٣٦ { واعبدوا اللّه } العبادة عبارة عن كل فعل وترك يؤتى به بمجرد امر اللّه تعالى بذلك وهذا يدخل فيه جميع اعمال القلوب وجميع اعمال الجوارح { ولا تشركوا به شيأ } من الاشياء صنما او غيره او شيأ من الاشراك جليا وهو الكفر او خفيا وهو الرياء { وبالوالدين احسانا } اى واحسنوا اليهما احسانا. فالباء بمعنى الى كما فى قوله { وقد احسن بى } وبدأ بهما لان حقهما اعظم حقوق البشر فالاحسان اليهما بان يقوم بخدمتهما ولا يرفع صوته عليهما ولا يخشن فى الكلام معهما ويسعى فى تحصيل مطالبهما والانفاق عليهما بقدر القدرة { وبذى القربى } وبصاحب القرابة من اخ او عم او خال او نحو ذلك بصلة الرحم والمرحمة ان استغنوا والوصية وحسن الانفاق ان افتقروا { واليتامى } بانفاق ما هو اصلح لهم او بالقيام على اموالهم ان كان وصيا { والمساكين } بالمبار والصدقات واطعام الطعام او بالرد الجميل { والجار ذى القربى } اى الذى قرب جواره او الذى له مع الجوار اتصال بنسب او دين قال عليه السلام ( والذى نفسى بيده لا يؤدى حق الجار الا من رحم اللّه وقليل ما هم أتدرون ما حق الجار ان افتقر اغنيته وان استقرض اقرضته وان اصابه خير هنأته وان اصابه شر عزيته وان مرض عدته وان مات شيعت جنازته ) { والجار الجنب } اى البعيد او الذى لا قرابة له وعنه عليه السلام ( الجيران ثلاثة فجار له ثلاثة حقوق حق الجوار وحق القرابة وحق الاسلام وجار له حقان حق الجوار وحق الاسلام وجار له حق واحد هو حق الجوار وهو الجار من اهل الكتاب ) { والصاحب بالجنب } اى الرفيق فى امر حسن كتعلم وتصرف وصناعة وسفر فانه صحبك وحصل بجانبك ومنهم من قعد بجنبك فى مسجد اومجلس او غير ذلك من ادنى صحبة التأمت بينك وبينه فعليك ان ترى ذلك الحق ولا تنساه وتجعله ذريعة الى الاحسان { وابن السبيل } هو المسافر الذى سافر عن بلده وماله والاحسان بان تؤويه وتزوده او هو الضيف الذى ينزل عليك وحقه ثلاثة ايام وما زاد على ذلك فهو صدقة ولا يحل له ان يقيم عنده حتى يخرجه { وما ملكت ايمانكم } من العبيد والاماء والاحسان اليهم بان يؤدبهم ولا يكلفهم مالا طاقة لهم ولا يكثر العمل لهم طول النهار ولا يؤذيهم بالكلام الخشن بل يعاشرهم معاشرة حسنة ويعطيهم من الطعام والكسوة ما يحتاجون اليه قال بعضهم كل حيوان فهو مملوك والاحسان اليه بما يليق به طاعة عظيمة { ان اللّه لا يحب من كان مختالا } اى متكبرا يأنف من اقاربه وجيرانه واصحابه ولا يلتفت اليهم { فخورا } بما لا يليق يتفاخر عليهم ولا يقوم بالحقوق ويقال فخورا فى نعم اللّه لا يشكر قال اللّه تعالى لموسى عليه السلام [ يا موسى انى انا اللّه لا اله الا انا فاعبدنى وحدى لا شريك لى فمن لم يرض بقضائى ولم يشكر على نعمائى ولم يصبر على بلائى ولم يقنع بعطائى فليعبد ربا سواى. يا موسى لولا من يسجد لى ما انزلت من السماء قطرة ولا انبت فى الارض شجرة ولولا من يعبدنى مخلصا لما امهلت من يجحدنى طرفة