٩٧

{ ان الذين توفاهم الملائكة } يحتمل ان يكون ماضيا فيكون اخبارا عن احوال قوم معينين انقرضوا ومضوا وان يكون مضارعا قد حذف منه احدى التاءين واصله تتوفاهم وعلى هذا تكون الآية عامة فى حق كل من كان بهذه الصفة والظاهر ان لفظ المضارع ههنا على حكاية الحال الماضية والقصد الى استحضار صورتها بشهادة كون خبر انّ فعلا ماضيا وهو قالوا والمراد بتوفى الملائكة اياهم قبض ارواحهم عند الموت والملك الذى فوض اليه هذا العمل هو ملك الموت وله اعوان من الملائكة واسناد التوفى الى اللّه تعالى فى قوله

{ اللّه يتوفى الانفس } وفى قوله

{ هو الذى يحييكم ثم يميتكم } مبنى على ان خالق الموت هو اللّه تعالى

{ ظالمى انفسهم } فى حال ظلمهم انفسهم بترك الهجرة واختيار مجاورة الكفرة الموجبة للاخلال بامور الدين فانها نزلت فى ناس من مكة قد اسلموا ولم يهاجروا حين كانت الهجرة فريضة فانه تعالى لم يكن يقبل الاسلام بعد هجرة النبى صلى اللّه عليه وسلم الى المدينة الا بالهجرة اليها ثم نسخ ذلك بعد فتح مكة بقوله عليه السلام ( لا هجرة بعد الفتح ) قال اللّه تعالى فيمن آمن وترك الهجرة { الذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شىء حتى يهاجروا} وهو حال من ضمير توفاهم فانه وان كان مضافا الى المعرفة وحق الحال ان يكون نكرة الا ان اصله ظالمين انفسهم فتكون الاضافة لفظية

{ قالوا } اى الملائكة للمتوفين تقريرا لهم بتقصيرهم فى اظهار اسلامهم واقامة احكامه من الصلاة ونحوها وتوبيخا لهم بذلك

{ فيم كنتم } اى فى اى شىء كنتم من امور دينكم كأنه قيل فماذا قالوا فى الجواب فقيل

{ قالوا } متجانفين عن الاقرار الصريح بما هم فيه من التقصير متعللين بما يوجبه على زعمهم

{ كنا مستضعفين فى الارض } اى فى ارض مكة عاجزين عن القيام بمواجب الدين فيما بين اهلها

{ قالوا } ابطالا لتعللّهم وتبكيتا لهم { ألم تكن ارض اللّه واسعة فتهاجروا فيها } الى قطر آخر منها تقدرون فيه على اقامة امور الدين كما فعله من هاجر الى المدينة والى الحبشة

وقيل كانت الطائفة المذكورة قد خرجوا مع المشركين الى بدر فقتلوا فيها فضربت الملائكة وجوههم وادبارهم وقالوا لهم ما قالوا فيكون ذلك منهم تقريعا لهم وتوبيخا لهم بما كانوا فيه من مساعدة الكفرة بانتظامهم فى عسكرهم ويكون جوابهم بالاستضعاف تعللا بانهم كانوا مقهورين تحت ايديهم وانهم اخرجوهم اى الى بدر كارهين فرد عليهم بانهم كانوا بسبيل من الخلاص من قهرهم متمكنين من المهاجرة

{ فاولئك } الذين حكيت احوالهم الفظيعة

{ مأواهم } اى فى الآخرة

{ جهنم } كما ان مأواهم فى الدنيا دار الكفر لتركهم الواجب ومساعدتهم الكفار وكون جهنم مأواهم نتيجة لما قبله وهو الجملة الدالة على ان لا عذر لهم فى ذلك اصلا فعطف عليه عطف جملة على اخرى

{ وساءت مصيرا } مصيرهم جهنم

﴿ ٩٧