٨٥

{ من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها } وهو ثواب الشفاعة والتسبب الى الخير الواقع بها والشفاعة الحسنة هى التى روعى بها حق مسلم ودفع بها عنه شر او جلب اليه خير وابتغى بها وجه اللّه تعالى ولم تؤخذ عليها رشوة وكانت فى امر جائز لا فى حد من حدود اللّه ولا فى حق من الحقوق

{ ومن يشفع شفاعة سيئة } وهى ما كانت بخلاف الحسنة

{ يكن له كفل منها } اى نصيب من وزرها مساو لها فى المقدار من غير ان ينقص منه شىء

وعن مسروق انه شفع شفاعة فاهدى اليه المشفوع له جارية فغضب وردها وقال لو علمت ما فى قلبك لما تكلمت فى حاجتك لا اتكلم فيما بقى منها

ومن بلاغات الزمخشرى شيآن شينان فى الاسلام الشفاعة فى الحدود والرشوة فى الاحكام والحدود عقوبة مقدرة يجب على الامام اقامتها حقا للّه تعالى لئلا يتضرر العباد فالتعزير ليس بحد اذ ليس له قدر معين فان اكثره تسعة وثلاثون سوطا واقله ثلاثة وكذا القصاص لا يسمى حدا لانه حق العبد وهو ولى القصاص ولهذا سقط بالعفو والاعتياض فحد الزنى لغير المحصن مائة جلدة ولعبد نصفها وحد شرب الخمر ثمانون سوطا للحر واربعون للعبد مفرقا على بدنه كما فى حد الزنى وحد القذف كحد الشرب فمن قذف محصنا او محصنة بصريح الزنى حد بطلب المقذوف المحصن لان فيه حق العبد من حيث دفع العار عنه وكذا طلب المسروق منه شرط القطع فى السرقة فهذه حدود لا يجرى فيها الشفاعة اذ الحق علم القاضى بالواقعة ولهذا قال فى ترجمة وصايا الفتوحات المكية [ ونزيدك حاكم در حدود اللّه شفاعت مكن از ابن عباس رضى اللّه عنهما در خواست كردند در اب دزدى شفاعت كند ابن عباس رضى اللّه عنهما كفت هركه شفاعت كند وهركه قبول كند هردودر لعنت اندر اكرييش آزانكه بحاكم معلوم نشود ميكفتيد مى شد ] انتهى ولما كانت الشفاعة فى القصاص غير الشفاعة فى الحدود قال صلى اللّه عليه وسلم ( ما من صدقة افضل من صدقة اللسان ) قيل وكيف ذلك قال ( الشفاعة يحقن بها الدم ويجر بها المنفعة الى آخر ويدفع بها المكروه عن آخر ) ذكره الامام الغزالى رحمه اللّه

وافصح الحديث عن ان الشفاعة هى التوسط بالقول فى وصول شخص الى منفعة من المنافع الدنيوية او الاخروية وخلاصه من مضرة ما كذلك واذا كانت فى امر غير مشروع ولا تكون صدقة بل سيئة

وذكر فى ترجمة الوصايا ايضا [ جون براى كسى شفاعت كنى وكار اوساخته شود زنهار هدية او قبول مكن كه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انرا جمله ربا نهاده است شيخ اكبر قدس سره الاطهر فرمودكه دربعض بلاد عرب يكى ازاعيان مرابخانه خود دعوت كرد وترتيبى كرده بود وكرامتى مهيا داشته جون طعام احضار كردند اورا بسلطان بلند حاجتى بود ازمن طلب شفاعت كرد وسخن من نزد سلطان درغايت قبول بود شيخ فرمود كه اورا كفتم نعم وبر خاستم وطعام نخوردم وهدايا قبول نكردم وحاجت اوييش سلطان كزاردم واملاك وى بوى باز كشت ومرا هنوز حديث نبوى وقوف نبود ولكن مروءت من جنين تقاضا كرد واستنكاف كردم كه كسى را بمن حاجتى باشد وازوى بمن نفعى عائد شود ودر حقيقت آن عنايت وعصمت حق بود ] انتهى

