرحمة نعمة زائدة وعن على رضى اللّه عنه قال حدثنى ابو بكر وصدق ابو بكر رضى اللّه عنه قال ( ما من عبد يذنب ذنبا ثم يتوضأ ويصلى ركعتين ويستغفر اللّه الا غفر اللّه له وتلا هذه الآية ومن يعمل سوأ الخ ) اى كه بى حد كناه كردستى ... مى نترسى ازان فعال شنيع توبه كن تا رضاى حق يابى ... كه به ازتوبه نيست هيج شفيع ١١١ { ومن يكسب اثما } من الآثام { فانما يكسبه على نفسه } بحيث لا يتعدى ضرره ووباله الى غيره فليحترز عن تعريضها للعقاب والعذاب عاجلا وآجلا وفى التأويلات النجمية { فانما يكسبه على نفسه } فان رين الاثم يظهر فى الحال فى صفاء مرآة قلبه يعميه عن رؤية الحق ويصمه عن سماع الحق كما قال تعالى { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } { وكان اللّه عليما حكيما } فهو عالم بفعله حكيم فى مجازاته ١١٢ { ومن يكسب خطيئة } صغيرة او ما لا عمد فيه من الذنوب { او اثما } كبيرة او ما كان عن عمد { ثم يرم به } اى يقذف باحد المذكورين ويسب به { بريئا } اى مما رماه به ليحمله عقوبة العاجلة كما فعل طعمة بزيد اليهودى { فقد احتمل } اى بما فعل من تحميل جريرته على البرى { بهتانا } لا يقادر قدره { واثما مبينا } اى بينا فاحشا لانه بكسب الاسم آثم وبرمى البريئ باهت فهو جامع بين الامرين وسمى رمى البريئ بهتانا لكون البريئ متحيرا عند سماعه لعظمه فى الكذب يقال بهت الرجل بالكسر اذا دهش وتحير ويقال بهته بهتانا اذا قال عنه ما لم يقله او نسب اليه ما لم يفعله روى عنه عليه السلام انه قال ( الغيبة ذكرك اخاك بما يكره ) فقيل أفرأيت ان كان فى اخى ما اقول قال ( ان كان فيه ما تقول فقد اغتبته وان لم يكن فيه فقد بهته ) وفى التأويلات النجمية { فقد احتمل } صاحب النفس { بهتانا } وابهت القلوب عن العبودية والطاعة { واثما مبينا } بما اثمت به نفسه من المعاصى واثم بها قلبه فيكون بمنزلة من جعل اللب وهو القلب جلدا وهو النفس وهذا من اكبر الشقاوة فلا ينقطع عنه العذاب اذا صار كل وجوده جلودا فيكون من جملة الذين قال اللّه تعالى فيهم { سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها } لانهم بدلوا الالباب بالجلود ههنا انتهى واعلم ان الاستغفار فرار العبد من الخلق الى الخالق ومن الانانية الى الهوية الذاتية وذلك عند صدق الطالب ومن طلبه وجده كما قال ( ألا من طلبنى وجدنى ) قال موسى عليه السلام أين اجدك يا ربى قال ( يا موسى اذا قصدت الىّ فقد وصلت الىّ ) فلا بد من الاستغفار مطلقا : ويقال. سلطان بلا عدل كنهر بلا ماء. وعالم بلا عمل كبيت بلا سقف. وغنى بلا سخاوة كسحاب بلا مطر. وشاب بلا توبة كشجر بلا ثمر. وفقير بلا صبر كقنديل بلا ضوء. وامرأة بلا حياء كطعام بلا ملح وتهذيب الاخلاق قبل الموت من سنن الاخيار والعمل الصالح قرين الرجل كما ان السوء كذلك ناكهان بانك درسراى افتاد ... كه فلانرا محل وعده رسيد دوستان آمدند تالب كور ... قدمى جند وبازبس كرديد وين كز ودسترس نميد آرى ... مال وملك وقباله برده كليد وين كه بيوسته باتوخواهدبود ... عمل تست ونفس باك وبليد نيك درياب وبدمكن زنهار ... كه بدونيك باز خواهى ديد حكى ان الشيخ وفا المدفون بقسطنطنية فى حريم جامعه الشريف اهدى اليه ثمانون الف درهم من قبل السلطان بايزيد الثانى ليعقد عقد النكاح لبعض بناته فقال لا افعل ولو اعطيت الدنيا وما فيها قيل ولم قال لان لى اورادا الى الضحى لا انفك عنها ساعة وانام من الضحى الى الظهر لا اترك منه ساعة واما بعد الظهر فانتم لا ترضونه لان النهار يكون فى الانتقاص وهكذا يكون طالب الحق فى ليله ونهاره فان الدنيا فانية فالحى الباقى هو اللّه تعالى فلا بد من طلبه ١١٣ { ولولا فضل اللّه عليك ورحمته } بالعصمة { لهمت طائفة منهم } اى من بنى ظفر وهم الذابون عن طعمة { ان يضلوك } اى بان يضلوك عن القضاء بالحق بتلبيسهم عليك مع علمهم بان الجانى هو صاحبهم وليس القصد فيه الى نفى همهم بل الى نفى تأثيره { وما يضلون الا انفسهم } لان وباله عليهم { وما يضرونك من شىء } محل الجار والمجرور النصب على المصدرية اى وما يضرونك شيأ من الضرر لان اللّه عاصمك وما خطر ببالك كان اعتمادا منك على ظاهر الامر لا ميلا فى الحكم { وانزل اللّه عليك الكتاب } اى القرآن { والحكمة } اى ما فى القرآن من الاحكام وعرفك الحلال والحرام { وعلمك } بالوحى من الغيب وخفيات الامور { ما لم تكن تعلم } ذلك الى وقت التعليم { وكان فضل اللّه عليك عظيما } اذ لا فضل اعظم من النبوة العامة والرياسة التامة ومن ذلك الفضل العظيم عصمته وتعليمه ما لم يعلم قال الحدادى فى تفسيره وفى هذه الآيات دلالة على انه لا يجوز لاحد ان يخاصم لغيره فى اثبات حق او نفيه وهو غير عالم بحقيقة امره وانه لا يجوز للحاكم الميل الى احد الخصمين وان كان احدهما مسلما والآخر كافرا وان وجود السرقة فى يدى انسان لا يوجب الحكم بها عليه انتهى واعلم ان هذه الآية جامعة لفضائل كثيرة. منها بيان ان وبال الشر يعود على صاحبه كما ان منفعة الخير تعود على فاعله : قال الصائب اول بظالمان اثر ظلم ميرسد ... بيش از هدف هميشه كمان ناله ميكند حكى ان اللّه تعالى ايبس يد رجل يذبح عجل بقرة بين يدى امه ثم ردها برد فرخ سقط من وكره الى امه يقال ثلاثة لا يفلحون بائع البشر وقاطع الشجر وذابح البقر وحكى ان امرأة وضعت لقمة فى فم سائل ثم ذهبت الى مزرعة فوضعت ولدها فى موضع فاخذه الذئب فقالت يا رب ولدى فاخذ آت عنق الذئب واستخرج ولدها من غير اذى ثم قال هذه اللقمة لتلك اللقمة التى وضعتها فى فم السائل فكل يرى اثر صنعه فى الدنيا ايضا. ومنها ان العلم والحكمة من اعظم الفضائل والمراد العلم النافع المقرب الى اللّه تعالى اعاذنا اللّه مما لم ينفع منه على ما قال عليه الصلاة والسلام فى دعائه ( واعوذ بك من علم لا ينفع ) فان العلم النافع لا ينقطع مدده فى الآخرة ايضا على ما روى مسلم عن ابى هريرة رضى اللّه عنه اذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له. ومنها ان لا يرى العبد الفضائل والخيرات من نفسه بل من فضل اللّه ورحمته وليس للعبد ان يزكى نفسه فان الانفس ليست بمحل التزكية فمن استحسن من نفسه شيأ فقط اسقط من باطنه انوار اليقين والكامل لا يرى لنفسه قدرا فكيف لعمله وكل ما يعمله العبد من بدايته الى نهايته لا يقابل لنعمة الوجود حكى عن شاه شعاع الكرمانى انه كان جالسا فى مسجد فقام فقير وسأل الناس فلم يعطوه شيأ فقال الكرمانى من يشترى حج خمسين سنة بمن من الخبر. فيعطى هذا الفقير وكان هناك فقيه فقال ايها الشيخ قد استحففت بالشريعة فقال الكرمانى لا ارى لنفسى قيمة فكيف ارى علملى وليس المراد التعطيل عن العمل بل يعملون جميع الحسنات ولا يرون لها قدرا بل يرون التوفيق لها من فضل اللّه تعالى : قال السعدى قدس سره كراز حق توفيق خيرى رسد ... كه از بنده خيرى بغيرى رسد جورويى بخدمت نهى بر زمين ... خدارا ثنا كوى وخودرا مبين والاشارة فى الآية ان فضل اللّه موهبة من مواهب الحق يؤتيه من يشاء وليس لأحد فيه مدخل بالكسب والاستجلاب وبذلك يهدى العبد للايمان ويوفقه للعمل الصالح والعظيم فى قوله { وكان فضل اللّه عليك عظيما } هو اللّه تعالى اى ان اللّه العظيم هو فضل اللّه عليك ورحمته كما انك فضل اللّه ورحمته على العالمين ولهذا قال ( لولاك لما خلقت الافلاك ) ومن فضل اللّه عليه انه لم يضله شىء من الروحانيات والجسمانيات عن طريق الوصول اللّهم احفظنا من الموانع فى طريق الوصول اليك آفاقية او انفسية والحقنا بفضلك بالنفوس القدسية ١١٤ { لا خير فى كثير من نجواهم } اى فى كثير من تناجى الناس وهو فى اللغة سر بين اثنين وذهب الزجاج الى ان النجوى ما تفرد به الجماعة او الاثنان سرا كان او ظاهرا قال مجاهد هذه الاية عامة فى حق جميع الناس غير مختصة بقوم طعمة وان نزلت فى تناجى قوم السارق لتخليصه { الا من امر } اى الا فى نجوى من امر على انه مجرور بدل من كثير كما تقول لا خير فى قيامهم الا قيام زيد { بصدقة او معروف } المعروف كل ما يستحسنه الشرع ولا ينكره العقل فينتظم اصناف الجميل وفنون اعمال البر وقد فسر هنا بالقرض واغاثة الملهوف وصدقة التطوع على ان المراد بالصدقة الصدقة الواجبة قال صلى اللّه عليه وسلم ( كل معروف صدقة ) واول اهل الجنة دخولا اهل المعروف وصنائع المعروف تقى مصارع السوء تونيكى كن بآب انداز اى شاه ... اكر ما هى نداند داند اللّه وفى الحديث ( عمل ابن آدم كله عليه لا له الا ما كان من امر بمعروف او نهى عن منكر او ذكر اللّه ) { او اصلاح بين الناس } عند وقوع المشاقة والمعاداة بينهم من غير انه يجاوز فى ذلك حدود الشرع الشريف وفى الحديث ( ألا اخبركم بافضل درجة من الصلاة والصدقة ) قالوا بلى يا رسول اللّه قال ( اصلاح ذات البين ) وفساد ذات البين هى الحالقة فلا اقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين وعن ابى ايوب الانصارى ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال له ( ألا ادلك على صدقة خير لك من حمر النعم ) قال بلى يا رسول اللّه قال ( صلح بين الناس اذا تفاسدوا وتقرب بينهم اذا تباعدوا ) قالوا ولعل السر فى افراد هذه الاقسام الثلاثة بالذكر ان عمل الخير المتعدى الى الناس اما لايصال المنفعة او لدفع المضرة والمنفعة. اما جسمانية كاعطاء المال واليه الاشارة بقوله عز وجل { الا من امر بصدقة }. واما روحانية واليه الاشارة بقوله { او معروف }. واما دفع الضرر فقد اشير اليه بقوله { أو اصلاح بين الناس } { ومن يفعل ذلك } اشارة الى الامور المذكورة اعنى الصدقة والمعروف والاصلاح فانه يشار به الى متعدد وانما بنى الكلام على الامر حيث قال اولا الا من امر فهو كلام فى حق الآمر بالفعل ورتب الجزاء على الفعل حيث قال ومن يفعل فهو كلام فى حق الفاعل وكان المناسب للاول ان يبين حكم الآمر ويقول ومن يأمر بذلك ليدل على انه لما دخل الآمر فى زمرة الخيرين كان الفاعل ادخل فيهم وان العمدة والغرض هو الفعل واعتبار الامر من حيث انه وصلة اليه. ففيه تحريض الآمر بالامور المذكورة على فعلها { ابتغاء مرضاة اللّه } اى طلب رضى اللّه تعالى علة للفعل والتقييد به لان الاعمال بالنيات وان من فعل خيرا رياء وسمعة لم يستحق به غير الحرمان : قال السعدى كرت بيخ اخلاص در بوم نيست ... ازين دركسى جون تو محروم نيست زعمرو اى بسر جشم اجرت مدار ... جو در خانه زيد باشى بكار { فسوف نؤتيه اجرا عظيما } يقصر عنه الوصف ويستحقر دونه ما فات من اعراض الدنيا ١١٥ { ومن يشاقق الرسول } يخالفه من الشق فان كلا من المتخالفين فى شق غير شق الآخر { من بعد ما تبين له الهدى} ظهر له الحق بالوقوف على المعجزات الدالة على نبوته { ويتبع غير سبيل المؤمنين } اى غير ما هم مستمرون عليه من اعتقاد وعمل وهو الدين القيم { نوله ما تولى } اى نجعله واليا لما تولاه من الضلال ونخذله بان نخلى بينه وبين ما اختار { ونصله جهنم } اى ندخله فيها { وساءت مصيرا } اى جهنم روى ان طعمة عاند حكم اللّه وخالف رسول اللّه خوفا من فضاحة قطع اليد فهرب الى مكة واتبع دين اهلها ومات كافرا فعلى العاقل ان لا يخالف الجماعة وهم المؤمنون فان الشاة الخارجة عن القطيع يأكلها الذئب وسبيل المؤمنين هو السبيل الحق الموصل الى الجنة والقربة والوصلة واللقاء والاشارة انه { لا خير فى كثير من نجواهم } اى الذين يتناجون من النفس والشيطان والهوى لانهم شرار ولا فيما يتناجون به لانهم يأمرون بالسوء والفحشاء والمنكر ثم استثنى وقال { الا من امر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس } اى الا فيمن امر بهذه الخيرات فان فيه الخير وهو اللّه تعالى فانه يأمر بالخيرات بالوحى عموما او يأمر بالخاطر الرحمانى والالهام الربانى خواص عباده فالخاطر يكون بواسطة الملك وبغير الواسطة كما قال عليه السلام ( ان للملك لمة وان للشيطان لمة فلمة الملك ايعاد بالخير ولمة الشيطان ايعاد بالشر ) والالهام ما يكون من اللّه تعالى بغير الواسطة وهو على ضربين. ضرب منه ما لا شعور به للعبد انه من اللّه. وضرب منه ما يكون باشارة صريحة يعلم العبد انه آت من اللّه تعالى لتعليم نور الالهام وتعريفه لا يحتاج الى معرفة آخر انه من اللّه تعالى وهذا يكون للولى وغير الولى كما قال بعض المشايخ حدثنى قلبى عن ربى وقال عليه السلام ( ان الحق لينطق على لسان عمر ) وقال ( كادت فراسته ان تسبق الوحى ) ثم قال { ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة اللّه } اى ومن يفعل بما الهمه اللّه طلبا لمرضاته { فسوف نؤتيه اجرا عظيما } ذكر بفاء التعقيب قوله فسوف يعنى عقيب الفعل نؤتيه اجرا وهو جذبة العناية التى تجذبه عنه وتوصله الى العظيم ثم قال { ومن يشاقق الرسول } اى يخالف الالهام الربانى الذى هو رسول الحق اليه { من بعد ما تبين له الهدى } بتعريف الالهام ونوره { ويتبع غير سبيل المؤمنين } الموقنين بالالهام بان يتبع الهوى وتسويل النفس وسبيل الشيطان { نوله ما تولى } اى نكله بالخذلان الى ما تولى { ونصله } بسلاسل معاملاته التى تولى بها الى { جهنم } سفليات الصفات البهيمية والسبعية والشيطانية { وساءت مصيرا } اى ما صار اليه من عبادة الهوى واتباع النفس والشيطان واشراكهم باللّه فى المطاوعة كذا فى التأويلات النجمية ١١٦ { ان اللّه لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } يقال جاء شيخ الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقال انى شيخ منهمك فى الذنوب الا انى لم اشرك باللّه شيأ منذ عرفته وآمنت به ولم اتخذ من دونه وليا ولم اوقع المعاصى جراءة وما توقعت طرفة عين انى اعجز اللّه هربا وانى لنادم تائب فما ترى حالتى عند اللّه فنزلت هذه الآية. فالشرك غير مغفور الا بالتوبة عنه وما سواه مغفور سواء حصلت التوبة او لم تحصل لكن لا لكل احد بل لمن يشاء اللّه مغفرته { ومن يشرك باللّه فقد ضل ضلالا بعيدا } عن الحق فان الشرك اعظم انواع الضلالة وابعدها عن الصواب والاستقامة قال الحدادى اى فقد ذهب عن الصواب والهدى ذهابا بعيدا وحرم الخير كله. والفائدة فى قوله { بعيدا } ان الذهاب عن الجنة على مراتب ابعدها الشرك باللّه تعالى انتهى. فالشرك اقبح الرذائل كما ان التوحيد احسن الحسنات. والسيآت على وجوه كاكل الحرام وشرب الخمر والغيبة ونحوها لكن اسوء الكل الشرك باللّه ولذلك لا يغفر وهو جلى وخفى حفظنا اللّه منهما. وكذا الحسنات على وجوه ويجمعها العمل الصالح وهو ما اريد به وجه اللّه واحسن الكل التوحيد لانه اساس جميع الحسنات وقامع السيآت ولذلك لا يوزن قال عليه السلام ( كل حسنة يعملها ابن آدم توزن يوم القيامة الا شهادة ان لا اله الا اللّه فانها لا توضع فى ميزانه ) لانها لو وضعت فى ميزان من قالها صادقا ووضعت السموات والارضون السبع وما فيهن كان لا اله الا اللّه ارجح من ذلك ثم ان اللّه تعالى بين كون ضلالهم ضلالا بعيدا فقال ١١٧ { ان } بمعنى ما النافية { يدعون } اى المشركون وهو بمعنى يعبدون لان من عبد شيأ فانه يدعوه عند احتياجه اليه { من دونه } الضمير راجع الى اللّه تعالى { الا اناثا } جمع انثى والمراد الاوثان وسميت اصنامهم اناثا لانهم كانوا يصورونها بصورة الاناث ويلبسونها انواع الحلل التى تتزين بها النساء ويسمونها غالبا باسماء المؤنثات نحو اللات والعزى ومناة والشىء قد يسمى انثى لتأنيث اسمه او لانها كانت جمادات لا ارواح فيها والجماد يدعى انثى تشبيها له بها من حيث انه منفعل غير فاعل ولعله تعالى ذكره بهذا الاسم تنبيها على انهم يعبدون ما يسمونه اناثا لانه ينفعل ولا يفعل ومن حق المعبود ان يكون فاعلا غير منفعل ليكون دليلا على تناهى جهلهم وفرط حماقتهم وقيل المراد الملائكة فان من المشركين من يعبد الملائكة ويقول الملائكة بنات اللّه تعالى قال تعالى { ان الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الانثى } مع اعترافهم بان اناث كل شىء اخسه وارذله { وان يدعون } اى وما يعبدون بعبادة الاصنام { الا شيطانا مريدا } لانه الذى امرهم بعبادتها واغراهم عليها وكان طاعته فى ذلك عبادة له. قيل كان فى كل واحد من تلك الاوثان شيطان يتراءى للسدنة والكهنة يكلمهم وقال الزجاج المراد بالشيطان ههنا ابليس بشهادة قوله تعالى بعد هذه الآية { لاتخذن } وهو قول ابليس ولا يبعد ان الذى يتراءى للسدنة هو ابليس والمريد هو الذى لا يعلق بخير. فقيل من مرد اى تجرد للشر وتعرى من الخير يقال شجرة مرداء اى لا ورق عليها وغلام امرد اذا لم يكن على وجهه شعر ١١٨ { لعنه اللّه } صفة ثانية للشيطان اى ابعده من رحمته الى عقابه بالحكم له بالخلود فى جهنم ويسقط بهذا قول من قال كيف يصح ان يقال لعنه اللّه وهو فى الدنيا لا يخلو من نعمة تصل اليه ويسقط بهذا قول من قال كيف يصح ان يقال لعنه اللّه وهو فى الدنيا لا يخلو من نعمة تصل اليه من اللّه تعالى فى كل حال لانه لا يعتد بتلك النعمة مع الحكم له بالخلود فى النار { وقال } عطف عليه اى شيطانا مريدا جامعا بين لعنة اللّه وهذا القول الشنيع الصادر عنه عند اللعن الدال على فرط عداوته للناس فان الواو الواقعة بين الصفات انما تفيد مجرد الجمعية { لأتخذن } هذه اللام واللامات الآتية كلها للقسم { من عبادك نصيبا مفروضا } اى مقطوعا واجبا قدّر لى وفرض وهو اى النصيب المفروض لابليس كل من اطاعه فيما زين له من المعاصى قال الحسن من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعون كما فى حديث المشارق ( يقول اللّه تعالى ) اى فى يوم الموقف ( يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير فى يديك فيقول اخرج بعث النار ) يعنى ميز اهلها والبعث بمعنى المبعوث ( قال وما بعث النار ) ما هنا بمعنى كم العددية ولذا اجيب عنها بالعدد ( قال ) اى اللّه تعالى ( من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعون ) قال النبى عليه السلام ( فذلك التقاول حين يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها ) كنايتان عن شدة اهوال يوم القيامة ( وترى الناس سكارى ) اى من الخوف ( وما هم بسكارى ) اى من الخمر ( ولكن عذاب اللّه شديد ) قال اى الراوى واشتد ذلك عليهم فقالوا يا رسول اللّه اينا ذلك الرجل الباقى من الالف فقال ( ابشروا فان من يأجوج ومأجوج الفا ومنكم رجلا ) والخطاب للصحابة وغيرهم من المؤمنين ثم قال ( والذى نفسى بيده انى لأرجو ان تكونوا ربع اهل الجنة ) قال الراوى فحمدنا اللّه وكبرنا ثم قال ( والذى نفسى بيده انى لأرجو ان تكونوا ثلث اهل الجنة ) فحمدنا اللّه وكبرنا ثم قال ( والذى نفسى بيده انى لارجو ان تكونوا شطر اهل الجنة ) وترقى عليه السلام فى حديث آخر من النصف الى الثلثين وقال ( ان اهل الجنة مائة وعشرون صنفا وهذه الامة منها ثمانون ان مثلكم فى الامم ) اى الكفرة ( كمثل الشعرة البيضاء فى جلد الثور الاسود ) فلا يستبعد دخول كل المؤمنين الجنة فان قيل كيف علم ابليس انه يتخذ من عباد اللّه نصيبا قيل فيه اجوبة. منها ان اللّه تعالى لما خاطبه بقوله { لأن جهنم من الجنة والناس اجمعين } علم ابليس انه ينال من ذرية آدم ما يتمناه. ومنها انه لما وسوس لآدم فنال منه طمع فى ذريته. ومنها ان ابليس لما عاين الجنة والنار علم ان لها سكانا من الناس ١١٩ { ولأضلنهم } عن الحق واضلاله وسواس ودعاء الى الباطل ولو كان اليه شىء من الضلالة سوى الدعاء اليها لأضل جميع الخلق ولكنه لما قال عليه السلام فى حقه ( خلق ابليس مزينا وليس اليه من الضلالة شىء ) يعنى انه يزين للناس الباطل وركوب الشهوات ولا يخلق لهم الضلالة { ولأمنينهم } الامانى الباطلة بان يخيل للانسان ادراك ما يتمناه من المال وطول العمر. وقيل يمنى الانسان اى يوهمه انه لا جنة ولا نار ولا بعث ولا عقاب ولا حساب. وقيل بان يوهمه انه ينال فى الآخرة حظا وافرا من فضل اللّه ورحمته { ولآمرنهم } بالبتك اى القطع والشق { فليبتكن آذان الانعام } اى فليقطعنها بموجب امرى ويشقنها من غير تلعثم فى ذلك ولا تأخير يقال بتكه اى قطعه ونقل الى بناء التفعيل اى التبتيك للتكثير واجمع المفسرون على ان المراد به ههنا قطع آذان البحائر والسوائب والانعام الابل والبقر والغنم اى لاحملنهم على ان يقطعوا آذان هذه الاشياء ويحرموها على انفسهم بجعلها للاصنام وتسميتها بحيرة وسائبة ووصيلة وحاميا وكان اهل الجاهلية اذا انتجت ناقة احدهم خمسة ابطن وكان آخرها ذكرا بحروا اذنها وامتنعوا من ركوبها وحلبها وذبحها ولا تطرد عن ماء ولا تمنع عن مرعى واذا لقيها المعيى لم يركبها وقيل كانوا يفعلون ذلك بها اذا ولدت سبعة ابطن والسائبة المخلاة تذهب حيث شاءت وكان الرجل منهم يقول ان شفيت فناقتى سائبة او يقول ان قدم غائبى من السفر او ان وصلت الى وطنى او ان ولدت امرأتى ذكرا او نحو ذلك فناقتى سائبة كالبحيرة وكذا من كثر ماله يسيب واحدة منها تكرّما وكانت لا ينتفع بشىء منها ولا تمنع عن ماء ومرعى الى ان تموت فيشترك فى اكلها الرجال والنساء. والوصيلة هى من الغنم اذا ولدت سبعة ابطن فان كان الولد السابع ذكرا ذبحوه لآلتهم وكان لحمه للرجال دون النسان وان كان انثى كانوا يستعملونها وكانت بمنزلة سائر الغنم وان كان ذكرا وانثى قالوا ان الاخت وصلت اخاها فلا يذبحون اخاها من اجلها وجرى مجرى السائبة وكانت المنفعة للرجال دون النساء فهى فعيلة بمعنى فاعلة والحامى هو البعير الذى ولد ولد ولده وقيل هو الفحل من الابل اذا ركب ولد ولده قالوا له انه قد حمى ظهره فيهمل ولا يركب ولا يمنع عن الماء والمرعى واذا مات يأكله الرجال والنساء { ولآمرنهم } بالتغيير { فليغيرن خلق اللّه } عن نهجه صورة وصفة ويندرج فيه امور منها فقىء عين الحامى وكانت العرب اذا بلغت ابل احدهم الفا عوّروا عين فحلها والحامى الفحل الذى طال مكثه عندهم ومنها خصاء العبيد وعموم اللفظ يمنع الخصاء مطلقا لكن الفقهاء رخصوا فى خصاء البهائم لمكان الحاجة ومنعوه فى بنى آدم وعند ابى حنيفة يكره شراء الحصيان واستخدامهم لان الرغبة فيهم تدعو الى خصائهم قال فى نصاب الاحتساب قرأت فى بعض الكتب ان معاوية دخل على النساء ومعه خصى مجبوب فنفرت منه امرأة فقال معاوية انما هو بمنزلة امرأة فقال أترى ان