عين ولولا من يشكر نعمتى لحبست القطر فى الجو. يا موسى لولا التائبون لخسفت بالمذنبين ولولا الصالحون لاهلكت الطالحين ] واعلم ان العبادة ان تعبد اللّه وحده بطريق اوامره ونواهيه ولا تعبد معه شيأ من الدنيا والعقبى فانك لو عبدت اللّه خوفا من شىء او طمعا فى شىء فقد عبدت ذلك الشىء والعبودية طلب المولى بالمولى بترك الدنيا والعقبى والتسليم عند جريان القضاء شاكرا صابرا فى النعم والبلوى فلا بد من التوحيد الصرف وترك الشرك حتى يوصله اللّه الى مبتغاه : قال بعض العارفين نقد هستى محو كن در ( لا اله ) ... تابه بينى دار ملك بادشاه غير حق هرذره كان مقصود تست ... تيغ ( لا ) بركش كه آن معبودتست ( لا ) كه عرش وفرش رابرمى درد ... از فنا سوى بقاره ميبرد ( لا ) ترا از تو رهايى ميدهد ... با خدايت آشنايى ميدهد جون توخودرا از ميان برداشتى ... قصر ايمانرا درى افراشتى فاذا حصل المقصود ووصل العابد الى المعبود فحيئنذ يصح منه بالوالدين احسانا وبذى القربى واليتامى والمساكين الآية لان الاحسان صفات اللّه تعالى لقوله تعالى { الذى احسن كل شىء خلقه } والاساءة من صفات الانسان لقوله { ان النفس لامارة بالسوء } فالعبد لا يصدر منه الاحسان الا ان يكون متخلقا باخلاق نفسه كما قال تعالى { ما اصابك من حسنة فمن اللّه وما اصابك من سيئة فمن نفسك } وفيه اشارة اخرى وهى ان شرط العبودية الاقبال على اللّه بالكلية والاعراض عما سواه ولا يصدر منه الاحسان الا اذا اتصف باخلاق اللّه حتى يخرج من عهدة العبودية بالوصول الى حضرة الربوبية فتفنى عنك به وتبقى به للوالدين وغيرهما محسنا لاحسانه بلا شرك ولا رياء فان الشرك والرياء من بقاء النفس ولهذا قال عقيب الآية { ان اللّه لا يحب من كان مختالا فخورا } لان الاختيار والفخر من اوصاف النفس واللّه تعالى لا يحب النفس ولا اوصافها لان النفس لا تحب اللّه ولا المحبة من اوصافها فانها تحب الدنيا وزخارفها وما يوافق مقتضاها قال صلى اللّه عليه وسلم ( الشرك اخفى فى ابن آدم من دبيب النملة على الصخرة الصماء فى الليلة الظلماء ) ومن خدم مخلوقا خوفا من مضرته او طمعا فى منفعته فقد اشرك عملا كه داند جودربند حق نيستى ... اكر بى وضو درنماز ايستى بروى ريا خرقة سهلست دوخت ... كرش باخدا در توانى فروخت اكرجز بحق ميرود جاده ات ... در آتش فشانند سجاده ات قال تعالى { وقدمنا الى ما عملوا من علم فجعلناه هباء منثورا } يعنى الاعمال التى عملوها لغير وجه اللّه ابطلنا ثوابها وجعلناها كالهباء المنثور وهو الغبار الذى يرى فى شعاع الشمس وجاء رجل الى النبى عليه السلام فقال يا رسول اللّه انى اتصدق بالصدقة فالتمس بها وجه اللّه تعالى واحب ان يقال لى فيه خير فنزل قوله تعالى { فمن كان يرجو لقاء ربه } يعنى من خاف المقام بين يدى اللّه تعالى ويريد ثوابه { فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا } رزقنا اللّه واياكم الاخلاص |
﴿ ٣٦ ﴾