وبالجملة ينبغى للمؤمن ان يشفع للجانى الى المجنّى عليه بل ومن حقوق الاسلام ان يشفع لكل من له حاجة من المسلمين الى من له عنده منزلة ويسعى فى قضاء حاجته بما يقدر عليه : قال السعدى قدس سره

كر ازحق نه توفيق خيرى رسد ... كى ازبنده خيرى بغيرى رسد

اميداست از آنانكه طاعت كنند ... كه بى طاعتا نرا شفاعت كنند

ومن الشفاعة الحسنة الدعاء للمسلم فانه شفاعة الى اللّه تعالى وعن النبى عليه السلام ( من دعا لاخيه المسلم بظهر الغيب استجيب له وقال له الملك ولك مثل ذلك ) وهذا بيان لمقدار النصيب الموعودة والدعوة على المسلم بضد ذلك وانما يستجاب الدعاء بظهر الغيب لعبده عن شائبة الطمع والرياء بخلاف دعاء الحاضر لانه قلما يسلم من ذلك فالغائب لا يدعو للغائب الا للّه خالصا فيكون مقبولا والصلاة على النبى صلى اللّه عليه وسلم فى الصلاة وغيرها دعاء من العبد المصلى لمحمد صلى اللّه عليه وسلم عن ظهر الغيب فشرع ذلك رسول اللّه وامر اللّه به فى قوله تعالى

{ ان اللّه وملائكته يصلون على النبى يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما } ليعود هذا الخير من الملك على المصلى ولهذا جوز الحنفية قراءة الفاتحة لروحه المطهر عليه السلام ومنعها الشافعية لان الدعاء بالترحم يوهم التقصير ولذا لا يقال عند ذكر الانبياء رحمة اللّه عليهم بل عليهم السلام والجواب ان نفع القراءة يعود على القارىء فأى ضرر فى ذلك

{ وكان اللّه على كل شىء مقيتا } اى مقتدرا مجازيا بالحسنة والسيئة من اقات على الشىء اذا اقتدر عليه او شهيدا حفيظا

قال الامام الغزالى فى شرح الاسماء الحسنى معنى المقيت خالق الاقوات وموصلها الى الابدان وهى الاطعمة والى القلوب وهى المعرفة فيكون بمعنى الرازق الا انه اخص منه اذ الرزق يتناول القوت وغير القوت والقوت ما يكتفى به فى قوام البدن او يكون معناه المستولى على الشىء القادر عليه والاستيلاء يتم بالقدرة والعلم وعليه يدل قوله تعالى

{ وكان اللّه على كل شىء مقيتا } اى مطلعا قادرا فيكون معناه راجعا الى العلم والقدرة فوصفه بالمقيت اتم من وصفه بالقادر وحده وبالعالم وحده لانه دال على اجتماع المعنيين وبذلك يخرج هذا الاسم من الترادف

والاشارة فى الآية

{ من يشفع شفاعة حسنة } لايصال نوع من الخيرات الى الغير

{ يكن له نصيب منها } فانها من خصوصيتها ان يكون له نصيب منها اى له نصيب من هذه الحسنة فمن تلك الخصوصية قد يشفع شفاعة حسنة

{ ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له } اى فى جبلته

{ كفل منها } يعنى من تلك السيئة التى هى ايصال نوع من الشر فيها قد يشفع شفاعة سيئة كما قال تعالى

{ والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه والذى خبث لا يخرج الا نكدا } { وكان اللّه } فى الازل

{ على كل شىء مقيتا } شهيدا فى ايجاد المحسن والمسيىء مقتدرا عليما حفيظا يعطيهما استعداد شفاعة حسنة وسيئة لا يقدران اليوم على تبديل استعدادهما لقابلية الخير والشر فافهم جدا : قال الحافظ قدس سره

نقش مستورى ومستى نه بدست من وتست ... آنجه استاد ازل كفت بكن آن كردم

وقال السعدى قدس سره

كرت صورت حال بد يانكوست ... نكاريده دست تقدير اوست

﴿ ٨٥