المثلة فيه قد احلت ما حرم اللّه من النظر فتعجب من فطنتها وفقهها ومنها الوشم وهو ان يغرز الجلد بابرة ثم يخشى بكحل او بنيلنج وهو دخان الشحم يعالج به الوشم حتى يخضر قال بعض اصحاب الشافعى وجبت ازالته ان امكن بالعلاج والا فالبجرح ان لم يخف فوت عضو ومنها الوشر وهو ان تحدد المرأة اسنانها وترققها تشبها بالشواب ومنها التنمص وهو نتف شعور الوجه يقال تنمصت المرأة اذا تزينت بنتف شعر وجهها وحاجبها والنامصة المرأة التى تزين النساء بالمنمص والمنمص والمنماص المنقاش وقد لعن النبى عليه السلام النامصة والمتنمصة والواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والواشرة والمستوشرة. والواصلة هى التى تصل شعر غيرها بنفسها. والمستوصلة هى التى تأمر غيرها بان توصل ذلك الى شعرها قال ابن الملك الواصلة هى التى تصل الشعر بشعر آخر زورا. والمستوصلة هى التى تطلبه والرجل والمرأة سواء فى ذلك هذا اذا كان المتصل شعر الآدمى لكرامته فلا يباح الانتفاع بشىء من اجزائه اما غيره فلا بأس بوصله. فيجوز اتخاذ النساء القراميل من الوبر. وقيل فيه تفصيل ان لم يكن لها زوج فهو حرام ايضا وان كان فان فعلته باذن الزوج او السيد يجوز والا فلا ثم انها ان فعلت ذلك بصغيرة تأثم فاعلته ولا تأثم المفعولة لانها غير مكلفة. ويدخل فى التنمص نتف شعر العانة فان السنة خلق العانة ونتف الابط ومنها السحق وهو لكونه عبارة عن تشبه الانثى بالذكور من قبيل تغيير خلق اللّه عن وجهه صفة وفى الحديث المرفوع ( سحاق النساء زنى بينهن ) وكذا التخنث لما فيه من تشبه الذكر بالانثى وهو اظهار اللين فى الاعضاء والتكسر فى اللسان ومنها اللواطة لما فيها من اقامة ما خلق لدفع الفضلات مقام موضع الحراثة والنظر الى صبيح الوجه بالشهوة حرام ومجالسته حرام لانه عورة من القرن الى القدم وجاء فى بعض الروايات ( ان مع كل امرأة شيطانين ومع كل غلام ثمانية عشر شيطانا ) ومنها عبادة الشمس والقمر والكواكب والحجارة فان عبادتها وان لم تكن تغييرا لصورها لكنها تغيير لصفتها فان شيأ منها لم يخلق لان يعبد من دون اللّه وانما خلق لينتفع به العباد على الوجه الذى لا خلق لاجله وكذا الكفر باللّه وعصيانه فانه ايضا تغيير خلق اللّه من وجهه صفة فانه تعالى فطر الخلق على استعداد التحلى بحلية الايمان والطاعة ومن كفر باللّه وعصاه فقد ابطل ذلك الاستعداد وغير فطرة اللّه صفة ويؤيده قوله عليه السلام ( كل مولود يولد على فطرة الاسلام فابواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه ) وكذا استعمال الجوارح فى غير ما خلقت لاجله تغيير لها عن وجهها صفة والجمل الاربع وهى لأتخذن ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم كل واحدة منها مقول للشيطان فلا يخلو اما ان يقولها بلسان جسمه او بلسان فعله وحاله { ومن يتخذ الشيطان وليا من دون اللّه } بايثار ما يدعو اليه على ما امره اللّه به ومجاوزته عن طاعة اللّه تعالى الى طاعته { فقد خسر خسرانا مبينا } لانه ضيع رأس ماله بالكلية وبدل مكانه من الجنة بمكانه من النار ١٢٠ { يعدهم } ما لا ينجزه من طول العمر والعافية ونيل لذائذ الدنيا من الجاه والمال وقضاء شهوات النفس { ويمنيهم } ما لا ينالون نحو ان لا بعث ولا حساب ولا جزاء او نيل المثوبات الاخروية من غير عمل { وما يعدهم الشيطان الا غرورا } وهو اظهار النفع فيما فيه الضرر وهذا الوعد اما بالقاء الخواطر الفاسدة او بألسنة اوليائه. وغرورا اما مفعول ثان للوعد او مفعول لاجله اى ما يعدهم لشىء الا لان يغرهم واعلم ان العمدة فى اغواء الشيطان ان يزين زخارف الدنيا ويلقى الامانى فى قلب الانسان مثل ان يلقى فى قلبه انه سيطول عمره وينال من الدنيا امله ومقصوده ويستولى على اعدائه ويحصل له ما تيسر لارباب المناصب والاموال وكل ذلك غرور لانه ربما لا يطول عمره وان طال فربما لا ينال امله ومطلوبه وان طال عمره ووجد مطلوبه على احسن الوجوه فلا بد ان يفارقه بالموت فيقع فى اعظم انواع الغم والحسرة فان تعلق القلب بالمحبوب كلما كان اشد واقوى كانت مفارقته اعظم تأثيرا فى حصول الغم والحسرة ولذلك قيل الفت مكير همجو الف هيج باكسى ... تابشنوى الم نشوى وقت انقطاع فنبه سبحانه وتعالى على ان الشيطان انما يعد ويمنى لاجل ان يغر الانسان ويخدعه ويفوت عنه اعز المطالب وانفع المآرب فالعاقل من لا يتبع وسواس الشيطان ويبتغى رضى الرحمن بالتمسك بكتابه العظيم وسنن رسوله الكريم والعمل بهما ليفوز فوزا عظيما وكفى بذلك نصيحة ١٢١ { اولئك } اشارة الى اولياء الشيطان وهو مبتدأ { مأواهم } اى مستقرهم وهو مبتدأ ثان { جهنم } خبر للثانى والجملة خبر للاول { ولا يجدون عنها محيصا } اى معدلا ومهربا من حاص يحيص اذا عدل وعنها متعلق بمحذوف وقع حالا من محيصا اى كائنا عنها ولا يجوز ان يتعلق بيجدون لانه لا يتعدى بعن ولا بقوله محيصا لانه اما اسم مكان وهو لا يعمل مطلقا واما مصدر ومعمول المصدر لا يتقدم عليه والاشارة ان اللّه خلق الجنة وخلق لها اهلا وهم السعداء وخلق النار وخلق لها اهلا وهم الاشقياء وخلق الشيطان مزينا وداعيا وآمرا بالهوى فمن يرى حقيقة الاضلال ومشيئته من ابليس فهو ابليس وقد قال تعالى { يضل من يشاء ويهدى من يشاء } والنصيب المفروض من العباد هم طائفة خلقهم اللّه تعالى اهل النار كقوله تعالى { ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والانس } وهم اتباع الشيطان ههنا وقد لعن اللّه الشيطان وابعده عن الحضرة اذ كان سبب ضلالتهم كما قال عليه السلام ( الدنيا ملعونة ملعون ما فيها الا ذكر اللّه تعالى وما والاه ) وانما لعن اللّه الدنيا وابغضها لانها كانت سببا للضلالة وكذلك الشيطان ولا يغتر بوعد الشيطان الا الضال البعيد الازلى ولذا تولد منه الشرك المقدر بمشيئة اللّه الازلية واما من خلقه اللّه اهلا للجنة فقد غفر له قبل ان خلقه ومن غفر له فانه لا يشرك باللّه شيأ وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما لما نزل قوله تعالى { ورحمتى وسعت كل شىء } تطاول ابليس وقال انا شىء من الاشياء فلما نزل { فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكوة } يئس ابليس وتطاولت اليهود والنصارى ثم لما نزل قوله تعالى { الذين يتبعون الرسول النبى الامى } يئس اليهود والنصارى وبقيت الرحمة للمؤمنين خاصة فهم خلقوا للرحمة ودخلوا الجنة بالرحمة ولهم الخلود فى الرحمة وبقى العذاب للشيطان واتباعه من الانس والجن ولهم الخلود فى النار كما قال اللّه تعالى { ولا يجدون عنها محيصا } لانهم خلقوا لها فلا بد من الدخول فيها : قال الحافظ بير ما كفت خطا برقلم صنع نرفت ... آفرين بر نظر باك خطا بوشش باد فافهم تفز ان شاء اللّه تعالى ١٢٢ { والذين آمنوا وعملوا الصالحات } صلاح الاعمال فى اخلاصها فالعمل الصالح هو ما اريد به وجه اللّه تعالى وينتظم جميع انواعه من الصلاة والزكاة وغيرهما { سندخلهم جنات تجرى من تحتها الانهار } اى انهار الماء واللبن والخمر والعسل { خالدين فيها ابدا } اى مقيمين فى الجنة الى الابد فنصب ابدا على الظرفية وهو لاستغراق المستقبل قال الحدادى انما ذكر الطاعة مع الايمان وجمع بينهما فقال آمنوا وعملوا الصالحات لتيتبين بطلان توهم من يتوهم انه لا تضر المعصية والاخلال بالطاعة مع الايمان كما لا تنفع الطاعة مع الكفر وليتبين استحقاق الثواب على كل واحد من الامرين { وعد اللّه حقا } اى وعد اللّه لهم هذا وعدا وحق ذلك حقا فالاول مؤكد لنفسه لانه مضمون الجملة الاسمية التى قبل وعد لان الوعد عبارة عن الاخبار بايصال المنفعة قبل وقوعها والثانى مؤكد لغيره لان الخبر من حيث انه خبر يحمل الصدق والكذب { ومن اصدق من اللّه قيلا } استفهام انكارى اى ليس احد اصدق من اللّه قولا ووعدا وانه تعالى اصدق من كل قائل فوعده اولى بالقبول ووعد الشيطان تخييل محض ممتنع الوصول. وقيلا نصب على التمييز والقيل والقال مصدران كالقول ١٢٣ { ليس بامانيكم } جمع امنية بالفارسية ( آرزوكردن ) { ولا امانى اهل الكتاب } اى ليس ما وعد اللّه من الثواب يحصل بامانيكم ايها المسلمون ولا بامانى اهل الكتاب وانما يحصل بالايمان والعمل الصالح. وامانى المسلمين ان يغفر لهم جميع ذنوبهم من الصغائر والكبائر ولا يؤاخذوا بسوء بعد الايمان. وامانى اهل الكتاب ان لا يعذبهم اللّه ولا يدخلهم النار الا اياما معدودة لقولهم { نحن ابناء اللّه واحباؤه } فلا يعذبنا وعن الحسن ليس الايمان بالتمنى ولكن ما وقر فى القلب وصدقه العمل ان قوما الهتهم امانى المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم وقالوا نحسن الظن باللّه وكذبوا لو احسنوا الظن باللّه لاحسنوا العمل قال بعضهم الرجاء ما قارنه عمل والا فهو امنية والامنية منية اى موت اذ هى موجبة لتعطيل فوائد الحياة : قال السعدى قيامت كه بازار نيهو نهند منازل باعمال نيكونهند بضاعت بجندانكه آرى برى اكر مفلسى شرمسارى برى كسى راكه حسن عمل بيشتر بدركاه حق منزلت بيشتر ثم انه تعالى اكد حكم الجملة الماضية وقال { من يعمل سوأ } عملا قبيحا { يجز به } عاجلا او آجلا لما روى انه لما نزلت قال ابو بكر رضى اللّه عنه فمن ينجو مع هذا يا رسول اللّه فقال عليه السلام ( اما تحزن اما تمرض اما يصيبك اللاواء ) قال بلى يا رسول اللّه قال ( هو ذلك ) قال ابو هريرة رضى اللّه عنه لما نزل قوله تعالى { من يعمل سوأ يجز به } بكينا وحزنا وقلنا يا رسول اللّه ما ابقت هذه الآية من شىء قال ( اما والذى نفسى بيده لكما انزلت ولكن يسروا وقاربوا وسددوا ) اى اقصدوا السداد اى الصواب ( ولا تفرطوا فتجهدوا انفسكم فى العبادة لئلا يفضى ذلك بكم الى الملال فتتركوا العمل ) كذا فى المقاصد الحسنة { ولا يجد له من دون اللّه وليا ولا نصيرا } اى ولا يجد لنفسه اذا جاوز موالاة اللّه ونصرته من يواليه وينصره فى دفع العذاب عنه ١٢٤ { ومن يعمل من الصالحات } من للتبعيض اى بعضها وشيأ منها فان كل احد لا يتمكن من كلها وليس مكلفا بها وانما يعمل منها ما هو تكليفه وفى وسعه وكم من مكلف لا حج عليه ولا جهاد ولا زكاة وتقسط عنه الصلاة فى بعض الاحوال { من ذكر او انثى } فى موضع الحال من المستكن فى يعمل ومن للبيان { وهو مؤمن } حال شرط اقتران العمل بها فى استدعاء الثواب المذكور لانه لا اعتداد بالعمل بدون الايمان فيه { فاولئك } المؤمنون العاملون { يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا } اى لا ينقصون مما استحقوه من جزاء اعمالهم مقدار النقير وهى النقرة اى الحفرة التى فى ظهر النواة ومنها تنبت النخلة وهو علم فى القلة والحقارة واذا لم ينقص ثواب المطيع فالبحرى ان لا يزاد عقاب العاصى لان المجازى ارحم الراحمين وفى الحديث ( ان اللّه وعد على الطاعة عشر حسنات وعلى المعصية الواحدة عقوبة واحدة فمن جوزى بالسيئة نقصت واحدة من عشرة وبقيت له تسع حسنات فويل لمن غلبت آحاده اعشاره ) اى سيآته على حسناته قال النيسابورى حكمة تضعيف الحسنات لئلا يفلس العبد اذا اجتمع الخصماء فى طاعته فيدفع اليهم واحدة ويبقى له تسع فمظالم العباد توفى من التضعيفات لا من اصل حسناته لان التضعيف فضل من اللّه تعالى واصل الحسنة الواحدة عدل منه واحدة بواحدة وقد ذكر الامام البيهقى فى كتاب البعث فقال ان التضعيفات فضل من اللّه تعالى لا تتعلق بها العباد كما لا تتعلق بالصوم بل يدخرها الحق للعبد فضلا منه سبحانه فاذا دخل الجنة اثابه بها : قال السعدى قدس سره نكوكارى ازمردم نيك رأى ... يكى رابده مى نويسد خداى جوانا ره طاعت امروز كير ... كه فردا جوانى نيايد زبير ره خير بازست وطاعت وليك ... نه هر كس تواناست بر فعل نيك همه برك بودن همى ساختى ... بتدبير رفتن نبرداختى واعلم ان جميع الاعمال الصالحة يزيد فى نور الايمان فعليك بالطاعات والحسنات والوصول الى المعارف الآلهية فان العلم باللّه افضل الاعمال ولذلك لما قيل يا رسول اللّه اى الاعمال افضل قال ( العلم باللّه ) فقيل الاعمال نريد قال ( العلم باللّه ) فقيل نسأل عن العمل وتجيب عن العلم فقال ( ان قليل العمل ينفع مع العلم وان كثير العمل لا ينفع مع الجهل ) وذلك انما يحصل بتصفية الباطن مع صيقل التوحيد وانواع الاذكار ولا يعقلها الا العالمون والاشارة { ليس بامانيكم } يعنى بامى عوام الخلق الذين يذنبون ولا يتوبون ويطمعون ان يغفر اللّه لهم واللّه تعالى يقول { وانى لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا } { ولا امانى اهل الكتاب } يعنى العلماء السوء الذين يغرون الخلق بالرجاء المذموم ويقطعون عليهم طريق الطلب والجد والاجتهاد { من يعمل سوأ يجز به } فى الحال باظهار الرين على مرآة قلبه بعد الذنب كما قال عليه السلام ( اذا اذنب عبد ذنبا نكت فى قلبه نكتة سوداء فان تاب ورجع منه صقل ) { ولا يجد له من دون اللّه وليا } يخرجه من ظلمات المعصية الى نور الطاعة بالتوبة { ولا نصيرا } سوى اللّه ينصره بالظفر على النفس الامارة فيزكيها عن صفاتها وعلى الشيطان فيدفع شره وكيده { ومن يعمل من الصالحات } اى الخالصات { من ذكر او انثى } يشير بالذكر الى القلب وبالانثى الى النفس { وهو مؤمن } مخلص فى تلك الاعمال { فاولئك يدخلون الجنة } المعنى ان القلب اذا عمل بما وجب عليه من التوجه الى العالم العلوى والاعراض عن العالم السفلى وغض البصر عن سوى الحق يستوجب دخول جنة القربة والوصلة والنفس اذا عملت بما وجب عليها من الانتهاء عن هواها وترك حظوظها واداء حقوق اللّه تعالى فى العبودية واطمأنت بها تستحق الرجوع الى ربها والدخول فى جنة عالم الارواح كما قال تعالى { يا ايتها النفس المطمئنة ارجعى الى ربك راضية مرضية } { ولا يظلمون نقيرا } فيما قدر لهم اللّه من الاعمال الصالحات ولا من الدرجات والقربات فليس من تمنى نعمته من غير ان يتعنى فى خدمته كمن تعنى فى خدمته من غير ان يتمنى نعمته وان بينهما بونا بعيدا من اعلى مراتب القرب الى اسفل سافلين البعد كذا فى التأويلات النجمية ١٢٥ { ومن } استفهام انكارى { احسن دينا } الدين والملة متحدان بالذات ومختلفان بالاعتبار فان الشريعة من حيث انها يطاع لها دين ومن حيث انها تملى وتكتب ملة والاملال بمعنى الاملاء { ممن اسلم وجهه للّه } اى جعل نفسه وذاته سالمة خالصة للّه تعالى بان لم يجعل لاحد حقا فيها لا من جهة الخالقية والمالكية ولا من جهة العبودية والتعظيم. وقوله دينا نصب على التمييز من احسن منقول من المبتدأ والتقدير ومن دينه احسن من دين من اسلم الخ فالتفضيل فى الحقيقة جار بين الدينين لا بين صاحبيهما { وهو محسن } الجملة حال من فاعل اسلم اى والحال انه آت بالحسنات تارك للسيآت وقد فسره النبى عليه السلام بقوله ( ان تعبد اللّه كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك ) والاحسان حقيقة الايمان واعلم ان دين الاسلام مبنى على امرين الاعتقاد والعمل فاللّه سبحانه اشار الى الاول بقوله { اسلم وجهه للّه } والى الثانى بقوله { وهو محسن } اى فى الانقياد لربه بان يكون آتيا بجميع ما كلفه به على وجه الاجلال والخشوع { واتبع ملة ابراهيم } الموافقة لدين الاسلام المتفق على صحتها وقبولها بين الاديان كلها بخلاف ملة موسى وعيسى وغيرهما من الانبياء عليهم السلام { حنيفا } حال من فاعل اتبع اى مائلا عن الاديان الزائغة ثم ان اللّه تعالى رغب فى اتباع ملته فقال { واتخذ اللّه ابراهيم خليلا } اى اصطفاه وخصصه بكرامة تشبه كرامة الخليل عند خليله والخلة من الخلال فانه ودّ تخلل النفس وخالطها ١٢٦ { وللّه ما فى السموات وما فى الارض } كأنه قيل لم خص اللّه تعالى ابراهيم عليه السلام بالخلة وله عباد مكرمون فاجاب بان جميع ما فى السموات وما فى الارض من الموجودات له تعالى خلقا وملكا يختار منها ما يشاء ومن يشاء { وكان اللّه بكل شىء محيطا } احاطة علم وقدرة فكل واحد من علمه وقدرته محيط بجميع ما يكون داخلا فيهما وما يكون خارجا عنهما ومغايرا لهما مما لا نهاية له من الصدورات الخارجة عن هذه السموات والارضين روى ان ابراهيم عليه السلام بعث الى خليل له بمصر فى ازمة اصابت الناس يمتار منه فقال خليله لو كان ابراهيم يريد لنفسه لفعلت ولكن يريد للاضياف وقد اصابنا ما اصاب الناس فاجتاز غلمانه ببطحاء لينة فملأوا منها الغرائر حياء من الناس فلما اخبروا ابراهيم ساءه الخبر فغلبته عيناه فنام فقامت سارة الى غرارة منها فاخرجت حوارى واختبزت فاستيقظ ابراهيم فاشتم رائحة الخبز فقال من اين هذا لكم فقالت من خليلك المصرى فقال بل من عند خليلى اللّه عز وجل فسماه اللّه خليلا وفى الخبر تعجب الملائكة من كثرة ماله وخدمه وكان له خمسة آلاف قطيع من الغنم وعليها كلاب المواشى باطواق الذهب فتمثل له ملك فى صورة البشر وهو ينظر اغنامه فى البيداء فقال الملك سبوح قدوس ربنا ورب الملائكة والروح فقال ابراهيم عليه السلام كرر ذكر ربى ولك نصف ما ترى من اموالى فكرر الملك فنادى ثانيا كرر تسبيح ربى ولك جميع ما ترى من مالى فتعجب الملائكة فقالوا جدير ان يتخذك اللّه خليلا فعلى هذا انما سمى الخليل خليلا على لسان الملائكة قال القاضى فى الشفاء الخلة هنا اقوى من النبوة لان النبوة قد يكون فيها العداوة كما قال تعالى { ان من ازواجكم واولادكم عدوا لكم } ولا يصح ان تكون عداوة مع خلة ومن شرط الخلة استسلام العبد فى عموم احواله للّه باللّه وان لا يدخر شيأ مع اللّه لا من ماله وجسده ولا من نفسه ولا من روحه وخلده ولا من اهله وولده وهكذا كان حال ابراهيم عليه السلام جانكه نه قربانىء جانان بود ... جيفه تن بهترازان جان بود هركه نه شد كشته بشمشير دوست ... لاشه مردار به ازجان اوست ومن شرط المحبة فناء المحب فى المحبة وبقاؤه فى المحبوب حتى لم تبق المحبة من المحب الا الحبيبْ وهذا حال محمد صلى اللّه عليه وسلم قيل لمجنون بنى عامر ما اسمك قال ليلى قال شيخى وسندى ومن هو بمنزلة روحى فى جسدى فى كتاب اللائحات البرقيات ان الخلة والمحبة الآلهية الاحدية تجلت لنبينا محمد صلى اللّه تعالى عليه وسلم بحقيقتها ولابراهيم عليه السلام بصورتها ولغيرهما بخصوصياتها الجزئيات بحسب قابلياتهم ونبينا عليهم السلام فى مقام الخلة والمحبة بمنزلة المرتبة الاحدية الذاتية وابراهيم عليه الصلاة والسلام بمنزلة المرتبة الواحدية الصفاتية وغيرهما بمنزلة المرتبة الواحدية الافعالية والى هذه المقامات والمراتب اشارة فى البسملة على هذا الترتيب ونبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم خليل اللّه وحبيبه بالفعل وابراهيم عليه السلام خليل الرحمن وحبيبه بالفعل وغيرهما من الانبياء اخلاء الرحيم واحباؤه بالفعل انتهى كلام الشيخ العلامة ابقاه اللّه بالسلامة واعلم انه عليه السلام قال ( ان اللّه اتخذنى خليلا كما اتخذ ابراهيم خليلا ولو كنت متخذا خليلا غير ربى لاتخذت ابا بكر خليلا ) يعنى لو جاز لى ان اتخذ صديقا من الخلق يقف على سرى لاتخذت ابا بكر خليلا ولكن لا يطلع على سرى الا اللّه ووجه تخصيصه بذلك ان ابا بكر رضى اللّه عنه كان اقرب بسر رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم لما روى انه عليه السلام قال ( ان ابا بكر لم يفضل عليكم بصوم ولا صلاة ولكن بشىء كتب فى قلبه ) وانفهم من عدم اتخاذه عليه السلام احدا خليلا انفصاله عما سوى اللّه تعالى فكل الكائنات متصل به وهو غير متصل بشىء اصلا سوى اللّه سبحانه وتعالى اللّهم ارزقنا شفاعته : قال الشيخ السعدى فى نعته الشريف شبى برنسشت ازفلك در كذشت ... بتمكين جاه از ملك در كذشت جنان كرم درتيه قربت براند ... كه درسدره جبريل ازوبازماند فهذا انفصاله عن العلويات والسفليات ووصوله الى حضرة الذات ١٢٧ { ويستفتونك } اى يطلبون منك الفتوى واشتقاق الفتوى من الفتى وهو الشاب القوى الحدث لانها جواب فى حادثة واحداث حكم او تقوية لبيان مشكل { فى } حق توريث { النساء } اذ سبب نزولها ان عيينة بن حصين اتى النبى عليه السلام فقال اخبرنا انك تعطى الابنة النصف والاخت النصف وانما كنا نورث من يشهد القتال ويحوز الغنيمة فقال عليه السلام ( كذلك امرت ) { قل اللّه يفتيكم فيهن } يبين لكم حكمه فى حقهن والافتاء تبيين المبهم وتوضيح المشكل { وما يتلى عليكم فى الكتاب } عطف على اسم اللّه اى يفتيكم اللّه وكلامه فيكون الافتاء مسندا الى اللّه والى ما فى القرآن من قوله { يوصيكم اللّه فى اولادكم } فى اوائل هذه السورة ونحوه والفعل الواحد ينسب الى فاعلين بالاعتبارين كما يقال اغنانى زيد وعطاؤه فان المسند اليه فى الحقيقة شىء واحد وهو المعطوف عليه الا انه عطف عليه شىء من احواله للدلالة على ان الفعل انما قام بذلك الفاعل باعتبار اتصافه بتلك الحال { فى } شأن { يتامى النساء } متعلق بيتلى كما ان فى الكتاب متعلق به ايضا والاضافة بمعنى من لانها اضافة الشىء الى جنسه { اللاتى لا تؤتونهن ما كتب لهن } اى فرض لهن من الميراث وغيره { وترغبون } عطف على لا تؤتونهن عطف جملة مثبتة على جملة منفية { ان تنكحوهن } اى فى نكاحهن لجمالهن ومالهن وترغبون عن نكاحهن اى تعرضون لقبحهن وفقرهن فان كانت اليتيمة جميلة موسرة رغب وليها فى تزوجها والا رغب عنها وما يتلى فى حقوقهن قوله تعالى { وآتوا اليتامى اموالهم } وقوله تعالى { ولا تأكلوها } ونحوها من النصوص الدالة على عدم التعرض لاموالهم { و } فى { المستضعفين من الولدان } عطف على يتامى النساء والعرب ما كانوا يورثونهم كما لا يورثون النساء وانما يورثون الرجال القوامين بالامور { و } فى { ان تقوموا لليتامى } فى اموالهم وحقوقهم { بالقسط } اى العدل وهو ايضا عطف على يتامى النساء وما يتلى فى حقهم قوله تعالى { ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب. ولا تأكلوا اموالهم الى اموالكم } ونحو ذلك { وما } شرطية { تفعلوا من خير } على الاطلاق سواء كان فى حقوق المذكورين او غيرهم { فان اللّه كان به عليما } فيجازيكم بحسبه فعلى العاقل ان يطيع اللّه تعالى فيما امر ولا يأكل مال الغير بل يجتهد فى ان ينفق ما قدر عليه على اليتامى والمساكين قال حاتم الاصم من ادعى ثلاثا بغير ثلاث فهو كذاب. من ادعى حب الجنة من غير انفاق ماله فهو كذاب. ومن ادعى محبة اللّه من غير ورع عن محارم اللّه فهو كذاب. ومن ادعى محبة النبى عليه السلام من غير محبة الفقراء فهو كذاب وفى قوله تعالى { وما تفعلوا } حث على فعل الخير وترغيب حكى ان امرأة جاءت الى حانوت ابى حنيفة تريد شراء ثوب فاخرج ابو حنيفة ثوبا جديدا قيمته اربعمائة درهم فقالت المرأة انى امرأة ضعيفة ولى بنت اريد تسليمها الى زوجها فبعنى هذا الثوب بما يقوم عليك فقال ابو حنيفة خذيه باربعة دراهم فقالت المرأة لم تسخر بى فقال ابو حنيفة معاذ اللّه ان اكون من الساخرين ولكنى كنت اشتريت ثوبين فبعت احدهما برأس المال الذى نقدت فى الثوبين الا اربعة دراهم فبقى هذا على باربعة دراهم فاخذت المرأة الثوب باربعة دراهم ورجعت مستبشرة فرحة : قال السعدى قدس سره بكير اى جوان دست درويش بير ... نه خودرا بيكفن كه دستم بكير كسى نيك بودى بهر دو سراى ... كه نيكى رساند بخلق خداى واعلم ان النفس بمثابة المرأة لزوج الروح فكما اوجب اللّه على الرجال من الحقوق للنساء فكذلك اوجب على العبد الطالب الصادق من الحقوق للنفس كما قال عليه السلام لعبد اللّه ابن عمر حين جاهد نفسه بالليل بالقيام وبالنهار بالصيام ( ان لنفسك عليك حقا فصم وافطر وقم ونم ) والرياضة الشديدة تقطع عن السير قال عليه السلام ( ان هذا الدين مبين فاوغلوا فيه برفق ) يريد لا تحملوا على انفسكم ولا تكلفوها ما لا تطيق فتعجز فتترك الدين والعمل اسب تزى دوتك همى ماند ... شترآهسته ميرود شب وروزى وكان النبى عليه الصلاة والصيام يتوسط فى اعطاء نفسه حقها ويعدل فيها غاية العدل فيصوم ويفطر ويقوم وينام وينكح النساء ويأكل فى بعض الاحيان ما يجد كالحلوى والعسل والدجاج وتارة يجوع حتى يشد الحجر على بطنه من الجوع فيا ايها الغافل تنبه لرحيلك ومسراك واحذر ان تسكن الى موافقة هواك انتقل الى الصلاح قبل ان تنقل وحاسب نفسك على ما تقول وتفعل فان اللّه سبحانه بكل شىء عليم وبكل شىء محيط فاياك من الافراط والتفريط ١٢٨ { وان امرأة خافت من بعلها } امرأة فاعل فعل يفسره الظاهر اى ان خافت امرأة خافت وتوقعت من زوجها { نشوزا } تجافيا عنها وترفعا من صحبتها كراهة لها ومنعا لحقوقها من النشز وهو ما ارتفع من الارض فنشوز كل واحد من الزوجين كراهته صاحبه وترفعه عليه لعدم رضاه به { او اعراضا } بان يقل مجالستها ومحادثتها وذلك لبعض الاسباب من طعن فى سن او دمامة او شين فى خلق او خلق او ملال او طموح عين الى اخرى او غير ذلك قال الامام المراد بالنشوز اظهار الخشونة فى القول او الفعل او فيهما والمراد بالاعراض السكوت عن الخير والشر والمراعاة والايذاء روى ان الآية نزلت فى خويلة ابنة محمد بن مسلمة وزوجها سعد بن الربيع تزوجها وهى شابة فلما علاها الكبر تزوج شابة وآثرها عليها وجفاها فاتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم واشتكت اليه ذلك { فلا جناح عليهما } حينئذ { ان يصلحا بينهما صلحا } اى فى ان يصلحا بينهما اصلاحا بان تحط له المهر او بعضه او القسم كما فعلت سودة رضى اللّه عنها حين اراد عليه السلام ان يطلقها ان يمسكها وتجعل نوبتها لعائشة رضى اللّه عنها لما عرفت مكان عائشة من قلبه عليه السلام فاجازه النبى عليه السلام ولم يطلقها وكان عليه السلام بعد هذا الصلح يقسم لعائشة يومها ويوم سودة قال الحدادى مثل هذا الصلح لا يقع لازما لانها اذا ابت بعد ذلك الا المقاسمة على السواء كان لها ذلك { والصلح } الواقع بين الزوجين { خير } اى من الفرقة او من سوء العشرة او من الخصومة. فاللام للعهد ويجوز ان لا يراد به التفضيل بل بيان انه خير من الخيور كما ان الخصومة شر من الشرور فاللام للجنس قال السيوطى فى حسن المحاضرة فى احوال مصر والقاهرة ان شئت ان تصير من الابدال فحول خلقك الى بعض خلق الاطفال ففيهم خمس خصال لو كانت فى الكبار لكانوا ابدالا لا يهتمون للرزق ولا يشكون من خالقهم اذا مرضوا ويأكلون الطعام مجتمعين واذا خافوا جرت عيونهم بالدموع واذا تخاصموا لم يتجاوزوا وتسارعوا الى الصلح ونعم ما قيل ابلهست آنكه فعل اوست لجاج ... ابلهى را كجا علاج بود تاتوانى لجاج بيشه مكير ... كافت دوستى لجاج بود { واحضرت الانفس الشح } اى جعلت حاضرة له مطبوعة عليه لا تنفك عنه ابدا فلا المرأة تسمح بحقوقها من الرجل ولا الرجل يجود بحسن المعاشرة مع دمامتها وكبر سنها وعدم حصول اللذة بمجالستها واصل الكلام احضر اللّه الانفس الشح فلما بنى للمفعول اقيم مفعوله الاول مقام الفاعل والشح البخل مع حرص فهو اخص من البخل وعن عبد اللّه بن وهب عن الليث قال بلغنى ان ابليس لقى نوحا فقال له ابليس يا نوح اتق الحسد والشح فانى حسدت آدم فخرجت من الجنة وشح آدم على شجرة واحدة منعها حتى خرج من الجنة ولقى يحيى بن زكريا عليهما السلام ابليس فى صورته فقال له اخبرنى باحب الناس اليك وابغض الناس اليك قال احب الناس الىّ المؤمن البخيل وابغضهم الىّ الفاسق السخى قال يحيى وكيف ذلك قال لان البخيل قد كفانى بخله والفاسق السخى اتخوف ان يطلع اللّه عليه فى سخائه فيقبله ثم ولى وهو يقول لولا انك يحيى لم اخبرك كذا فى آكام المرجانه { وان تحسنوا } ايها الازواج بامساكهن بالمعروف وحسن المعاشرة مع عدم موافقتهن لطباعكم { وتتقوا } ظلمهن بالنشوز والاعراض ولم تضطروهن الى بذل شىء من حقوقهن { فان اللّه كان بما تعملون } من الاحسان والتقوى { خبيرا } عليما به وبالغرض فيه فيجازيكم ويثيبكم عليه البتة لاستحالة ان يضيع اجر المحسنين روى ان رجلا من بنى آدم كانت له امرأة من اجملهم فنظرت اليه يوما فقالت الحمد اللّه قال زوجها مالك فقالت حمدت اللّه على انى وانك من اهل الجنة لانك رزقت مثلى فشكرت ورزقت مثلك فصبرت وقد وعد اللّه بالجنة للصابرين والشاكرين : قال السعدى قدس سره جومستوره شدزن خوب روى ... بديدار او در بهشتست شوى اكر بارسا باشد وخوش سخن ... نكه در نكويى وزشتى مكن ١٢٩ { ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء } اى محال ان تقدروا على ان تعدلوا وتسووا بينهن بحيث لا يقع ميل ما الى جانب احداهن فى شأن من الشؤون البتة ولذلك كان رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول ( اللّهم هذا قسمى فيما املك فلا تؤاخذنى فيما تملك ولا املك ) واراد به التسوية فى المحبة وكان له فرط محبة لعائشة رضى اللّه عنها { ولو حرصتم } اى على اقامة العدل وبالغتم فى ذلك { فلا تميلوا كل الميل } اى فلا تجوروا على المرأة المرغوب عنها كل الجور واعدلوا ما استطعتم فان عجزكم عن حقيقة العدل انما يصح عدم تكليفكم به لا بما دونه من المراتب الداخلة تحت استطاعتكم وما لا يدرك كله لا يترك كله وفى الحديث ( استقيموا ولن تحصوا ) اى لن تستطيعوا ان تستقيموا فى كل شىء حتى لا تميلوا { فتذروها } مجزوم عطف على الفعل قبله اى فلا تتركوا التى ملتم عنها حال كونها { كالمعلقة } وهى المرأة التى لا تكون ايما فتزوج ولا ذات بعل يحسن عشرتها كالشىء المعلق الذى لا يكون فى الارض ولا فى السماء وفى الحديث ( من كانت له امرأتان فمال الى احداهما جاء يوم القيامة واحد شقيه مائل ) وكان لمعاذ رضى اللّه عنه امرأتان فاذا كان عند احداهما لم يتوضأ فى بيت الاخرى فماتتا فى الطاعون فدفنهما فى قبر واحد { وان تصلحوا } ما كنتم تفسدون من امروهن { وتتقوا } الميل فيما يستقبل { فان اللّه كان غفورا } يغفر لكم ما مضى من ميلكم { رحيما } يتفضل عليكم برحمته ١٣٠ { وان يتفرقا } اى وان يفارق كل واحد منهما صاحبه بان لم يتفق بينهما وفاق بوجه ما من الصلح او غيره { يغن اللّه كلا } منهما اى يجعله مستغنيا عن الآخر ويكفه مهماته { من سعته } من غناه وقدرته وفيه زجر لهما عن مفارقة احدهما رغما لصاحبه { وكان اللّه واسعا حكيما } اى مقتدرا متقنا فى افعاله واحكامه وله حكمة بالغة فيما يحكم من الفرقة يجعل لكل واحد منهما من يسكن اليه فيتسلى به عن الاول وتزول حرارة محبته عن قلبه وينكشف عنه هم عشقة فعلى المؤمن ترك حظ النفس والدور مع الامر الالهى فى جملة امروه واحكامة والعمل فى حق النساء بقوله تعالى { فامساك بمعروف او تسريح باحسان } والميل الى جانب العدل والاعراض عن طرف الظلم والاستحلال قبل ان يجيىء يوم لا بيع فيه ولا خلال قال ابن مسعود رضى اللّه عنه يؤخذ بيد العبد او الامة فينصب على رؤوس الاولين والآخرين ثم ينادى مناد هذا فلان ابن فلان فمن كان له حق فليأت الى حقه فتفرح المرأة ان يكون لها الحق على ابنها او اخيها او على ابيها او على زوجها ثم قرأ ابن مسعود رضى اللّه عنه { فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساؤلون } فيقول الرب تعالى للعبد آت هؤلاء حقوقهم فيقول رب لست فى الدنيا فمن اين اوتيهم فيقول للملائكة خذوا من اعماله الصالحة فاعطوا كل انسان منهم بقدر طلبته فان كان وليا للّه فضلت من حسناته مثقال حبة من خردل من خير ضاعفها حتى يدخله بها الجنة ثم قرأ { ان اللّه لا يظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه اجرا عظيما } وان كان عبدا شقيا قالت الملائكة رب فنيت حسناته وبقى الطالبون فيقول للملائكة خذوا من اعمالهم السيئة فاضيفوها الى سيآته وصكوا له صكا الى النار فلا بد من التوبة والاستغفار والرجوع الى الملك الغفار والمجاملة فى المعاملة مع الاخيار والاشرار ودفع الاذى عن اهل الانكار والاقرار حكى ان ابا منصور بن ذكير كان رجلا زاهدا صالحا فلما دنت وفاته اكثر البكاء فقيل له لم تبك عند الموت قال اسلك طريقا لم اسلكه قط فلما توفى رآه ابنه فى المنام فى الليلة الرابعة فقال يا ابت ما فعل اللّه بك فقال يا بنى ان الامر اصعب مما تعد اى تظن لقيت ملكا عادل اعدل العادلين ورأيت خصماء مناقشين فقال لى ربى يا ابا منصور قد عمرتك سبعين سنة فما معك اليوم فقلت يا ربى حججت ثلاثين حجة فقال اللّه تعالى لم اقبل منك فقلت يا رب تصدقت باربعين الف درهم بيدى فقال لم اقبل منك فقلت ستون سنة صمت نهارها وقمت ليلها فقال لم اقبل منك فقلت الهى غزوت اربعين غزوة فقال لم اقبل منك فقلت اذا قد هلكت فقال اللّه تعالى ليس من كرمى ان اعذب مثل هذا يا ابا منصور اما تذكر اليوم الفلانى نحيت الذرة عن الطريق كيلا يعثر بها مسلم فانى قد رحتمك بذلك فانى لا اضيع اجر المحسنين فظهر من هذه الحكاية ان دفع الاذى عن الطريق اذا كان سببا للرحمة والمغفرة فلأن يكون دفع الاذى عن الناس نافعا للدافع يوم الحشر خصوصا عدم الاذية للمؤمنين وخصوصا للاهل والعيال والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده اللّهم اجعلنا من النافعين لا من الضارين آمين ١٣١ { وللّه ما فى السموات وما فى الارض } اى من الموجودات كائنا ما كان من الخلائق ارزاقهم وغير ذلك قال الشيخ نجم الدين قدس سره { للّه ما فى السموات } من الدرجات العلى وجنات المأوى والفردوس الاعلى { وما فى الارض } من نعيم الدنيا وزينتها وزخارفها واللّه مستغن عنها وانما خلقها لعباده الصالحين كما قال تعالى { وسخر لكم ما فى السموات وما فى الارض } وخلق العباد لنفسه كما قال { واصطنعتك لنفسى } { ولقد وصينا الذين اوتوا الكتاب من قبلكم } اى باللّه قد امرناهم فى كتابهم وهم اليهود والنصارى ومن قبلهم من الامم. واللام فى الكتاب للجنس يتناول الكتب السماوية ومن متعلقة بوصينا او بأوتوا { واياكم } عطف على الذين اى وصيناكم يا امة محمد فى كتابكم { ان اتقوا اللّه } اى بان اتقوا اللّه فان مصدرية حذف منها حرف الجر اى امرناهم واياكم بالتقوى { و } قلنا لهم ولكم { ان تكفروا فان للّه ما فى السموات وما فى الارض } اى فان اللّه مالك الملك كله لا يتضرر بكفركم ومعاصيكم كما لا ينتفع بشكركم وتقواكم وانما وصاكم لرحمته لا لحاجته ثم قرر ذلك بقوله { وكان اللّه غنيا } اى عن الخلق وعبادتهم لا تعلق له بغيره تعالى لا فى ذاته ولا فى صفاته بل هو منزه عن العلاقة مع الاغيار { حميدا } محمودا فى ذاته حمدوه او لم يحمدوه قال الغزالى فى شرح الاسماء الحسنى واللّه تعالى هو الحميد لحمد لنفسه ازلا ولحمد عباده له ابدا ويرجع هذا الى صفات الجلال والعلو والكمال منسوبا الى ذكر الذاكرين له فان الحمد هو ذكر اوصاف الكمال من حيث هو كمال والحميد من العباد من حمدت عقائده واخلاقه واعماله كلها من غير مثنوية وذلك هو محمد صلى اللّه عليه وسلم ومن يقرب منه من الانبياء ومن عداهم من الاولياء والعلماء كل واحد منهم حميد بقدر ما يحمد من عقائده واخلاقه واعماله واقواله ١٣٢ { وللّه ما فى السموات وما فى الارض } ذكره ثالثا للدلالة على كونه غنيا فان جميع المخلوقات تدل بحاجتها على غناه وبما فاض عليها من الوجود وانواع الخصائص والكمالات على كونه حميدا فلا تكرار فان كل واحد من هذه الالفاظ مقرون بفائدة جديدة { وكفى باللّه وكيلا } فى تدبير امور الكل وكل الامور فلا بد من ان يتوكل عليه لا على احد سواه ١٣٣ { ان يشأ يذهبكم ايها الناس } اى يفنكم ويستأصلكم بالمرة { ويأت بآخرين } اى يوجد دفعة مكانكم قوما آخرين من البشر او خلقا آخرين مكان الانس ومفعول المشيئة محذوف لكونه مضمون الجزاء اى ان يشأ افناءكم وايجاد آخرين يذهبكم يعنى ان ابقاءكم على ما انتم عليه من العصيان انما هو لكمال غناه عن طاعتكم لا لعجزه سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ففيه تهديد للعصاة { وكان اللّه على ذلك } اى افنائكم بالمرة وايجاد آخرين دفعة مكانكم { قديرا } بليغ القدر لا يعجزه مراد فاطيعوه فلا تعصوه واتقوا عقابه والآية تدل على كمال قدرته وصبوريته حيث لا يؤاخذ العصاة على العجلة وفى الحديث ( لا احد اصبر على اذى سمعه من اللّه انه يشرك به ويجعل له الولد ثم هو يعافيهم ويرزقهم ) يعنى يقول بعض عباد اللّه وامائه ان له شريكا فى ملكه وينسب له ولدا ثم اللّه تعالى يعطيهم من انواع النعم من العافية والرزق وغيرهما فهذا كرمه ومعاملته مع من يؤذيه فما ظنك بمعاملته مع من يتحمل الاذى منه ويثنى عليه ثم ان تأخير العقوبة يتضمن لحكم منها رجوع التائب وانقطاع حجة المصر وفى الحديث ( ان اللّه يبسط يده بالليل ليتوب مسيىء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيىء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ) قال الشيخ الكلاباذى بسط اليد كناية عن الجود يعنى يجود اللّه لمسيى الليل ولمسيىء النهار بالامهال ليتوب كما روى انه عليه السلام قال ( صاحب اليمين امير على صاحب الشمال واذا عمل العبد حسنة كتب له عشر امثالها واذا عمل سيئة قال صاحب اليمين امسك فيمسك عنه سبع ساعات من النهار فان استغفر لم يكتب عليه وان لم يستغفر كتب سيئة واحدة ) انتهى كلامه : قال الصائب بر غفلت سياه دلان خنده ميزنند ... غافل مشو زخنده دندان نماى صبح يقال من لم ينزجر بزواجر القرآن ولم يرغب فى الطاعات فهذا اشد قسوة من الحجارة واسوء حالا من الجمادات فان دعوة اللّه عباده بكتبه على لسان الانبياء لئلا يغتروا بزخارف الدنيا الدنية ويترقوا من حضيض الحظوظ النفسانية الى معارج الدرجات العلى ولقد وصاك اللّه تعالى بالتقوى فعليك بالاخذ بالوصية فان التقوى كنز عزيز فلئن ظفرت به فكم تجد فيه من جوهر شريف وخير كثير فانه جامع الخير كله قال ابن عطاء للتقوى ظاهر وباطن فظاهرها حفظ حدود الشرع وباطنها الاخلاص فى النية وحقيقة التقوى الاعراض عن الدنيا والعقبى والاقبال والتوجه الى الحضرة العليا فمن وصل اليه فقد صار حرا عن رقية الكونين وعبد اللّه تعالى : قال الحافظ قدس سره زير بارند درختان كه تعلق دارند ... اى خوشا سروكه ازبار غم آزاد آمد ١٣٤ { من كان يريد ثواب الدنيا } كالمجاهد يريد بمجاهدته الغنيمة { فعند اللّه ثواب الدنيا والآخرة } اى فعنده تعالى ثوابهما له ان اراده فماله يطلب اخسهما فليطلبهما كمن يقول ربنا آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة او ليطلب الاشرف منهما فان من جاهد خالصا لوجه اللّه تعالى لم تخطئه الغنيمة وله فى الآخرة ما هى فى جنبه كلا شىء اى فعند اللّه ثواب الدارين فيعطى كلا ما يريده كقوله تعالى { من كان يريد حرث الآخرة نزد له فى حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله فى الآخرة من نصيب } { وكان اللّه سميعا بصيرا } عالما بجميع المسموعات والمبصرات عارفا بالاغراض اى يعرف من كلامهم ما يدل على انهم ما يطلبون من الجهاد سوى الغنيمة ومن افعالهم ما يدل على انهم لا يسعون فى الجهاد الا عند توقع الفوز بالغنيمة قال الحدادى فى الآية تهديد للمنافقين المرائين وفى الحديث ( ان فى النار واديا تتعوذ منه جهنم كل يوم اربعمائة مرة اعد للقراء المرائين ) قال السعدى قدس سره نكو سيرتى بى تكلف برون ... به ازنيك نام خراب اندرون هرآنكه افكند تخم برروى سنك ... جوى وقت دخلش نيايد بجنك وعن النبى صلى اللّه عليه وسلم انه ( لما خلق اللّه تعالى جنة عدن خلق فها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم قال لها تكلمى فقالت قد افلح المؤمنون ثلاثا ثم قالت انى حرام على كل بخيل مراء ) فينبغى للمؤمن ان يحترز من الرياء ويسعى فى تحصيل الاخلاص فى العمل وهو ان لا يريد بعمله سوى اللّه تعالى قال بعضهم دخلت على سهل ابن عبد اللّه يوم الجمعة قبل الصلاة فرأيت فى البيت حية فجعلت اقدّم رجلا واؤخر اخرى فقال سهل ادخل لا يبلغ احد حقيقة الاخلاص وعلى وجه الارض شىء يخافه ثم قال هل لك حاجة فى صلاة الجمعة فقلت بيننا وبين المسجد مسيرة يوم وليلة فاخذ بيدى فما كان قليلا حتى رأيت المسجد فدخلنا وصلينا الجمعة ثم خرجنا فوقف ينظر الى الناس وهم يخرجون فقال اهل لا اله الا اللّه كثير والمخلصون منهم قليل عبادت باخلاص نيت نكوست ... وكرنه جه آيد زبيمغز بوست فالمخلص فى عمله لا يقبل عوضا ولو اعطى له الدنيا وما فيها حكاية [ آورده اندكه جوانمردى غلام خويش را كفت سخاوت آن نيست كه صدقه بكسى دهندكه اورابشناسند صد دينار بستان وببازار ببر واول درويشى كه بينى بوى ده غلام ببازار رفت بيرى ديدكه حلاق سراو مى تراشيد زر بوى داد بير كفت كه من نيت كرده ام كه هرجه مرا فتوح شود بوى دهم وحلاق را كفت بستان حلاق كفت من نيت كرده ام سراورا از براى خدا بتراشم اجر خود از حق تعالى بصد دينار نمى فروشم وهيج كس نستادند غلام باز كشت وزرباز آورد ] كذا فى انيس الوحدة وجليس الخلوة ١٣٥ { يا ايها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط } مبالغين فى العدل واقامة القسط فى جميع الامور مجتهدين فى ذلك حق الاجتهاد { شهداء للّه } بالحق تقيمون شهاداتكم بوجه اللّه تعالى كما امرتم باقامتها وهو خبر ثان { ولو } كانت الشهادة { على انفسكم } بان تقروا عليها لان الشهادة على النفس اقرار على ان الشهادة عبارة عن الاخبار بحق الغير سواء كان ذلك عليه او على ثالث او بان تكون الشهادة مستتبعة لضرر ينالكم من جهة المشهود عليه بان يكون سلطانا ظالما او غيره { او الوالدين والاقربين } اى ولو كانت على والديكم واقاربكم بان تقروا وتقولوا مثلا اشهد ان لفلان على والدى كذا او على اقاربى او بان تكون الشهادة وبالا عليهم على ما مر آنفا وفى هذا بيان ان شهادة الابن على الوالدين لا تكون عقوقا ولا يحل للابن الامتناع عن الشهادة على ابويه لان فى الشهادة عليهما بالحق منعا لهما من الظلم واما شهادته لهما وبالعكس فلا تقبل لان المنافع بين الاولاد والآباء متصلة ولهذا لا يجوز اداء الزكاة اليهم فتكون شهادة احدهما شهادة لنفسه او لتمكن التهمة { ان يكن } اى المشهود عليه { غنيا } يبتغى فى العادة رضاه ويتقى سخطه { او فقيرا } يترحم عليه غالبا وجواب الشرط محذوف لدلالة قوله تعالى { فاللّه اولى بهما } عليه اى فلا تمتنعوا عن اقامة الشهادة طلبا لرضى الغنى او ترحما على الفقير فان اللّه تعالى اولى بجنسى الغنى والفقير بالنظر لهما ولولا ان الشهادة عليهما مصلحة لهما لما شرعها وفى الحديث ( انصر اخاك ظالما او مظلوما ) قيل يا رسول اللّه كيف ينصره ظالما قال ( ان يرده عن ظلمه ) فان ذلك نصره معنى ومنع الظالم عن ظلمه عون له على مصلحة دينه ولذا سمى نصرا : قال السعدى قدس سره بكمراه كفتن نكو ميروى ... كناه بزركست وجور قوى بكوى آنجه دانى سخن سودمند ... وكرهيج كس رانيايد بسند { فلا تتبعوا الهوى ان تعدلوا } يحتمل العدل والعدول اى فلا تتبعوا الهوى كراهة ان تعدلوا بين الناس او ارادة ان تعدلوا عن الحق { وان تلووا } السنتكم عن شهادة الحق او حكومة العدل بان تأتوا بها لا على وجهها لىّ الشىء فتله وتحريفه ولى الشهادة تبديلها وعدم ادائها على ما شاهده بان يميل فيها الى احد الخصمين { او تعرضوا } اى عن ادائها واقامتها رأسا فالاعراض عنها كتما { فان اللّه كان بما تعملون } من لىّ الالسنة والاعراض بالكلية { خبيرا } فيجازيكم لا محالة على ذلك وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما ان المراد بالآية القاضى يتقدم عليه الخصمان فيعرض عن احدهما او يدافع فى امضاء الحق او لا يسوى بينهما فى المجلس والنظر والاشارة ولا يمتنع ان يكون المراد بالآية القاضى والشاهد وعامة الناس فان اللفظ محتمل للجميع وعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انه قال عند نزول هذه الآية ( من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليقم شهادته على من كانت ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يجحد حقا هو عليه وليؤده فورا ولا يلجئه الى سلطان وخصومة ليقطع بها حقه وايما رجل خاصم الى فقضيت له على اخيه بحق ليس عليه فلا يأخذنه فانما اقطع له قطعة من نار جهنم ) كذا فى تفسير الحدادى قال فى الاشباه اى شاهد جاز له الكتمان فقل اذا كان الحق يقوم بغيره او كان القاضى فاسقا او كان يعلم انه لا يقبل انتهى قال الفقهاء وستر الشهادة فى الحدود افضل من ادائها لقوله عليه السلام للذى شهد عنده فى الحد ( لو سترته بثوبك لكان خيرا لك ) وقوله عليه السلام ( من ستر على مسلم عيبا ستر اللّه عليه فى الدنيا والآخرة ) وقال عليه السلام ( ما من امرىء ينصر مسلما فى موضع ينتهك فيه عرضه وتستحل حرمته الا نصره اللّه تعالى فى موطن يحب فيه نصرته وما من امرىء خذل مسلما فى موضع تنتهك فيه حرمته الا خذله اللّه تعالى فى موضع يحب فيه نصرته ) وقال عليه السلام ( ادرأوا الحدود ما استعطتم ) يحكى ان مسلما قتل ذميا عمدا فحكم ابو يوسف بقتل المسلم فبلغ زبيدة امرأة هارون الرشيد فبعثت الى ابى يوسف وقالت اياك ان تقتل المسلم وكانت فى عناية عظيمة بامر المسلم فلما حضر ابو يوسف وحضر الفقهاء وجيىء باولياء الذمى والمسلم وقال له الرشيد احكم بقتله فقال يا امير المؤمنين هو مذهبى غير انى لست اقتل المسلم به حتى تقوم البينة العادلة ان الذمى يوم قتله المسلم كان ممن يؤدى الجزية فلم يقدروا عليه فبطل دمه توروا داريكه من بى حجتى ... بنهم اندر شهر باطل سنتى وفى قوله تعالى { شهداء اللّه } اشارة الى عوام المؤمنين ان كونوا شهدءا للّه بالتوحيد والوحدانية بالقسط يوما ما ولو كان فى آخر نفس من عمرهم على حسب ما قدر لهم اللّه تعالى. واشارة الى الخواص ان كونوا شهداء للّه اى حاضرين مع اللّه بالفردانية. واشارة الى خواص الخواص ان كونوا شهداء للّه فى اللّه غائبين عن وجودكم فى شهوده بالوحدة. وفى اشارته الى الخواص شركة للملائكة كما قال تعالى { شهد اللّه انه لا اله الا هو والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط } فاما اشارته الى الاخص من الانبياء وكبار الاولياء وهم اولوا العلم فمختصة بهم من سائر العالمين ولاولى العلم شركة فى شهود شهد اللّه انه لا اله الا هو وليس للملائكة فى هذا الشهود مدخل الا انهم قائمون بالقسط كذا فى التأويلات النجمية ١٣٦ { يا ايها الذين آمنوا } خطاب لكافة المسلمين { آمنوا باللّه ورسوله والكتاب الذى نزل على رسوله والكتاب الذى انزل من قبل } اى اثبتوا على الايمان بذلك ودوموا عليه وازدادوا فيه طمأنينة ويقينا او آمنوا بما ذكر مفصلا بناء على ان ايمان بعضهم اجمالى فان قلت لم قيل نزل على رسوله وانزل من قبل قلت لان القرآن نزل منجما مفرقا بخلاف الكتب قبله فالمراد بالكتاب الاول القرآن وبالثانى الجنس المنتظم لجميع الكتب السماوية لقوله تعالى { وكتبه } وبالايمان به الايمان بان كل كتاب من تلك الكتب منزل منه على رسول معين لارشاد امته الى ما شرع لهم من الدين بالاوامر والنواهى لكن لا على ان يراد الايمان بكل واحد من تلك الكتب بل خصوصية ذلك الكتاب ولا على ان احكام تلك الكتب وشرائعها باقية بالكلية ولا على ان الباقى منها معتبر بالاضافة اليها بل على ان الايمان بالكل مندرج تحت الايمان بالكتاب المنزل على رسوله وان احكام كل منها كانت حقة ثابتة الى ورود نسخها وان ما لم ينسخ منها الى الآن من الشرائع والاحكام ثابتة من حيث انها من احكام هذا الكتاب الجليل المصون عن النسخ والتبديل وقيل الخطاب للمنافقين كانه قيل يا ايها الذين آمنوا نفاقا وهو ما كان بالالسنة فقط آمنوا اخلاصا وهو ما كان بها وبالقلوب وقيل الخطاب لمؤمنى اهل الكتاب اذ روى ان ابن سلام واصحابه قالوا يا رسول اللّه انا نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة وعزير ونكفر بما سواه فنزلت فالمعنى حينئذ آمنوا ايمانا عاما شاملا يعم الكتب والرسل فان الايمان بالبعض كلا ايمان { ومن يكفر باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر } اى بشىء من ذلك لان الكفر ببعضه كفر بكله ألا ترى كيف قدم الامر بالايمان بهم جميعا وزيادة الملائكة واليوم الآخر فى جانب الكفر لما انه بالكفر باحدها لا يتحقق الايمان اصلا وجمع الكتب والرسل لما ان الكفر بكتاب او برسول كفر بالكل وتقديم الرسول فيما سبق لذكر الكتاب بعنوان كونه منزلا عليه وتقديم الملائكة والكتب على الرسل لانهم وسائط بين اللّه وبين الرسل فى انزال الكتب { فقد ضل ضلالا بعيدا } عن المقصد بحيث لا يكاد يعود الى طريقه قالوا اول ما يجب على المرء معرفة مولاه اى يجب على كل انسان ان يسعى فى تحصيل معرفة اللّه تعالى بالدليل والبرهان فان ايمان المقلد وان كان صحيحا عند الامام الاعظم لكن يكون آثما بترك النظر والاستدلال فاول الامر هو الحجة والبرهان ثم المشاهدة والعيان ثم الفناء عن سوى الرحمان. فمرتبة العوام فى الايمان ما قال عليه السلام ( ان تؤمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله وبالبعث بعد الموت والجنة والنار والقدر خيره وشره ) وهو ايمان غيبى : وفى المثنوى بندكى درغيب آيد خوب وكش ... حفظ غيب آيددر استبعاد خوش طاعت وايمان كنون محمود شد ... بعد مرك اندر عيان مردود شد ومرتبة الخواص فى الايمان هو ايمان عيانى وكان ذلك بان اللّه اذا تجلى لعبده بصفة من صفاته خضع له جميع اجزاء وجوده وآمن بالكلية عيانا بعدما كان يؤمن قلبه بالغيب ونفسه تكفر بما آمن به قلبه اذا كانت النفس عن ننسم روائح الغيب بمعزل فلما تجلى الحق للجبل جعله دكا وخر موسى النفس صعقا فالنفس فى هذا المقام تكون بمنزلة موسى فلما افاق قال تبت اليك وانا اول المؤمنين. ومرتبة الاخص فى الايمان هو ايمان عيانى وذلك بعد رفع حجب الانانية بسطوات تجلى صفة الجلال فاذا افناه عنه بصفة الجلال يبقيه به بصفة الجمال فلم يبق له الاين وبقى فى العين فيكون ايمانا عيني كما كان حال النبى عليه السلام ليلة المعراج فلما بلغ قاب قوسين كان فى حيز اين فلما جذبته العناية من كينونته الى عينونة او ادنى فاوحى الى عبده ما اوحى آمن الرسول بما انزل اليه اى من صفات ربه فآمنت صفاته بصفاته تعالى وذاته فصار كل وجوده مؤمنا باللّه ايمانا عيني ذاته وصفاته فاخبر عنهم وقال والمؤمنون كل آمن باللّه يعنى آمنوا بهوية وجودهم كذا فى التأويلات النجمية هذا هو الايمان الحقيقى رزقنا اللّه واياكم اياه : وفى المثنوى بود كبرى درزمان بايزيد ... كفت اورايك مسلمان سعيد كه جه باشد كرتوا اسلام آورى ... تابيابى صد نجات وسرورى كفت اين ايمان اكرهست اى مريد ... آنكه دارد شيخ عالم بايزيد من ندارم طاقت آن تاب آن ... كان فزون آمد زكوششهاى جان كرجه درايمان ودين ناموقنم ... ليك درايمان اوبس مومنم مؤمن ايمان اويم در نهان ... كرجه مهرم هست محكم بردهان بازايمان خود كر ايمان شماست ... نى بدان ميلستم ونى مشتهاست آنكه صد ميلش سوى ايمان بود ... جون شمارا ديد زان فاترشود زانكه نامى بيند ومعنيش نى ... جون بيابانرا مفازه كفتنى والى هذا التجريد والتفريد ينال العبد بالذكر والتوحيد قال عليه السلام فى وصيته لعلى رضى اللّه عنه ( يا على احفظ التوحيد فانه رأس مالى والزم العمل فانه حرفتى واقم الصلاة فانها قرة عينى واذكر الحق فانه نصرة فؤادى واستعمل العلم فانه ميراثى ) اللّهم لا تحرمنا من هذا الميراث ١٣٧ { ان الذين آمنوا } يعنى اليهود بموسى { ثم كفروا } بعبادتهم العجل { ثم آمنوا } بعد عوده اليهم { ثم كفروا } بعيسى والانجيل { ثم ازدادوا كفرا } بكفرهم بمحمد صلى اللّه تعالى عليه وسلم وازداد كذا يجيىء لازما ومتعديا يقال ازددت مالا اى زدته لنفسى ومنه قوله تعالى { وازدادوا تسعا } { لم يكن اللّه } مريدا { ليغفر لهم } اى ما داموا على كفرهم { ولا ليهديهم سبيلا } اى ولا ليوفقهم طريقا الى الاسلام ولكن يخذلهم مجازاة لهم على كفرهم فان قيل ان اللّه لا يغفر كفر مرة فما الفائدة فى قوله { ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا } قيل ان الكافر اذا آمن غفر له كفره فاذا كفر بعد ايمانه لم يغفر له الكفر الاول وهو مطالب بجميع كفره ١٣٨ { بشر المنافقين } وضع بشر موضع انذر واخبر تهكما بهم { بان لهم عذابا اليما } اى وجيعا يخلص المه ووجعه الى قلوبهم وهذا يدل على ان الآية نزلت فى المنافقين وهم قد آمنوا فى الظاهر وكفروا فى السر مرة بعد اخرى ثم ازدادوا بالاصرار على النفاق وافساد الامر على المؤمنين ١٣٩ { الذين } اى هم الذين { يتخذون الكافرين } اى اليهود { اولياء } احباء فى العون والنصرة { من دون المؤمنين } حال من فاعل يتخذون اى متجاوزين ولاية المؤمنين المخلصين وكانوا يوالونهم ويقول بعضهم لبعض لا يتم امر محمد فتولوا اليهود { أيبتغون عندهم العزة } اى أيطلبون بموالاة الكفرة القوة والغلبة وهم اذلاء فى حكم اللّه تعالى { فان العزة للّه جميعا } تعليل لما يفيده الاستفهام الانكارى من بطلان رأيهم وخيبة رجائهم فان انحصار جميع افراد العزة فى جنابه تعالى بحيث لا ينالها الا اولياؤه الذين كتب لهم العزة والغلبة وقال { وللّه العزة ولرسوله وللمؤمنين } يقتضى بطلان التعزيز بغيره سبحانه واستحالة الانتفاع به. قوله جميعا حال من المستكن فى قوله تعالى للّه لاعتماده على المبتدأ ١٤٠ { وقد نزل عليكم } خطاب للمنافقين بطريق الالتفات والجملة حال من فاعل يتخذون قال المفسرون ان مشركى مكة كانوا يخوضون فى ذكر القرآن ويستهزئون به فى مجالسهم فانزل اللّه تعالى فى سورة الانعام وهى مكية { واذا رأيت الذين يخوضون فى آياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا فى حديث غيره } ثم ان احبار اليهود بالمدينة كانوا يفعلون ما فعله المشركون بمكة وكان المنافقون يقعدون معهم ويوافقونهم على ذلك الكلام الباطل فقال اللّه تعالى مخاطبا لهم { وقد نزل عليكم } اى والحال انه تعالى قد نزل عليكم قبل هذا بمكة وفيه دلالة على ان المنزل على النبى عليه السلام وان خوطب به خاصة منزل على العامة { فى الكتاب } اى القرآن الكريم { ان } مخففة اى ان الشان { اذا سمعتم آيات اللّه } فيه دلالة على ان مدار الاعراض عنهم هو العلم بخوضهم فى آيات اللّه ولذلك يخبر عنه تارة بالرؤية واخرى بالسماع { يكفر بها ويستهزأ بها } حالان من آيات اللّه اى مكفورا ومستهزاء وبها فى محل الرفع لقيامه مقام الفاعل والاصل يكفر بها احد ويستهزئ { فلا تقعدوا } جزاء الشرط { معهم } اى الكفرة المدلول عليهم بقوله يكفر بها ويستهزأ بها { حتى يخوضوا } الخوض بالفارسية ( درحديث شدن ) { فى حديث غيره } اى غير القرآن وحتى غاية للنهى والمعنى انه تجوز مجالستهم عند خوضهم وشروعهم فى غير الكفر والاستهزاء وفيه دلالة على ان المراد بالاعراض عنهم اظهار المخالفة بالقيام عن مجالسهم لا الاعراض بالقلب او بالوجه فقط { انكم اذن مثلهم } جملة مستأنفة سيقت لتعليل النهى غير داخلة تحت التنزيل واذن ملغاة عن العمل لاعتماد ما بعدها على ما قبلها اى لوقوعها بين المبتدأ والخبر اى لا تقعدوا معهم فى ذلك الوقت انكم ان فعلتموه كنتم مثلهم اى مثل اليهود فى الكفر واستتباع العذاب فان الرضى بالكفر كفر { ان اللّه جامع المنافقين والكافرين فى جهنم جميعا } يعنى القاعدين والمقعود معهم وهو تعليم لكونهم مثلهم فى الكفر بيانه ما يستلزمه من شركتهم لهم فى العذاب واعلم ان الائتلاف ههنا نتيجة تعارف الارواح هنالك لقوله عليه السلام ( الارواح جنود مجندة ) الحديث فمن تعارف ارواح الكافر والمنافق هناك يأتلفون ههنا ومن تناكر ارواحهم وارواح المؤمنين يختلفون ههنا روت عائشة رضى اللّه عنها ان امرأة كانت بمكة تدخل على نساء قريش تضحكهنّ فلما هاجرن ووسع اللّه تعالى دخلت المدينة قالت عائشة فدخلت علىّ فقلت لها فلانة ما اقدمك قالت اليكن قلت فأين نزلت قالت على فلانة امرأة كانت تضحك بالمدينة قالت عائشة ودخل رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم فقال ( فلانة المضحكة عندكم ) قالت عائشة قلت نعم فقال ( فعلى من نزلت ) قالت على فلانة المضحكة قال ( الحمد اللّه ان الارواح جنود ) الخ : ونعم ما قيل همه مرغان كند باجنس برواز ... كبوتر باكبوتر باز باباز ولما كان الابد مرآة الازل لا يظهر فيه الا ما قدر فى الازل لذا قال اللّه تعالى { ان اللّه جامع المنافقين والكافرين فى جهنم جميعا } لانهم كانوا فى عالم الارواح فى صف واحد وفى الدنيا بذلك التناسب والتعارف فى فن واحد وقال عليه السلام ( كما تعيشون تموتون وكما تموتون تحشرون ) ففى اشارة الآية نهى لاصحاب القلوب عن المجالسة مع ارباب النفوس والموافقة فى شىء من اهوائهم فانهم ان يفعلوا ذلك يكونوا مثلهم يعنى يكون القلب كالنفس وصاحب القلب كصاحب النفس بالصحبة والمخالطة والمتابعة : قال الحافظ قدس سره نخست موعظه بير مجلس اين حرفست ... كه از مصاحب ناجنس احتراز كنيد قال الحدادى فى تفسيره اذن لم يجز جلوس المؤمن معهم لاقامة فرض او سنة اما اذا كان جلوسه لاقامة عبادة وهو ساخط لتلك الحال لا يقدر على تغييرها فلا بأس بالجلوس كما روى عن الحسن انه حضر وابن سيرين جنازة وهناك نوح فانصرف ابن سيرين فذكر ذلك للحسن فقال ما كنا متى رأينا باطلا تركنا حقا اشرع ذلك فى ديننا ولم يرجع انتهى كلامه وذكر ان اللّه تعالى اوحى الى يوشع بن نون عليه السلام انى مهلك من قومك اربعين الفا من خيارهم وستين الفا من شرارهم قال يا رب هؤلاء الاشرار فما بال الاخيار قال انهم لم يغضبوا لغضبى واكلوهم وشاربوهم واذا كان الرجل مبتلى بصحبة الفجار فى سفره للحج او الغزاء لا يترك الطاعة بصحبتهم لكن يكرهه بقلبه ولا يرضى به فلعل الفاسق يتوب ببركة كراهة قلبه ومن دعى الى ضيافة فوجد ثمة لعبا او غناء يقعد ان كان غير قدوة ويمنع ان قدر وان كان قدوة كالقاضى والمفتى ونحوهما يمنع ويقعد فان عجز خرج وان كان ذلك على المائدة او كانوا يشربون الخمر خرج وان لم يكن قدوة وان علم قبل الحضور لا يحضر فى الوجوه كلها كذا فى تحفة الملوك ١٤١ { الذين يتربصون بكم } اى المنافقون هم الذين ينتظرون وقوع امر لكم خيرا كان او شرا { فان كان لكم } ايها المؤمنون { فتح من اللّه } اى ظفر ودولة وغنيمة { قالوا } اى لكم { ألم نكن معكم } على دينك مظاهرين لكم فاسهموا لنا فيما غنمتم { وان كان للكافرين نصيب } اى ظهور على المسلمين { قالوا } اى للكفرة { ألم نستحوذ عليكم } الاستحواذ الاستيلاء اى ألم نغلبكم ونمكن من قتلكم واسركم فابقينا عليكم اى ترحمنا { ونمنعكم من المؤمنين } بان ثبطناهم عنكم وخيلنا لهم ضعفت به قلوبهم او امرجنا فى جنابكم وتوانينا فى مظاهرتهم عليكم والا لكنتم نهبة للنوائب فهاتوا نصيبا مما اصبتم وانما سمى ظفر المسلمين فتحا وظفر الكافرين نصيبا تعظيما لشأن المسلمين وتخسيسا لحظ الكافرين لان ظفر المسلمين امر عظيم تفتح له ابواب السماء حتى ينزل على اوليائه واما ظفر الكافرين فمقصور على امر دنيوى سريع الزوال { فاللّه يحكم بينكم } اى بين المؤمنين والمنافقين بطريق تغليب المخاطبين على الغائبين { يوم القيمة } اى يحكم حكما يليق بشأن كل منكم من الثواب والعقاب واما فى الدنيا فقد اجرى على من تفوه بكلمة الاسلام حكمه ولم يضع السيف على من تكلم بها نفاقا { ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا } اى ظهورا يوم القيامة كما قد يجعل ذلك فى الدنيا بطريق الابتلاء والاستدراج وبيانه انه اللّه تعالى يظهر اثر ايمان المؤمن يوم القيامة ويصدق موعدهم ولا يشاركهم الكفار فى شىء من اللذات كما شاركوهم اليوم حتى يعلموا ان الحق معهم دونهم اذ لو شاركوهم فى شىء منها لقالوا للمؤمنين ما نفعكم ايمانكم وطاعتكم شيأ لانا اشركنا واستوينا معكم فى ثواب الآخرة واما ان كان المعنى سبيلا فى الدنيا فيراد بالسبيل الحجة وحجة المسلمين غالبة على حجة الكل وليس لاحد ان يغلبهم بالحجة وقيل معنى السبيل الدولة الدائمة ولا دولة على الدوام للكافرين والا لكان الظهور والغلبة من قبلهم دائما وليس كذلك فان اكثر الظفر للمسلمين وانما ينال الكفار من المؤمنين فى بعض الاوقات استدراجا ومكرا وهذا يستمر الى انقراض اهل الايمان فى آخر الزمان وعن كعب قال اذا انصرف عيسى ابن مريم والمؤمنون من يأجوج ومأجوج لبثوا سنوات ثم رأوا كهيئة الرهج والغبار فاذا هى ريح قد بعثها اللّه لتقبض ارواح المؤمنين فتلك آخر عصابة تقبض من المؤمنين ويبقى الناس بعدهم مائة عام لا يعرفون دينا ولا سنة يتهارجون تهارج الحمر عليهم تقوم الساعة وفى الحديث ( الجهاد ماض منذ بعثنى اللّه الى ان يقاتل آخر امتى الدجال ) ثم ان اللّه تعالى يحكم بينكم يوم القيامة ليعلم من اهل العزة والكرامة ومن اهل الغرة والندامة كما ان الشمع يحكم بين الصحيح والسقيم باظهار حالهما اذا جيىء به فى حمام مظلم قد دخله الاصحاء والمرضى والجرحى ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا فان وبال كيدهم اليهم مصروف وجزاء مكرهم عليهم موقوف والحق من قبل الحق تعالى منصور اهله والباطل بنصر الحق مخيب اصله. وقد قيل الباطل يفور ثم يغور. فعلى المؤمن صرف علو الهمة فى الدين وفى تحصيل علم اليقين ولا يتربص للفتوحات الدنيوية ذاهلا عن الفتوحات الاخروية بل عن فتوحات الغيب ومشاهدة الحق فان اهم الامور هو الوصول الى الرب الغفور قال ابو يزيد البسطامى قدس سره ان للّه خواص من عباده ولو حجبهم فى الجنة عن رؤيته لاستغاثوا كما يستغيث اهل النار بالخروج من النار ولما كان موسى كليم اللّه طفلا فى حجر تربية الحق تعالى ما تجاوز حده ولا تعدى قصده بل قال رب انى لما انزلت الى من خير فقير فلما كبر وبلغ مبلغ الرجال ما رضى بطعام الاطفال بل قال رب ارنى أنظر اليك وكان غاية طلبه فى طفوليته هو الطعام والشراب وكان منتهى اربه فى رجوليته هو رفع الحجاب ومشاهدة الاحباب فالباب مفتوح للطلاب لا حاجب عليه ولا بواب وانما المحجوب عن المسبب من وقف مع الاسباب والمشروب حاضر والمحروم من حرم الشراب والمحبوب ناظر والمطرود من قوف وراء الحجاب فمن انس بسواه فهو مستوحش ومن ذكر غيره فهو غافل عنه ومن عول على سواه فهو مشرك فاذا لم يجد اليه سبيلا وفى ظله مقيلا : ونعم ما قيل تومحرم نيستى محروم ازانى ... ره نامحرمان اندر حرم نيست ١٤٢ { ان المنافقين يخادعون اللّه } اى يفعلون ما يفعل المخادع من اظهار الايمان وابطان الكفر { وهو خادعهم } اى اللّه تعالى فاعل بهم ما يفعل الغالب فى الخداع حيث تركهم فى الدنيا معصومى الدماء والاموال واعد لهم فى الآخرة الدرك الاسفل من النار ولم يخلهم فى العاجل من فضيحة واحلال بأس ونقمة ورعب واثم وقال ابن عباس رضى اللّه عنهما انهم يعطون نورا يوم القيامة كما للمؤمنين فيمضى المؤمنون بنورهم على الصراط وينطفىء نور المنافقين فينادون المؤمنين انظرونا نقتبس من نوركم فتناديهم الملائكة على الصراط ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا وقد علموا انهم لا يستطيعون الرجوع قال فيخاف المؤمنون حينئذ ان يطفأ نورهم فيقولون ربنا اتمم لنا نورنا واغفر لنا انك على كل شىء قدير { واذا قاموا الى الصلوة قاموا كسالى } اى متثاقلين متقاعسين كما ترى من يفعل شيأ عن كره لا عن طيب نفس ورغبة. قوله كسالى كأنه قيل ما كسالى فقيل { يراؤن الناس } اى يقصدون بصلاتهم الرياء والسمعة ليحسبوهم مؤمنين { ولا يذكرون اللّه } عطف على يراؤن { الا } ذكرا { قليلا } اذ المرائى لا يفعل الا بحضرة من يرائيه وهو اقل احواله والمراد بالذكر التسبيح والتهليل قال فى الكشاف وهكذا ترى كثيرا من المتظاهرين بالاسلام لو صحبته الايام والليالى لم تسمع منه تهليلة ولا تحميدة ولكن حديث الدنيا يستغرق اوقاته لا يفتر عنه ١٤٣ { مذبذبين بين ذلك } حال من فاعل يراؤن وذلك اشارة الى الايمان والكفر المدلول عليهما بمعونة المقام اى مرددين بينهما متحيرين قد ذبذبهم الشيطان والهوى بينهما وحقيقة المذبذب ما يذب ويدفع عن كلا الجانبين مرة بعده اخرى { لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء } حال من ضمير مذبذبين اى لا منسوبين الى المؤمنين فيكونون مؤمنين ولا الى الكافرين فيكونون مشركين { ومن يضلل اللّه } لعدم استعداده للّهداية والتوفيق { فلن تجد له سبيلا } موصلا الى الحق والصواب فضلا عن انه تهديه اليه والخطاب لكل من يصلح له كائنا من كان وكان صلى اللّه عليه وسلم يضرب مثلا للمؤمنين والمنافقين والكافرين كمثل رهط ثلاثة رفعوا الى نهر فقطعه المؤمن ووقف الكافر ونزل فيه المنافق حتى اذا توسطه عجز فناداه الكافر هلم الى لا تغرق وناداه المؤمن هلم الى لتخلص فما زال المنافق يتردد بينهما اذ اتى عليه ماء فغرقه فكان المنافق لم يزل فى شك حتى يأيته الموت اى كه دارى نفاق اندر دل ... خار بادت خليده اندر حلق هركه سازد نفاق بيشه خويش ... خوار كردد بنزد خالق وخلق والاشارة { ان المنافقين } انما { يخادعون اللّه } فى الدنيا لان اللّه تعالى { وهو خادعهم } فى الازل عند رش نوره على الارواح وذلك ان الحق خلق الخلق فى ظلمة ثم رش عليهم من نوره فلما رش نوره اصاب ارواح المؤمنين واخطأ ارواح المنافقين والكافرين ولكن الفرق بين المنافقين والكافرين ان ارواح المنافقين رأوا رشاش النور وظنوا انه يصيبهم فاخطأهم وارواح الكافرين ما شاهدوا ذلك الرشاش ولم يصبهم وكأن المنافقين خدعوا عند مشاهدتهم الرشاش اذما اصابهم فمن نتائج مشاهدتهم الرشاش { واذا قاموا الى الصلوة } من نتائج حرمانهم اصابة النور { قاموا كسالى يراؤن الناس } كيما يرونهم النور { ولا يذكرون اللّه الا قليلا } لانهم يذكرونه بلسان الظاهر القالبى لا بلسان الباطن القلبى والقالب من الدنيا وهى قليلة قليل ما فيها والقلب من الآخرة وهى كثيرة كثير ما فيها فالذكر الكثير من لسان القلب كثير والفلاح فى الذكر الكثير لا فى القليل لقوله تعالى { واذكروا اللّه ذكرا كثيرا } اى بلسان القلب { لعلكم تفلحون } ولما كان ذكر المنافقين بلسان القالب كان قليلا فما افلحوا به وانما كان ذكر المنافق بلسان الظاهر لانه رأى رشاش النور ظاهرا من البعد ولم يصبه فلو كان اصابه ذلك النور لكان صدره منشرحا به كما قال تعالى { أفمن شرح اللّه صدره للاسلام فهو على نور من ربه } اى على نور مما رش به ربه ومعدن النور هو القلب فكان قلبه ذاكرا للّه بذلك النور فانه يصير لسان القلب فقليل الذكر منه يكون كثيرا فافهم جدا فلما كانت ارواح المنافقين مترددة متحيرة بين مشاهدة رشاش النور وبين الظلمة الخلقية لا الى هؤلاء الذين اصابهم النور ولا الى هؤلاء الذين لم يشاهدوا الرشاش لذلك كانوا { مذبذبين بين ذلك } المؤمنين والكافرين { لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء ومن يضلل اللّه } باخطاء ذلك النور كما قال ومن اخطأه فقد ضل { فلن تجد له سبيلا } ههنا الى ذلك النور يدل عليه قوله { ومن لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور } اى ومن لم يجعل اللّه له قسمة من ذلك النور المرشش عليهم فماله اليوم نصيب من نور الهداية كذا فى التأويلات النجمية اللّهم ارزقنا الذكر الكثير واعصمنا من الذنب الصغير والكبير يقال حصون المؤمن ثلاثة المسجد وذكر اللّه وتلاوة القرآن والمؤمن اذا كان فى واحد من ذلك اى من الاشياء الثلاثة فهو فى حصن من الشيطان قال على رضى اللّه عنه يأتى على الناس زمان لا يبقى من الاسلام الا اسمه ومن القرآن الا رسمه يعمرون مساجدهم وهى خراب من ذكر اللّه تعالى شر اهل ذلك الزمان علماؤهم منهم تخرج الفتنة واليهم تعود قال السعدى قدس سره كنون بايدت عذر تقصير كفت ... نه جون نفس ناطق زكفتن بخفت اللّهم اجعلنا من الذاكرين الشاكرين آمين يا معين ١٤٤ { يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين اولياء من دون المؤمنين } اى لا تتشبهوا بالمنافقين فى اتخاذهم اليهود وغيرهم من اعداء الاسلام احباء قوله من دون المؤمنين حال من فاعل لا تتخذوا اى متجاوزين ولاية المؤمنين { أتريدون ان تجعلوا للّه عليكم سلطانا مبينا } اى أتريدون بذلك ان تجعلوا للّه عليكم حجة بينة على انكم منافقون فان موالاتهم اوضح ادلة النفاق فالسلطان هو الحجة يقال للامير سلطان يراد بذلك انه حجة ويجوز ان يكون بمعنى الوالى والمعنى حينئذ أتريدون ان تجعلوا سلطانا كائنا عليكم واليا امر عقابكم مختصا للّه تعالى مخلوقا له منقادا لامره ١٤٥ { ان المنافقين فى الدرك الاسفل من النار } هو الطبقة التى فى قعر جهنم وهى الهاوية والنار سبع دركات سميت بذلك لانها متداركة متتابعة بعضها فوق بعض والدركات فى النار مثل الدرجات فى الجنة كل ما كان من درجات الجنة اعلى فثواب من فيه اعظم وما كان من دركات النار اسفل فعقاب من فيه اشد وسئل ابن مسعود عن الدرك الاسفل فقال هو توابيت من حديد مبهمة عليهم لا ابواب لها فان قلت لم كان المنافق اشد عذابا من الكافر قلت لانه مثله فى الكفر وضم الى كفره الاستهزاء بالدين والخداع للمسلمين فالمنافقون اخبث الكفرة فان قلت من المنافق قلت هو فى الشريعة من اظهر الايمان وابطن الكفر واما تسمية من ارتكب ما يفسق به بالمنافق فللتغليظ والتهديد والتشبيه مبالغة فى الزجر كقوله من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر ومنه قوله عليه الصلاة والسلام ( ثلاث من كن فيه فهو منافق وان صام وصلى وزعم انه مسلم من اذا حدث كذب واذا وعد اخلف واذا ائتمن خان ) وقيل لحذيفة رضى اللّه عنه من المنافق فقال الذى يصف الاسلام ولا يعمل به وعن الحسن اتى على النفاق زمان وهو مقروع فيه فاصبح قد عمم وقلد واعطى سيفا يعنى الحجاج قال عمر بن عبد العزيز لو جاءت كل امة بمنافقيها وجئنا بالحجاج فضلناهم وعن عبد اللّه بن عمر ان اشد الناس عذابا يوم القيامة ثلاثة المنافقون ومن كفر من اصحاب المائدة وآل فرعون قال اللّه تعالى فى اصحاب المائدة { فانى اعذبه عذابا شديدا لا اعذبه احدا من العالمين } وقال فى حق المنافقين { ان المنافقين فى الدرك الاسفل من النار } وقال { ادخلوا آل فرعون اشد العذاب } قيل لا يمتنع ان يجتمع القوم فى موضع واحد ويكون عذاب بعضهم اشد من بعض ألا ترى ان البيت الداخل فى الحمام يجتمع فيه الناس فيكون بعضهم اشد اذى بالنار لكونه ادنى الى موضع الوقود وكذلك يجتمع القوم فى القعود فى الشمس وتأذى الصفراوى اشد واكثر من تأذى السوداوى والمنافق فى اللغة مأخوذ من النفق وهو السر اى يستتر بالاسلام كما يستتر الرجل بالسرب وقيل هو ماخوذ من قولهم نافق اليربوع اذا دخل نافقاءه فاذا طلب من النافقاء خرج من القاصعاء واذا طلب من القاصعاء خرج من النافقاء والنافقاء والقاصعاء حجر اليربوع { ولن تجد لهم نصيرا } اى مانعا يمنع عنهم العذاب ويخرجهم من الدرك الاسفل من النار والخطاب لكل من يصلح له كائنا من كان ١٤٦ { الا الذين تابوا } اى عن النفاق هو استثناء من المنافقين بل من ضميرهم فى الخبر { واصلحوا } ما افسدوا من احوالهم من حال النفاق باتيان ما حسنه الشرع من افعال القلوب والجوارح { واعتصموا باللّه } اى وثقوا به وتمسكوا بدينه وتوحيده { واخلصوا دينهم } اى جعلوه خالصا { للّه } لا يبتغون بطاعتهم الا وجهه { فاولئك } الموصوفون بما ذكر من الصفات الحميدة { مع المؤمنين } اى المؤمنين المعهودين الذين لا يصدر عنهم نفاق اصلا ولا فهم ايضا مؤمنون اى معهم فى الدرجات العالية من الجنة لا يضرهم النفاق السابق وقد بين ذلك بقوله تعالى { وسوف يؤت اللّه المؤمنين اجرا عظيما } لا يقادر قدره فيشاركونهم فيه ويساهمونهم وسوف كلمة ترجئة واطماع وهى من اللّه سبحانه ايجاب لانه اكرم الاكرمين ووعد الكريم انجاز وانما حذفت الياء من يؤتى فى الخط كما حذفت فى اللفظ لسكونها وسكون اللام فى اسم اللّه وكذلك سندع الزبانية ويدع الداع واعلم ان الكافر وان افسد برين الكفر صفاء روحه ولكن ما اضيف الى رين كفره رين النفاق فكان لرين كفره منفذ من القلب الى اللسان فيخرج بخاره من لسانه باظهار الكفر وكان للمنافق مع رين كفره رين النفاق زائدا ولم يكن لبخار رينه منفذ الى لسانه فكان بخارات رين الكفر ورين النفاق تنفذ من منفذ قلبه الذى هو الى عالم الغيب فتتراكم حتى انسد منفذ قلبه بها وختم عليه بافساد كلية الاستعداد من صفاء الروحانية فلم يتفق له الخروج عن هذا الاسفل ولا ينصره نصير باخراجه لانه محذول بعيد من الحق فى آخر الصفوف وقال تعالى { ان ينصركم اللّه } يعنى فى خلق ارواحكم فى صف ارواح المؤمنين { فلا غالب لكم } بان يردكم الى صف ارواح الكافرين { وان يخذلكم } بان يخلق ارواحكم فى صف ارواح الكافرين { فمن ذا الذى ينصركم من بعده } بان يخرجكم الى صف المؤمنين ثم استثنى منهم من كان كفره ونفاقه عارية وروحه فى اصل الخلقة خلقت فى صف المؤمنين ثم بادنى مناسبة فى المحاذاة بين روحه وارواح الكافرين والمنافقين ظهر عليه من نتائجها موالاة معلولة من القوم اياما معدودة فما افسدت صفاء روحانيته بالكلية وما انسد منفذ قلبه الى عالم الغيب فهب له من مهب العناية نفحات الطاف الحق ونبه من نومة الغفلة ونبىء بالرجوع الى الحق بعد التمادى فى الباطل ونودى فى سره بان لا نصير لمن اختار الاسفل ولا يخرج منه { الا الذين تابوا } اى ندموا على ما فعلوا ورجعوا عن تلك المعاملات الرديئة { واصلحوا } ما افسدوا من حسن الاستعداد وصفاء الروحانية بترك الشهوات النفسانية والحظوظ الحيوانية { واعتصموا ب } حبل { اللّه } استعانة على العبودية { واخلصوا دينهم للّه } فى الطلب لا يطلبون منه الا هو ثم قال من قام بهذه الشرائط { فاولئك مع المؤمنين } يعنى فى صف ارواحهم خلق روحه لا فى صف ارواح الكافرين { وسوف يؤتى اللّه المؤمنين } التائبين ويتقرب اليهم على قضية من تقرب الى شبرا تقربت اليه ذراعا ومن تقرب الى ذراعا تقربت اليه باعا ومن اتانى بمشى اتيته اهرول وهذا هو الذى سماه { اجرا عظيما } واللّه العظيم كذا فى التأويلات النجمية : قال السعدى قدس سره خلاف طريقت بود كاوليا ... تمننا كنند ازخدا جزخدا ١٤٧ { ما } استفهامية بمعنى النفى فى محل النصب بيفعل اى اى شىء { يفعل اللّه بعذابكم } الباء سببية متعلقة بيفعل اى بتعذيبكم { ان شكرتم وآمنتم } اى أيتشفى به من الغيظ ام يدرك به الثأر ام يستجلب به نفعا ام يستدفع به ضررا كما هو شأن الملوك اى لا يفعل بعذاب المؤمن الشاكر شيأ من ذلك لان كل ذلك محال فى حقه تعالى لانه تعالى غنى لذاته عن الحاجات منزه عن جلب المنفعة ودفع المضرة واما تعذيب من لم يؤمن او آمن ولم يشكر فليس لمصلحة تعود اليه تعالى بل لاستدعاء حال المكلف ذلك كاستدعاء سوء المزاج المرض والمقصود منه حمل المكلفين على الايمان وفعل الطاعات والاحتراز عن القبيح وترك المنكرات فكأنه قيل اذا اتيتم الحسنات وتركتم المنكرات فكيف يليق بكرمه ان يعذبكم وتعذيبه عباده لا يزيد فى ملكه وتركه عقوبتهم على فعلهم القبيح لا ينقص من سلطانه وجواب ان شكرتم محذوف لدلالة ما قبله عليه اى ان شكرتم وآمنتم فما يفعل بعذابكم. والشكر ضد الكفر والكفر ستر ولاثبات مع عدم الايمان لما انه طريق موصل اليه فان الناظر يدرك اولا ما عليه من النعم الانفسية والآفاقية فيشكر شكرا مبهما ثم يترقى الى معرفة المنعم بعد امعان النظر فى الدلائل الدالة على ثبوته ووحدته فيؤمن به { وكان اللّه شاكرا } الشكر من العبد هو الاعتراف بالنعمة الواصلة اليه مع ضروب من التعظيم ومن اللّه تعالى الرضى اى راضيا باليسير من طاعة عباده واضعاف الثواب مقابلة واحدة الى عشرة الى سبعمائة الى ما شاء من الاضعاف { عليما } بحق شكركم وايمانكم فيستحيل ان لا يوفيكم اجوركم فينبغى لطالب الحق ان يخضع له خضوعا تاما ويشكره شكرا كثيرا قال الجرجانى فى قوله تعالى { لئن شكرتم لأزيدنكم } اى لئن شكرتم القرب لأزيدنكم الانس وعن على رضى اللّه عنه اذا وصلت اليكم اطراف النعم فلا تنفروا اقصاها بقلة الشكر معناه من لم يشكر النعم الحاصلة لديه الواصلة اليه حرم النعم الفائتة منه القاصية عنه جون بيابى تونعمتى درجند ... خرد باشد جو نقطه موهوم شكر آن يافته فرومكذار ... كه زنا يافته شوى محروم فالبشكر والايمان يتخلص المرء من النيران والا فقد عرض نفسه للعذاب واستحق العذاب والعتاب وجه التعذيب ان التأديب فى الحكمة واجب فخلق اللّه النار ليعلم الخلق قدر جلال اللّه وكبريائه وليكونوا على هيبة وخوف من صنع جلاله ويؤدب بها من لم يتأدب بتأديب رسله الى خلقه وليعتبر اهل العقل بالنظر اليها فى الدنيا وبالاستماع لها فى الآخرة ولهذا السر علق النبى عليه السلام السوط حيث يراه اهل البيت لئلا يتركوا الادب روى ان اللّه تعالى قال لموسى عليه السلام [ ما خلقت النار بخلا منى ولكن اكره ان اجمع اعدائى واوليائى فى دار واحدة ] وادخل اللّه بعض عصاة المؤمنين النار ليعرفوا قدر الجنة ومقدار ما دفع اللّه عنهم من عظيم النقمة لان تعظيم النعمة واجب فى الحكمة والاشارة فى الآية ان اللّه تعالى يذكر للعباد المؤمنين نعما من نعمه السالفة السابقة. منها اخراجهم من العدم ببديع فطرته. ومنها انه خلق ارواحهم قبل خلق الاشياء. ومنها انه خلق ارواحهم نورانية بالنسبة الى خلق اجسادهم الظلمانية. ومنها ان ارواحهم لما كانت بالنسبة الى نور القدم ظلمانية رش عليهم من نور القدم. ومنها انه لما اخطأ بعض الارواح ذلك النور وهو ارواح الكفار والمنافقين وقد اصاب ارواح المؤمنين قال { ما يفعل اللّه بعذابكم ان شكرتم } هذه النعم التى انعمت بها عليكم من غير استحقاق منكم فانكم ان شكرتم هذه النعم برؤيتها ورؤية المنعم { وآمنتم } فقد امنتم بى ونجوتم من عذابى وهو ألم الفراق فان حقيقة الشكر رؤية المنعم والشكر على وجود المنعم ابلغ من الشكر على وجود النعم وقال واشكروا لى اى اشكروا لوجودى { وكان اللّه } فى الازل { شاكرا } لوجوده ومن شكر لوجوده اوجد الخلق بجوده { عليما } بمن يشكره وبمن يكفره فاعطى جزاء شكر الشاكرين قبل شكرهم لان اللّه شكور واعطى جزاء كفر الكافرين قبل كفرهم لان الكافر كفور كذا فى التأويلات النجمية ١٤٨ { لا يحب اللّه الجهر بالسوء من القول } عدم محبته تعالى لشىء كناية عن سخطه والباء متعلقة بالجهر ومن بمحذوف وقع حالا من السوء اى لا يحب الجهر من احد فى حق غيره بالسوء كائنا من القول { الا من ظلم } اى الا جهر المظلوم فان المظلوم له ان يجهر برفع صوته بالدعاء على من ظلمه او يذكر ما فيه من السوء تظلما منه مثل ان يذكر انه سرق او غصبه منى وقيل هو ان يبدأ بالشتيمة فيرد على الشاتم يعنى لو شتمه احد ابتداء فله ان يرد على شاتمه اى جاز ان يشتمه بمثله ولا يزيد عليه وقيل ان رجلا ضاف قوما اى اتاهم ضيفا فلم يطعموه فاشتكاهم فعوتب على الشكاية فنزلت { وكان اللّه سميعا } لكلام المظلوم { عليما } بحال الظالم { ان تبدوا خيرا } اى خير كان من الاقوال والافعال { او تخفوه او تعفوا عن سوء } لكم المؤاخذة عليه وهو المقصود وذكر ابداء الخير واخفائه تمهيد وتوطئة له ولذلك رتب عليه قوله { فان اللّه كان عفوا قديرا } فان ايراده فى معرض جواب الشرط يدل على ان العمدة هو العفو مع القدرة اى كان مبالغا فى العفو عن العصاة مع كمال قدرته على المؤاخذة والانتقام فعليكم ان تقتدوا بسنة اللّه وهو حث المظلوم على العفو بعد ما رخص له فى الانتصار والانتقام حملا على مكارم الاخلاق وعن على رضى اللّه عنه لا تتفرد دفع انتقام صولت انتقام ازمردم ... دولت مهترى كند باطل ازره انتقام يكسو شو ... تانمانى بمهترى عاطل واعلم ان اللّه تعالى لا يحب اظهار الفضائح الا فى حق ظالم عظم ضرره وكثر كيده ومكره فعند ذلك يجوز اظهار فضائحه ولهذا قال عليه السلام ( اذكروا الفاسق بما فيه كى يحذره الناس ) وورد فى الاثر ( ثلاثة ليست لهم الغيبة الامام الجائر والفاسق المعلن بفسقه والمبتدع الذى يدعو الناس الى بدعته ) ثم ان اكثر السوء قولى فان اللسان صغير الجرم كبير الجرم وفى الحديث ( البلاء موكل بالمنطق ) يحكى ان ابن السكيت جلس مع المتوكل يوما فجاء المعتز والمؤيد ابنا المتوكل فقال ايما احب اليك ابناى ام الحسن والحسين قال واللّه ان قنبر خادم على رضى اللّه عنه خير منك ومن ابنيك فقال سلوا لسانه من قفاه ففعلوا فمات ومن العجب انه انشد قبل ذلك للمعتز والمؤيد وكان يعلمهما فقال يصاب الفتى من عثرة بلسانه ... وليس يصاب المرء من عثرة الرجل فعثرته فى القول تذهب رأسه ... وعثرته فى الرجل تبرا على مهل وفى المثنوى اين زبان جون سنك وهم آهن وشست ... آنجه بجهد از زبان جون آتشست سنك و آهن را مزن برهم كزاف ... كه زروى نقل وكه ازروى لاف زانكه تاريكست وهر سو ينبه زار ... درميان ينبه جون باشد شرار عالمى را يك سخن ويران كند ... روبهان مرده را شيران كند والاشارة فى الآية ان { لا يحب اللّه الجهر بالسوء من القول } من العوام ولا التحدث مع النفس من الخواص ولا الخطرة التى تخطر بالبال من الاخص { الا من ظلم } بمعاصى دواعى البشرية من غير اختيار او بابتلاء من اضطرار. وايضا لا يحب الجهر بالسوء من القول بافشاء اسرار الربوبية واسرار مواهب الالوهية الا من ظلم بغلبات الاحوال وتعاقب كؤوس عقار الجمال والجلال فاضطر الى المقال فقال باللسان الباقى لا باللسان الفانى انا الحق سبحانى { وكان اللّه } فى الازل { سميعا } لمقالهم قبل ابداء حالهم { عليما } باحوالهم ثم قال ١٤٩ { ان تبدوا خيرا } يعنى مما كوشفتم به من الطاف الحق تنبيها للحق وافادة لهم بالحق { او تخفوه } صيانة لنفوسكم عن آفات الشوائب واخذا بخطامها عن المشارب { او تعفوا عن سوء } مما يدعوكم اليه هوى النفس الامارة بالسوء او تتركوا اعلان ما جعل اللّه اظهاره سوأ فان اللّه كان عفوا فيكون عفوا متخلقا باخلاقه متصفا بصفاته وايضا { فان اللّه كان } فى الازل { عفوا } عنك بان لم يجعلك من المخذولين حتى صرت عفوا عما سواه وكان هو { قديرا } على خذلانك حتى يقدر على ان لا يعفو عن مثقال ذرة لكفرانك ان الانسان لظلوم كفار كذا فى التأويلات النجمية ١٥٠ { ان الذين يكفرون باللّه ورسله } اى يؤدى اليه مذهبهم ويقتضيه رأيهم لا انهم يصرحون بذلك كما ينبىء عنه قوله تعالى { ويريدون ان يفرقوا بين اللّه ورسله } اى بان يؤمنوا به تعالى ويكفروا بهم لكن لا بان يصرحوا بالايمان به تعالى وبالكفر بهم قاطبة بل بطريق الالتزام كما يحكيه قوله تعالى { ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض } اى نؤمن ببعض الانبياء ونكفر ببعضهم كما قالت اليهود نؤمن بموسى والتوراة وعزير ونكفر بما وراء ذلك وما ذلك الا كفر باللّه تعالى ورسله وتفريق بين اللّه ورسله فى الايمان لانه تعالى قد امرهم بالايمان بجميع الانبياء وما من نبى من الانبياء الا وقد اخبر قومه بحقية دين نبينا صلى اللّه عليه وسلم فمن كفر بواحد منهم كفر بالكل وباللّه تعالى ايضا من حيث لا يحتسب { ويريدون } بقولهم ذلك { ان يتخذوا بين ذلك سبيلا } اى طريقا وسطا بين الايمان والكفر ولا واسطة بينهما قطعا اذا الحق لا يختلف فان الايمان باللّه انما يتم بالايمان برسله وتصديقهم فيما بلغوا عنه تفصيلا واجمالا فالكافر ببعض كالكافر بالكل فى الضلال كما قال { فماذا بعد الحق الا الضلال } ١٥١ { اولئك } الموصوف بالصفات القبيحة { هم الكافرون } اى الكاملون فى الكفر لا عبرة بما يدعونه ويسمونه ايمانا اصلا { حقا } مصدر مؤكد لمضمون الجملة اى حق ذلك اى كونهم كاملين فى الكفر حقا او صفة لمصدر الكافرون اى هم الذين كفروا كفرا حقا اى يقينا محققا لا شك فيه { واعتدنا للكافرين عذابا مهينا } سيذوقونه عند حلوله ويهانون فيه ثم انه تعالى لما ذكر وعيد الكفار اتبعه بذكر وعد المؤمنين فقال ١٥٢ { والذين آمنوا باللّه ورسله ولم يفرقوا بين احد منهم } بان يؤمنوا ببعضهم ويكفروا بآخرين كما فعله الكفرة وانما دخل بين على احد وهو يقتضى متعددا لعمومه من حيث انه وقع فى سياق النفى فهو بمنزلة ولم يفرقوا بين اثنين او بين جماعة { اولئك } المنعوتون بالنعوت الجليلة المذكورة { سوف يؤتيهم } اى اللّه تعالى { اجورهم } الموعودة لهم وسمى الثواب اجرا لان المستحق كالاجرة وسوف لتأكيد الوعد اى الموعود الذى هو الايتاء والدلالة على انه كائن لا محالة وان تأخر { وكان اللّه غفورا } لما فرط منهم { رحيما } مبالغا فى الرحمة عليهم بتضعيف حسناتهم والآية الاولى تدل على ان الايمان لا يحصل بزعم المرء وحسبانه انه مؤمن وانما يحصل بحصول شرائطه ونتائجه منه فمن نتائجه ما ذكر فى الآية الثانية من عدم التفريق بين الرسل ومن نتائجه القبول من اللّه والجزاء عليه فمن اخطأه النور عند الرش على الارواحفقد كفر كفرا حقيقيا ولذلك سماهم اللّه فى الكفر حقا ومن اصابه النور عند ذلك فقد آمن ايمانا حقيقيا ولذلك لا ينفع الاول توسط الايمان كما لا يضر الثانى توسط العصيان : قال السعدى قدس سره قضا كشتى انجا كه خواهد برد ... وكر ناخدا جامه بر تن درد يحكى انه كان شاب حسن الوجه وله احباب وكانوا فى الاكل والشرب والتنعم والتلذذ فنفدت دراهم فاجتمعوا يوما واجمعوا على ان يقطعوا الطريق فخرجوا الى طريق وترقبوا القافلة فلم يمر احد من هذا الطريق الى ثلاثة ايام ورأى الشاب شيخا قال له يا ولدى ليس هذا صنعتك فاستغفر اللّه تعالى فان طلبتنى فانا اقرأ القرآن فى جامع السيد البخارى ببروسة فاحترق قلب الشاب من تأثير الكلام فقال لرفقائه لو تبعتم رأيى تعالوا نروح الى بروسة ونتجسس عن بعض النجار فنخرج خلفهم فنأخذ اموالهم فقبلوا قوله فلما جاؤا الى بروسة قال لهم تعالوا نصل فى جامع السيد البخارى وندع عنده ليحصل مرادنا فلما جاء الى الجامع ورأى الشيخ هناك يقرأ القرآن سقط على رجله وتاب وبقى عنده سنتين ثم بعد السنتين ارسله هذا الشيخ الى حضرة الشيخ اق شمس الدين فرباه وصار كاملا بعد ان كان مؤمنا ناقصا قاطع الطريق ولذا ينظر الى الخاتمة ولكن حسن العاقبة من سبق العناية فى البداية اللّهم اجعلنا من المهديين آمين يا معين واعلم ان الايمان والتوحيد هو اصل الاصول وهو ان كان لا يزيد ولا ينقص عند الامام الاعظم الا ان نوره يزيد بالطاعات وينقص بالسيآت فينبغى لطالب الحق ان يراعى احكام الشريعة وآداب الطريقة ليتقوى جانب روحانيته فان انوار الطاعات كالاغذية النفيسة للارواح خصوصا نور التوحيد والذكر ولذكر اللّه اكبر وهو العمدة فى تصفية الباطن وطهارته قال سيد الطائفة الجنيد قدس سره الادب ادبان فادب السر طهارة القلب وادب العلانية حفظ الجوارح من الذنوب فعليك بترك الشرور والايمان الكامل باللّه الغفور حتى تنال الاجر الموفور والسرور فى دار الحضور : قال الصائب اززاهدان خشك رسايى طمع مدار ... سيل ضعيف واصل در يانميشود فلا بد من العشق فى طريق الحق ليصل الطالب الى السر المطلق ومجرد الامنية منية والسفينة لا تجرى على اليبس كما قالت رابعة ١٥٣ { يسئلك اهل الكتاب ان تنزل عليهم كتابا من السماء } نزلت فى احبار اليهود حين قالوا لرسول اللّه عليه السلام ان كنت نبيا صادقا فائتنا بكتاب من السماء جملة كما اتى به موسى عليه السلام وقيل كتابا محررا بخط سماوى على الواح كما نزلت التوراة { فقد سألوا موسى اكبر من ذلك } جواب شرط مقدر اى ان استكبرت ما سألوه منك واستعظمت فقد سألوا موسى شيأ اكبر منه واعظم وهذا السؤال وان صدر عن اسلافهم لكنهم لما كانوا مقتدين بهم فى كل ما يأتون وما يذرون اسند اليهم والمعنى ان لهم فى ذلك عرقا راسخا وان ما اقترحوا عليك ليس باول جهالتهم { فقالوا } الفاء تفسيرية { ارنا اللّه جهرة } اى ارناه جهرة اى عيانا. والجهر حقيقة فى ظهور الصوت لحاسة السمع ثم استعير لظهور المرئى بحاسة البصر ونصبها على المصدر لان المعاينة نوع من الرؤية وهم النقباء السبعون الذين كانوا مع موسى عليه السلام عند الجبل حين كلمه اللّه تعالى سألوه ان يروا ربهم رؤية يدركونها بابصارهم فى الدنيا { فاخذتهم الصاعقة } نار جاءت من السماء فاحرقتهم { بظلمهم } اى بسبب ظلمهم وهو تعنتهم وسؤالهم لما يستحيل فى تلك الحال التى كانوا عليها وذلك لا يقتضى امتناع الرؤية مطلقا وفى التأويلات النجمية { فقالوا ارنا اللّه جهرة } وما طلبوا الرؤية على موجب التعظيم او على موجب التصديق ولا حملهم عليها شدة الاشتياق او الم الفراق كما كان لموسى عليه السلام حين قال { رب ارنى انظر اليك } ولعل خرة موسى فى جواب { لن ترانى } كانت من شؤم القوم وما كان لنفسهم من سوء ادب هذا السؤال لئلا يطمعوا فى مطلوب لم يعطه نبيهم فما اتعظوا بحال نبيهم لانهم كانوا اشقياء والسعيد من وعظ بغيره حتى ادركتهم الشقاوة الازلية { فاخذتهم الصاعقة بظلمهم } بان طمعوا فى فضيلة وكرامة ما كانوا مستحقيها ومن طبع كافرا ولو يرى اللّه جهرة فانه لا يؤمن به ومن طبع مؤمنا عند رشاش النور باصابته فانه يؤمن بنبى لم يره وكتاب لم يقرأه بغير معجزة او بينة كما كان الصديق رضى اللّه عنه حين قال النبى صلى اللّه عليه وسلم له ( بعثت ) فقال صدقت وكما كان حال اويس القرنى فانه لم ير النبى عليه السلام ولا المعجزة وقد آمن به { ثم اتخذوا العجل } اى عبدوه واتخذوه الها { من بعد ما جاءتهم البينات } اى المعجزات التى اظهرت لفرعون من العصا واليد البيضاء وفلق البحر ونحوها لا التوراة لانها لم تنزل عليهم بعد وهذه هى الجناية الثانية التى اقترفهايضا اوائلهم { فعفونا عن ذلك } اى تجاوزنا عنهم بعد توبتهم مع عظم جنايتهم وجريمتهم ولم نستأصلهم وكانوا احقاء به. قيل هذا استدعاء لهم الى التوبة كأنه قيل ان اولئك الذين اجرموا تابوا فعفونا عنهم فتوبوا انتم ايضا حتى نعفو عنكم. ودلت الآية على سعة رحمة اللّه ومغفرته وتمام نعمته ومنته وانه لا جريمة تضيق عنها مغفرة اللّه وفى هذا منع من القنوط { وآتينا موسى سلطانا مبينا } اى تسلطا واستيلاء ظاهرا عليهم حيث امرهم بان يقتلوا انفسهم توبة عن معصيتهم فاختبأوا بافنيتهم والسيوف تتساقط عليهم فيا له من سلطان مبين ١٥٤ { ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم } الباء سببية متعلقة بالرفع. والمعنى لاجل ان يعطوا الميثاق لقبول الدين روى ان موسى عليه السلام لما جاءهم بالتوراة فرأوا ما فيها من التكاليف الشاقة كبرت عليهم فابوا قبولها فامر جبرائيل عليه السلام بلقع الطور فظللّه عليهم حتى قبلوا فرفع عنهم { وقلنا لهم } على لسان موسى والطور مشرف عليهم { ادخلوا الباب } اى باب القرية وهى اريحا على ما روى من انهم دخلوا اريحا فى زمن موسى عليه السلام او باب القبة التى كانوا يصلون اليها فانهم لم يدخلوا بيت المقدس فى حياة موسى { سجدا } اى متطامنين منحنين شكرا على اخراجهم من التيه فدخلوها زحفا وبدلوا ما قيل لهم { وقلنا لهم } على لسان داود { لا تعدوا } اى لا تظلموا باصطياد الحيتان يقال عدا يعدو عدوا واعداء وعدوانا اى ظلم وجاوز الحد والاصل لا تعدووا بواوين الاولى لام الكلمة والثانية ضمير الفاعل صار بالاعلال على وزن لا تفعوا { فى } يوم { السبت } وكان يوم السبت يوم عبادتهم فاعتدى فيه اناس منهم فاشتغلوا بالصيد { واخذنا منهم } على الامتثال بما كلفوه { ميثاقا غليظا } اى عهدا مؤكدا غاية التأكيد وهو قولهم سمعنا واطعنا قيل انهم اعطوا الميثاق على انهم ان هموا بالرجوع عن الدين فاللّه تعالى يعذبهم بأى انواع العذاب اراد ١٥٥ { فبما } ما مزيدة للتأكيد { نقضهم ميثاقهم } اى فبسبب نقضهم ميثاقهم ذلك فعلنا بهم ما فعلنا من اللعن والمسخ وغيرهما من العقوبات النازلة عليهم او على اعقابهم فالباء متعلقة بفعل محذوف { وكفرهم بآيات اللّه } اى بالقرآن او بما فى كتابهم عندهم { وقتلهم الانبياء بغير حق } كذكريا ويحيى عليهما السلام { وقولهم قلوبنا غلف } جمع اغلف اى هى مغشاة بأغشية جبلية لا يكاد يصل اليها ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام ولا تفقه ما يقوله او هو تخفيف غلف بضم الغين واللام جمع غلاف اى هى اوعية للعلوم فنحن مستغنون بما عندنا عن غيره { بل طبع اللّه عليها بكفرهم } كلام معترض بين المعطوفين جيىء به على وجه الاستطراد مسارعة على زعمهم الفاسد اى ليس كفرهم وعدم وصول الحق الى قلوبهم لكونها غلفا بحسب الجبلة بل الامر بالعكس حيث ختم اللّه عليها بسبب كفرهم وليست قلوبهم كما زعموا بل هى مطبوع عليها بسبب كفرهم { فلا يؤمنون الا قليلا } منهم كعبد اللّه بن سلام واضرابه أو ايمانا قليلا لا يعبأ به لنقصانه وهو ايمانهم ببعض الرسل والكتب دون بعض او بالايمان الغير المعتبر لا يجب ان يسموا مؤمنين فهم كافرون حقا واعلم ان نقض الميثاق صار سببا لغضب الخلاق فعلى المؤمن ان يراعى احكام عهده وميثاقه ليسلم من البلاء وعن ابن عمر رضى اللّه عنهما قال اقبل علينا رسول اللّه فقال ( يا معشر المهاجرين خمس خصال اذا ابتليتم بهن واعوذ باللّه ان تدركوهن لم تظهر الفاحشة فى قوم قط حتى يعلنوا بها الا فشا فيهم الطاعون والاوجاع التى لم تكن مضت فى اسلافهم الذين مضوا ولم ينقصوا الكيل والميزان الا اخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة اموالهم الا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد اللّه وعهد رسوله الا سلط اللّه عليهم عدوا من غيرهم فأخذ بعض ما فى ايديهم وما لم يحكم ائمتهم بكتاب اللّه ويتخيروا فيما انزل اللّه الا جعل اللّه بأسهم بينهم ) قال فى المثنوى سوى لطف بى وفايان هين مرو ... كان بل ويران بودنيكوشنو نقض ميثاق وعهوداز بندكيست ... حفظ ايمان ووفا كار تقيست جرعه برخاك وفا آنكس كه ريخت ... كى تواند صيد دولت زوكريخت ١٥٦ { وبكفرهم } عطف على قولهم اى عاقبنا اليهود بسبب كذا وكذا وبسبب كفرهم بعيسى ايضا { وقولهم على مريم بهتانا عظيما } يعنى نسبتها الى الزنى وبهتانا منصوب على انه مفعول به نحو قال شعرا او على المصدر الدال على النوع نحو جلست جلسة فان القول قد يكون بهتانا وغير بهتان ١٥٧ { وقولهم انا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول اللّه } وصفهم له عليه الصلاة والسلام برسول اللّه انما هو بطريق الاستهزاء به كما فى قوله تعالى { يا ايها الذى نزل عليه الذكر } فانهم على عداوته وقتله فكيف يقولون فى حقه انه رسول اللّه ونظم قولهم هذا فى سلك سائر جناياتهم ليس لمجرد كونه كذبا بل لتضمنه لابتهاجهم وفرحهم بقتل النبى والاستهزاء به { وما } اى والحال انهم ما { قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم } اى وقع لهم التشبيه بين عيسى والمقتول فالفعل مسند الى الجار والمجرور نحو خيل اليه وليس عليه روى ان رهطا من اليهود سبوه بان قالوا هو الساحر ابن الساحرة والفاعل ابن الفاعلة فقذفوه وامه فلما سمع عليه الصلاة والسلام ذلك دعا عليهم فقال [ اللّهم انت ربى وانا من روحك خرجت وبكلمتك خلقتنى ولم آتهم من تلقاء نفسى اللّهم فالعن من سبنى وسب امى ] فاستجاب اللّه دعاءه ومسخ الذين سبوه وسبوا امه قردة وخنازير فلما رأى ذلك يهودا رأس القوم واميرهم فزع لذلك وخاف دعوته عليه ايضا فاجتمعت كلمة اليهود على قتل عيسى عليه السلام فبعث اللّه تعالى جبريل فاخبره بانه يرفعه الى السماء فقال لاصحابه أيكم يرضى بان يلقى عليه شبهى فيقتل ويصلب ويدخل الجنة فقال رجل منهم انا فالقى اللّه عليه شبهه فقتل وصلب. وقيل كان رجل ينافق عيسى عليه السلام فلما ارادوا قتله قال انا ادلكم عليه فدخل بيت عيسى فرفع عليه السلام والقى شبهه على المنافق فدخلوا عليه فقتلوه وهم يظنون انه عيسى وقيل ان ططيانوس اليهودى دخل بيتا كان هو فيه فلم يجده فالقى اللّه تعالى شبهه عليه فلما خرج ظنوا انه عيسى فاخذ وقتل ثم صلب وامثال هذه الخوارق لا يستبعد فى عصر النبوة. وقال كثير من المتكلمين ان اليهود لما قصدوا قتله رفعه اللّه الى السماء فخاف رؤساء اليهود من وقوع الفتنة بين عوامهم فاخذوا انسانا وقتلوه وصلبوه ولبسوا على الناس انه هو المسيح والناس ما كانوا يعرفون المسيح الا بالاسم لما كان قليل المخالطة مع الناس فبهذا الطريق اندفع ما يقال اذا جاز ان يقال ان اللّه تعالى يلقى شبه انسان على انسان آخر فهذا يفتح باب السفسطة حيث يجوز ان يقال اذا رأينا زيدا لعله ليس بزيد ولكنه شخص آخر القى شبه زيد عليه وعند ذلك لا يبقى الطلاق والنكاح والملك موثوقا به لا يقال ان النصارى ينقلون عن اسلافهم انهم شاهدوه مقتولا لانا نقول ان تواتر النصارى ينتهى الى اقوام قليلين لا يبعد اتفاقهم على الكذب كذا فى تفسير الامام الرازى { وان الذين اختلفوا فيه } اى فى شأن عيسى عليه السلام فانه لما وقعت تلك الواقعة اختلف الناس. فقال بعضهم ان كان هذا المقتول عيسى فاين صاحبنا وان كان صاحبنا فاين عيسى. وقال بعضهم الوجه وجه عيسى والبدن بدن صاحبنا فان اللّه تعالى لما القى شبه عيسى على المقتول القاه على وجهه دون جسده وقال من سمع منه ان اللّه يرفعنى الى السماء انه رفع الى السماء. وقيل ان الذين اختلفوا فيه هم النصارى فقال قوم منهم انه ما قتل وما صلب بل رفعه اللّه السماء. وقال قوم منهم ان اليهود قتلوه فزعمت النسطورية ان المسيح صلب من جهة ناسوته اى جسمه وهيكله المحسوس لا من جهة لاهوته اى نفسه وروحه. واكثر الحكماء يختارون ما يقرب من هذا القول قالوا لانه ثبت ان الانسان ليس عبارة عن هذا الهيكل بل هو اما جسم لطيف فى هذا البدن واما جوهر روحانى مجرد فى ذاته وهو مدبر فى هذا البدن والقتل انما ورد على هذا الهيكل واما النفس التى هى فى الحقيقة عيسى فالقتل ما ورد عليها لا يقال كل انسان كذلك فما وجه التخصيص لانا نقول ان نفسه كانت قدسية علوية سماوية شديدة الاشراق بالانوار الآلهية عظيمة القرب من ارواح الملائكة والنفس متى كانت كذلك لم يعظم تألمها بسبب القتل وتخريب البدن ثم انها بعد الانفصال عن ظلمة البدن تتخلص الى فسحة السموات وانوار عالم الجلال فتعظم بهجتها وسعادتها هناك ومعلوم ان هذه الاحوال غير حاصلة لكل الناس وانما تحصل لاشخاص قليلين من مبدأ خلق آدم الى قيام الساعة. وزعمت الملكانية من النصارى ان القتل والصلب وصل الى اللاهوت بالاحساس والشعور لا بالمباشرة. وزعمت اليعقوبية منهم ان القتل والصلب وقعا بالمسيح الذى هو جوهر متولد من جوهرين { لفى شك منه } اى لفى تردد والشك كما يطلق على ما لم يترجح احد طرفيه يطلق على مطلق التردد وعلى ما يقابل العلم ولذلك اكد بقوله تعالى { ما لهم به من علم الا اتباع الظن } استثناء منقطع لان اتباع الظن ليس من جنس العلم والمعنى لكنهم يتبعون الظن { وما قتلوه } قتلا { يقينا } كما زعموا بقولهم انا قتلنا المسيح فيقينا نعت مصدر محذوف على ان يكون فعيلا بمعنى المفعول وهو المتيقن ١٥٨ { بل رفعه اللّه اليه } رد وانكار لقتله واثبات لرفعه قال الحسن البصرى اى الى السماء التى هى محل كرامة اللّه تعالى ومقر ملائكته ولا يجرى فيها حكم احد سواه فكان رفعه الى ذلك الموضع رفعا اليه تعالى لانه رفع عن ان يجرى عليه حكم العباد ومن هذا القبيل قوله تعالى { ومن يخرج من بيته مهاجرا الى اللّه } وكانت الهجرة الى المدينة وقوله { انى ذاهب الى ربى } اى الى موضع لا يمنعنى احد من عبادة ربى والحكمة فى الرفع انه تعالى اراد به صحبة الملائكة ليحصل لهم بركته لانه كلمة اللّه وروحه كما حصل للملائكة بركة صحبة آدم ابى البشر من تعلم الاسماء والعلم وان مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم كما ذكر فى الآية. وقيل رفع الى السماء لما لم يكن دخوله الى الوجود الدنيوى من باب الشهوة وخروجه لم يكن من باب المنية بل دخل من باب القدرة وخرج من باب العزة { وكان اللّه عزيزا } لا يغالب فيما يريده فعزة اللّه تعالى عبارة عن كمال قدرته فان رفع عيسى عليه السلام الى السموات وان كان متعذرا بالنسبة الى قدرة البشر لكنه سهل بالنسبة الى قدرة اللّه تعالى لا يغلبه عليه احد { حكيما } فى جميع افعاله فيدخل فيها تدبير انه تعالى فى امر عيسى عليه السلام دخولا اوليا ولما رفع اللّه عيسى عليه السلام كساه الريش والبسه النور وقطعه عن شهوات المطعم والمشرب وطار مع الملائكة فهو معهم حول العرش فكان انسيا ملكيا سماويا ارضيا قال وهب بن منبه بعث عيسى على رأس ثلاثين سنة ورفعه اللّه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة وكانت نبوته ثلاث سنين فان قيل لم لم يرد اللّه تعالى عيسى الى الدنيا بعد رفعه الى السماء قيل اخر رده ليكون علما للساعة وخاتما للولاية العامة لانه ليس بعده ولى يختم اللّه به الدورة المحمدية تشريفا لهم بختم نبى مرسل يكون على شريعة محمدية يؤمن بها اليهود والنصارى ويجدد اللّه تعالى به عهد النبوة على الامة ويخدمه المهدى واصحاب الكهف ويتزوج ويولد له ويكون فى امة محمد عليه السلام وخاتم اوليائه ووارثيه من جهة الولاية واجمع السيوطى فى تفسير الدر المنثور فى سورة الكهف عن ابن شاهين اربعة من الانبياء احياء اثنان فى السماء عيسى وادريس واثنان فى الارض الخضر والياس فاما الخضر فانه فى البحر واما صاحبه فانه فى البر قال الامام السخاوى رحمه اللّه حديث ( اخى الخضر لو كان حيا لزارنى ) من كلام بعض السلف ممن انكر حياة الخضر واعلم ان الارواح المهيمة التى من العقل الاول كلها صف واحد حصل من اللّه ليس بعضها بواسطة بعض وان كانت الصفوف الباقية من الارواح بواسطة العقل الاول كما اشار صلى اللّه عليه وسلم ( انا ابو الارواح وانا من نور اللّه والمؤمنون فيض نورى ) فاقرب الارواح فى الصف الاول الى الروح الاول والعقل الاول روح عيسوى لهذا السر شاركه بالمعراج الجسمانى الى السماء وقرب عهده بعهده فالروح العيسوى مظهر الاسم الاعظم وفائض من الخضرة الآلهية فى مقام الجمع بلا واسطة اسم من الاسماء وروح من الارواح فهو مظهر الاسم الجامع الآلهى وراثة اولية ونبينا عليه السلام اصالة كذا فى شرح الفصوص ثم اعلم ان قوما قالوا على مريم فرموها بالزنى وآخرين جاوزوا الحد فى تعظيمها فقالوا ابنها ابن اللّه وكلتا الطائفتين وقعتا فى الضلال. ويقال مريم كانت ولية اللّه فشقى بها فرقتان اهل الافراط واهل التفريط وكذلك كل ولى له تعالى فمنكرهم شقىّ بترك احترامهم وطلب اذيتهم والذين يعتقدون فيهم ما لا يستوجبون يشقون بالزيادة فى اعظامهم وعلى هذه الجملة درج الاكثرون من الاكابر كذا فى التأويلات النجمية : وفى المثنوى توولى درحد خويش ... اللّه اللّه بامنه درحد بيش جمله عالم زين سبب كمراه شد ... كم كسى زابدال حق آكاه شد دير بايد تاكى سر آدمى ... آشكارا كردد ازبيش وكمى زير ديوار بدن كنجست يا ... خانه مارست ومور وازدها ١٥٩ { وان من اهل الكتاب } اى ما من اليهود والنصارى احد { الا ليؤمنن به } اى بعيسى { قبل موته } اى قبل موت ذلك الاحد من اهل الكتاب يعنى اذا عاين اليهودى امر الآخرة وحضرته الوفاة ضربت الملائكة وجهه ودبره وقالت اتاك عيسى عليه السلام نبيا فكذبت به فيؤمن حين لا ينفعه ايمانه لانقطاع وقت التكليف وتقول للنصرانى اتاك عيسى عليه السلام عبد اللّه ورسوله فزعمت انه هو اللّه وابن اللّه فيؤمن بانه عبد اللّه حين لا ينفعه ايمانه قالوا لا يموت يهودى ولا صاحب كتاب حتى يؤمن بعيسى وان احترق او غرق او تردى او سقطه عليه جدار او اكله سبع او اى ميتة كانت حتى قيل لابن عباس رضى اللّه عنهما لو خر من بيته قال يتكلم به فى الهواء قيل أرأيت لو ضرب عنق احدهم قال يتلجلج به لسانه وهذا كالوعيد لهم والتحريض على معاجلة الايمان به قبل ان يضطروا اليه ولم ينفعهم ايمانهم. وقيل الضميران لعيسى والمعنى وما من اهل الكتاب الموجودين عند نزول عيسى من السماء احد الا ليؤمنن به قبل موته روى عن النبى عليه السلام انه قال ( انا اولى الناس بعيسى لانه لم يكن بينى وبينه نبى ويوشك انه ينزل فيكم حكما عدلا فاذا رأيتموه فاعرفوه فانه رجل مربوع الخلق الى الحمرة والبياض وكان رأسه يقطر وان لم يصبه بلل فيقتل الخنزير ويريق الخمر ويكسر الصليب ويذهب الصخرة ويقاتل الناس على الاسلام حتى يهلك اللّه فى زمانه الملل كلها غير ملة الاسلام وتكون السجدة واحدة للّه رب العالمين ويهلك اللّه فى زمانه مسيح الضلالة الكذاب الدجال حتى لا يبقى احد من اهل الكتاب وقت نزوله الا يؤمن به وتقع الامنة فى زمانه حتى ترتع الابل مع الاسود والبقر مع النمور والغنم مع الذئاب وتلعب الصبيان بالحيات لا يؤذى بعضهم بعضا ثم يلبث فى الارض اربعين سنة ثم يموت ويصلى عليه المسلمون ويدفنونه ) وفى الحديث ( ان المسيح جاىء فمن لقيه فليقرئه منى السلام ) { ويوم القيمة يكون } اى عليسى عليه السلام { عليهم } اى على اهل الكتاب { شهيدا } فيشهد على اليهود بالتكذيب وعلى النصارى بانهم دعوه ابن اللّه ١٦٠ { فبظلم من الذين هادوا } اى بسبب ظلم عظيم خارج عن حدود الاشباه والاشكال صادر عن اليهود { حرمنا عليهم طيبات احلت لهم } ولمن قبلهم لا لشىء غيره كما زعموا فانهم كلما ارتكبوا معصية من المعاصى التى اقترفوها حرم عليهم نوع من الطيبات التى كانت محللة لهم ولمن تقدمهم من اسلافهم عقوبة لهم كلحوم الابل وألبانها والشحوم وفى التأويلات النجمية نكتة قال لهم { حرمنا عليهم طيبات } وقال لنا { ويحل لهم الطيبات } وقال { كلوا مما رزقكم اللّه حلالا طيبا } فلم يحرم علينا شيأ بذنوبنا وكما آمنا من تحريم الطيبات فى هذه الآية نرجو ان نؤمننا فى الآخرة من العذاب الاليم لانه جمع بينها فى الذكر فى هذه الآية وقال اهل الاشارة ارتكاب المحظورات يوجب تحريم المباحات وانا اقوال الاسراف فى ارتكاب المباحات يوجب حرمان المناجاة انتهى كلام التأويلات : قال السعدى مرو دربى هرجه دل خواهدت ... كه تمكين تن نور جان كاهدت { وبصدهم عن سبيل اللّه } اى بسبب منعهم عن دين اللّه وهو الاسلام ناسا { كثيرا } او صدا كثيرا ١٦١ { واخذهم الربوا وقد } اى والحال انهم قد { نهوا عنه } فان الربا كان محرما عليهم كما هو محرم علينا. وفيه دليل على ان النهى يدل على حرمة المنهى عنه { واكلهم اموال الناس بالباطل } بالرشوة وسائر الوجوه المحرمة { واعتدنا } اى خلقنا وهيأنا { للكافرين منهم } اى للمصرين على الكفر لا لمن تاب وآمن من بينهم { عذابا اليما } وجيعا يخلص وجعه الى قلوبهم سيذوقونه فى الآخرة كما ذاقوا فى الدنيا عقوبة التحريم ١٦٢ { لكن الراسخون فى العلم منهم } اى التائبون من اهل الكتاب كعبد اللّه بن سلام واصحابه وسماهم راسخين فى العلم لثباتهم فى العلم وتجردهم فيه لا يضطربون ولا تميل بهم الشبه بمنزلة الشجرة الراسخة بعروقها فى الارض { والمؤمنون } اى من غير اهل الكتاب من المهاجرين والانصار { يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك } خبر المبتدأ وهو الراسخون وما عطف عليه قال فى التأويلات النجمية كان عبد اللّه بن سلام عالما بالتوراة وقد قرأ فيها صفة النبى عليه السلام فلما كان راسخا فى العلم اتصل علم قراءته بعلم المعرفة فقال لما رأيت وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عرفت انه ليس بوجه كذاب فآمن به ولما لم يكن للاحبار رسوخ فى العلم وان قرأوا صفة النبى عليه السلام فى التوراة فلما رأوا النبى عليه السلام ما عرفوه فكفروا به انتهى ونعم ما قيل فى حق الشرفاء جعلوا لابناء الرسول علامة ... ان العلامة شان من لم يشهر نور النبوة فى كريم وجوههم يغنى ... الشريف عن الطراز الاخطر خضر { و } اعنى { المقيمين الصلوة } فنصبه على المدح لبيان فضل الصلاة { و } هم { المؤتون الزكوة } فرفعه على المدح ايضا وكذا رفع قوله تعالى { والمؤمنون باللّه واليوم الآخر } قدم عليه الايمان بالانبياء والكتب وما يصدقه من اتباع الشرائع لانه المقصود بالآية { اولئك سنؤتيهم اجرا عظيما } اى ثوابا وافرا فى الجنة على جمعهم بين الايمان والعمل الصالح وهو ما اريد به وجه اللّه تعالى ومن افاضل الاعمال الصلوات الخمس واقامتها وفى الحديث ( من حافظ منكم على الصلوات الخمس حيث كان واين ما كان جاز الصراط يوم القيامة كالبرق اللامع فى اول زمرة السابقين وجاء يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر وكان له كل يوم وليلة حافظ عليهن اجر شهيد ) وسر هذا الحديث مفهوم من لفظ الصلاة ووجه تسميتها بها لان اشتقاقها من الصلى وهو النار والخشبة المعوجة اذا ارادوا تقويمها يعرضونها على النار فتقوم وفى العبد اعوجاج لوجود نفسه الامارة فيه وسبحات وجه اللّه الكريم حارة بحيث لو كشف حجابها لاحرقت تلك السبحات من ادركته ومن انتهى اليه البصر كما ورد فى الحديث فبدخول المصلى فى الصلاة يستقبل تلك السبحات فيصيب المصلى من وهج السطوة الآلهية والعظمة الربانية ما يزول به اعوجاجه بل يتحقق به معراجه فالمصلى كالمصطلى بالنار ومن اصطلى بها زال بها اوعجاجه فلا يعرض على نار جهنم الا تحلة القسم وبذلك المقدار من المرور يذهب اثر دون ولا يبقى له احتياج الى المكث على الصراط فيمر كالبرق اللامع وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فى حجة الوداع ( ان اولياء اللّه المصلون ومن يقيم الصلوات الخمس التى كتبهن اللّه عليه ويصوم رمضان ويحتسب صومه ويؤتى الزكاة محتسبا طيبة بها نفسه ويجتنب الكبائر التى نهى اللّه عنها ) فقال رجل من اصحابه يا رسول اللّه وكم الكبائر قال ( تسع اعظمهن الاشراك باللّه وقتل المؤمن بغير حق والفرار من الزحف وقذف المحصنة والسحر واكل الربا واكل مال اليتيم وعقوق الوالدين المسلمين واستحلال البيت العتيق الحرام قبلتكم احياء وامواتا لا يموت رجل لم يعمل هؤلاء الكبائر ويقيم الصلاة ويؤتى الزكاة الا رافق محمدا فى بحبوبة جنة ابوابها مصاريع الذهب ) واعلم ان الراسخين فى العلم هم الذين رسخوا بقدمى العمل والعلم الى ان بلغوا معادن العلوم فاتصلت علومهم الكسبية بالعلوم العطائية اللدنية وفى الحديث ( طلعت ليلة المعراج على النار فرأيت اكثر اهلها الفقراء ) قالوا يا رسول اللّه من المال قال ( لا من العلم ) وفى الحديث ( العلم امام العمل والعمل تابعه ) قال حجة الاسلام الغزالى رحمه اللّه فى منهاج العابدين ولقد صرت من علماء امة محمد صلى اللّه تعالى عليه وسلم الراسخين فى العلم ان انت عملت بعلمك واقبلت على عمارة معادك وكنت عبدا عالما عاملا للّه تعالى على بصيرة غير جاهل ولا مقلد غير غافل فلك الشرف العظيم ولعلمك القيمة الكثيرة والثواب الجزيل وبناء امر العبادة كله على العلم سيما علم التوحيد وعلم السر فلقد روى ان اللّه تعالى اوحى الى داود عليه السلام فقال [ يا داود تعلم العلم النافع ] قال آلهى وما العلم النافع قال [ ان تعرف جلالى وعظمتى وكبريائى وكمال قدرتى على كل شىء فان هذا الذى يقربك الى ] وعن على رضى اللّه عنه ما يسرنى انى لو مت طفلا فادخلت الجنة ولم اكبر فاعرف ربى فان اعلم الناس باللّه اشدهم خشية واكثرهم عبادة واحسنهم فى اللّه نصيحة ١٦٣ { انا اوحينا اليك } جواب لاهل الكتاب عن سؤالهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ان ينزل عليهم كتابا من السماء واحتجاج عليهم بانه ليس بدعا من الرسل وانما شأنه فى حقيقة الارسال واصل الوحى كشأن سائر مشاهير الانبياء الذين لا ريب لاحدهم فى نبوتهم والوحى والايحاء كالاعلام فى خفاء وسرعة اى انزلنا جبرائيل عليك يا محمد بهذا القرآن { كما اوحينا } اى ايحاء مثل ايحائنا { الى نوح والنبيين من بعده } بدأ بذكر نوح لانه ابو البشر واول نبى عذبت امته لردهم دعوته وقد اهلك اللّه بدعائه اهل الارض قيل ان نوحا عليه السلام عمر الف سنة لم ينقص له سن ولا قوة ولم يشب له شعر ولم يبالغ احد من انبياء فى الدعوة ما بالغ ولم يصبر على اذى قومه ما صبر وكان يدعو قومه ليلا ونهارا وسرا وجهارا وكان يضرب من قومه حتى يغمى عليه فاذا افاق عاد وبلغ وقيل هو اول من تنشق عنه الارض يوم القيامة بعد محمد صلى اللّه تعالى عليه وسلم { واوحينا الى ابراهيم } عطف على اوحينا الى نوح داخل معه فى حكم التشبيه اى كما اوحينا الى ابراهيم { واسمعيل واسحق ويعقوب والاسباط } وهم اولاد يعقوب عليه السلام وهم اثنا عشر رجلا { وعيسى وايوب ويونس وهرون وسليمان } خصهم بالذكر مع اشتمال النبيين عليهم تشريفا لهم واظهارا لفضلهم فان ابراهيم اول اولى العزم منهم وعيسى آخرهم والباقين اشراف الانبياء ومشاهيرهم وقدم ذكر عيسى على من بعده لان الواو للجمع دون الترتيب فتقدم ذكره فى الآية لا يوجب تقديمه فى الخلق والارسال والفائدة فى تقديمه فى الذكر رد على اليهود فى تبرئته مما رمى به ونسب اليه { وآتينا } اى كما آتينا { داود زبورا } فالجملة عطف على اوحينا داخلة فى حكمه لان ايتاء الزبور من باب الايحاء. والزبور هو الكتاب مأخوذ من الزبر وهو الكتابة قال القرطبى كان فيها مائة وخمسون سورة ليس فيها حكم من الاحكام وانما هى حكم ومواعظ وتحميد وتمجيد وثناء على اللّه عز وجل وكان داود يبرز الى البرية ويقرأ الزبور فيقوم معه علماء بنى اسرائيل خلفه ويقوم الناس خلف العلماء ويقوم الجن خلف الناس وتجيىء الدواب التى فى الجبال اذا سمعت صوت داود فيقمن بين يديه تعجبا لما يسمعن من صوته ويجيىء الطير حتى يظللن على داود فى خلائق لا يحصيهن الا اللّه يرفرفن على رأسه وتجيىء السباع حتى تحيط بالدواب والوحش لما يسمعن فلما قارف الذنب وهو تزوج امرأة اوريا من غير انتظار الوحى بجبرائيل ولم يروا ذلك فقيل ذلك انس الطاعة وهذه وحشة المعصية وعن ابى موسى الاشعرى قال قال لى رسول اللّه ( لو رأيتنى البارحة وانا استمع لقراءتك لقد اعطيت مزمارا من مزامير آل داود ) قال فقلت اما واللّه يا رسول اللّه لو علمت انك تسمع لحبرته تحبيرا وعن ابى عثمان قال ما سمعت قط بربطا ولا مزمارا ولا عودا احسن من صوت ابى موسى وكان يؤمنا فى صلاة الغداة فنودّ انه يقرأ سورة البقرة من حسن صوته : قال السعدى قدس سره به ازروى زيباست آواز خوش ... كه آن حظ نفس است واين قوت روح وعند هبوب الناشرات على الحمى ... تميل غصون البان لا الحجر الصلد ١٦٤ { ورسلا } نصب بمضمر يدل عليه اوحينا معطوف عليه داخل معه فى حكم التشبيه كما قيل اى وكما ارسلنا رسلا { قد قصصناهم عليك } اى سميناهم لك { من قبل } متعلق بقصصنا اى من قبل هذه السورة او اليوم وعرفناك وقصتهم فعرفتهم { ورسلا لم نقصصهم عليك } اى لم نسمهم لك والرسل هم الذين اوحى اليهم بجبريل والانبياء هم الذين لم يوح اليهم بجبريل وانما اوحى اليهم بملك آخر أو برؤيا فى المنام او بشىء آخر من الالهام وعن ابى ذرّ رضى اللّه عنه قال قلت يا رسول اللّه كم كانت الانبياء وكم كان المرسلون قال ( كانت الانبياء مائة الف واربعة وعشرين الف وكان المرسلون ثلاثمائة وثلاثة عشر ) وفى رواية سئل عن عدد الانبياء فقال ( مائتا الف واربعة وعشرون الفا ) والاولى ان لا يقتصر على عدد فى التسمية لهذه الآية وخبر الواحد لا يفيد الا الظن ولا عبرة بالظن فى الاعتقاديات { وكلم اللّه موسى تكليما } عطف على انا اوحينا اليك عطف القصة على القصة وتأكيد كلم بالمصدر يدل على انه عليه السلام سمع كلام اللّه حقيقة لا كما يقوله القدرية من ان اللّه تعالى خلق كلاما فى محل فسمع موسى ذلك الكلام لان ذلك لا يكون كلام اللّه القائم به والافعال المجازية لا تؤكد بذكر المصادر لا يقال اراد الحائط ان يسقط ارادة قال الفراء العرب تسمى ما وصل الى الانسان كلاما بأى طريق وصل ما لم يؤكد بالمصدر فاذا اكد به لم يكن الا حقيقة الكلام والمعنى ان التكليم بغير واسطة منتهى مراتب الوحى خص به موسى من بينهم فلم يكن ذلك قادحا فى نبوة سائر الانبياء فكيف يتوهم كون نزول التوراة عليه جملة قادحا فى صحة من انزل عليه الكتاب مفصلا مع ظهور ان نزولها كذلك لحكم مقتضية لذلك من جملتها ان بنى اسرائيل كانوا فى العناد وشدة الشكيمة بحيث لو لم يكن نزولها كذلك لما آمنوا بها الا بعد اللتيا والتى وقد فضل اللّه نبينا محمدا صلى اللّه عليه وسلم بان اعطاه مثل ما اعطى كل واحد منهم : قال العطار كرده درشب سوى معراجش روان ... سر كل با اونهاده درميان رفت موسى بربساط آن جناب ... خلع نعلين آمدش ازحق خطاب جون بنزديكى شد از نعلين دور ... كشت در وادى المقدس غرق نور باز در معراج شمع ذو الجلال ... مى شنود آواز نعلين بلال موسىء عمران اكرجه بودشاه ... هم نبود انجاش بانعلين راه ابن عنايت بين كه بهر جاه او ... كرد حق باجاكر دركاه او جاكرش را كرد مردكوى خويش ... دار بانعلين راهش سوى خويش موسىء عمران جون آن رتبت بديد ... جاكر اورا جنان قربت بديد كفت يا رب امت اوكن مرا ... در طفيل همت اوكن مرا اوست سلطان وطفيل اوهمه ... اوست دائم شاه وخيل اوهمه روى ان موسى عليه السلام لما اتى طور سيناء انزل اللّه الظلمة على سبع فراسخ وطرد عنه الشيطان وطرد عنه الهوام ونحى عنه الملكين وكشف له السماء فرأى الملائكة قياما فى الهواء ورأى العرش بارزا وكلمه اللّه وناجاه حتى اسمعه كلامه من غير واسطة وكيفية وصوت وحرف ١٦٥ { رسلا } نصب على المدح اعنى رسلا { مبشرين } لاهل الطاعة بالجنة { ومنذرين } للعصاة بالنار { لئلا يكون } اللام متعلقة بارسلنا { للناس } خبر يكون { على اللّه } متعلق بمحذوف وقع حالا من قوله { حجة } اى كائنة على اللّه. وحجة اسم يكون والمعنى لئلا يكون للناس على اللّه معذرة يوم القيامة يعتذرون بها قائلين لولا ارسلت الينا رسولا فيبين لنا شرائعك ويعلمنا ما لم نكن نعلم من احكامك وينبهنا من سنة الغفلة لقصور القوة البشرية عن ادراك جزئيات المصالح وعجز اكثر الناس عن ادراك كلياتها ففيه تنبيه على ان بعثة الانبياء الى الناس ضرورة وانما سميت المعذرة حجة مع استحالة ان يكون لاحد عليه سبحانه حجة فى فعل من افعاله بل له ان يفعل ما يشاء للتنبيه على ان المعذرة فى القبول عنده تعالى بمقتضى كرمه ورحمته لعباده بمنزلة الحجة القاطعة التى لا مرد لها ولذلك قال { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } قال النبى صلى اللّه عليه وسلم ( ما احد اغير من اللّه عز وجل لذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن وما احد احب اليه المدح من اللّه تعالى ولذلك مدح نفسه وما احد احب اليه العذر من اللّه تعالى ولذلك ارسل الرسل وانزل الكتاب ) { بعد الرسل } اى بعد ارسالهم وتبليغ الشرائع الى الامم على ألسنتهم متعلق بحجة { وكان اللّه عزيزا } لا يغالب فى امر من الامور من قضية الامتناع عن الاجابة الى مسألة المتعنتين { حكيما } فى جميع افعاله التى من جملتها ارسال الرسل وانزال الكتب ١٦٦ { لكن اللّه } استدراك على مفهوم ما قبله من سؤالهم على وجه التعنت ان ينزل عليهم ما وصفوه من الكتاب فهو بمنزلة قولهم لا نشهد بان اللّه تعالى بعثك الينا رسولا حتى ينزل ما سألناه فقال تعالى انهم لا يشهدون بصدقك فى دعوى الرسالة لكن اللّه { يشهد بما انزل اليك } من القرآن المعجز الدال على نبوتك ان جحدوك وكذبوك فان انزال هذا القرآن البالغ فى الفصاحة الى حيث عجز الاولون والآخرون عن معارضته واتيان ما يدانيه شهادة له عليه السلام بنبوته وصدقه فى دعوى الرسالة من اللّه تعالى فمعنى شهادة اللّه تعالى بما انزل اليه اثباته لصحته باظهار المعجزات كما تثبت الدعاوى بالبينات { انزله بعلمه } حال من الفاعل اى ملتبسا بعلمه الخاص الذى لا يعلمه غيره وهو تأليف على نمط بديع يعجز عنه كل بليغ او بعلمه بحال من انزل عليه واستعداده لاقتباس الانوار القدسية { والملائكة يشهدون } ايضا بنبوتك فان قلت من اين يعلم شهادة الملائكة قلت من شهادة اللّه تعالى لان شهادتهم تبع لشهادته { وكفى باللّه شهيدا } على صحة نبوتك حيث نصب لها معجزات باهرة وحججا ظاهرة مغنية عن الاستشهاد بغيرها كأنه تعالى قال يا محمد ان كذبك هؤلاء اليهود فلا تبال بهم فان اللّه تعالى وهو اله العالمين يصدقك فى دعواك وملائكة السموات ايضا يصدقونك فى ذلك ومن صدقه رب العالمين والملائكة اى ملائكة العرش والكرسى والسموات السبع اجمعون لا ينبغى له ان يلتفت الى تكذيب اخس الناس وهم هؤلاء اليهود ١٦٧ { ان الذين كفروا } اى بما انزل اللّه ويشهد به وهم اليهود { وصدوا عن سبيل اللّه } وهو دين الاسلام من اراد سلوكه بقوله ما نعرف صفة محمد فى كتابنا { قد ضلوا } بما فعلوا من الكفر والصد عن طريق الحق { ضلالا بعيدا } لانهم جمعوا بين الضلال والاضلال ولان المضل يكون اعرق فى الضلال وابعد من الانقلاع عنه ١٦٨ { ان الذين كفروا } اى بما ذكر آنفا { وظلموا } اى محمدا صلى اللّه عليه وسلم بانكار نبوته وكتمان نعوته الجليلة ووضع غيرها مكانها او الناس بصدهم عما فيه صلاحهم فى المعاش والمعاد { لم يكن اللّه } مريدا { ليغفر لهم } لاستحالة تعلق المغفرة بالكافر { ولا ليهديهم طريقا الا طريق جهنم } لعدم استعدادهم للّهداية الى الحق والاعمال الصالحة التى هى طريق الجنة والمراد بالهداية المفهومة من الاستثناء بطريق الاشارة خلق اللّه لاعمالهم السيئة المؤدية بهم الى جهنم عند صرف قدرتهم واختيارهم الى اكتسابها او سوقهم اليها يوم القيامة بواسطة الملائكة والطريق على عمومه والاستثناء متصل وقيل خاص بطريق الحق والاستثناء منقطع ١٦٩ { ولا ليهديهم طريقا الا طريق جهنم } لعدم استعدادهم للّهداية الى الحق والاعمال الصالحة التى هى طريق الجنة والمراد بالهداية المفهومة من الاستثناء بطريق الاشارة خلق اللّه لاعمالهم السيئة المؤدية بهم الى جهنم عند صرف قدرتهم واختيارهم الى اكتسابها او سوقهم اليها يوم القيامة بواسطة الملائكة والطريق على عمومه والاستثناء متصل وقيل خاص بطريق الحق والاستثناء منقطع { خالدين فيها } حال مقدرة من الضمير المنصوب والعامل فيها ما دل عليه الاستثناء دلالة واضحة كأنه قيل يدخلهم جهنم خالدين فيها { ابدا } نصب على الظرفية رافع لاحتمال حمل الخلود على المكث الطويل { وكان ذلك } اى جعلهم خالدين فيها { على اللّه يسيرا } لاستحالة ان يتعذر عليه شىء من مراداته تعالى واعلم ان من كان فيه ذرة من النور المرشوش على الارواح يوم خلقها يخرج به من النار كما قال عليه السلام ( يخرج من النار من كان فى قلبه ذرة من الايمان ) ومن لم يكن فيه ذلك النور يخلد فى النار لانه وقع فى ظلمة عظيمة لا يمكن الخروج منها وقد ضل ضلال بعيدا اى من يوم رش النور لا ضلالا قريبا من هذا اليوم لان ضلال اليوم من نتائج ضلال ذلك اليوم ومثل هذا لا يهتدى الى طريق الحق والقربة الى اللّه تعالى فيحترق فى عذاب القطيعة ابدا ولا يخرج من نار الفرقة سرمدا فعلى العبد ان يشهد بما شهد اللّه تعالى به ويقبل قول اللّه وقول الرسول وقول وارثيه من العلماء العاملين فانهم ينطقون عن اللّه وعن الرسول قال شقيق رحمه اللّه الناس يقومون من مجلسى على ثلاثة اصناف كافر محض ومنافق محض ومؤمن محض وذلك لانى افسر القرآن واقول عن اللّه عز وجل وعن الرسول صلى اللّه تعالى عليه وسلم فمن لا يصدقنى فهو كافر محض ومن ضاق قلبه فهو منافق ومن ندم على ما صنع وعزم على انه لا يذنب كان مؤمنا مخلصا واول الامر الاعتقاد وذلك يحتاج الى العلم اولا والعمل ثانيا لانه ثمرته وسئل النبى عليه السلام عن العلم فقال ( دليل العمل ) قيل فما العقل قال عليه السلام ( قائد الخير ) فما الهوى قال ( مركب المعاصى ) قيل فما المال قال ( رداء المتكبرين ) قيل فما الدنيا قال ( سوق الاخرة ) ١٧٠ { يا ايها الناس } خطاب لعامة الخلق { قد جاءكم الرسول } يعنى محمدا صلى اللّه تعالى عليه وسلم ملتبسا { بالحق } وهو القرآن المعجز الذى شهد اعجازه على حقيته او بالدعوة الى عبادة اللّه وحده والاعراض عما سواه فان العقل السليم يشهد على انه الحق { من } عند { ربكم } متعلق بجاء اى جاء من عند اللّه وانه مبعوث مرسل غير متقول له { فآمنوا } بالرسول وبما جاءكم به من الحق والفاء للدلالة على ايجاب ما قبلها لما بعدها { خيرا لكم } منصوب على انه مفعول لفعل واجب الاضمار اى اقصدوا او ائتوا امرا خيرا لكم مما انتم فيه من الكفر او على انه نعت لمصدر محذوف اى آمنوا ايمانا خيرا لكم وهو الايمان باللسان والجنان { وان تكفروا } اى ان تصروا وتستمروا على الكفر { فان للّه ما فى السموات والارض } من الموجودات سواء كانت داخلة فى حقيقتهما وبذلك يعلم حال انفسهما على ابلغ وجه وآكده او خارجة عنهما مستقرة فيهما من العقلاء وغيرهم فيدخل فى جملتهم المخاطبون دخولا اوليا اى كلها له عز وجل خلقا وملكا وتصرفا لا يخرج من ملكوته وقهره شىء منها فمن هذا شأنه فهو قادر على تعذيبكم بكفركم لا محالة او فمن كان كذلك فهو غنى عنكم وعن غيركم لا يتضرر بكفركم ولا ينتفع بايمانكم او فمن كان كذلك فله عبيد يعبدونه وينقادون لامره { وكان اللّه عليما } مبالغا فى العلم فهو عالم باحوال الكل فيدخل فى ذلك علمه تعالى بكفرهم دخولا اوليا { حكيما } مراعيا للحكمة فى جميع افعاله التى من جملتها تعذيبه تعالى اياهم بكفرهم واعلم ان النبى صلى اللّه عليه وسلم صورة النور الغيبى المرسل الى الاجساد فمن كان قابلا لافاضة نور دعوته فقد اهتدى ومن اخطأ فقد ضل واتفق المشايخ على ان ألقى زمامه فى يد كلب مثلا حتى لا يكون تردده بحكم طبعه فنفسه اقوم لقبول الرياضة ممن جعل زمامه فى حكم نفسه يسترسل بها حيث شاء كالبهائم فلما تيقنت ان الواجب عليك ان تكون تايعا لا مسترسلا فلان تتبع سيد المرسلين محمدا صلى اللّه عليه وسلم الذى آدم ومن دونه من الاولياء والانبياء تحت لوائه خير لك بل واجب عليك وما اعظم حماقة من يحتاط بقول المنجم فى الاختلاج والفال وينقاد الى الاحتمالات البعيدة ثم اذا آل الامر الى خبر النبوة عن الغيب انكر فلا ترض لنفسك ان تصدق ابن البيطار فيما ذكره فى العقاقير والاحجار فتبادر الى امتثال ما امرك به ولا تصدق سيد البشر صلى اللّه عليه وسلم فيما يخبر عنه وتتوانى بحكم الكسل عن الاتيان بما امر به او فعل واعلم انك لما اخرجك اللّه من صلب آدم فى مقام ألست رددت الى اسفل السافلين ثم منه دعيت لترتفع بسعيك وكسبك الى اعلى عليين حيث ما قدر لك على حسب قابليتك ولا يمكنك ذلك الا بأمرين. احدهما بمحبته صلى اللّه عليه وسلم بان تؤثر حبه على نفسك واهلك ومالك. والثانى بمتابعه صلى اللّه عليه وسلم فى جميع ما امر به ونهى عنه وبذلك تستحكم مناسبتك به وبكمال متابعتك يحصل لك الارتفاع الى اوج الكمال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( ان مثلى ومثل ما بعثنى اللّه به كمثل رجل اتى قوما فقال يا قوم انى رأيت الجيش بعينى ) فيه اشارة الى ان هذا المثل مختص بالنبى عليه السلام لان ما انذر به من الاهوال هى التى رآها بعينيه واما سائر الانبياء عليهم السلام فلم يكن لهم معراج ظاهر حتى يعاينوا تلك الاهوال ( وانى انا النذير ) وهو الذى يخوف غيره بالاعلام ( العريان ) وهو الذى لقى العدو فسلبوا ما عليه من الثياب فاتى قومه يخبرهم فصدق بعضهم لما عليه من آثار الصدق فنجوا وهذا القول مثل يضرب لشدة الامر وقرب المحذور وبراءة المخبر من التهمة والكل موجود فى النبى عليه السلام ( فالنجاء ) بالمد نصب على الاغراء اى اطلبوا النجاء وهو الاسراع ( فاطاعه طائفة من قومه فادلجوا ) اى ساروا من اول الليل ( فانطلقوا على مهلهم ) وهو بفتح الميم والهاء ضد العجلة ( وكذبت طائفة منهم فاصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش ) اى تاهم صباحا ليغير عليهم ( فاهلكهم واجتاحهم ) اى اهلكم بالكلية ( فذلك ) اى المثل المذكور وهذا بيان لوجه المشابهة ( مثل من اطاعنى واتبع ما جئت به من الحق ) وفيه اشارة الى ان مطلق العصيان غير مستأصل بل العصيان مع التكذيب بالحق كذا فى شرح المشارق لابن الملك رحمه اللّه تعالى : قال السعدى قدس سره خلاف بيمبركسى ره كزيد ... كه هركز بمنزل نخواهد رسيد محالست سعدى كه راه صفا ... توان رفعت جز دربى مصطفا ١٧١ { يا اهل الكتاب } الخطاب للنصارى خاصة { لا تغلوا فى دينكم } اى لا تتجاوزوا الحد فى دينكم بالافراط فى رفع شأن عيسى وادعاء الوهيته والغلو مجاوزة الحد واعلم ان الغلو والمبالغة فى الدين والمذهب حتى يجاوز حده غير مرضى كما ان كثيرا من هذه الامة غلوا فى مذهبهم فمن ذلك مذهب الغلاة من الشيعة فى امير المؤمنين على بن ابى طالب كرم اللّه وجهه حتى ادعوا الهيته وكذلك المعتزلة غلوا فى التنزيه حتى نفوا صفات اللّه وكذا المشبهة غلوا فى اثبات الصفات حتى جسموه تعالى اللّه عما يقول الظالمون علوا كبيرا ولدفع الغلو كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول ( لا تطرونى كما اطرت النصارى عيسى ابن مريم ) اى لا تتجاوزوا عن الحد فى مدحى كما بالغ النصارى فى مدح عيسى حتى ضلوا وقالوا انه ولد اللّه ( وقولوا عبد اللّه ورسوله ) اى قولوا فى حقى انه عبد اللّه ورسوله وفى تقديم العبد على الرسول كما فى التحيات ايضا نفى لقول اليهود والنصارى فان اليهود قالوا عزير ابن اللّه والنصارى المسيح ابن اللّه فنحن نقوله عبده ورسوله والغلو من العصبية وهى من صفات النفس المذمومة والنفس هى امارة بالسوء لا تأمر الا بالباطل مبر طاعت نفس شهوت برست ... كه هر ساعتش قبله ديكرست { ولا تقولوا على اللّه الا الحق } اى لا تصفوه بما يستحيل اتصافه من الحلول والاتحاد واتخاذ الصاحبة والولد بل نزهوه عن جميع ذلك. قوله الا الحق استثناء مفرغ ونصبه على انه مفعول به نحو قلت خطبة او نعت مصدر محذوف اى الا القول الحق وهو قريب من المعنى الاول { انما المسيح } مبتدأ وهو لقب من الالقاب المشرفة كالصديق والفاروق واصله بالعبرية مشيحا ومعناه المبارك { عيسى } بدل منه معرب من ايشوع { ابن مريم } صفة مفيدة لبطلان ما وصفوه به من نبوته له تعالى. ومريم بمعنى العابدة وسميت مريم مريم ليكون فعلها مطابقا لاسمها ولكون عيسى عليه السلام منسوبا الى امه تدعى الناس يوم القيامة باسماء امهاتهم ويدل عليه حديث التلقين بعد الدفن حيث يقال يا فلان ابن فلانة وفى النسبة الى الامهات ستر منه تعالى للعباد ايضا { رسول اللّه } خبر للمبتدأ اى انه مقصور على رتبة الرسالة لا يتخطاها وهذا هو القول الحق { وكلمته } عطف على رسول اللّه اى تكون بكلمته وامره الذى هو كن من غير واسطة اب ولا نطفة فان تكوين الخلق كله وان كان بكلمة كن له ولكن بالوسائط فان تعلق كن بتكوين الآباء قبل تعلقه بتكوين الابناء فلما كان تعلق امر كن بعيسى فى رحم مريم من غير تعلقه بتكوين اب له تكون عيسى بكلمة كن وكن هى كلمة اللّه فعبر عن ذلك بقوله وكلمته القاها الى مريم يدل عليه قوله انه مثل عيسى عند اللّه يعنى فى التكوين كمثل آدم خلقه من تراب يعنى سوى جسمه من تراب ثم قال له يعنى عند بعث روحه الى القالب كن فيكون وانما ضرب مثله بآدم فى التكوين لانه ايضا تكون بكلمة كن من غير واسطة اب { القاها الى مريم } اى اوصلها اليها وحصلها فيها بنفخ جبريل عليه السلام { وروح منه } عطف على كلمته ومنه صفة لروح ومن لابتداء الغاية مجازا لا تبعيضية كما زعمت النصارى لاستحالة التجزى على اللّه تعالى وروى انه كان لهارون الرشيد طبيب نصرانى وكان غلاما حسن الوجه جدا وكان كامل الادب جامعا للخصال التى يتوصل بها الى الملوك وكان الرشيد مولعا بان يسلم وهو يمتنع وكان الرشيد يمنيه الامانى ان اسلم فأبى فقال له ذات يوم مالك لا تؤمن قال ان فى كتابكم حجة على من انتحله قال وما هى قال قوله تعالى { وكلمته ألقاها الى مريم وروح منه } فعنى بهذا ان عيسى عليه السلام جزء منه فضاق قلب الرشيد وجمع العلماء فلم يكن فيهم من يزيل شبهته حتى قيل له قد وفد حجاج من خراسان وفيهم رجل يقال له على بن الحسين بن واقد من اهل مرو وهو امام فى علم القرآن فدعاه فجمع بينه وبين الغلام فسأله الغلام عن ذلك فاستعجم عليه الجوا فى الوقت وقال قد علم اللّه يا امير المؤمنين فى سابق علمه ان هذا الخبيث يسألنى فى مجلسك هذا وانه لم يخل كتابه عن جوابه وانه ليس يحضرنى الآن وللّه علىّ ان لا اطعم ولا اشرب حتى اؤدى الذى يجب من الحق ان شاء اللّه تعالى ودخل بيتا مظلما واغلق عليه بابه واندفع فى قراءة القرآن حتى بلغ من سورة الجاثية { وسخر لكم ما فى السموات وما فى الارض جميعا منه } فصاح باعلى صوته افتحوا الباب فقد وجدت الجواب ففتحوا ودعا الغلام فقرأ عليه الآية بين يدى الرشيد وقال ان كان قوله وروح منه يوجب ان يكون عيسى بعضا منه وجب ان يكون ما فى السموات وما فى الارض بعضا منه فانقطع النصرانى واسلم وفرح الرشيد فرحا شديدا ووصل على بن الحسين الواقدى المروزى بصلة جيدة فلما عاد على بن الحسين الى مرو صنف كتابا سماه كتاب النظائر فى القرآن وهو كتاب لا يوازيه كتاب. قيل معنى كونه روحا انه ذو روح صادر منه تعالى كسائر ذوى الارواح الا انه تعالى اضاف روحه الى نفسه تشريفا. وقيل المراد بالروح هو الذى نفخ جبرائيل عليه فى درع مريم فدخلت تلك النفخة بطنها فحملت باذن اللّه من ذلك النفخ سمى النفخ روحا لانه كان ريحا يخرج من الروح واضاف تعالى نفخة جبريل الى نفسه حيث قال وروح منه بناء على ان ذلك النفخ الواقع من جبريل كان باذن اللّه تعالى وامره فهو منه وعن ابى بن كعب انه قال ان اللّه تعالى لما اخرج الارواح من ظهر آدم لاخذ الميثاق عليهم ثم ردهم الى صلبه امسك عنده روح عيسى الى ان اراد خلقه ثم ارسل ذلك الروح الى مريم فدخل فى فيها فكان منه عيسى عليه السلام. قيل خلق عيسى عليه السلام من ماء مريم ومن النفخ لا من احدهما فقط وهو الاصح عند المحققين. قيل خرج فى ساعة النفخ. وقيل بعد المدة الكاملة بعد ثمانية اشهر والاول هو الاصح وفى التأويلات النجمية ان شرف الروح على الاشياء بانه ايضا كعيسى تكون بامر كن بلا واسطة شىء آخر فلما تكون الروح بامر كن وتكون عيسى بامر كن سمى روحا منه لان الامر منه تعالى كما قال { قل الروح من امر ربى } فكما ان احياء الاجسام الميتة من شأن الروح اذ ينفخ فيها فكذلك كان عيسى من شأنه احياء الموتى وابراء الاكمه والابرص بذان اللّه وكذلك كان ينفخ فى الطين فيكون طيرا باذن اللّه تعالى واعلم ان هذا الاستعداد الروحانى الذى هو من كلمة اللّه مركوز فى جبلة الانسان وخلق منه اى من الامر وانما اظهره اللّه فى عيسى من غير تكلف منه فى السعى لاستخراج هذا الجوهر من معدنه لان روحه لم يركز فى اصلاب الآباء وارحام الامهات كارواحنا فكان جوهره ظاهرا فى معدن جسمه غير مخفى ببشرية اب وجوهرنا مخفى فى معدن جسمنا ببشرية آبائنا الى آدم فمن ظهور انوار جوهر روحه كان اللّه تعالى يظهر عليه انواع المعجزات فى بدء طفوليته ونحن نحتاج فى استخراج الجوهر الروحانى من المعدن الجسمانى الى نقل صفات البشرية المتولدة من بشرية الآباء والامهات عن معادننا باوامر استاذ هذه الصنعة ونواهيه وهو النبى عليه السلام كما قال تعالى { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } فمن تخلص جوهر روحانيته من معدن بشريته وانسانيته يكون عيسى وقته فيحيى اللّه بانفاسه القلوب الميتة ويفتح به اذانا صما وعيونا عميا فيكون فى قومه كالنبى فى امته فافهم جدا : وفى المثنوى عيسى اندر مهد دارد صد نفير ... كه جوان ن كشته ماشيخيم وبير بير بير عقل بايد اى بسر ... نى سفيدى موى اندرريش وسر جون كرفتى بيرهين تسليم شو ... همجو موسى زيرحكم خضرشو دست را مسبار جز دردست بير ... حق شدست آن دست اورادستكير جون بدارى دست خوددردست بير ... بير حكمت كو عليم است وخبير ثم اعلم انه لما كان النافخ جبرائيل والولد سرّ ابيه كان الواجب ان يظهر عيسى على صورة الروحانيين والجواب انه انما كان على صورة البشر ولم يظهر على صورة الروحانيين لان الماء المحقق عند التمثل كان فى امه وهى بشر ولاجل تمثل جبريل ايضا عند النفخ بالصورة البشرية لانها اكمل الصور كما اشار صلى اللّه تعالى عليه وسلم فى تجلى الربوبية بصورة شاب قطط وظهور جبريل بصورة دحية فافهم والصورة التى تشهدها الام وتخيلها حال المواقعة لها تأثير عظيم فى صورة الولد حتى قيل ونقل فى الاخبار ان امرأة ولدت ولدا صورته صورة البشر وجسمه جسم الحية فلما سئلت عنها اخبرت انها رأت حية عند المواقعة وسمع ان امرأة ولدت ولد له اعين اربع ورجلاه كرجل الدب وكانت قبطية جامعها زوجها وهى ناظرة الى دبين كان عند زوجها وللّه اسرار فى تكوين الاجساد كيف يشاء وهو على كل شىء قدير كذا فى حل الرموز { فآمنوا باللّه } وخصوه بالالوهية { ورسله } اجمعين وصفوهم بالرسالة ولا تخرجوا بعضهم عن سلكهم بوصفه بالالوهية يعنى ان عيسى من رسله فآمنوا به كايمانكم بسائر الرسل ولا تجعلوه آلها { ولا تقولوا ثلثة } اى الآلهة ثلاثة اللّه والمسيح ومريم ويشهد عليه قوله تعالى { ءانت قلت للناس اتخذونى وامى آلهين من دون اللّه } او اللّه ثلاثة ان صح انهم يقولون اللّه ثلاثة اقانيم اقنوم الاب واقنوم الابن واقنوم روح القدس وانهم يريدون بالاول الذات وقيل الوجود وبالثانى العلم وبالثالث الحياة { انتهوا } اى عن التثليث { خيرا لكم } اى انتهاء خيرا لكم او ائتوا خيرا لكم من القول بالتثليث { انما اللّه آله واحد } اى واحد بالذات منزه عن التعدد بوجه من الوجوه فاللّه مبتدأ واله خبره وواحد نعت اى منفرد فى آلهيته { سبحانه ان يكون له ولد } اى اسبحه تسبيحا من ان يكون له ولد او سبحوه تسبيحا من ذلك فانه يتصور له مثل ويتطرق اليه فناء فان التوالد انما هو لحفظ النوع من الانقراض فلذلك لم تتوالد الملائكة ولا اهل الجنان فمن كان نشأته وتكوّنه للبقاء اذا لم يكن له ولد مع كونه حادثا ذا امثال فبالاولى ان لا يتخذ اللّه تعالى ولدا وهو ازلى منزه عن الامثال والاشياه : وفى المثنوى لم يلد لم يولد است اوازقدم ... نه بدر دارد نه فرزند ونه عم { له ما فى السموات وما فى الارض } مستأنفة مسوقة لتعليل التنزيه وتقريره اى له ما فيهما من الموجودات خلقا وملكا وتصرفا لا يخرج من ملكوته شىء من الاشياء التى من جملتها عيسى فكيف يتوهم كونه ولدا له تعالى قال ابن الشيخ فى حواشيه انه تعالى فى كل موضع نزه نفسه عن الولد ذكر ان جميع ما فى السموات والارض مختص به خلقا وملكا للاشارة الى ان ما زعمه المبطلون انه ابن اللّه وصاحبته مملوك مخلوق له لكونه من جملة ما فى السموات وما فى الارض فلا تتصور المجانسة والمماثلة بين الخالق والمخلوق والمالك والمملوك فكيف يعقل مع هذا توهم كونه ولدا له وزوجة { وكفى باللّه وكيلا } اليه يكل كل الخلق امورهم وهو غنى عن العالمين فأنى يتصور فى حقه اتخاذ الولد الذى هو شأن العجزة المحتاجين فى تدبير امورهم الى من يخلفهم ويقوم مقامهم او يعينهم دلت الآية على التوحيد كل شىء ذاته لى شاهد ... انما اللّه اله واحد ومطلب اهل التوحيد اعلى المطالب وهو وراء الجنات وذوقهم لا يعادله نعيم حكى ان وليا يقال له سكرى بابا يكون له فى بعض الاوقات استغراق اياما حتى يظنونه ميتا ويضعون على فمه فداما فانتبه يوما فاراد ان يطلق زوجته ويترك اولاده وقال كنت فى مجلس النبى عليه السلام فى الملكوت مع الارواح وكان النبى عليه السلام يفسر قوله تعالى { وآلهكم اله واحد } يتكلم فى مراتب التوحيد على كرسى قوائمه اربع من الانوار الاربعة على حسب المراتب الاربع اى من النور الاسود فى مرتبة الطبيعة ومن النور الاحمر فى مرتبة النفس ومن النور الاخضر فى مرتبة الروح ومن النور الابيض فى مرتبة السر فقيل لى فى العرش ارسلوا سكرى بابا فان اولاده يبكون فلاجل ذلك اريد ان اترك الكل فتضرعوا وحلفوا بان لا يفعلوا مثل ذلك ابدا ففرغ ووجه التمسية بذلك انه كان يعطى سكر الكل من يطلبه حتى طلبوا فى الحمام امتحانا له فضرب برجله رحام الحمام قال خذوه فانقلب سكرا فاعتقدوه وزالت شبهتهم قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده افندى الملكوت ليس فى الفوق بل الملك والملكوت عندك هنا فان اللّه تعالى منزه عن الزمان والمكان والذهاب والاياب وهو معكم اينما كنتم فللسالك مرتبة ينظر فيها الى اللّه والى الحق ويسمى تلك بالمعية ثم بعد ذلك اذا وصل الى الفناء الكلى واضمحل وجوده يسمى ذلك بمقام الجمع ففى ذلك المقام لا يرى السالك ما سوى اللّه تعالى كمن احاطه نور لا يرى الظلمة ألا يرى ان من نظر الى الشمس لا يرى غيرها وتلك الرؤية ليس بحاسة البصر ولا كرؤية الاجسام بل كما ذكر العلماء وكمل الاولياء والانبياء صلوات اللّه عليهم اجمعين والموحد اذا كان موحدا يوصله الوحيد الى الملكوت والجبروت واللاهوت اعنى الموحد يتخلص من الاثنينية ومن التقيد بالاكوان والاجسام والارواح فيشاهد عند ذلك سر قوله تعالى { انما اللّه اله واحد } اللّهم اجعلنا من الواصلين ١٧٢ { لن يستنكف المسيح } فى اساس البلاغة استنكف منه ونكف امتنع وانقبض انفا وحمية { ان يكون عبدا للّه } اى من ان يكون عبدا له تعالى فان عبوديته شرف يتباهى بها وانما المذلة والاستنكاف فى عبودية غيره روى ان وفد نجران قالوا لرسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم لم تعيب صاحبنا قال ( ومن صاحبكم ) قالوا عيسى قال ( وأى شىء اقول ) قالوا تقول انه عبد اللّه قال ( انه ليس بعار ان يكون عبد اللّه ) قالوا بلى بعار فنزلت { ولا الملائكة المقربون } عطف على المسيح اى ولا يستنكف الملائكة المقربون ان يكونوا عبيدا والمراد بهم الكروبيون الذين حول العرش كجبريل وميكائيل واسرافيل ومن فى طبقتهم { ومن يستنكف } اى يترفع { عن عبادته } اى عن طاعته فيشمل جميع الكفرة لعدم طاعتهم له تعالى { ويستكبر } الاستكبار دون الاستنكاف ولذلك عطف عليه وانما يستعمل حيث لا استحقاق بخلاف التكبر فانه قد يكون باستحقاق { فسيحشرهم اليه } اى فسيجمعهم اليه يوم القيامة { جميعا } المستنكف والمستكبر والمقر والمطيع فيجازيهم ١٧٣ { فاما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم اجورهم } اى ثواب اعمالهم من غير ان ينقص منها شيأ اصلا { ويزيدهم من فضله } بتضعيفها اضعافا مضاعفة وباعطاء ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر { واما الذين استنكفوا } اى عن عبادته تعالى { واستكبروا فيعذبهم } بسبب استنكافهم واستكبارهم { عذابا اليما } وجيعا لا يحيط به الوصف { ولا يجدون لهم من دون اللّه } اى غيره تعالى { وليا } يلى امورهم ويدبر مصالحهم { ولا نصيرا } بنصرهم من بأسه تعالى وينجيهم من عذابه واحتج بالآية من زعم فضل الملائكة على الانبياء عليهم السلام وقال مساقه لرد النصارى فى رفع المسيح عن مقام العبودية وذلك يقتضى ان يكون المعطوف وهو ولا الملائكة المقربون اعلى درجة من المعطوف عليه وهو المسيح حتى يكون عدم استنكافهم مستلزما لعدم استنكافه عليه السلام واجيب بان مناط كفر النصارى ورفعهم له عليه السلام عن رتبة العبودية لما كان اختصاصه عليه السلام وامتيازه عن سائر افراد البشر بالولادة من غير اب وبالعلم بالمغيبات وبالرفع الى السماء عطف على عدم استنكافه عن عبوديته عدم استنكاف من هو اعلى درجة منه فيما ذكر فان الملائكة مخلوقون من غير اب ولا ام وعالمون بما لا يعلمه البشر من المغيبات ومقامهم السموات العلى ولا نزاع لاحد فى علو درجتهم من هذه الحيثية وانما النزاع فى علوها من حيث كثرة الثواب على الطاعات كذا فى الارشاد قال فى التأويلات النجمية عند قوله تعالى { ولا الملائكة المقربون } ما ذكرهم للفضيلة على عيسى وانما ذكرهم لان بعض الكفار قالوا { الملائكة بنات اللّه } كما قالت النصارى { المسيح ابن اللّه } قال تعالى { ألكم الذكر وله الانثى تلك اذن قسمة ضيزى } بل فضل اللّه المسيح عليهم بتقديم الذكر لان المسيح نسب اليه بالبنوة ونسبت الملائكة اليه بالبنتية وللذكر فضيلة وتقدم على الاناث كقوله تعالى { للذكر مثل حظ الانثيين } فقدم اللّه الذكر على الانثى وجعل له سهمين وللانثى واحدا فكما ان للذكر فضيلة على الانثى فكذلك للمسيح فضيلة على الملائكة اكبر واعظم يدل عليه ما صح عن جابر رضى اللّه عنه ان النبى عليه السلام قال ( لما خلق اللّه آدم وذريته قالت الملائكة يا رب كما خلقتهم يأكلون ويشربون وينكحون ويركبون فاجعل لهم الدنيا ولنا الآخرة قال اللّه تعالى لا اجعل من خلقته بيدى ونفخت فيه من روحى كمن قلت له كن فكان ) وانا اقول ومن فضيلة عيسى على الملائكة انه اجتمع فيه ما كان شرفا لآدم لانه من ذريته من قبل الام وما كان شرفا للملائكة اذ قال له ايضا كن فكان فقد وجد فى عيسى ما لم يوجد فى الملائكة ولم يوجد فى الملائكة شىء لا يوجد فى عيسى فافهم جدا انتهى كلام التأويلات واعلم ان اعظم الاستنكاف عن عبادة اللّه تعلى الشرك والاعراض عن توحيده كما ان اصل الاعمال التوحيد والايمان ثم ان الكبر من اكبر السيآت ولذا ورد فى بعض الاحاديث مقابلا للايمان قال عليه السلام ( لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال حبة من خردك من كبر ولا يدخل النار من كان فى قلبه مثقال ذرة من ايمان ) قال السعدى قدس سره ترا شهوت وكبر وحرص وحسد ... جوخون در كند وجوجان درجسد كراين دشمنان تقويت يافتند ... سر از حكم ورأى تو بر تافتند حكى ان قاضيا جاء الى ابى يزيد البسطامى رحمه اللّه يوما فقال نحن نعرف ما تعرفه ولكن لا نجد تأثيره فقال ابو يزيد خذ مقدارا من الجوز وعلق وعاه فى عنقك ثم ناد فى البلد كل من يلطمنى ادفع له جوزة حتى لا يبقى منه شىء فاذا فعلت ذلك تجد التأثير فاستغفر القاضى فقال ابو يزيد قد اذنبت لانى اذكر ما يخلصك من كبر نفسك وانت تستغفر منه : قال السعدى كسى راكه بندار درسربود ... مبندار هركزكه حق بشنود زعلمش ملال آيداز وعظ ننك ... شقايق بباران نرويد زسنك فعلى العاقل ان يتواضع فان الرفعة فى التواضع وهو من افضل العبادة ١٧٤ { يا ايها الناس } خطاب لعامة المكلفين { قد جاءكم برهان } كائن { من ربكم وانزلنا اليكم } بواسطة النبى عليه السلام { نورا مبينا } عنى بالبرهان المعجزات وبالنور القرآن اى جاءكم دلائل العقل وشواهد النقل ولم يبق لكم عذر ولا علة. والبرهان ما يبرهن به المطلوب وسمى القرآن نورا لكونه سببا لوقوع نور الايمان فى القلوب ولانه تتبين به الاحكام كما تتبين بالنور الاعيان ١٧٥ { فاما الذين آمنوا باللّه } حسبما يوجبه البرهان الذى اتاهم { واعتصموا به } اى امتنعوا به عن اتباع النفس الامارة وتسويلات الشيطان { فسيدخلهم فى رحمة منه } ثواب قدره بازاء ايمانه وعمله رحمة منه لا قضاء لحق واجب { وفضل } احسان زائد عليه مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر { ويهديهم اليه } اى الى اللّه { صراطا مستقيما } هو الاسلام والطاعة فى الدنيا وطريق الجنة فى الآخرة وهو مفعول ثان ليهدى لانه يتعدى الى مفعولين بنفسه كما يتعدى الى الثانى بالى يقال هديته الطريق وهديته الى الطريق ويكون اليه حالا منه مقدما عليه ولو اخر عنه كان صفة له والمعنى ويهديهم الى صراط الاسلام والطاعة فى الدنيا وطريق الجنة فى العقبى مؤديا ومنتهيا اليه تعالى والاشارة فى الآية ان اللّه تعالى اعطى لكل نبى آية وبرهانا ليقيم به الحجة على الامة وجعل نفس النبى عليه السلام برهانا منه وذلك لان برهان الانبياء كان فى الاشياء غير انفسهم مثل ما كان برهان موسى فى عصاه وفى الحجر الذى انفجرت منه اثنتا عشرة عينا وكان نفس النبى عليه السلام برهانا بالكلية فكان برهان عينيه ما قال عليه السلام ( لا تستبقونى بالركوع والسجود فانى اراكم من خلفى كما اراكم من امامى ) وبرهان بصره { ما زاغ البصر وما طغى } وبرهان انفه قال ( انى لاجد نفس الرحمان من قبل اليمين ) وبرهان لسانه { ما ينطق عن الهوى انه هو الا وحى يوحى } وبرهان بصاقه ما قال جابر رضى اللّه عنه انه امر يوم الخندف لاتخبزن عجينكم ولا تنزلن برمتكم حتى اجيىء فجاء فبصق فى العجين وبارك ثم بصق فى البرمة وبارك فاقسم باللّه انهم لأكلوا وهم الف حتى تركوه وانصرفوا وان برمتنا لتغط اى تغلى وان عجيننا ليخبز كما هو. وبرهان تفله انه تفل فى عين على كرم اللّه وجهه وهى ترمد فبرىء باذن اللّه يوم خيبر. وبرهان يده ما قال تعالى { وما رميت اذ رميت ولكن اللّه رمى } وانه سبح الحصى فى يده : قال العطاوى داعىء ذرات بود آن باك ذات ... دركفش تسبيح ازان كفتى حصاد وبرهان اصبعه انه اشار باصبعه الى القمر فانشق فلقتين حتى رؤى حراء بينهما ماه را انكشنت اوبشكافته ... مهر از فرمانش ازبس تافته وبرهان ما بين اصابعه انه كان الماء ينبع من بين اصابعه حتى شرب منه ورفعه خلق عظيم. وبرهان صدره انه كان يصلى ولصدره ازيز كازيز المرجل من البكاء. وبرهان قلبه انه تنام عيناه ولا ينام قلبه وقال تعالى { ما كذب الفؤاد ما رآى } وقال { ألم نشرح لك صدرك } وقال { نزل به الروح الامين على قلبك } وامثال هذه البراهين كثيرة فمن اعظمها انه عرج به الى السماء حتى جاوز قاب قوسين وابلغ او ادنى وذلك برهان لنفسه بالكلية وما اعطى نبى قبله مثله قط وكان بعد ان اوحى اليه افصح العرب والعجم وكان من قبل اميا لا يدرى ما الكتاب ولا الايمان وأى برهان اقوى واظهر واوضح من هذا واللّه اكرم هذه الامة به ومن عليهم فمن آمن به ايمانا حقيقيا بنور اللّه لا بالتقليد فتجذبه العناية وتدخله فى عالم الصفات فان رحمته وفضله صفته ويهديه بنور القرآن وحقيقة التخلق بخلقه الى جنابه تعالى فبالاعتصام يصعد السالك من الصراط المستقيم الى حضرة اللّه الكريم ولا بد للعبد من الاعتمال والاكتساب فى البداية اتباعا للاوامر الواردة فى الكتب الآلهية والسنن النبوية حتى ينتهى الى محض فضل اللّه تعالى فيكون هو المتصرف فى اموره ولذلك كان النبى عليه السلام يقول ( اللّهم لا تكلنى الى نفسى طرفة عين ولا اقل من ذلك ) وقد قال بعض الكبار المريد من لا مذهب له يعنى يتمسك باشق الاقوال والمذاهب من جميع المذاهب فيتوضأ من الرعاف والفصد مثلا وان كان شافعيا ومن المس وان كان حنفيا وتنوير الباطن لا يحصل الا بانوار الذكر والعبادة والمعرفة وتعين على ذلك العبادة الخالصة اذا اديت على وجه الكمال والخدمة بمقتضى السنة تصقله بازالة خبث الشهوات والاخلاق المذمومات والتوحيد افضل الاعمال الموصلة الى السعادة وفى الحديث ( ان الذين لا تزال ألسنتهم رطبة من ذكر اللّه يدخلون الجنة وهم يضحكون ) وفى الحديث ( ليس على اهل لا اله الا اللّه وحشة فى قبورهم ولا فى نشورهم كأنى انظر اليهم عند الصيحة ينفضون التراب عنهم ويقولون الحمد اللّه الذى اذهب عنا الحزن ان ربنا لغفور شكور ) وعلى هذا الحديث اول المشايخ هذه الآية الكريمة { والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه والذي خبث لا يخرج الا نكدا } اللّهم اجعلنا من الذاكرين الشاكرين ولا تجعلنا من الغافلين آمين ١٧٦ { يستفتونك } اى يطلبون منك الفتوى فى حق الكلالة { قل اللّه يفتيكم فى الكلالة } الافتاء تبيين المبهم وتوضيح المشكل. والكلالة فى مصدر بمعنى الكلال وهو ذهاب القوة من الاعياء استعيرت للقرابة من غير جهة الوالد والولد لضعفها فى الاضافة الى قرابتهما وتطلق على من لم يخلف ولدا ولا والدا وعلى من ليس بوالد ولا ولد من المخلفين والمراد هنا الثانى اى الذى مات ولم يرثه احد من الوالدين ولا احد من الاولاد لما روى ان جابر بن عبد اللّه كان مريضا فعاده رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال انى كلالة اى لا يخلفنى ولد ولا والد فكيف اصنع فى مالى فنزلت { ان امرؤ هلك } استئناف مبين للفتيا وارتفع امرؤ بفعل يفسره المذكور وقوله { ليس له ولد } صفة له اى ان هلك امرؤ غير ذى ولد ذكرا كان او انثى { وله اخت } عطف على قوله تعالى ليس له ولد او حال والمراد بالاخت من ليست لام فقط فان فرضها السدس فقط { فلها نصف ما ترك } اى بالفرض والباقى للعصبة اولها بالرد ان لم يكن له عصبة { وهو } اى المرؤ المفروض { يرثها } اى اخته المفروضة ان فرض هلاكها مع بقائه { ان لم يكن لها ولد } ذكرا كان او انثى فالمراد بارثه لها احراز جميع مالها اذ هو المشروط بانتفاء الولد بالكلية لا ارثه لها فى الجملة فانه يتحقق مع وجود بنتها { فان كانتا اثنتين } عطف على الشرطية الاولى اى اثنتين فصاعدا { فلهما الثلثان مما ترك } الضمير لمن يرث بالاخوة والتأنيث والتثنية باعتبار المعنى وفائدة الاخبار عنه باثنتين مع دلالة الف التثنية على الاثنينية التنبيه على ان المعتبر فى اختلاف الحكم هو العدد دون الصغر والكبر وغيرهما { وان كانوا } اى من يرث بطريق الاخوة { اخوة } اى مختلطة { رجالا ونساء } بدل من اخوة والاصل وان كانوا اخوة واخوات فغلب المذكر على المؤنث { فللذكر } منهم { مثل حظ الانثيين } يقسمون التركة على طريقة التعصيب وهذا آخر ما نزل فى كتاب اللّه من الاحكام روى ان الصديق رضى اللّه عنه قال فى خطبته ان الآية التى انزلها اللّه تعالى فى سورة النساء فى الفرائض اولها فى الولد والوالد وثانيها فى الزوج والزوجة والاخوة من الام والآية التى ختم بها السورة فى الاخت لابوين او لاب والآية التى ختم بها سورة الانفال انزلها فى اولى الارحام { يبين اللّه لكم } اى حكم الكلالة او احكامه وشرائعه التى من جملتها حكمها { ان تضلوا } اى كراهة ان تضلوا فى ذلك فهو مفعول لاجله على حذف المضاف وهو اشيع من حذف لا النافية بتقدير لئلا تضلوا { واللّه بكل شىء } من الاشياء التى من جملتها احوالكم المتعلقة بمحياكم ومماتكم { عليم } مبالغ فى العلم فيبين لكم ما فيه مصلحتكم ومنفعتكم والاشارة فى الآية ان اللّه تعالى لم يكل بيان قسمة التركات الى النبى صلى اللّه عليه وسلم مع انه تعالى وكل بيان اركان الاسلام من الشهادة والصلاة والزكاة والصيام والحج اليه واحكام الشريعة وقال { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } وولاه بيان القرآن العظيم وقال { لتبين للناس ما نزل اليهم } وتولى قسمة التركات بنفسه تعالى كما قال عليه السلام ( ان اللّه لم يرض بملك مقرب ولا نبى مرسل حتى تولى قسمة التركات واعطى كل ذى حق حقه ألا فلا وصية لوارث ) وانما لم يوله قسمة التركات لان الدنيا مزينة للناس والمال محبوب الى الطباع وجبلت النفس على الشح فلو لم ينص اللّه تعالى على مقادير الاستحقاق وكان القسم موكولا الى النبى عليه السلام لكان الشيطان اوقع فى بعض النفوس كراهة النبى عليه الصلاة والسلام لذلك فيكون كفرا لقوله عليه السلام ( لا يكون احدكم مؤمنا حتى اكون احب اليه من نفسه وماله وولده والناس اجمعين ) كما اوقع فى نفوس بعض شبان الانصار يوم حنين اذ افاء اللّه على رسوله اموال هوازن فطفق النبى عليه السلام يعطى رجالا من قريش المائة من الابل كل رجل منهم فقالوا يغفر اللّه لرسوله يعطى قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم قال انس فحدث رسول اللّه بمقالتهم فارسل الى الانصار فجمعهم فى قبة من ادم ولم يدع معهم احدا من غيرهم فلما اجتمعوا جاءهم رسول اللّه فقال ( ما حديث بلغنى عنكم ) فقال الانصار اما ذووا رأينا فلم يقولوا شيأ واما اناس حديثة اسنانهم فقالوا كذا وكذا للذى قالوا فقال النبى صلى اللّه عليه وسلم ( انما اعطى رجالا حديثى عهد بكفر فاؤلفهم ) او قال ( استألفهم أفلا ترضون ان يذهب الناس بالاموال وترجعوا برسول اللّه الى رحالكم فواللّه ما تنقلبون به خير مما ينقلبون به ) قالوا اجل يا رسول اللّه قد رضينا فالنبى عليه السلام ازال ما اوقع الشيطان فى نفوسهم بهذا اللطائف فلو كان قسم التركات اليه لكان للشيطان مجال الى آخر الدنيا فى ان يوقع الشر فى نفوس الامة ولم يمكن ازالته من النفوس لتعذر الوصول الى الخلق كلهم فى حال الحياة وبعد الوفاة فتولى اللّه ذلك لانه بكل شىء عليم ولعباده غفور رحيم برو علم يك ذره بوشيده نيست ... كه بنهان وبيدا بنزدش يكيست فروماندكانرا برحمت قريب ... تضرع كنانرا بدعوت مجيب فحسم الكلمة بما نص على المقادير فى الميراث فضلا منه وقطعا لمواد الخصومات بين ذوى الارحام ورحمة على النسوان فى التوريث لضعفهن وعجزهن عن الكسب واظهارا لتفضيل الذكور عليهن لنقصان عقلهن ودينهن وتبيانا للمؤمنين لئلا يضلوا بظن السوء بالنبى عليه السلام كما قال { يبين اللّه لكم ان تضلوا واللّه بكل شىء عليم } كذا فى التأويلات النجمية على صاحبها النفحات القدسية والبركات القدوسية |
﴿ ٠ ﴾